كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله - الصفحة 16 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         فوائد متنوعة منتقاة من بعض الكتب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 8 - عددالزوار : 189 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4417 - عددالزوار : 853565 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3948 - عددالزوار : 388671 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12522 - عددالزوار : 214082 )           »          أطفالنا والمواقف الدموية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 48 )           »          عشر همسات مع بداية العام الهجري الجديد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 43 )           »          وصية عمر بن الخطاب لجنوده (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 64 )           »          المستقبل للإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 63 )           »          انفروا خفافاً وثقالاً (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 58 )           »          أثر الهجرة في التشريع الإسلامي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > فتاوى وأحكام منوعة

فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #151  
قديم 29-07-2022, 07:30 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,902
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الرابع

الحلقة (151)
صــــــــــ 50 الى صـــــــــــ56






( قال الشافعي ) أخبرني عمي محمد بن علي عن الثقة أحسبه محمد بن علي بن حسين ، أو غيره عن مولى لعثمان بن عفان رضي الله عنه قال : بينا أنا مع عثمان في ماله بالعالية في يوم صائف إذ رأى رجلا يسوق بكرين وعلى الأرض مثل الفراش من الحر فقال : ما على هذا لو أقام بالمدينة حتى يبرد ثم يروح ثم دنا الرجل فقال : انظر من هذا فقلت أنا رجلا معمما بردائه يسوق بكرين ثم دنا الرجل فقال : انظر فنظرت ، فإذا عمر بن الخطاب فقلت هذا أمير المؤمنين فقام عثمان فأخرج رأسه من الباب فأداه لفح السموم فأعاد رأسه حتى حاذاه فقال : ما أخرجك هذه الساعة ؟ [ ص: 50 ] فقال : بكران من إبل الصدقة تخلفا ، وقد مضى بإبل الصدقة فأردت أن ألحقهما بالحمى وخشيت أن يضيعا فيسألني الله عنهما فقال عثمان يا أمير المؤمنين هلم إلى السماء والظل وتكفيك فقال : عد إلى ظلك فقلت عندنا من يكفيك فقال : عد إلى ظلك فمضى فقال عثمان " من أحب أن ينظر إلى القوي الأمين فلينظر إلى هذا " فعاد إلينا فألقى نفسه .

( قال الشافعي ) في حكاية قول عمر لعثمان في البكرين اللذين تخلفا وقول عثمان " من أحب أن ينظر إلى القوي الأمين فلينظر إلى هذا " ( أخبرنا ) مالك عن ابن شهاب يعني بما حكاه عن عمر وعثمان .

( قال الشافعي ) وإن كان للخليفة مال يحمل عليه في سبيل الله من إبل وخيل فلا بأس أن يدخلها الحمى ، وإن كان منها مال لنفسه فلا يدخلها الحمى فإنه إن يفعل ظلم ; لأنه منع منه وأدخل لنفسه ، وهو من أهل القوة .

( قال الشافعي ) وهكذا من كان له مال يحمل عليه في سبيل الله دون الخليفة قال : ومن سأل الوالي أن يقطعه في الحمى موضعا يعمره فإن كان حمى النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن إلا منعه إياه وأن عمر أبطل عمارته وكان كمن عمر فيما ليس له أن يعمر فيه ، وإن كان حمى أحدث بعده فكان يرى الحمى حقا كان له منعه ذلك ، وإن أراد العمارة كان له منعه العمارة ، وإن سبق فعمر لم يبن لي أن تبطل عمارته والله تعالى أعلم . ويحتمل إذا جعل الحمى حقا وكان هو في معنى ما حمى رسول الله صلى الله عليه وسلم ; لأنه حمى لمثل ما حماه له أن يبطل عمارته ، وإن أذن له الوالي بعمارة لم يكن له إبطال عمارته ; لأن إذنه له إخراج له من الحمى ، وقد يجوز أن يخرج ما أحدث حماه من الحمى ويحمي غيره إذا كان غير ضرر على من حماه عليه ، وليس للوالي بحال أن يحمي من الأرض إلا أقلها ، وقد يوسع الحمى حتى يقع موقعا ويبين ضرره على من حمى عليه ، وما أحدث من حمى فرعاه أحد لم يكن عليه في رعيته شيء أكثر من أن يمنع رعيته ، فأما غرم ، أو عقوبة فلا أعلمه عليه .
تشديد أن لا يحمي أحد على أحد

( قال الشافعي ) أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " { من منع فضول الماء ليمنع به الكلأ منعه الله فضل رحمته يوم القيامة } .

( قال الشافعي ) ففي هذا الحديث ما دل على أنه ليس لأحد أن يمنع فضل مائه ، وإنما يمنع فضل رحمة الله بمعصية الله فلما كان منع فضل الماء معصية لم يكن لأحد منع فضل الماء ، وفي هذا الحديث دلالة على أن مالك الماء أولى أن يشرب به ويسقي وأنه إنما يعطي فضله عما يحتاج إليه ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { من منع فضل الماء ليمنع به الكلأ منعه الله فضل رحمته } وفضل الماء الفضل عن حاجة مالك الماء .

( قال الشافعي ) : وهذا أوضح حديث روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الماء ، وأشبه معنى ; لأن مالكا روى عن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن عن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { لا يمنع نفع البئر } .

( قال الشافعي ) فكان هذا جملة ندب المسلمون إليها في الماء ، وحديث أبي هريرة رضي الله عنه أصحها وأبينها معنى .

( قال الشافعي ) وكل ماء ببادية يزيد في عين ، أو بئر ، أو غيل أو نهر بلغ مالكه منه حاجته لنفسه وماشيته وزرع إن كان له فليس له منع فضله عن حاجته من أحد يشرب ، أو يسقي ذا روح خاصة دون الزرع وليس لغيره أن يسقي منه زرعا ، ولا شجرا إلا أن يتطوع بذلك مالك الماء ، وإذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { من منع فضل الماء ليمنع به الكلأ منعه الله فضل رحمته } ففي هذا [ ص: 51 ] دلالة إذا كان الكلأ شيئا من رحمة الله أن رحمة الله رزقه خلقه عامة للمسلمين وليس لواحد منهم أن يمنعها من أحد إلا بمعنى ما وصفنا من السنة والأثر الذي في معنى السنة ، وفي منع الماء ليمنع به الكلأ الذي هو من رحمة الله عام يحتمل معنيين : أحدهما أن ما كان ذريعة إلى منع ما أحل الله لم يحل ، وكذلك ما كان ذريعة إلى إحلال ما حرم الله تعالى .

( قال الشافعي ) فإن كان هذا هكذا ففي هذا ما يثبت أن الذرائع إلى الحلال والحرام تشبه معاني الحلال والحرام ويحتمل أن يكون منع الماء إنما يحرم ; لأنه في معنى تلف على ما لا غنى به لذوي الأرواح والآدميين وغيرهم ، فإذا منعوا فضل الماء منعوا فضل الكلأ ، والمعنى الأول أشبه والله أعلم ، فلو أن جماعة كان لهم مياه ببادية فسقوا بها واستقوا ، وفضل منها شيء فجاء من لا ماء له يطلب أن يشرب أو يسقي إلى واحد منهم دون واحد لم يجز لمن معه فضل من الماء ، وإن قل منعه إياه إن كان في عين ، أو بئر ، أو نهر ، أو غيل ; لأنه فضل ماء يزيد ويستخلف ، وإن كان الماء في سقاء ، أو جرة ، أو وعاء ما كان ، فهو مختلف للماء الذي يستخلف فلصاحبه منعه ، وهو كطعامه إلا أن يضطر إليه مسلم والضرورة أن يكون لا يجد غيره بشراء ، أو يجد بشراء ، ولا يجد ثمنا فلا يسع عندي والله أعلم منعه ; لأن في منعه تلفا له ، وقد وجدت السنة توجب الضيافة بالبادية والماء أعز فقدا وأقرب من أن يتلف من منعه وأخف مؤنة على من أخذ منه من الطعام فلا أرى من منع الماء في هذه الحال إلا آثما إذا كان معه فضل من ماء في وعاء ، فأما من وجد غنى عن الماء بماء غير ماء صاحب الوعاء فأرجو أن لا يخرج من منعه .
إقطاع الوالي

( قال الشافعي ) رحمه الله : أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن يحيى بن جعدة قال : { لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أقطع الناس الدور فقال حي من بني زهرة يقال لهم بنو عبد بن زهرة نكب عنا ابن أم عبد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ابتعثني الله إذا ؟ إن الله لا يقدس أمة لا يؤخذ للضعيف فيهم حقه } .

( قال الشافعي ) في هذا الحديث دلائل :

منها أن حقا على الوالي إقطاع من سأله القطيع من المسلمين ; لأن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم { إن الله لا يقدس أمة لا يؤخذ للضعيف فيهم حقه } دلالة أن لمن سأله الإقطاع أن يؤخذ للضعيف فيهم حقه وغيره ودلالة على أن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع الناس بالمدينة وذلك بين ظهراني عمارة الأنصار من المنازل والنخل فلم يكن لهم بالعامر منع غير العامر ، ولو كان لهم لم يقطعه الناس ، وفي هذا دلالة على أن ما قارب العامر وكان بين ظهرانيه وما لم يقارب من الموات سواء في أنه لا مالك له فعلى السلطان إقطاعه ممن سأله من المسلمين .

( قال الشافعي ) أخبرنا ابن عيينة عن هشام عن عروة عن أبيه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطع الزبير أرضا } وأن عمر بن الخطاب أقطع العقيق أجمع وقال أين المستقطعون ؟ .

( قال الشافعي ) والعقيق قريب من المدينة وقوله " أين المستقطعون نقطعهم " ، وإنما أقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم عمر ومن أقطع ما لا يملكه أحد يعرف من الموات ، وفي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم { من أحيا مواتا فهو له } دليل على أن من أحيا مواتا كان له كما يكون له إن أقطعه واتباع في أن يملك [ ص: 52 ] من أحيا الموات ما أحيا كاتباع أمره في أن يقطع الموات من يحييه لا فرق بينهما ، ولا يجوز أن يقطع الموات من يحييه ولا مالك له ، وإذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { من أحيا مواتا فهو له } فعطية رسول الله صلى الله عليه وسلم عامة لمن أحيا الموات فمن أحيا الموات فبعطية رسول الله صلى الله عليه وسلم أحياه ، وعطيته في الجملة أثبت من عطية من بعده في النص والجملة ، وقد روي عن عمر مثل هذا المعنى لا يخالفه .
باب الركاز يوجد في بلاد المسلمين

( قال الشافعي ) رحمه الله : الركاز دفن الجاهلية أخبرنا ابن عيينة عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن الصعب بن جثامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { لا حمى إلا لله ورسوله } .

( قال الشافعي ) فلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا حمى إلا لله ورسوله } لم يكن لأحد أن ينزل بلدا غير معمور فيمنع منه شيئا يرعاه دون غيره وذلك أن البلاد لله عز وجل لا مالك لها من الآدميين ، وإنما سلط الله الآدميين على منع مالهم خاصة لا منع ما ليس لأحد بعينه وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا حمى إلا لله ولرسوله } أن لا حمى إلا حمى رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاح المسلمين الذين هم شركاء في بلاد الله ليس أنه حمى لنفسه دونهم ولولاة الأمر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحموا من الأرض شيئا لمن يحتاج إلى الحمى من المسلمين ، وليس لهم أن يحموا شيئا لأنفسهم دون غيرهم .

( قال الشافعي ) أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه استعمل مولى له يقال له هني على الحمى .

( قال الشافعي ) وقول عمر إنهم ليرون أني قد ظلمتهم يقول يذهب رأيهم أني حميت بلادا غير معمورة لنعم الصدقة ولنعم الفيء وأمرت بإدخال أهل الحاجة الحمى دون أهل القوة على المرعى في غير الحمى إلى أني قد ظلمتهم .

( قال الشافعي ) ولم يظلمهم عمر رضي الله عنه وإن رأوا ذلك ، بل حمى على معنى ما حمى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل الحاجة دون أهل الغنى وجعل الحمى حوزا لهم خالصا كما يكون ما عمر الرجل له خالصا دون غيره ، وقد كان مباحا قبل عمارته فكذلك الحمى لمن حمى له من أهل الحاجة ، وقد كان مباحا قبل يحمى .

قال : وبيان ذلك في قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه لولا المال الذي أحمل عليه في سبيل الله ما حميت على المسلمين من بلادهم شبرا أنه لم يحم إلا لما يحمل عليه لمن يحتاج إلى الحمى من المسلمين أن يحموا ورأى إدخال الضعيف حقا له دون القوي فكل ما لم يعمر من الأرض فلا يحال بينه وبين المسلمين أن ينزلوا ويرعوا فيه حيث شاءوا إلا ما حمى الوالي لمصلحة عوام المسلمين فجعله لما يحمل عليه في سبيل الله من نعم الجزية وما يفضل من نعم الصدقة فيعده لمن يحتاج إليه من أهلها ، وما يصير إليه من ضوال المسلمين وماشية أهل الضعف دون أهل القوة .

( قال الشافعي ) وكل هذا عام المنفعة بوجوه ; لأن من حمل في سبيل الله فذلك لجماعة المسلمين ومن أرصد له أن يعطي من ماشية الصدقة فذلك لجماعة ضعفاء المسلمين ، وكذلك من ضعف من المسلمين فرعيت له ماشيته [ ص: 53 ] فذلك لجماعة ضعفاء المسلمين وأمر عمر رضي الله عنه أن لا يدخل نعم ابن عفان وابن عوف لقوتهما في أموالهما وإنهما لو هلكت ماشيتهما لم يكونا ممن يصير كلا على المسلمين فكذلك يصنع بمن له غنى غير الماشية .
الأحباس

أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا الشافعي رحمه الله تعالى قال جميع ما يعطي الناس من أموالهم ثلاثة وجوه . ثم يتشعب كل وجه منها ، والعطايا منها في الحياة وجهان ، وبعد الوفاة واحد : فالوجهان من العطايا في الحياة مفترقا الأصل والفرع ، فأحدهما يتم بكلام المعطي والآخر يتم بأمرين ، بكلام المعطي وقبض المعطى أو قبض من يكون قبضه له قبضا .

( قال الشافعي ) والعطايا التي تتم بكلام المعطي دون أن يقبضها المعطى ما كان إذا خرج به الكلام من المعطى له جائرا على ما أعطى لم يكن للمعطي أن يملك ما خرج منه فيه الكلام بوجه أبدا وهذه العطية الصدقات المحرمات الموقوفات على قوم بأعيانهم ، أو قوم موصوفين وما كان في معنى هذه العطايا مما سبل محبوسا على قوم موصوفين ، وإن لم يسم ذلك محرما فهو محرم باسم الحبس .

( قال الشافعي ) : فإذا أشهد الرجل على نفسه بعطية من هذه فهي جائزة لمن أعطاها ، قبضها ، أو لم يقبضها ، ومتى قام عليه أخذها من يدي معطيها وليس لمعطيها حبسها عنه على حال بل يجبر على دفعها إليه ، وإن استهلك منها شيئا بعد إشهاده بإعطائها ضمن ما استهلك كما يضمنه أجنبي لو استهلكه ; لأنه إذا خرج من ملكه فهو والأجنبي فيما استهلك منه سواء ، ولو مات من جعلت هذه الصدقة عليه قبل قبضها ، وقد أغلت غلة أخذ وارثه حصته من غلتها ; لأن الميت قد كان مالكا لما أعطى ، وإن لم يقبضه كما يكون له غلة أرض لو غصبها ، أو كانت وديعة في يدي غيره فجحدها ثم أقر بها ، وإن لم يكن قبض ذلك ، ولو مات بها قبل أن يقبضها من تصدق بها عليه لم يكن لوارثه منها شيء وكانت لمن تصدق بها عليه ، ولا يجوز أن يقال ترجع موروثة والموروث إنما يورث ما كان ملكا للميت ، فإذا لم يكن للمتصدق الميت أن يملك شيئا في حياته ، ولا بحال أبدا لم يجز أن يملك الوارث عنه بعد وفاته ما لم يكن له أن يملك في حياته بحال أبدا .

قال : وفي هذا المعنى العتق ، إذا تكلم الرجل يعتق من يجوز له عتقه تم العتق ، ولم يحتج إلى أن يقبله المعتق ، ولم يكن للمعتق ملكه ، ولا لغيره ملك رق يكون له فيه بيع ، ولا هبة ، ولا ميراث بحال .

والوجه الثاني من العطايا في الحياة ما أخرجه المالك من يده ملكا تاما لغيره بهبته ، أو ببيعه ويورث عنه ، وهذا من العطايا يحل لمن أخرجه من يديه أن يملكه بوجوه ، وذلك أن يرث من أعطاه ، أو يرد عليه المعطى العطية ، أو يهبها له ، أو يبيعه إياها ، وهذا مثل النحل والهبة والصدقة غير المحرمة ، ولا التي في معناها بالتسبيل وغيره وهذه العطية تتم بأمرين :

إشهاد من أعطاها وقبضها بأمر من أعطاها والمحرمة والمسبلة تجوز بلا قبض . قيل : تقليد الهدي وإشعاره وسياقه وإيجابه بغير تقليد يكون على مالكه بلاغه البيت ونحوه والصدقة فيه بما صنع منه ، ولم يقبضه من جعل له وليس كذلك ما تصدق به بغير حبس مما لا يتم إلا بقبض من أعطيها لنفسه ، أو قبض غيره له ممن قبضه له قبض ، وهذا الوجه من العطايا لمعطيه أن يمنعه من أعطاه إياه ما لم يقبضه ، ومتى رجع في عطيته قبل قبض من أعطيه فذلك له ، وإن مات المعطى قبل يقبض العطية فالمعطي بالخيار إن أحب أن يعطيها ورثته عطاء مبتدأ لا عطاء موروثا عن المعطى ; لأن المعطى لم يملكها فعل وذلك أحب إلي له ، وإن شاء حبسها [ ص: 54 ] عنهم ، وإن مات المعطي قبل يقبضها المعطى فهي لورثة المعطي ; لأن ملكها لم يتم للمعطى . قال : والعطية بعد الموت هي الوصية لمن أوصى له في حياته فقال : إذا مت فلفلان كذا فله أن يرجع في الوصية ما لم يمت ، فإذا مات ملك أهل الوصايا وصاياهم بلا قبض كان من المعطى ، ولا بعده وليس للورثة أن يمنعوه الموصى لهم ، وهو لهم ملكا تاما - قال : وأصل ما ذهبنا إليه أن هذا موجود في السنة والآثار ، أو فيهما ففرقنا بينه اتباعا وقياسا .
الخلاف في الصدقات المحرمات

( قال الشافعي ) رحمه الله : فخالفنا بعض الناس في الصدقات المحرمات وقال من تصدق بصدقة محرمة وسبلها فالصدقة باطل وهي ملك للمتصدق في حياته ولوارثه بعد موته قبضها من تصدق بها عليه ، أو لم يقبضها وقال لي بعض من يحفظ قول قائل هذا : إنا رددنا الصدقات الموقوفات بأمور قلت له وما هي ؟ فقال قال شريح جاء محمد صلى الله عليه وسلم بإطلاق الحبس فقلت له وتعرف الحبس التي جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بإطلاقها ؟ قال لا أعرف حبسا إلا الحبس بالتحريم فهل تعرف شيئا يقع عليه اسم الحبس غيرها ؟

( قال الشافعي ) فقلت له أعرف الحبس التي جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بإطلاقها وهي غير ما ذهبت إليه وهي بينة في كتاب الله عز وجل قال اذكرها قلت : قال الله عز وجل { ما جعل الله من بحيرة ، ولا سائبة ، ولا وصيلة ، ولا حام } فهذه الحبس التي كان أهل الجاهلية يحبسونها فأبطل الله شروطهم فيها وأبطلها رسول الله صلى الله عليه وسلم بإبطال الله إياها وهي أن الرجل كان يقول : إذا نتج فحل إبله ثم ألقح فأنتج منه هو حام أي قد حمى ظهره فيحرم ركوبه ويجعل ذلك شبيها بالعتق له ويقول في البحيرة والوصيلة على معنى يوافق بعض هذا ويقول لعبده أنت حر سائبة لا يكون لي ، ولاؤك ، ولا علي عقلك قال : فهل قيل في السائبة غير هذا ؟ فقلت نعم قيل إنه أيضا في البهائم قد سيبتك ( قال الشافعي ) فلما كان العتق لا يقع على البهائم رد رسول الله صلى الله عليه وسلم ملك البحيرة والوصيلة والحام إلى مالكه وأثبت العتق وجعل الولاء لمن أعتق السائبة وحكم له بمثل حكم النسب ، ولم يحبس أهل الجاهلية علمته دارا ولا أرضا تبررا بحبسها ، وإنما حبس أهل الإسلام ( قال الشافعي ) فالصدقات يلزمها اسم الحبس وليس لك أن تخرج مما لزمه اسم الحبس شيئا إلا بخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدل على ما قلت وقلت أخبرنا سفيان عن عبد الله بن عمر بن حفص العمري عن نافع عن عبد الله بن عمر { أن عمر بن الخطاب ملك مائة سهم من خيبر اشتراها فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني أصبت مالا لم أصب مثله قط ، وقد أردت أن أتقرب به إلى الله عز وجل فقال حبس الأصل ، وسبل الثمرة } .

( قال الشافعي ) وأخبرني عمر بن حبيب القاضي عن عبد الله بن عون عن نافع عن ابن عمر { بأن عمر بن الخطاب قال يا رسول الله إني أصبت مالا من خيبر لم أصب مالا قط أعجب إلي أو أعظم عندي منه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شئت حبست أصله وسبلت ثمره } فتصدق به عمر بن الخطاب رضي الله عنه ثم حكى صدقته به .

( قال الشافعي ) فقال : إن كان هذا ثابت فلا يجوز إلا أن يكون الحبس التي أطلق غير الحبس التي أمر بحبسها قلت هذا عندنا ، وعندك ثابت ، وعندنا أكثر من هذا ، وإن كانت الحجة تقوم عندنا ، وعندك بأقل [ ص: 55 ] منه قال فكيف أجزت الصدقات المحرمات ، وإن لم يقبضها من تصدق بها عليه ؟ فقلت اتباعا وقياسا فقال : وما الاتباع ؟ فقلت له لما سأل عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ماله فأمره أن يحبس أصل ماله ويسبل ثمره دل ذلك على إجازة الحبس وعلى أن عمر كان يلي حبس صدقته ويسبل ثمرها بأمر النبي صلى الله عليه وسلم لا يليها غيره ، قال : فقال : أفيحتمل قول النبي صلى الله عليه وسلم حبس أصلها وسبل ثمرها اشترط ذلك ؟ قلت نعم والمعنى الأول أظهرهما وعليه من الخبر دلالة أخرى قال وما هي ؟ قلت إذا كان عمر لا يعرف وجه الحبس أفيعلمه حبس الأصل وسبل الثمر ويدع أن يعلمه أن يخرجها من يديه إلى من يليها عليه ولمن حبسها عليه ; لأنها لو كانت لا تتم إلا بأن يخرجها المحبس من يديه إلى من يليها دونه ، كان هذا أولى أن يعلمه ; لأن الحبس لا يتم إلا به ، ولكنه علمه ما يتم له ، ولم يكن في إخراجها من يديه شيء يزيد فيها ، ولا في إمساكها يليها هو شيء ينقص صدقته ، ولم يزل عمر بن الخطاب المتصدق بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم يلي فيما بلغنا صدقته حتى قبضه الله تبارك وتعالى ، ولم يزل علي بن أبي طالب رضي الله عنه يلي صدقته بينبع حتى لقي الله عز وجل ، ولم تزل فاطمة عليها السلام تلي صدقتها حتى لقيت الله تبارك وتعالى .

( قال الشافعي ) أخبرنا بذلك أهل العلم من ولد فاطمة وعلي وعمر ومواليهم ولقد حفظنا الصدقات عن عدد كثير من المهاجرين والأنصار لقد حكى لي عدد كثير من أولادهم وأهليهم أنهم لم يزالوا يلون صدقاتهم حتى ماتوا ينقل ذلك العامة منهم عن العامة لا يختلفون فيه ، وإن أكثر ما عندنا بالمدينة ومكة من الصدقات لكما وصفت لم يزل يتصدق بها المسلمون من السلف يلونها حتى ماتوا وأن نقل الحديث فيها كالتكلف ، وإن كنا قد ذكرنا بعضه قبل هذا .

فإذا كنا إنما أجزنا الصدقات ، وفيها العلل التي أبطلها صاحبك بها من قول شريح جاء محمد بإطلاق الحبس بأنه لا يجوز أن يكون مال مملوكا ثم يخرجه مالكه من ملكه إلى غير مالك له كله إلا بالسنة واتباع الآثار فكيف اتبعناهم في إجازتها وإجازتها أكثر ونترك اتباعهم في أن يحوزها كما حازوها ، ولم يولوها أحدا ؟ فقال : فما الحصة فيه من القياس ؟ قلت له لما { أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحبس الأصل أصل المال وتسبل الثمرة } دل ذلك على أنه أجاز أن يخرجه مالك المال من ملكه بالشرط إلى أن يصير المال محبوسا لا يكن لمالكه بيعه ، ولا أن يرجع إليه بحال كما لا يكون لمن سبل ثمره عليه بيع الأصل ، ولا ميراثه فكان هذا مالا مخالفا لكل مال سواه ; لأن كل مال سواه يخرج من مالكه إلى مالك فالمالك يملك بيعه وهبته ويجوز للمالك الذي أخرجه من ملكه أن يملكه بعد خروجه من يديه ببيع وهبة وميراث وغير ذلك من وجوه الملك ويجامع المال المحبوس الموقوف العتق الذي أخرجه مالكه من ماله بشيء جعله الله إلى غير ملك نفسه ، ولكن ملكه منفعة نفسه بلا ملك لرقبته كما ملك المحبس من جعل منفعة المال له بغير ملك منه لرقبة المال وكان بإخراجه الملك من يديه محرما على نفسه أن يملك المال بوجه أبدا كما كان محرما أن يملك العبد بشيء أبدا فاجتمعا في معنيين ، وإن كان العبد مفارقه في أنه لا يملك منفعة نفسه غير نفسه كما يملك منفعة المال مالك ، وذلك أن المال لا يكون مالكا إنما يملك الآدميون ، فلو قال قائل لماله أنت حر لم يكن حرا ، ولو قال أنت موقوف لم يكن موقوفا ; لأنه لم يملك منفعته أحدا ، وهو إذا قال لعبده أنت حر ، فقد ملكه منفعة نفسه فقال قد قال فيها فقهاء المكيين وحكامهم قديما وحديثا ، وقد علمنا أنهم يقولون قولك ، وأبو يوسف حين أجاز الصدقات قال قولك في أنها تجوز ، وإن وليها صاحبها حتى يموت واحتج فيها بأنه إنما أجازها اتباعا وأن المتصدقين بها من السلف ولوها حتى ماتوا ، ولكنا قد ذهبنا فيها وبعض البصريين إلى أن الرجل إن لم يخرجها من [ ص: 56 ] ملكه إلى من يليها دونه في حياته لمن تصدق بها عليه كانت منتقضة وأنزلها منزلة الهبات ، وتابعنا بعض المدنيين فيها وخالفنا في الهبات .

( قال الشافعي ) فقلت له قد حفظنا عن سلفنا ما وصفت وما أعرف عن أحد من التابعين أنه أبطل صدقة بأن لم يدفعها المتصدق بها إلى وال في حياته وما هذا إلا شيء أحدثه منهم من لا يكون قوله حجة على أحد وما أدري لعله سمع قولكم ، أو قول بعض البصريين فيه فاتبعه فقال وأنا أقوم بهذا القول عليك قلت له هذا قول تخالفه فكيف تقوم به ؟ قال أقوم به لمن قاله من أصحابنا وأصحابك فأقول إن أبا بكر الصديق رضي الله عنه نحل عائشة جداد عشرين وسقا فمرض قبل أن تقبضه فقال لها : لو كنت خزنتيه وقبضتيه كان لك ، وإنما هو اليوم مال الوارث ، وإن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال ما بال رجال ينحلون أبناءهم نحلا ثم يمسكونها فإن مات أحدهم قال مال أبي نحلنيه ، وإن مات ابنه قال مالي وبيدي لا نحلة إلا نحلة يحوزها الولد دون الوالد حتى يكون إن مات أحق بها " وأنه شكا إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه قول عمر فرأى أن الوالد يجوز لولده ما داموا صغارا ، فأقول إن الصدقات الموقوفات قياسا على هذا .
ولا أزعم ما زعمت من أنها مفترقة فقلت له أفرأيت لو اجتمعت هي والصدقات في معنى واختلفتا في معنيين ، أو أكثر الجمع بينهما أولى بتأويل ، أو التفريق ؟ قال بل التفريق فقلت له أفرأيت الهبات كلها والنحل والعطايا سوى الوقف لو تمت لمن أعطيها ثم ردها على الذي أعطاها ، أو لم يقبلها منه ، أو رجعت إليه بميراث ، أو شراء ، أو غير ذلك من وجوه الملك أيحل له أن يملكها ؟ قال نعم : قلت ، ولو تمت لمن أعطيها حل له بيعها وهبتها ؟ قال : نعم ، قلت : أفتجد الوقف إذا تم لمن وقف له يرجع إلى مالكه أبدا بوجه من الوجوه ، أو يملكه من وقف عليه ملكا يكون له فيه بيعه وهبته وأن يكون موروثا عنه ؟ قال : لا ، قلت والوقوف خارجه من ملك مالكها بكل حال ومملوكة المنفعة لمن وقفت عليه غير مملوكة الأصل ؟ قال نعم : قلت أفترى العطايا تشبه الوقوف في معنى واحد من معانيها ؟ قال في أنها لا تجوز إلا مقبوضة قلت : كذلك قلت أنت فأراك جعلت قولك أصلا قال : قسته على ما ذكرت إن خالف بعض أحكامه قلت : فكيف يجوز أن يقاس الشيء بخلافه وهي مخالفة لما ذكرت من العطايا غيرها ؟ أورأيت لو قال لك قائل : أراك تسلك بالعطايا كلها مسلكا واحدا فأزعم أن الرجل إذا أوجب الهدي على نفسه بكلام ، أو ساقه ، أو قلده أو أشعره كان له أن يبيعه ويهبه ويرجع ; لأنه لمساكين الحرم ، ولم يقبضوه أله ذلك ؟ قال : لا .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #152  
قديم 29-07-2022, 07:32 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,902
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله




كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الرابع

الحلقة (152)
صــــــــــ 57 الى صـــــــــــ63






قلت وأنت تقول لو دفع رجل إلى وال مالا يحمل به في سبيل الله ، أو يتصدق به متطوعا لم يكن له أن يخرجه من يدي الوالي بل يدفعه ؟ قال نعم قال ما العطايا بوجه واحد قلت فعمدت إلى ما دلت عليه السنة وجاءت الآثار بإجازته من الصدقات المحرمات فجعلته قياسا على ما يخالفه وامتنعت من أن تقيس عليه ما هو أقرب منه مما لا أصل فيه تفرق بينه وبينه . قال : وقلت له لو قال لك قائل : أنا أزعم أن الوصية لا تجوز إلا مقبوضة . قال : وكيف تكون الوصية مقبوضة ؟ قلت بأن يدفعها الموصي إلى الموصى له ويجعلها له بعد موته فإن مات جازت ، وإن لم يدفعها لم تجز كما أعتق رجل مماليك له فأنزلها النبي صلى الله عليه وسلم وصية ، وكما يهب في المرض فيكون وصية قال ليس ذلك له . قلت : فإن قال لك ولم ؟ قال أقول ; لأن الوصايا مخالفة للعطايا في الصحة قلت : فأذكر من قال يجوز بغير ما وصفنا من السلف . قال : ما أحفظه عن السلف وما أعلم فيه اختلافا قلنا : فبان لك أن المسلمين فرقوا بين العطايا ، قال : ما وجدوا بدا من التفريق بينهما . قلت : والوصايا بالعطايا أشبه من الوقف بالعطايا ، فإن للموصي أن يرجع في وصيته بعد الإشهاد عليها ويرجع في ماله إن مات من أوصى له بها ، أو ردها فكيف باينت بين [ ص: 57 ] العطايا والوصايا سواها وامتنعت من المباينة بين الوقف والعطايا سواه وأنت تفرق بين العطايا سواه فرقا بينا فنقول في العمرى هي لصاحبها لا ترجع إلى الذي أعطاها ، ولا تقول هذا في العارية ، ولا العطية غير العمرى ، قال بالسنة . قلت : وإذا جاءت السنة اتبعتها ؟ قال فذلك يلزمني . قلت : فقد وصفت لك في الوقف السنة والخبر العام عن الصحابة ، ولم تتبعه ، وقلت له أرأيت النحل والهبة والعطايا غير الوقف ألصاحبها أن يرجع فيها ما لم يقبضها من جعلها له ؟ قال : نعم ، قلت : فمن تقويت به فمن قال قولك من أصحابنا يقول لا يرجع فيها ، وإن مات قبل يقبضها من أعطيها رجعت ميراثا يكون في ذلك الوقف فيسوي بين قوليه ، قال : فهذا قول لا يستقيم ، ولا يجوز فيه إلا واحد من قولين إما أن يكون كما قلت إذا تكلم بالوقف ، أو العطية تمت لمن جعلها له وجبر على إعطائها إياه ، وإما أن يكون لا يتم إلا بالقبض مع العطايا فيكون له أن يرجع ما لم تتم بقبض من أعطيها ، ولا يجوز أبدا أن يكون له حبسها إذا تكلم بإعطائها ، ولا يكون لوارثه ملكها عنه إذا لم ترجع في حياته إلى ملكه لم ترجع في وفاته إلى ملكه فتكون موروثة عنه ، وهذا قول محال وكل ما وهبت لك فلي الرجوع فيه ما لم تقبضه ، أو يقبض لك ، وهذا مثل أن أقول : قد بعتك عبدي بألف فإن قلت قد رجعت قبل أن تختار أخذه كان لي الرجوع وكل أمر لا يتم إلا بأمرين لم يجز أن يملك بواحد . فقلت : هذا كما قلت إن شاء الله ، ولكن رأيتك ذهبت إلى رد الصدقات قال ما عندي فيها أكثر مما وصفت فهل لك فيها حجة غير ما ذكرت مما لزمك به عندنا إثبات الصدقات ؟ قال ما عندي فيها أكثر مما وصفت .

( قال الشافعي ) رحمه الله قلت ففيما وصفت أن صدقات المهاجرين والأنصار بالمدينة معروفة قائمة ، وقد ورث المهاجرين والأنصار النساء الغرائب والأولاد ذوو الدين والإهلاك لأموالهم والحاجة إلى بيعه فمنعهم الحكام في كل دهر إلى اليوم فكيف أنكرت إجازتها مع عموم العلم ؟ وأنت تقول لو أخرج رجل بيتا من داره فبناه مسجدا وأذن فيه لمن صلى ، ولم يتكلم بوقفه كان وقفا للمصلين ، ولم يكن له أن يعود في ملكه إذا أذن للمصلين فيه ، وفي قولك هذا أنه لم يخرجه من ملكه ، ولو كان إذنه في الصلاة إخراجه من ملكه كان إخراجه إلى غير مالك بعينه فكان مثل الحبس الذي يلزمك إطلاقها لحديث شريح فعمدت إلى ما جاءت به السنة من الوقف في الأموال والدور وما أخرجه مالكه من ملك نفسه فأبطلته بعلة وأجزت المسجد بلا خبر من أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جاوزت القصد فيه فأخرجته من ملك صاحبه ، ولم يخرجه صاحب من ملكه إنما يخرجه بالكلام وأنت تعيب على المدنيين أن يقضوا بحيازة عشرة وعشرين سنة .

