الخيط الناظم في كتاب الله - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         معنى قوله تعالى: {ليبلوكم أيُّكم أحسنُ عملاً} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          تخصيص رمضان بالعبادة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          ذكر الله دواء لضيق الصدر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          بيان فضل صيام الست من شوال وصحة الحديث بذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          صيام الست من شوال قبل صيام الواجب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          صلاة الوتر بالمسجد جماعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          قراءة القرآن بغير حفظ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          الإلحاح في الدعاء وعدم اليأس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          الفهم الخطأ للدعوة يحولها من دعوة علمية تربوية ربانية إلى دعوة انفعالية صدامية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          معالجة الآثار السلبية لمشاهد الحروب والقتل لدى الأطفال التربية النفسية للأولاد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 15-10-2019, 05:38 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي الخيط الناظم في كتاب الله

الخيط الناظم في كتاب الله
إبراهيم السكران


الحمد لله وبعد:
هذه ليست ورقة بحثية، ولا مقالة منظمة، ولا حتى خاطرة أدبية، كلا ليست شيئاً من ذلك كله، وإنما هي (هم نفسي شخصي) قررت أن أبوح به لأحبائي وإخواني، فهذه التي بين يديك هي أشبه بورقة "اعتراف" تطوى في سجلات الحزانى، اقرأها ثم امحها من جهازك إن شئت.
هذا الإحباط النفسي الذي يجرفني ليس وليد هذه الأيام، وإنما استولى عليَّ منذ سنوات، لكن نفوذه ما زال يتعاظم في داخلي.
صحيح أنني أحياناً كثيرة أنسى في اكتظاظ مهام الحياة اليومية هذه القضية، لكن كلما خيّم الليل، وحانت ساعة الإخلاد إلى الفراش، ووضعت رأسي على الوسادة، وأخذت أسترجع شريط اليوم؛ ينبعث لهيب الألم من جديد، ويضطرم جمر الإحباط حياً جذعاً.
ثمة قضية كبرى وأولوية قصوى يجب أن أقوم بها ومع ذلك لا زالت ساعات يومي تتصرم دون تنفيذ هذه المهمة، لماذا تذهب السنون تلو السنون ولا زلت أفشل في التنفيذ؟ لماذا تكون المهمة أمام عيني في غاية الوضوح ومع ذلك أفلس في القيام بها؟
ويزداد الألم حين أتأمل في كثير من الناس من حولي فلا أرى فيهم إلا بعداً عن هذا القضية إلا من رحم الله، مجالس اجتماعية احضرها تذهب كلها بعيداً عن "الأولوية القصوى"، وأتصفح منتديات انترنتية وصفحات تواصل اجتماعي (فيسبوك وتويتر) تمتلئ بآلاف التعليقات يومياً، وأكثرها منهمك في أمور بعيدة عن "الأولوية القصوى" إلا من رحم الله، وأطالع كتباً فكرية تقذف بها دور النشر، وتفرشها أمامك معارض الكتب، وغالبها معصوب العينين عن "الأولوية القصوى".
فإذا أعدت كل مساء استحضار واقعي اليومي، وواقع كثير من الناس من حولي؛ تنفست الحسرات، وأخذت أتجرع مرارتها، وأتساءل: لِم؟ لِم هذا كله؟ متى تنتهي هذه المأساة؟
دعني ألخص لك كل الحكاية.. في كل مرةٍ أتأمل فيها القرآن أشعر أنني لازلت بعيداً عن جوهر مراد الله، مركز القرآن الذي تدور حوله قضاياه لا زلت أشعر بالمسافة الكبيرة بيني وبينها.
يذكر الله في القرآن أموراً كثيرة، يذكر - تعالى -ذاته المقدسة بأوصاف الجلال الإلهية، ويذكر الله في القرآن مشاهد القيامة من جنة ونار، ومحشر ونحوها، ويذكر أخبار الأنبياء، وأخبار الطغاة، وأخبار الصالحين، وأخبار الأمم سيما بنو إسرائيل وتصرفاتهم، ويذكر تشريعات عملية في العبادات والمعاملات... الخ وفي كل هذه القضايا ثمة خيط ناظم يربط كل هذه القضايا، تتعدد الموضوعات في القرآن لكن هذا الخيط الناظم هو هو، هذه القضية التي يدور حولها القرآن ويربط كل شيء بها هي "عمارة النفوس بالله".
