أصحاب الأعذار في الصوم - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         السيول والأمطار دروس وعبر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          مضى رمضان.. فلا تبطلوا أعمالكم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          فضل علم الحديث ورجاله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          سورة العصر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          الترهيب من قطيعة الرحم من السنة النبوية المباركة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          لمحات في عقيدة الإسماعيلية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          عقيدة الشيعة فيك لم تتغير (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          شرح حديث: تابِعوا بينَ الحجِّ والعمرةِ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          كيف تعود عزة المسلمين إليهم؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          أدومه وإن قل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > فتاوى وأحكام منوعة

فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 22-05-2020, 01:39 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,466
الدولة : Egypt
افتراضي أصحاب الأعذار في الصوم

أصحاب الأعذار في الصوم


محفوظ بن ضيف الله شيحاني



أ- المسافِر والصَّوم:
1- إذا سافر المسلم وهو صائمٌ في رمضان وغيره، مسافة قَصْر، فقد رخَّصَ له الشارع في الفطر - تيسيرًا منه وتخفيفًا عليه - على أن يقضيَ ما أفطر فيه، عند حضوره ورجوعه من سفره؛ قال الله تعالى: ﴿ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَر ﴾ [البقرة: 184]، وعن عائشة رضي الله عنها أنَّ حمزة بن عَمْرٍو الأسلمِيَّ قال للنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَأَصُومُ في السَّفَرِ؟ - وكان كثيرَ الصِّيَام - فقال: «إِنْ شِئْتَ فَصُمْ، وَإِنْ شِئْتَ فَأَفْطِرْ»[1]، وفي رواية لمسلم: أنَّه قال: يا رَسُولَ الله، أَجدُ بي قُوَّةً على الصِّيام في السَّفر، فهلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ؟ فقال رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ):
« هِيَ رُخْصَةٌ مِنَ اللهِ، فَمَنْ أَخَذَ بِهَا، فَحَسَنٌ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَصُومَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ »؛ إلى غير ذلك من الأحاديثِ الصَّحيحة الكثيرة في هذا الباب[2].

2- وإن لم يجد المسلم مشقَّة بالصَّوم في السَّفر، فالصَّوم له أفضل، وإن وجدَ مشقة فالفطر له أفضل، وعلى كلِّ الأحوال فالفطرُ أولى وأحبُّ إلى الله تعالى؛ وذلك لقوله (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): «لَيْسَ مِنَ البِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ»[3].

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «سَافَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَانَ، فَلَمْ يَعِبِ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ، وَلَا الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ»[4].

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"ويجوزُ الفطر للمُسَافر باتِّفاق الأُمَّة، سواءٌ كان قادرًا على الصِّيام، أو عاجزًا، وسواء شقَّ عليه الصَّوم، أو لم يشُقَّ، بحيث لو كان مسافرًا في الظلِّ والماء ومعه من يخُدمهُ، جازَ له الفِطر والقصر"[5].

3- "وقد يتوهَّم بعض النَّاس أنَّ الفطر في هذه الأيام في السفر غير جائز، أو أنَّه خلاف الأولى، بسبب تيسُّر المواصلات، وتوَفُّر سُبُل الرَّاحة فيها، فهؤلاء نذكِّرهم بقول الله تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا ﴾ [مريم: 64]، وبقوله سبحانه: ﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 232]. فتشريع الله للنَّاس تشريع دائم لا يختصُّ بجزءٍ من الأمَّة دون بقيَّة الأمَّة، ولا بزمنٍ دون زمن، ولا بمكانٍ دون مكان، ذلك أنَّ منزِّل هذا الشرع هو خالقُ الإنسان والزَّمان والمكان، العليم الخبير الذي يعلمُ حاجة النَّاس، وما يصلحهم وما يَصلحُ لهم، وقد يوضِّح هذا ما نشره بعض الباحثين الخبراء، من أنَّ انتقال الجسم المفاجئ السَّريع من بلدٍ إلى بلد، له تأثير سيِّئٌ على الجسم، وقد يفقد الإنسان قواه لحين من الوقت، ويؤثِّر على حواسِّه.

أسوق هذا لنعلم أنَّه قد يكون وراء تشريع الله من الحِكَمِ ما لا نعرفه، ثم قد يتكشفُ أو لا يُتكشَف، فلا يجوز أن نُخضِع أحكام الله لآرائِنا وعقولنا، بل يجبُ أن يكون موقفنا؛ كما قال الله تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ﴾ [الأحزاب: 36]"[6].