إذا حاز الرجل الدار والمحوز عليه حاضر يراه يبنيها ويهدمها ، وهو يبيع المنازل لا يكلمه فيها . وقلت الصمت والحوز لا يبطل الحق إنما يبطله القول وتجعل إذن صاحب المسجد - ، وهو لم ينطق بوقفه - وقفا فتزكن عليه وتعيب ما هو أقوى في الحجة من قول المدنيين في الحيازة من قولك في المسجد وتقول هذا وهو إزكان ، وقلت له : أرأيت لو أذن في داره للحاج أن ينزلوها سنة ، أو سنتين أتكون صدقة عليهم ؟ قال لا وله منعهم متى شاء من النزول فيها ، قلت : فكيف لم تقل هذا في المسجد يخرجه من الدار ، ولا يتكلم بوقفه . فقال : إن صاحبينا قد عابا قول صاحبهم وصارا إلى قولكم في إجازة الصدقات ، فقلت له ما زاد قولنا قوة بنزوعهما إليه ، ولا ضعفا بفراقهما حين فارقاه ولهما بالرجوع إليه أسعد ، وما علمتهما أفادا حين رجعا إليه علما كانا يجهلانه ، قال : ولكن قد يصح عندهما الشيء بعد أن لم يصح ، فقلت : الله أعلم كيف كان رجوعهما ومقامهما والرجوع بكل حال خير لهما إن شاء الله وقلت له أيجوز لعالم أن يأتيه الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر منصوص فيقول به ، وإن عارضه [ ص: 58 ] معارض بخبر غير منصوص فيقول به ثم يأتي مثله فلا يقبله ويصرف أصلا إلى أصل ؟ قال : لا ، قلت : فقد فعلت وصرفت الصدقات إلى النحل وهما مفترقان عندك . وقلت له : أيجوز أن يأتيك الحديث عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في الصدقات بأمر يدل على أنهم تصدقوا بها وولوها وهم لا يفعلون إلا الجائز عندهم ، ثم يقولون في النحل عندهم : إنما تكون بأن تكون مقبوضات ، فتقول : أجعلوا الصدقات مثله ؟ قال : لا ، قلت : فقد فعلت قال : فلو كان هذا مأثورا عندهم عرفه الحجازيون ، فقلت قد ذكرت لك بعض ما حضرني من الأخبار على الدلالة عليه وأنه قول المكيين ، ولا أعلم من متقدمي المدنيين أحدا قال بخلافه .

( قال الشافعي ) ووصفت لك أن أهل هذه الصدقات من آل علي وغيرهم قد ذكروا ما وصفت من أن عليا رضي الله عنه ومن تصدق لم يزل يلي صدقته وصدقاتهم فيه جارية ثم ثبتت قائمة مشهورة القسم والموضع إلى اليوم ، وهذا أقوى من خبر الخاصة ، فقال فما تقول في الرجل يتصدق على ابنه ، أو ذي رحمه ، أو أجنبي بصدقة غير محرمة ، ولا في سبيل المحرمة بالتسبيل أيكون له ما لم يقبضها المتصدق عليه أن يرجع فيها ؟ قلت : نعم ، قال وسبيلها سبيل الهبات والنحل ؟ قلت : نعم . قال فأين هذا لي ؟ قلت معنى تصدقت عليك متطوعا معنى وهبت لك ونحلتك ; لأنه إنما هو شيء من مالي لم يلزمني أن أعطيكه ، ولا غيرك أعطيتك متطوعا ، وهو يقع عليه اسم صدقة ونحل وهبة وصلة وإمتاع ومعروف وغير ذلك من أسماء العطايا وليس يحرم علي لو أعطيتكه فرددته علي أن أملكه ، ولو مت أن أرثه كما يحرم علي لو تصدقت عليك بصدقة محرمة أن أملكها عنك بميراث ، أو غيره ، وقد لزمها اسم صدقة بوجه أبدا ؟ قلت له نعم أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن عبد الله بن يزيد الأنصاري ذكر الحديث .

( قال الشافعي ) وأخبرنا الثقة ، أو سمعت مروان بن معاوية عن عبد الله بن عطاء المديني عن ابن بريدة الأسلمي عن أبيه { أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني تصدقت على أمي بعبد وإنها ماتت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وجبت صدقتك ، وهو لك بميراثك } قال فلم جعلت ما تصدق به غير واجب عليه على أحد بعينه في معنى الهبات تحل لمن لا تحل له الصدقة الواجبة فهل من دليل على ما وصفت ؟ قلت : نعم أخبرني محمد بن علي بن شافع قال أخبرني عبد الله بن حسن بن حسين عن غير واحد من أهل بيته وأحسبه قال زيد بن علي أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم تصدقت بمالها على بني هاشم وبني المطلب وأن عليا رضي الله عنه تصدق عليهم وأدخل معهم غيرهم .

( قال الشافعي ) وأخرج إلى والي المدينة صدقة علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأخبرني أنه أخذها من آل أبي رافع وأنها كانت عندهم فأمر بها فقرئت علي ، فإذا فيها تصدق بها علي رضي الله عنه على بني هاشم وبني المطلب وسمى معهم غيرهم ، قال وبنو هاشم وبنو المطلب تحرم عليهم الصدقة المفروضة ، ولم يسم علي ، ولا فاطمة منهم غنيا ، ولا فقيرا ، وفيهم غني .

( قال الشافعي ) أخبرنا إبراهيم عن محمد عن جعفر بن محمد عن أبيه أنه كان يشرب من سقايات كان يضعها الناس بين مكة والمدينة فقلت أو قيل له ؟ فقال : إنما حرمت علينا الصدقة المفروضة .

( قال الشافعي ) فقال أفتجيز أن يتصدق الرجل على الهاشمي والمطلبي والغني منهم ومن غيرهم متطوعا ؟ فقلت : نعم استدلالا بما وصفت وأن الصدقة تطوعا إنما هي عطاء ، ولا بأس أن يعطى الغني تطوعا قال : فهل تجد أنه يجوز أن يعطى الغني ؟ فقلت : ما للمسألة من هذا موضع ، ولا بأس أن يعطى الغني قال : فاذكر فيه حجة قلت أخبرنا سفيان عن معمر عن الزهري عن السائب بن يزيد عن حويطب بن عبد العزى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : استعملني ، قال : فهل تحرم الصدقة [ ص: 59 ] تطوعا على أحد ؟ فقلت : لا إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يأخذها ويأخذ الهدية ، وقد يجوز تركه إياها على ما رفعه الله به وأبانه من خلقه تحريما ويجوز لغير ذلك ; لأن معنى الصدقات من العطايا هبة لا يراد ثوابها ومعنى الهدية يراد ثوابها قال : أفتجد دليلا على قبوله الهدية ؟ فقلت : نعم ، أخبرنيه مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن القاسم بن محمد عن عائشة { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل فقرب إليه خبز وأدم من أدم البيت فقال ألم أر برمة لحم فقالوا ذلك شيء تصدق به على بريرة فقال هو لها صدقة ، وهو لنا هدية } فقال : ما الذي يجوز أن يكون صدقة محرمة ؟ قلت : كل ما كان الشهود يسمونه بحدود من الأرضين والدور معمورها وغير معمورها والرقيق فقال أما الأرضون والدور فهي صدقات من مضى فكيف أجزت الرقيق وأصحابنا لا يجيزون الصدقة بالرقيق إلا أن يكونوا في الأرض المتصدق بها فقلت له تصدق السلف بالدور والنخل ولعل في النخل زرعا أفرأيت إن قال قائل لا أجيز الصدقة بحمام ، ولا مقبرة ; لأنهما مخالفان للدور وأراضي النخل والزرع هل الحجة عليه إلا أن يقال إذا كان السلف تصدقوا بدور وأراضي نخل وزرع فكان ذلك إنما يعرف بالحدود وقد تتغير ، وكذلك الحمام والمقبرة يعرفان بحد ، وإن تغيرا قال هذه حجة عليه قال ، فإذا كانوا يعرفون العبيد بأعيانهم أتجدهم في معرفة الشهود بهم في معنى الأرضين والنخل ، أو أكثر بأنهم إذا عرفوا بأعيانهم كانوا كأرض تعرف حدودها ؟ قال إنهم لقريب مما وصفت قلت فكيف أبطلت الصدقة المحرمة فيهم ؟ قال قد يهلكون ويأبقون وتنقطع منفعتهم قلت فكل هذا يدخل الأرض والشجر قد تخرب الأرض بذهاب الماء ويأتي عليها السيل فيذهب بها وتنهدم الدار ويذهب بها السيل فما كانت قائمة فهي موقوفة ، ولا جناية لنا فيما أتى عليها من قضاء الله عز وجل قلت : وكذلك العبد لا جناية لنا في ذهابه ، ولا نقصه .

( قال الشافعي ) وكل ما عرف بعينه وقطع عليه الشهود مثل الإبل والبقر والغنم أنه صدقة محرمة جازت الصدقة في الماشية قال وتتم الصدقات المحرمات أن يتصدق بها مالكها على قوم معروفين بأعيانهم وأنسابهم وصفاتهم ويجمع في ذلك أن يقول المتصدق بها تصدقت بداري هذه على قوم ، أو رجل معروف بعينه يوم تصدق بها ، أو صفته أو نسبه حتى يكون إنما أخرجها من ملكه لمالك ملكه منفعتها يوم أخرجها ويكون مع ذلك أن يقول : صدقة لا تباع ، ولا توهب ، أو يقول : لا تورث ، أو يقول : غير موروثة أو يقول : صدقة محرمة ، أو يقول : صدقة مؤبدة ، فإذا كان واحد من هذا ، فقد حرمت الصدقة فلا تعود ميراثا أبدا ، وإن قال : صدقة محرمة على من لم يكن بعدي بعينه ولا نسبه ثم على بني فلان ، أو قال : صدقة محرمة على من كان بعدي بعينه فالصدقة منفسخة ، ولا يجوز أن يخرجها من ملكه إلا إلى مالك منفعة له فيها يوم يخرجها إليه ، وإذا انفسخت عادت في ملك صاحبها كما كانت قبل أن يتصدق بها .

ولو تصدق بداره صدقة محرمة على رجل بعينه ، أو قوم بأعيانهم ، ولم يسلبها على من بعدهم كانت محرمة أبدا ، فإذا انقرض الرجل المتصدق بها عليه ، أو القوم المتصدق بها عليهم كانت هذه صدقة محرمة بحالها أبدا ورددناها على أقرب الناس بالرجل الذي تصدق بها يوم ترجع الصدقة إنما تصير غير راجعة موروثة بواحد مما وصفنا أو ما كان في معناه ، وإنما فسخناها إذا تصدق بها فكانت حين عقدت صدقة لا مالك لمنفعتها ; لأنه لا يجوز أن تخرج من مالك إلى غير مالك منفعة ; لأنها لا تملك منفعة نفسها كما يملك العبد منفعة نفسه بالعتق ، ولا يزول عنها الملك إلا إلى مالك منفعة فيها فأما إذا لم يقل في صدقته محرمة ، أو بعض ما قلنا مما هو في معنى تحريمها من شرط المتصدق فالصدقة كالهبات تملك بما تملك به الأموال غير المحرمات وكالعمرى ، أو غيرها من العطايا . وسواء في الصدقات المحرمات يوم يتصدق بها إلى مالك يملك منفعتها سبلت بعده ، أو لم تسبل [ ص: 60 ] أو دفعت إليه ، أو إلى غير المتصدق أو لم تدفع كل ذلك يحرم بيعها بكل حال وسواء في الصدقات كل ما جازت فيه الصدقات المحرمات من أرض ودار وغيرهما وعلى ما شرط المتصدق لمن تصدق بها عليه من منفعتها فإن شرط أن لبعضهم على بعض الأثرة بالتقدمة ، أو الزيادة من المنفعة فذلك على ما اشترط فإن شرطها عليهم بأسمائهم وأنسابهم فسواء كانوا أغنياء ، أو فقراء فإن قال الأحوج منهم فالأحوج كانت على ما شرط لا يعدى بها شرطه ، وإن شرطها على جماعة رجال ونساء تخرج النساء منها إذا تزوجن ويرجعن إليها بالفراق وموت الأزواج كانت على ما شرط ، وكذلك إن شرط بأن يخرج الرجال منها بالغين ويدخلوا صغارا ، أو يخرجوا أغنياء ويدخلوا فقراء ، أو يخرجوا غيبا عن البلد الذي به الصدقة ويدخلوا حضورا كيفما شرط أن يكون ذلك كان إذا بقي لمنفعتها مالك سوى من أخرجه منها .
الخلاف في الحبس وهي الصدقات الموقوفات

( قال الشافعي ) رحمه الله : وخالفنا بعض الناس في الصدقات الموقوفات فقال لا تجوز بحال قال وقال شريح جاء محمد صلى الله عليه وسلم بإطلاق الحبس قال وقال شريح لا حبس عن فرائض الله تعالى .

( قال الشافعي ) والحبس التي جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بإطلاقها والله أعلم ما وصفنا من البحيرة والوصيلة والحام والسائبة إن كانت من البهائم فإن قال قائل ما دل على ما وصفت ؟ قيل ما علمنا جاهليا حبس دارا على ولد ، ولا في سبيل الله ، ولا على مساكين وحبسهم كانت ما وصفنا من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بإطلاقها والله أعلم وكان بينا في كتاب الله عز وجل إطلاقها ، فإن قال قائل : فهو يحتمل ما وصفت ويحتمل إطلاق كل حبس فهل من خبر يدل على أن هذا الحبس في الدور والأموال خارجة من الحبس المطلقة ؟ قيل : نعم أخبرنا سفيان عن عبد الله بن عمر عن ابن عمر قال { جاء عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إني أصبت مالا لم أصب مثله قط ، وقد أردت أن أتقرب به إلى الله عز وجل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حبس أصله وسبل ثمرته } .

( قال الشافعي ) وحجة الذي أبطل الصدقات الموقوفات أن شريحا قال : لا حبس عن فرائض الله تعالى لا حجة فيها عندنا ، ولا عنده ; لأنه يقول قول شريح على الانفراد لا يكون حجة ، ولو كان حجة لم يكن في هذا حبس عن فرائض الله عز وجل فإن قال : وكيف ؟ قيل : إنما أجزنا الصدقات الموقوفات إذا كان المتصدق بها صحيحا فارغة من المال فإن كان مريضا لم نجزها إلا من الثلث إذا مات من مرضه ذلك وليس في واحدة من الحالين حبس عن فرائض الله تعالى فإن قال قائل : وإذا حبسها صحيحا ثم مات لم تورث عنه قيل : فهو أخرجها ، وهو مالك لجميع ماله يصنع فيه ما يشاء ويجوز له أن يخرجها لأكثر من هذا عندنا ، وعندك أرأيت لو وهبها لأجنبي ، أو باعه إياها فحاباه أيجوز ؟ فإن قال : نعم ، قال : فإذا فعل ثم مات أتورث عنه ؟ فإن قال : لا ، قيل : فهذا قرار من فرائض الله تعالى فإن قال : لا ; لأنه أعطى ، وهو يملك وقبل وقوع فرائض الله تعالى قيل : وهكذا الصدقة تصدق بها صحيحا قبل وقوع [ ص: 61 ] فرائض الله تعالى ، وقولك : لا حبس عن فرائض الله تعالى محال ; لأنه فعله قبل أن تكون فرائض الله في الميراث ; لأن الفرائض إنما تكون بعد موت المالك ، وفي المرض .

( قال الشافعي ) وحجة الذي صار إليه من أبطل الصدقات أن قال : إنها في معنى البحيرة والوصيلة والحامي ; لأن سيدها أخرجها من ملكه إلى غير مالك قيل : له قد أخرجها إلى مالك يملك منفعتها بأمر جعله لله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والبحيرة والوصيلة والحامي لم تخرج رقبته ، ولا منفعته إلى مالك فهما متباينان فكيف تقيس أحدهما بالآخر ؟

( قال الشافعي ) والذي يقول هذا القول يزعم أن الرجل إذا تصدق بمسجد له جاز ذلك ، ولم يعد في ملكه وكان صدقة موقوفا على من صلى فيه ، فإذا قيل له : فهل أخرجه إلى مالك يملك منه ما كان مالكه يملك ؟ قال : لا ، ولكن ملك من صلى فيه الصلاة وجعله لله تبارك وتعالى ، فلو لم يكن عليه حجة بخلاف السنة إلا ما أجازه في المسجد مما ليس فيه سنة ورد من الدور والأرضين ، وفي الأرضين سنة كان محجوجا فإن قال قائل : أجيز الأرضين والدور ; لأن في الأرضين سنة والدور مثلها ; لأنها أرضون تغل ، وأراد المساجد كان أولى أن يكون قوله مقبولا ممن رد الدور والأرضين وأجاز المساجد ثم تجاوز في المساجد إلى أن قال : لو بنى رجل في داره مسجدا فأخرج له بابا وأذن للناس أن يصلوا فيه كان حبسا وقفا ، وهو لم يتكلم بوقفه ، ولا بحبسه وجعل إذنه بالصلاة كالكلام بحبسه ووقفه .

( قال الشافعي ) فعاب هذا القول عليه صاحباه واحتجا عليه بما ذكرنا وأكثر منه وقالا : هذا جهل ، صدقات المسلمين في القديم والحديث أشهر من أن ينبغي أن يجهلها عالم ، وأجازوا الصدقات المحرمات في الدور والأرضين على ما أجزناها عليه ثم اعتدل قول أبي يوسف فيها فقال : بأحسن قول فقال : تجوز الصدقات المحرمات إذا تكلم بها صاحبها قبضت ، أو لم تقبض وذلك أنا إنما أجزناها اتباعا لمن كان قبلنا مثل عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما وغيرهم وهم ولوا صدقاتهم حتى ماتوا فلا يجوز أن نخالفهم في أن لا نجيزها إلا مقبوضة وهم قد أجازوها غير مقبوضة بالكلام بها فنوافقهم في إجازتها .

( قال الشافعي ) وما قال فيها أبو يوسف كما قال .

( قال الشافعي ) أخبرني غير واحد من آل عمر وآل علي أن عمر ولى صدقته حتى مات وجعلها بعده إلى حفصة وولى علي صدقته حتى مات ووليها بعده الحسن بن علي رضي الله عنهما وأن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وليت صدقتها حتى ماتت وبلغني عن غير واحد من الأنصار أنه ولي صدقته حتى مات .

( قال الشافعي ) وفي أمر النبي صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب أن يسبل ثمر أرضه ويحبس أصلها دليل على أنه رأى ما صنع جائزا فبهذا نراه بلا قبض جائزا ، ولم يأمره أن يخرجه عمر من ملكه إلى غيره إذا حبسه ولما صارت الصدقات مبدأة في الإسلام لا مثال لها قبله علمها رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر فلم يكن فيما أمره به إذا حبس أصلها وسبل ثمرتها أن يخرجها إلى أحد يحوزها دونه دلالة على أن الصدقة تتم بأن يحبس أصلها ويسبل ثمرتها دون وال يليها كما كان في أمر النبي صلى الله عليه وسلم أبا إسرائيل أن يصوم ويستظل ويجلس ويتكلم دلالة على أن لا كفارة عليه ، ولم يأمره في ذلك بكفارة .

( قال الشافعي ) وخالفنا بعض الناس في الصدقات المحرمات فقال : لا تجوز حتى يخرجها المتصدق بها إلى من يحوزها عليه والحجة عليه ما وصفنا وغيره من افتراق الصدقات الموقوفات وغيرها مما يحتاج فيه إلى أن لا يتم إلا بقبض . [ ص: 62 ] وثيقة في الحبس

( أخبرنا الربيع بن سليمان ) قال : أخبرنا الشافعي إملاء قال : هذا كتاب كتبه فلان بن فلان الفلاني في صحة من بدنه وعقله وجواز أمره وذلك في شهر كذا من سنة كذا إني تصدقت بداري التي بالفسطاط من مصر في موضع كذا أحد حدود جماعة هذه الدار ينتهي إلى كذا والثاني والثالث والرابع تصدقت بجميع أرض هذه الدار وعمارتها من الخشب والبناء والأبواب وغير ذلك من عمارتها وطرقها ومسايل مائها وأرفاقها ومرتفقها وكل قليل وكثير هو فيها ومنها وكل حق هو لها داخل فيها وخارج منها وحبستها صدقة بتة مسبلة لوجه الله وطلب ثوابه لا مثنوية فيها ، ولا رجعة حبسا محرمة لا تباع ، ولا تورث ، ولا توهب حتى يرث الله الأرض ومن عليها ، وهو خير الوارثين وأخرجتها من ملكي ودفعتها إلى فلان بن فلان يليها بنفسه وغيره ممن تصدقت بها عليه على ما شرطت وسميت في كتابي هذا وشرطي فيه أني تصدقت بها على ولدي لصلبي ذكرهم وأنثاهم من كان منهم حيا اليوم ، أو حدث بعد اليوم وجعلتهم فيها سواء ذكرهم وأنثاهم صغيرهم وكبيرهم شرعا في سكناها وغلتها لا يقدم واحد منهم على صاحبه ما لم تتزوج بناتي ، فإذا تزوجت واحدة منهن وباتت إلى زوجها انقطع حقها ما دامت عند زوج وصار بين الباقين من أهل صدقتي كما بقي من صدقتي يكونون فيهم شرعا ما كانت عند زوج .

فإذا رجعت بموت زوج ، أو طلاق كانت على حقها من داري كما كانت عليه قبل أن تتزوج وكلما تزوجت واحدة من بناتي فهي على مثل هذا الشرط تخرج من صدقتي ناكحة ويعود حقها فيها مطلقة أو ميتا عنها لا تخرج واحدة منهن من صدقتي إلا بزوج .

وكل من مات من ولدي لصلبي ذكرهم وأنثاهم رجع حقه على الباقين معه من ولدي لصلبي ، فإذا انقرض ولدي لصلبي فلم يبق منهم واحد كانت هذه الصدقة حبسا على ولد ولدي الذكور لصلبي وليس لولد البنات من غير ولدي شيء ثم كان ولد ولدي الذكور من الإناث والذكور في صدقتي هذه على مثل ما كان عليه ولدي لصلبي الذكر والأنثى فيها سواء وتخرج المرأة منهم من صدقتي بالزوج وترد إليها بموت الزوج ، أو طلاقه وكل من حدث من ولدي الذكور من الإناث والذكور فهو داخل في صدقتي مع ولد ولدي وكل من مات منهم رجع حقه على الباقين معه حتى لا يبقى من ولد ولدي أحد .

فإذا لم يبق من ولد ولدي لصلبي أحد كانت هذه الصدقة بمثل هذا الشرط على ولد ولد ولدي للذكور الذين إلى عمود نسبهم تخرج منها المرأة بالزوج وترد إليها بموته ، أو فراقه ويدخل عليهم من حدث أبدا من ولد ولد ولدي ، ولا يدخل قرن ممن إلى عمود نسبه من ولد ولدي ما تناسلوا على القرن الذين هم أبعد إلي منهم ما بقي من ذلك القرن أحد ، ولا يدخل عليهم أحد من ولد بناتي الذين إلى عمود انتسابهم إلا أن يكون من ولد بناتي من هو من ولد ولدي الذكور الذين إلى عمود نسبه فيدخل مع القرن الذين عليهم صدقتي لولادتي إياه من قبل أبيه لا من قبل أمه ثم هكذا صدقتي أبدا على من بقي من ولد أولادي الذين إلى عمودي نسبهم ، وإن سفلوا ، أو تناسخوا حتى يكون بيني وبينهم مائة أب وأكثر ما بقي أحد إلى عمود نسبه ، فإذا انقرضوا كلهم فلم يبق منهم أحد إلى عمود نسبه فهذه الدار حبس صدقة لا تباع ، ولا توهب لوجه الله تعالى على ذوي رحمي المحتاجين من قبل [ ص: 63 ] أبي وأمي يكونون فيها شرعا سواء ذكرهم وأنثاهم والأقرب إلي منهم والأبعد مني ، فإذا انقرضوا ، ولم يبق منهم أحد فهذه الدار حبس على موالي الذين أنعمت عليهم وأنعم عليهم آبائي بالعتاقة لهم وأولادهم وأولاد أولادهم ما تناسلوا ذكرهم وأنثاهم صغيرهم وكبيرهم ومن بعد إلي وإلى آبائي نسبه بالولاء ونسبه إلى من صار مولاي بولاية سواء ، فإذا انقرضوا فلم يبق منهم أحد فهذه الدار حبس صدقة لوجه الله تعالى على من يمر بها من غزاة المسلمين وأبناء السبيل وعلى الفقراء والمساكين من جيران هذه الدار وغيرهم من أهل الفسطاط وأبناء السبيل والمارة من كانوا حتى يرث الله الأرض ومن عليها .

ويلي هذه الدار ابني فلان بن فلان الذي وليته في حياتي وبعد موتي ما كان قويا على ولايتها أمينا عليها بما أوجب الله تعالى عليه من توفير غلة إن كانت لها والعدل في قسمها ، وفي إسكان من أراد السكن من أهل صدقتي بقدر حقه فإن تغيرت حال فلان بن فلان ابني يضعف عن ولايتها ، أو قلة أمانة فيها أوليها من ولدي أفضلهم دينا وأمانة على الشروط التي شرطت على ابني فلان ويليها ما قوي وأدى الأمانة ، فإذا ضعف ، أو تغيرت أمانته فلا ولاية له فيها وتنتقل الولاية عنه إلى غيره من أهل القوة والأمانة من ولدي ثم كل قرن صارت هذه الصدقة إليه وليها من ذلك القرن أفضلهم قوة وأمانة ومن تغيرت حاله ممن وليها بضعف ، أو قلة أمانة نقلت ولايتها عنه إلى أفضل من عليه صدقتي قوة وأمانة وهكذا كل قرن صارت صدقتي هذه إليه يليها منه أفضلهم دينا وأمانة على مثل ما شرطت على ولدي ما بقي منهم أحد ثم من صارت إليه هذه الدار من قرابتي ، أو موالي وليها ممن صارت إليه أفضلهم دينا ، ولا أمانة ما كان في القرن الذي تصير إليهم هذه الصدقة ذو قوة وأمانة ، وإن حدث قرن ليس فيهم ذو قوة ، ولا أمانة ولى قاضي المسلمين صدقتي هذه من يحمل ولايتها بالقوة والأمانة من أقرب الناس إلي رحما ما كان ذلك فيهم فإن لم يكن ذلك فيهم فمن موالي وموالي آبائي الذين أنعمنا عليهم فإن لم يكن ذلك فيهم فرجل يختاره الحاكم من المسلمين فإن حدث من ولدي أو من ولد ولدي ، أو من موالي رجل له قوة وأمانة نزعها الحاكم من يدي من ولاه من قبله وردها إلى من كان قويا وأمينا ممن سميت وعلى كل وال يليها أن يعمر ما وهي من هذه الدار ويصلح ما خاف فساده منها ويفتح فيها من الأبواب ويصلح منها ما فيه الصلاح لها والمسترد في غلتها وسكنها مما يجتمع من غلة هذه الدار ثم يفرق ما يبقى على من له هذه الغلة سواء بينهم ما شرطت لهم ، وليس للوالي من ولاة المسلمين أن يخرجها من يدي من وليته إياها ما كان قويا أمينا عليها ، ولا من يدي أحد من القرن الذي تصير إليهم ما كان فيهم من يستوجب ولايتها بالقوة والأمانة ، ولا يولي غيرهم ، وهو يجد فيهم من يستوجب الولاية ، شهد على إقرار فلان بن فلان ، فلان بن فلان ومن شهد .
كتاب الهبة

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #153  
قديم 29-07-2022, 07:34 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,902
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله




كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الرابع

الحلقة (153)
صــــــــــ 64 الى صـــــــــــ70



وترجم في اختلاف مالك والشافعي " باب القضاء في الهبات "

( أخبرنا الربيع ) قال : أخبرنا الشافعي رحمه الله قال : أخبرنا مالك عن داود بن الحصين عن أبي الغطفان بن طريف المري عن مروان بن الحكم أن عمر بن الخطاب قال : " ومن وهب هبة لصلة رحم ، أو على وجه صدقة فإنه لا يرجع فيها ومن وهب هبة يرى أنه إنما أراد به الثواب فهو على هبته يرجع فيها إن لم يرض منها " وقال : مالك إن الهبة إذا تغيرت عند الموهوب للثواب بزيادة أو نقصان ، فإن على [ ص: 64 ] الموهوب له أن يعطي الواهب قيمتها يوم قبضها فقلت للشافعي فإنا نقول بقول صاحبنا فقال الشافعي ، فقد ذهب عمر في الهبة يراد ثوابها أن الواهب على هبته إن لم يرض منها أن للواهب الخيار حتى يرضى من هبته ، ولو أعطى أضعافها في مذهبه - والله أعلم - كان له أن يرجع فيها ، ولو تغيرت عند الموهوب له بزيادة كان له أخذها وكان كالرجل يبيع الشيء وله فيه الخيار عبد ، أو أمة فيزيد عند المشتري فيختار البائع نقض البيع فيكون له نقضه ، وإن زاد العبد المبيع أو الأمة المبيعة فكثرت زيادته ومذهبكم خلاف ما رويتم عن عمر بن الخطاب .
وفي اختلاف العراقيين " باب الصدقة والهبة "

( قال الشافعي ) رحمه الله وإذا وهبت المرأة لزوجها هبة ، أو تصدقت ، أو تركت له من مهرها ثم قالت أكرهني وجاءت على ذلك ببينة فإن أبا حنيفة كان يقول لا أقبل بينتها وأمضي عليها ما فعلت من ذلك وكان ابن أبي ليلى يقول أقبل بينتها على ذلك وأبطل ما صنعت .

( قال الشافعي ) وإذا تصدقت المرأة على زوجها بشيء ، أو وضعت له من مهرها ، أو من دين كان لها عليه فأقامت البينة أنه أكرهها على ذلك والزوج في موضع القهر للمرأة أبطلت ذلك عنها كله
وإذا وهب الرجل هبة وقبضها الموهوبة له وهي دار فبناها بناء وأعظم النفقة ، أو كانت جارية صغيرة فأصلحها ، أو صنعها حتى شبت وأدركت ، فإن أبا حنيفة كان يقول : لا يرجع الواهب في شيء من ذلك ، ولا من كل هبة زادت عند صاحبها خيرا ، ألا ترى أنه قد حدث فيها في ملك الموهوبة له شيء لم يكن في ملك الواهب ، أرأيت إن ولدت الجارية ولدا أكان للواهب أن يرجع فيه ، ولم يهبه له ، ولم يملكه قط ؟ وبهذا يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول له أن يرجع في ذلك كله ، وفي الولد .

( قال الشافعي ) وإذا وهب الرجل للرجل جارية ، أو دارا فزادت الجارية في يديه ، أو بنى الدار فليس للواهب الذي ذكر أنه وهب للثواب ، ولم يشترط ذلك أن يرجع في الجارية أي حال ما كانت زادت خيرا أو نقصت كما لا يكون له إذا أصدق المرأة جارية فزادت في يديها ثم طلقها أن يرجع بنصفها زائدة فأما الدار ، فإن الباني إنما بنى ما يملك فلا يكون له أن يبطل بناءه ، ولا يهدمه ويقال له : إن أعطيته قيمة البناء أخذت نصف الدار والبناء كما يكون لك وعليك في الشفعة يبني فيها صاحبها ، ولا ترجع بنصفها كما لو أصدقها دارا فبنتها لم يرجع بنصفها ; لأن مبنيا أكثر قيمة منه غير مبني ، ولو كانت الجارية ولدت كان الولد للموهوبة له ; لأنه حادث في ملكه بائن منها كمباينة الخراج والخدمة لها كما لو ولدت في يد المرأة المصدقة ثم طلقت قبل الدخول كان الولد للمرأة ورجع بنصف الجارية إن أراد ذلك ، وإذا وهب الرجل جاريته لابنه وابنه كبير ، وهو في عياله ، فإن أبا حنيفة كان يقول : لا يجوز إلا أن يقبض وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول إذا كان الولد في عيال أبيه ، وإن كان قد أدرك فهذه الهبة له جائزة ، وكذلك الرجل إذا وهب لامرأته .

( قال الشافعي )
وإذا وهب الرجل لابنه جارية وابنه في عياله فإن كان الابن بالغا لم تكن الهبة تامة حتى يقبضها الابن وسواء كان في عياله ، أو لم يكن كذلك روي عن أبي بكر وعائشة وعمر بن الخطاب رضي الله عنهم في البالغين وعن عثمان أنه رأى أن الأب يحوز لولده ما كانوا صغارا فهذا يدل على أنه لا يحوز لهم إلا في حال الصغر .

( قال الشافعي ) وهكذا كل هبة ونحلة وصدقة غير محرمة فهي كلها من العطايا التي لا يؤخذ عليها عوض ، ولا تتم إلا بقبض المعطي
وإذا وهب الرجل دارا لرجلين ، أو متاعا وذلك المتاع مما يقسم فقبضاه جميعا فإن [ ص: 65 ] أبا حنيفة كان يقول لا تجوز تلك الهبة إلا أن يقسم لكل واحد منهما حصته وكان ابن أبي ليلى يقول الهبة جائزة وبهذا يأخذ ، وإذا وهب اثنان لواحد وقبض فهو جائز وقال : أبو يوسف هما سواء .

( قال الشافعي ) وإذا وهب الرجل لرجلين بعض دار لا تقسم ، أو طعاما ، أو ثيابا أو عبدا لا تنقسم فقبضا جميعا الهبة فالهبة جائزة كما يجوز البيع ، وكذلك لو وهب اثنان دارا بينهما تنقسم ، أو لا تنقسم أو عبد الرجل وقبض جازت الهبة ، وإذا كانت الدار لرجلين فوهب أحدهما حصته لصاحبه ، ولم يقسمه له ، فإن أبا حنيفة كان يقول الهبة في هذا باطلة ، ولا تجوز وبهذا يأخذ ومن حجته في ذلك أنه قال : لا تجوز الهبة إلا مقسومة معلومة مقبوضة بلغنا عن أبي بكر رحمه الله أنه نحل عائشة أم المؤمنين جداد عشرين وسقا من نخل له بالعالية فلما حضره الموت قال لعائشة " إنك لم تكوني قبضتيه ، وإنما هو مال الوارث فصار بين الورثة " ; لأنها لم تكن قبضته وكان إبراهيم يقول لا تجوز الهبة إلا مقبوضة وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول إذا كانت الدار بين رجلين فوهب أحدهما لصاحبه نصيبه فهذا قبض منه للهبة وهذه معلومة وهذه جائزة ، وإذا وهب الرجلان دارا لرجل فقبضها فهو جائز في قول أبي حنيفة ، ولا تفسد الهبة ; لأنها كانت لاثنين وبه يأخذ .

( قال الشافعي ) وإذا كانت الدار بين رجلين فوهب أحدهما لصاحبه نصيبه فقبض الهبة فالهبة جائزة
والقبض أن تكون كانت في يدي الموهوبة له ، ولا وكيل معه فيها ، أو يسلمها ربها ويخلي بينه وبينها حتى يكون لا حائل دونها دونها هو ، ولا وكيل له ، فإذا كان هذا هكذا كان قبضا ، والقبض في الهبات كالقبض في البيوع ما كان قبضا في البيع كان قبضا في الهبة وما لم يكن قبضا في البيع لم يكن قبضا في الهبة ، وإذا وهب الرجل للرجل الهبة وقبضها دارا ، أو أرضا ثم عوضه بعد ذلك منها عوضا وقبضه الواهب ، فإن أبا حنيفة رحمه الله كان يقول : ذلك جائز ولا تكون فيه شفعة ، وبه يأخذ وليس هذا بمنزلة الشراء ويأخذ الشفيع بالشفعة بقيمة العوض ، ولا يستطيع الواهب أن يرجع في الهبة بعد العوض في قولهما جميعا
( قال الشافعي ) وإذا وهب الرجل لرجل شقصا من دار فقبضه ثم عوضه الموهوبة له شيئا فقبضه الواهب سئل الواهب فإن قال : وهبتها للثواب كان فيها شفعة ، وإن قال : وهبتها لغير ثواب لم يكن فيها شفعة وكانت المكافأة كابتداء الهبة ، وهذا كله في قول من قال : للواهب الثواب إذا قال : أردته فأما من قال : لا ثواب للواهب إن لم يشترطه في الهبة فليس له الرجوع في شيء وهبه ، ولا الثواب منه .