كنت أتأمل - مثلاً - في أوائل المصحف في سورة البقرة كيف حكى الله تعجب الملائكة ( أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا) (البقرة: 30) ثم يربي الله فيهم تعظيم الله ورد العلم إليه: ( قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) (البقرة: 30).
وكنت أتأمل بعد ذلك في سورة البقرة نفسها كيف يعدد الله نعمه على بني إسرائيل في ست آيات، فيها أنه فضلهم على العالمين، وأنه نجاهم من آل فرعون، وأنه فرق بهم البحر فأغرق آل فرعون، وأنه عفى عنهم بعد اتخاذهم العجل، ثم بعد هذا التعديد العجيب لقائمة النعم يختم بوظيفة ذلك كله ( لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) كل هذا السياق يراد به عمارة النفوس بالله بأن تلهج الألسنة والقلوب بتذكره وشكره - تعالى -.
بل يذكر الله - تعالى -في البقرة، وأعاده في مواضع أخرى أيضاً؛ كيف اقتلع - تعالى -جبلاً من الجبال، ورفعه حتى صار فوق رؤوس بني إسرائيل، لماذا؟ ليربي فيهم شدة التدين، والتعلق بالله يقول - تعالى -في البقرة: ( وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ ) (البقرة: 63)، وقال في الأعراف: ( وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ ) (الأعراف: 171)، كل هذا لتعمر النفوس بالتشبث بكلام الله - تعالى -: ( خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ ).
وكنت أتأمل كيف يصف القرآن حالة القلوب التي غارت ينابيع الإيمان فيها، وأمحلت من التعلق بالله، حتى قارنها الله بأكثر الجمادات يبوسة في موازنة لا تخفي الأسى والرثاء يقول - تعالى -: ( ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ) (البقرة: 74) ثم يكمل في تلك المقارنة المحرجة: ( وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ..) حتى الحجارة تلين وتخضع، وتتفجر وتتشقق، وتهبط.. وما المراد من هذا المثل؟
هو عمارة النفوس بالله ( وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ).
وكنت أتأمل كيف ابتلى الله العباد بأمور توافق هواهم، وبأمور أخرى تعارضها، فآمن بعض الناس بما يوافق هواه، وترك غيره، فلم يقل القرآن يشكر لهم ما آمنوا به، ويتغاضى عما تركوا، لا.. الله يريد أن تعمر النفوس بالله فتنقاد وتخضع، وتنصاع لله في كل شيء، يقول - تعالى -: ( أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ) (البقرة: 85) ثم يقول بعدها بآيات معدودة: ( أفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ ) (البقرة: 87)، لماذا شنع عليهم ربنا - جل وعلا -؟
لأن المراد شيء آخر، شيء آخر يختلف كثيراً عما يتصور كثير ممن تضررت عقولهم بالثقافة الغربية المادية، المراد عمارة النفوس بتعظيم الله، والاستسلام المطلق له.
وكنت أتأمل كيف يذكر الله النسخ في القرآن وهو مسألة مشتركة بين أصول الفقه وعلوم القرآن، ثم يختم ذلك ببيان دلالة هذه الظاهرة التشريعية وهي عمارة النفوس بتعظيم القدرة الإلهية: ( مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (البقرة: 106)، يا سبحان الله.. مسألة أصولية بحتة، وتربط فيها القلوب بتعظيم الله، وقدرة الله.
وكنت أتأمل كيف ذكر الله مسألة من مسائل شروط الصلاة وهي (استقبال القبلة)، ثم تغييرها بين بيت المقدس والكعبة، وبرغم كونها مسألة فقهية بحتة؛ إلا أن القرآن ينبهنا أن وظيفة هذه الحادثة التاريخية كلها هي "اختبار" النفوس في مدى تعظيمها واستسلامها لله؟ هذا جوهر القضية ( وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ) (البقرة: 143).