فالسَّفر بالوسائِل العصريَّة: كالقطارات، والسُّفن البحريَّة، والطَّائرات، ونحوها من الوسائل المريحة، لا يُسقط الرُّخصة الشَّرعية التي تصدَّق الله تبارك وتعالى بها علينا - وهي الإفطار في السَّفر - فقد قال الله تعالى: ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ [البقرة: 180].

4- وإذا نوى المسافر الصِّيام بالليل، وشرَع فيه، جاز له الفطر أثناء النَّهار، كما يجوز له أن يفطر إذا أصبح، ونوى السَّفر أثناء النَّهار.

فعن جابِرِ بن عبدالله رضي اللهُ عنهُمَا أَنَّ رَسُولَ الله (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) خرجَ عام الفَتحِ إلى مَكَّةَ في رمضان، فصَام حتَّى بلغ كُرَاعَ الغَمِيمِ، فصام النَّاسُ، ثُمَّ دعا بِقَدَحٍ من ماءٍ فرَفَعَه، حَتَّى نظر النَّاس إليه، ثُمَّ شَرِبَ، فقيل لَهُ بعد ذلك: إِنَّ بَعضَ النَّاس قد صَامَ، فقال: «أُولَئِكَ الْعُصَاةُ، أُولَئِكَ الْعُصَاةُ»[7].

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"وإذا سافرَ في أثناء يومٍ، فهل يجوزُ له الفطر؟ على قولينِ مشهورين للعلماءِ، هما روايتانِ عن أحمَد أظهرهُما: أنه يجوزُ ذلك، كما ثبتَ في السُّنن أنَّ من الصَّحابة من كان يُفطر إذا خرج من يومه، ويذكُرُ أنَّ ذلك سُنة النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، وقد ثبت في الصَّحيح عن النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أنَّهُ نَوَى الصَّوم في السَّفَرِ، ثُمَّ إنَّه دَعَا بِمَاءِ فأَفطَرَ، والنَّاسُ يَنظُرُونَ إليه"[8].

5- ومن السُّنةِ أن يُفطر المسافر في بيته قبل أن يخرجَ منه، فقد كان الصَّحابة رضي الله عنهم حين يُنْشِؤُونَ السَّفر، يُفطرونَ من غير اعتبار مُجاوزةِ البيوت، ويُخبِرُونَ أنَّ ذلك سُنَّتُهُ وَهَدْيُهُ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، وهذا بعكس القصْرِ في الصَّلاة في السَّفر، فلا يبتدَئُ به حتى يخرج من بيته، ويتجاوز بيوت بلده، ويفارق مكان إقامته، من قريةٍ، أو مدينةٍ، أو خيام، وهذا قول جمهور العُلماء من السَّلفِ والخلف.

فعن جَعْفَر بن جَبْرٍ قال: "كنتُ مع أبي بَصْرَةَ الغِفاري صاحب النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) في سفينة من الفُسْطاَط في رمضان، فَرُفِعَ ثُمَّ قُرِّبَ غَدَاهُ، قال جعْفَر في حديثِهِ: فَلَمْ يُجَاوِزِ البُيُوتَ حتَّى دَعَا بِالسُّفْرَةِ، قال: اقتَرِب قلتُ: ألَسْتَ تَرَى البُيوتَ، قال أَبُو بَصْرَةَ «أَتَرْغَبُ عَنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»، وفي لفظ أحمد: "فقلتُ: يا أبا بَصْرَةَ، واللَّه ما تَغَيَّبَتْ عَنَّا مَنَازِلُنَا بَعْدُ؟ فقال: «أَتَرْغَبُ عَن سُنَّةِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟» قلتُ: لا، قال: فَكُلْ فَلَم نَزَلْ مُفْطِرِينَ حتَّى بَلَغْنَا مَاحُوزَنَا"[9].

وعن محمَّدِ بن كَعْبٍ أنَّه قال: "أَتَيْتُ أنسَ بن مالكٍ في رمضَانَ وهو يُريدُ سَفَرًا، وقد رُحِلَتْ لهُ رَاحِلَتُهُ، ولبسَ ثيابَ السَّفرِ، فدعَا بطعامٍ فأكلَ، فقلتُ له: سُنَّةٌ؟ قال: سُنَّةٌ ثمَّ ركبَ"[10].