( قال الربيع ) وفيه قول آخر ، وإذا وهب واشترط الثواب فالهبة باطلة من قبل أنه اشترط عوضا مجهولا ، وإذا وهب لغير الثواب وقبضه الموهوب فليس له أن يرجع في شيء وهبه ، وهو معنى قول الشافعي ، وإذا وهب الرجل للرجل هبة في مرضه فلم يقبضها الموهوبة له حتى مات الواهب ، فإن أبا حنيفة كان يقول : الهبة في هذا باطل لا تجوز وبه يأخذ ، ولا يكون له وصية إلا أن يكون ذلك في ذكر وصية ، وكان ابن أبي ليلى يقول هي جائزة من الثلث
( قال الشافعي ) وإذا وهب الرجل في مرضه الهبة فلم يقبضها الموهوبة له حتى مات الواهب لم يكن للموهوبة له شيء وكانت الهبة للورثة . الحجاج بن أرطاة عن عطاء بن أبي رباح . عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لا تجوز الصدقة إلا مقبوضة . الأعمش عن إبراهيم قال : الصدقة إذا علمت جازت الهبة لا تجوز إلا مقبوضة وكان أبو حنيفة يأخذ بقول ابن عباس في الصدقة ، وهو قول أبي يوسف .

( قاله الشافعي ) وليس للواهب أن يرجع في الهبة إذا قبض منها عوضا ، قل ، أو كثر .
[ ص: 66 ] باب في العمرى من كتاب اختلاف مالك والشافعي رضي الله عنهما .

( قال الربيع ) سألت الشافعي عمي أعمر عمرى له ولعقبه فقال هي للذي يعطاها لا ترجع إلى الذي أعطاها فقلت : ما الحجة في ذلك ؟ قال : السنة الثابتة من حديث الناس وحديث مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم .

( أخبرنا ) مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { أيما رجل أعمر عمرى له ولعقبه فإنها للذي يعطاها لا ترجع إلى الذي أعطاها } ; لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث .

( قال الشافعي ) وبهذا نأخذ ويأخذ عامة أهل العلم في جميع الأمصار بغير المدينة وأكابر أهل المدينة ، وقد روى هذا مع جابر بن عبد الله زيد بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم فقلت للشافعي فإنا نخالف هذا فقال : تخالفونه وأنتم تروونه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقلت : إن حجتنا فيه أن مالكا قال أخبرني يحيى بن سعيد عن عبد الرحمن بن القاسم أنه سمع مكحولا الدمشقي يسأل القاسم بن محمد عن العمرى وما يقول الناس فيها فقال : له القاسم ما أدركت الناس إلا وهم على شروطهم في أموالهم ، وفيما أعطوا .

( قال الشافعي ) ما أجابه القاسم في العمرى بشيء وما أخبره إلا أن الناس على شروطهم فإن ذهب ذاهب إلى أن يقول العمرى من المال والشرط فيها جائز ، فقد يشترط الناس في أموالهم شروطا لا تجوز لهم . فإن قال قائل : وما هي ؟ قيل : الرجل يشتري العبد على أن يعتقه والولاء للبائع فيعتقه فهو حر والولاء للمعتق والشرط باطل . فإن قال : السنة تدل على إبطال هذا الشرط قلنا والسنة تدل على إبطال الشرط في العمرى فلم أخذتم بالسنة مرة وتركتموها مع أن قول القاسم رحمه الله لو كان قصد به قصد العمرى فقال : إنهم على شروطهم فيها لم يكن في هذا ما يرد به الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ؟

فإن قال قائل : ولم ؟ قيل : نحن لا نعلم أن القاسم قال : هذا إلا بخبر يحيى عن عبد الرحمن عنه ، وكذلك علمنا قول النبي صلى الله عليه وسلم في العمرى بخبر ابن شهاب عن أبي سلمة عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم وغيره ، فإذا قبلنا خبر الصادقين فمن روى هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم أرجح مما روى هذا عن القاسم لا يشك عالم أن ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى أن يقال : به مما قاله ناس بعده قد يمكن فيهم أن لا يكونوا سمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا بلغهم عنه شيء وأنهم أناس لا نعرفهم .

فإن قال قائل : لا يقول القاسم قال : الناس إلا لجماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو من أهل العلم لا يجهلون للنبي صلى الله عليه وسلم سنة ، ولا يجتمعون أبدا من جهة الرأي ، ولا يجتمعون إلا من جهة السنة ، فقيل : له قد أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد أن رجلا كانت عنده وليدة لقوم فقال : لأهلها شأنكم بها فرأى الناس أنها تطليقة وأنتم تزعمون أنها ثلاث ، وإذا قيل لكم لم لا تقولون قول القاسم والناس إنها تطليقة ؟ قلتم لا ندري من الناس الذين يروي هذا عنهم القاسم فلئن لم يكن قول القاسم رأى الناس حجة عليكم في رأي أنفسكم لهو عن أن يكون على رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة أبعد ولئن كان حجة لقد أخطأتم بخلافكم إياه برأيكم . وإنا لنحفظ عن ابن عمر في العمرى مثل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم

. ( أخبرنا ) ابن عيينة عن عمرو بن دينار وحميد الأعرج عن حبيب بن أبي ثابت قال : كنت عند ابن عمر فجاءه رجل من أهل البادية فقال : إني وهبت لابني هذا ناقة في حياته وإنها تناتجت إبلا فقال ابن عمر هي له حياته وموته فقال : إني تصدقت عليه بها قال : ذلك أبعد لك منها .

( أخبرنا ) سفيان عن ابن أبي نجيح عن حبيب بن أبي ثابت مثله إلا أنه قال [ ص: 67 ] أضنت

يعني كبرت واضطربت ( أخبرنا ) الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن سليمان بن يسار أن طارقا قضى بالمدينة بالعمرى عن قول جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم ( أخبرنا ) ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن طاوس عن حجر المدري عن زيد بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل العمرى للوارث ( أخبرنا ) سفيان بن عيينة عن ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { لا تعمروا ، ولا ترقبوا فمن أعمر شيئا ، أو أرقبه فهو سبيل الميراث } ( أخبرنا ) سفيان عن أيوب عن ابن سيرين قال : حضرت شريحا قضى لأعمى بالعمرى فقال : له الأعمى يا أبا أمية بم قضيت لي ؟ فقال شريح لست أنا قضيت لك ، ولكن محمد صلى الله عليه وسلم قضى لك منذ أربعين سنة قال : " من أعمر شيئا حياته فهو لورثته إذا مات " .

( قال الشافعي ) فتتركون ما وصفتم من العمرى مع ثبوته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنه قول زيد بن ثابت وجابر بن عبد الله وابن عمر وسليمان بن يسار وعروة بن الزبير وهكذا عندكم عمل بعد النبي صلى الله عليه وسلم لتوهم في قول القاسم وأنتم تجدون في قول القاسم يعني في رجل قال لأمة قوم شأنكم بها فرأى الناس أنها تطليقة ثم تخالفونه برأيكم وما روى القاسم عن الناس . ، وفي بعض النسخ مما ينسب للأم ( في العمرى )

( قال الشافعي ) وهو يروى عن ربيعة إذ ترك حديث العمرى أنه يحتج بأن الزمان قد طال وأن الرواية يمكن فيها الغلط ، فإذا روى الزهري عن أبي سلمة عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم { من أعمر عمرى له ولعقبه فهي للذي يعطاها لا ترجع إلى الذي أعطى ; لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث } .

( قال الشافعي ) وقد أخبرنا سفيان عن ابن جريج عن عطاء عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { من أعمر شيئا فهو له } .

( قال الشافعي ) وأخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن طاوس عن حجر المدري عن زيد بن ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : { العمرى للوارث } .

( قال الشافعي ) وأخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار وابن أبي نجيح عن حبيب بن أبي ثابت قال كنا عند عبد الله بن عمر فجاءه أعرابي فقال : له إني أعطيت بعض بني ناقة حياته قال : عمر ، وفي الحديث وإنها تناتجت . وقال ابن أبي نجيح في حديثه وإنها أضنت واضطربت فقال : هي له حياته وموته . قال : فإني تصدقت بها عليه قال : " فذلك أبعد لك منها " .

( قال الشافعي ) أخبرنا سفيان وعبد الوهاب عن أيوب عن محمد بن سيرين أن شريحا قضى بالعمرى لأعمى فقال : بم قضيت لي يا أبا أمية ؟ فقال ما أنا قضيت لك ، ولكن قضى لك محمد صلى الله عليه وسلم منذ أربعين سنة قضى من أعمر شيئا حياته فهو له حياته وموته . قال سفيان وعبد الوهاب فهو لورثته إذا مات .

( قال الشافعي ) فترك هذا ، وهو يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم جابر بن عبد الله من وجوه ثابتة وزيد بن ثابت ويفتي به جابر بالمدينة ويفتي به ابن عمر ويفتي به عوام أهل البلدان لا أعلمهم يختلفون فيه بأن قال أخبرني يحيى بن سعيد عن عبد الرحمن بن القاسم أنه سمع مكحولا يسأل القاسم بن محمد عن العمرى وما يقوله الناس فيها فقال [ ص: 68 ] القاسم ما أدركت الناس إلا على شروطهم في أموالهم ، وفيما أعطوا .

( قال الشافعي ) والقاسم يرحمه لم يجبه في العمرى بشيء إنما أخبره أنه إنما أدرك الناس على شروطهم ، ولم يقل له : إن العمرى من تلك الشروط التي أدرك الناس عليها ، ويجوز أن لا يكون القاسم سمع الحديث ، ولو سمعه ما خالفه إن شاء الله . قال : فإذا قيل لبعض من يذهب مذهبه : لو كان القاسم قال هذا في العمرى أيضا فعارضك معارض بأن يقول : أخاف أن يغلط على القاسم من روى هذا عنه إذا كان الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم كما وصفنا يروى من وجوه يسندونه . قال : لا يجوز أن يتهم أهل الحفظ بالغلط فقيل : ولا يجوز أن يتهم من روى عن النبي صلى الله عليه وسلم فإذا قال : لا يجوز قلنا ما يثبت عن النبي أولى أن يكون لازما لأهل دين الله ، أو ما قال القاسم أدركت الناس ولسنا نعرف الناس الذين حكي هذا عنهم ، فإن قال : لا يجوز على مثل القاسم في علمه أن يقول أدركت الناس إلا والناس الذين أدرك أئمة يلزمه قولهم قيل له : فقد روى يحيى بن سعيد عن القاسم أن رجلا كانت عنده وليدة لقوم فقال : لأهلها شأنكم بها فرأى الناس أنها تطليقة ، وهو يفتي برأي نفسه أنها ثلاث تطليقات فإن قال : في هذه لا أعرف الناس الذين روى القاسم هذا عنهم جاز لغيره أن يقول لا أعرف الناس الذين روى هذا عنهم في الشروط ، وإن كان يقول إن القاسم لا يقول الناس إلا الأئمة الذين يلزمه قولهم ، فقد ترك قول القاسم برأي نفسه وعاب على غيره اتباع السنة .
كتاب اللقطة الصغيرة .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : في اللقطة مثل حديث مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم سواء { وقال : في ضالة الغنم إذا وجدتها في موضع مهلكة فهي لك فكلها ، فإذا جاء صاحبها فاغرمها له . } { وقال : في المال يعرفه سنة ثم يأكله إن شاء فإن جاء صاحبه غرمه له } ، وقال : { يعرفها سنة ثم يأكلها موسرا كان ، أو معسرا إن شاء } إلا أني لا أرى له أن يخلطها بماله ، ولا يأكلها حتى يشهد على عددها ووزنها وظرفها وعفاصها ووكائها فمتى جاء صاحبها غرمها له ، وإن مات كانت دينا عليه في ماله ، ولا يكون عليه في الشاة يجدها بالمهلكة تعريف إن أحب أن يأكلها فهي له ومتى لقي صاحبها غرمها له ، وليس ذلك له في ضالة الإبل ، ولا البقر ; لأنهما يدفعان عن أنفسهما ، وإنما كان ذلك له في ضالة الغنم والمال ; لأنهما لا يدفعان عن أنفسهما ، ولا يعيشان والشاة يأخذها من أرادها وتتلف لا تمتنع من السبع إلا أن يكون معها من يمنعها والبعير والبقرة يردان المياه ، وإن تباعدت ويعيشان أكثر عمرهما بلا راع فليس له أن يعرض لواحد منهما والبقر قياسا على الإبل .

( قال الشافعي ) وإن وجد رجل شاة ضالة في الصحراء فأكلها ثم جاء صاحبها قال : يغرمها خلاف مالك .

( قال الشافعي ) ابن عمر لعله أن لا يكون سمع الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في اللقطة ، ولو لم يسمعه انبغى أن يقول لا يأكلها كما قال ابن عمر انبغى أن يفتيه أن يأخذها وينبغي للحاكم أن ينظر فإن كان الآخذ لها ثقة أمره بتعريفها وأشهد شهودا على عددها وعفاصها ووكائها أمره أن يوقفها في يديه إلى أن يأتي ربها فيأخذها ، وإن لم يكن ثقة في ماله وأمانته أخرجها من يديه إلى من يعف عن الأموال ليأتي ربها وأمره بتعريفها لا يجوز لأحد ترك لقطة وجدها إذا كان من أهل الأمانة ، ولو وجدها فأخذها ثم أراد تركها لم يكن ذلك له ، وهذا في كل ما [ ص: 69 ] سوى الماشية فأما الماشية فإنها تخرق بأنفسها فهي مخالفة لها ، وإذا وجد رجل بعيرا فأراد رده على صاحبه فلا بأس بأخذه ، وإن كان إنما يأخذه ليأكله فلا ، وهو ظالم ، وإن كان للسلطان حمى ، ولم يكن على صاحب الضوال مؤنة تلزمه في رقاب الضوال صنع كما صنع عمر بن الخطاب رضي الله عنه تركها في الحمى حتى يأتي صاحبها ، وما تناتجت فهو لمالكها ويشهد على نتاجها كما يشهد على الأم حين يجدها ويوسم نتاجها ويوسم أمهاتها ، وإن لم يكن للسلطان حمى وكان يستأجر عليها فكانت الأجرة تعلق في رقابها غرما رأيت أن يصنع كما صنع عثمان بن عفان إلا في كل ما عرف أن صاحبه قريب بأن يعرف بعير رجل بعينه فيحبسه ، أو يعرف وسم قوم بأعيانهم حبسها لهم اليوم واليومين والثلاثة ونحو ذلك .
اللقطة الكبيرة ( أخبرنا الربيع بن سليمان ) قال ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : إذا التقط الرجل اللقطة مما لا روح له ما يحمل ويحول ، فإذا التقط الرجل لقطة ، قلت ، أو كثرت ، عرفها سنة ويعرفها على أبواب المساجد والأسواق ومواضع العامة ويكون أكثر تعريفه إياها في الجماعة التي أصابها فيها ويعرف عفاصها ووكاءها وعددها ووزنها وحليتها ويكتب ويشهد عليه فإن جاء صاحبها وإلا فهي له بعد سنة على أن صاحبها متى جاء غرمها ، وإن لم يأت فهي مال من ماله ، وإن جاء بعد السنة ، وقد استهلكها والملتقط حي أو ميت فهو غريم من الغرماء يحاص الغرماء فإن جاء وسلعته قائمة بعينها فهي له دون الغرماء والورثة وأفتي الملتقط إذا عرف رجل العفاص والوكاء والعدد والوزن ووقع في نفسه أنه لم يدع باطلا أن يعطيه ، ولا أجبره في الحكم إلا ببينة تقوم عليها كما تقوم على الحقوق فإن ادعاها واحد أو اثنان ، أو ثلاثة فسواء لا يجبر على دفعها إليهم إلا ببينة يقيمونها عليه ; لأنه قد يصيب الصفة بأن الملتقط وصفها ويصيب الصفة بأن الملتقطة عنه قد وصفها فليس لإصابته الصفة معنى يستحق به أحد شيئا في الحكم .

وإنما قوله أعرف عفاصها ووكاءها والله أعلم أن تؤدي عفاصها ووكاءها مع ما تؤدي منها ولنعلم إذا وضعتها في مالك أنها اللقطة دون مالك ويحتمل أن يكون ليستدل على صدق المعترف ، وهذا الأظهر إنما قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم { البينة على المدعي } فهذا مدع أرأيت لو أن عشرة ، أو أكثر وصفوها كلهم فأصابوا صفتها ألنا أن نعطيهم إياها يكونون شركاء فيها ، ولو كانوا ألفا ، أو ألفين ونحن نعلم أن كلهم كاذب إلا واحدا بغير عينه ولعل الواحد يكون كاذبا ليس يستحق أحد بالصفة شيئا ، ولا تحتاج إذا التقطت أن تأتي بها إماما ، ولا قاضيا .

( قال الشافعي ) فإذا أراد الملتقط أن يبرأ من ضمان اللقطة ويدفعها إلى من اعترفها فليفعل ذلك بأمر حاكم ; لأنه إن دفعها بغير أمر حاكم ثم جاء رجل فأقام عليه البينة ضمن .
قال : وإذا كان في يدي رجل العبد الآبق أو الضالة من الضوال فجاء سيده فمثل اللقطة ليس عليه أن يدفعه إلا ببينة يقيمها ، فإذا دفعه ببينة يقيمها عنده كان الاحتياط له أن لا يدفعه إلا بأمر الحاكم لئلا يقيم عليه غيره بينة فيضمن ; لأنه إذا دفعه ببينة تقوم عنده ، فقد يمكن أن تكون البينة غير عادلة ويقيم آخر بينة عادلة فيكون أولى ، وقد تموت البينة ويدعي هو أنه دفعه ببينة فلا يقبل قوله غير أن الذي قبض منه إذا أقر له فيضمنه القاضي للمستحق الآخر رجع هذا على المستحق الأول إلا أن يكون أقر أنه له فلا يرجع عليه ، وإذا أقام رجل شاهدا على اللقطة ، أو ضالة حلف مع شاهده وأخذ ما أقام عليه بينة ; لأن هذا مال ، وإذا أقام الرجل بمكة بينة على عبد ووصفت البينة العبد وشهدوا أن هذه صفة عبده وأنه لم [ ص: 70 ] يبع ، ولم يهب ، أو لم نعلمه باع ، ولا وهب وحلف رب العبد كتب الحاكم بينته إلى قاضي بلد غير مكة فوافقت الصفة العبد الذي في يديه لم يكن للقاضي أن يدفعه إليه بالصفة ، ولا يقبل إلا أن يكون شهود يقدمون عليه فيشهدون عليه بعينه ، ولكن إن شاء الذي له عليه بينة أن يسأل القاضي أن يجعل هذا العبد ضالا فيبيعه فيمن يزيد ويأمر من يشتريه ثم يقبضه من الذي اشتراه .

( قال الشافعي ) وإذا أقام عليه البينة بمكة بعينه أبرأ القاضي الذي اشتراه من الثمن بإبراء رب العبد ويرد عليه الثمن إن كان قبضه منه ، وقد قيل : يختم في رقبة هذا العبد ويضمنه الذي استحقه بالصفة فإن ثبت عليه الشهود فهو له ويفسخ عنه الضمان ، وإن لم يثبت عليه الشهود رد ، وإن هلك فيما بين ذلك كان له ضامنا ، وهذا يدخله أن يفلس الذي ضمن ويستحقه ربه فيكون القاضي أتلفه ويدخله أن يستحقه ربه ، وهو غائب فإن قضى على الذي دفعه إليه بإجازته في غيبته قضى عليه بأجر ما لم يغصب ، ولم يستأجر ، وإن أبطل عنه كان قد منع هذا حقه بغير استحقاق له ويدخله أن يكون جارية فارهة لعلها أم ولد لرجل فيخلي بينها وبين رجل يغيب عليها ، ولا يجوز فيه إلا القول الأول
( قال الشافعي ) وإذا اعترف الرجل الدابة في يدي رجل فأقام رجل عليها بينة أنها له قضى له القاضي بها فإن ادعى الذي هي في يديه أنه اشتراها من رجل غائب لم يحبس الدابة عن المقضي له بها ، ولم يبعث بها إلى البلد الذي فيها البيع كان البلد قريبا ، أو بعيدا ، ولا أعمد إلى مال رجل فأبعث به إلى البلد لعله يتلف قبل أن يبلغه بدعوى إنسان لا أدري كذب أم صدق ، ولو علمت أنه صدق ما كان لي أن أخرجها من يدي مالكها نظرا لهذا أن لا يضيع حقه على المغتصب لا تمنع الحقوق بالظنون ، ولا تملك بها وسواء كان الذي استحق الدابة مسافرا أو غير مسافر ، ولا يمنع منها ، ولا تنزع من يديه إلا أن يطيب نفسا عنها ، ولو أعطي قيمتها أضعافا ; لأنا لا نجبره على بيع سلعته .

( قال الشافعي ) ويأكل اللقطة الغني والفقير ومن تحل له الصدقة ومن لا تحل له ، فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أبي بن كعب ، وهو أيسر أهل المدينة ، أو كأيسرهم وجد صرة فيها ثمانون دينارا أن يأكلها ( أخبرنا ) الدراوردي عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن عطاء بن يسار { عن علي بن أبي طالب رحمه الله أنه وجد دينارا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره للنبي صلى الله عليه وسلم فأمره أن يعرفه فلم يعترف فأمره أن يأكله ثم جاء صاحبه فأمره أن يغرمه } .

( قال الشافعي ) وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه ممن تحرم عليه الصدقة ; لأنه من صلبية بني هاشم ، وقد روى { عن النبي صلى الله عليه وسلم الإذن بأكل اللقطة بعد تعريفها سنة } علي بن أبي طالب وأبي بن كعب وزيد بن خالد الجهني وعبد الله بن عمرو بن العاص وعياض بن حماد المجاشعي رضي الله عنهم
( قال الشافعي ) والقليل من اللقطة والكثير سواء لا يجوز أكله إلا بعد سنة فأما أن آمر الملتقط وإن كان أمينا أن يتصدق بها فما أنصفت الملتقط ولا الملتقط عنه إن فعلت ، إن كانت اللقطة مالا من مال الملتقط بحال فلم آمره أن يتصدق وأنا لا آمره أن يتصدق به ، ولا بميراثه من أبيه ، وإن أمرته بالصدقة فكيف أضمنه ما آمره بإتلافه ؟ ، وإن كانت الصدقة مالا من مال الملتقط عنه فكيف آمر الملتقط بأن يتصدق بمال غيره بغير إذن رب المال ؟ ثم لعله يجده رب المال مفلسا فأكون قد أتويت ماله ، ولو تصدق بها ملتقطها كان متعديا فكان لربها أن يأخذها بعينها فإن نقصت في أيدي المساكين ، أو تلفت رجع على الملتقط إن شاء بالتلف والنقصان ، وإن شاء أن يرجع بها على المساكين رجع بها إن شاء

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #154  
قديم 29-07-2022, 07:39 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,902
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله




كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الرابع

الحلقة (154)
صــــــــــ 71 الى صـــــــــــ77




( قال الشافعي ) وإذا التقط العبد اللقطة فعلم السيد باللقطة فأقرها بيده فالسيد ضامن لها في ماله في رقبة العبد وغيره إذا استهلكها العبد قبل السنة أو بعدها دون مال السيد ; لأن أخذه اللقطة عدوان ، إنما يأخذ اللقطة من له ذمة يرجع بها عليه [ ص: 71 ] ومن له مال يملكه والعبد لا مال له ، ولا ذمة ، وكذلك إن كان مدبرا ، أو مكاتبا ، أو أم ولد ، والمدبر والمدبرة كلهم في معنى العبد إلا أن أم الولد لا تباع ويكون في ذمتها إن لم يعلمه السيد ، وفي مال المولي إن علم .

( قال الربيع ) وفي القول الثاني إن علم السيد أن عبده التقطها ، أو لم يعلم فأقرها في يده فهي كالجناية في رقبة العبد ، ولا يلزم السيد في ماله شيء
( قال الشافعي ) والمكاتب في اللقطة بمنزلة الحر ; لأنه يملك ماله والعبد بعضه حر وبعضه عبد يقضي بقدر رقه فيه فإن التقط اللقطة في اليوم الذي يكون لنفسه فيه أقرت في يديه وكانت مالا من ماله ; لأن ما كسب في ذلك اليوم في معاني كسب الأحرار ، وإن التقطها في اليوم الذي هو فيه للسيد أخذها السيد منه ; لأن ما كسبه في ذلك اليوم للسيد ، وقد قيل : إذا التقطها في يوم نفسه أقر في يدي العبد بقدر ما عتق منه وأخذ السيد بقدر ما يرق منه ، وإذا اختلفا فالقول قول العبد مع يمينه ; لأنها في يديه ، ولا يحل للرجل أن ينتفع من اللقطة بشيء حتى تمضي سنة ، وإذا باع الرجل الرجل اللقطة قبل السنة ثم جاء ربها كان له فسخ البيع ، وإن باعها بعد السنة فالبيع جائز ويرجع رب اللقطة على البائع بالثمن ، أو قيمتها إن شاء فأيهما شاء كان له .

( قال : الربيع ) ليس له إلا ما باع إذا كان باع بما يتغابن الناس بمثله ، فإن كان باع بما لا يتغابن الناس بمثله ، غله ما نقص عما يتغابن الناس بمثله .

( قال الشافعي ) وإذا كانت الضالة في يدي الوالي فباعها فالبيع جائز ولسيد الضالة ثمنها فإن كانت الضالة عبدا فزعم سيد العبد أنه أعتقها قبل البيع قبلت قوله مع يمينه إن شاء المشتري يمينه وفسخت البيع وجعلته حرا ورددت المشتري بالثمن الذي أخذ منه .

( قال : الربيع ) وفيه قول آخر أنه لا يفسخ البيع إلا ببينة تقوم ; لأن بيع الوالي كبيع صاحبه فلا يفسخ بيعه إلا ببينة أنه أعتقه قبل بيعه ; لأن رجلا لو باع عبدا ثم أقر أنه أعتقه قبل أن يبيعه لم يقبل قوله فيفسخ على المشتري بيعه إلا ببينة تقوم على ذلك
( قال الشافعي ) وإذا التقط الرجل الطعام الرطب الذي لا يبقى فأكله ثم جاء صاحبه غرم قيمته وله أن يأكله إذا خاف فساده ، وإذا التقط الرجل ما يبقى لم يكن له أكله إلا بعد سنة مثل الحنطة والتمر وما أشبهه
( قال الشافعي ) والركاز دفن الجاهلية فما وجد من مال الجاهلية على وجه الأرض فهو لقطة من اللقط يصنع فيه ما يصنع في اللقطة ; لأن وجوده على ظهر الأرض ، وفي مواضع اللقطة يدل على أنه ملك سقط من مالكه ، ولو تورع صاحب فأدى خمسه كان أحب إلي ، ولا يلزمه ذلك
( قال الشافعي ) وإذا وجد الرجل ضالة الإبل لم يكن له أخذها فإن أخذها ثم أرسلها حيث وجدها فهلكت ضمن لصاحبها قيمتها والبقر والحمير والبغال في ذلك بمنزلة ضوال الإبل وغيرها ، وإذا أخذ السلطان الضوال فإن كان لها حمى يرعونها فيه بلا مؤنة على ربها رعوها فيه إلى أن يأتي ربها ، وإن لم يكن لها حمى باعوها ودفعوا أثمانها لأربابها ، ومن أخذ ضالة فأنفق عليها فهو متطوع بالنفقة لا يرجع على صاحبها بشيء ، وإن أراد أن يرجع على صاحبها بما أنفق فليذهب إلى الحاكم حتى يفرض لها نفقة ويوكل غيره بأن يقبض لها تلك النفقة منه وينفق عليها ، ولا يكون للسلطان أن يأذن له أن ينفق عليها إلا اليوم واليومين وما أشبه ذلك مما لا يقع من ثمنها موقعا ، فإذا جاوز ذلك أمر ببيعها .
ومن التقط لقطة فاللقطة مباحة فإن هلكت منه بلا تعد فليس بضامن لها والقول قوله مع يمينه ، وإذا التقطها ثم ردها في موضعها فضاعت فهو ضامن لها ، وإن رآها فلم يأخذها فليس بضامن لها وهكذا إن دفعها إلى غيره فضاعت أضمنه من ذلك ما أضمن المستودع وأطرح عنه الضمان فيما أطرح عن المستودع
( قال الشافعي ) وإذا حل الرجل دابة الرجل فوقفت ثم مضت ، أو فتح قفصا لرجل عن طائر ثم خرج بعد لم يضمن ; لأن الطائر والدابة أحدثا الذهاب والذهاب غير فعل الحال والفاتح وهكذا الحيوان كله وما فيه روح وله عقل يقف فيه [ ص: 72 ] بنفسه ويذهب بنفسه فأما ما لا عقل له ، ولا روح فيه مما يضبطه الرباط مثل زق زيت وراوية ماء فحلها الرجل فتدفق الزيت فهو ضامن إلا أن يكون حل الزيت ، وهو مستند قائم فكان الحل لا يدفقه فثبت قائما ثم سقط بعد فإن طرحه إنسان فطارحه ضامن لما ذهب منه ، وإن لم يطرحه إنسان لم يضمنه الحال الأول ; لأن الزيت إنما ذهب بالطرح دون الحل وأن الحل قد كان ، ولا جناية فيه
( قال الشافعي ) ولا جعل لأحد جاء بآبق ، ولا ضالة إلا أن يكون جعل له فيه فيكون له ما جعل له وسواء في ذلك من يعرف بطلب الضوال ومن لا يعرف به ومن قال : لأجنبي إن جئتني بعبدي الآبق فلك عشرة دنانير ثم قال : لآخر إن جئتني بعبدي الآبق فلك عشرون دينارا ثم جاءا به جميعا فلكل واحد منهما نصف جعله ; لأنه إنما أخذ نصف ما جعل عليه كله كان صاحب العشرة قد سمع قوله لصاحب العشرين ، أو لم يسمعه ، وكذلك لو قال لثلاثة فقال لأحدهم : إن جئتني به فلك كذا ولآخر ولآخر فجعل أجعالا مختلفة ثم جاءوا به جميعا فلكل أحد منهم ثلث جعله .
، وفي اختلاف مالك والشافعي اللقطة .

( قال : الربيع ) سألت الشافعي رحمه الله عمن وجد لقطة قال : يعرفها سنة ثم يأكلها إن شاء موسرا كان ، أو معسرا ، فإذا جاء صاحبها ضمنها له فقلت : له وما الحجة في ذلك ؟ فقال : السنة الثابتة وروى هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي بن كعب وأمره النبي صلى الله عليه وسلم بأكلها وأبي من مياسير الناس يومئذ وقبل وبعد ( أخبرنا ) مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن يزيد مولى المنبعث عن زيد بن خالد الجهني أنه قال : { جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن اللقطة فقال : اعرف عفاصها ووكاءها ثم عرفها فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها } .

( أخبرنا ) مالك عن أيوب بن موسى عن معاوية بن عبد الله بن بدر أن أباه أخبره أنه نزل منزل قوم بطريق الشام فوجد صرة فيها ثمانون دينارا فذكر ذلك لعمر بن الخطاب فقال : له عمر عرفها على أبواب المساجد واذكرها لمن يقدم من الشام سنة ، فإذا مضت السنة فشأنك بها .

( قال الشافعي ) فرويتم عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم عن عمر أنه أباح بعد سنة أكل اللقطة ثم خالفتم ذلك فقلتم يكره أكل اللقطة للغني والمسكين .

( أخبرنا الربيع ) قال : أخبرنا الشافعي قال : أخبرنا مالك عن نافع أن رجلا وجد لقطة فجاء إلى عبد الله بن عمر فقال : إني وجدت لقطة فماذا ترى ؟ فقال : له ابن عمر عرفها ، قال : قد فعلت ، قال فزد قال : فعلت قال : لا آمرك أن تأكلها ، ولو شئت لم تأخذها .

( قال الشافعي ) وابن عمر لم يوقت في التعريف وقتا وأنتم توقتون في التعريف سنة وابن عمر كره للذي وجد اللقطة أكلها غنيا كان أو فقيرا وأنتم ليس هكذا تقولون وابن عمر يكره له أخذها وابن عمر كره له أن يتصدق بها وأنتم لا تكرهون له أخذها بل تستحبونه وتقولون : لو تركها ضاعت .
وترجم في كتاب اختلاف علي وابن مسعود رضي الله عنهما اللقطة

( أخبرنا الربيع ) قال : أخبرنا الشافعي قال دخل علي ابن قيس قال : سمعت هزيلا يقول رأيت عبد الله أتاه رجل بصرة مختومة فقال : عرفتها ، ولم أجد من يعرفها قال : استمتع بها ، وهذا قولنا إذا عرفها سنة فلم يجد [ ص: 73 ] من يعرفها فله أن يستمتع بها وهكذا السنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم وحديث ابن مسعود يشبه السنة ، وقد خالفوا هذا كله ورووا حديثا عن عامر عن أبيه عن عبد الله أنه اشترى جارية فذهب صاحبها فتصدقوا بثمنها وقال : اللهم عن صاحبها فإن كره فلي وعلي الغرم ، ثم قال : وهكذا نفعل باللقطة فخالفوا السنة في اللقطة التي لا حجة فيها ، وخالفوا حديث ابن مسعود الذي يوافق السنة ، وهو عندهم ثابت واحتجوا بهذا الحديث الذي عن عامر وهم يخالفونه فيما هو بعينه يقولون : إن ذهب البائع فليس للمشتري أن يتصدق بثمنها ، ولكنه يحبسه حتى يأتي صاحبها متى جاء .
كتاب اللقيط

( أخبرنا الربيع بن سليمان ) قال : سمعت الشافعي رحمه الله يقول في المنبوذ : هو حر ولا ولاء له ، وإنما يرثه المسلمون بأنهم قد خولوا كل مال لا مالك له ، ألا ترى أنهم يأخذون مال النصراني ، ولا وارث له ؟ ولو كانوا أعتقوه لم يأخذوا ماله بالولاء ، ولكنهم خولوا ما لا مالك له من الأموال ، ولو ورثه المسلمون وجب على الإمام أن لا يعطيه أحدا من المسلمين دون أحد وأن يكون أهل السوق والعرب من المسلمين فيه سواء ثم وجب عليه أن يجعل ولاءه يوم ولدته أمه لجماعة الأحياء من المسلمين الرجال والنساء ثم يجعل ميراثه لورثته من كان حيا من المسلمين من الرجال دون النساء كما يورث الولاء ، ولكنه مال كما وصفنا لا مالك له ويرد على المسلمين يضعه الإمام على الاجتهاد حيث يرى .
وترجم في سير الأوزاعي الصبي يسبى ثم يموت

سئل أبو حنيفة رحمه الله عن الصبي يسبى وأبوه كافر وقعا في سهم رجل ثم مات أبوه ، وهو كافر ثم مات الغلام قبل أن يتكلم بالإسلام فقال : لا يصلى عليه ، وهو على دين أبيه ; لأنه لا يقر بالإسلام وقال الأوزاعي : مولاه أولى من أبيه يصلى عليه وقال : لو لم يكن معه أبوه وخرج أبوه مستأمنا لكان لمولاه أن يبيعه من أبيه وقال : أبو يوسف إذا لم يسب معه أبوه صار مسلما ليس لمولاه أن يبيعه من أبيه إذا دخل بأمان ، وهو ينقض قول الأوزاعي إنه لا بأس أن يبتاع السبي ويرد إلى دار الحرب في مسألة قبل هذا فالقول في هذا ما قال أبو حنيفة : إذا كان معه أبواه ، أو أحدهما فهو على دينه حتى يقر بالإسلام ، وإذا لم يكن معه أبواه أو أحدهما فهو مسلم .