وآيات القصاص تختم بـ"تقوى الله" كما يقول - تعالى -: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)(البقرة: 179) وآيات الصيام تلحق أيضاً بالتقوى في قوله - تعالى -: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)(البقرة: 183) وآيات الوصية تختم كذلك بالتقوى في قوله - تعالى -: (إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ)(البقرة: 180).
ولما ذكر الله مناسك الحج وأعمالها وشعائرها ووصل للحظة اختتام هذه المناسك وانقضائها؛ أعاد الأمر مجدداً لربط النفوس بالله، وإحياء حضور الله في القلوب: (فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ)(البقرة: 200).
واعجباه.. تنقضي المناسك وما يعتري المرء فيها من النصب لتربط النفوس مجدداً بالله؛ برغم أن الحج أصلاً مبناه على ذكر الله بالتلبية والتكبير ونحوها، فالقلب في القرآن من الله.. وإلى الله - سبحانه وتعالى -.
وأخذت أتأمل لما ذكر الله - تعالى -حكم "الإيلاء" في القرآن، وذكر الله للرجال خيارين: إما أن يتربصوا أربعة أشهر، أو أن يعزموا الطلاق، وأدركني العجب كيف يختم كل خيار فقهي بأوصاف العظمة الإلهية، يقول - تعالى -في آيتين متتابعتين: (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ** وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)(البقرة: 226-227) والله شيء عجيب أن تربط النفوس بالله بمثل هذه الكثافة في تفاصيل الأحكام الفقهية.
وكنت أتأمل كيف ذكر الله حالة "الخوف" من الأعداء ونحوها فلم يسقط الصلاة، بل أمر الله بها حتى في تلك الأحوال الصعبة (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ** فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً)(البقرة: 238-239) حسناً هذا في حال الخوف فماذا سيكون في حال الأمن؟ تكمل الآية: (فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ)(البقرة: 239).
رجعت مرةً أخرى إلى بداية الآية، وأخذت أتأمل المحصلة وإذا بها في حال الأمن والخوف يجب أن يكون القلب معلقاً بالله، بالله عليك أعد قراءة الآية متصلة: (فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ)(البقرة: 239)، القرآن يريد النفس البشرية مشدودة الارتباط بالله - جل وعلا - في جميع الأحوال، يريد من المسلم أن يكون الله حاضراً في كل سكنة وحركة.
وكنت أتأمل كيف يذكر الله النصر العسكري ليربط النفوس بالله: (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)(آل عمران: 123).
وحتى حين ذكر الله المعاصي والخطايا إذ يقارفها ابن آدم فإن القرآن يفتح باب ذكر الله أيضاً (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ.. )(آل عمران: 135)، وذكر الله تبدلات موازين القوى عبر التاريخ، وربط الأمر - أيضاً - بأن المراد اختبار عمق الإيمان والارتباط بالله (تِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ)(آل عمران: 140).
وقص الله في القرآن قصة قومٍ قاتلوا مع نبيهم، وحكى القرآن ثباتهم، ومن ألطف ما في ذلك السياق أنه أخبرنا بمقالتهم التي قالوها في ثنايا معركتهم فإذا بها كلها مناجاة وتعلق بالله: (وكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ** وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)(آل عمران: 146-147) شيء مدهش والله من حال ذلك القوم الذين عرضهم الله في سياق الثناء، في قلب المعركة، وتراهم يستغفرون الله من خطاياهم، ويبتهلون إليه، ويظهرون الافتقار والتقصير، وأنهم مسرفون، يا لتلك القلوب الموصولة بالله.
ولما ذكر الله الجهاد شرح وظيفته، وأنها اختبار ما في النفوس من تعلق بالله، وإيمان به: (قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ)(آل عمران: 154)، وقال: (وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ)(آل عمران: 166).
ولما ذكر الله حب النفس البشرية للنصر على الأعداء لفت الانتباه إلى المصدر الرئيسي للنصر، تأمل بالله عليك كيف يضخ القرآن في النفوس التعلق المستمر بالله: (إنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ)(آل عمران: 160) ويقول - تعالى -: (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)(محمد: 7).