ب- المريضُ والصَّوم:
1- وقد أباحَ الله تعالى للمريض الفطرَ رحمةً به، وتيسيرًا عليه، ورِعَايةً لضعفه، قال تعالى: ﴿ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾. [البقرة: 185].

والمرضُ المبيح للفطر، والموجِب للرُّخصَة، هو الذي يؤدِّي مع الصَّوم إلى ضررٍ في النَّفس، أو زيادة عِلَّة، أو يُخشى معه تأخُّر الشِّفاء، ويعرف ذلك بالتَّجربة تجربة المريض، أو من يثق به ممن يُعاني نفس المرض، أو بإِخبار طبيب ثقةٍ في دينه وطبِّه، والأفضل أنْ يكونَ من أهل الاختصاص، أو بغلبةِ الظَّن، وهي كافيةٌ في الأحكام العمليَّة، وإذا صام المريضُ، وتحمَّل المشقَّة، صحَّ صومه وأجزأه، ولا قضاء عليه، إلا أنَّه يُكره له ذلك لإِعراضهِ عن الرُّخصة التي يحبُّها الله تعالى، وقد يلحقهُ بذلك ضَرَرٌ في نفسه، وعلى المريض القضاء بعددِ الأيام التي أفطرَ فيها، بعد أن يعافى من مرضه؛ لقوله تعالى: ﴿ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ﴾ [البقرة: 185].

2- والصَّحيح أن الذي يخافُ المرض بالصِّيام، يُفطر مثل المريض، وكذلك من غلبه الجوعُ أو العَطش، فخافَ الهلاك، لزمه الفِطر، وإن كان صحيحًا مُقِيمًا، وعليه القَضَاء؛ قال الإمام الشوكاني رحمه الله: "ووجوب الإفطار لخشية التَّلفِ معلوم من قواعد الشَّريعة كُلياتها وجزئياتها؛ كقوله تعالي: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ﴾ [النّساء: 29]، و﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾ [التغابن: 16]، وحفظ النَّفس واجبٌ، ولم يتعبد الله عباده بما يُخشى منه تلف الأنفس، وقد رخَّص لهم في الإفطار في السَّفر؛ لأنَّه مَظنَّة المشقَّة، فكيف لا يجوز لخشية التَّلف أو الضَّرَر"[11].

ج- الشَّيخ الكبير، والمرأة العجوز، وذو المرض المُزمِن:
1- ومن أصحاب الأعذار أيضًا: الشَّيخ الكبير الهَرِم الفاني الذي وهنَ العظم منه، وبلغ من الكبرِ عِتيًّا، ومثله المرأة العجوز التي أضعَفها الكبر، والمريض المزمِن - الذي لا يُرجى برؤه من مرضه - فهؤلاء إذا كان الصِّيام يجهدهم، ويشقُّ عليهم مشقَّة شديدةً، فإنَّه يُرخَّص لهم في الفطر، ولا صوم عليهم، بإجماع العُلماءِ (كما نقلَ ذلك ابن المنذر في "الإجماع"، وغيره[12])، وإنما عليهم الفِدية يُطعمون عن كلِّ يوم مسكينًا، والدَّليل على ذلك، قوله تعالى: ﴿ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ﴾ [البقرة: 184]، وقد صحَّ النقل عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما أنَّه قال في تفسير الآية: "ليستْ بمنسُوخةٍ، هو الشَّيخ الكبير، والمرأة الكبيرةُ لا يسْتَطيعانِ أن يصومَا، فيُطعِمانَ مكان كلِّ يومٍ مسكينًا"[13].

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه "أنه ضعف عن الصَّوم عامًا، فصنعَ جفنة ثريد ودعا ثلاثين مسكينًا، فأشبعهم"[14].