( قال الشافعي ) { سبى رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء بني قريظة وذراريهم فباعهم من المشركين فاشترى أبو الشحم اليهودي أهل بنت عجوز ولدها من النبي صلى الله عليه وسلم وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بما بقي من السبايا أثلاثا ثلثا إلى تهامة وثلثا إلى نجد وثلثا إلى طريق الشام } فبيعوا بالخيل والسلاح والإبل والمال ، وفيهم الصغير والكبير ، وقد يحتمل هذا أن يكونوا من أجل أن أمهات الأطفال معهم ويحتمل أن يكون في الأطفال من لا أم له ، فإذا سبوا مع أمهاتهم فلا بأس أن يباعوا من المشركين ، وكذلك لو سبوا مع آبائهم ، ولو مات أمهاتهم وآباؤهم قبل أن يبلغوا فيصفوا الإسلام لم يكن لنا أن نصلي عليهم ; لأنهم على دين الأمهات والآباء إذا كان النساء بلغا فلنا بيعهم بعد موت أمهاتهم من المشركين ; لأنا قد حكمنا عليهم بأن حكم الشرك ثابت عليهم إذا تركنا الصلاة عليهم كما حكمنا به وهم مع آبائهم لا فرق بين ذلك إذا لزمهم حكم الشرك كان لنا بيعهم من المشركين [ ص: 74 ] وكذلك النساء البوالغ قد { استوهب رسول الله صلى الله عليه وسلم جارية بالغا من أصحابه ففدى بها رجلين }
وترجم في اختلاف مالك والشافعي باب المنبوذ ( أخبرنا ) مالك عن ابن شهاب عن سنين أبي جميلة رجل من بني سليم أنه وجد منبوذا في زمان عمر بن الخطاب فجاء به إلى عمر فقال : ما حملك على أخذ هذه النسمة ؟ قال وجدتها ضائعة فأخذتها فقال عريفي يا أمير المؤمنين إنه رجل صالح فقال : أكذلك ؟ قال : نعم قال : عمر اذهب فهو حر وولاؤه لك وعلينا نفقته قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا في المنبوذ أنه حر وأن ، ولاءه للمسلمين فقلت : للشافعي فبقول مالك نأخذ .

( قال الشافعي ) فقد تركتم ما روي عن عمر في المنبوذ فإن كنتم تركتموه ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { الولاء لمن أعتق } ، فقد زعمتم أن في ذلك دليلا على أن لا يكون الولاء إلا لمن أعتق ، ولا يزول عن معتق ، فقد خالفتم عمر استدلالا بالسنة ثم خالفتم السنة فزعمتم أن السائبة لا يكون ولاؤه للذي أعتقه ، وهو معتق فخالفتموهما جميعا وخالفتم السنة في النصراني يعتق العبد المسلم فزعمتم أن لا ولاء له ، وهو معتق وخالفتم السنة في المنبوذ إذ كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول { فإنما الولاء لمن أعتق } فهذا نفى أن يكون الولاء لمن أعتق والمنبوذ غير معتق ولا ولاء له فمن أجمع ترك السنة وخالف عمر فيا ليت شعري من هؤلاء المجمعين لا يسمون فإنا لا نعرفهم ، وهو المستعان ، ولم يكلف الله أحدا أن يأخذ دينه عمن لا يعرفه ، ولو كلفه أفيجوز له أن يقبل عمن لا يعرف ؟ إن هذه لغفلة طويلة فلا أعرف أحدا عنه هذا العلم يؤخذ عليه مثل هذا في قوله واحد يترك ما روي في اللقيط عن عمر للسنة ثم يدع السنة فيه في موضع آخر في السائبة والنصراني يعتق المسلم .

( قال الشافعي ) وقد خالفنا بعض الناس في هذا فكان قوله أشد توجيها من قولكم قالوا : يتبع ما جاء عن عمر في اللقيط ; لأنه قد يحتمل أن لا يكون خلافا للسنة وأن تكون السنة في المعتق فيمن لا ولاء له ويجعل ولاء الرجل يسلم على يديه الرجل للمسلم بحديث عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا : في السائبة والنصراني يعتق المسلم قولنا فزعمنا أن عليهم حجة بأن قول النبي صلى الله عليه وسلم { فإنما الولاء لمن أعتق } لا يكون الولاء إلا لمعتق ، ولا يزول عن معتق فإن كانت لنا عليهم بذلك حجة فهي عليكم أبين ; لأنكم خالفتموه حيث ينبغي أن توافقوه ووافقتموه حيث كان لكم شبهة لو خالفتموه .
[ ص: 75 ] باب الجعالة وليس في التراجم

وفي آخر اللقطة الكبيرة .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ولا جعل لأحد جاء بآبق ، ولا ضالة إلا أن يكون جعل له فيه فيكون له ما جعل له وسواء في ذلك من يعرف بطلب الضوال ومن لا يعرف به ومن قال لأجنبي : إن جئتني بعبدي الآبق فلك عشرة دنانير ثم قال الآخر : إن جئتني بعبدي الآبق فلك عشرون دينارا ثم جاءا به جميعا فلكل واحد منهما نصف جعله ; لأنه إنما أخذ نصف ما جعل عليه كان صاحب العشرة قد سمع قوله لصاحب العشرين ، أو لم يسمعه ، وكذلك لو قال لثلاثة فقال : لأحدهم إن جئتني به فلك كذا ، ولآخر ولآخر . فجعل أجعالا مختلفة ثم جاءوا به معا فلكل واحد منهم ثلث جعله
كتاب الفرائض

" باب المواريث " من سمى الله تعالى له الميراث وكان يرث ، ومن خرج من ذلك .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : فرض الله تعالى ميراث الوالدين والإخوة والزوجة والزوج فكان ظاهره أن من كان والدا ، أو أخا محجوبا وزوجا وزوجة ، فإن ظاهره يحتمل أن يرثوا وغيرهم ممن سمي له ميراث إذا كان في حال دون حال فدلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أقاويل أكثر أهل العلم على أن معنى الآية أن أهل المواريث إنما ورثوا إذا كانوا في حال دون حال .

قلت للشافعي : وهكذا نص السنة ؟ قال : لا ، ولكن هكذا دلالتها ، قلت وكيف دلالتها ؟ قال : أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قال : قولا يدل على أن بعض من سمي له ميراث لا يرث . فيعلم أن حكم الله تعالى لو كان على أن يرث من لزمه اسم الأبوة والزوجة وغيره عاما لم يحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحد لزمه اسم الميراث بأن لا يرث بحال . قيل : للشافعي فاذكر الدلالة فيمن لا يرث مجموعة . قال : لا يرث أحد ممن سمي له ميراث حتى يكون دينه دين الميت الموروث ويكون حرا ، ويكون بريئا من أن يكون قاتلا للموروث ، فإذا برئ من هذه الثلاث الخصال ورث ، وإذا كانت فيه واحدة منهن لم يرث ، فقلت : فاذكر ما وصفت ، قال : أخبرنا ابن عيينة عن الزهري عن علي بن الحسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { لا يرث المسلم الكافر ، ولا الكافر المسلم } وأخبرنا مالك عن ابن شهاب عن علي بن الحسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لا يرث المسلم الكافر ، ولا الكافر المسلم } وأخبرنا مالك عن ابن شهاب عن علي بن الحسين قال : إنما ورث أبا طالب عقيل وطالب ، ولم يرثه علي ، ولا جعفر . قال : فلذلك تركنا نصيبنا [ ص: 76 ] من الشعب .

( قال الشافعي ) فدلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما وصفت لك من أن الدينين إذا اختلفا بالشرك والإسلام لم يتوارث من سميت له فريضة ، أخبرنا سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { من باع عبدا له مال فماله للبائع إلا أن يشترط المبتاع } .

( قال الشافعي ) فلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن مال العبد إذا بيع لسيده دل هذا على أن العبد لا يملك شيئا ، وأن اسم ماله إنما هو إضافة المال إليه ، كما يجوز في كلام العرب أن يقول الرجل لأجير في غنمه وداره وأرضه هذه أرضك وهذه غنمك على الإضافة لا الملك ، فإن قال قائل : ما دل على أن هذا معناه ، وهو يحتمل أن يكون المال ملكا له ؟ قيل : له قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن ماله للبائع دلالة على أن ملك المال لمالك الرقبة وأن المملوك لا يملك شيئا ، ولم أسمع اختلافا في أن قاتل الرجل عمدا لا يرث من قتل من دية ، ولا مال شيئا .

ثم افترق الناس في القاتل خطأ ، فقال : بعض أصحابنا يرث من المال ، ولا يرث من الدية وروي ذلك عن بعض أصحابنا عن النبي صلى الله عليه وسلم بحديث لا يثبته أهل العلم بالحديث ، وقال غيرهم : لا يرث قاتل الخطأ من دية ، ولا مال ، وهو كقاتل العمد ، وإذا لم يثبت الحديث فلا يرث قاتل عمد ، ولا خطأ شيئا أشبه بعموم أن لا يرث قاتل ممن قتل .
باب الخلاف في ميراث أهل الملل ، وفيه شيء يتعلق بميراث العبد والقاتل .

( قال الربيع ) ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : فوافقنا بعض الناس ، فقال : لا يرث مملوك ، ولا قاتل عمدا ، ولا خطأ ، ولا كافر شيئا ، ثم عاد فقال : إذا ارتد الرجل عن الإسلام فمات على الردة ، أو قتل ورثه ورثته المسلمون .

( قال الشافعي ) فقيل لبعضهم : أيعدو المرتد أن يكون كافرا أو مسلما ؟ قال : بل كافر ، قيل : فقد قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا يرث الكافر المسلم } ، ولم يستثن من الكفار أحدا فكيف ورثت مسلما كافرا ؟ فقال : إنه كافر قد كان ثبت له حكم الإسلام ثم أزاله عن نفسه ، قلنا فإن كان زال بإزالته إياه ، فقد صار إلى أن يكون ممن قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يرثه مسلم ، ولا يرث مسلما ، وإن كان لم يزل بإزالته إياه ، أفرأيت أن من مات له ابن مسلم ، وهو مرتد أيرثه ؟ قال : لا ، قلنا : ولم حرمته ؟ قال : للكفر ، قلنا : فلم لا يحرم منه بالكفر كما حرمته ؟ هل يعدو أن يكون في الميراث بحاله قبل أن يرتد فيرث ويورث أو يكون خارجا من حاله قبل أن يرتد فلا يرث ، ولا يورث ، وقد قتلته ؟ وذلك يدل على أن قد زالت بإزالته وحرمت عليه امرأته وحكمت عليه حكم المشركين في بعض وحكم المسلمين في بعض قال : فإني إنما ذهبت إلى أن عليا رضي الله عنه ورث ورثة مرتد قتله من المسلمين ماله قلنا : قد رويته عن علي رضي الله عنه وقد زعم بعض أهل العلم بالحديث قبلك أنه غلط على علي كرم الله وجهه ، ولو كان ثابتا عنه كان أصل مذهبنا ومذهبك أنه لا حجة في أحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فيحتمل أن يكون لا يرث الكافر الذي لم يزل كافرا قلنا فإن كان حكم المرتد مخالفا حكم من لم يزل كافرا فورثه فورثته المسلمون إذا ماتوا قبله فعلي لم ينهك عن هذا قال : هو داخل في جملة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قلت : فإن كان داخلا في جملة الحديث [ ص: 77 ] عن النبي صلى الله عليه وسلم لزمك أن تترك قولك في أن ورثته من المسلمين يرثونه ( قال الشافعي ) وقد روي عن معاذ بن جبل ومعاوية ومسروق وابن المسيب ومحمد بن علي بن الحسين أن المؤمن يرث الكافر ، ولا يرثه الكافر وقال : بعضهم كما تحل لنا نساؤهم ، ولا تحل لهم نساؤنا فإن قال لك قائل : { قضاء النبي صلى الله عليه وسلم كان في كافر من أهل الأوثان } وأولئك لا تحل ذبائحهم ، ولا نساؤهم وأهل الكتاب غيرهم فيرث المسلمون من أهل الكتاب اعتمادا على ما وصفنا ، أو بعضهم ; لأنه يحتمل لهم ما احتمل لك بل لهم شبهة ليست لك بتحليل ذبائح أهل الكتاب ونسائهم قال : لا يحل له ذلك قلنا ولم ؟ قال ; لأنهم داخلون في الكافرين وحديث النبي صلى الله عليه وسلم جملة . قلنا : فكذلك المرتد داخل في جملة الكافرين


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #155  
قديم 29-07-2022, 07:41 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,902
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله




كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الرابع

الحلقة (155)
صــــــــــ 78 الى صـــــــــــ84




باب من قال : لا يورث أحد حتى يموت .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى قال الله عز وجل { إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك ، وهو يرثها إن لم يكن لها ولد } وقال الله عز وجل { ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم [ ص: 78 ] يكن لهن ولد } وقال عز وعلا { ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد } وقال : النبي صلى الله عليه وسلم { لا يرث المسلم الكافر } .

( قال الشافعي ) وكان معقولا عن الله عز وجل ثم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم في لسان العرب وقول عوام أهل العلم ببلدنا أن امرأ لا يكون موروثا أبدا حتى يموت ، فإذا مات كان موروثا وأن الأحياء خلاف الموتى فمن ورث حيا دخل عليه - والله تعالى أعلم - خلاف حكم الله - عز وجل - وحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا : والناس معنا بهذا لم يختلف في جملته وقلنا به في المفقود وقلنا لا يقسم ماله حتى يعلم يقين وفاته .

وقضى عمر وعثمان في امرأته بأن تتربص أربع سنين ثم تعتد أربعة أشهر وعشرا ، وقد يفرق بين الرجل والمرأة بالعجز عن إصابتها . ونفرق نحن بالعجز عن نفقتها وهاتان سببا ضرر ، والمفقود قد يكون سبب ضرر أشد من ذلك ، فعاب بعض المشرقيين القضاء في المفقود ، وفيه قول عمر وعثمان وما وصفنا مما يقولون فيه بقولنا ويخالفونا ، وقالوا : كيف يقضي لامرأته بأن يكون ميتا بعد مدة ، ولم يأت يقين موته ؟ ثم دخلوا في أعظم مما عابوا خلاف الكتاب والسنة . وجملة ما عابوا ، فقالوا في الرجل يرتد في ثغر من ثغور المسلمين فيلحق بمسلحة من مسالح المشركين فيكون قائما فيها يترهب ، أو جاء إلينا مقاتلا يقسم ميراثه بين ورثته المسلمين وتحل ديونه ويعتق مدبروه وأمهات أولاده ويحكم عليه حكم الموتى في جميع أمره ثم يعود لما حكم به عليه فيقول فيه قولا متناقضا خارجا كله من أقاويل الناس والقياس والمعقول .

( قال الشافعي ) فقال : ما وصفت بعض من هو أعلمهم عندهم ، أو كأعلمهم فقلت له ما وصفت ، وقلت : له أسألك عن قولك ، فقد زعمت أن حراما أن يقول أحد أبدا قولا ليس خبرا لازما ، أو قياسا أقولك في أن يورث المرتد ، وهو حي إذا لحق بدار الكفر خبرا ، أو قياسا ؟ فقال : أما خبر فلا ، فقلت : فقياس ؟ قال : نعم من وجه ، قلت فأوجدنا ذلك الوجه قال : ألا ترى أنه لو كان معي في الدار وكنت قادرا عليه قتلته ؟ فقلت فإن لم تكن قادرا عليه فتقتله أفمقتول هو أم ميت بلا قتل ؟ قال : لا قلت : فكيف حكمت عليه حكم الموتى ، وهو غير ميت ؟ أورأيت لو كانت علتك بأنك لو قدرت عليه في حاله تلك فقتلته فجعلته في حكم الموتى فكان هاربا في بلاد الإسلام مقيما على الردة دهرا من دهره أتقسم ميراثه ؟ قال : لا ، قلت : فأسمع علتك بأنك لو قدرت عليه قتلته . قال : فإن لم تقدر عليه حكم عليه حكم الموتى كانت باطلا عندك فرجعت إلى الحق عندك في أن لا تقتله إذا كان هاربا في بلاد الإسلام وأنت لو قدرت عليه قتلته .

ولو كانت عندك حقا فتركت الحق في قتله إذا كان هاربا في بلاد الإسلام . قلت : فإنما قسمت ميراثه بلحوقه بدار الكفر دون الموت ؟ قال : نعم ، قلت : فالمسلم يلحق بدار الكفر أيقسم ميراثه إذا كان في دار لا يجري عليه فيها الحكم ؟ قال : لا . قلنا فالدار لا تميت أحدا ، ولا تحييه ، فهو حي حيث كان حيا وميت حيث كان ميتا .

قال نعم : قلنا أفتستدرك على أحد أبدا بشيء من جهة الرأي أقبح أن تقول الحي ميت ؟ أرأيت لو تابعك أحد على أن تزعم أن حيا يقسم ميراثه ما كان يجب عليك أن من تابعك على هذا مغلوب على عقله ، أو غبي لا يسمع منه . فكيف إذا كان الكتاب والسنة يدلان معا على دلالة المعقول على خلافكما معا ؟ .

( قال الشافعي ) وقلت : له عبتم على من قال : قول عمر وعثمان رضي الله تعالى عنهما في امرأة المفقود ومن أصل ما تذهبون كما تزعمون أن الواحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال : قولا كان قوله غاية ينتهى إليها وقبلتم عن عمر أنه قال : إذا أرخيت الستور وجب المهر والعدة ورددتم على من تأول الآيتين وهما قول الله عز وجل { ، وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن } وقوله { فما لكم عليهن من عدة تعتدونها } ، وقد روي هذا [ ص: 79 ] عن ابن عباس وشريح وذهبنا إلى أن الإرخاء والإغلاق لا يصنع شيئا إنما يصنعه المسيس فكيف لم تجيزوا لمن تأول على قول عمر وقال : بقول ابن عباس ؟ وقلتم عمر في إمامته أعلم بمعنى القرآن ، ثم امتنعتم من القبول عن عمر وعثمان القضاء في امرأة المفقود وهما لم يقضيا في ماله بشيء علمناه ، وقلتم لا يجوز أن يحكم عليه حكم الموتى قبل أن تستيقن وفاته ، وإن طال زمانه .

ثم زعمتم أنكم تحكمون على رجل حكم الموت وأنت على يقين من حياته في طرفة عين فلقلما رأيتكم عبتم على أحد في الأخبار التي انتهى إليها شيئا قط إلا قلتم من جهة الرأي بمثله وأولى أن يكون معيبا فأي جهل أبين من أن تعيب في الخبر الذي هو عندك فيما تزعم ؟ غاية ما نقول من جهة الرأي ما عبت منه ، أو مثله ، وقلت لبعضهم : أرأيت قولك لو لم يعب بخلاف كتاب ، ولا سنة ، ولا إجماع ، ولا قياس ، ولا معقول وسكت لك عن هذا كله ، ألا يكون قولك معيبا بلسانك ؟ .

( قال ) وأين ؟ قلت : أرأيت إذا كانت الردة اللحوق بدار الحرب يوجب عليه حكم الموت لم زعمت أن القاضي إن فرط ، أو لم يرفع ذلك إليه حتى يمضي سنين ، وهو في دار الحرب . ثم رجع قبل أن يحكم القاضي مسلما أنه على أصل ملكه ، ولم زعمت أن القاضي إن حكم في طرفة عين عليه بحكم الموت ثم رجع مسلما كان الحكم ماضيا في بعض دون بعض ؟ ما زعمت أن حكم الموت يجب عليه بالردة واللحوق بدار الحرب ; لأنك لو زعمت ذلك ، قلت : لو رجع مسلما أنفذ عليه الحكم ; لأنه وجب ، ولو زعمت أن الحكم إذا أنفذ عليه ورجع مسلما رد الحكم فلا ينفذ فأنت زعمت أن ينفذ بعضا ويرد بعضا .

( قال ) وما ذلك ؟ قلت : زعمت أنه يعتق مدبروه وأمهات أولاده ويعطي غريمه الذي حقه إلى ثلاثين سنة حالا ويقسم ميراثه فيأتي مسلما ومدبروه وأمهات أولاده وماله قائم في يدي غريمه يقر به ويشهد عليه ولا يرد من هذا شيئا ، وهو ماله بعينه فكل مال في يدي الغريم ماله بعينه وتقول لا ينقض الحكم . ثم تنزع ميراثه من يدي ورثته فكيف نقضت بعض الحكم دون بعض ؟ قال : قلت : هو ماله بعينه لم يحلل له ومدبروه وأمهات أولاده بأعيانهم . ثم زعمت أنه ينقض الحكم للورثة وأنه إن استهلك بعضهم ماله ، وهو موسر لم يغرمه إياه ، وإن لم يستهلكه بعضهم أخذته ممن لم يستهلكه هل يستطيع أحد كمل عقله وعلمه لو تخاطأ أن يأتي بأكثر من هذا في الحكم بعينه ؟ أرأيت من نسبتم إليه الضعف من أصحابنا وتعطيل النظر وقلتم إنما يتخرص فيلقى ما جاء على لسانه هل كان تعطيل النظر يدخل عليه أكثر من خلاف كتاب وسنة ، فقد جمعتهما جميعا ، أو خلاف معقول ، أو قياس أو تناقض قول ، فقد جمعته كله فإن كان أخرجك عند نفسك من أن تكون ملوما على هذا إنك أبديته وأنت تعرفه فلا أحسب لمن أتى ما ليس له ، وهو يعرفه عذرا عندنا ; لأنه إذا لم يكن للجاهل بأن يقول من قبل أنه يخطئ ، ولا يعلم فأحسب العالم غير معذور بأن يخطئ ، وهو يعلم .

( قال الشافعي ) فقال : فما تقول أنت ؟ فقلت : أقول إني أقف ماله حتى يموت فأجعله فيئا ، أو يرجع إلى الإسلام فأرده إليه ، ولا أحكم بالموت على حي فيدخل علي بعض ما دخل عليك .
باب رد المواريث

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ، قال الله عز وجل { إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك ، وهو يرثها إن لم يكن لها ولد } وقال : الله عز وجل { ، وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر [ ص: 80 ] مثل حظ الأنثيين } وقال : { ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها ، أو دين } وقال : تعالى { ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم } وقال : عز اسمه { ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد ، فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له إخوة فلأمه السدس } .

( قال الشافعي ) فهذه الآي في المواريث كلها تدل على أن الله عز وجل انتهى بمن سمى له فريضة إلى شيء ، فلا ينبغي لأحد أن يزيد من انتهى الله به إلى شيء غير ما انتهى به ، ولا ينقصه فبذلك قلنا : لا يجوز رد المواريث .

( قال الشافعي ) وإذا ترك الرجل أخته أعطيتها نصف ما ترك وكان ما بقي للعصبة فإن لم تكن عصبة فلمواليه الذين أعتقوه ، فإن لم يكن له موال أعتقوه كان النصف مردودا على جماعة المسلمين من أهل بلده ، ولا تزاد أخته على النصف ، وكذلك لا يرد على وارث ذي قرابة ، ولا زوج ، ولا زوجة له فريضة ، ولا تجاوز بذي فريضة فريضته والقرآن إن شاء الله تعالى يدل على هذا ، وهو قول زيد بن ثابت وقول الأكثر ممن لقيت من أصحابنا .
باب الخلاف في رد المواريث

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فقال لي بعض الناس إذا ترك الميت أخته ، ولا وارث له غيرها ، ولا مولى أعطيت الأخت المال كله ، قال : فقلت لبعض من يقول هذا إلى أي شيء ذهبتم ؟ قال : ذهبنا إلى أن روينا عن علي بن أبي طالب وابن مسعود رد المواريث فقلت : له ما هو عن واحد منهما فيما علمته بثابت ، ولو كان ثابتا كنت قد تركت عليهما أقاويل لهما في الفرائض غير قليلة لقول زيد بن ثابت فكيف إن كان زيد لا يقول بقولهما لا يرد المواريث لم لم تتبعه دونهما كما اتبعته دونهما في غير هذا من الفرائض ؟ .

( قال الشافعي ) فقال : فدع هذا ، ولكن أرأيت إذا اختلف القولان في رد المواريث أليس يلزمنا أن نصير إلى أشبه القولين بكتاب الله تبارك وتعالى ؟ قلنا بلى قال فعدهما خالفاه أي القولين أشبه بكتاب الله تبارك وتعالى ؟ قلنا قول زيد بن ثابت لا شك إن شاء الله تعالى قال : وأين الدلالة على موافقة قولكم في كتاب الله عز وجل دون قولنا ؟ قلت قال الله عز وجل { إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك ، وهو يرثها إن لم يكن لها ولد } وقال : { فإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين } فذكر الأخت منفردة فانتهى بها إلى النصف وذكر الأخ منفردا فانتهى به إلى الكل وذكر الأخ والأخت مجتمعين فجعلها على النصف من الأخ في الاجتماع كما جعلها في الانفراد أفرأيت إن أعطيتها الكل منفردة أليس قد خالفت حكم الله تبارك وتعالى نصا ؟ لأن الله عز وجل انتهى بها إلى النصف وخالفت معنى حكم الله إذ سويتها به ، وقد جعلها الله تبارك وتعالى معه على النصف منه .

( قال الشافعي ) فقلت له وآي المواريث كلها تدل على خلاف رد المواريث قال : فقال أرأيت إن قلت : لا أعطيها النصف الباقي ميراثا ؟ قلت : له قل ما شئت قال : أراها موضعه قلت : فإن رأى غيرك غيرها موضعه فأعطاها جارة له محتاجة ، أو جارا له محتاجا أو غريبا محتاجا ؟ قال : فليس له ذلك قلت : ولا لك بل هذا أعذر منك ، هذا لم يخالف حكم الكتاب نصا ، وإنما خالف قول عوام المسلمين ; لأن عوام منهم يقولون هو لجماعة المسلمين .
[ ص: 81 ] باب المواريث أخبرنا الربيع بن سليمان قال : ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى { ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بني } وقال عز وجل { وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر } فنسب إبراهيم إلى أبيه وأبوه كافر ونسب ابن نوح إلى أبيه نوح وابنه كافر وقال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم في زيد بن حارثة { ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم } وقال : تبارك وتعالى { وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه } فنسب الموالي نسبان أحدهما إلى الآباء والآخر إلى الولاء وجعل الولاء بالنعمة وقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم { ما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل ، وإن كان مائة شرط قضاء الله أحق وشرطه أوثق ، وإنما الولاء لمن أعتقه } فبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الولاء إنما يكون للمعتق قال وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال { الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب } فدل الكتاب والسنة على أن الولاء إنما يكون بمتقدم فعل من المعتق كما يكون النسب بمتقدم ولاد من الأب ، ألا ترى أن رجلا لو كان لا أب له يعرف جاء رجلا فسأل أن ينسبه إلى نفسه ورضي ذلك الرجل لم يجز أن يكون له ابنا أبدا فيكون مدخلا به على عاقلته مظلمة في أن يعقلوا عنه ويكون ناسبا إلى نفسه غير من ولد ، وإنما قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم { الولد للفراش } ، وكذلك إذا لم يعتق الرجل الرجل لم يجز أن يكون منسوبا إليه بالولاء فيدخل على عاقلته المظلمة في عقلهم عنه وينسب إلى نفسه ولاء من لم يعتق ، وإنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { الولاء لمن أعتق } فبين في قوله { إنما الولاء لمن أعتق } أنه لا يكون الولاء إلا لمن أعتق ، أولا ترى أن رجلا لو أمر ابنه أن ينتسب إلى غيره ، أو ينتفي من نسبه وتراضيا على ذلك لم تنقطع أبوته عنه بما أثبت الله عز وجل لكل واحد منهما على صاحبه ؟ أولا ترى أنه لو أعتق عبدا له ثم أذن له بعد العتق أن يوالي من شاء أو ينتفي من ولايته ورضي بذلك المعتق لم يكن لواحد منهما أن يفعل ذلك لما أثبت الله تعالى عليه من النعمة ؟ فلما كان المولى في المعنى الذي فيه النسب ثبت الولاء بمتقدم المنة كما ثبت النسب بمتقدم الولادة لم يجز أن يفرق بينهما أبدا إلا بسنة ، أو إجماع من أهل العلم وليس في الفرق بينهما في هذا المعنى سنة ، ولا إجماع .

( قال الشافعي ) قد حضرني جماعة من أصحابنا من الحجازيين وغيرهم فكلمني رجل من غيرهم بأن قال إذا أسلم الرجل على يدي رجل فله ولاؤه إذا لم يكن له ولاء نعمة وله أن يوالي من شاء ، وله أن ينتقل بولائه ما لم يعقل عنه ، فإذا عقل عنه لم يكن له أن ينتقل عنه ، وقال لي فما حجتك في ترك هذا ؟ قلت : خلافه ما حكيت من قول الله عز وجل { ادعوهم لآبائهم } الآية وقول النبي صلى الله عليه وسلم { فإنما الولاء لمن أعتق } فدل ذلك على أن النسب يثبت بمتقدم الولاد كما ثبت الولاء بمتقدم العتق ، وليس كذلك الذي يسلم على يدي الرجل ، فكان النسب شبيها بالولاء والولاء شبيها بالنسب ، فقال لي قائل : إنما ذهبت في هذا إلى حديث رواه ابن موهب عن تميم الداري قلت لا يثبت ، قال : أفرأيت إذا كان هذا الحديث ثابتا أيكون مخالفا لما رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم { الولاء لمن أعتق } قلت : لا ، قال : فكيف تقول ؟ .

قلت : أقول : إن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم { إنما الولاء لمن أعتق } { ونهيه عن بيع الولاء وعن هبته } ، وقوله { الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ، ولا يوهب } فيمن أعتق ; لأن العتق نسب والنسب لا يحول ، والذي يسلم على يدي الرجل ليس هو المنهي أن يحول ، ولاؤه ، قال : فبهذا قلنا ، فما منعك منه إذا كان الحديثان [ ص: 82 ] محتملين أن يكون لكل واحد منهما وجه ؟ قلت : منعني أنه ليس بثابت ، إنما يرويه عبد العزيز بن عمر عن ابن موهب عن تميم الداري ، وابن موهب ليس بالمعروف عندنا ، ولا نعلمه لقي تميما ، ومثل هذا لا يثبت عندنا ، ولا عندك من قبل أنه مجهول ، ولا نعلمه متصلا ، قال : فإن من حجتنا أن عمر قال : في المنبوذ هو حر ولك ، ولاؤه ، يعني للذي التقطه ، قلت : وهذا لو ثبت عن عمر حجة عليك ; لأنك تخالفه ، قال : ومن أين ؟ قلت : أنت تزعم أنه لا يوالي عن الرجل إلا نفسه بعد أن يعقل ، وأن له إذا والى عن نفسه أن ينتقل بولائه ما لم يعقل عنه ، فإن زعمت أن موالاة عمر عنه ; لأنه وليه جائزة عليه ، فهل لوصي اليتيم أن يوالي عنه ؟ قال : ليس ذلك له ، قلت : فإن زعمت أن ذلك للوالي دون الوصي ، فهل وجدته يجوز للوالي شيء في اليتيم لا يجوز للوصي ؟ فإن زعمت أن ذلك حكم من عمر والحكم لا يجوز عندك على أحد إلا بشيء يلزمه نفسه ، أو فيما لا بد له منه مما لا يصلحه غيره ، ولليتيم بد من الولاء .

فإن قلت : هو حكم فلا يكون له أن ينتقل به فكيف يجوز أن يكون له أن ينتقل إذا عقد على نفسه عقدا ما لم يعقل عنه ، ولا يكون له أن ينتقل إن عقده عليه غيره ؟ .

( قال ) فإن قلت : هو أعلم بمعنى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قلت : ونعارضك بما هو أثبت عن ميمونة وابن عباس من هذا عن عمر بن الخطاب ، قال : وما هو ؟ قلت : وهبت ميمونة ، ولاء بني يسار لابن أختها عبد الله بن عباس فاتهبه ، فهذه زوج النبي صلى الله عليه وسلم وابن عباس وهما اثنان ، قال : فلا يكون في أحد ، ولو كانوا عددا كثيرا مع النبي صلى الله عليه وسلم حجة ، قلنا : فكيف احتججت بأحد على النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال : هكذا يقول بعض أصحابنا ، قلت : أبيت أن تقبل هذا من غيرك ، فقال : من حضرنا من المدنيين هذه حجة ثابتة ، قال فأنتم إن كنتم ترونها ثابتة ، فقد تخالفونها في شيء قالوا ما نخالفها في شيء ، وما نزعم أن الولاء يكون إلا لذي نعمة .

( قال الشافعي ) فقال لي قائل أعتقد عنهم جوابهم ، فأزعم أن للسائبة أن يوالي من شاء ، قلت : لا يجوز هذا إذا كان من احتججنا به من الكتاب والسنة والقياس ، إلا أن يأتي فيه خبر عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أو أمر أجمع الناس عليه فنخرجه من جملة المعتقين اتباعا ، قال : فهم يروون أن حاطبا أعتق سائبة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم .

قلنا ونحن : لا نمنع أحدا أن يعتق سائبة . فهل رويت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ولاء السائبة إليه يوالي من شاء ؟ قال : لا ، قلت : فداخل هو في معنى المعتقين ؟ قال : نعم ، قلت : أفيجوز أن يخرج ، وهو معتق من أن يثبت له وعليه الولاء .

قال : فإنهم يروون أن رجلا قتل سائبة فقضى عمر بعقله على القاتل فقال : أبو القاتل أرأيت لو قتل ابني ؟ قال : إذا لا يغرم ، قال : فهو إذا مثل الأرقم ، قال : عمر فهو مثل الأرقم ، فاستدلوا بأمه لو كانت له عاقلة بالولاء قضى عمر بن الخطاب على عاقلته ؟ قلت فأنت إن كان هذا ثابتا عن عمر محجوج به ، قال : وأين ؟ قلت : تزعم أن ولاء السائبة لمن أعتقه ، قال : فأعفني من ذا فإنما أقوم لهم بقولهم . قلت : فأنت تزعم أن من لا ولاء له من لقيط ومسلم وغيره إذا قتل إنسانا قضى بعقله على جماعة المسلمين ; لأن لهم ميراثه ، وأنت تزعم أن عمر لم يقض بعقله على أحد . قال : وهكذا يقول جميع المفتين . قلت : أفيجوز لجميع المفتين أن يخالفوا عمر ؟ قال : لا هو عن عمر منقطع ليس بثابت . قلت : فكيف احتججت به ؟ قال : لا أعلم [ ص: 83 ] لهم حجة غيره . قلت : فبئس ما قضيت على من قمت بحجته إذا كان احتج بغير حجة عندك ، قال : فعندك في السائبة شيء مخالف لهذا ؟ قلت : إن قبلت الخبر المنقطع فنعم .

( قال الشافعي ) أخبرنا سعيد ومسلم عن ابن جريج عن عطاء أن طارق بن المرقع أعتق أهل أبيات من أهل اليمن سوائب فانقلعوا عن بضعة عشر ألفا فذكر ذلك لعمر بن الخطاب فأمر أن تدفع إلى طارق ، أو إلى ورثة طارق .

( قال الشافعي ) فهذا إن كان ثابتا يدلك على أن عمر يثبت ولاء السائبة لمن سيبه .

وهذا معروف عن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه في تركة سالم الذي يقال له سالم مولى أبي حذيفة أن أبا بكر أعطى فضل ميراثه عمرة بنت يعار الأنصارية وكانت أعتقته سائبة . وروي عن ابن مسعود أنه قال : في السائبة شبيها بمعنى ذلك فيما أظن حديث منقطع .