وكنت أنظر كيف يصوّر القرآن أوضاع الجلوس والقيام والاسترخاء، وكيف تكون النفس في كل هذه الأحوال لاهجة بذكر الله (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ)(آل عمران: 191)، يذكر الله وهو واقف، يذكر الله وهو جالس، يذكر الله وهو مضطجع، أي تعلق بالله، وأي نفوس معمورة بربها أكثر من هذه الصورة المشرقة، سألتك بالله وأنت تقرأ هذه الآية ألا تتذكر بعض العبّاد المخبتين من كبار السن الذين لا تكف ألسنتهم عن تسبيح، وتحميد، وتكبير، هل ترى الله حكى لنا هذه الصورة عبثاً؟ أم أن الله - تعالى -يريد منا أن نكون هكذا، نفوساً مملوءة بربها ومولاها لا تغفل عن استحضار عظمته وتألهه لحظة واحدة.
وحتى في المشاعر بين الزوجين إذا سارت الأمور في غير مجاريها فإن القرآن يحرك في النفوس استحضار الغيبيات والأبعاد الإيمانية حيث يقول - تعالى -: (فإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً)(النساء: 19).
فإن بلغت أمور الزوجين إلى الشقاق الزوجي شرع التحكيم بينهما، وحتى في هذا التحكيم الزوجي فإن القرآن يلفت انتباه المنخرطين في هذه العملية إلى أن مسارات التحكيم مرتبطة بما قام في القلوب من العلاقة بالله: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً)(النساء: 35).
ولما ذكر الله البلد الذي لا يستطيع المؤمن فيها إظهار شعائره، وأمر بالهجرة إلى بلد آخر؛ لم يجعل الأمر مجرد هجرة من مكان جغرافي إلى آخر، بل جعل القضية "هجرة إلى الله" ذاته كما يقول - تعالى -: (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ)(النساء: 100)، فالأمر في صيغته الحسية مجرد هجرة من بلد إلى بلد، لكنه في ميزان القرآن "هجرة إلى الله ورسوله".
ومن أعجب مواضع القرآن في ربط النفوس بالله، وعمارتها بربها، ولا أظن أن ثمة دلالة أكثر من ذلك على هذا الأمر: صلاة الخوف حال الحرب، هذه الشعيرة تسكب عندها عبرات المتدبرين.
وقد تكفل القرآن ذاته بشرح صفتها، وجاءت في السنة على سبعة أوجه معروفة تفاصيلها في كتب الفقه، بالله عليك تخيل المسلم وقد لبس لأمة الحرب، وصار على خط المواجهة، والعدو يتربص، والنفوس مضطربة قلقة، والأزيز يمخر الأجواء، والدم تحت الأرجل، ومع ذلك لم يقل الله دعوا الصلاة حتى تنتهوا، بل لم يقل دعوا "صلاة الجماعة"، وإنما شرح لهم كيف يصلوا جماعة في هذه اللحظات العصيبة: (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ)(النساء: 102).
هل تعرف في الدنيا كلها شاهد على حب وتعظيم الله - جل وعلا - للارتباط بالله، واستمرار مناجاته أكثر من ذلك، بل هل يوجد رجل فيه شيء من الورع وخوف الله يهمل صلاة الجماعة وهو في حال الأمن والرفاهية، وعصر وسائل الراحة؛ وهو يرى ربه - تعالى -يطلب من المقاتلين صلاة الجماعة، ويشرح لهم تفاصيل صفتها بدقة، وهم تحت احتمالات القصف والإغارة؟!
هل تستيقظ نفوس افترشت سجاداتها في غرفها ومكاتبها تصلي "آحاداً" لتتأمل كيف يطلب الله صلاة "الجماعة" بين السيوف والسهام، والدروع والخنادق؟!
أترى الله يأمر المقاتل الخائف المخاطر بصلاة الجماعة، ويشرح له صفتها في كتابه، ويعذر المضطجعين تحت الفضائيات، والمتربعين فوق مكاتب الشركات؟ هل تأتي شريعة الله الموافقة للعقول بمثل ذلك؟!