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: "وأمَّا الشَّيخُ الفَانِي الهَرِمُ الذي لا يَستطِيعُ الصِّيام، فلهُ أن يُفطِرَ ولا قضاءَ عليه؛ لأنَّه ليسَتْ له حَالٌ يَصِير إليها يَتَمَكَّنُ فيها من القضاء، ولكن هل يجب عليه إذا أفطرَ أن يُطْعِمَ عن كلِّ يومٍ مِسكينًا إذا كان ذا جِدَةٍ؟ فيه قولان للعلماء:
أحدُهُمَا: لا يَجبُ عليه إطعامٌ لأنَّه ضعيفٌ عنه لسنِّه، والثَّاني: وهو الصَّحيحُ وعليه أكثَرُ العلماء أنَّه يجب عليه فِديَةٌ عن كلِّ يومٍ، كما فسَّرَهُ ابن عَبَّاس وغيره من السَّلف على قِرَاءَةِ من قرأ: ﴿ وعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ ﴾؛ أي: يَتَجَشَّمُونَهُ؛ كما قاله ابن مسعود وغيره، هو اختِيَارُ البُخَارِي"[15]؛ ا هـ.

د- الحاملُ والمرضِع:
1- والحامل والمرضع، إذا لم تُطيقَا الصَّوم، أو خافتَا على نفسيهِما أو ولديهما مِنْ مَشقَّة الصَّوم، أفطرتَا وأطعمتا عن كلِّ يوم مسكينًا، ولا قضاء عليهما، والدَّليل على أنَّ الله تعالى رخَّص لهما في الفطر قول النَّبي (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَضَعَ عَنِ المُسَافِرِ شَطْرَ الصَّلَاةِ، وعَنِ المُسَافِرِ والحَامِلِ والمُرْضِعِ الصَّوْمَ، أَوِ الصِّيَامَ»[16].

وعن ابن عبَّاس رضي الله عنه قال: "إذا خَافتِ الحاملُ على نفسها، والمرضِعُ على ولدها في رمضان، قال: يُفطران ويُطعمانِ مكانَ كلِّ يومٍ مسكينًا، ولا يقضِيان صومًا"[17].

وعنه أيضًا قال: "ثبتَ للشَّيخِ الكبيرِ والعجُوز الكبيرةِ إذا كانَا لا يُطِيقَانِ الصَّوم، والحبْلَى والمرضِع إذا خافتَا أفطرتَا وأطعمتَا كُلَّ يومٍ مِسكينًا"[18].

وعن نافعٍ عن ابن عمر رضي الله عنه "أنَّ امرَأَتَه سَألتهُ وهي حُبْلَى، فقال: أفطرِي وأطعمِي عن كلِّ يوم مِسكينًا ولا تقضي"[19].

ه- الحائض والنُّفساء:
1- ومن الذِين رخَّص الله تبارك وتعالى لهم في الفطر - رفقًا بهم ورعايةً لحالتهم الصِّحية والنفسيَّة - الحائض والنُّفَسَاء.

فقد أجمع العلماء على أنَّه يجب الفطر على الحائض والنفسَاء، ويحرمُ عليهما الصِّيام، وأنَّهما إذا صامتَا لم يُجزئهما الصوم، ولا يصحُّ منهما حتى تطهرا؛ وذلك لأنَّ من شروط صحَّة الصوم الطَّهارة من الحيض والنِّفاس، ويجب عليهما القضاء بعد انقِضَاء رمضان ولا بُدَّ، وقد صحَّ عنِ النَّبيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أنه قال: «أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ، فَذَلِكَ نُقْصَانُ دِينِهَا... »[20].

وعن مُعاذة قالت: سألتُ عائشة رضي الله عنها، فقُلتُ: مَا بَالُ الحائِض تقضِي الصَّوم، ولا تقضي الصَّلاة؟ فقالت: أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ؟ قلت: لستُ بحروريَّةٍ، ولكنِّي أسأل، قالت: «كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ، فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ، وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ »[21].

2- وهذا بعكس المرأة المستحاضة، فإنَّ لها حُكْمَ الطَّهارات، فتُصلي، وتصوم، وتعتكِف، وتقرأ القرآن، وتمسُّ المصْحَف وتحملُه، وتفعل كلَّ العبادات، وهذا مجمعٌ عليه[22].

[1] حديث صحيح: أخرجه البخاري (4/ 157)، ومسلم (3/ 144)، وأبو داود (2402)، والنسائي (1/ 510)، وابن ماجة (1662)، وابن الجارود (397)، وغيرهم من طرق عن هشام بن عروة عن أبيه عنها.

[2] وقد أجمعت الأمَّةُ كلها على مشروعية الفطر للمسافر، حتى ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية: "أنَّ من أنكرَ الفطر للمسافر يُستتَاب، وإلاَّ حُكم عليه بالرِّدة"؛ انظر: "مجموع الفتاوى" (25/ 209)، وانظر أيضًا: "بداية المجتهد" (1/ 285)، و"السيل الجرار" (2/ 123) للإمام الشوكاني.