قال : فهل عندك حجة تفرق بين السائبة وبين الذي يسلم على يدي الرجل غير الحديث المنقطع قلت : نعم من القياس . قال : ما هو ؟ قلت : إن الذي يسلم على يدي الرجل وينتقل بولائه إلى موضع إنما ذلك برضا المنتسب والمنسوب إليه وله أن ينتقل بغير رضا من انتسب إليه ، وإن السائبة يقع العتق عليه بلا رضى منه وليس له أن ينتقل منه ، ولو رضي بذلك هو ومعتقه ، وإنه ممن يقع عليه عتق المعتق مع دخوله في جملة المعتقين . كان أهل الجاهلية يبحرون البحيرة ويسيبون السائبة ويوصلون الوصيلة ويعفون الحامي وهذه من الإبل والغنم . فكانوا يقولون في الحامي إذا ضرب في إبل الرجل عشر سنين وقيل : نتج له عشرة حام أي حمى ظهره فلا يحل أن يركب .

ويقولون في الوصيلة وهي من الغنم إذا وصلت بطونا توما ونتج نتاجها فكانوا يمنعونها مما يفعلون بغيرها مثلها ، ويسيبون السائبة . فيقولون قد أعتقناك سائبة ولا ولاء لنا عليك ، ولا ميراث يرجع منك ليكون أكمل لتبررنا فيك . فأنزل الله عز وجل { ما جعل الله من بحيرة ، ولا سائبة ، ولا وصيلة ، ولا حام } الآية فرد الله ثم رسوله صلى الله عليه وسلم الغنم إلى مالكها إذا كان العتق من لا يقع على غير الآدميين ، وكذلك لو أنه أعتق بعيره لم يمنع بالعتق منه إذا حكم الله عز وجل أن يرد إليه ذلك ويبطل الشرط فيه . فكذلك أبطل الشروط في السائبة ورده إلى ، ولاء من أعتقه مع الجملة التي وصفنا لك .

( قال الشافعي ) أخبرنا إبراهيم بن محمد أن عبد الله بن أبي بكر وعبد العزيز أخبراه أن عمر بن عبد العزيز كتب في خلافته في سائبة مات أن يدفع ميراثه إلى الذي أعتقه .

( قال الشافعي ) وإن كانت الكفاية فيما ذكرنا من الكتاب والسنة والقياس . فقال : فما تقول في النصراني يعتق العبد المسلم ؟ قلت : فهو حر . قال : فلمن ولاؤه ؟ قلت : للذي أعتقه . قال : فما الحجة فيه ؟ قلت : ما وصفت لك إذ كان الله عز وجل نسب كافرا إلى مسلم ومسلما إلى كافر والنسب أعظم من الولاء . قال : النصراني لا يرث المسلم ، قلت : وكذلك الأب لا يرث ابنه إذا اختلف أديانهما وليس منعه ميراثه بالذي قطع نسبه منه هو ابنه بحاله إذ كان ثم متقدم الأبوة ، وكذلك العبد مولاه بحاله إذ كان ثم متقدم العتق .

قال : وإن أسلم المعتق ؟ قلت : يرثه . قال : فإن لم يسلم ؟ قلت : فإن كان للمعتق ذوو رحم مسلمون فيرثونه . قال : وما الحجة في هذا ؟ ولم إذا دفعت الذي أعتقه عن ميراثه تورث به غيره إذ لم يرث هو فغيره أولى أن لا يرث بقرابته منه ؟ قلت هذا من شبهك ، قال : فأوجدني الحجة فيما قلت : ؟ قلت : أرأيت الابن إذا كان مسلما فمات وأبوه كافر ؟ قال : لا يرثه قلت : فإن كان له إخوة ، أو أعمام ، أو بنو عم مسلمون ؟ قال : يرثونه ، قلت وبسبب من ورثوه ؟ قلت : بقرابتهم من الأب ، قلت : فقد منعت الأب من الميراث وأعطيتهم بسببه ، قال إنما منعته بالدين فجعلته إذا خالف دينه كأنه ميت وورثته أقرب الناس به ممن هو على دينه قلت : فما منعنا من هذه الحجة في النصراني ؟ قال : هي لك ونحن نقول بها معك ، ولكنا احتججنا لمن خالفك من [ ص: 84 ] أصحابك ، قلت : أو رأيت فيما احتججت به حجة ؟ قال لا وقال : أرأيت إذا مات رجل ، ولا ولاء له ؟ قلت : فميراثه للمسلمين ، قال : بأنهم مواليه ؟ قلت : لا ، ولا يكون المولى إلا معتقا ، وهذا غير معتق ، قال : فإذا لم تورثهم بأنهم موال وليسوا بذوي نسب فكيف أعطيتهم ماله ؟ قلت : لم أعطهموه ميراثا ، ولو أعطيتهموه ميراثا وجب علي أن أعطيه من على الأرض حين يموت كما أجعله لو كانوا معا أعتقوه ، وأنا وأنت إنما نصيره للمسلمين يوضع منهم في خاصة والمال الموروث لا يوضع في خاصة فكان يدخل عليك لو زعمت بأنه ورث بالولاء هذا وأن تقول انظر اليوم الذي أسلم فيه فأثبت ، ولاءه لجماعة من كان حيا من المسلمين يومئذ فيرثه ورثة أولئك الأحياء دون غيرهم ويدخل عليك في النصراني يموت ، ولا وارث له فتجعل ماله لجماعة المسلمين ، وقد قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا يرث المسلم الكافر } قال : فبأي شيء تعطي المسلمين ميراث من لا نسب له ، ولا ولاء له من المسلمين وميراث النصراني إذا لم يكن له نسب ، ولا ولاء ؟ قلت : بما أنعم الله تعالى به على أهل دينه فخولهم من أموال المشركين إذا قدروا عليها ومن كل مال لا مالك له يعرف من المسلمين . مثل الأرض الموات فلم يحرم عليهم أن يحيوها ، فلما كان هذان المالان لا مالك لهما يعرف خولهما الله أهل دين الله من المسلمين



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #156  
قديم 23-08-2022, 09:24 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,902
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الرابع

الحلقة (156)
صــــــــــ 85 الى صـــــــــــ91







الرد في المواريث .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ومن كانت له فريضة في كتاب الله عز وجل أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم أو ما جاء عن السلف انتهينا به إلى فريضته ، فإن فضل من المال شيء لم نرده عليه ، وذلك أن علينا شيئين : أحدهما : أن لا ننقصه مما جعله الله تعالى له ، والآخر : أن لا نزيده عليه والانتهاء إلى حكم الله عز وجل هكذا وقال : بعض الناس نرده عليه إذا لم يكن للمال من يستغرقه وكان من ذوي الأرحام وأن لا نرده على زوج ، ولا زوجة وقالوا روينا قولنا هذا عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قلنا : لهم أنتم تتركون ما تروون عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعبد الله بن مسعود في أكثر الفرائض لقول زيد بن ثابت وكيف لم يكن هذا مما تتركون ؟ قالوا إنا سمعنا قول الله عز وجل { وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله } فقلنا معناها على غير ما ذهبتم إليه ، ولو كان على ما ذهبتم إليه كنتم قد تركتموه قالوا فما معناها ؟ قلنا توارث الناس بالحلف والنصرة ثم توارثوا بالإسلام والهجرة ، ثم نسخ ذلك فنزل قول الله عز وجل { وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله } على معنى ما فرض الله عز ذكره وسن رسوله صلى الله عليه وسلم لا مطلقا هكذا .

ألا ترى أن الزوج يرث أكثر مما يرث ذوو الأرحام ، ولا رحم له ، أولا ترى أن ابن العم البعيد يرث المال كله ، ولا يرثه الخال والخال أقرب رحما منه فإنما معناها على ما وصفت لك من أنها على ما فرض الله لهم وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم . وأنتم تقولون : إن الناس يتوارثون بالرحم وتقولون خلافه في موضع آخر تزعمون أن الرجل إذا مات وترك أخواله ومواليه فماله لمواليه دون أخواله ، فقد منعت ذوي الأرحام الذين قد تعطيهم في حال وأعطيت المولى الذي لا رحم له المال . قال : فما حجتك في أن لا ترد المواريث ؟ قلنا : ما وصفت لك من الانتهاء إلى حكم الله عز وجل وأن لا أزيد ذا سهم على سهمه ، ولا أنقصه قال : فهل من شيء تثبته سوى هذا ؟ قلت : نعم ، قال : الله عز وجل { إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك ، وهو يرثها إن لم يكن لها ولد } وقال : عز ذكره { ، وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر [ ص: 85 ] مثل حظ الأنثيين } فذكر الأخ والأخت منفردين فانتهى بالأخت إلى النصف وبالأخ إلى الكل وذكر الإخوة والأخوات مجتمعين فحكم بينهم مثل حكمه بينهم منفردين قال : { فللذكر مثل حظ الأنثيين } فجعلها على النصف منه في كل حال ، فمن قال برد المواريث قال : أورث الأخت المال كله فخالف قوله الحكمين معا . قلت : فإن قلتم نعطيها النصف بكتاب الله عز وجل ونرد عليها النصف لا ميراثا .

قلنا بأي شيء ترده عليها ؟ قال : ما نرده أبدا إلا ميراثا أو يكون مالا حكمه إلى الولاة فما كان كذلك فليس الولاة بمخيرين ، وعلى الولاة أن يجعلوه لجماعة المسلمين ، ولو كانوا فيه مخيرين كان للوالي أن يعطيه من شاء والله تعالى الموفق .
باب ميراث الجد .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وقلنا إذا ورث الجد مع الإخوة قاسمهم ما كانت المقاسمة خيرا له من الثلث ، فإذا كان الثلث خيرا له منها أعطيه ، وهذا قول زيد بن ثابت وعنه قبلنا أكثر الفرائض ، وقد روي هذا القول عن عمر وعثمان أنهما قالا فيه مثل قول زيد بن ثابت ، وقد روي هذا أيضا عن غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهو قول الأكثر من فقهاء البلدان ، وقد خالفنا بعض الناس في ذلك فقال : الجد أب ، وقد اختلف فيه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أبو بكر وعائشة وابن عباس وعبد الله بن عتبة وعبد الله بن الزبير رضي الله عنه . إنه أب إذا كان معه الإخوة طرحوا وكان المال للجد دونهم ، وقد زعمنا نحن وأنت أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا اختلفوا لم نصر إلى قول واحد منهم دون قول الآخر إلا بالتثبت مع الحجة البينة عليه وموافقته للسنة وهكذا نقول وإلى الحجة ذهبنا في قول زيد بن ثابت ومن قال قوله .

قالوا : فإنا نزعم أن الحجة في قول من قال : الجد أب لخصال منها أن الله عز وجل قال : { يا بني آدم } وقال : { ملة أبيكم إبراهيم } فأقام الجد في النسب أبا وأن المسلمين لم يختلفوا في أن لم ينقصوه من السدس ، وهذا حكمهم للأب وأن المسلمين حجبوا بالجد الأخ للأم وهكذا حكمهم في الأب فكيف جاز أن يجمعوا بين أحكامه في هذه الخصال وأن يفرقوا بين أحكامه وحكم الأب فيما سواها قلنا إنهم لم يجمعوا بين أحكامه فيها قياسا منهم للجد على الأب قالوا وما دل على ذلك ؟ قلنا أرأيتم الجد لو كان إنما يرث باسم الأبوة هل كان اسم الأبوة يفارقه لو كان دونه أب ، أو يفارقه لو كان قاتلا أو مملوكا ، أو كافرا ؟ قال : لا قلنا ، فقد نجد اسم الأبوة يلزمه ، وهو غير وارث ، وإنما ورثناه بالخبر في بعض المواضع دون بعض لا باسم الأبوة قال : فإنهم لا ينقصونه من السدس وذلك حكم الأب قلنا ونحن لا ننقص الجدة من السدس أفترى ذلك قياسا على الأب فتقفها موقف الأب فتحجب بها الإخوة ؟ قالوا : لا ولكن قد حجبتم الإخوة من الأم بالجد كما حجبتموهم بالأب قلنا نعم قلنا هذا خبرا لا قياسا ، ألا ترى أنا نحجبهم بابنة ابن متسفلة ، ولا نحكم لها بحكم الأب .

وهذا يبين لكم أن الفرائض تجتمع في بعض الأمور دون بعض قالوا وكيف لم تجعلوا أبا الأب كالأب كما جعلتم ابن الابن كالابن ؟ قلنا لاختلاف الأبناء والآباء ; لأنا وجدنا الأبناء أولى بكثرة المواريث من الآباء وذلك أن الرجل يترك أباه وابنه فيكون لابنه خمسة أسداس ولأبيه السدس ويكون له بنون يرثونه معا ، ولا يكون أبوان يرثانه معا ، وقد نورث نحن وأنتم الأخت ، ولا نورث ابنتها أو نورث الأم ، ولا نورث ابنتها إذا كان دونها غيرها ، وإن ورثناها لم نورثها قياسا على أمها ، وإنما ورثناها خبرا لا قياسا قال : فما حجتكم [ ص: 86 ] في أن أثبتم فرائض الإخوة مع الجد ؟ قلنا ما وصفنا من الاتباع وغير ذلك قالوا وما غير ذلك ؟ قلنا أرأيت رجلا مات وترك أخاه وجده هل يدلي واحد منهما إلى الميت بقرابة نفسه ؟ قالوا : لا ، قلنا : أليس إنما يقول أخوه أنا ابن أبيه ويقول جده أنا أبو أبيه وكلاهما يطلب ميراثه لمكانه من أبيه ؟ قالوا بلى قلنا أفرأيتم لو كان أبوه الميت في تلك الساعة أيهما أولى بميراثه ؟ قال : يكون لابنه خمسة أسداسه ولأبيه السدس قلنا ، وإذا كانا جميعا إنما يدليان بالأب فابن الأب أولى بكثرة ميراثه من أبيه فكيف جاز أن يحجب الذي هو أولى بالأب الذي يدليان بقرابته بالذي هو أبعد منه ؟ قلنا : ميراث الإخوة ثابت في القرآن .

ولا فرض للجد فيه فهو أقوى في القرآن والقياس في ثبوت الميراث قال : فكيف جعلتم الجد إذا كثر الإخوة أكثر ميراثا من أحدهم ؟ قلنا خبرا ، ولو كان ميراثه قياسا جعلناه أبدا مع الواحد وأكثر من الإخوة أقل ميراثا فنظرنا كل ما صار للأخ ميراثا فجعلنا للأخ خمسة أسهم وللجد سهما كما ورثناهما حين مات ابن الجد أبو الابن قال : فلم لم تقولوا بهذا ؟ قلنا لم نتوسع بخلاف ما روينا عنه من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن يخالف بعضهم إلى قول بعض فنكون غير خارجين من أقاويلهم .
ميراث ولد الملاعنة .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وقلنا إذا مات ولد الملاعنة وولد الزنا ورثت أمه حقها في كتاب الله عز وجل وإخوته لأمه حقوقهم ونظرنا ما بقي فإن كانت أمه مولاة عتاقة كان ما بقي ميراثا لموالي أمه ، وإن كانت عربية أو لا ، ولاء لها كان ما بقي لجماعة المسلمين وقال : بعض الناس بقولنا فيها إلا في خصلة واحدة إذا كانت أمه عربية أو لا ولاء لها ردوا ما بقي من ميراثه على عصبة أمه وكان عصبة أمه عصبته واحتجوا فيه برواية ليست بثابتة وأخرى ليست مما يقوم بها حجة وقالوا كيف لم تجعلوا عصبته عصبة أمه كما جعلتم مواليه موالي أمه ؟ قلنا بالأمر الذي لم نختلف نحن وأنتم في أصله ثم تركتم قولكم فيه قلت : أرأيتم المولاة العتيقة تلد من مملوك ، أو ممن لا يعرف أليس يكون ولاء ولدها تبعا لولائها حتى يكونوا كأنهم أعتقوا معا ما لم يجر أب ولاءهم ؟ قالوا : بلى ، قلنا : أو يعقل عنهم موالي أمهم ويكونون أولياء في التزويج لهم ؟ قالوا : بلى ، قلنا : فإن كانت عربية فتكون عصبتها عصبة ولدها فيعقلون عنهم ويزوجون بناتهم قالوا : لا ، قلنا : فإذا كان موالي الأم يقومون مقام العصبة في ولد مولاتهم وكان الأخوال لا يقومون ذلك المقام في بني أختهم فكيف أنكرت ما قلنا والأصل الذي ذهبنا إليه واحد ؟
ميراث المجوس ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وقلنا : إذا أسلم المجوسي وابنة الرجل امرأته ، أو أخته أمه نظرنا إلى أعظم السببين فورثناها به وألغينا الآخر وأعظمهما أثبتهما بكل حال ، وإذا كانت أم أختا ورثناها بأنها أم وذلك أن الأم قد تثبت في كل حال والأخت قد تزول وهكذا جميع فرائضهم على هذه المنازل ، وقال بعض الناس أورثها من الوجهين معها فقلنا له أرأيت إذا كان معها أخت وهي أخت أم ؟ قال أحجبها من الثلث بأن معها أختين وأورثها من الوجه الآخر ; لأنها أخت قلنا أرأيت حكم الله عز وجل إذ جعل للأم الثلث في حال ونقصها منه بدخول الإخوة عليها أليس إنما نقصها بغيرها لا بنفسها ؟ قال : بلى [ ص: 87 ] بغيرها نقصها فقلنا وغيرها خلافها ؟ قال : نعم قلنا ، فإذا نقصتها بنفسها أفليس قد نقصتها بخلاف ما نقصها الله عز وجل به ؟ وقلنا أرأيت إذا كانت أما على الكمال فكيف يجوز أن تعطيها بنقصها دون الكمال وتعطيها أما كاملة وأختا كاملة وهما بدنان ، وهذا بدن ؟ قال : فقد دخل عليك أن عطلت أحد الحقين قلنا لما لم يكن سبيل إلى استعمالهما إلا بخلاف الكتاب وخلاف المعقول لم يجز إلا تعطيل أصغرهما لا أكبرهما قال : فهل تجد علينا شيئا من ذلك ؟ قلنا نعم قد تزعم أن المكاتب ليس بكامل الحرية ، ولا رقيق وأن كل من لم تكمل فيه الحرية صار إلى حكم العبيد ; لأنه لا يرث ، ولا يورث ، ولا تجوز شهادته ، ولا يحد من قذفه ، ولا يحد هو إلا حد العبيد فتعطل موضع الحرية منه قال : إني أحكم عليه أنه رقيق قلت : أفي كل حال ، أو في بعض حال دون بعض ؟ قال : بل في بعض حاله دون بعض ; لأني لو قلت : لك في كل حاله قلت لسيد المكاتب أن يبيعه ويأخذ ماله ، قلت : فإذا كان قد اختلط أمره فلم يمحض عبدا ، ولم يمحض حرا فكيف لم تقل فيه بما رويته عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه يعتق منه بقدر ما أدى وتجوز شهادته بقدر ما أدى ويحد بقدر ما أدى ويرث ويورث بقدر ما أدى ؟

قال : لا تقول به قلنا وتصير على أصل أحكامه ، وهو حكم العبيد فيما نزل به وتمنعه الميراث ؟ قال : نعم قلنا فكيف لم تجز لنا في فرض المجوس ما وصفنا ؟ وإنما صيرنا المجوس إلى أن أعطيناهم بأكثر ما يستوجبون فلم نمنعهم حقا من وجه إلا أعطيناهم ذلك الحق ، أو بعضه من وجه آخر وجعلنا الحكم فيهم حكما واحدا معقولا لا متبعضا لا أنا جعلنا بدنا واحدا في حكم بدنين .
ميراث المرتد .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن علي بن الحسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { لا يرث المسلم الكافر ، ولا [ ص: 88 ] الكافر المسلم } .

( قال الشافعي ) وبهذا نقول فكل من خالف دين الإسلام من أهل الكتاب ومن أهل الأوثان فإن ارتد أحد من هؤلاء عن الإسلام لم يرثه المسلم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقطع الله الولاية بين المسلمين والمشركين ، فوافقنا بعض الناس على كل كافر إلا المرتد وحده فإنه قال ترثه ورثته من المسلمين فقلنا فيعدو المرتد أن يكون داخلا في معنى الكافرين ، أو يكون في أحكام المسلمين ؟ فإن قلت : هو في بعض حكمه في أحكام المسلمين ، قلنا أفيجوز أن يكون كافرا في حكم مؤمنا في غيره ؟ فيقول لك غيرك فهو كافر حيث جعلته مؤمنا ومؤمن حيث جعلته كافرا ، قال : لا ، قلنا أفليس يجوز لك [ ص: 89 ] من هذا شيء إلا جاز عليك مثله ؟ قال : فإنا إنما صرنا في هذا إلى أثر رويناه أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قتل المستورد وورث ميراثه ورثته المسلمين قلنا ، فقد زعم بعض أهل الحديث منكم أنه غلط ونحن نجعله لك ثابتا أفرأيت حكمه في سوى الميراث أحكم مشرك ، أو مسلم ؟ قال : بل حكم مشرك قلنا فإن حبست المرتد لقتله أو لتستتيبه فمات ابن له مسلم أيرثه ؟ قال : لا ، قلنا أفرأيت أحدا قط لا يرث ولده إلا أن يكون قاتله ويرثه ولده ؟ إنما أثبت الله عز وجل المواريث للأبناء من الآباء حيث أثبت المواريث للآباء من الأبناء وقطع ولاية المسلمين من المشركين وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 90 ] أن { لا يرث المسلم الكافر ، ولا الكافر المسلم } فإن كان المرتد خارجا من معنى حكم الله تبارك وتعالى وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم من بين المشركين بالأثر الذي زعمت لزمك أن تكون قد خالفت الأثر ; لأن علي بن أبي طالب رضي الله عنه لم يمنعه ميراث ولده لو ماتوا ، وهو لو ورث ولده منه انبغى أن يورثه ولده إذا كان عنده مخالفا لغيره من المشركين ، ولو جاز أن يرثوه ، ولا يرثهم كان في مثل معنى ما حكم به معاوية بن أبي سفيان وتابعه عليه غيره فقال : نرث المشركين ، ولا يرثونا كما تحل لنا نساؤهم ، ولا تحل لهم نساؤنا أفرأيت إن احتج عليك أحد بهذا من قول معاوية ومن تابعه عليه منهم سعيد بن المسيب ومحمد بن علي بن الحسين وغيرهما ، وقد روي عن معاذ بن جبل شبيهه .

وقد قاله معاوية ومعاذ في أهل الكتاب ، وقال : لك إن النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان يحكم به على أهل الأوثان والنساء اللاتي يحللن للمسلمين نساء أهل الكتاب لا نساء أهل الأوثان فقال : لمعاذ بن جبل ولمعاوية ولهما فقه وعلم فلم لم توافق قولهما ؟ وقد يحتمل قول النبي صلى الله عليه وسلم { لا يرث المسلم الكافر ، ولا الكافر المسلم } أن يكون أراد به الكفار من أهل الأوثان وأتبع معاوية ومعاذا في أهل الكتاب فأورث المسلم من الكافر ، ولا أورث الكافر من المسلم كما أقول في نكاح نسائهم قال : لا يكون ذلك له ; لأنه إذا قال : النبي صلى الله عليه وسلم { لا يرث المسلم الكافر } فهذا على جميع الكفار ، قلنا ولم لا تستدل بقول من سمينا مع أن الحديث محتمل له ؟ قال إنه قل حديث إلا وهو يحتمل معاني والأحاديث على ظاهرها لا تحال عنه إلى معنى تحتمله إلا بدلالة عمن حدث عنه قلنا ، ولا يكون أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان مقدما حجة في أن يقول بمعنى يحتمله الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا قلنا فكل ما قلت : من هذا حجة عليك في ميراث المرتد ، وفيما رويت عن علي بن أبي طالب [ ص: 91 ] مثله .

( قال الشافعي ) وقلنا لا يؤخذ مال المرتد عنه حتى يموت أو يقتل على ردته ، وإن رجع إلى الإسلام كان أحق بماله . وقال بعض الناس إذا ارتد فلحق بدار الحرب قسم الإمام ميراثه كما يقسم ميراث الميت وأعتق أمهات أولاده ومدبريه وجعل دينه المؤجل حالا وأعطى ورثته ميراثه فقيل : له عبت أن يكون عمر وعثمان رضي الله تعالى عنهما حكما في دار السنة والهجرة في امرأة المفقود الذي لا يسمع له بخبر والأغلب أنه قد مات بأن تتربص امرأته أربع سنين ثم أربعة أشهر وعشرا ثم تنكح فقلت : وكيف نحكم بحكم الوفاة على رجل امرأته ، وقد يمكن أن يكون حيا ؟ وهم لم يحكموا في ماله بحكم الحياة إنما حكموا به لمعنى الضرر على الزوجة ، وقد نفرق نحن وأنت بين الزوج وزوجته بأقل من هذا الضرر على الزوجة فنزعم أنه إذا كان عنينا فرق بينهما ثم صرت برأيك إلى أن حكمت على رجل حي لو ارتد بطرسس فامتنع بمسلحة الروم ونحن نرى حياته بحكم الموتى في كل شيء في ساعة من نهار خالفت فيه القرآن ودخلت في أعظم من الذي عبت . وخالفت من عليك عندك اتباعه فيما عرفت وأنكرت .

قال : وأين القرآن الذي خالفت ؟ قلت : قال الله عز وجل { إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك } وقال : جل وعز { ولكم نصف ما ترك أزواجكم } فإنما نقل ملك الموتى إلى الأحياء والموتى خلاف الأحياء ، ولم ينقل بميراث قط ميراث حي إلى حي فنقلت ميراث الحي إلى الحي ، وهو خلاف حكم الله تبارك وتعالى . قال : فإني أزعم أن ردته ولحوقه بدار الحرب مثل موته ، قلت : قولك هذا خبر ؟ قال : ما فيه خبر ، ولكني قلته قياسا . قلت : فأين القياس ؟ قال : ألا ترى أني لو وجدته في هذه الحال قتلته فكان ميتا ، قلت : قد علمت أنك إذا قتلته مات فأنت لم تقتله فأين القياس ؟ إنما قتله لو أمته فأنت لم تمته .

ولو كنت بقولك لو قدرت عليه قتلته كالقاتل له لزمك إذا رجع إلى بلاد الإسلام أن يكون حكمه الميت فتنفذ عليه حكم الموتى . قال : ما أفعل وكيف أفعل ، وهو حي ؟ قلت : قد فعلت أولا ، وهو حي ثم زعمت أنك إن حكمت عليه بحكم الموتى فرجع تائبا وأم ولده قائمة ومدبره قائم ، وفي يد غريمه ماله بعينه الذي دفعته إليه ، وهو إلى عشر سنين ، وفي يد أبيه ميراثه فقال : لك رد علي مالي ، وهذا غريمي يقول هذا مالك بعينه لم أغيره ، وإنما هو لي إلى عشر سنين وهذه أم ولدي ومدبري بأعيانهما .

قال : لا أرده عليه ; لأن الحكم قد نفذ فيه ، قلنا فكيف رددت عليه ما في يدي وارثه ، وقد نفذ له به الحكم ؟ قال : هذا ماله بعينه ، قلنا : والمال الذي في يد غريمه وأم ولده ومدبره ماله بعينه ، فكيف نقضت الحكم في بعضه دون بعض ؟ هل قلت : هذا خبرا ، أو قياسا قال : ما قلته خبرا ، ولكن قلته قياسا ، قلنا فعلى أي شيء قسته ؟ قال على أموال أهل البغي يصيبها أهل العدل ، فإن تاب أهل البغي فوجدوا أموالهم بأعيانها أخذوها ، وإن لم يجدوها بأعيانها لم يغرمها أهل العدل ، وكذلك ما أصاب أهل العدل لأهل البغي ، قلنا فهذا وجد ماله بعينه فرددت بعضه ، ولم تردد بعضه فأما أهل العدل لو أصابوا لأهل البغي أم ولد ، أو مدبرة رددتهما على صاحبهما وقلت : لا يعتقان ، ولا يملكهما غير صاحبهما وليس هكذا قلت : في مال المرتد .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #157  
قديم 23-08-2022, 09:26 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,902
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الرابع

الحلقة (157)
صــــــــــ 92 الى صـــــــــــ98






ميراث المشركة

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى قلنا : إن المشركة زوج وأم وأخوان لأب وأم وأخوان لأم فللزوج النصف وللأم السدس وللأخوين من الأم الثلث ويشركهم بنو الأب ; لأن الأب لما سقط حكمه صاروا [ ص: 92 ] بني أم معا وقال : بعض الناس مثل قولنا إلا أنهم قالوا لا يشركهم بنو الأب والأم واحتجوا علينا بأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم اختلفوا فيها فقال بعضهم قولنا وقال بعضهم قولهم فقالوا اخترنا قول من قلنا بقوله من قبل أنا وجدنا بني الأب والأم قد يكونون مع بني الأم فيكون للواحد منهم الثلثان وللجماعة من بني الأم الثلث ووجدنا بني الأب والأم قد يشركهم أهل الفرائض فيأخذون أقل مما يأخذ بنو الأم فلما وجدناهم مرة يأخذون أكثر مما يأخذون ومرة أقل مما يأخذون فرقنا بين حكميهم فورثنا كلا على حكمه ; لأنا وإن جمعتهم الأم لم نعطهم دون الأب ، وإن أعطيناهم بالأب مع الأم فرقنا بين حكميهم فقلنا إنا إنما أشركناهم مع بني الأم ; لأن الأم جمعتهم وسقط حكم الأب ، فإذا سقط حكم الأب كان كأن لم يكن ، ولو صار للأب موضع يكون له فيه حكم استعملناه قل نصيبهم ، أو كثر قال : فهل تجد مثل ما وصفت من أن يكون الرجل مستعملا في حال ثم تأتي حال فلا يكون مستعملا فيها ؟ قلنا نعم ، قال : وما ذاك ؟ قلنا ما قلنا نحن وأنت وخالفت فيه صاحبك من الزوج ينكح المرأة بعد ثلاث تطليقات ثم يطلقها فتحل للزوج قبله ويكون مبتدئا لنكاحها وتكون عنده على ثلاث ، ولو نكحها بعد واحدة ، أو اثنتين لم يهدم الواحد ، ولا الثنتين كما يهدم الثلاث ; لأنه لما كان له معنى في إحلال المرأة هدم الطلاق الذي تقدمه إذا كانت لا تحل إلا به ولما لم يكن له معنى في الواحدة والثنتين وكانت تحل لزوجها بنكاح قبل زوج كما كانت تحل لو لم يطلقها لم يكن له معنى فلم نستعمله قال : إنا لنقول هذا خبرا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قلت : وقياسا كما وصفنا ; لأنه قد خالف عمر فيه غيره .

قال : فهل تجد لي هذا في الفرائض ؟ قلت : نعم الأب يموت ابنه وللابن إخوة فلا يرثون مع الأب ، فإذا كان الأب قاتلا ورثوا ، ولم يورث الأب من قبل أن حكم الأب قد زال وما زال حكمه كان كمن لم يكن فلم نمنعهم الميراث له إذا صار لا حكم له كما منعناهم به إذا كان له حكم ، وكذلك لو كان كافرا أو مملوكا قال : فهذا لا يرث بحال وأولئك يرثون بحال قلنا : أوليس إنما ننظر في الميراث إلى الفريضة التي يدلون فيها بحقوقهم لا ننظر إلى حالهم قبلها ، ولا بعدها ؟ قال : وما تعني بذلك ؟ قلت : لو لم يكن قاتلا ورث ، وإذا صار قاتلا لم يرث ، ولو كان مملوكا فمات ابنه لم يرث ، ولو عتق قبل أن يموت ورث قال : هذا هكذا ؟ قلنا فنظرنا إلى الحال التي لم يكن فيها للأب حكم في الفريضة أسقطناه ووجدناهم لا يخرجون من أن يكونوا إلى بني الأم .
كتاب الوصايا

أخبرنا الربيع بن سليمان قال : كتبنا هذا الكتاب من نسخة الشافعي من خطه بيده ، ولم نسمعه منه وذكر الربيع في أوله ، وإذا أوصى الرجل للرجل بمثل نصيب أحد ولده وذكر بعده تراجم ، وفي آخرها ما ينبغي أن يكون مقدما ، وهو : باب الوصية وترك الوصية .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فيما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في الوصية : إن قوله صلى الله عليه وسلم { ما حق امرئ له مال يحتمل ما لامرئ أن يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده } ويحتمل ما المعروف في الأخلاق إلا هذا لا من وجه الفرض . [ ص: 93 ] باب الوصية بمثل نصيب أحد ولده ، أو أحد ورثته ونحو ذلك ، وليس في التراجم .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وإذا وصى الرجل للرجل بمثل نصيب أحد ولده ، فإن كانوا اثنين فله الثلث ، وإن كانوا ثلاثة فله الربع حتى يكون مثل أحد ولده ، وإن كان أوصى بمثل نصيب ابنه ، فقد أوصى له بالنصف فله الثلث كاملا إلا أن يشاء الابن أن يسلم له السدس .

( قال ) وإنما ذهبت إذا كانوا ثلاثة إلى أن يكون له الربع ، وقد يحتمل أن يكون له الثلث ; لأنه يعلم أن أحد ولده الثلاثة يرثه الثلث وأنه لما كان القول محتملا أن يكون أراد أن يكون كأحد ولده وأراد أن يكون له مثل ما يأخذ أحد ولده ، جعلت به الأقل فأعطيته إياه ; لأنه اليقين ومنعته الشك ، وهكذا لو قال : أعطوه مثل نصيب أحد ولدي فكان في ولده رجال ونساء أعطيته نصيب امرأة ; لأنه أقل ، وهكذا لو كان ولده ابنة وابن ابن ، فقال : أعطوه مثل نصيب أحد ولدي أعطيته السدس ، ولو كان ولد الابن اثنين ، أو أكثر أعطيته أقل ما يصيب واحدا منهم ، ولو قال : له مثل نصيب أحد ورثتي ، فكان في ورثته امرأة ترثه ثمنا ، ولا وارث له يرث أقل من ثمن أعطيته إياه ، ولو كان له أربع نسوة يرثنه ثمنا أعطيته ربع الثمن ، وهكذا لو كانت له عصبة فورثوه أعطيته مثل نصيب أحدهم ، وإن كان سهما من ألف سهم ، وهكذا لو كانوا موالي ، وإن قل عددهم وكان معهم وارث غيرهم زوجة أو غيرها أعطيته أبدا الأقل مما يصيب أحد ورثته ، ولو كان ورثته إخوة لأب وأم وإخوة لأب وإخوة لأم ، فقال : أعطوه مثل نصيب أحد إخوتي ، أو له مثل نصيب أحد إخوتي فذلك كله سواء ، ولا تبطل وصيته بأن الإخوة للأب لا يرثون ويعطي مثل نصيب أقل إخوته الذين يرثونه نصيبا ، إن كان أحد إخوته لأم أقل نصيبا ، أو بني الأم والأب أعطى مثل نصيبه .

( قال ) ولو قال : أعطوه مثل أكثر نصيب وارث لي نظر من يرثه فأيهم كان أكثر له ميراثا أعطي مثل نصيبه حتى يستكمل الثلث ، فإن جاوز نصيبه الثلث لم يكن له إلا الثلث ، إلا أن يشاء ذلك الورثة ، وهكذا لو قال : أعطوه أكثر مما يصيب أحدا من ميراثي ، أو أكثر نصيب أحد ولدي أعطى ذلك حتى يستكمل الثلث ، ولو قال : أعطوه ضعف ما يصيب أكثر ولدي نصيبا أعطى مثلي ما يصيب أكثر ولده نصيبا ، ولو قال : ضعفي ما يصيب ابني نظرت ما يصيب ابنه فإن كان مائة أعطيته ثلثمائة فأكون أضعفت المائة التي تصيبه بميراثه مرة ثم مرة فذاك ضعفان وهكذا إن قال : ثلاثة أضعاف وأربعة لم أزد على أن أنظر أصل الميراث فأضعفه له مرة بعد مرة حتى يستكمل ما أوصى له به ، ولو قال : أعطوه مثل نصيب أحد من أوصيت له أعطي أقل ما يصيب أحدا ممن أوصى له لأني إذا أعطيته أقل ، فقد أعطيته ما أعلم أنه أوصى له به فأعطيته باليقين ، ولا أجاوز ذلك ; لأنه شك والله تعالى أعلم .
باب الوصية بجزء من ماله .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ولو قال : لفلان نصيب من مالي ، أو جزء من مالي ، أو حظ من مالي كان هذا كله سواء ويقال للورثة أعطوه منه ما شئتم ; لأن كل شيء جزء ونصيب وحظ ، فإن قال : الموصى له قد علم الورثة أنه أراد أكثر من هذا أحلف الورثة ما تعلمه أراد أكثر مما أعطاه ونعطيه وهكذا لو قال : أعطوه جزءا قليلا من مالي ، أو حظا ، أو نصيبا ، ولو قال : مكان قليل كثيرا ما عرفت للكثير حدا وذلك أني لو ذهبت إلى أن أقول الكثير كل ما كان له حكم وجدت قوله تعالى { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا [ ص: 94 ] يره ومن يعمل مثقال : ذرة شرا يره } فكان مثقال ذرة قليلا ، وقد جعل الله تعالى لها حكما يرى في الخير والشر ورأيت قليل مال الآدميين وكثيره سواء يقضي بأدائه على من أخذه غصبا ، أو تعديا أو استهلكه .