ومن اللطيف أن الآية التي أعقبت الآية السابقة تكلمت عن حال إتمام الصلاة، حسناً.. نحن عرفنا الآن من الآية السابقة صفة الصلاة لحظة احتدام الصفين، فما هو التوجيه الذي سيقدمه القرآن بعد الانقضاء من الصلاة؟ يقول - تعالى -: (فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ)(النساء: 103) يا سبحان ربي الآن انتهى المقاتل من صلاة الجماعة، فيرشده القرآن لاستمرار ذكر الله، هل انتهى الأمر هاهنا؟
لا، لم ينته الأمر بعد، فقد واصلت الآية الحديث عن انتهاء حالة الخوف، وبدء حالة الاطمئنان، ويتصل الكلام مرةً أخرى لربط النفوس بالله: (فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ)(النساء: 103).
صارت القضية كلها لله، بالله عليك أعد قراءة الآيتين متواصلتين: (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً (102) فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً)(النساء: 102-103).
ولما ذكر الله الصلاة في سورة "طه" أشار إلى غاية تغيب عن بال كثير من المصلين فضلاً عمن دونهم، ربما يتحدث الواحد منا عن عظمة الصلاة في الإسلام، وأنها أعظم ركن بعد الشهادتين، وأنها الخط الفاصل بين الكفر والإيمان، ونحو هذا من معاني مركزية الصلاة، ولكن لماذا شرع الله الصلاة وأحبها وعظمها - سبحانه -؟
إنها بوابة استحضار الله وتذكره، يقول الله - سبحانه -: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي)(طه: 14) هكذا بكل وضوح.. يقيم المسلمون الصلاة ليتذكرون الله - جل وعلا -، يكبرونه ويسبحونه ويناجونه.
بل وحتى حين ذكر الله الجوارح المعلمة في الصيد لم يذكر تعليمها مغفلاً هكذا، بل يربطه بالحقيقة العقدية الإيمانية ليستمر القلب موصولاً بعظمة الله، تأمل كيف ينبه المسلم على ذلك (وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ)(المائدة: 4)، حتى تعليم الجوارح والكلاب الصيد يجب أن يستحضر المؤمن أنها تعليم مما علم الله، ما أشد كثافة حضور العلاقة بالله في القرآن.
وأخذ القرآن مرةً يستثير ذكرياتٍ للصحابة كاد الكفار فيها أن يفتكوا بهم، فينبش القرآن هذه الوقائع التاريخية ليرتفع بالقلوب إلى الله الذي نجاهم يقول - تعالى -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)(المائدة: 11)، وقد ذكر أهل التفسير فيها عدة وقائع تندرج في ذلك كمحاولة الأعرابي غورث بن الحارث أن يقتل رسول الله - عليه الصلاة والسلام - كما في البخاري، ومثل مؤامرة اليهود لقتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه؛ فأوحى الله إليه، وانكشفت المؤامرة، ونحوها من الأحداث.
ليس المهم تعيين هذه الأحداث التي فشلت فيها مؤامرات الكفار ضد الرسول - صلى الله عليه وسلم - والصحابة، الأهم والله حين يرى متدبر القرآن كيف يفاجئ القرآن الصحابة بذكر تلك القصص ليحيي علاقة القلب بالله، فينبههم أن الله - سبحانه - هو الذي كف أيدي الكفار عنكم، وأنه يجب أن تتوكل القلوب عليه - سبحانه -.
آيات تنبش في أذهان الصحابة ذكريات أحداثٍ وخطوب سلموا فيها، لا تذكرها هذه الآيات إلا لتصعد بالقلوب إلى الخالق المتفضل - سبحانه -، كأن هذه الآيات تقول: انتبهوا إن سلامتكم في تلك الأحداث ليست أمراً عابراً، بل هو فضل من الله ورحمة، فاذكروا هذا ولا تنسوه، وليكن منكم على بال، ولتعشه القلوب، وتلهج بشكر الله الألسنة والجوارح، انظر كيف تكون وظيفة (السير والمغازي) في كتاب الله، وقارنها بنمط تعاملنا معها.