[3] حديث صحيح: أخرجه البخاري (4/ 161)، ومسلم (3/ 142)، وأبو داود (2407)، والنسائي (1/ 315)، وابن الجارود في: "المنتقى" (399)، وغيرهم، من حديث: حابر بن عبدالله، وله عنه طرق، وفي الباب عن جماعة من الصَّحابة رضي الله عنهم.

[4] حديث صحيح: أخرجه البخاري (4/ 163)، ومسلم (/ 143)، واللفظ له، وغيرهما.

[5] في: "مجموع الفتاوى" (25/ 210)، و"مختصر/ الفتاوى المصرية" (1/ 285) له.

[6] ما بين الهلالين من رسالة: "الصوم في ضوء الكتاب والسنة"؛ للدكتور عمر سليمان الأشقر (ص/ 28-29)، وانظر: بسط المسألة في "فقه السنة" (1/ 213)، و"القول المبين في أخطاء المصلين" (ص/ 444).

[7] حديث صحيح: أخرجه مسلم (3/ 141-142)، و"مختصره"(597)، وفي الباب عن ابن عباس وغيره، و(كراع الغَمِيم): واد أمام (عسفان) يُضاف إليه هذا الكراع، وهو: جبلٌ أسود متصل به.

[8] "مجموع الفتاوى" (25/ 211) له.
والقول بجواز فطر المسافر بعد أن شرعَ في الصِّيام، هو مذهب الإمام أحمد، وإسحاق، وصحَّحه ابن المنذر، واستظهره شيخ الإسلام ابن تيمة، والإمام الصنعاني، وهو الصَّحيح الراجح، وانظر أيضًا: "سبل السَّلام" (2/ 258)، و"تفسير الإمام القرطبي" (2/ 287).

[9] حديث حسن لغيره: أخرجه أبو داود (2412)، وأحمد (27233)، وفي سنده ضعف يسير، ويشهد له الحديث الآتي بعده. و(الفسطاط): مصر القديمة. وقوله: حتى بلغنا ماحُوزَنا، هو موضعهم الذي أرادوه.

[10] أثر صحيح لغيره: أخرجه الترمذي (779)، والدارقطني (2291)، والبيهقي في "الكبرى" (8180)، وغيرهم، وحسَّنه الترمذي، وغير واحد، ويشهد له الحديث السابق، وحديث آخر لأنس سنده صحيح، وقد صحَّحه ابن العربي في "العارضة"، والضياء المقدسي، وابن القيم في "زاد المعاد"، والشيخ الألباني في رسالته: "تصحيح حديث إفطار الصائم قبل سفره بعد الفجر"، ط. مكتبة المعارف، والله المستعان.
قال الإمام الشوكاني: "والحديثان يدلان على أن للمسافر أن يفطر قبل خروجه، من الموضع الذي أراد السفر منه. وقال: قال ابن العربي: وأما حديث أنس، فصحيح، يقتضي جواز الفطر، مع أهبة السفر"، وقد جاءت آثار كثيرة تشهد لهذا عن: عمر، وأبي موسى الأشعري، وابن عمر، وابن عباس رضي الله عنهم، وقال الحسن البصري: "يفطر إن شاء الله في بيته يوم يريد أن يخرج"، وانظر لزيادة الفائدة: "الجامع لأحكام القرآن" (2/ 279) للقرطبي، و"زاد المعاد" (2/ 55-56)، و"فقه السنة" (1/ 410) لسيد سابق.

[11] في "السِّيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار" (2/ 124-1245)؛ بتصرف يسير، وانظر أيضًا: "المجموع شرح المهذَّب" (6/ 258)، و"فقه السنة" (1/ 408).

[12] انظر: "بداية المجتهد" (1/ 291) لابن رشد.

[13] أثر صحيح الإسناد: أخرجه البخاري (7/ 24-الإرشاد)، والدارقطني (2381)، والنسائي (1/ 318)، وأبو داود (2318)، وابن الجارود (381) وغيرهم، من طرق عن: ابن عباس، وصحَّحه الدارقطني.
وانظر الكلام على طرقه وشواهده - جرحًا وتعديلًا تصحيحًا وتضعيفًا - في: "إرواء الغليل" (4/ رقم:912) للعلامة الألباني.