( قال الشافعي ) ووجدت ربع دينار قليلا ، وقد يقطع فيه .

( قال الشافعي ) ووجدت مائتي درهم قليلا ، وفيها زكاة وذلك قد يكون قليلا فكل ما وقع عليه اسم قليل وقع عليه اسم كثير فلما لم يكن للكثير حد يعرف وكان اسم الكثير يقع على القليل كان ذلك إلى الورثة ، وكذلك لو كان حيا فأقر لرجل بقليل ماله أو كثيره كان ذلك إليه فمتى لم يسم شيئا ، ولم يحدده فذلك إلى الورثة ; لأني لا أعطيه بالشك ، ولا أعطيه إلا باليقين .
باب الوصية بشيء مسمى بغير عينه .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ولو أوصى لرجل فقال : أعطوه عبدا من رقيقي أعطوه أي عبد شاءوا ، وكذلك لو قال : أعطوه شاة من غنمي أو بعيرا من إبلي ، أو حمارا من حميري ، أو بغلا من بغالي أعطاه الورثة أي ذلك شاءوا مما سماه ، ولو قال أعطوه أحد رقيقي ، أو بعض رقيقي ، أو رأسا من رقيقي أعطوه أي رأس شاءوا من رقيقه ذكرا أو أنثى صغيرا ، أو كبيرا معيبا أو غير معيب ، وكذلك إذا قال : دابة من دوابي أعطوه أي دابة شاءوا أنثى ، أو ذكرا صغيرة كانت أو كبيرة ، وكذلك يعطونه صغيرا من الرقيق إن شاءوا ، أو كبيرا ، ولو أوصى فقال : أعطوه رأسا من رقيقي ، أو دابة من دوابي فمات من رقيقه رأس ، أو من دابة فقال الورثة هذا الذي أوصى لك به وأنكر الموصى له ذلك ، فقد ثبت للموصي له عبدا ، أو رأسا من رقيقه فيعطيه الورثة أي ذلك شاءوا وليس عليه ما مات ما حمل الثلث ذلك كما لو أوصى له بمائة دينار فهلك من ماله مائة دينار لم يكن عليه أن يحسب عليه ما حمل ذلك الثلث وذلك أنه جعل المشيئة فيما يقطع به إليهم فلا يبرءون حتى يعطوه إلا أن يهلك ذلك كله فيكون كهلاك عبد أوصى له به بعينه ، وإن لم يبق إلا واحد مما أوصى له به من دواب ، أو رقيق فهو له ، وإن هلك الرقيق ، أو الدواب أو ما أوصى له به كله بطلت الوصية .
باب الوصية بشيء مسمى لا يملكه .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ولو قال : الموصي أعطوا فلانا شاة من غنمي ، أو بعيرا من إبلي أو عبدا من رقيقي ، أو دابة من دوابي فلم يوجد له دابة ، ولا شيء من الصنف الذي أوصى له به بطلت الوصية ; لأنه أوصى له بشيء مسمى إضافة إلى ملكه لا يملكه ، وكذلك لو أوصى له وله هذا الصنف فهلك ، أو باعه قبل موته بطلت الوصية له ، ولو مات وله من صنف ما أوصى فيه شيء فمات ذلك الصنف إلا واحدا كان ذلك الواحد للموصى له إذا حمله الثلث ، ولو مات فلم يبق منه شيء بطلت وصية الرجل له بذهابه ، ولو تصادقوا على أنه بقي منه شيء فقال الموصى له استهلكه الورثة وقال : الورثة بل هلك من السماء كان القول قول الورثة على الموصى له البينة فإن جاء بها قيل للورثة أعطوه ما شئتم مما يكون مثله ثمنا لأقل الصنف الذي أوصى له به والقول في ثمنه قولكم إذا جئتم بشيء يحتمل واحلفوا له إلا أن يأتي ببينة على أن أقله ثمنا كان مبلغ ثمنه كذا ، ولو استهلك ذلك كله وارث ، أو أجنبي كان للموصى له أن [ ص: 95 ] يرجع على مستهلكه من كان بثمن أي شيء سلمه له الوارث منه فإن أخذ الوارث منه ثمن بعض ذلك الصنف وأفلس ببعضه رجع الموصى له على الوارث بما أصاب ما سلم له الوارث من ذلك الصنف بقدر ما أخذ كأنه أخذ نصف ثمن غنم فقال : الوارث أسلم له أدنى شاة منها وقيمتها درهمان فيرجع على الوارث بدرهم وهكذا هذا في كل صنف ، والله تعالى أعلم .
باب الوصية بشاة من ماله .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ولو أن رجلا أوصى لرجل بشاة من ماله قيل : للورثة أعطوه أي شاة شئتم كانت عندكم ، أو اشتريتموها له صغيرة ، أو كبيرة ضائنة ، أو ماعزة فإن قالوا نعطيه ظبيا ، أو أروية لم يكن ذلك لهم ، وإن وقع على ذلك اسم شاة ; لأن المعروف إذا قيل : شاة ضائنة ، أو ماعزة وهكذا لو قالوا نعطيك تيسا ، أو كبشا لم يكن ذلك لهم ; لأن المعروف إذا قيل شاة أنها أنثى ، وكذلك لو قال أعطوه بعيرا ، أو ثورا من مالي لم يكن لهم أن يعطوه ناقة ، ولا بقرة ; لأنه لا يقع على هذين اسم البعير ، ولا الثور على الانفراد وهكذا لو قال : أعطوه عشر أينق من مالي لم يكن لهم أن يعطوه فيها ذكرا وهكذا لو قال : أعطوه عشرة أجمال ، أو عشرة أثوار ، أو عشرة أتياس لم يكن لهم أن يعطوه أنثى من واحد من هذه الأصناف ، ولو قال : أعطوه عشرا من غنمي ، أو عشرا من إبلي ، أو عشرا من أولاد غنمي ، أو إبلي ، أو بقري ، أو قال : أعطوه عشرا من الغنم ، أو عشرا من البقر أو عشرا من الإبل كان لهم أن يعطوه عشرا إن شاءوا إناثا كلها ، وإن شاءوا ذكورا كلها ، وإن شاءوا ذكورا وإناثا ; لأن الغنم والبقر والإبل جماع يقع على الذكور والإناث ، ولا شيء أولى من شيء .

ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { ليس فيما دون خمس ذود صدقة } فلم يختلف الناس أن ذلك في الذكور دون الإناث والإناث دون الذكور والذكور والإناث لو كانت لرجل ، ولو قال : أعطوا فلانا من مالي دابة قيل : لهم أعطوه إن شئتم من الخيل ، أو البغال أو الحمير أنثى ، أو ذكرا ; لأنه ليس الذكر منها بأولى باسم الدابة من الأنثى ، ولكنه لو قال : أنثى من الدواب ، أو ذكرا من الدواب لم يكن له إلا ما أوصى به ذكرا كان ، أو أنثى صغيرا كان ، أو كبيرا أعجف كان ، أو سمينا معيبا كان أو سليما . والله تعالى الموفق .
باب الوصية بشيء مسمى فيهلك بعينه ، أو غير عينه .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ، ولو أوصى الرجل لرجل بثلث شيء واحد بعينه مثل عبد وسيف ودار وأرض وغير ذلك فاستحق ثلثا ذلك الشيء ، أو هلك وبقي ثلثه مثل دار ذهب السيل بثلثيها ، أو أرض كذلك فالثلث كالباقي للموصى له به إذا خرج من الثلث من قبل أن الوصية موجودة وخارجة من الثلث .
باب ما يجوز من الوصية في حال ، ولا يجوز في أخرى .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ، ولو قال : أعطوا فلانا كلبا من كلابي وكانت له كلاب كانت الوصية [ ص: 96 ] جائزة ; لأن الموصى له يملكه بغير ثمن ، وإن استهلكه الورثة ، ولم يعطوه إياه ، أو غيرهم لم يكن له ثمن يأخذه ; لأنه لا ثمن للكلب ، ولو لم يكن له كلب فقال : أعطوا فلانا كلبا من مالي كانت الوصية باطلة ; لأنه ليس على الورثة ، ولا لهم أن يشتروا من ثلثه كلبا فيعطوه إياه ، ولو استوهبوه فوهب لهم لم يكن داخلا في ماله وكان ملكا لهم ، ولم يكن عليهم أن يعطوا ملكهم للموصى له والموصي لم يملكه .

ولو قال : أعطوه طبلا من طبولي وله الطبل الذي يضرب به للحرب والطبل الذي يضرب به للهو فإن كان الطبل الذي يضرب به للهو يصلح لشيء غير اللهو قيل : للورثة أعطوه أي الطبلين شئتم ; لأن كلا يقع عليه اسم طبل ، ولو لم يكن له إلا أحد الصنفين ، لم يكن لهم أن يعطوه من الآخر وهكذا لو قال : أعطوه طبلا من مالي ، ولا طبل له ابتاع له الورثة أي الطبلين شاءوا بما يجوز له فيه ، وإن ابتاعوا له الطبل الذي يضرب به للحرب فمن أي عود ، أو صفر شاءوا ابتاعوه ويبتاعونه وعليه أي جلد شاءوا مما يصلح على الطبول فإن أخذه بجلدة لا تعمل على الطبول لم يجز ذلك حتى يأخذوه بجلدة يتخذ مثلها على الطبول ، وإن كانت أدنى من ذلك فإن اشترى له الطبل الذي يضرب به فكان يصلح لغير الضرب واشترى له طبلا فإن كان الجلدان اللذان يجعلان عليهما يصلحان لغير الضرب أخذ بجلدته ، وإن كانا لا يصلحان لغير الضرب أخذ الطبلين بغير جلدين ، وإن كان يقع على طبل الحرب اسم طبل بغير جلدة أخذته الورثة إن شاءوا بلا جلد ، وإن كان الطبل الذي يضرب به لا يصلح إلا للضرب لم يكن للورثة أن يعطوه طبلا إلا طبلا للحرب كما لو كان أوصى له بأي دواب الأرض شاء الورثة لم يكن لهم أن يعطوه خنزيرا .

ولو قال : أعطوه كبرا كان الكبر الذي يضرب به دون ما سواه من الطبول ودون الكبر الذي يتخذه النساء في رءوسهن ; لأنهن إنما سمين ذلك كبرا تشبيها بهذا وكان القول فيه كما وصفت إن صلح لغير الضرب جازت الوصية ، وإن لم يصلح إلا للضرب لم تجز عندي ، ولو قال : أعطوه عودا من عيداني وله عيدان يضرب بها وعيدان قسي وعصي وغيرها فالعود إذا وجه به المتكلم للعود الذي يضرب به دون ما سواه مما يقع عليه اسم عود فإن كان العود يصلح لغير الضرب جازت الوصية ، ولم يكن عليه إلا أقل ما يقع عليه اسم عود وأصغره بلا وتر ، وإن كان لا يصلح إلا للضرب بطلت عندي الوصية وهكذا القول في المزامير كلها .

وإن قال : مزمار من مزاميري ، أو من مالي فإن كانت له مزامير شتى فأيها شاءوا أعطوه ، وإن لم يكن له إلا صنف منها أعطوه من ذلك الصنف ، وإن قال : مزمار من مالي أعطوه أي مزمار شاءوا - ناي ، أو قصبة أو غيرها - إن صلحت لغير الزمر ، وإن لم تصلح إلا للزمر لم يعط منها شيئا ، ولو أوصى رجل لرجل بجرة خمر بعينها بما فيها أهريق الخمر وأعطي ظرف الجرة .

ولو قال : أعطوه قوسا من قسيي وله قسي معمولة وقسي غير معمولة ، أو ليس له منها شيء فقال : أعطوه عودا من القسي كان عليهم أن يعطوه قوسا معمولة أي قوس شاءوا - صغيرة أو كبيرة عربية ، أو أي عمل شاءوا - إذا وقع عليها اسم قوس ترمى بالنبل ، أو النشاب ، أو الحسبان ومن أي عود شاءوا ، ولو أرادوا أن يعطوه قوس جلاهق ، أو قوس نداف أو قوس كرسف لم يكن لهم ذلك ; لأن من وجه بقوس فإنما يذهب إلى قوس رمى بما وصفت ، وكذلك لو قال أي قوس شئتم ، أو أي قوس الدنيا شئتم ، ولكنه لو قال : أعطوه أي قوس شئتم مما يقع عليه اسم قوس أعطوه إن شاءوا قوس نداف ، أو قوس قطن ، أو ما شاءوا مما وقع عليه اسم قوس ، ولو كان له صنف من القسي فقال : أعطوه [ ص: 97 ] من قسيي لم يكن لهم أن يعطوه من غير ذلك الصنف ، ولا عليهم وكان لهم أن يعطوه أيها شاءوا أكانت عربية ، أو فارسية ، أو دودانية أو قوس حسبان ، أو قوس قطن .
باب الوصية في المساكين والفقراء .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وإذا أوصى الرجل فقال : ثلث مالي في المساكين فكل من لا مال له ، ولا كسب يغنيه داخل في هذا المعنى ، وهو للأحرار دون المماليك ممن لم يتم عتقه .

( قال ) وينظر أين كان ماله فيخرج ثلثه فيقسم في مساكين أهل ذلك البلد الذي به ماله دون غيرهم فإن كثر حتى يغنيهم نقل إلى أقرب البلدان له ثم كان هكذا حيث كان له مال صنع به هذا وهكذا لو قال : ثلث مالي في الفقراء كان مثل المساكين يدخل فيه الفقير والمسكين ; لأن المسكين فقير والفقير مسكين إذا أفرد الموصي القول هكذا ، ولو قال : ثلث مالي في الفقراء والمساكين ، علمنا أنه أراد التمييز بين الفقير والمسكنة ، فالفقير الذي لا مال له ، ولا كسب يقع منه موقعا ، والمسكين من له مال ، أو كسب يقع منه موقعا ، ولا يغنيه ، فيجعل الثلث بينهم نصفين ونعني به مساكين أهل البلد الذي بين أظهرهم مال ، وفقراءهم ، وإن قل ، ومن أعطى في فقراء ، أو مساكين ، فإنما أعطى لمعنى فقر أو مسكنة ، فينظر في المساكين فإن كان فيهم من يخرجه من المسكنة مائة وآخر يخرجه من المسكنة خمسون أعطى الذي يخرجه من المسكنة مائة سهمين والذي يخرجه خمسون سهما ، وهكذا يصنع في الفقراء على هذا الحساب ، ولا يدخل فيهم ، ولا يفضل ذو قرابة على غيره إلا بما وصفت في غيره من قدر مسكنته ، أو فقره .

( قال ) فإذا نقلت من بلد إلى بلد أو خص بها بعض المساكين والفقراء دون بعض كرهته ، ولم يبن لي أن يكون على من فعل ذلك ضمان ، ولكنه لو أوصى لفقراء ومساكين فأعطى أحد الصنفين دون الآخر ضمن نصف الثلث ، وهو السدس ; لأنا قد علمنا أنه أراد صنفين فحرم أحدهما ، ولو أعطى من كل صنف أقل من ثلاثة ضمن ، ولو أعطى واحدا ضمن ثلثي السدس ; لأن أقل ما يقسم عليه السدس ثلاثة ، وكذلك لو كان الثلث لصنف كان أقل ما يقسم عليه ثلاثة ، ولو أعطاها اثنين ضمن حصة واحد إن كان الذي أوصى به السدس فثلث السدس ، وإن كان الثلث فثلث الثلث ; لأنه حصة واحدة ، وكذلك لو قال : ثلث مالي في المساكين يضعه حيث رأى منهم كان له أقل ما يضعه فيه ثلاثة يضمن إن وضعه في أقل حصة ما بقي من الثلاثة وكان الاختيار له أن يعمهم ، ولا يضيق عليه أن يجتهد فيضعه في أحوجهم ، ولا يضعه كما وصفت في أقل من ثلاثة ، وكان له الاختيار إذا خص أن يخص قرابة الميت ; لأن إعطاء قرابته يجمع أنهم من الصنف الذي أوصى لهم وأنهم ذو رحم على صلتها ثواب .
باب الوصية في الرقاب .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وإذا أوصى بثلث ماله في الرقاب أعطى منها في المكاتبين ، ولا يبتدئ منها عتق رقبة ، وأعطى من وجد من المكاتبين بقدر ما بقي عليهم وعموا كما وصفت في الفقراء والمساكين لا يختلف ذلك ، وأعطى ثلث كل مال له في بلد في مكاتبي أهله .

( قال ) : وإن قال : يضعه منهم حيث رأى فكما قلت : في الفقراء والمساكين لا يختلف ، فإن قال : يعتق به عني رقابا لم يكن له أن [ ص: 98 ] يعطي مكاتبا منه درهما ، وإن فعل ضمن ، وإن بلغ أقل من ثلاث رقاب لم يجزه أقل من عتق ثلاث رقاب ، فإن فعل ضمن حصة من تركه من الثلث ، وإن لم يبلغ ثلاث رقاب وبلغ أقل من رقبتين يجدهما ثمنا وفضل فضل جعل الرقبتين أكثر ثمنا حتى يذهب في رقبتين ، ولا يحبس شيئا لا يبلغ رقبة ، وهكذا لو لم يبلغ رقبتين وزاد على رقبة ، ويجزيه أي رقبة اشترى صغيرة ، أو كبيرة ، أو ذكرا ، أو أنثى ، وأحب إلي أزكى الرقاب وخيرها وأحراها أن يفك من سيده ملكه ، وإن كان في الثلث سعة تحتمل أكثر من ثلاث رقاب فقيل : أيهما أحب إليك إقلال الرقاب واستغلاؤها ، أو إكثارها واسترخاصها ؟ قال : إكثارها واسترخاصها أحب إلي ، فإن قال ولم ؟ ; لأنه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { من أعتق رقبة أعتق الله بكل عضو منها عضوا منه من النار } ويزيد بعضهم في الحديث { حتى الفرج بالفرج } .
باب الوصية في الغارمين .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وإذا أوصى بثلث ماله في الغارمين فالقول أنه يقسم في غارمي البلد الذي به ماله ، وفي أقل ما يعطاه ثلاثة فصاعدا كالقول في الفقراء والرقاب ، وفي أنه يعطى الغارمون بقدر غرمهم كالقول في الفقراء لا يختلف ، ويعطى من له الدين عليهم أحب إلي ، ولو أعطوه في دينهم رجوت أن يسع .
باب الوصية في سبيل الله .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وإذا أوصى الرجل بثلث ماله في سبيل الله أعطيه من أراد الغزو لا يجزي عندي غيره ; لأن من وجه بأن أعطى في سبيل الله لا يذهب إلى غير الغزو ، وإن كان كل ما أريد الله به من سبيل الله . والقول في أن يعطاه من غزا من غير البلد الذي به مال الموصي ويجمع عمومهم ، وإن يعطوا بقدر مغازيهم إذا بعدت وقربت مثل القول في أن تعطى المساكين بقدر مسكنتهم لا يختلف ، وفي أقل من يعطاه ، وفي مجاوزته إلى بلد غيره مثل القول في المساكين لا يختلف ، ولو قال : أعطوه في سبيل الله ، أو في سبيل الخير ، أو في سبيل البر ، أو في سبيل الثواب جزئ أجزاء فأعطيه ذو قرابته فقراء كانوا أو أغنياء ، والفقراء والمساكين ، وفي الرقاب والغارمين ، والغزاة ، وابن السبيل ، والحاج ، ودخل الضيف وابن السبيل والسائل والمعتر فيهم ، أو في الفقراء والمساكين لا يجزئ عندي غيره أن يقسم بين هؤلاء لكل صنف منهم سهم فإن لم يفعل الوصي ضمن سهم من منعه إذا كان موجودا ومن لم يجده حبس له سهمه حتى يجده بذلك البلد ، أو ينقل إلى أقرب البلدان به ممن فيه ذلك الصنف فيعطونه .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #158  
قديم 23-08-2022, 09:31 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,902
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الرابع

الحلقة (158)
صــــــــــ 99 الى صـــــــــــ105





باب الوصية في الحج

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وإذا مات الرجل وكان قد حج حجة الإسلام فأوصى أن يحج عنه فإن بلغ ثلثه حجة من بلده أحج عنه رجلا من بلده ، وإن لم يبلغ أحج عنه رجلا من حيث بلغ ثلثه .

( قال الربيع ) الذي يذهب إليه الشافعي أنه من لم يكن حج حجة الإسلام أن عليه أن يحج عنه من رأس المال وأقل ذلك من الميقات .

( قال الشافعي ) : ولو قال : أحجوا عني فلانا بمائة درهم وكانت المائة أكثر من إجارته أعطيها ; لأنها وصية له كان بعينه ، أو بغير عينه ما لم يكن وارثا ، فإن كان وارثا فأوصى له أن يحج عنه بمائة درهم وهي أكثر من أجر مثله قيل : له إن شئت فأحجج عنه بأجر مثلك ويبطل الفضل عن أجر مثلك ; لأنها وصية والوصية لوارث لا تجوز ، وإن لم تشأ أحججنا عنه غيرك بأقل ما يقدر عليه أن يحج عنه من بلده ، والإجارة بيع من البيوع ، فإذا لم يكن فيها محاباة فليست بوصية ، ألا ترى أنه لو أوصى أن يشترى عبد لوارث فيعتق فاشتري بقيمته جاز ؟ وهكذا لو أوصى أن يحج عنه فقال : وارثه أنا أحج عنه بأجر مثلي جاز له أن يحج عنه بأجر مثله .

( قال ) ولو قال : أحجوا عني بثلثي حجة وثلثه يبلغ أكثر من حجج جاز ذلك لغير وارث ، ولو قال : أحجوا عني بثلثي وثلثه يبلغ حججا فمن أجاز أن يحج عنه متطوعا أحج عنه بثلثه بقدر ما بلغ لا يزيد أحدا ويحج عنه على أجر مثله فإن فضل من ثلثه ما لا يبلغ أن يحج عنه أحد من بلده أحج عنه من أقرب البلدان إلى مكة حتى ينفد ثلثه . فإن فضل درهم ، أو أقل مما لا يحج عنه به أحد رد ميراثا وكان كمن أوصى لمن لم يقبل الوصية .

( قال ) فإن أوصى أن يحج عنه حجة أو حججا في قول من أجاز أن يحج عنه فأحج عنه ضرورة لم يحج ، فالحج عن الحاج لا عن الميت ويرد الحاج جميع الأجرة .

( قال ) : ولو استؤجر عنه من حج فأفسد الحج رد جميع الإجارة ; لأنه أفسد العمل الذي استؤجر عليه ، ولو أحجوا عنه امرأة أجزأ عنه وكان الرجل أحب إلي ، ولو أحجوا رجلا عن امرأة أجزأ عنها .

( قال ) وإحصار الرجل عن الحج مكتوب في كتاب الحج ، وإذا أوصى الرجل أن يحجوا عنه رجلا فمات الرجل قبل أن يحج عنه أحج عنه غيره كما لو أوصى أن يعتق عنه رقبة فابتيعت فلم تعتق حتى ماتت أعتق عنه أخرى ، ولو أوصى رجل قد حج حجة الإسلام فقال : أحجوا عني فلانا بمائة درهم وأعطوا ما بقي من ثلثي فلانا وأوصى بثلث ماله لرجل بعينه فللموصى له بالثلث نصف الثلث ; لأنه قد أوصى له بالثلث وللحاج وللموصى له بما بقي من الثلث نصف الثلث ويحج عنه رجل بمائة .
باب العتق والوصية في المرض

أخبرنا الشافعي قال : أخبرنا عبد الوهاب عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين أن رجلا أعتق ستة مملوكين له عند موته ليس له مال غيرهم ، وذكر الحديث .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فعتق البتات في المرض إذا مات المعتق من الثلث ، وهكذا الهبات والصدقات في المرض ; لأن كله شيء أخرجه المالك من ملكه بلا عوض مال أخذه ، فإذا أعتق المريض عتق بتات وعتق تدبير لوصية بدئ بعتق البتات قبل عتق التدبير والوصية وجميع الوصايا فإن فضل من الثلث فضل [ ص: 100 ] عتق منه التدبير والوصايا وأنفذت الوصايا لأهلها ، وإن لم يفضل منه فضل لم تكن وصية وكان كمن مات لا مال له ، وهكذا كل ما وهب فقبضه الموهوب له أو تصدق به فقبضه ; لأن مخرج ذلك في حياته وأنه مملوك عليه إن عاش بكل حال لا يرجع فيه فهي كما لزمه بكل حال في ثلث ماله بعد الموت ، وفي جميع ماله إن كانت له صحة والوصايا بعد الموت لم تلزمه إلا بعد موته فكان له أن يرجع فيها في حياته ، فإذا أعتق رقيقا له لا مال له غيرهم في مرضه ثم مات قبل أن تحدث له صحة فإن كان عتقه في كلمة واحدة مثل أن يقول : إنهم أحرار ، أو يقول رقيقي أو كل مملوك لي حر أقرع بينهم فأعتق ثلثه وأرق الثلثان ، وإن أعتق واحدا ، أو اثنين ثم أعتق من بقي بدئ بالأول ممن أعتق فإن خرج من الثلث فهو حر ، وإن لم يخرج عتق ما خرج من الثلث ورق ما بقي ، وإن فضل من الثلث شيء عتق الذي يليه . ثم هكذا أبدا لا يعتق واحد حتى يعتق الذي بدأ بعتقه ، فإن فضل فضل عتق الذي يليه ; لأنه لزمه عتق الأول قبل الثاني ، وأحدث عتق الثاني ، والأول خارج من ملكه بكل حال إن صح وكل حال بعد الموت إن خرج من الثلث ، فإن لم يفضل من الثلث شيء بعد عتقه فإنما أعتق ، ولا ثلث له .

( قال ) وهكذا لو قال : لثلاثة أعبد له : أنتم أحرار . ثم قال : ما بقي من رقيقي حر بدئ بالثلاثة . فإن خرجوا من الثلث أعتقوا معا ، وإن عجز الثلث عنهم أقرع بينهم ، وإن عتقوا معا وفضل من الثلث شيء أقرع بين من بقي من رقيقه إن لم يحملهم الثلث ، ولو كان مع هؤلاء مدبرون وعبيد . وقال : إن مت من مرضي فهم أحرار بدئ بالذين أعتق عتق البتات فإن خرجوا من الثلث ، ولم يفضل شيء لم يعتق مدبر ، ولا موصى بعتقه بعينه ، ولا صفته ، وإن فضل من الثلث عتق المدبر والموصي بعتقه بعينه وصفته ، وإن عجز عن أن يعتقوا منه كانوا في العتق سواء لا يبدأ المدبر على عتق الوصية ; لأن كلا وصية ، ولا يعتق بحال إلا بعد الموت وله أن يرجع في كل في حياته ، ولو كان في المعتقين في المرض عتق بتات إماء فولدن بعد العتق وقبل موت المعتق فخرجوا من الثلث ، ولم يخرج الولد عتقوا ، والإماء من الثلث والأولاد أحرار من غير الثلث ; لأنهم أولاد حرائر .

ولو كانت المسألة بحالها وكان الثلث ضيقا عن أن يخرج جميع من أعتق من الرقيق عتق بتات قومنا ، والإماء كل أمة منهن معها ولدها لا يفرق بينها وبينه . ثم أقرعنا بينهم فأي أمة خرجت في سهم العتق عتقت من الثلث وتبعها ولدها من غير الثلث ; لأنا قد علمنا أنه ولد حرة لا يرق ، وإذا ألغينا قيم الأولاد الذين عتقوا بعتق أمهم فزاد الثلث أعدنا القرعة بين من بقي . فإن خرجت أمة معها ولدها أعتقت من الثلث وعتق ولدها ; لأنه ابن حرة من غير الثلث ، فإن بقي من الثلث شيء أعدناه هكذا أبدا حتى نستوظفه كله .

( قال ) وإن ضاق ما يبقى من الثلث فعتق ثلث أم ولد منهن عتق ثلث ولدها معها ورق ثلثاه كما رق ثلثاها . ويكون حكم ولدها حكمها فما عتق منها قبل ولاده عتق منه ، وإذا وقعت عليها قرعة العتق فإنما أعتقناها قبل الولادة . وهكذا لو ولدتهم بعد العتق البتات وموت المعتق لأقل من ستة أشهر ، أو أكثر .

( قال الشافعي ) وإذا أوصى الرجل بعتق أمة بعد موته فإن مات من مرضه ، أو سفره فولدت قبل أن يموت الموصي فولدها مماليك ; لأنهم ولدوا قبل أن يعتق في الحين الذي لو شاء أرقها وباعها ، وفي الحين الذي لو صح بطلت وصيتها ، ولو كان عتقها تدبيرا كان فيه قولان : أحدهما هذا ; لأنه يرجع في التدبير ، والآخر أن ولدها بمنزلتها ; لأنه عتق واقع بكل حال ما لم يرجع فيه ، وقد اختلف في الرجل يوصي بالعتق ووصايا غيره فقال : غير واحد من المفتين يبدأ بالعتق ثم يجعل ما بقي من الثلث في الوصايا فإن لم يكن في الثلث فضل عن العتق فهو رجل أوصى فيما ليس له .

( قال ) ولست أعرف في هذا أمرا يلزم من أثر ثابت ، ولا إجماع لا اختلاف فيه ثم اختلف قول من [ ص: 101 ] قال : هذا في العتق مع الوصايا فقال : مرة بهذا وفارقه أخرى فزعم أن من قال : لعبده إذا مت فأنت حر وقال : إن مت من مرضي هذا فأنت حر فأوقع له عتقا بموته بلا وقت بدئ بهذا على الوصايا فلم يصل إلى أهل الوصايا وصية إلا فضلا عن هذا وقال : إذا قال : اعتقوا عبدي هذا بعد موتي ، أو قال : عبدي هذا حر بعد موتي بيوم ، أو بشهر ، أو وقت من الأوقات لم يبدأ بهذا على الوصايا وحاص هذا أهل الوصايا واحتج بأنه قيل : يبدأ بالعتق قبل الوصية وما أعلمه قال يبدأ بالعتق قبل الوصية مطلقا ، ولا يحاص العتق الوصية مطلقا بل فرق القول فيه بغير حجة فيما أرى والله المستعان .

( قال ) ولا يجوز في العتق في الوصية إلا واحد من قولين إما أن يكون العتق إذا وقع بأي حال ما كان بدئ على جميع الوصايا فلم يخرج منها شيء حتى يكمل العتق وإما أن يكون العتق وصية من الوصايا يحاص بها المعتق أهل الوصايا فيصيبه من العتق ما أصاب أهل الوصايا من وصاياهم ويكون كل عتق كان وصية بعد الموت بوقت ، أو بغير وقت سواء ، أو يفرق بين ذلك خبر لازم ، أو إجماع ، ولا أعلم فيه واحدا منهما فمن قال : عبدي مدبر ، أو عبدي هذا حر بعد موتي ، أو متى مت ، أو إن مت من مرضي هذا ، أو أعتقوه بعد موتي ، أو هو مدبر في حياتي ، فإذا مت فهو حر فهو كله سواء ومن جعل المعتق يحاص أهل الوصايا فأوصى معه بوصية حاص العبد في نفسه أهل الوصايا في وصاياهم فأصابه من العتق ما أصابهم ورق منه لم يخرج من الثلث وذلك أن يكون ثمن العبد خمسين دينارا وقيمة ما يبقى من ثلثه بعد العتق خمسين دينارا فيوصى بعتق العبد ويوصي لرجل بخمسين دينارا ولآخر بمائة دينار فيكون ثلثه مائة ووصيته مائتين فلكل واحد من الموصى لهم نصف وصيته فيعتق نصف العبد ويرق نصفه ويكون لصاحب الخمسين خمسة وعشرون وللموصى له بالمائة خمسون .
باب التكملات .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ، ولو أوصى رجل لرجل بمائة دينار من ماله ، أو بدار موصوفة بعين ، أو بصفة ، أو بعبد كذلك ، أو متاع ، أو غيره وقال : ثم ما فضل من ثلثي فلفلان كان ذلك كما قال : يعطى الموصى له بالشيء بعينه ، أو صفته ما أوصى له به فإن فضل من الثلث شيء كان للموصى له بما فضل من الثلث ، وإن لم يفضل شيء فلا شيء له .

( قال الشافعي ) ولو كان الموصى له به عبدا ، أو شيئا يعرف بعين ، أو صفة مثل عبد ، أو دار ، أو عرض من العروض فهلك ذلك الشيء هلك من مال الموصى له وقوم من الثلث ثم أعطى الذي أوصى له بتكملة الثلث ما فضل عن قيمة الهالك كما يعطاه لو سلم الهالك فدفع إلى الموصى له به ( قال ) ولو كان الموصى به عبدا فمات الموصي ، وهو صحيح ثم اعور قوم صحيحا بحاله يوم مات الموصي وبقيمة مثله يومئذ فأخرج من الثلث ودفع إلى الموصى له به كهيئته ناقصا ، أو تاما وأعطى الموصى له بما فضل عنه ما فضل عن الثلث : وإنما القيمة في جميع ما أوصى به بعينه يوم يموت الميت ، وذلك يوم تجب الوصية .

( قال الشافعي ) وإذا قال : الرجل ثلث مالي إلى فلان يضعه حيث أراه الله فليس له أن يأخذ لنفسه شيئا كما لا يكون له لو أمره أن يبيع له شيئا أن يبيعه من نفسه ; لأن معنى يبيعه أن يكون مبايعا به ، وهو لا يكون مبايعا إلا لغيره ، وكذلك معنى يضعه يعطيه غيره ، وكذلك ليس له أن يعطيه وارثا للميت ; لأنه إنما يجوز له ما كان يجوز للميت ، فلما لم يكن للميت أن يعطيه لم يجز لمن صيره إليه أن يعطي منه من لم يكن له أن يعطيه .

( قال ) وليس له أن يضعه فيما ليس للميت فيه نظر كما ليس له [ ص: 102 ] لو وكله بشيء أن يفعل فيه ما ليس له فيه نظر ، ولا يكون له أن يحبسه عند نفسه ، ولا يودعه غيره ; لأنه لا أجر للميت في هذا ، وإنما الأجر للميت في أن يسلك في سبيل الخير التي يرجى أن تقربه إلى الله عز وجل ( قال الشافعي ) فأختار للموصى إليه أن يعطيه أهل الحاجة من قرابة الميت حتى يعطي كل رجل منهم دون غيرهم ، فإن إعطاءهموه أفضل من إعطاء غيرهم لما ينفردون به من صلة قرابتهم للميت ويشركون به أهل الحاجة في حاجاتهم .

( قال ) وقرابته ما وصفت من القرابة من قبل الأب والأم معا وليس الرضاع قرابة .