وتذكير القرآن للصحابة بغزواتهم في سورة الأنفال يشبه قول الله في سورة إبراهيم عن موسى: (ولَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ)(إبراهيم: 5) فقال موسى مستجيباً في الآية التي تليها: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ)(إبراهيم: 6)
ولما ذكر الله - تعالى -قصة موسى - صلى الله عليه وسلم - إذ أمر قومه بدخول "الأرض المقدسة" والتي ذكر بعض أهل التفسير أنها الطور وما حولها، فتخاذل قوم موسى، واعتذروا بأن فيها قوماً جبارين لديهم إمكانيات لا نستطيع مقاومتها، وفي هذه اللحظة وقف رجلان من قوم موسى موقف الشجاع مستجيبين لأمر موسى، ونبهوا قومهم أنهم بمجرد الدخول على الجبارين فسينهزمون بإذن الله، هذان الرجلان البطلان لم يذكرهما الله في كتابه، وينسب الفضل لهما، بل نبّه - تعالى -أن موقفهم البطولي إنما له خلفيات أخرى، بالله عليك تتبع نمط القرآن في عرض ذلك، يقول الله حاكياً خطاب موسى: (يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ * قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ * قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)(المائدة: 20-23).
لعلك لاحظت الأمر، وكيف يلح القرآن على إبراز خلفيات العلاقة بالله، فهذا الرجلان لم يقفا هذا الموقف الصواب إلا لأنهما يخافا من الله، وقد أنعم الله عليهما بمقامات الإيمان والديانة، وحتى وصيتهما لقومهما كانت (وعلى الله فتوكلوا)، والتوكل من أدق مقامات تعلق القلب بالله، بل إن التوكل هو لحظة التعلق بالله فعلاً.
هذه الوقائع والحوارات بين موسى وقومه لا يمكن أن تخرج منها بمبدأ جوهري إلا مركزية التعلق بالله، فموسى يذكرهم بالله لكي يدخلوا الأرض المقدسة، وبطلا المشهد إنما وقفا هذا الموقف لأن الله أنعم عليهما بمقامات الإيمان، ونصيحتهما الختامية هي (التوكل على الله)، القصة كلها إيمان في إيمان.
ثم يحدثك القرآن عن ظاهرة المصائب والأضرار التي تصيب الإنسان في حياته الشخصية، وبالرغم من أن الله شرع لنا اتخاذ الأسباب كالأدوية للشفاء من المرض، والتماس الرزق لرفع الفقر؛ إلا أن القرآن يكثف دائرة الضوء على أمرٍ آخر أهم وهو أن يرتبط الفؤاد بالله - سبحانه وتعالى - وهو يصارع هذه البلاءات، تأمل كيف يصوغ القرآن هذا المعنى يقول الله: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(الأنعام: 17)، ويقول ربنا في موضعٍ آخر مشابه: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)(يونس: 107).
لعلك لمحت معنى آخر، وهو أن الآيتين كليهما لم يتحدثا فقط عن أن كاشف الضر هو الله، بل المدهش أنهما أشارتا كذلك إلى أن من مسّك بهذا الضر هو الله - سبحانه - أيضاً! فحين يتعمق المؤمن في أسرار هذه الآيات فيمتلئ قلبه باليقين بأن من مسّه بالفقر أو المرض هو الله، وأن من سيرفع هذا الضر فيغنيه ويعافيه؛ هو الله أيضاً، فصار مبتدأ الأمر ومنتهاه من الله وإلى الله، فماذا بقي في القلب لغير الله!
الله وحده - جل جلاله - هو الذي أوقعه، والله وحده - جل جلاله - هو الذي سيرفعه، هكذا يتبحر المؤمن في حقائق العلم بالله والإيمان به، وعمارة النفوس بمهابته - سبحانه -.
ثم ينتقل القرآن إلى دائرة أوسع من دائرة (الفرد) وهمومه الشخصية، إلى دائرة (المجتمع) وقضايا الشأن العام، وما تكابده من أزمات، ماذا يريد الله - جل وعلا - بتقدير هذه الأزمات المجتمعية؟
قطعاً هناك حكمة إلهية في تقدير هذه المصائب المجتمعية، فما هي يا ترى؟
يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 136.69 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 134.74 كيلو بايت... تم توفير 1.94 كيلو بايت...بمعدل (1.42%)]