[14] سيأتي تخريجه.

[15] "تفسير ابن كثير" (1/ 260)؛ بتصرف، وانظر أيضًا: "تفسير القرطبي" (2/ 287-289)، و"سبل السلام" (2/ 260)، و"نيل الأوطار"(4/ 315)، "إرواء الغليل" (4/ 25).

[16] حديث حسن: أخرجه الترمذي (715)، وابن ماجه (1667) اللفظ له، وأبو داود (2408)، وغيرهم من حديث: أنس بن مالك الكعبي، وقال الترمذي: "حديث حسن"، وهو كما قال، وقال الألباني في "تخرج المشكاة" (2025)، و"صحيح سنن أبي داود" (2408): "حسن صحيح".

[17] أثر صحيح الإسناد: رواه الطبري (2758) بإسناد صحيح على شرط مسلم، انظر: "الإرواء" (4/ 19).

[18] أثر صحيح الإسناد: أخرجه البيهقي (4/ 230)، وابن الجارود في "المنتقى" (381)، بإسناد صحيح على شرط الشيخين؛ كما في: "الارواء" (4/ 18)، والله الموفق.

[19] أثر جيد الإسناد: رواه الدارقطني (2388) من طريق أيوب عن نافع به، انظر: المصدر السابق (4/ 20).
وقد ذهب الجمهور إلى أن للحامل والمرضع الحق في الفطر في كل هذه الأحوال، بل ونقل بعض أهل العلم الإجماع على ذلك، قال الترمذي: "العمل على هذا عند أهل العلم".
قلت: ولكن وقع الخلاف بين العلماء في شأن الحامل والمرضع، ماذا عليهما بعد أن تفطرا، فمنهم من قال: تفديان فقط، ولا قضاء، وقيل: تفطران وتفديان وتقضيان، وقيل: يجب القضاء بلا فدية، وقيل: تفطران، ولا فدية ولا قضاء، والرَّاجح هو الأول، وهو مذهب: ابن عمر وابن عباس من الصَّحابة، وسعيد بن جبير من التابعين وغيرهم؛ وانظر التفصيل في: "بداية المجتهد" (1/ 290)، و"السيل الجرار" (2/ 125)، و"تفسير القرطبي" (2/ 288)، و"إرواء الغليل" (4/ 23) - وفيه مناقشة فقهيَّة طيِّبة للموضوع- وكذلك: "صفة الصوم" (ص/ 80)، و"فقه السُّنة" (1/ 407)، والله تعالى أعلم.

[20] سبق تخرجه، وهو صحيح.

[21] حديث صحيح: أخرجه البخاري (1/ 89)، ومسلم (1/ 182) واللفظ له، وأبو داود (262)، والنسائي (1/ 319)، وأحمد (6/ 231-232) من طرق عن معاذة العدوية به، و(الحرورية): هم طائفة من الخوارج يوجبُون على المرأة الحائض إذا طهرت قضاء الصَّلاة التي فاتتها في زمن حيضها! وقولها (فنُؤمَر): أي كان النبي (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يأمرنا بذلك؛ إذ هو المقصود عند الإطلاق.
تنبيهٌ لكل نبيه: إذا قال الصَّحابي (من السُّنة كذا، وكذا)، أو (نُهينا عن كذا) أو قال: (كنا نُؤمَر بكذا...)، أو أنْ يقول قولًا لا مجال للاجتهاد فيه، فهذا لا يأخذ حكم الموقوف، وإنما يسمى المرفوع حكمًا؛ أي: هو بمثابة فعل النَّبي (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، وقوله من حيث الحجيَّة، وعلى هذا أكثر أهل العلم بالحديث، وانظر للتوسع في معرفة هذه المسألة الحديثية المهمة: "علوم الحديث" (28-29)، و"الباعث الحثيث" (1/ 150)، و"تدريب الراوي" (ص/ 117-119)، و"النكت على ابن الصلاح" (2/ 515)، و"الكفاية" (ص/ 416-463)، و"تيسير مصطلح الحديث" (ص/ 130-132) للطحان، وغيرها.

[22] "فقه السنة" (1/ 69)، و"سبل السَّلام" (1/ 157) للإمام الصنعاني.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 67.56 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 65.67 كيلو بايت... تم توفير 1.88 كيلو بايت...بمعدل (2.79%)]