( قال ) وأحب له إن كان له رضعاء أن يعطيهم دون جيرانه ; لأن حرمة الرضاع تقابل حرمة النسب ثم أحب له أن يعطي جيرانه الأقرب منهم فالأقرب . وأقصى الجوار فيها أربعون دارا من كل ناحية ثم أحب له أن يعطيه أفقر من يجده وأشده تعففا واستتارا ، ولا يبقي منه في يده شيئا يمكنه أن يخرجه ساعة من نهار .
باب الوصية للرجل وقبوله ورده .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وإذا أوصى الرجل المريض لرجل بوصية ما كانت ثم مات فللموصى له قبول الوصية وردها لا يجبر أن يملك شيئا لا يريد ملكه بوجه أبدا إلا بأن يرث شيئا فإنه إذا ورث لم يكن له دفع الميراث وذلك أن حكما من الله عز وجل أنه نقل ملك الموتى إلى ورثتهم من الأحياء فأما الوصية والهبة والصدقة وجميع وجوه الملك غير الميراث فالمملك لها بالخيار إن شاء قبلها ، وإن شاء ردها ، ولو أنا أجبرنا رجلا على قبول الوصية أجبرناه إن أوصى له بعبيد زمنى أن ينفق عليهم فأدخلنا الضرر عليه ، وهو لم يحبه ، ولم يدخله على نفسه .

( قال الشافعي ) ولا يكون قبول ، ولا رد في وصية حياة الموصي ، فلو قبل الموصى له قبل موت الموصي كان له الرد إذا مات ، ولو رد في حياة الموصي كان له أن يقبل إذا مات ويجبر الورثة على ذلك ; لأن تلك الوصية لم تجب إلا بعد موت الموصي . فأما في حياته فقبوله ورده وصمته سواء ; لأن ذلك فيما لم يملك .

( قال ) وهكذا لو أوصى له بأبيه وأمه وولده كانوا كسائر الوصية إن قبلهم بعد موت الموصي عتقوا ، وإن ردهم فهم مماليك تركهم الميت لا وصية فيهم فهم لورثته .

( قال الربيع ) فإن قبل بعضهم ورد بعضا كان ذلك له وعتق عليه من قبل ، وكان من لم يقبل مملوكا لورثة الميت ، ولو مات الموصي ثم مات الموصى له قبل أن يقبل ، أو يرد كان لورثته أن يقبلوا ، أو يردوا فمن قبل منهم فله نصيبه بميراثه مما قبل ومن رد كان ما رد لورثة الميت .

ولو أن رجلا تزوج جارية رجل فولدت له ثم أوصى له بها ومات فلم يعلم الموصى له بالوصية حتى ولدت له بعد موت سيدها أولادا كثيرا . فإن قبل الوصية فمن ولدت له بعد موت السيد له تملكهم بما ملك به أمهم ، وإذا ملك ولده عتقوا عليه ، ولم تكن أمهم أم ولد له حتى تلد بعد قبولها منه لستة أشهر فأكثر فتكون بذلك أم ولد وذلك أن الوطء الذي كان قبل القبول إنما كان وطء نكاح والوطء بعد القبول وطء ملك والنكاح منفسخ ، ولو مات قبل أن يرد أو يقبل قام ورثته مقامه ، فإن قبلوا الوصية فإنما ملكوا لأبيهم فأولاد أبيهم الذين ولدت بعد موت سيدها الموصي أحرار وأمهم مملوكة ، وإن ردوها كانوا مماليك كلهم وأكره لهم ردها ، وإذا قبل الموصى له الوصية بعد أن تجب له بموت الموصي ثم ردها فهي مال من مال الميت موروثة عنه كسائر ماله ، ولو أراد بعد ردها أخذها بأن يقول إنما أعطيتكم ما لم تقبضوا جاز أن يقولوا له لم تملكها بالوصية دون القبول . فلما كنت إذا قبلت ملكتها ، وإن لم تقبضها ; لأنها لا تشبه هبات الأحياء التي [ ص: 103 ] لا يتم ملكها إلا بقبض الموهوبة له لها جاز عليك ما تركت من ذلك كما جاز لك ما أعطيت بلا قبض في واحد منهما وجاز لهم أن يقولوا : ردكها إبطال لحقك فيما أوصى لك به الميت ورد إلى ملك الميت فيكون موروثا عنه .

( قال ) ولو قبلها ثم قال : قد تركتها لفلان من بين الورثة ، أو كان له على الميت دين فقال : فقد تركته لفلان من بين الورثة قيل : قولك تركته لفلان يحتمل معنيين أظهرهما تركته تشفيعا لفلان ، أو تقربا إلى فلان فإن كنت هذا أردت فهذا متروك للميت فهو بين ورثته كلهم وأهل وصاياه ودينه كما ترك ، وإن مت قبل أن تسأل فهو هكذا ; لأن هذا أظهر معانيه كما تقول عفوت عن ديني على فلان لفلان ووضعت عن فلان حقي لفلان أي بشفاعة فلان ، أو حفظ فلان أو التقرب إلى فلان ، وإن لم تمت فسألناك فقلت : تركت وصيتي أو تركت ديني لفلان وهبته لفلان من بين الورثة فذلك لفلان من بين الورثة ; لأنه وهب له شيئا يملكه ، وإذا أوصى رجل لرجلين بعبد أن غيره فقبل أحدهما ورد الآخر فللقابل نصف الوصية ونصف الوصية مردود في مال الميت ، ولو أوصى رجل لرجل بجارية فمات الموصي ، ولم يقبل الموصى له ، ولم يرد حتى وهب إنسان للجارية مائة دينار والجارية ثلث مال الميت ، ثم قبل الوصية فالجارية له لا يجوز فيما وهب لها ، وفي ولد ولدته بعد موت السيد وقبل قبول الوصية وردها إلا واحد من قولين أن يكون ما وهب للجارية ، أو ولدها ملكا للموصى له بها ; لأنها كانت خارجة من مال الميت إلى ماله إلا أن له إن شاء أن يردها .

ومن قال : هذا قال : هو وإن كان له ردها فإنما ردها إخراج لها من ماله كما له أن يخرج من ماله ما شاء ، فإذا كانت هي وملك ما وهب للأمة وولدها لمن يملكها فالموصى له بها المالك لها .

ومن قال : هذا قال فإن استهلك رجل من الورثة شيئا مما وهب لها ، أو ولدها فهو ضامن له للموصى له بها ، وكذلك إن جنى أجنبي على مالها أو نفسها ، أو ولدها فالموصى له بها إن قبل الوصية الخصم في ذلك ; لأنه له ، وإن مات الموصى له بها قبل القبول والرد فورثته يقومون مقامه في ذلك كله .

والقول الثاني أن ذلك كله لورثة الموصي ، وإن الموصى له إنما يملك إذا اختار قبول الوصية ، وهذا قول منكر لا نقول به ; لأن القبول إنما هو على شيء ملك متقدما ليس بملك حادث ، وقد قال : بعض الناس تكون له الجارية وثلث أولادها وثلث ما وهب لها ، وإن كانت الجارية لا تخرج من الثلث فولدت أولادا بعد موت الموصي ووهب لها مالا . لم يكن في كتاب الشافعي من هذه المسألة غير هذا . بقي في المسألة الجواب .
باب ما نسخ من الوصايا .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى قال : الله تبارك وتعالى { كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين فمن بدله بعدما سمعه } الآية .

( قال الشافعي ) وكان فرضا في كتاب الله تعالى على من ترك خيرا والخير المال أن يوصي لوالديه وأقربيه ثم زعم بعض أهل العلم بالقرآن أن الوصية للوالدين والأقربين الوارثين منسوخة واختلفوا في الأقربين غير الوارثين فأكثر من لقيت من أهل العلم ممن حفظت عنه قال الوصايا منسوخة ; لأنه إنما أمر بها إذا كانت إنما يورث بها فلما قسم الله - تعالى ذكره - المواريث كانت تطوعا .

( قال الشافعي ) وهذا إن شاء الله تعالى كله كما قالوا ، فإن قال قائل : ما دل على ما وصفت ؟ قيل : له قال : الله تبارك وتعالى { ولأبويه لكل واحد منهما [ ص: 104 ] السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له إخوة فلأمه السدس } أخبرنا ابن عيينة عن سليمان الأحول عن مجاهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { لا وصية لوارث } وما وصفت من أن الوصية للوارث منسوخة بآي المواريث وأن لا وصية لوارث مما لا أعرف فيه عن أحد ممن لقيت خلافا .

( قال الشافعي ) : وإذا كانت الوصايا لمن أمر الله تعالى ذكره بالوصية منسوخة بآي المواريث وكانت السنة تدل على أنها لا تجوز لوارث وتدل على أنها تجوز لغير قرابة دل ذلك على نسخ الوصايا للورثة وأشبه أن يدل على نسخ الوصايا لغيرهم .

( قال ) ودل على أن الوصايا للوالدين وغيرهما ممن يرث بكل حال إذا كان في معنى غير وارث فالوصية له جائزة ، ومن قبل أنها إنما بطلت وصيته إذا كان وارثا ، فإذا لم يكن وارثا فليس بمبطل للوصية ، وإذا كان الموصي يتناول من شاء بوصيته كان والده دون قرابته إذا كانوا غير ورثة في معنى من لا يرث ولهم حق القرابة وصلة الرحم .

فإن قال قائل : فأين الدلالة على أن الوصية لغير ذي الرحم جائزة ؟ قيل : له إن شاء الله تعالى حديث عمران بن حصين { أن رجلا أعتق مملوكين له ليس له مال فيهم فجزأهم النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أجزاء فأعتق اثنين وأرق أربعة } ، والمعتق عربي ، وإنما كانت العرب تملك من لا قرابة بينها وبينه ، فلو لم تجز الوصية إلا لذي قرابة لم تجز للملوكين ، وقد أجازها لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
باب الخلاف في الوصايا .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : أخبرنا سفيان بن عيينة عن طاوس عن أبيه .

( قال الشافعي ) والحجة في ذلك ما وصفنا من الاستدلال بالسنة وقول الأكثر ممن لقينا فحفظنا عنه والله تعالى أعلم .
باب الوصية للزوجة .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم } الآية . وكان فرض الزوجة أن يوصي لها الزوج بمتاع إلى الحول ، ولم أحفظ عن أحد خلافا أن المتاع النفقة والسكنى والكسوة إلى الحول وثبت لها السكنى فقال : { غير إخراج } ثم قال : { فإن خرجن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن من معروف } فدل القرآن على أنهن إن خرجن فلا جناح على الأزواج ; لأنهن تركن ما فرض لهن ودل الكتاب العزيز إذا كان السكنى لها فرضا فتركت حقها فيه ، ولم يجعل الله تعالى على الزوج حرجا أن من ترك حقه غير ممنوع له لم يخرج من الحق عليه . ثم حفظت عمن أرضى من أهل العلم أن نفقة المتوفى عنها زوجها وكسوتها حولا منسوخ بآية المواريث . قال الله عز وجل { ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها ، أو دين ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها ، أو دين } .

( قال الشافعي ) : ولم أعلم مخالفا فيما وصفت من نسخ نفقة المتوفى عنها وكسوتها سنة وأقل من سنة . ثم احتمل سكناها إذ كان مذكورا مع نفقتها بأنه يقع عليه اسم المتاع أن يكون منسوخا في السنة وأقل منها كما كانت النفقة والكسوة منسوختين في السنة وأقل منها واحتمل أن تكون نسخت في السنة وأثبتت في عدة المتوفى عنها حتى تنقضي عدتها بأصل هذه الآية [ ص: 105 ] وأن تكون داخلة في جملة المعتدات ، فإن الله تبارك وتعالى يقول في المطلقات { لا تخرجوهن من بيوتهن ، ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة } فلما فرض الله في المعتدة من الطلاق السكنى وكانت المعتدة من الوفاة في معناها احتملت أن يجعل لها السكنى ; لأنها في معنى المعتدات . فإن كان هذا هكذا فالسكنى لها في كتاب الله عز وجل منصوص ، أو في معنى من نص لها السكنى في فرض الكتاب ، وإن لم يكن هكذا فالفرض في السكنى لها في السنة ثم فما أحفظ عمن حفظت عنه من أهل العلم أن للمتوفى عنها السكنى ، ولا نفقة ، فإن قال : قائل فأين السنة في سكنى المتوفى عنها زوجها ؟ قيل : أخبرنا مالك عن سعد بن إسحاق عن كعب بن عجرة .

( قال الشافعي ) وما وصفت في متاع المتوفى عنها هو الأمر الذي تقوم به الحجة والله تعالى أعلم ، وقد قال : بعض أهل العلم بالقرآن إن آية المواريث للوالدين والأقربين ، وهذا ثابت للمرأة ، وإنما نزل فرض ميراث المرأة والزوج بعد ، وإن كان كما قال فقد أثبت لها الميراث كما أثبته لأهل الفرائض وليس في أن يكون ذلك بآخر ما أبطل حقها .

وقال : بعض أهل العلم إن عدتها في الوفاة كانت ثلاثة قروء كعدة الطلاق ثم نسخت بقول الله عز وجل { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا } فإن كان هذا هكذا ، فقد بطلت عنها الأقراء وثبتت عليها العدة بأربعة أشهر وعشر منصوصة في كتاب الله عز وجل ثم في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن قال قائل : فأين هي في السنة ؟ قيل : أخبرنا . حديث المغيرة عن حميد بن نافع قال الله عز وجل في عدة الطلاق { واللائي لم يحضن وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن } فاحتملت الآية أن تكون في المطلقة لا تحيض خاصة ; لأنها سياقها واحتملت أن تكون في المطلقة كل معتدة مطلقة تحيض ومتوفى عنها ; لأنها جامعة ويحتمل أن يكون استئناف كلام على المعتدات . فإن قال : قائل فأي معانيها أولى بها ؟ قيل والله تعالى أعلم . فأنا الذي يشبه فإنها تكون في كل معتدة ومستبرأة . فإن قال : ما دل على ما وصفت ؟ قيل : قال الشافعي لما كانت العدة استبراء وتعبدا وكان وضع الحمل براءة من عدة الوفاة هادما للأربعة الأشهر والعشر كان هكذا في جميع العدد والاستبراء . والله أعلم مع أن المعقول أن وضع الحمل غاية براءة الرحم حتى لا يكون في النفس منه شيء ، فقد يكون في النفس شيء في جميع العدد والاستبراء ، وإن كان ذلك براءة في الظاهر ، والله سبحانه وتعالى الموفق .
باب استحداث الوصايا .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى في غير آية في قسم الميراث { من بعد وصية توصون بها أو دين } و { من بعد وصية يوصين بها أو دين } .

( قال الشافعي ) فنقل الله تبارك وتعالى ملك من مات من الأحياء إلى من بقي من ورثة الميت فجعلهم يقومون مقامه فيما ملكهم من ملكه وقال الله عز وجل { من بعد وصية توصون بها ، أو دين } قال : فكان ظاهر الآية المعقول فيها { من بعد وصية توصون بها ، أو دين } إن كان عليهم دين .

( قال الشافعي ) وبهذا نقول ، ولا أعلم من أهل العلم فيه مخالفا ، وقد تحتمل الآية معنى غير هذا أظهر منه وأولى بأن العامة لا تختلف فيه فيما علمت وإجماعهم لا يكون عن جهالة بحكم الله إن شاء الله .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #159  
قديم 23-08-2022, 09:34 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,902
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الرابع

الحلقة (159)
صــــــــــ 106 الى صـــــــــــ112





( قال الشافعي ) وفي قول الله عز وجل { من بعد وصية توصون بها أو دين } معان سأذكرها إن شاء الله تعالى فلما لم يكن بين أهل العلم خلاف علمته في أن ذا الدين أحق بمال الرجل في حياته منه حتى يستوفي دينه وكان أهل الميراث إنما يملكون عن الميت ما كان الميت أملك به كان بينا [ ص: 106 ] والله أعلم - في حكم الله عز وجل ثم ما لم أعلم أهل العلم فاختلفوا فيه أن الدين مبدأ على الوصايا والميراث فكان حكم الدين كما وصفت منفردا مقدما ، وفي قول الله عز وجل " أو دين " ثم إجماع المسلمين أن لا وصية ولا ميراث إلا بعد الدين دليل على أن كل دين في صحة كان أو في مرض بإقرار ، أو بينة ، أو أي وجه ما كان سواء ; لأن الله عز وجل لم يخص دينا دون دين .

( قال الشافعي ) وقد روي في تبدئة الدين قبل الوصية حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يثبت أهل الحديث مثله أخبرنا سفيان عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي رضي الله عنه { أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالدين قبل الوصية } وأخبرنا سفيان عن هشام بن حجير عن طاوس عن ابن عباس أنه قيل : له كيف تأمرنا بالعمرة قبل الحج والله تعالى يقول { وأتموا الحج والعمرة لله ؟ } فقال : كيف تقرءون الدين قبل الوصية ، أو الوصية قبل الدين ؟ فقالوا الوصية قبل الدين قال : فبأيهما تبدءون ؟ قالوا بالدين قال : فهو ذاك .

( قال الشافعي ) يعني أن التقديم جائز ، وإذا قضي الدين كان للميت أن يوصي بثلث ماله فإن فعل كان للورثة الثلثان ، وإن لم يوص ، أو أوصى بأقل من ثلث ماله كان ذلك مالا من مال تركه قال : فكان للورثة ما فضل عن الوصية من المال إن أوصى .

( قال الشافعي ) ولما جعل الله عز ذكره للورثة الفضل عن الوصايا والدين فكان الدين كما وصفت وكانت الوصايا محتملة أن تكون مبدأة على الورثة ، ويحتمل أن تكون كما وصفت لك من الفضل عن الوصية وأن يكون للوصية غاية ينتهي بها إليها كالميراث بكل وارث غاية كانت الوصايا مما أحكم الله عز وجل فرضه بكتابه وبين كيف فرضه على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا مالك عن ابن شهاب .

( قال الشافعي ) فكان غاية منتهى الوصايا التي لو جاوزها الموصي كان للورثة رد ما جاوز ثلث مال الموصي قال : وحديث عمران بن حصين يدل على أن من جاوز الثلث من الموصين ردت وصيته إلى الثلث ويدل على أن الوصايا تجوز لغير قرابة ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رد عتق المملوكين إلى الثلث دل على أنه حكم به حكم الوصايا والمعتق عربي ، وإنما كانت العرب تملك من لا قرابة بينها وبينه والله تعالى أعلم .
باب الوصية بالثلث وأقل من الثلث وترك الوصية .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وإذا أوصى الرجل فواسع له أن يبلغ الثلث وقال : في { قول النبي صلى الله عليه وسلم لسعد الثلث والثلث كثير ، أو كبير ، إنك إن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس } .

( قال الشافعي ) غيا كما قال : من بعده في الوصايا وذلك بين في كلامه ; لأنه إنما قصد قصد اختيار أن يترك الموصي ورثته أغنياء ، فإذا تركهم أغنياء اخترت له أن يستوعب الثلث ، وإذا لم يدعهم أغنياء كرهت له أن يستوعب الثلث وأن يوصي بالشيء حتى يكون يأخذ بالحظ من الوصية ، ولا وقت في ذلك إلا ما وقع عليه اسم الوصية لمن لم يدع كثير مال ومن ترك أقل مما يغني ورثته وأكثر من التافه زاد شيئا في وصيته ، ولا أحب بلوغ الثلث إلا لمن ترك ورثته أغنياء .

( قال الشافعي ) في قول النبي صلى الله عليه وسلم { الثلث والثلث كثير ، أو كبير } يحتمل الثلث غير قليل ، وهو أولى معانيه ; لأنه لو كرهه لسعد لقال له : غض منه ، وقد كان يحتمل أن له بلوغه ويجب له الغض منه وقل كلام إلا ، وهو محتمل وأولى معاني الكلام به ما دل عليه الخبر والدلالة ما وصفت من أنه لو كرهه لسعد أمره أن يغض منه قيل : للشافعي فهل اختلف الناس في هذا ؟ قال : لم أعلمهم اختلفوا في أن جائزا لكل موص أن يستكمل [ ص: 107 ] الثلث قل ما ترك ، أو كثر وليس بجائز له أن يجاوزه فقيل للشافعي وهل اختلفوا في اختيار النقص عن الثلث أو بلوغه ؟ قال : نعم ، وفيما وصفت لك من الدلالة عن رسول صلى الله عليه وسلم ما أغنى عما سواه . فقلت : فاذكر اختلافهم . فقال : أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر
باب عطايا المريض أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله تعالى لما أعتق الرجل ستة مملوكين له لا مال له غيرهم في مرضه ، ثم مات فأعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنين وأرق أربعة دل ذلك على أن كل ما أتلف المرء من ماله في مرضه بلا عوض يأخذه مما يتعوض الناس ملكا في الدنيا فمات من مرضه ذلك فحكمه حكم الوصية ، ولما كان إنما يحكم بأنه كالوصية بعد الموت فما أتلف المرء من ماله في مرضه ذلك فحكمه حكم الوصايا فإن صح تم عليه ما يتم به عطية الصحيح ، وإن مات من مرضه ذلك كان حكمه حكم وصيته ومتى حدثت له صحة بعد ما أتلف منه ، ثم عاوده مرض فمات تمت عطيته إذا كانت الصحة بعد العطية فحكم العطية حكم عطية الصحيح .

( قال الشافعي ) وجماع ذلك ما وصفت من أن يخرج من ملكه شيئا بلا عوض يأخذه الناس من أموالهم في الدنيا فالهبات كلها والصدقات والعتاق ومعاني هذه كلها هكذا فما كان من هبة ، أو صدقة ، أو ما في معناها لغير وارث ، ثم مات فهي من الثلث فإن كان معها وصايا فهي مبدأة عليها ; لأنها عطية بتات قد ملكت عليه ملكا يتم بصحته من جميع ماله ويتم بموته من ثلثه إن حمله والوصايا مخالفة لهذا .

الوصايا لم تملك عليه وله الرجوع فيها ، ولا تملك إلا بموته وبعد انتقال الملك إلى غيره ( قال الشافعي ) وما كان من عطية بتات في مرضه لم يأخذ بها عوضا أعطاه إياها ، وهو يوم أعطاه ممن يرثه لو مات أولا يرثه فهي موقوفة ، فإذا مات فإن كان المعطى وارثا له حين مات أبطلت العطية ; لأني إذا جعلتها من الثلث لم أجعل لوارث في الثلث شيئا من جهة الوصية ، وإن كان المعطى حين مات المعطي غير وارث أجزتها له ; لأنها وصية لغير وارث
( قال الشافعي ) وما كان من عطايا المريض على عوض أخذه مما يأخذ الناس من الأموال في الدنيا فأخذ به عوضا يتغابن الناس بمثله ، ثم مات فهو جائز من رأس المال ، وإن أخذ به عوضا لا يتغابن الناس بمثله فالزيادة عطية بلا عوض فهي من الثلث فمن جازت له وصية جازت له ومن لم تجز له وصية لم تجز له الزيادة وذلك ، الرجل يشتري العبد ، أو يبيعه ، أو الأمة ، أو الدار ، أو غير ذلك مما يملك الآدميون ، فإذا باع المريض ودفع إليه ثمنه ، أو لم يدفع حتى مات فقال ورثته حاباك فيه ، أو غبنته فيه نظر إلى قيمة المشترى يوم وقع البيع والثمن الذي اشتراه به فإن كان اشتراه بما يتغابن أهل المصر بمثله كان الشراء جائزا من رأس المال ، وإن كان اشتراه بما لا يتغابن الناس بمثله كان ما يتغابن أهل المصر بمثله جائزا من رأس المال وما جاوزه جائزا من الثلث فإن حمله الثلث جاز له البيع ، وإن لم يحمله الثلث قيل للمشتري لك الخيار في رد البيع إن كان قائما وتأخذ ثمنه الذي أخذ منك ، أو تعطي الورثة الفضل عما يتغابن الناس بمثله مما لم يحمله الثلث فإن كان البيع فائتا رد ما بين قيمة ما لا يتغابن الناس بمثله مما لم يحمله الثلث ، وكذلك إن كان البيع قائما قد دخله عيب رد قيمته .

( قال الشافعي ) فإن كان المريض المشتري فهو في هذا المعنى ويقال للبائع البيع جائز فيما يتغابن الناس بمثله من رأس المال وبما جاوز ما يتغابن الناس بمثله من الثلث فإن لم يكن له ثلث ، أو كان [ ص: 108 ] فلم يحمله الثلث قيل له إن شئت سلمته بما سلم لك من رأس المال والثلث وتركت الفضل والبيع جائز ، وإن شئت رددت ما أخذت ونقضت البيع إن كان البيع قائما بعينه .

( قال الشافعي ) : وإن كان مستهلكا ، ولم تطب نفس البائع عن الفضل فللبائع من مال الميت ما يتغابن الناس بمثله في سلعته وما حمل الثلث مما لا يتغابن الناس بمثله ويرد الفضل عن ذلك على الورثة ، وإن كان السلعة قائمة قد دخلها عيب
( قال الشافعي ) : وإن كان المبيع عبدا ، أو غيره فاشتراه المريض فظهر منه على عيب فأبرأ البائع من العيب فكان في ذلك غبن كان القول فيه كالقول فيما انعقد عليه البيع ، وفيه غبن ، وكذلك لو اشتراه صحيحا ، ثم ظهر منه على عيب ، وهو مريض فأبرأه منه أو اشتراه وله فيه خيار رؤية أو خيار شرط ، أو خيار صفقة فلم يسقط خيار الصفقة بالتفرق ، ولا خيار الرؤية بالرؤية ، ولا خيار الشرط بانقضاء الشرط حتى مرض ففارق البائع ، أو رأى السلعة فلم يردها ، أو مضت أيام الخيار ، وهو مريض فلم يرده ; لأن البيع تم في هذا كله ، وهو مريض .

( قال الشافعي ) وسواء في هذا كله كان البائع الصحيح والمشتري المريض ، أو المشتري الصحيح والبائع المريض على أصل ما ذهبنا إليه من أن الغبن يكون في الثلث وهكذا لو باع مريض من مريض ، أو صحيح من صحيح ، ولو اختلف ورثة المريض البائع والمشتري الصحيح في قيمة ما باع المريض فقال المشتري اشتريتها منه وقيمتها مائة وقال الورثة بل باعكها وقيمتها مائتان ، ولو كان المشتري في هذا كله وارثا ، أو غير وارث فلم يمت الميت حتى صار وارثا كان بمنزلة من لم يزل وارثا له إذا مات الميت ، فإذا باعه الميت وقبض الثمن منه ، ثم مات فهو مثل الأجنبي في جميع حاله إلا فيما زاد على ما يتغابن الناس به فإن باعه بما يتغابن الناس بمثله جاز ، وإن باعه بما لا يتغابن الناس بمثله قيل : للوارث حكم الزيادة على ما يتغابن الناس بمثله حكم الوصية وأنت فلا وصية لك فإن شئت فاردد البيع إذا لم يسلم لك ما باعك ، وإن شئت فأعط الورثة من ثمن السلعة ما زاد على ما يتغابن الناس بمثله ، ثم هو في فوت السلعة وغبنها مثل الأجنبي ، وكذلك إن باع مريض وارث من مريض وارث .
باب نكاح المريض

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ويجوز للمريض أن ينكح جميع ما أحل الله تعالى أربعا وما دونهن كما يجوز له أن يشتري ، فإذا أصدق كل واحدة منهن صداق مثلها جاز لها من جميع المال وأيتهن زاد على صداق مثلها فالزيادة محاباة فإن صح قبل أن يموت جاز لها من جميع المال ، وإن مات قبل أن يصح بطلت عنها الزيادة على صداق مثلها وثبت النكاح وكان لها الميراث .

( قال الشافعي ) أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن موسى بن عقبة عن نافع مولى ابن عمر أنه قال : كانت ابنة حفص بن المغيرة عند عبد الله بن أبي ربيعة فطلقها تطليقة ، ثم إن عمر بن الخطاب تزوجها بعده فحدث أنها عاقر لا تلد فطلقها قبل أن يجامعها فمكثت حياة عمر وبعض خلافة عثمان بن عفان ثم تزوجها عبد الله بن أبي ربيعة ، وهو مريض لتشرك نساءه في الميراث وكان بينها وبينه قرابة .

أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج [ ص: 109 ] عن عمرو بن دينار أنه سمع عكرمة بن خالد يقول أراد عبد الرحمن بن أم الحكم في شكواه أن يخرج امرأته من ميراثها منه فأبت فنكح عليها ثلاث نسوة وأصدقهن ألف دينار كل امرأة منهن فأجاز ذلك عبد الملك بن مروان وشرك بينهن في الثمن .

( قال الشافعي ) أرى ذلك صداق مثلهن ، ولو كان أكثر من صداق مثلهن لجاز النكاح وبطل ما زادهن على صداق مثلهن إذا مات من مرضه ذلك ; لأنه في حكم الوصية والوصية لا تجوز لوارث .

( قال الشافعي ) وبلغنا أن معاذ بن جبل قال في مرضه الذي مات فيه زوجوني لا ألقى الله تبارك وتعالى وأنا عزب .

( قال ) وأخبرني سعيد بن سالم أن شريحا قضى في نكاح رجل نكح عند موته فجعل الوارث والصداق في ماله .

( قال الشافعي ) ولو نكح المريض فزاد المنكوحة على صداق مثلها ، ثم صح ، ثم مات جازت لها الزيادة ; لأنه قد صح قبل أن يموت ، فكان كمن ابتدأ نكاحا ، وهو صحيح ، ولو كانت المسألة بحالها ، ثم لم يصح حتى ماتت المنكوحة فصارت غير وارث كان لها جميع ما أصدقها صداق مثلها من رأس المال والزياد من الثلث كما يكون ما وهب لأجنبية فقبضته من الثلث فما زاد من صداق المرأة على الثلث إذا ماتت مثل الموهوب المقبوض .

( قال الشافعي ) ولو كانت المسألة بحالها والمتزوجة ممن لا ترث بأن تكون ذمية ، ثم مات وهي عنده جاز لها جميع الصداق صداق مثلها من جميع المال والزيادة على صداق مثلها من الثلث ; لأنها غير وارث ، ولو أسلمت فصارت وارثا بطل عنها ما زاد على صداق مثلها
( قال الشافعي ) ولو نكح المريض امرأة نكاحا فاسدا ثم مات لم ترثه ، ولم يكن لها مهر إن لم يكن أصابها فإن كان أصابها فلها مهر مثلها كان أقل مما سمي لها ، أو أكثر .

( قال الشافعي ) ولو كانت لرجل أمة فأعتقها في مرضه ، ثم نكحها وأصدقها صداقا وأصابها - بقي الجواب قال الربيع أنا أجيب فيها وأقول ينظر فإن خرجت من الثلث كان العتق جائزا وكان النكاح جائزا بصداق مثلها إلا أن يكون الذي سمي لها من الصداق أقل من صداق مثلها فليس لها إلا ما سماه لها فإن كان أكثر من صداق مثلها ردت إلى صداق مثلها وكانت وارثة ، وإن لم تخرج من الثلث عتق منها ما احتمل الثلث وكان لها صداق مثلها بحساب ما عتق منها ، ولم تكن وارثة ; لأن بعضها رقيق .
هبات المريض

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وما ابتدأ المريض هبة في مرضه لوارث ، أو غير وارث فدفع إليه ما وهب له فإن كان وارثا ، ولم يصح المريض حتى مات من مرضه الذي وهب فيه فالهبة مردودة كلها ، وكذلك إن وهبه له ، وهو غير وارث ، ثم صار وارثا فإن استغل ما وهب له ، ثم مات الواهب قبل أن يصح رد الغلة ; لأنه إذا مات استدللنا على أن ملك ما وهب له كان في ملك الواهب ، ولو وهب لوارث ، وهو مريض ، ثم صح ، ثم مرض فدفع إليه الهبة في مرضه الذي مات فيه كانت الهبة مردودة ; لأن الهبة إنما تتم بالقبض وقبضه إياها كان ، وهو مريض ، ولو كانت الهبة ، وهو مريض ، ثم كان الدفع ، وهو صحيح ، ثم مرض فمات كانت الهبة تامة من قبل أنها تمت بالقبض ، وقد كان للواهب حبسها وكان دفعه إياها كهبته إياها ودفعه ، وهو صحيح .

( قال الشافعي ) ولو كانت الهبة لمن يراه يرثه فحدث دونه وارث فحجبه فمات ، وهو غير وارث أو لأجنبي كانت سواء ; لأن كليهما غير وارث ، فإذا كانت هبته لهما صحيحا ، أو مريضا وقبضهما الهبة ، وهو صحيح فالهبة لهما جائزة من رأس ماله خارجة من ملكه ، وكذلك لو كانت هبته ، وهو مريض ، ثم صح ، ثم مات كان ذلك كقبضهما ، وهو صحيح ، ولو كان قبضهما الهبة ، وهو مريض فلم يصح كانت الهبة [ ص: 110 ] وهو صحيح ، أو مريض فذلك سواء والهبة من الثلث مبدأة على الوصايا ; لأنها عطية بتات وما حمل الثلث منها جاز وما لم يحمل رد وكان الموهوب له شريكا للورثة بما حمل الثلث مما وهب له
( قال الشافعي ) وما نحل ، أو ما تصدق به على رجل بعينه فهو مثل الهبات لا يختلف ; لأنه لا يملك من هذا شيء إلا بالقبض وكل ما لا يملك إلا بالقبض فحكمه حكم واحد لا يختلف ، ألا ترى أن الواهب والناحل والمتصدق لو مات قبل أن يقبض الموهوب له والمنحول والمتصدق عليه ما صير لكل واحد منهم بطل ما صنع وكان مالا من مال الواهب الناحل المتصدق لورثته ؟ أولا ترى أن جائزا لمن أعطى هذا أن يرده على معطيه فيحل لمعطيه ملكه ويحل لمعطيه شراؤه منه وارتهانه منه ويرثه إياه فيملكه كما كان يملكه قبل خروجه من يده ؟

( قال الشافعي ) ولو كانت دار رجل أو عبده في يدي رجل بسكنى أو إجارة ، أو عارية فقال : قد وهبت لك الدار التي في يديك وكنت قد أذنت لك في قبضه لنفسك كانت هذه هبة مقبوضة للدار والعبد الذي في يديه ، ثم لم يحدث له منعا لما وهب له حتى مات علم أنه لها قابض

( قال الشافعي ) وما كان يجوز بالكلام دون القبض مخالف لهذا وذلك الصدقات المحرمات ، فإذا تكلم بها المتصدق وشهد بها عليه فهي خارجة من ملكه تامة لمن تصدق بها عليه لا يزيدها القبض تماما ، ولا ينقص منها ترك ذلك وذلك أن المخرج لها من ملكه أخرجها بأمر منعها به أن يكون ملكه منها متصرفا فيما يصرف فيه المال من بيع وميراث وهبة ورهن وأخرجها من ملكه خروجا لا يحل له أن يعود إليه بحال فأشبهت العتق في كثير من أحكامها ، ولم تخالفه إلا في المعتق يملك منفعة نفسه وكسبها وأن منفعة هذه مملوكة لمن جعلت له وذلك أنها لا تكون مالكة ، وإنما منعنا من كتاب الآثار في هذا أنه موضوع في غيره ، فإذا تكلم بالصدقة المحرمة صحيحا ، ثم مرض ، أو مريضا ، ثم صح فهي جائزة خارجة من ماله ، وإذا كان تكلم بها مريضا فلم يصح فهي من ثلثه جائزة بما تصدق به لمن جازت له الوصية بالثلث ومردودة عمن ترد عنه الوصية بالثلث .
" باب الوصية بالثلث " وفيه الوصية بالزائد على الثلث وشيء يتعلق بالإجارة ، ولم يذكر الربيع ترجمة تدل على الزائد على الثلث " .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تدل على أن لا يجوز لأحد وصية إذا جاوز الثلث مما ترك فمن أوصى فجاوز الثلث ردت وصاياه كلها إلى الثلث إلا أن يتطوع الورثة فيجيزون له ذلك فيجوز بإعطائهم ، وإذا تطوع له الورثة فأجازوا ذلك له فإنما أعطوه من أموالهم فلا يجوز في القياس إلا أن يكون يتم للمعطى بما يتم به له ما ابتدءوا به عطيته من أموالهم من قبضة ذلك ويرد بما رد به ما ابتدءوا من أموالهم إن مات الورثة قبل أن يقبضه الموصى له ( قال الشافعي ) فلو أوصى [ ص: 111 ] لرجل بثلث ماله ولآخر بنصفه ولآخر بربعه ، ولم تجز ذلك الورثة اقتسم أهل الوصايا الثلث على قدر ما أوصي لهم به يجزأ الثلث ثلاثة عشر جزءا فيأخذ منه صاحب النصف ستة وصاحب الثلث أربعة وصاحب الربع ثلاثة ، ولو أجاز الورثة اقتسموا جميع المال على أنه دخل عليهم عول نصف السدس فأصاب كل واحد منهم من العول نصف سدس وصيته واقتسموا المال كله كما اقتسموا الثلث حتى يكونوا سواء في العول .

( قال الشافعي ) ولو قال لفلان غلامي فلان ولفلان داري ووصفها ولفلان خمسمائة دينار فلم يبلغ هذا الثلث ، ولم تجزه لهم الورثة وكان الثلث ألفا والوصية ألفين وكانت قيمة الغلام خمسمائة وقيمة داره ألفا والوصية خمسمائة دخل على كل واحد منهم في وصيته عول النصف وأخذ نصف وصيته فكان للموصى له بالغلام نصف الغلام وللموصى له بالدار نصف الدار وللموصى له بالخمسمائة مائتان وخمسون دينارا لا تجعل وصية أحد منهم أوصي له في شيء بعينه إلا فيما أوصي له به ، ولا يخرج إلى غيره إلا ما سلمها الورثة فإن قال الورثة : لا نسلم له من الدار إلا ما لزمنا قيل له ثلث الدار شريك لكم بها إن شاء وشئتم اقتسمتم ويضرب بقيمة سدس الدار الذي جاز له من وصيته في مال الميت يكون شريكا لكم به وهكذا العبد وكل ما أوصي له به بعينه فلم تسلمه له الورثة والله تعالى الموفق .
باب الوصية في الدار والشيء بعينه

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ولو أوصى رجل لرجل بدار فقال داري التي كذا - ووصفها وصية - لفلان فالدار له بجميع بنائها وما ثبت فيها من باب وخشب وليس له متاع فيها ، ولا خشب ، ولا أبواب ليست بثابتة في البناء ، ولا لبن ، ولا حجارة ، ولا آجر لم يبن به ; لأن هذا لا يكون من الدار حتى يبنى به فيكون عمارة للدار ثابتة فيها ، ولو أوصى له بالدار فانهدمت في حياة الموصي لم يكن له ما انهدم من الدار وكان له ما بقي لم ينهدم من الدار وما ثبت فيها لم ينهدم منها من خشب وأبواب وغيره ، ولو جاء عليها سيل فذهب بها أو ببعضها بطلت وصيته ، أو بطل منها ما ذهب من الدار وهكذا لو أوصى له بعبد فمات ، أو اعور ، أو نقص منه شيء بعينه فذهب لم يكن له فيما بقي من الثلث سوى ما أوصى له به شيء ; لأن ما أوصى له به قد ذهب وهكذا كل ما أوصى له به بعينه فهلك ، أو نقص وهكذا لو أوصى له بشيء فاستحق على الموصي بشيء بشراء ، أو هبة ، أو غصب بطلت الوصية ; لأنه أوصى له بما لا يملك
[ ص: 112 ] باب الوصية بشيء بصفته

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا أوصى رجل لرجل بعبد فقال له غلامي البربري ، أو غلامي الحبشي أو نسبه إلى جنس من الأجناس وسماه باسمه ، ولم يكن له عبد من ذلك الجنس يسمى بذلك الاسم كان غير جائز ، ولو زاد فوصفه وكان له عبد من ذلك الجنس يسمى باسمه وتخالف صفته صفته كان جائزا له .

( قال الربيع ) أخاف أن يكون هذا غلطا من الكاتب ; لأنه لم يقرأ على الشافعي ، ولم يسمع منه والجواب فيها عندي أنه إن وافق اسمه أنه إن أوصى له بغلام وسماه باسمه وجنسه ووصفه فوجدنا له غلاما بذلك الاسم والجنس غير أنه مخالف لصفته كأنه قال في صفته : أبيض طوال حسن الوجه فأصبنا ذلك الاسم والجنس أسود قصيرا أسمج الوجه لم نجعله له .

( قال الشافعي ) ولو كان سماه باسمه ونسبه إلى جنسه فكان له عبدان أو أكثر من ذلك الجنس فاتفق اسماهما وأجناسهما لا تفرق بينهما صفة ، ولم تثبت الشهود أيهما أراد .

( قال الربيع ) ففيها قولان أحدهما أن الشهادة باطلة إذا لم يثبتوا العبد بعينه كما لو شهدوا لرجل على رجل أن له هذا العبد ، أو هذه الجارية أن الشهادة باطلة ; لأنهم لم يثبتوا العبد بعينه .

والقول الثاني أن الوصية جائزة في أحد العبدين وهما موقوفان بين الورثة والموصى له حتى يصطلحوا ; لأنا قد عرفنا أن له أحدهما ، وإن كان بغير عينه .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #160  
قديم 23-08-2022, 09:36 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,902
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الرابع

الحلقة (160)
صــــــــــ 113 الى صـــــــــــ119







باب المرض الذي تكون عطية المريض فيه جائزة ، أو غير جائزة

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى المرض مرضان فكل مرض كان الأغلب منه أن الموت مخوف منه فعطية المريض فيه إن مات في حكم الوصايا وكل مرض كان الأغلب منه أنه غير مخوف فعطية المريض فيه كعطية الصحيح ، وإن مات منه ، فأما المرض الذي الأغلب منه أن الموت مخوف منه فكل حمى بدأت بصاحبها حتى جهدته أي حمى كانت ، ثم إذا تطاولت فكلها مخوف إلا الربع فإنها إذا استمرت بصاحبها ربعا كان الأغلب فيها أنها غير مخوفة فما أعطى الذي استمرت به حمى الربع ، وهو في حماه فهو كعطية الصحيح وما أعطى من به حمى غير ربع فعطية مريض ، فإن كان مع الربع غيرها من الأوجاع وكان ذلك الوجع مخوفا فعطيته كعطية المريض ما لم يبرأ من ذلك الوجع وذلك مثل البرسام والرعاف الدائم وذات الجنب والخاصرة والقولنج وما أشبه هذا وكل واحد من هذا انفرد فهو مرض مخوف ، وإذا ابتدأ البطن بالرجل فأصابه يوما أو يومين لا يأتي فيه دم ، ولا شيء غير ما يخرج من الخلاء لم يكن مخوفا ، فإن استمر به بعد يومين حتى يعجله ، أو يمنعه نوما ، أو يكون منخرقا فهو مخوف [ ص: 113 ] وإن لم يكن البطن منخرقا وكان معه زحير ، أو تقطيع فهو مخوف ( قال ) وما أشكل من هذا أن يخلص بين مخوفه وغير مخوفه سئل عنه أهل العلم به ، فإن قالوا : هو مخوف لم تجز عطيته إذا مات إلا من ثلثه ، وإن قالوا : لا يكون مخوفا جازت عطيته جواز عطية الصحيح ، ومن ساوره الدم حتى تغير عقله أو تغلبه ، وإن لم يتغير عقله ، أو المزار فهو في حاله تلك مخوف عليه ، وإن تطاول به كان كذلك ، ومن ساوره البلغم كان مخوفا عليه في حال مساورته ، فإن استمر به فالج فالأغلب أن الفالج يتطاول به وأنه غير مخوف المعاجلة ، وكذلك إن أصابه سل فالأغلب أن السل يتطاول ، وهو غير مخوف المعاجلة ، ولو أصابه طاعون فهذا مخوف عليه حتى يذهب عنه الطاعون ، ومن أنفذته الجراح حتى تصل منه إلى جوف فهو مخوف عليه ومن أصابه من الجراح ما لا يصل منه إلى مقتل فإن كان لا يحم عليها ، ولا يجلس لها ، ولا يغلبه لها وجع ، ولا يصيبه فيها ضربان ولا أذى ، ولم يأكل ويرم فهذا غير مخوف ، وإن أصابه بعض هذا فهو مخوف .

( قال الشافعي ) : ثم جميع الأوجاع التي لم تسم على ما وصفت يسأل عنها أهل العلم بها فإن قالوا مخوفة فعطية المعطي عطية مريض ، وإن قالوا : غير مخوفة فعطيته عطية صحيح ، وأقل ما يكون في المسألة عن ذلك والشهادة به شاهدان ذوا عدل .
باب عطية الحامل وغيرها ممن يخاف

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وتجوز عطية الحامل حتى يضربها الطلق لولاد ، أو إسقاط فتكون تلك حال خوف عليها إلا أن يكون بها مرض غير الحمل مما لو أصاب غير الحامل كانت عطيتها عطية مريض ، وإذا ولدت الحامل فإن كان بها وجع من جرح ، أو ورم ، أو بقية طلق ، أو أمر مخوف فعطيتها عطية مريض ، وإن لم يكن بها من ذلك شيء فعطيتها عطية صحيح .

( قال الشافعي ) فإن ضربت المرأة ، أو الرجل بسياط ، أو خشب ، أو حجارة فثقب الضرب جوفا أو ورم بدنا ، أو حمل قيحا فهذا كله مخوف ، وهو قبل أن يبلغ هذا في أول ما يكون الضرب إن كان مما يصنع مثله مثل هذا مخوف ، فإن أتت عليه أيام يؤمن فيها أن يبقى بعدها وكان مقتلا فليس بمخوف .
باب عطية الرجل في الحرب والبحر

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وتجوز عطية الرجل في الحرب حتى يلتحم فيها ، فإذا التحم كانت عطيته كعطية المريض كان محاربا مسلمين ، أو عدوا .

( قال الربيع ) وله فيما أعلم قول آخر : أن عطيته عطية الصحيح حتى يجرح .

( قال ) وقد قال : لو قدم في قصاص ; لضرب عنقه إن عطيته عطية الصحيح ; لأنه قد يعفى عنه ، فإذا أسر فإن كان في أيدي المسلمين جازت عطيته في ماله ، وإن كان في أيدي مشركين لا يقتلون أسيرا فكذلك ، وإن كان في أيدي مشركين يقتلون الأسرى ويدعونهم فعطيته عطية المريض ; لأن الأغلب منهم أن يقتلوا وليس يخلو المرء في حال أبدا من رجاء الحياة وخوف الموت لكن إذا كان الأغلب عنده ، وعند غيره الخوف عليه فعطيته عطية مريض ، وإذا كان الأغلب عنده ، وعند غيره الأمان عليه مما نزل به من وجع أو إسار ، أو حال كانت عطيته عطية الصحيح ( قال الشافعي ) وإن [ ص: 114 ] كان في مشركين يفون بالعهد فأعطوه أمانا على شيء يعطيهموه ، أو على غير شيء فعطيته عطية الصحيح .
باب الوصية للوارث

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى أخبرنا سفيان عن سليمان الأحول عن مجاهد يعني في حديث { لا وصية لوارث } .

( قال الشافعي ) ورأيت متظاهرا عند عامة من لقيت من أهل العلم بالمغازي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته عام الفتح { لا وصية لوارث } ، ولم أر بين الناس في ذلك اختلافا ، وإذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا وصية لوارث } فحكم الوصية لوارث حكم ما لم يكن فمتى أوصى رجل لوارث وقفنا الوصية فإن مات الموصي والموصى له وارث فلا وصية له ، وإن حدث للموصي وارث يحجبه ، أو خرج الموصى له من أن يكون يوم يموت وارثا له ، بأن يكون أوصى صحيحا لامرأته ، ثم طلقها ثلاثا ، ثم مات مكانه فلم ترثه فالوصية لها جائزة لأنها غير وارثة ، وإنما ترد الوصية وتجوز إذا كان لها حكم ، ولا يكون لها حكم إلا بعد موت الموصي حتى تجب ، أو تبطل .

ولو أوصى لرجل وله دونه وارث يحجبه فمات الوارث قبل الموصي فصار الموصى له وارثا أو لامرأة ، ثم نكحها ومات وهي زوجته بطلت الوصية لهما معا ; لأنها صارت وصية لوارث ، ولو أوصى لوارث وأجنبي بعبد ، أو أعبد ، أو دار ، أو ثوب ، أو مال مسمى ما كان بطل نصيب الوارث وجاز للأجنبي ما يصيبه ، وهو النصف من جميع ما أوصى به للوارث والأجنبي ، ولكن لو قال أوصيت بكذا لفلان وفلان فإن كان سمى للوارث ثلثا وللأجنبي ثلثي ما أوصى به جاز للأجنبي ما سمي له ورد عن الوارث ما سمي له ، ولو كان له ابن يرثه ولابنه أم ولدته أو حضنته ، أو أرضعته ، أو أب أرضعه ، أو زوجة ، أو ولد لا يرثه أو خادم ، أو غيره فأوصى لهؤلاء كلهم ، أو لبعضهم جازت لهم الوصية ; لأن كل هؤلاء غير وارث ، وكل هؤلاء مالك لما أوصى له به ; لملكه ماله إن شاء منعه ابنه ، وإن شاء أعطاه إياه ، وما أحد أولى بوصيته من ذوي قرابته ومن عطف على ولده ولقد ذكر الله تبارك وتعالى الوصية فقال { إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين } وأن الأغلب من الأقربين ; لأنهم يبتلون أولاد الموصي بالقرابة ، ثم الأغلب أن يزيدوا وأن يبتلوهم بصلة أبيهم لهم بالوصية وينبغي لمن منع أحدا مخافة أن يرد على وارث أو ينفعه أن يمنع ذوي القرابة وأن لا يعتق العبيد الذين قد عرفوا بالعطف على الورثة ، ولكن لا يمنع أحد وصية غير الوارث بالخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وما لا يختلف فيه من أحفظ عنه ممن لقيت .
باب ما يجوز من إجازة الوصية للوارث وغيره وما لا يجوز

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وإذا أراد الرجل أن يوصي لوارث فقال للورثة إني أريد أن أوصي بثلثي لفلان وارثي فإن أجزتم ذلك فعلت ، وإن لم تجيزوا أوصيت بثلثي لمن تجوز الوصية له فأشهدوا له على أنفسهم بأن قد أجازوا له جميع ما أوصى له وعلموه ، ثم مات فخير لهم فيما بينهم وبين الله عز وجل أن يجيزوه ; لأن في ذلك صدقا ووفاء بوعد وبعدا من غدر وطاعة للميت وبرا للحي فإن لم يفعلوا لم يجبرهم الحاكم على إجازته ، ولم يخرج ثلث مال الميت في شيء إذا لم يخرجه هو فيه ، وذلك أن [ ص: 115 ] إجازتهموه قبل أن يموت الميت لا يلزمهم بها حكم من قبل أنهم أجازوا ما ليس لهم ، ألا ترى أنهم قد يكونون ثلاثة واثنين وواحدا فتحدث له أولاد أكثر منهم فيكونون أجازوا كل الثلث إنما لهم بعضه ويحدث له وارث غيرهم يحجبهم ويموتون قبله فلا يكونون أجازوا في واحدة من الحالين في شيء يملكونه بحال ، وإن أكثر أحوالهم فيه أنهم لا يملكونه أبدا إلا بعدما يموت أولا ترى أنهم لو أجازوها لوارث كان الذي أجيزت له الوصية قد يموت قبل الموصي ، فلو كان ملك الوصية بوصية الميت وإجازتهم ملكها كان لم يملكها ، ولا شيء من مال الميت إلا بموته وبقائه بعده فكذلك الذين أجازوا له الوصية أجازوها فيما لا يملكون ، وفيما قد لا يملكونه أبدا .

( قال ) وهكذا لو استأذنهم فيما يجاوز الثلث من وصيته فأذنوا له به وهكذا لو قال رجل منهم ميراثي منك لأخي فلان ، أو لبني فلان لم يكن له ; لأنه أعطاه ما لم يملك وهكذا لو استأذنهم في عتق عبيد له أعتقهم بعد موته فلم يخرجوا من الثلث كان لهم رد من لا يخرج من الثلث منهم وخير في هذا كله أن يجيزوه ، ولكنه لو أوصى لوارث بوصية فقال : فإن أجازها الورثة وإلا فهي لفلان رجل أجنبي ، أو في سبيل الله ، أو في شيء مما تجوز له الوصية به مضى ذلك على ما قال إن أجازها الورثة جازت ، وإن ردوها فذلك لهم وعليهم أن ينفذوها لمن أوصى له بها إن لم تجزها الورثة ; لأنها وصية لغير وارث ، وكذلك لو أوصى بوصية لرجل فقال : فإن مات قبلي فما أوصيت له به لفلان ، فمات قبله كانت الوصية لفلان ، وكذلك لو قال لفلان ثلثي إلا أن يقدم فلان فقدم فلان هذا البلد فهو له جاز ذلك على ما قال .
باب ما يجوز من إجازة الورثة للوصية وما لا يجوز

أخبرنا الربيع قال ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ، وإذا أوصى الميت لمن لا تجوز له وصيته من وارث أو غيره ، أو بما لا تجوز به مما جاوز الثلث فمات ، وقد علموا ما أوصى به وترك ، فقالوا : قد أجزنا ما صنع ففيها قولان : أحدهما : أن قولهم بعد علمهم وقصهم ميراثه لهم قد أجزنا ما صنع جائز لمن أجازوه له كهبته لو دفعوه إليه من أيديهم ، ولا سبيل لهم في الرجوع فيه ومن قال هذا القول قال إن الوصاية بعد الموت مخالفة عطايا الأحياء التي لا تجوز إلا بقبض من قبل أن معطيها قد مات ، ولا يكون مالكا قابضا لشيء يخرجه من يديه ، وإنما هي إدخال منه لأهل الوصية على الورثة فقوله في وصيته يثبت لأهل الوصية فيما يجوز لهم يثبت لهم ما يثبت لأهل الميراث ، وإذا كان هكذا فأجاز الورثة بعد علمهم وملكهم فإنما قطعوا حقوقهم من مواريثهم عما أوصى به الميت مضى على ما فعل منه جائز له جواز ما فعل مما لم يردوه وليس ما أجازوا لأهل الوصايا بشيء في أيديهم فيخرجونه إليهم إنما هو شيء لم يصر إليهم إلا بسبب الميت ، وإذا سلموا حقوقهم سلم ذلك لمن سلموه له كما يبرءون من الدين والدعوى فيبرأ منها من أبرءوه ويبرءون من حقوقهم من الشفعة فتنقطع حقوقهم فيها ، ولهذا وجه محتمل ، والقول الثاني : أن يقول ما ترك الميت مما لا تجوز له الوصية به فهو ملك نقله الله تعالى إليهم فكينونته في أيديهم وغير كينونته سواء .

وإجازتهم ما صنع الميت هبة منهم لمن وهبوه له فمن دفعوه إليه جاز له ولهم الرجوع ما لم يدفعوه كما [ ص: 116 ] تكون لهم أموال ودائع في أيدي غيرهم فيهبون منها الشيء لغيرهم فلا تتم له الهبة إلا بالقبض ، ولهذا وجه محتمل والله تعالى أعلم ، وإن قالوا أجزنا ما صنع ، ولا نعلمه وكنا نراه يسيرا انبغى في الوجهين جميعا أن يقال أجيزوا يسيرا واحلفوا ما أجزتموه إلا وأنتم ترونه هكذا ، ثم لهم الرجوع فيما بقي ، وكذلك إن كانوا غيبا ، وإن أقيمت عليهم البينة بأنهم علموه جازت عليهم في قول من أجاز إجازتهم بغير قبض ، وإنما تجوز عليهم إذا أوصى بثلثي ماله ، أو بماله كله أو بجزء معلوم منه إن علموا كم ترك كأن أوصى بشيء يسميه فقال لفلان كذا وكذا دينارا ولفلان عبدي فلان ولفلان من إبلي كذا وكذا فقالوا قد أجزنا له ذلك ، ثم قالوا إنما أجزنا ذلك ونحن نراه يجاوز الثلث بيسير لأنا قد عهدنا له مالا فلم نجده أو عهدناه غير ذي دين فوجدنا عليه دينا ففيه قولان أحدهما أن يقال هذا يلزمهم في قول من أجاز إجازتهم ; لأنهم أجازوا ما يعرفون وما لا يعذرون بجهالتهم والآخر أن لهم أن يحلفوا ويردوا الآن هذا إنما يجوز من مال الميت ويقال لهم - إذا احلفوا - : أجيزوا منه ما كنتم ترونه يجاوز الثلث سدسا كان أو ربعا ، أو أقل ، أو أكثر .
باب اختلاف الورثة

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وإن أجاز بعض الورثة فيما تلزم الإجازة فيه ، ولم يجز بعضهم جاز في حصة من أجاز ما أجاز كأن الورثة كانوا اثنين فيجب للموصى له نصف ما أوصى له به مما جاوز الثلث .

( قال الشافعي ) ولو كان في الورثة صغير ، أو بالغ محجور عليه ، أو معتوه لم يجز على واحد من هؤلاء أن يجيز في نصيبه بشيء جاوز الثلث من الوصية ، ولم يكن لولي واحد من هؤلاء أن يجيز ذلك في نصيبه ، ولو أجاز ذلك في ماله كان ضامنا له في ماله ، وإن وجد في يدي من أجيز له أخذ من يديه وكان للولي أن يتبع من أعطاه إياه بما أعطى منه ; لأنه أعطاه ما لا يملك .
. الوصية للقرابة

( قال الشافعي ) رحمه الله وإذا أوصى الرجل فقال : ثلث مالي لقرابتي أو لذوي قرابتي ، أو لرحمي ، أو لذوي رحمي ، أو لأرحامي ، أو لأقربائي ، أو قراباتي فذلك كله سواء والقرابة من قبل الأم والأب في الوصية سواء وأقرب قرابته وأبعدهم منه في الوصية سواء الذكر والأنثى والغني والفقير والصغير والكبير ; لأنهم أعطوا باسم القرابة فاسم القرابة يلزمهم معا كما أعطي من شهد القتال باسم الحضور .

وإذا كان الرجل من قبيلة من قريش فأوصى في قرابته فلا يجوز إذا كان كل من يعرف نسبه إلا أن يكون بينه وبين من يلقاه إلى أب ، وإن بعد قرابة ، فإذا كان المعروف عند العامة أن من قال من قريش لقرابتي لا يريد جميع قريش ، ولا من هو أبعد منهم ومن قال : لقرابتي لا يريد أقرب الناس ، أو ذوي قرابة أبعد منه بأب ، وإن كان قريبا صير إلى المعروف من قول العامة ذوي قرابتي فينظر إلى القبيلة التي ينسب إليها ؟ فيقال : من بني عبد مناف ، ثم يقال : قد يتفرق بنو عبد مناف فمن أيهم ؟ فيقال من بني المطلب فيقال أيتميز بنو المطلب ؟ قيل : نعم هم قبائل فمن أيهم ؟ قيل : من بني عبد يزيد بن هاشم بن المطلب فيقال أفيتميز هؤلاء ؟ قيل : نعم هم قبائل قيل فمن أيهم ؟ قيل : من بني عبيد بن عبد يزيد قيل أفيتميز هؤلاء ؟ [ ص: 117 ] قيل نعم هم بنو السائب بن عبيد بن عبد يزيد قيل : وبنو شافع وبنو علي وبنو عباس وكل هؤلاء من بني السائب ، فإن قيل : أفيتميز هؤلاء ؟ قيل : نعم كل بطن من هؤلاء يتميز عن صاحبه ، فإذا كان من آل شافع فقال لقرابته فهو لآل شافع دون آل علي وآل عباس ، وذلك أن كل هؤلاء يتميزون ظاهر التمييز من البطن الآخر يعرف ذلك منهم إذا قصدوا آباءهم دون الشعوب والقبائل في آبائهم ، وفي تناصرهم وتناكحهم ويحول بعضهم لبعض على هؤلاء الذين معهم .
ولو قال : ثلث مالي لأقرب قرابتي ، أو لأدنى قرابتي ، أو لألصق قرابتي كان هذا كله سواء ونظرنا إلى أقرب الناس منه رحما من قبل أبيه وأمه فأعطيناه إياه ، ولم نعطه غيره ممن هو أبعد منه كأنا وجدنا له عمين وخالين وبني عم وبني خال وأعطينا المال عميه وخاليه سواء بينهم دون بني العم والخال ; لأنهم يلقونه عند أبيه وأمه قبل بني عمه وخاله وهكذا لو وجدنا له إخوة لأب وإخوة لأم وعمين وخالين أعطينا المال إخوته لأبيه وإخوته لأمه دون عميه وخاليه ; لأنهم يلقونه عند أبيه وأمه الأدنيين قبل عميه وخاليه ، ولو كان مع الإخوة للأب والإخوة للأم إخوة لأب وأم كان المال لهم دون الإخوة للأب والإخوة للأم ; لأنا إذا عددنا القرابة من قبل الأب والأم سواء فجمع الإخوة للأب والأم قرابة الأب والأم كانوا أقرب بالميت ، ولو كان مع الإخوة للأب والأم ولد ولد متسفل لا يرث كان المال له دون الإخوة ; لأنه ابن نفسه ، وابن نفسه أقرب إليه من ابن أبيه ، ولو كان مع ولد الولد المستفل جد كان الولد أولى منه ، وإن كان جدا أدنى .

( قال ) : ولو كان مع الإخوة للأب أو الأم جد كان الإخوة أولى من الجد في قول من قال الإخوة أولى بولاء الموالي من الجد ; لأنهم أقرب منه وأنهم يلقون الميت قبل أن يصير الميت إلى الجد ، ولو قال في هذا كله ثلث مالي لجماعة من قرابتي فإن كان أقرب الناس به ثلاثة فصاعدا فهو لهم وسواء كانوا رجالا أو نساء ، وإن كانوا اثنين ، ثم الذين يلونهم واحد ، أو أكثر كان للاثنين الثلثان من الثلث وللواحد فأكثر ما بقي من الثلث ، وإن كانوا واحدا فله ثلث الثلث ولمن يليه من قرابته إن كانوا اثنين فصاعدا ثلثا الثلث ، ولو كان أقرب الناس واحدا والذي يليه في القرابة واحد أخذ كل واحد منهما ثلث الثلث وأخذ الذين يلونهما في القرابة واحد أو أكثر الثلث الباقي سواء بينهم .
باب الوصية لما في البطن والوصية بما في البطن

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وتجوز الوصية بما في البطن ولما في البطن إذا كان مخلوقا يوم وقعت الوصية ، ثم يخرج حيا ، فلو قال رجل : ما في بطن جاريتي فلانة لفلان ، ثم توفي فولدت جاريته لأقل من ستة أشهر من يوم تكلم بالوصية كان لمن أوصى له به ، وإن ولدت لستة أشهر فأكثر لم يكن له ; لأنه قد يحدث الحمل فيكون الحمل الحادث غير الذي أوصي به ، ولو قال : ولد جاريتي ، أو جاريتي أو عبد بعينه وصية لما في بطن فلانة امرأة يسميها بعينها فإن ولدت تلك المرأة لأقل من ستة أشهر من يوم تكلم بالوصية فالوصية جائزة ، وإن ولدت لستة أشهر من يوم تكلم بالوصية فأكثر فالوصية مردودة ; لأنه قد يحدث حمل بعد الوصية فيكون غير ما أوصى له ، وإن كان الحمل الذي أوصى به غلاما ، أو جارية ، أو غلاما وجارية ، أو أكثر كانت الوصية بهم كلهم جائزة لمن أوصى له بهم ، وإن كان الحمل الذي أوصى له غلاما وجارية ، أو أكثر كانت الوصية بينهم سواء على العدد ، وإن مات الموصي قبل أن تلد التي أوصى لحملها وقفت الوصية حتى تلد ، فإذا ولدت لأقل من ستة أشهر كانت الوصية له .
[ ص: 118 ] باب الوصية المطلقة والوصية على الشيء

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ومن أوصى فقال : إن مت من مرضي هذا ففلان - لعبد له - حر ولفلان كذا وصية ويتصدق عني بكذا ، ثم صح من مرضه الذي أوصى فيه ، ثم مات بعده فجأة ، أو من مرض غير ذلك المرض بطلت تلك الوصية ; لأنه أوصى إلى أجل ومن أوصى له وأعتق على شرط لم يكن ، وكذلك إذا حد في وصيته حدا فقال : إن مت في عامي هذا ، أو في مرضي هذا فمات من مرض سواه بطل فإن أبهم هذا كله وقال : هذه وصيتي ما لم أغيرها فهو كما قال وهي وصيته ما لم يغيرها ولكنه لو قال : هذا وأشهد أن وصيته هذه ثابتة ما لم يغيرها كانت وصيته نافذة .

( قال الشافعي ) وإن أوصى فقال : إن حدث بي حدث الموت وصية مرسلة ، ولم يحدد لها حدا ، أو قال : متى حدث بي حدث الموت ، أو متى مت فوصيته ثابتة ينفذ جميع ما فيها مما جاز له متى مات ما لم يغيرها .
باب الوصية للوارث

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى قال : الله عز وجل { كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين } الآية إلى " المتقين " وقال عز وجل في آي المواريث { ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث } وذكر من ورث جل ثناؤه في آي من كتابه .

( قال الشافعي ) واحتمل إجماع أمر الله تعالى بالوصية للوالدين والأقربين معنيين : أحدهما : أن يكون للوالدين والأقربين الأمران معا فيكون على الموصي أن يوصي لهم فيأخذون بالوصية ويكون لهم الميراث فيأخذون به واحتمل أن يكون الأمر بالوصية نزل ناسخا لأن تكون الوصية لهم ثابتة فوجدنا الدلالة على أن الوصية للوالدين والأقربين الوارثين منسوخة بآي المواريث من وجهين : أحدهما : أخبار ليست بمتصلة عن النبي صلى الله عليه وسلم من جهة الحجازيين منها أن سفيان بن عيينة أخبرنا عن سليمان الأحول عن مجاهد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لا وصيه لوارث } وغيره يثبته بهذا الوجه ووجدنا غيره قد يصل فيه حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل هذا المعنى ، ثم لم نعلم أهل العلم في البلدان اختلفوا في أن الوصية للوالدين منسوخة بآي المواريث واحتمل إذا كانت منسوخة أن تكون الوصية للوالدين ساقطة حتى لو أوصى لهما لم تجز الوصية وبهذا نقول ، وما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وما لم نعلم أهل العلم اختلفوا فيه يدل على هذا ، وإن كان يحتمل أن يكون وجوبها منسوخا .

وإذا أوصى لهم جاز ، وإذا أوصى للوالدين فأجاز الورثة فليس بالوصية أخذوا ، وإنما أخذوا بإعطاء الورثة لهم ما لهم ; لأنا قد أبطلنا حكم الوصية لهم فكان نص المنسوخ في وصية الوالدين وسمى معهم الأقربين جملة فلما كان الوالدان وارثين قسنا عليهم كل وارث ، وكذلك الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم فلما كان الأقربون ورثة وغير ورثة أبطلنا الوصية للورثة من الأقربين بالنص والقياس والخبر { ألا لا وصية لوارث } وأجزنا الوصية للأقربين ولغير الورثة من كان فالأصل في الوصايا لمن أوصى في كتاب الله عز وجل وما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وما لم أعلم من مضى من أهل العلم اختلفوا فيه في أن [ ص: 119 ] ينظر إلى الوصايا ، فإذا كانت لمن يرث الميت أبطلتها ، وإن كانت لمن لا يرثه أجزتها على الوجه الذي تجوز به وموجود عندي - والله تعالى أعلم - فيما وصفت من الكتاب وما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وحيث إن ما لم نعلم من مضى من أهل العلم اختلفوا فيه أنه إنما يمنع الورثة الوصايا لئلا يأخذوا مال الميت من وجهين ، وذلك أن ما ترك المتوفى يؤخذ بميراث ، أو وصية فلما كان حكمهما مختلفين لم يجز أن يجمع لواحد الحكمان المختلفان في حكم واحد وحال واحدة كما لا يجوز أن يعطى بالشيء وضد الشيء ، ولم يحتمل معنى غيره فإن ذهب ذاهب إلى أن يقول إنما لم تجز الوصية للوارث من قبل تهمة الموصي لأن يكون يحابي وارثه ببعض ماله .

فلولا أن العناء مستعل على بعض من يتعاطى الفقه ما كان فيمن ذهب إلى هذا المذهب عندي - والله أعلم - للجواب موضع ; لأن من خفي عليه هذا حتى لا يتبين له الخطأ فيه كان شبيها أن لا يفرق بين الشيء وضد الشيء فإن قال : قائل فأين هذا ؟ قيل له إن شاء الله تعالى أرأيت امرأ من العرب عصبته يلقونه بعد ثلاثين أبا قد قتل آباء عصبته آباءه وقتلهم آباؤه وبلغوا غاية العداوة بينهم بتسافك الدماء وانتهاك المحارم والقطيعة والنفي من الأنساب في الأشعار وغيرها وما كان هو يصطفي ما صنع بآبائه ويعادي عصبته عليه غاية العداوة ويبذل ماله في أن يسفك دماءهم وكان من عصبته الذين يرثونه من قتل أبويه فأوصى من مرضه لهؤلاء القتلة وهم ورثته مع غيرهم من عصبته كان الوارث معهم في حال عداوتهم ، أو كان له سلما به برا وله واصلا ، وكذلك كان آباؤهما أتجوز الوصية لأعدائه ، وهو لا يتهم فيهم ؟ .

فإن قال : لا قيل ، وكذلك لو كان من الموالي فكان مواليه قد بلغوا بآبائه ما بلغ بهم وبأبيهم ما وصفت من حال القربى فأوصى لورثته من مواليه ومعهم ابنته أتجوز الوصية لهم ، وهو لا يتهم فيهم ؟ فإن قال : لا . قيل : وهكذا زوجته لو كانت ناشزة منه عاصية له عظيمة البهتان وترميه بالقذف قد سقته سما لتقتله وضربته بالحديد لتقتله فأفلت من ذلك وبقيت ممتنعة منه وامتنع من فراقها إضرارا لها ، ثم مات فأوصى لها لم تجز وصيته ; لأنها وارث .

فإن قال : نعم : قيل .

ولو أن أجنبيا مات ليس له وارث أعظم النعمة عليه صغيرا وكبيرا وتتابع إحسانه عليه ، وكان معروفا بمودته فأوصى له بثلث ماله أيجوز ؟ فإن قال : نعم ، قيل : وهكذا تجوز الوصية له .

وإن كان ورثته أعداء له . فإن قال : نعم تجوز وصيته في ثلثه كان ورثته أعداء له ، أو غير أعداء . قيل له : أرأيت لو لم يكن في أن الوصية تبطل للوارث وأنه إذا خص بإبطال وصيته الوارث لم يكن فيها معنى إلا ما قلنا .

، ثم كان الأصل الذي وصفت لم يسبقك إليه أحد يعقل من أهل العلم شيئا علمناه أما كنت تركته ؟ أو ما كان يلزمك أن تزعم أنك تنظر إلى وصيته أبدا فإن كانت وصيته لرجل عدو له أو بغيض إليه ، أو غير صديق أجزتها ، وإن كان وارثا ، وإن كانت لصديق له ، أو لذي يد عنده أو غير عدو فأبطلتها ، وإذا فعلت هذا خرجت مما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ومما يدخل فيما لم يختلف فيه أهل العلم علمناه ، أورأيت لو كان له عبد يعلم أنه أحب الناس إليه وأوثقه في نفسه وأنه يعرف بتوليج ماله إليه في الحياة ولد ولد دون ولده ، ثم مات ولده فصار وارثه عدوا له فأعتق عبده في وصيته أليس يلزمك أن لا تجيز العتق لشأن تهمته فيه حيا إذ كان يؤثره بماله على ولد نفسه وميتا إذ كان عنده بتلك الحال وكان الوارث له عدوا ؟ أو رأيت لو كان وارثه له عدوا فقال : والله ما يمنعني أن أدع الوصية فيكون الميراث وافرا عليك إلا حب أن يفقرك الله ، ولا يغنيك .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 421.83 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 415.76 كيلو بايت... تم توفير 6.07 كيلو بايت...بمعدل (1.44%)]