|
فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#311
|
||||
|
||||
![]() ![]() كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي المجلد السابع الحلقة (311) صــــــــــ 213 الى صـــــــــــ 219 أصحابنا عن مالك أن عمر بن عبد العزيز أمر محمد بن مسلم أن يأمر القراء أن يسجدوا في {إذا السماء انشقت} [الانشقاق: 1] وسألت الشافعي عن السجود في سورة الحج فقال: فيها سجدتان فقلت: وما الحجة في ذلك؟ قال: أخبرنا مالك عن نافع أن ابن عمر سجد في سورة الحج سجدتين. (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن نافع عن رجل من أهل مصر أن عمر بن الخطاب سجد في سورة الحج سجدتين ثم قال: إن هذه السورة فضلت بسجدتين فقلت للشافعي: فإنا نقول: اجتمع الناس على أن سجود القرآن إحدى عشرة سجدة ليس في المفصل منها شيء فقال الشافعي: إنه يجب عليكم أن لا تقولوا اجتمع الناس إلا لما إذا لقي أهل العلم فقيل لهم: اجتمع الناس على ما قلتم إنهم اجتمعوا عليه قالوا: نعم وكان أقل قولهم لك أن يقولوا: لا نعلم من أهل العلم مخالفا فيما قلتم اجتمع الناس عليه فإما أن تقولوا اجتمع الناس وأهل المدينة معكم يقولون: ما اجتمع الناس على ما زعمتم أنهم اجتمعوا عليه فأمران أسأتم النظر بهما لأنفسكم في التحفظ في الحديث وأن تجعلوا السبيل لمن سمع قولكم اجتمع الناس إلى رد قولكم ولا سيما إذ كنتم إنما أنتم معتضدون على علم مالك - رحمه الله - وإياه وكنتم تروون «عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سجد في {إذا السماء انشقت} [الانشقاق: 1] » وأن أبا هريرة سجد فيها ثم تروون عن عمر بن عبد العزيز أنه أمر من يأمر القراء أن يسجدوا فيها. (قال) : وأنتم تجعلون قول عمر بن عبد العزيز أصلا من أصول العلم فتقولون: كان لا يحلف الرجل للمدعى عليه إلا أن يكون بينهما مخالطة فتركتم قول النبي - صلى الله عليه وسلم - «البينة على المدعي، واليمين على المدعى عليه» لقول عمر ثم تجدون عمر يأمر بالسجود في {إذا السماء انشقت} [الانشقاق: 1] ومعه سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورأي أبي هريرة فتتركونه، ولم تسموا أحدا خالف هذا وهذا عندكم العلم؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - في زمانه ثم أبو هريرة في الصحابة ثم عمر بن عبد العزيز في التابعين والعمل يكون عندكم بقول عمر وحده وأقل ما يؤخذ عليكم في هذا أن يقال: كيف زعمتم أن أبا هريرة سجد في {إذا السماء انشقت} [الانشقاق: 1] وأن عمر أمر بالسجود فيها، وأن عمر بن الخطاب سجد في النجم ثم زعمتم أن الناس اجتمعوا أن لا سجود في المفصل وهذا من أصحاب رسول الله، وهذا من علماء التابعين فيقال: قولكم اجتمع الناس لما تحكون فيه غير ما قلتم بين في قولكم أن ليس كما قلتم ثم رويتم عن عمر بن الخطاب أنه سجد في النجم ثم لا تروون عن غيره خلافه ثم رويتم عن عمر وابن عمر أنهما سجدا في سورة الحج سجدتين وتقولون: ليس فيها إلا واحدة وتزعمون أن الناس أجمعوا أن ليس فيها إلا واحدة ثم تقولون: أجمع الناس وأنتم تروون خلاف ما تقولون. وهذا لا يعذر أحد بأن يجهله ولا يرضى أحد أن يكون موجودا عليه لما فيه مما لا يخفى على أحد يعقل إذا سمعه أرأيت إذا قيل لكم: أي الناس أجمع على أن لا سجود في المفصل، وأنتم تروون عن أئمة الناس السجود فيه ولا تروون عن غيرهم خلافهم أليس تقولون: أجمع الناس أن في المفصل سجودا أولى بكم من أن تقولوا: أجمع الناس أن لا سجود في المفصل؟ فإن قلتم: لا يجوز إذا لم نعلمهم أجمعوا أن نقول: أجمعوا فقد قلتم: أجمعوا، ولم ترووا عن واحد من الأئمة قولكم، ولا أدري من الناس عندكم أخلق كانوا لم يسم واحد منهم، وما ذهبنا بالحجة عليكم إلا من قول أهل المدينة وما جعلنا الإجماع إلا إجماعهم فأحسنوا النظر لأنفسكم واعلموا أنه لا يجوز أن تقولوا: أجمع الناس بالمدينة حتى لا يكون بالمدينة مخالف من أهل العلم ولكن قولوا فيما اختلفوا فيه: اخترنا كذا، ولا تدعوا الإجماع فتدعوا ما يوجد على ألسنتكم خلافه فما أعلمه يؤخذ على أحد نسب إلى علم أقبح من هذا قلت للشافعي: أرأيت إن كان قولي اجتمع الناس عليه أعني من رضيت من أهل المدينة وإن كانوا مختلفين فقال الشافعي: أفرأيتم إن قال من يخالفكم ويذهب إلى قول من خالف قول من أخذت بقوله أجمع الناس أيكون صادقا فإن كان صادقا، وكان بالمدينة قول ثالث يخالفكما أجمع الناس على قول فإن كنتم صادقين معا بالتأويل فبالمدينة إجماع من ثلاثة وجوه مختلفة وإن قلتم الإجماع هو ضد الخلاف فلا يقال: إجماع إلا لما لا خلاف فيه بالمدينة قلت: هذا الصدق المحض فلا تفارقه، ولا تدعوا الإجماع أبدا إلا فيما لا يوجد بالمدينة فيه اختلاف، وهو لا يوجد بالمدينة إلا وجد بجميع البلدان عند أهل العلم متفقين فيه لم يخالف أهل البلدان أهل المدينة إلا ما اختلف فيه أهل المدينة بينهم. (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : واجعل ما وصفنا على هذا الباب كافيا لك دالا على ما سواه إذا أردت أن تقول: أجمع الناس فإن كانوا لم يختلفوا فيه فقله، وإن كانوا اختلفوا فيه فلا تقله فإن الصدق في غيره. . [باب الصلاة في الكعبة] وسألت الشافعي عن الرجل يصلي في الكعبة المكتوبة فقال: يصلي فيها المكتوبة والنافلة وإذا صلى الرجل وحده فلا موضع يصلي فيه أفضل من الكعبة فقلت: أفيصلي فوق ظهرها؟ فقال: إن كان بقي فوق ظهرها من البناء شيء يكون سترة صلى فوق ظهرها المكتوبة والنافلة وإن لم يكن بقي عليه بناء يستر المصلي لم يصل إلى غير شيء من البيت فقلت للشافعي: فما الحجة فيما ذكرت؟ فقال: أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر «عن بلال أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى في الكعبة» فقلت للشافعي: فهل خالفك في هذا غيرك؟ فقال: نعم دخل أسامة وبلال وعثمان بن طلحة فقال أسامة نظر فإذا هو إذا صلى في البيت في ناحية ترك شيئا من البيت لظهره فكره أن يدع شيئا من البيت لظهره فكبر في نواحي البيت ولم يصل فقال قوم: لا تصلح الصلاة في الكعبة بهذا الحديث وهذه العلة، فقلت للشافعي: فما حجتك عليهم؟ فقال: قال بلال صلى وكان من قال صلى شاهدا، ومن قال لم يصل ليس بشاهد فأخذنا بقول بلال وكانت الحجة الثابتة عندنا أن المصلي خارجا من البيت إنما يستقبل منه موضع متوجهه لا كل جدرانه فكذلك الذي في بطنه يستقبل موضع متوجهه لا كل جدرانه، ومن كان البيت مشتملا عليه فكان يستقبل موضع متوجهه كما يستقبل الخارج منه موضع متوجهه كان في هذا الموضع أفضل من موضع الخارج منه أين كان فقلت للشافعي فإنا نقول: يصلي فيه النافلة، ولا يصلي فيه المكتوبة. (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : هذا القول غاية في الجهل إن كان كما قال من خالفنا لا تصلى فيه النافلة ولا تصلى فيه المكتوبة وإن كان كما رويتم فإن النافلة في الأرض لا تصلح إلا حيث تصلح المكتوبة، والمكتوبة إلا حيث تصلح النافلة أو رأيت المواضع التي صلى فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - النوافل حول المدينة وبين المدينة ومكة وبالمحصب ولم يصل هنالك مكتوبة أيحرم أن يصلي هنالك مكتوبة وأن صلاته النافلة في موضع من الأرض تدل على أن الصلاة المكتوبة تجوز فيه. [باب ما جاء في الوتر بركعة واحدة] سألت الشافعي عن الوتر أيجوز أن يوتر الرجل بواحدة ليس قبلها شيء؟ قال: نعم والذي أختار أن أصلي عشر ركعات ثم أوتر بواحدة فقلت للشافعي: فما الحجة في أن يجوز بواحدة فقال: الحجة فيه السنة والآثار. (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : أخبرنا مالك عن نافع وعبد الله بن دينار عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة توتر له ما قد صلى» ؟ . (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي بالليل إحدى عشرة ركعة يوتر منها بواحدة» (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن ابن شهاب أن سعد بن أبي وقاص كان يوتر بركعة، أخبرنا مالك عن نافع أن ابن عمر كان يسلم من الركعة والركعتين من الوتر حتى يأمر ببعض حاجته قال وكان عثمان يحيي الليل بركعة هي وتره وأوتر معاوية بواحدة فقال: ابن عباس: أصاب به، فقلت للشافعي: فإنا نقول: لا نحب لأحد أن يوتر بأقل من ثلاث ويسلم بين الركعة والركعتين من الوتر فقال: الشافعي لست أعرف لما تقول وجها والله المستعان إن كنتم ذهبتم إلى أنكم تكرهون أن يصلي ركعة منفردة فأنتم إذا صلى ركعتين قبلها ثم سلم تأمرونه بإفراد الركعة؛ لأن من سلم من الصلاة فقد فصلها مما بعدها ألا ترى أن الرجل يصلي النافلة ركعات فيسلم في كل ركعتين فيكون كل ركعتين يسلم منهما منقطعتين من الركعتين اللتين قبلهما وبعدهما، وأن السلام أفضل للفصل ألا ترى أن رجلا لو فاتته صلوات فقضاهن في مقام يفصل بينهن بسلام كانت كل صلاة غير الصلاة التي قبلها وبعدها لخروجه من كل صلاة بالسلام فإن كان إنما أردتم أنكم كرهتم أن يصلي واحدة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى أكثر منها، فإنما نستحب أن يصلي إحدى عشرة ركعة يوتر منها بواحدة وإن كان أردتم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «صلاة الليل مثنى مثنى» فأقل مثنى أربع فصاعدا، وواحدة غير مثنى وقد أمر بواحدة في الوتر كما أمر بمثنى. (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وقد أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يوتر بخمس ركعات لا يجلس ولا يسلم إلا في الآخرة منهن» فقلت للشافعي: فما معنى هذا؟ قال: هذه نافلة يسع أن نوتر بواحدة وأكثر ونختار ما وصفت من غير أن نضيق غيره وقولكم - والله يغفر لنا ولكم - لا يوافق سنة، ولا أثرا، ولا قياسا، ولا معقولا، قولكم خارج من كل شيء من هذا، وأقاويل الناس إما أن يقولوا: لا يوتر إلا بثلاث كما قال بعض المشرقيين ولا يسلم في واحدة منهن لئلا يكون الوتر واحدة وأنتم تأمرون بالسلام فيها فإذا أمرتم به فهي واحدة وإن قلتم كرهناه لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يوتر بواحدة ليس قبلها شيء فلم يوتر النبي - صلى الله عليه وسلم - بثلاث ليس قبلهن شيء وقد استحسنتم أن توتروا بثلاث. [باب القراءة في العيدين والجمعة] سألت الشافعي: بأي شيء تحب أن يقرأ في العيدين فقال: ب "ق" و {اقتربت الساعة} [القمر: 1] وسألته بأي شيء تستحب أن يقرأ في الجمعة فقال: في الركعة الأولى بالجمعة وأختار في الثانية {إذا جاءك المنافقون} [المنافقون: 1] ولو قرأ {هل أتاك حديث الغاشية} [الغاشية: 1] أو {سبح اسم ربك الأعلى} [الأعلى: 1] كان حسنا لأنه قد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قرأها كلها فقلت: وما الحجة في ذلك؟ فقال إبراهيم وغيره عن جعفر عن أبيه عن عبيد الله بن أبي رافع عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ في إثر سورة الجمعة {إذا جاءك المنافقون} [المنافقون: 1] (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وأخبرنا مالك عن ضمرة بن سعيد المازني عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن الضحاك بن قيس سأل النعمان بن بشير ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ يوم الجمعة على إثر سورة الجمعة فقال: كان يقرأ ب {هل أتاك حديث الغاشية} [الغاشية: 1] (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : أخبرنا مالك عن ضمرة بن سعيد المازني عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة «أن عمر بن الخطاب سأل أبا واقد الليثي ماذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ به في الأضحى والفطر؟ فقال: كان يقرأ ب {ق والقرآن المجيد} [ق: 1] و {اقتربت الساعة} [القمر: 1] » فقلت للشافعي: فإنا لا نبالي بأي سورة قرأ فقال: ولم لا تبالون، وهذه روايتكم عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ فقلت: لأنه يجزيه فقال: أو رأيتم إذ أمرنا بالغسل للإهلال والصلاة في المعرس وغير ذلك اقتداء بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ لو قال قائل: لا نستحبه أو لا نبالي أن لا نفعله؛ لأنه ليس بواجب هل الحجة عليه إلا كهي عليكم؟ أو رأيتم إذا استحببنا ركعتي الفجر والوتر وركعتين بعد المغرب، وأن يطيل في الصبح والظهر، ويخفف في المغرب لو قال قائل: لا أبالي أن لا أفعل من هذا شيئا هل الحجة عليه إلا أن تقول: قولكم: لا أبالي جهالة وترك للسنة؟ ينبغي أن تستحبوا ما صنع رسول الله بكل حال. . [باب الجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء] (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : أخبرنا مالك عن أبي الزبير المكي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: «صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الظهر والعصر جميعا والمغرب والعشاء جميعا في غير خوف ولا سفر» قال مالك: أرى ذلك في مطر. (قال الشافعي) : فزعمتم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جمع بالمدينة الظهر والعصر والمغرب والعشاء ولم يكن له وجه عندكم إلا أن ذلك في مطر ثم زعمتم أنتم أنكم تجمعون بين المغرب والعشاء بالمدينة وكل بلد جامع، ولا تجمعون بين الظهر والعصر في المطر (قال الشافعي) : وإنما ذهب الناس في هذا مذاهب فمنهم من قال: جمع بالمدينة توسعة على أمته لئلا يحرج منهم أحد إن جمع بحال ليس لأحد أن يتأول في الحديث ما ليس فيه وقالت فرقة: نوهن هذا لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقت المواقيت في الصلاة فكان هذا خلافا لما رووا من أمر المواقيت فردوا أن يجمع أحد في الحضر في مطر أو غيره وامتنعوا من تثبيته وقالوا: خالفه ما هو أقوى منه وقالوا: لو ثبتناه لزمنا مثل قول من قال: يجمع لأنه ليس في الحديث ذكر مطر ولا غيره، بل قال: من حمل الحديث أراد أن لا تحرج أمته. (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : فذهبتم، ومن ذهب مذهبكم المذهب الذي وصفت من الاحتجاج في الجمع في المطر ورأى أن وجه الحديث هو الجمع في المطر ثم خالفتموه في الجمع في الظهر والعصر في المطر أرأيتم إن قال لكم قائل: بل نجمع بين الظهر والعصر في المطر، ولا نجمع بين المغرب والعشاء في المطر هل الحجة عليه إلا أن الحديث إذا كانت فيه الحجة لم يجز أن يؤخذ ببعضه دون بعض؟ فكذلك هي على من قال: يجمع بين المغرب والعشاء ولا يجمع بين الظهر والعصر، وقلما نجد لكم قولا يصح، والله المستعان أرأيتم إذا رويتم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء فاحتججتم على من خالفكم بهذا الحديث في الجمع بين المغرب والعشاء هل تعدون أن يكون لكم بهذا حجة فإن كانت لكم به حجة فعليكم فيه حجة في ترككم الجمع بين الظهر والعصر وإن لم تكن لكم بهذا حجة على من خالفكم فلا تجمعوا بين ظهر ولا عصر ولا مغرب ولا عشاء لا يجوز غير هذا، وأنتم خارجون من الحديث، ومن معاني مذاهب أهل العلم كلها، والله المستعان أو رأيتم إذ رويتم الجمع في السفر لو قال قائل كما قلتم: أجمع بين المغرب والعشاء؛ لأن أكثر الأحاديث جاءت فيه ولا أجمع بين الظهر والعصر لأنهما في النهار والليل أهول من النهار هل الحجة عليه إلا أن الجمع رخصة فيها فلا يجوز أن يمنع أحد من بعضها دون بعض فكذلك هي عليكم والله أعلم. . [باب إعادة المكتوبة مع الإمام] . باب إعادة المكتوبة مع الإمام سألت الشافعي عن الرجل يصلي في بيته ثم يدرك الصلاة مع الإمام قال: يصلي معه (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم «عن رجل من بني الديل يقال له بسر بن محجن عن أبيه أنه كان في مجلس مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأذن بالصلاة فقام رسول الله فصلى ومحجن في مجلسه فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم: ما منعك أن تصلي مع الناس؟ ألست برجل مسلم؟ قال: بلى يا رسول الله ولكني قد صليت في أهلي فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: إذا جئت فصل مع الناس، وإن كنت قد صليت» . (قال الشافعي) : وأخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يقول: من صلى المغرب أو الصبح ثم أدركهما مع الإمام فلا يعدهما، فقلت للشافعي: فإنا نقول: يعيد كل صلاة إلا المغرب فإنه إذا أعاد لها صارت شفعا (قال الشافعي) : وقد رويتم الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يخص فيه صلاة دون صلاة فلم يحتمل الحديث إلا وجهين: أحدهما وهو أظهرهما أن يعيد كل صلاة بطاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - وسعة الله أن يوفيه أجر الجماعة والانفراد وقد روى مالك عن ابن عمر وابن المسيب أنهما أمرا من صلى في بيته أن يعود لصلاته مع الإمام وقال السائل: أيتهما أجعل صلاتي؟ فقال: أو ذلك إليك؟ إنما ذلك إلى الله وروي عن أبي أيوب الأنصاري أنه أمر بذلك وقال: من فعل ذلك فله سهم جمع أو مثل سهم جمع وإنما قلنا بهذا لما وصفنا من أن حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - جملة، وأنه بلغنا أن الصلاة التي أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - الرجلين أن يعودا لها صلاة الصبح أو يقول رجل: إن أدرك العصر أو الصبح لم يعد لهما؛ لأنه لا نافلة بعد واحدة منهما فهكذا قال بعض المشرقيين وأما ما قلتم فخلاف حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - من الوجهين، وخلاف ابن عمر وابن المسيب وأين العمل؟ وقولكم إذا أعاد المغرب صارت شفعا فكيف تصير شفعا وقد فصل بينهما بسلام أترى العصر حين صليت بعدها المغرب شفعا أو العصر وترا أو ترى كذلك العشاء إذا صليت بعد المغرب أو ترى ركعتين بعد أو قبل المغرب تصيران وترا بأن المغرب قبلهما أو بعدهما أم كل صلاة فصلت بسلام مفارقة للصلاة قبلها وبعدها؟ ولو كنتم قلتم يعود للمغرب ويشفعها بركعة فيكون تطوع بأربع كان مذهبا فأما ما قلتم فليس له وجه. . [باب القراءة في المغرب] (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال: «سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ بالطور في المغرب» (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة «عن ابن عباس عن أم الفضل بنت الحارث سمعته يقرأ {والمرسلات عرفا} [المرسلات: 1] فقالت: يا بني لقد ذكرتني بقراءتك هذه السورة إنها لآخر ما سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ بها في المغرب» ؟ فقلت للشافعي: فإنا نكره أن يقرأ في المغرب بالطور والمرسلات، ونقول: يقرأ بأقصر منهما فقال: وكيف تكرهون ما رويتم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعله؟ الأمر رويتم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - يخالفه فاخترتم إحدى الروايتين على الأخرى؟ أو رأيتم لو لم أستدل على ضعف مذهبكم في كل شيء إلا أنكم تروون عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شيئا ثم تقولون نكرهه ولم ترووا غيره فأقول: إنكم اخترتم غيره عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا أعلم إلا أن أحسن حالكم أنكم قليلو العلم ضعفاء المذهب. . [باب القراءة في الركعتين الأخيرتين] سألت الشافعي أتقرأ خلف الإمام أم القرآن في الركعة الأخيرة تسر؟ فقال الشافعي: أحب ذلك، وليس بواجب عليه فقلت: وما الحجة فيه؟ فقال: أخبرنا مالك عن أبي عبيد مولى سليمان بن عبد الملك أن عبادة بن نسي أخبره أنه سمع قيس بن الحارث يقول: أخبرني عبد الله الصنابحي أنه قدم المدينة في خلافة أبي بكر الصديق فصلى وراء أبي بكر المغرب فقرأ في الركعتين الأوليين بأم القرآن وسورة من قصار المفصل ثم قام في الركعة الثالثة فدنوت منه حتى إن ثيابي لتكاد تمس ثيابه فسمعته قرأ بأم القرآن وبهذه الآية {ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب} [آل عمران: 8] فقلت للشافعي: فإنا نكره هذه ونقول: ليس عليه العمل لا يقرأ على إثر أم القرآن في الركعة الثالثة بشيء فقال الشافعي: وقال سفيان بن عيينة: لما سمع عمر بن عبد العزيز بهذا عن أبي بكر الصديق قال: إن كنت لعلى غير هذا حتى سمعت بهذا فأخذت به قال: فهل تركتم للعمل عمل أبي بكر وابن عمر وعمر بن عبد العزيز؟ (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : أخبرنا مالك عن نافع عن عبد الله أنه كان إذا صلى وحده يقرأ في الأربع جميعا في كل ركعة بأم القرآن وبسورة من القرآن قال: وكان يقرأ أحيانا بالسورتين والثلاث في الركعة الواحدة في صلاة الفريضة فقلت للشافعي: فإنا نخالف هذا كله ونقول: لا يزاد في الركعتين الأخيرتين على أم القرآن (قال الشافعي) : هذا خلاف أبي بكر وابن عمر من روايتكم وخلاف عمر بن عبد العزيز من رواية سفيان وقولكم لا يجمع السورتين في الركعتين الأوليين هو خلاف ابن عمر من روايتكم، وخلاف عمر من روايتكم لأنكم أخبرتم أن عمر قرأ بالنجم فسجد فيها ثم قام فقرأ بسورة أخرى وخلاف غيرهما من رواية غيركم فأين العمل ما نراكم رويتم في القراءة في الصلاة في هذا الباب شيئا إلا خالفتموه فمن اتبعتم ما أراكم قلتم بمعنى نعرفه إذا كنتم تروون عن أحد الشيء مرة فتبنون عليه أيسعكم أن تخالفوهم مجمعين؟ (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن أبا بكر صلى الصبح فقرأ فيها بسورة البقرة في الركعتين كلتاهما. فقلت للشافعي: إنا نخالف هذا، نقول: يقرأ في الصبح بأقل من هذا؛ لأن هذا تثقيل على الناس. (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن هشام بن عروة أنه سمع عبد الله بن عامر بن ربيعة يقول: صلينا وراء عمر بن الخطاب الصبح فقرأ فيها بسورة يوسف وسورة الحج قراءة بطيئة فقلت: والله لقد كان إذا يقوم حين يطلع الفجر قال: أجل. فقلت للشافعي: فإنا نقول لا يقرأ في الصبح بهذا ولا بقدر نصف هذا؛ لأنه تثقيل (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد وربيعة بن أبي عبد الرحمن أو الفرافصة بن عمير الحنفي قال ما أخذت سورة يوسف إلا من قراءة عثمان بن عفان إياها في الصبح من كثرة ما كان يرددها فقلت للشافعي: فإنا نقول لا يقرأ بهذا هذا تثقيل (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يقرأ في الصبح في السفر بالعشر الأول من الفصل في كل ركعة سورة، قلت للشافعي: فإنا نقول لا يقرأ بهذا في السفر هذا تثقيل. (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : فقد خالفتم في القراءة في الصلاة كل ما رويتم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم أبي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم ابن عمر ولم ترووا شيئا يخالف ما خالفتم عن أحد علمته من الناس فأين العمل؟ خالفتموهم من جهتين: من جهة التثقيل وجهة التخفيف وقد خالفتم بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - جميع ما رويتم عن الأئمة بالمدينة بلا رواية رويتموها عن أحد منهم هذا مما يبين ضعف مذهبكم؛ إذ رويتم هذا ثم خالفتموه ولم يكن عندكم فيه حجة فقد خالفتم الأئمة والعمل، وفي هذا دليل على أنكم لم تجدوا من خلق الله خلقا قط يروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم أبي بكر وعمر وعثمان وابن عمر في القراءة في الصلاة ولا في أمر واحد شيئا ثم يخالفه غيركم وأنه لا خلق أشد خلافا لأهل المدينة منكم ثم خلافكم ما رويتم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي فرض الله طاعته وما رويتم عن الأئمة الذين لا تجدون مثلهم فلو قال لكم قائل: أنتم أشد الناس معاندة لأهل المدينة وجد السبيل إلى أن يقول ذلك لكم على لسانكم لا تقدرون على دفعه عنكم ثم الحجة عليكم في خلافكم أعظم منها على غيركم لأنكم ادعيتم القيام بعلمهم واتباعهم دون غيركم ثم من خالفتموهم بأكثر مما خالفهم به من لم يدع من اتباعهم ما ادعيتم فلئن كان هذا خفي عليكم من أنفسكم إن فيكم لغفلة ما يجوز لكم معها أن تفتوا خلقا، والله المستعان، وأراكم قد تكلفتم الفتيا وتطاولتم على غيركم ممن هو أقصد وأحسن مذهبا منكم. . [باب المستحاضة] . باب المستحاضة سألت الشافعي عن المستحاضة يطبق عليها الدم دهرها فقال: إن الاستحاضة وجهان: أحدهما أن تستحاض المرأة فيكون دمها مشتبها لا ينفصل إما ثخين كله وإما رقيق كله وإذا كان هكذا نظرت عدد الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها فتركت الصلاة فيهن إن كانت تحيض خمسا من أول الشهر تركت الصلاة خمسا من أوله ثم اغتسلت عند مضي أيام حيضها كما تغتسل الحائض عند طهرها ثم توضأ لكل صلاة وتصلي وليس عليها أن تعيد الغسل مرة أخرى ولو اغتسلت من طهر إلى طهر كان أحب إلي وليس ذلك بواجب عليها عندي والمستحاضة الثانية المرأة لا ترى الطهر: فيكون لها أيام من الشهر ودمها أحمر إلى السواد محتدم ثم يصير بعد تلك الأيام رقيقا إلى الصفرة غير محتدم فأيام حيض هذه أيام احتدام دمها وسواده وكثرته فإذا مضت اغتسلت كغسلها لو طهرت من الحيضة وتوضأت لكل صلاة وصلت، فقلت للشافعي: وما الحجة فيما ذكرته من هذا؟ فقال الشافعي: أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها قالت: «قالت فاطمة بنت أبي حبيش يا رسول الله: إني لا أطهر أفأدع الصلاة؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما ذلك عرق وليس بالحيضة فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة فإذا هب قدرها فاغسلي الدم عنك وصلي» (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : أخبرنا مالك عن نافع عن سليمان بن يسار عن أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - «أن امرأة كانت تهراق الدم على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستفتت لها أم سلمة ![]()
__________________
|
#312
|
||||
|
||||
![]() ![]() كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي المجلد السابع الحلقة (312) صــــــــــ 220 الى صـــــــــــ 226 رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: لتنظر عدة الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها فلتترك الصلاة قدر ذلك من الشهر فإذا خلفت ذلك فلتغتسل ثم لتستثفر بثوب ثم لتصلي» قال: فدل جواب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ما وصفت من انفراق حال المستحاضتين وفي قوله دليل على أنه ليس للحائض أن تستظهر بطرفة عين وذلك أنه أمر إحداهما إذا ذهبت مدة الحيض أن تغسل عنها الدم وتصلي وأمر الأخرى أن تربص عدد الليالي والأيام التي كانت تحيضهن ثم تغتسل وتصلي، والحديثان جميعا ينفيان الاستظهار فقلت للشافعي: فإنا نقول: تستظهر الحائض بثلاثة أيام ثم تغتسل وتصلي، ونقول: تتوضأ لكل صلاة (قال الشافعي) : فحديثاكم اللذان تعتمدون عليهما عن رسول الله يخالفان الاستظهار، والاستظهار خارج من السنة والآثار والمعقول والقياس وأقاويل أكثر أهل العلم فقلت: ومن أين؟ فقال الشافعي: أرأيتم استظهارها من أيام حيضها أم أيام طهرها؟ فقلت: هي من أيام حيضها فقال: فأسمعكم عمدتم إلى امرأة كانت أيام حيضها خمسا فطبق عليها الدم فقلتم نجعلها ثمانيا، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرها إذا مضت أيام حيضها قبل الاستحاضة أن تغتسل وتصلي وجعلتم لها وقتا غير وقتها الذي كانت تعرف فأمرتموها أن تدع الصلاة في الأيام التي أمرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تصلي فيها قال: أفرأيتم إن قال لكم قائل لا يعرف السنة: تستظهر بساعة أو يوم أو يومين أو تستظهر بعشرة أيام أو ست أو سبع بأي شيء أنتم أولى بالصواب من أحد إن قال ببعض هذا القول هل يصلح أن يوقت العدد إلا بخبر عن رسول الله أو إجماع من المسلمين؟ ولقد وقتموه بخلاف ما رويتم عن رسول الله وأكثر أقاويل المسلمين ثم قلتم فيه قولا متناقضا فزعمتم أن أيام حيضها إن كانت ثلاثا استظهرت بمثل أيام حيضها وذلك ثلاث، وإن كان أيام حيضها اثني عشر استظهرت بمثل ربع أيام حيضها وذلك ثلاث وإن كانت أيام حيضها خمسة عشر لم تستظهر بشيء، وإن كانت أربعة عشر استظهرت بيوم، وإن كانت ثلاثة عشر استظهرت بيومين فجعلتم الاستظهار مرة ثلاثا ومرة يومين ومرة يوما ومرة لا شيء فقلت للشافعي: فهل رويتم في المستحاضة عن صاحبنا شيئا غير هذا؟ فقال: نعم شيئا عن سعيد بن المسيب وشيئا عن عروة بن الزبير (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : أخبرنا مالك عن سمي مولى أبي بكر أن القعقاع بن حكيم وزيد بن أسلم أرسلاه إلى سعيد بن المسيب ليسأله كيف تغتسل المستحاضة فقال: تغتسل من طهر إلى طهر وتتوضأ لكل صلاة فإن غلبها الدم استثفرت (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال: ليس على المستحاضة إلا أن تغتسل غسلا واحدا ثم تتوضأ بعد ذلك لكل صلاة قال مالك: الأمر عندنا على حديث هشام بن عروة فقلت للشافعي: فإنا نقول بقول عروة وندع قول ابن المسيب؟ فقال الشافعي: أما قول ابن المسيب فتركتموه كله ثم ادعيتم قول عروة وأنتم تخالفونه في بعضه فقلت وأين؟ قال: قال عروة: تغتسل غسلا واحدا يعني كما تغتسل المتطهرة وتتوضأ لكل صلاة يعني توضؤا من الدم للصلاة لا تغتسل من الدم إنما ألقي عنها الغسل بعد الغسل الأول، والغسل إنما يكون من الدم وجعل عليها الوضوء ثم زعمتم أنه لا وضوء عليها فخالفتم الأحاديث التي رواها صاحبنا وصاحبكم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وابن المسيب وعروة وأنتم تدعون أنكم تتبعون أهل المدينة وقد خالفتم ما روى صاحبنا عنهم كله إنه لبين في قولكم أنه ليس أحد أترك على أهل المدينة لجميع أقاويلهم منكم مع ما تبين في غيره ثم ما أعلمكم ذهبتم إلى قول أهل بلد غيرهم فإذا انسلختم من قولهم وقول أهل البلدان ومما رويتم وروى غيركم، والقياس والمعقول فأي موضع تكونون به علماء وأنتم تخطئون مثل هذا وتخالفون فيه أكثر الناس [باب الكلب يلغ في الإناء أو غيره] سألت الشافعي عن الكلب يلغ في الإناء في الماء لا يكون فيه قلتان أو اللبن أو المرق قال: يهراق الماء واللبن والمرق ولا ينتفعون به ويغسل الإناء سبع مرات وما مس ذلك الماء واللبن من ثوب وجب غسله لأنه نجس فقلت وما الحجة في ذلك؟ فقال: أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات» . (قال الشافعي) : فكان بينا في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كان الكلب يشرب الماء في الإناء فينجس الإناء حتى يجب غسله سبعا أنه إنما ينجس بمماسة الماء إياه فكان الماء أولى بالنجاسة من الإناء الذي إنما نجس بمماسته، وكان الماء الذي هو طهور إذا نجس فاللبن والمرق الذي ليس بطهور أولى أن ينجس بما نجس الماء فقلت للشافعي: فإنا نزعم أن الكلب إذا شرب في الإناء فيه اللبن بالبادية شرب اللبن وغسل الإناء سبعا لأن الكلاب لم تزل بالبادية فقال الشافعي: هذا الكلام المحال أيعدو الكلب أن يكون ينجس ما يشرب منه ولا يحل شرب النجس ولا أكله أو لا ينجسه فلا يغسل الإناء منه ولا يكون بالبادية فرض من النجاسة إلا وبالقرية مثله، وهذا خلاف السنة والقياس والمعقول والعلة الضعيفة وأرى قولكم: لم تزل الكلاب بالبادية حجة عليكم فإذا سن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يغسل الإناء من شرب الكلب سبعا والكلاب في البادية في زمانه وقبله وبعده إلى اليوم فهل زعمتم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن ذلك على أهل القرية دون أهل البادية أو أهل البادية دون أهل القرية؟ أو زعم لكم ذلك أحد من أئمة المسلمين أو فرق الله بين ما ينجس بالبادية والقرية؟ أورأيت أهل البادية هل زعموا لكم أنهم يلقون ألبانهم للكلاب ما تكون الكلاب مع أهل البادية إلا ليلا لأنها تسرح مع مواشيهم ولهم أشح على ألبانهم وأشد لها إبقاء من أن يخلوا بينها وبين الكلاب، وهل قال لكم أحد من أهل البادية ليس يتنجس بالكلب وهم أشد تحفظا من غيرهم أو مثلهم أو لو قاله لكم منهم قائل أيؤخذ الفقه من أهل البادية وإن اعتللتم بأن الكلاب مع أهل البادية؟ أفرأيتم إن اعتل عليكم مثلكم من أهل الغباوة بأن يقول: الفأر والوزغان واللحكاء والدواب لأهل القرية ألزم من الكلاب لأهل البادية، وأهل القرية أقل امتناعا من الفأر ودواب البيوت من أهل البادية من الكلاب فإذا ماتت فأرة أو دابة في ماء رجل قليل أو زيته أو لبنه أو مرقه لم تنجسه هل الحجة عليه إلا أن يقال الذي ينجس في الحال التي ينجس فيها ينجس ما وقع فيه كان كثيرا بقرية أو بادية أو قليلا فكذلك الكلاب بالبادية والفأر والدواب بالقرية أولى أن لا تنجس إن كان فيما ذكرتم حجة وما علمت أحدا روى عنه من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا التابعين أنه قال فيه إلا بمثل قولنا إلا أن من أهل زماننا من قال: يغسل الإناء من الكلب مرة واحدة وكلهم قال ينجس جميع ما يشرب منه الكلب من ماء ولبن ومرق وغيره (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : إن ممن تكلم في العلم من يختال فيه فيشبه والذي رأيتكم تختالونه لا شبهة فيه ولا مؤنة على من سمعه في أنه خطأ إنما يكفي سامع قولكم أن يسمعه فيعلم أنه خطأ لا ينكشف يتكلف ولا بقياس يأتي به فإن ذهبتم إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر إذا ماتت الفأرة في السمن الجامد أن تطرح وما حولها فدل ذلك على نجاستها فقد أخبر أن النجاسة تكون من الفأرة وهي في البيوت، وإنما قال في الفأرة قولا عاما وفي الكلب قولا عاما فإن ذهبتم إلى أن الفأرة تنجس على أهل القرية ولا تنجس على أهل البادية فقد سويتم بين قوليكم وزدتم في الخطأ وإن قلتم إن ما لم يسم من الدواب غير الفأرة والكلب لا ينجس فاجعل الوزغ لا ينجس؛ لأنه لم يذكر فإما أن تقولوا الوزغ ينجس ولا خير فيه قياسا وتزعمون أن الكلب ينجس مرة ولا ينجس أخرى فلا يجوز هذا القول. . [باب ما جاء في الجنائز] سألت الشافعي عن الصلاة على الميت الغائب وعلى القبر فقال: أستحبها فقلت له: وما الحجة فيها؟ قال: أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال «نعى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للناس النجاشي اليوم الذي مات فيه وخرج بهم إلى المصلى فصف وكبر أربع تكبيرات» (قال الشافعي) : - رحمه الله - أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن أبي أمامة «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى على قبر مسكينة توفيت من الليل» قال وقد روى عطاء «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى على قوم ببلد آخر» قلت للشافعي: نحن نكره الصلاة على ميت غائب وعلى القبر فقال: فقد رويتم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - الصلاة على النجاشي وهو غائب ورويتم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه صلى على ميت وهو في القبر غائب فكيف كرهتم ما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولقد حفظ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بإسناد موصول من وجوه أنه صلى على قبور وصلت عائشة على قبر أخيها وغير واحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث الثقات غير مالك وإنما الصلاة دعاء للميت وهو إذا كان ملففا بيننا يصلي عليه فإنما ندعو بالصلاة بوجه علمنا فكيف لا ندعو له غائبا وهو في القبر بذلك الوجه؟ . . [باب الصلاة على الميت في المسجد] (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت: «ما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على سهيل ابن بيضاء إلا في المسجد» ، قلت للشافعي: فإنا نكره الصلاة على الميت في المسجد فقال: أرويتم هذا أنه صلى على عمر في المسجد فكيف كرهتم الأمر فيه وقد ذكره صاحبكم أذكر حديثا خالفه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فاخترتم أحد الحديثين على الآخر فقلت: ما ذكر فيه شيئا علمناه (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : فكيف يجوز أن تدعوا ما رويتم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن أصحاب النبي أنهم فعلوه بعمر وهذا عندكم عمل مجتمع عليه؛ لأنا لا نرى من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أحدا حضر موت عمر فتخلف عن جنازته فتركتم هذا بغير شيء رويتموه، وكيف أجزتم أن ينام في المسجد ويمر فيه الجنب طريقا ولا يجوز أن يصلى فيه على ميت (أخبرنا الربيع) : مات سعيد فخرج أبو يعقوب البويطي وخرجنا معه فصف بنا وكبر أربعا وصلينا عليه، وكان أبو يعقوب الإمام فأنكر الناس ذلك علينا وما بالينا. . [مسائل في الحج] [باب في فوت الحج] . سألت الشافعي هل يحج أحد عن أحد؟ قال: نعم يحج عمن لا يقدر أن يثبت على المركب والميت قلت: وما الحجة؟ قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سليمان بن يسار عن ابن عباس «أن الفضل بن العباس كان رديف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاءته امرأة من خثعم فقالت: يا رسول الله إن فريضة الله في الحج أدركت أبي شيخا كبيرا لا يستطيع أن يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال: نعم» وذلك في حجة الوداع (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : أخبرنا مالك عن أيوب عن ابن سيرين «أن رجلا جعل على نفسه أن لا يبلغ أحد من ولده الحلب فيحلب فيشرب ويسقيه إلا حج وحج به معه فبلغ رجل من ولده الذي قال الشيخ وقد كبر الشيخ فجاء ابنه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره الخبر فقال: إن أبي قد كبر ولا يستطيع أن يحج أفأحج عنه؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: نعم» (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وذكر مالك أو غيره عن أيوب عن ابن سيرين عن ابن عباس «أن رجلا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله إن أمي عجوز كبيرة لا تستطيع أن نركبها على البعير وإن ربطتها خفت أن تموت أفأحج عنها؟ قال: نعم» فقلت للشافعي: فإنا نقول ليس على هذا العمل فقال: خالفتم ما رويتم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من روايتكم ومن رواية غيركم علي بن أبي طالب يروي هذا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وابن المسيب والحسن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل معنى هذه الأحاديث وعلي وابن عباس وابن المسيب وابن شهاب وربيعة بالمدينة يفتون بأن يحج الرجل عن الرجل وهذا أشبه شيء يكون مثله عندكم عملا فتخالفونه كله لغير قول أحد من خلق الله علمته من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجميع من عدا أهل المدينة من أهل مكة والمشرق واليمن من أهل الفقه يفتون بأن يحج الرجل عن الرجل، فقلت للشافعي: فإن من حجة بعض من قال هذا القول أنه قال: إنه روي عن ابن عمر لا يصوم أحد عن أحد ولا يصلي أحد عن أحد فجعل الحج في معنى الصيام والصلاة فقال الشافعي: وهذا قول الضعف فيه بين من كل وجه قال: أرأيتم لو قال ابن عمر لا يحج أحد عن أحد وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أحدا أن يحج عن أحد كان في قول أحد حجة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ وأنتم تتركون قول ابن عمر لرأي أنفسكم ولرأي مثلكم ولرأي بعض التابعين فتجعلونه لا حجة في قوله إذا شئتم لأنكم لو كنتم ترون في قوله حجة لم تخالفوه لرأي أنفسكم ثم تقيمون قوله مقاما تردون به السنة والآثار ثم تدعون في قوله ما ليس فيه من النهي عن الحج قياسا وما للحج والصلاة والصيام؟ هذا شريعة وهذا شريعة فإن قلتم قد يشتبهان لأنه عمل على البدن أفرأيتم إن قال لكم قائل: أنتم تزعمون أن الحج في معنى الصلاة والصوم وقد «أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - امرأة أن تحج عن أبيها» فأنا آمر الرجل أن يصلي عن الرجل ويصوم عنه هل الحجة عليه إلا أنه لا تقاس شريعة على شريعة؟ فكذلك الحجة عليكم أورأيتم ما فرقت بينه السنة مما هو أشد تقاربا منها فكيف فرقتم بينه؟ فإن قلتم ما هو؟ قلت: «نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الرطب بالتمر، ونهى عن المزابنة وأجاز بيع العرايا» وهي داخلة في المزابنة وداخلة في بيع الرطب بالتمر لو لم يجزها، فلما أجازها فرقنا بينهما بالسنة وقلنا: تجوز العرايا وهي رطب بتمر وكيل بجزاف؟ ولا يجوز ذلك إذا وضع بالأرض فكان التمر والرطب في الأرض معا فهذا أولى أن لا يفرق بينه بأنه شيء واحد بعضه حلال بما أحله به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبعضه منهي عنه بما نهى عنه رسول الله، وقد خالف هذا بعض المشرقيين فرأينا لنا عليهم بهذا حجة فالحجة عليكم بنصه أن يحج أحد عن أحد وأنتم تروونه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا تروون عن أحد من أصحابه خلافه (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وكيف تقيسونه بالصوم والصلاة أفرأيتم إذا كنتم تجيزون أن يحج أحد عن أحد إذ أوصى بذلك فخالفتم ما قلتم من أن لا يحج أحد عن أحد وأجزتم مثل ما رددتم فيه السنة أفيجوز لو أوصى أن يصلى عنه أو يصام عنه؟ فإن أجزتموه فقد دخلتم فيما كرهتم من أن يكون عمل آخر لغيره وإن لم تجيزوه فقد فرقتم بين الصلاة والصوم والحج. والله أعلم. . [باب الحجامة للمحرم] . باب الحجامة للمحرم سألت الشافعي عن الحجامة للمحرم فقال: يحتجم ولا يحلق شعرا ويحتجم من غير ضرورة فقلت: وما الحجة؟ فقال: أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - احتجم وهو محرم يومئذ بلحي جمل» (قال الشافعي) : أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عطاء وطاوس أحدهما أو كلاهما عن ابن عباس «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - احتجم وهو محرم» ، فقلت للشافعي: فإنا نقول: لا يحتجم المحرم إلا من ضرورة (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يقول: لا يحتجم المحرم إلا أن يضطر إليه مما لا بد منه وقال: مالك مثل ذلك قال الشافعي: ما روى مالك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لم يذكر في حجامة النبي - صلى الله عليه وسلم - هو ولا غيره ضرورة أولى بنا من الذي رواه عن ابن عمر ولعل ابن عمر كره ذلك ولم يحرمه ولعل ابن عمر أن لا يكون سمع هذا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولو سمعه ما خالفه إن شاء الله فقال برأيه فكيف إذا سمعت هذا عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ قلت بخلاف ما سمعت عنه لقول ابن عمر وأنتم لم تثبتوا أن ابن عمر كرهه للناس قد يتوقى المرء في نفسه ما لا يكره لغيره وأنتم تتركون قول ابن عمر لرأي أنفسكم أفرأيتم إن كرهتم الحجامة إلا من ضرورة أتعدو الحجامة من أن تكون مباحة له كما يباح له الاغتسال والأكل والشرب فلا يبالي كيف احتجم إذا لم يقطع الشعر أو تكون محظورة عليه كحلاق الشعر وغيره؟ فالذي لا يجوز له إلا لضرورة فهو إذا فعله بحلق الشعر أو فعل ذلك من ضرورة افتدى فينبغي أن تقولوا: إذا احتجم من ضرورة أن يفتدي وإلا فأنتم تخالفون ما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وتقولون في الحجامة قولا متناقضا. . [باب ما يقتل المحرم من الدواب] (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «خمس من الدواب ليس على المحرم في قتلهن جناح الغراب، والحدأة، والعقرب والفأرة والكلب العقور» (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وبهذا نأخذ وهو عندنا جواب على المسألة فكل ما جمع من الوحش أن يكون غير مباح اللحم في الإحلال وأن يكون مضرا قتله المحرم لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أمر المحرم أن يقتل الفأرة والغراب والحدأة مع ضعف ضرها إذ كانت مما لا يؤكل لحمه كان ما جمع أن لا يؤكل لحمه وضره أكثر من ضرها أولى أن يكون قتله مباحا في الإحرام، قلت: قد قال مالك: لا يقتل المحرم من الطير ما ضر إلا ما سمي وقال بعض أصحابه: كان قول النبي «خمس من الدواب ليس على المحرم في قتلهم جناح» يدل على أن ما سواهن على المحرم في قتله جناح (قال الشافعي) : - رحمه الله: أفرأيتم الحية أسميت؟ فقد زعم مالك عن ابن شهاب أن عمر أمر بقتل الحيات في الحرم قلت: فيراها كلبا عقورا قال: أوتعرف العرب أن الحية كلب عقور؟ إنما الكلب عندها السبع والكلاب التي خلقها الله متقاربة كخلق الكلب، فإن قلتم: إنها قد تضر فتقتل، قيل غير مكابرة كما زعم صاحبكم أن الكلب العقور ما عدا على الناس فأخافهم وهي لا تعدو مكابرة، وإن ذهبتم إلى أنها تضر هكذا فقد أمر عمر بن الخطاب أن يقتل الزنبور في الإحرام والزنبور إنما هو كالنحلة فكيف لم تأمروا بقتل الزنبور وقد أمر به عمر وأمرتم بقتل الحية إذ أمر بها عمر؟ ما أسمعكم تأخذون من الأحاديث إلا ما هويتم (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وقلتم: يقتل المحرم الفأرة الصغيرة ولا يقتل الغراب الصغير وإذا قلتم هذا فقد أباحه النبي - صلى الله عليه وسلم - ومنعتموه فإن قلتم: إنما أباح قتله على معنى أنه يضر والصغير لا يضر في حاله تلك فالفأرة الصغيرة لا تضر في حالها تلك فلا بد أن تخالفوا النبي - صلى الله عليه وسلم - في الغراب الصغير والفأرة الصغيرة وهذا حجة عليكم أزعمتم أن الغراب يقتل لمعنى ضرره فينبغي أن تقتل العقاب لأنها أضر منه، فإن قال: لا بل الحديث جملة لا المعنى، قيل: فلم لا يقتل الغراب الصغير لأنه غراب؟ . سألت الشافعي عمن حلق قبل أن ينحر أو نحر قبل أن يرمي قال: يفعل ولا فدية ولا حرج، وكذلك كل ما كان يعمل في ذلك اليوم فقدم منه شيئا قبل شيء ناسيا أو جاهلا عمل ما يبقى عليه ولا حرج، فقلت: وما الحجة في ذلك؟ فقال: أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عيسى بن طلحة بن عبيد الله عن عبيد الله بن عمرو بن العاص قال: «وقف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع للناس بمنى يسألونه فجاءه رجل فقال: يا رسول الله لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح قال: اذبح ولا حرج فجاء رجل فقال: يا رسول الله لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي فقال: ارم ولا حرج فما سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن شيء قدم ولا أخر إلا قال افعل ولا حرج» (قال الشافعي) : - رحمه الله - وبهذا كله نأخذ. . [باب الشركة في البدنة] سألت الشافعي هل يشتري السبعة جزورا فينحرونها عن هدي إحصار أو تمتع؟ قال: نعم قلت: وما الحجة في ذلك؟ فقال: أخبرنا مالك عن أبي الزبير المكي عن جابر قال: «نحرنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالحديبية البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة» (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا نحروا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الحديبية بدنة عن سبعة وبقرة عن سبعة والعلم يحيط أنهم من أهل بيوتات شتى لا من أهل بيت واحد فتجزئ البدنة والبقرة عن سبعة متمتعين ومحصورين وعن كل سبعة وجبت على كل واحد منهم شاة إذا لم يجدوا شاة وسواء اشتروها وأخرج كل واحد منهم حصته من ثمنها أو ملكوها بأي وجه ما كان ملك ومن زعم أنها تجزئ عن سبعة لو وهبت لهم أو ملكوها بوجه غير الشراء كانت المشتراة أولى أن تجزئ عنهم قلت للشافعي: فإنا نقول: لا تذبح البدنة إلا عن واحد ولا البقرة وإنما يذبحها الرجل عن نفسه وأهل بيته فإما أن يخرج كل إنسان منهم حصته من ثمنها ويكون له حصة من لحمها فلا وإنما سمعنا لا يشترك في البدنة في النسك (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وقد يجوز أو يقال لا يشترك في النسك أن يوجب الرجل النسيكة ثم يشرك فيها غيره وليس في هذا لأحد حجة لأنه كلام عربي ولا حجة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وهذا فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه وأهل الحديبية فكان ينبغي أن يكون هذا العمل عندكم لا تخالفونه لأنه فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - وألف وأربعمائة من أصحابه. (قال الشافعي) : أخبرنا سفيان عن عمرو عن جابر بن عبد الله قال: كنا يوم الحديبية ألفا وأربعمائة وقال لنا النبي - صلى الله عليه وسلم: أنتم اليوم خير أهل الأرض قال جابر: لو كنت أبصر لأريتكم موضع الشجرة وأنتم تجعلون قول الواحد وفعله حجة في بعض الأشياء، فإذا وجدتم السنة وفعل ألف وأربعمائة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو أوجب عليكم أن تجعلوه حجة. [باب التمتع في الحج] سألت الشافعي عن التمتع بالعمرة إلى الحج فقال: حسن غير مكروه وقد فعل ذلك بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - وإنما اخترنا الإفراد لأنه ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أفرد غير كراهية للتمتع ولا يجوز إذا كان فعل التمتع بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يكون مكروها فقلت للشافعي: وما الحجة فيما ذكرت؟ قال: الأحاديث الثابتة من غير وجه وقد حدثنا مالك بعضها (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن محمد بن عبد الله بن الحارث بن نوفل أنه «سمع سعد بن أبي وقاص والضحاك بن قيس عام حج معاوية بن أبي سفيان وهما يتذاكران التمتع بالعمرة إلى الحج فقال الضحاك: لا يصنع ذلك إلا من جهل أمر الله فقال سعد: بئسما قلت يا ابن أخي فقال الضحاك: فإن عمر قد نهى عن ذلك فقال سعد: قد صنعها رسول الله وصنعناها معه» فقلت للشافعي: قد قال مالك: قول الضحاك أحب إلي من قول سعد وعمر أعلم برسول الله - صلى الله عليه وسلم - من سعد. (قال الشافعي) : عمر وسعد عالمان برسول الله وما قال عمر عن رسول الله شيئا يخالف ما قال سعد إنما روى مالك عن عمر أنه قال: افصلوا بين حجكم وعمرتكم فإنه أتم لحج أحدكم وعمرته أن يعتمر في غير أشهر الحج ولم يرو عنه أنه نهى عن العمرة في أشهر الحج. (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة أنها قالت: خرجنا مع رسول الله عام حجة الوداع فمنا من أهل بحج ومنا من أهل بعمرة ومنا من جمع الحج والعمرة وكنت ممن أهل بعمرة. (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر «عن حفصة أنها قالت للنبي - صلى الله عليه وسلم: ما شأن الناس حلوا ولم تحل أنت من عمرتك قال: إني لبدت رأسي وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر هديي» . (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن صدقة بن يسار عن ابن عمر أنه قال: لأن أعتمر قبل الحج وأهدي أحب إلي من أن أعتمر بعد الحج في ذي الحجة. (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : فهذان الحديثان من حديث مالك موافقان ما قال سعد من أنه عمل بالعمرة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أشهر الحج فكيف جاز لكم وأنتم ترون هذا أن تكرهوا العمرة فيه وأن تثبتوا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما وصفت وادعيتم من خلاف عمر وسعد وعمر لم يخالف سعدا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما اختار شيئا غير مخالف لما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد تتركون أنتم على عمر اختياره وحكمه هو أكثر من الاختيار لما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم تتركونه لما جاء عن رجل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم تتركونه لقولكم فإذا جاز لكم هذا فكيف يجوز لكم أن تحتجوا بقوله على السنة وأنكم تدعون أنه خالفها وهو لا يخالفها وما رويتم عنه يدل على أنه لا يخالفها فادعيتم خلاف ما رويتم وتخالفون اختياره. ![]()
__________________
|
#313
|
||||
|
||||
![]() ![]() كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي المجلد السابع الحلقة (313) صــــــــــ 227 الى صـــــــــــ 233 [باب الطيب للمحرم] سألت الشافعي عن الطيب قبل الإحرام بما يبقى ريحه بعد الإحرام وبعد رمي الجمرة والحلاق قبل الإفاضة فقال: جائز وأحبه ولا أكرهه لثبوت السنة فيه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والأخبار عن غير واحد من أصحابه فقلت: وما الحجة فيه؟ فقال أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أنها قالت: «كنت أطيب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لإحرامه قبل أن يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت» فقلت للشافعي: فإنا نكره الطيب للمحرم ونكره الطيب قبل الإحرام وبعد الإحلال قبل أن يطوف بالبيت ونروي ذلك عن عمر بن الخطاب فقال: الشافعي: إني أراكم لا تدرون ما تقولون فقلت: ومن أين؟ فقال: أرأيتم نحن وأنتم بأي شيء عرفنا أن عمر قاله أليس إنما عرفنا بأن ابن عمر رواه عن عمر فقلت: بلى فقال: وعرفنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تطيب بخبر عائشة؟ فقلت: بلى قال: وكلاهما صادق؟ فقلت: نعم فإذا علمنا بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - تطيب وأن عمر نهى عن الطيب علما واحدا هو خبر الصادقين عنهما معا فلا أحسب أحدا من أهل العلم يقدر أن يترك ما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لغيره فإن جاز أن يتهم الغلط على بعض من بيننا وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - ممن حدثنا جاز مثل ذلك على من بيننا وبين عمر ممن حدثنا بل من روى عن عائشة تطيب النبي - صلى الله عليه وسلم - أكثر ممن روى عن ابن عمر نهي عمر عن الطيب روى عن عائشة سالم والقاسم وعروة والأسود بن يزيد وغيرهم (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : فأراكم إذا أصبتم لم تعقلوا من أين أصبتم وإذا أخطأتم لم تعرفوا سنة تذهبون إليها فتعذروا بأن تكونوا ذهبتم إلى مذهب بل أراكم إنما ترسلون ما جاء على ألسنتكم عن غير معرفة إنما كان ينبغي أن تقولوا من كره الطيب للمحرم إنما نهى عن الطيب أنه «حضر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالجعرانة حين سأله أعرابي أحرم وعليه جبة وخلوق فأمره بنزع الجبة وغسل الصفرة» . فقلت للشافعي: أفترى لنا بهذا حجة أو إنما هذا شبهة وما الحجة على من قال هذا قال: إن كان قاله بهذا فقد ذهب عليه «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تطيب» فقال: بما حضر «وتطيب النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجة الإسلام سنة عشر وأمر الأعرابي قبل ذلك بسنتين في سنة ثمان» فلو كانا مختلفين كان إباحته التطيب ناسخا لمنعه وليسا بمختلفين إنما «نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يتزعفر الرجل» (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : أخبرنا ابن علية عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يتزعفر الرجل» (قال الشافعي) : وأمر الرجل أن يغسل الزعفران عنه وقد تطيب سعد بن أبي وقاص وابن عباس للإحرام وكانت الغالية ترى في مفارق ابن عباس مثل الرب. (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : أخبرنا ابن عيينة عن عمر بن دينار عن سالم بن عبد الله قال: قال عمر من رمى الجمرة فقد حل ما حرم عليه إلا النساء والطيب وقال سالم: «قالت عائشة طيبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيدي» وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحق أن تتبع (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وهكذا ينبغي أن يكون الصالحون من أهل العلم فأما ما تذهبون إليه من ترك السنة لغيرها وترك ذلك الغير لرأي أنفسكم فالعلم إذا إليكم تأتون منه ما شئتم وتدعون منه ما شئتم تأخذون بلا تبصر لما تقولون ولا حسن روية فيه أرأيتم إذا خالفتم السنة هل عرفتم ما قلتم كرهتم الطيب قبل الإحرام لأنه يبقى بعد الإحرام وقد كان الطيب حلالا فإذا كرهتموه إذا كان يبقى بعد الإحرام فلا وجه لقولكم إلا أن تقولوا وجدناه إذا كان محرما ممنوعا أن يبتدئ طيبا فإذا تطيب قبل أن يحرم فما يبقى كان كابتداء الطيب في الإحرام قلت: فأنتم تجيزون بأن يدهن المحرم بما يبقي لينه، وذهابه الشعث ويرجل الشعر قال: وما هو؟ قلت: ما لا طيب فيه مثل الزيت والشيرق وغيره قال: هذا لا يصلح للمحرم أن يبتدئ الادهان به ولو فعل وجبت عليه كفارة المتطيب عندنا وعندكم وإنما كان ينبغي أن تقولوا: لا يدهن بشيء يبقي في رأسه لينة ساعة أو تجيزوا الطيب إذا كان قبل الإحرام ولو لم يكن في هذا سنة تتبع انبغى أن لا يقال إلا واحد من هذين القولين. . [باب في العمرى] قال: سألت الشافعي عمن أعمر عمرى له ولعقبه فقال: هي للذي يعطاها لا ترجع إلى الذي أعطاها فقلت: وما الحجة؟ فقال: السنة الثابتة من حديث الناس وحديث مالك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن جابر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «أيما رجل أعمر عمرى له ولعقبه فإنما هي للذي يعطاها» لا ترجع إلى الذي أعطى عطاء وقعت فيه المواريث قال: وبها نأخذ ويأخذ عامة أهل العلم في جميع الأمصار بغير المدينة وأكابر أهل العلم وقد روى هذا مع جابر بن عبد الله زيد بن ثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت للشافعي فإنا نخالف هذا فقال: أتخافونه وأنتم تروونه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: إن حجتنا فيه أن مالكا قال: أخبرنا يحيى بن سعيد عن عبد الرحمن بن القاسم أنه سمع مكحولا الدمشقي يسأل القاسم بن محمد عن العمرى وما يقول الناس فيها فقال له القاسم: ما أدركت الناس إلا وهم على شروطهم في أموالهم وفيما أعطوا (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : ما أجابه القاسم عن العمرى بشيء وما أخبره إلا أن الناس على شروطهم فإن ذهب إلى أن يقول: العمرى من المال والشرط فيها جائز فقد شرط الناس في أموالهم شروطا لا تجوز لهم فإن قال قائل: وما هي؟ قيل: الرجل يشتري العبد على أن يعتقه والولاء للبائع فيعتقه فهو حر والولاء للمعتق والشرط باطل فإن قال: السنة تدل على إبطال هذا الشرط قلنا: والسنة تدل على إبطال الشرط في العمرى فلم أخذت بالسنة مرة وتركتها مرة؟ قول القاسم لو كان قصد به قصد العمرى فقال: إنهم على شروطهم فيها لم يكن في هذا ما يرد به الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فإن قال قائل ولم؟ قيل: نحن لا نعلم أن القاسم قال هذا إلا بخبر يحيى عن عبد الرحمن عنه وكذلك علمنا قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في العمرى بخبر ابن شهاب عن أبي سلمة عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيره فإذا قبلنا خبر الصادقين فمن روى هذا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أرجح ممن روى هذا عن القاسم لا يشك عالم أن ما ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أولى أن يقال به مما قاله أناس بعده قد يمكن أن لا يكونوا سمعوا من رسول الله ولا بلغهم عنه شيء وأنهم لناس لا نعرفهم فإن قال قائل: لا يقول القاسم قال الناس إلا لجماعة من أصحاب رسول الله أو من أهل العلم لا يجهلون للنبي - صلى الله عليه وسلم - سنة ولا يجمعون أبدا من جهة الرأي ولا يجمعون إلا من جهة السنة قيل له أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد أن رجلا كانت عنده وليدة لقوم فقال لأهلها: شأنكم بها فرأى الناس أنها تطليقة وأنتم تزعمون أنها ثلاثة فإذا قيل لكم تتركون قول القاسم والناس إنها تطليقة قلتم: لا ندري من الناس الذين يروي هذا عنهم القاسم فإن لم يكن قول القاسم والناس حجة عليكم في رأي أنفسكم لهو عن أن يكون على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حجة أبعد ولئن كان حجة لعله أخطأتم بخلافكم إياه برأيكم وإنا لنحفظ عن ابن عمر في العمرى مثل قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (قال الشافعي) : - رحمه الله - أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار وحميد الأعرج عن حبيب بن أبي ثابت قال: كنت عند ابن عمر فجاءه رجل من أهل البادية فقال: إني وهبت لابني ناقة حياته وإنها تناتجت إبلا فقال ابن عمر: هي له حياته وموته فقال: إني تصدقت عليه بها قال: ذلك أبعد لك منها. (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : أخبرنا سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن حبيب بن أبي ثابت مثله إلا أنه قال: أضنت واضطربت يعني كبرت واضطربت (قال الشافعي) : أخبرنا سفيان عن عمرو عن سليمان بن يسار أن طارقا قضى بالمدينة بالعمرى عن قول جابر بن عبد الله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (قال الشافعي) : أخبرنا سفيان عن عمرة عن طاوس عن حجر المدري عن زيد بن ثابت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «العمرى للوارث» (قال الشافعي) : أخبرنا سفيان عن ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح عن جابر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تعمروا ولا ترقبوا فمن أعمر شيئا أو أرقبه فسبيله سبيل الميراث» (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : أخبرنا سفيان عن أيوب عن ابن سيرين قال: حضرت شريحا قضى لأعمى بالعمرى فقال له الأعمى: يا أبا أمية بما قضيت لي؟ فقال له شريح: لست أنا قضيت لك ولكن محمد - صلى الله عليه وسلم - قضى لك منذ أربعين سنة قال: ومن أعمر شيئا حياته فهو لورثته إذا مات (قال الشافعي) : فتتركون ما وصفت من العمرى مع ثبوته عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقول زيد بن ثابت وجابر بن عبد الله وابن عمر وسليمان بن يسار وعروة بن الزبير وهذا عندكم عمل بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - لتوهم في قول القاسم وأنتم تجدون في قول القاسم أفتى في رجل قال لأمة قوم شأنكم بها فرأى الناس أنها تطليقة ثم تخالفونه برأيكم وما روى القاسم عن الناس. والله أعلم. . [باب ما جاء في العقيقة] (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي قال: تستحب العقيقة ولو بعصفور قلت للشافعي: فإنا نقول ليس عليه العمل ولا نلتفت إلى قول تستحب قال: قد يمكن أن لا يكون استحبها إلا أهل العلم بالمدينة (قال الشافعي) : أخبرنا الثقفي عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار أن الناس كانوا يقضون في المجوس بثمانمائة درهم وأن اليهود والنصارى إذا أصيبوا يقضى لهم بقدر ما يعقلهم قومهم فيما بينهم قلت: فإنا نقول في اليهودي والنصراني نصف دية المسلم ولا نلتفت إلى رواية سليمان بن يسار إن الناس (قال الشافعي) : سليمان مثل القاسم في السن أو أسن منه فإن كانت لكم حجة بقول القاسم "الناس" فهي عليكم بقول سليمان بن يسار ألزم لأنه لا يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في اليهودي والنصراني قول. . [باب في الحربي يسلم] . باب في الحربي يسلم سألت الشافعي عن المشركين الوثنيين الحربيين يسلم الزوج قبل المرأة أو المرأة قبل الزوج أقام المسلم منهما في دار الإسلام أو خرج فقال: ذلك كله سواء ولا يحل للزوج إصابتها ولا له أن يصيبها إذا كان واحد منهما مسلما، ونظرتهما انقضاء العدة، فإن انقضت عدة المرأة قبل أن يسلم الزوج انقطعت العصمة بينهما وكذلك ولو كان الزوج المسلم فانقضت عدة المرأة قبل أن تسلم هي انقطعت العصمة بينهما لا اختلاف بين الزوج والمرأة في ذلك. فقلت له: علام اعتمدت في هذا؟ فقال: على ما لا أعلم من أهل العلم بالمغازي في هذا اختلافا من أن أبا سفيان أسلم قبل امرأته وأن امرأة صفوان وعكرمة أسلمتا قبلهما ثم استقروا على النكاح وذلك أن آخرهم إسلاما أسلم قبل انقضاء عدة المرأة وفيه أحاديث لا يحضرني ذكرها وقد حضرني منها حديث مرسل وذلك أن مالكا أخبرنا عن ابن شهاب أن صفوان بن أمية هرب من الإسلام ثم أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - وشهد حنينا والطائف مشركا وامرأته مسلمة واستقرا على النكاح قال ابن شهاب: فكان بين إسلام صفوان وامرأته نحو من شهر فقلت له: أرأيت إن قلت مثل إذا أسلمت قبل زوجها خرجت من الدار أو لم تخرج ثم أسلم الزوج فهما على النكاح ما لم تنقض العدة وإذا أسلم الزوج قبل المرأة وقعت الفرقة بينهما إذا عرض عليها الإسلام فلم تسلم لأن الله تبارك وتعالى يقول {ولا تمسكوا بعصم الكوافر} [الممتحنة: 10] (قال الشافعي) : إذا يدخل عليكم والله أعلم خلاف التأويل والأحاديث والقياس وما القول في رجل يسلم قبل امرأته والمرأة قبل زوجها إلا واحد من قولين أنتم قوم لم تعرفوا فيه الأحاديث أو عرفتموها فرددتموها بتأويل القرآن فإذا تأولتم قول الله {ولا تمسكوا بعصم الكوافر} [الممتحنة: 10] لم تعدوا أن تكونوا أردتم بقوله تبارك وتعالى أنه إذا أسلم الزوج انقطعت العصمة بينهما مكانه وأنتم لم تقولوا بهذا وزعمتم أن العصمة إنما تقطع بينهما إذا عرض على الزوجة الإسلام فأبت وقد يعرض عليها الإسلام من ساعتها ويعرض عليها بعد سنة وأكثر فليس هذا بظاهر الآية ولم تقولوا في هذا بخبر ولا يجوز أن يقال بغير ظاهر الآية إلا بخبر لازم فقلت: فإن قلت يعرض عليها الإسلام من ساعتها (قال الشافعي) : أفليس يقيم بعد إسلامه قبل يفرق بينهما؟ أو رأيتم إن كانت غائبة عن موضع إسلامه أو بكماء لا تكلم أو مغمى عليها فإن قلتم: تطلق فقد تركتم العرض وإن قلتم: ينتظر بها فقد أقامت في حباله وهي كافرة (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : والآية في الممتحنة مثلها قال الله تعالى: {فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن} [الممتحنة: 10] فسوى بينهما وكيف فرقتم بينهما؟ (قال الشافعي) : هذه الآية في معنى تلك لا تعدو هاتان الآيتان أن تكونا تدلان على أنه إذا اختلف دينا الزوجين فكان لا يحل للزوج جماع زوجته لاختلاف الدينين فقد انقطعت العصمة بينهما أو يكون لا يحل له في تلك الحال ويتم انقطاع العصمة إن جاءت عليها مدة ولم يسلم المتخلف عن الإسلام منهما فإن كان هذا المعنى لم يصلح أن تكون المدة إلا بخبر يلزم لأن رجلا لو قال: مدتهما ستة أشهر أو يوم لم يجز هذا من قبل الرأي إنما يجوز من جهة الأخبار اللازمة فلما سن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في امرأة أبي سفيان وكان أبو سفيان قد أسلم هو وامرأته هند مقيمة بمكة وهي دار حرب لم تسلم وأمرت بقتله ثم أسلمت بعد أيام فاستقرا على النكاح وهرب عكرمة بن أبي جهل وصفوان بن أمية من الإسلام وأسلمت زوجتاهما ثم أسلما فاستقرا على النكاح وكان ابن شهاب حمل أحد الحديثين أو هما معا فذكر فيه توقيت العدة دل ذلك على انقطاع العصمة بين الزوجين إن انقضت العدة قبل أن يسلم المتخلف عن الإسلام منهما لا أن انقطاع العصمة هو أن يكون أحدهما مسلما ويكون الفرج ممنوعا حين يسلم (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : فقيل لبعض من يذهب إلى التفريق بين الزوج يسلم قبل المرأة والمرأة تسلم قبل الزوج أتجهلون امرأة أبي سفيان؟ قالوا: لا ولكن كان الذي بين إسلامهما يسيرا قيل: أما علمتم أن أبا سفيان قد أسلم وقد أقامت هند على الكفر ثم أسلمت فاستقر على النكاح؟ قال: بلى قيل: أو ليس بقيت عقدته عليها وقد أسلم قبلها قال: بلى قيل: فلو كان معنى الآية {ولا تمسكوا بعصم الكوافر} [الممتحنة: 10] على أنه متى أسلم حرمت كنتم قد خالفتم الآية وقولكم: وعلمتم أن السنة في هند على غير ما قلتم وإذا كان {ولا تمسكوا بعصم الكوافر} [الممتحنة: 10] جاءت عليهم مدة لم تسلم فيها فالمدة لا تجوز إلا بخبر يلزم مثله (قال الشافعي) : وأنتم إذا قلتم لا يفسخ بينهما حتى يعرض عليها الإسلام فتأباه فإذا عرض عليها الإسلام فأبته انفسخ النكاح قيل: فإذا كانت ببلاد نائية فإذا انقضت عدتها انفسخ النكاح وإن لم يعرض عليها الإسلام وهذا خارج من الوجهين والمعقول إن كان يقطع العصمة أن يسلم الزوج قبلها انبغى أن نخرجها من يده قبل عرض الإسلام وإن كان ذلك بمدة فالمدة التي نذهب إليها نحن وأنتم العدة. . [باب في أهل دار الحرب] . باب في أهل دار الحرب سألت الشافعي عن أهل الدار من أهل الحرب يقتسمون الدور ويملك بعضهم على بعض على ذلك القسم ويسلمون ثم يريد بعضهم أن ينقض ذلك القسم ويقسمه على قسم الإسلام فقال: ليس ذلك له قلت: ما الحجة في ذلك؟ : قال: الاستدلال بمعنى الإجماع والسنة قلت: وأين ذلك؟ قال: أرأيت أهل دار الحرب إذا سبى بعضهم بعضا وغصب بعضهم بعضا وقتل بعضهم بعضا ثم أسلموا أهدرت الدماء وأقررت الأرقاء في يدي من أسلموا وهم رقيق لهم والأموال لأنهم ملكوها عليهم قبل الإسلام فإذا ملكوا بقسم الجاهلية فما ذلك الملك بأحق وأولى أن يثبت لمن ملكه من ملك الغصب والاسترقاق لمن كان جرا مع أنه أخبرنا مالك عن ثور بن يزيد الديلي أنه قال: بلغني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «أيما دار أو أرض قسمت في الجاهلية فهي على قسم الجاهلية وأيما دار أو أرض أدركها الإسلام لم تقسم فهي على قسم الإسلام» (قال الشافعي) : نحن نروي فيه حديثا أثبت من هذا بمثل معناه. . [باب البيوع] سألت الشافعي عن الرجل يأتي بذهب إلى دار الضرب فيعطيها الضراب بدنانير مضروبة ويزيده على وزنها، قال: هذا الربا بعينه المعجل قلت وما الحجة؟ قال: أخبرنا مالك عن موسى بن أبي تميم عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم لا فضل بينهما» (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن عمر قال: لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلا بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض، فقلت للشافعي: فإنا نزعم أنه لا بأس بهذا قال: فهذا الذي نهى عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - بعينه فكيف أجزتموه؟ قال: هذا من ضرب قولكم في اللحم أنه لا بأس أن يباع بعضه ببعض بغير وزن بالبادية وحيث ليس موازين فإن كان اللحم من الطعام الذي نهى عنه إلا مثلا بمثل فقد أجزتموه وإن لم يكن منه فلم تحرمونه في القرية وتجيزونه في البادية وأنتم لا تجيزون بالبادية تمرا بتمر إلا مثلا بمثل وإن لم يكن في البادية مكيال وأجزتم هذا في الخبز أن يباع بعضه ببعض بغير وزن إذا تحرى في القرية والبادية وفي البيض وما أشبهه. [باب متى يجب البيع] سألت الشافعي: متى يجب البيع حتى لا يكون للبائع نقضه ولا للمشتري نقضه إلا من عيب؟ قال: إذا تفرق المتبايعان بعد عقدة البيع من المقام الذي تبايعا فيه فقلت: وما الحجة في ذلك؟ قال: أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «المتبايعان كل واحد منهما بالخيار على صاحبه ما لم يتفرقا إلا بيع الخيار» فقلت له: فإنا نقول ليس لذلك عندنا حد معروف ولا أمر معمول به فيه (قال الشافعي) : الحديث بين لا يحتاج إلى تأويل ولكني أحسبكم التمستم العذر من الخروج منه بتجاهل كيف وجه الحديث وأي شيء فيه يخفى عليه قد زعمتم أن عمر قال لمالك بن أوس حين اصطرف من طلحة بن عبيد الله بمائة دينار فقال له طلحة أنظرني حتى يأتي خازني من الغابة فقال: لا والله لا تفارقه حتى تقبض منه فزعمتم أن الفراق فراق الأبدان فكيف لم تعلموا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا أن الفراق فراق الأبدان» فإن قلتم: ليس هذا أردنا إنما أردنا أن يكون عمل به بعده فابن عمر الذي سمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا ابتاع الشيء يعجبه أن يجب له فارق صاحبه فمشى قليلا ثم رجع أخبرنا بذلك سفيان عن ابن جريج عن نافع عن ابن عمر وقد خالفتم النبي - صلى الله عليه وسلم - وابن عمر جميعا. . [باب بيع البرنامج] سألت الشافعي عن بيع الساج المدرج والقبطية وبيع الأعدال على البرنامج على أنه واجب بصفة أو غير صفة قال: لا يجوز من هذا شيء إلا لمشتريه الخيار إذا رآه قلت: وما الحجة في ذلك؟ قال أخبرنا مالك عن محمد بن يحيى بن حبان وعن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الملامسة والمنابذة» فقلت للشافعي: فإنا نقول في الساج المدرج والقبطي المدرج لا يجوز بيعهما لأنهما في معنى الملامسة ونزعم أن بيع الأعدال على البرنامج يجوز (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : فالأعدال التي لا ترى أدخل في معنى الغرر المحرم من القبطية والساج يرى بعضه دون بعض ولأنه لا يرى من الأعدال شيء وأن الصفقة تقع منها على ثياب مختلفة فقلت للشافعي: إنما نفرق بين ذلك لأن الناس أجازوه (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : ما علمت أحدا يقتدي به في العلم أجازه فإن قلتم: إنما أجزناه على الصفقة فبيوع الصفقات لا تجوز إلا مضمونة على صاحبها بصفة يكون عليه أن يأتي بها بكل حال وليس هكذا بيع البرنامج أرأيت لو هلك المبيع أيكون على بائعه أن يأتي بصفة مثله فإن قلتم: لا فهذا لا بيع عين ولا بيع صفة. . [باب بيع الثمر] . باب بيع الثمر سألت الشافعي عن بيع الثمر حتى يبدو صلاحه فقال: أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الثمر حتى يبدو صلاحه نهى البائع والمشتري» (قال الشافعي) : وبهذا نأخذ وفيه دلائل بينة منها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ نهى عن بيع الثمر حتى يبدو صلاحه قال وصلاحه أن ترى فيه الحمرة أو الصفرة لأن الآفة قد تأتي عليه أو على بعضه قبل بلوغه أو يجد بسرا وهو في الحال التي نهى عنها ظاهر يراه البائع والمشتري كما كانا يريانه إذا رئيت فيه الحمرة بما وصفنا من معنى أن الآفة ربما كانت فقطعته أو نقصته كانت كل ثمرة مثله لا يحل أن تباع أبدا حتى تزهى وتنضج منها ذلك وبهذا قلنا وقد قلتم بالجملة وقلنا: لا يحل بيع القثاء ولا الخربز وإن ظهر وعظم حتى يرى فيه النضج (قال الشافعي) : وقلنا: فإذا لم يحل بيع القثاء والخربز حتى يرى فيه النضج كان بيع ما لم يخرج من القثاء والخربز أحرم لأنه لم يبد صلاحه ولم يخلق ولا يدرى لعله لا يكون فقلت للشافعي: فإنا نقول إذا ظهر شيء من القثاء حل أن تباع ثمرته تلك وما خلق من القثاء ما نبت أصله. (قال الشافعي) : وقد «نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الثمر حتى يبدو صلاحه» فلم أجزتم بيع شيء لم يخلق بعد؟ «ونهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع السنين» وبيع السنين بيع الثمر سنين فإن زعمتم أنه يجوز في النخل إذا طابت العام أن ثمرته قابلا فقد خالفتم ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من الوجهين وإن زعمتم أن بيع ثمرة لم تأت لا يحل فكذلك كان ينبغي أن تقولوا في القثاء والخربز سألت الشافعي عن القثاء والخربز والفجل يشترى أيكون لمشتريه أن يبيعه قبل أن يقبضه فقال: لا ولا يباع شيء منه بشيء منه متفاضلا يدا بيد قلت للشافعي: وما الحجة في ذلك؟ فقال: أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر فقلت للشافعي: فإنا نقول كما قلت: لا يباع حتى يقبض ولا بأس بالفضل في بعضها على بعض يدا بيد ولا خير فيه نسيئة (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : هذا خلاف السنة في بعض القول قلت ومن أين؟ قال: زعمتم أنه لا يباع حتى يقبض وزعمتم أنه لا يباع بعضها ببعض نسيئة وهذا في حكم الطعام من التمر والحنطة ثم زعمتم أنه لا بأس بالفضل في بعضها على بعض يدا بيد وهذا خلاف حكم الطعام وهذا قول لا يقبل من أحد من الناس إما أن تكون خارجة من الطعام فلا بأس عندكم أن تباع قبل أن تقبض ويباع منها واحد بعشرة من صنفه نسيئة أو تكون طعاما فلا يجوز الفضل في الصنف منها على الآخر من صنفه يدا بيد. . [باب ما جاء في ثمن الكلب] سألت الشافعي عن الرجل يقتل الكلب للرجل فقال: ليس عليه غرم فقلت: وما الحجة في ذلك؟ فقال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أبي مسعود الأنصاري «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن» قال مالك: وإنما أكره بيع الكلاب الضواري وغير الضواري لنهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ثمن الكلب. (قال الشافعي) : نحن نجيز للرجل أن يتخذ الكلاب الضواري ولا نجيز له أن يبيعها لنهي النبي - صلى الله عليه وسلم - وإذا حرمنا ثمنها في الحال التي يحل اتخاذها فيه اتباعا لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يحل أن يكون لها ثمن بحال قلت للشافعي: فإنا نقول لو قتل رجل لرجل كلبا غرم له ثمنه فقال الشافعي: هذا خلاف حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والقياس عليه وخلاف أصل قولكم كيف يجوز أن تغرموه ثمنه في الحال التي تفوت فيها نفسه وأنتم لا تجعلون له ثمنا في الحال التي يحل أن ينتفع به فيها فإن قال قائل: فإن من المشرقيين من زعم أنه إذا قتل ففيه ثمنه ويروى فيه أثر فأولئك يجيزون بيعه حيا ويردون الحديث الذي في النهي عن ثمنه ويزعمون أن الكلب سلعة من السلع يحل ثمنه كما يحل ثمن الحمار ![]()
__________________
|
#314
|
||||
|
||||
![]() ![]() كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي المجلد السابع الحلقة (314) صــــــــــ 234 الى صـــــــــــ 241 والبغل وإن لم يؤكل لحمهما للمنفعة فيهما ويقولون: لو زعمنا أن ثمنه لا يحل زعمنا أنه لا شيء على من قتله ويقولون أشباها لهذا كثيرة فيزعمون أن ماشية لرجل لو ماتت كان له أن يسلخ جلودها فيدبغها فإذا دبغت حل بيعها ولو استهلكها رجل قبل الدباغ لم يضمن لصاحبها شيئا لأنه لا يحل ثمنها حتى تدبغ ويقولون في المسلم يرث الخمر أو توهب له لا تحل إلا بأن يفسدها فيجعلها خلا فإذا صارت خلا حل ثمنها ولو استهلكها مستهلك وهي خمر أو بعد ما أفسدت وقبل أن تصير خلا لم يضمن ثمنها في تلك الحال لأن أصلها محرم ولم تصر خلا لأنهم يعقلون ما يقولون: وإنما صاروا محجوجين بخلاف الحديث الذي ثبتناه نحن وأنتم من أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن ثمن الكلب وهم لا يثبتونه وأنتم محجوجون بأنكم لم تتبعوه وأنتم تثبتونه ولا تجعلون للكلب ثمنا إذا كان حيا وتجعلون فيه ثمنا إذا كان ميتا أو رأيتم لو قال لكم قائل: لا أجعل له ثمنا إذا قتل لأنه قد ذهبت منفعته وأجيز أن يباع حيا ما كانت المنفعة فيه وكان حلالا أن يتخذ هل الحجة عليه إلا أن يقال ما كان له مالك وكان له ثمن في حياته كان له ثمن وما لم يكن له ثمن في إحدى الحالين لم يكن له ثمن في الأخرى. . [باب الزكاة] (قال الشافعي) : - رحمه الله - أخبرنا مالك بن أنس عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد الخدري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة» قال: وبهذا نقول وتقولون في الجملة ثم خالفتموه في معان وقد زعمتم وزعمنا أن لا يضم صنف طعام إلى غيره لأنا إذا ضممناها فقد أخذنا فيما دون خمسة أوسق فإن في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يبين أنه لا يكون في خمسة أوسق صدقة حتى تكون من صنف واحد ثم زعمتم أنكم تضمون الحنطة والسلت والشعير معا لأن سعدا لم يجز الحنطة بالشعير إلا مثلا بمثل. (قال الشافعي) : وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم: «بيعوا الحنطة بالشعير كيف شئتم يدا بيد» ولم يقل في السلت شيئا علمته والسلت غير الحنطة والتمر من الزبيب أقرب من السلت من الحنطة وأنتم لا تضمون أحدهما إلى الآخر وزعمتم أنكم تضمون القطنية كلها بعضها إلى بعض وتزعمون أن حجتكم فيها أن عمر أخذ من القطنية العشر ونحن وأنتم نأخذ من القطنية والحنطة والتمر والعشور أفيضم بعض ذلك إلى بعض وأخذ عمر من الحنطة والزبيب نصف العشر أفيضم الزبيب إلى الحنطة؟ إن هذا لإحالة عما جاء عن عمر وخلافه هذا قول متناقض أنتم تحلون التفاضل إذا اختلف الصنفان فكيف حل لكم أن تضموها وهي عندكم مختلفة؟ وكيف جاز لكم أن يحل فيها التفاضل وهي عندكم طعام من صنف واحد؟ ما أعلم قولكم في القطنية والسلت والشعير إلا خلافا للسنة والآثار والقياس. . [باب النكاح بولي] سألت الشافعي عن النكاح فقال: كل نكاح بغير ولي فهو باطل فقلت: وما الحجة في ذلك؟ قال: أحاديث ثابتة فأما من حديث مالك فإن مالكا أخبرنا عن عبد الله بن الفضل عن نافع بن جبير عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الأيم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها» (قال الشافعي) : أخبرنا مالك أنه بلغه أن ابن المسيب كان يقول: قال عمر بن الخطاب: لا تنكح المرأة إلا بإذن وليها أو ذي الرأي من أهلها أو السلطان. (قال الشافعي) : وثبتم هذا وقلتم: لا يجوز نكاح إلا بولي ونحن نقول فيه بأحاديث من أحاديث الناس أثبت من أحاديثه وأبين (قال الشافعي) : أخبرنا مسلم بن خالد وعبد المجيد عن ابن جريج عن سليمان بن موسى عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل» ثلاثا (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : أخبرنا مسلم وسعيد عن ابن جريج عن عكرمة قال: جمع الطريق ركبا فيهم امرأة ثيب فجعلت أمرها بيد رجل فزوجها رجلا فجلد عمر الناكح والمنكح وفرق بينهما (قال الشافعي) : أخبرنا مسلم عن ابن خثيم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لا نكاح إلا بولي مرشد وشاهدي عدل (قال الشافعي) : وهذا قول العامة بالمدينة ومكة. قلت للشافعي: نحن نقول في الدنية لا بأس بأن تنكح بغير ولي، ونفسخه في الشريفة فقال: الشافعي عدتم لما سددتم من أمر الأولياء فنقضتموه قلتم لا بأس أن تنكح الدنية بغير ولي فأما الشريفة فلا (قال الشافعي) : السنة والآثار على كل امرأة فمن أمركم أن تخصوا الشريفة بالحياطة لها واتباع الحديث فيها، وتخالفون الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعمن بعده في الدنية؟ أرأيتم لو قال لكم قائل: بل لا أجيز نكاح الدنية إلا بولي لأنها أقرب من أن تدلس بالنكاح وتصير إلى المكروه من الشريفة التي تستحيي على شرفها وتخاف من يمنعها أما كان أقرب إلى أن يكون أصاب منكم؟ فإن الخطأ في هذا القول لأبين من أن يحتاج إلى تبينه بأكثر من حكايته (قال الشافعي) : النساء محرمات الفروج إلا بما أبيحت به الفروج من النكاح بالأولياء والشهود والرضا ولا فرق بين ما يحرم منهن وعليهن في شريفة ولا وضيعة، وحق الله عليهن، وفيهن كلهن واحد لا يحل لواحد منهن ولا يحرم منها إلا بما حل للأخرى وحرم منها. [باب ما جاء في الصداق] سألت الشافعي عن أقل ما يجوز من الصداق فقال: الصداق ثمن من الأثمان فما تراضى به الأهلون في الصداق مما له قيمة فهو جائز كما ما تراضى به المتبايعان مما له قيمة جاز قلت: وما الحجة في ذلك؟ قال: السنة الثابتة والقياس والمعقول والآثار فأما من حديث مالك فأخبرنا مالك عن أبي حازم عن سهل بن سعد «أن رجلا سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يزوجه امرأة فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - التمس ولو خاتما من حديد فقال لا أجد فزوجه إياها بما معه من القرآن» قلت للشافعي: فإنا نقول لا يكون صداق أقل من ربع دينار ونحتج فيه أن الله تبارك وتعالى يقول {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم} [البقرة: 237] وقال {وآتوا النساء صدقاتهن نحلة} [النساء: 4] فأي شيء يعطيها لو أصدقها درهما؟ قلنا: نصف درهم وكذلك لو أصدقها أقل من درهم كان لها نصفه قلت: فهذا قليل. (قال الشافعي) : هذا شيء خالفتم به السنة والعمل والآثار بالمدينة، ولم يقله أحد قبلكم بالمدينة علمناه وعمر بن الخطاب يقول: ثلاث قبضات زبيب مهر وسعيد بن المسيب يقول: لو أصدقها سوطا فما فوقه جاز وربيعة بن أبي عبد الرحمن يجيز النكاح على نصف درهم وأقل وإنما تعلمتم هذا فيما نرى من أبي حنيفة ثم أخطأتم قوله لأن أبا حنيفة قال: لا يكون الصداق أقل مما نقطع فيه اليد، وذلك عشرة دراهم فقيل لبعض من يذهب مذهب أبي حنيفة: أو خالفتم ما روينا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن بعده فإلى قول من ذهبتم؟ فروى عن علي فيه شيئا لا يثبت مثله لو لم يخالفه غيره لا يكون مهر أقل من عشرة دراهم فأنتم خالفتموه فقلتم: يكون الصداق ربع دينار قال: وقال بعض أصحاب أبي حنيفة: إنا استقبحنا أن يباح الفرج بشيء يسير قلنا: أفرأيت إن اشترى رجل جارية بدرهم يحل له فرجها؟ قالوا: نعم قلنا: فقد أبحتم فرجا وزيادة رقبة بشيء يسير فجعلتموها تملك رقبتها ويباح فرجها بدرهم وأقل وزعمتم أنه لا يباح فرجها منكوحة إلا بعشرة دراهم أو رأيت عشرة دراهم لسوداء فقيرة ينكحها شريف أليست بأكثر لقدرها من عشرة دراهم لشريفة غنية نكحها دنيء فقير؟ أو رأيتم وحين ذهبتم إلى ما تقطع فيه اليد فجعلتم الصداق قياسا عليه أليس الصداق بالصداق أشبه منه بالقطع؟ فقالوا: الصداق خبر والقطع خبر لا أن أحدهما قياس على الآخر ولكنهما اتفقا على العدد هذا تقطع فيه اليد وهذا يجوز مهرا فلو قال رجل: لا يجوز صداق أقل من خمسمائة درهم؛ لأن ذلك صداق النبي - صلى الله عليه وسلم - وصداق بناته ألا يكون أقرب منكم؟ أو قال رجل: لا يحل أن يكون الصداق أقل من مائتي درهم؛ لأن الزكاة لا تجب في أقل من مائتي درهم ألا يكون أقرب إلى الصواب منكم وإن كان كل واحد منكما غير مصيب وإذا كان لا ينبغي هذا وما قلتم فلا ينبغي فيه إلا اتباع السنة والقياس أرأيتم إن كان الرجل يصدق المرأة صداق مثلها عشرة دراهم ألف درهم فيجوز ولا يكون له رده. ويصدق المرأة عشرة وصداق مثلها آلاف فيجوز ولا يكون لها رد ذلك كما تكون البيوع يجوز فيها التغابن برضا المتبايعين فلم يكون هكذا فيما فوق عشرة دراهم ولا يكون هكذا فيما دون عشرة دراهم (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب قضى في المرأة يتزوجها الرجل أنه إذا أرخيت الستور فقد وجب الصداق. (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن ابن شهاب أن زيد بن ثابت قال: إذا دخل الرجل بامرأته فأرخيت عليهما الستور فقد وجب الصداق. (قال الشافعي) : ليس إرخاء الستور يوجب الصداق عندي لقول الله جل ثناؤه {إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن} [الأحزاب: 49] ولا نوجب الصداق إلا بالمسيس قال: وكذا روي عن ابن عباس وشريح وهو معنى القرآن. . [باب في الرضاع] (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر سهلة ابنة سهيل أن ترضع سالما خمس رضعات فيحرم بهن» (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة عن عائشة أنها: قالت كان فيما أنزل الله في القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن "ثم نسخن بخمس معلومات فتوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهن مما يقرأ من القرآن (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن نافع أن سالم بن عبد الله أخبره أن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أرسلت به وهو يرضع إلى أختها أم كلثوم فأرضعته ثلاث رضعات ثم مرضت فلم ترضعه غير ثلاث رضعات فلم يكن يدخل على عائشة من أجل أن أم كلثوم لم تكمل له عشر رضعات." (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : أخبرنا مالك عن نافع عن صفية بنت أبي عبيد أنها أخبرته أن حفصة أم المؤمنين أرسلت بعاصم بن عبد الله بن سعد إلى أختها فاطمة بنت عمر ترضعه عشر رضعات ليدخل عليها وهو صغير يرضع ففعلت فكان يدخل عليها. (قال الشافعي) : فرويتم عن عائشة أن الله أنزل كتابا أن "يحرم من الرضاع بعشر رضعات ثم نسخن بخمس رضعات، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - توفي وهي مما يقرأ من القرآن، وروي «عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أمر بأن يرضع سالم خمس رضعات يحرم بهن» ورويتم عن عائشة وحفصة أمي المؤمنين مثل ما روت عائشة وخالفتموه ورويتم عن ابن المسيب أن المصة الواحدة تحرم فتركتم رواية عائشة ورأيها ورأي حفصة بقول ابن المسيب وأنتم تتركون على سعيد بن المسيب رأيه برأي أنفسكم مع أنه روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل ما روت عائشة وابن الزبير ووافق ذلك رأي أبي هريرة وهكذا ينبغي لكم أن يكون عندكم العمل (قال الشافعي) : أخبرنا أنس بن عياض عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الزبير أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تحرم المصة ولا المصتان» فقلت للشافعي: أسمع ابن الزبير من النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال: نعم وحفظه عنه وكان يوم توفي النبي ابن تسع سنين. ." [باب ما جاء في الولاء] (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنما الولاء لمن أعتق» (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الولاء وعن هبته» (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وبهذا أقول فقلت للشافعي: إنا نقول في السائبة ولاؤه للمسلمين، وفي النصراني يعتق المسلم ولاؤه للمسلمين (قال الشافعي) : وتقولون في الرجل يسلم على يدي الرجل أو يلتقطه أو يواليه لا يكون لواحد من هؤلاء ولاء؛ لأن واحدا من هؤلاء لم يعتق، والعتق يقوم مقام النسب ثم تعودون فتخرجون من الحديثين وأصل قولكم فتقولون إذا أعتق الرجل عبده سائبة لم يكن له ولاؤه، وإذا أعتق الذمي عبده المسلم لم يكن له ولاؤه (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : ولا يعدو المعتق عبده سائبة، والنصراني يعتق عبده مسلما أن يكونا مالكين يجوز عتقهما فقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «الولاء لمن أعتق» فمن قال: لا ولاء لهذين فقد خالف ما جاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأخرج الولاء من المعتق الذي جعله له رسول الله أو يكون كل واحد منهما في حكم من لا يجوز له العتق إذا كانا لا يثبت لهما الولاء فإذا أعتق الرجل عبده سائبة أو النصراني عبده مسلما لم يكن واحد منهما حرا لأنه لا يثبت لهما الولاء وأنتم والله يعافينا وإياكم لا تعرفون ما تتركون، ولا ما تأخذون فقد تركتم على عمر أنه قال للذي التقط المنبوذ: ولاؤه لك وتركتم على ميمونة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - وابن عباس أنها وهبته ولاء سليمان بن يسار وتركتم حديث عبد العزيز بن عمر «عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الرجل يسلم على يدي الرجل له ولاؤه» وقلتم: الولاء لا يكون إلا لمعتق ولا يزول بهبة ولا شرط عن معتق ثم زعمتم في السائبة وله معتق وفي النصراني يعتق المسلم وهو معتق أن لا ولاء لهما فلو أخذتم ما أصبتم فيه بتبصر كان السائبة والنصراني أولى أن تقولوا: ولاء السائبة لمن أعتقه، والمسلم للنصراني إذا أعتقه وقد فرقتم بينهما كان ما خالفتموه لما خالف حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - «الولاء لمن أعتق» أولى أن تتبعوه؛ لأن فيه آثارا مما لا أثر فيه. . [باب الإفطار في شهر رمضان] (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة «أن رجلا أفطر في رمضان فأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يكفر بعتق رقبة أو صيام شهرين أو إطعام ستين مسكينا فقال: إني لا أجد فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - بعرق فقال: له خذ هذا فتصدق به فقال يا رسول الله ما أجد أحوج مني فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى بدت أنيابه ثم قال: كله» (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن عطاء الخراساني عن سعيد بن المسيب «أن أعرابيا جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: أصبت أهلي في رمضان وأنا صائم فقال رسول الله هل تستطيع أن تعتق رقبة؟ قال: لا قال: فهل تستطيع أن تهدي بدنة قال: لا قال فاجلس فأتي النبي - صلى الله عليه وسلم - بعرق فأعطاه إياه» (قال الشافعي) : - رحمه الله - بهذا نقول يعتق رقبة لا يجزيه غيرها إذا وجدها وكفارته كفارة الظهار وزعمتم أن أحب إليكم أن لا تكفروا إلا بإطعام يا سبحان الله العظيم كيف تروون عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئا تخالفونه، ولا تخالفون إلى قول أحد من خلق الله ما رأينا أحدا قط في شرق ولا غرب قبلكم ولا بلغنا عنه أنه قال مثل هذا، وما لأحد خلاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. . [باب في اللقطة] سألت الشافعي عمن وجد لقطة فقال: يعرفها سنة ثم يأكلها إن شاء موسرا كان أو معسرا فإذا جاء صاحبها ضمنها له فقلت له وما الحجة في ذلك؟ قال: السنة الثابتة وروى هذا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبي بن كعب وأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - بأكلها، وأبي من مياسير الناس يومئذ وقبل وبعد (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : أخبرنا مالك بن أنس عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن يزيد مولى المنبعث عن زيد بن خالد الجهني أنه قال: «جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسأله عن اللقطة فقال: اعرف عفاصها ووكاءها ثم عرفها سنة، فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها» (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن أيوب بن موسى عن معاوية بن عبد الله بن بدر الجهني أن أباه أخبره أنه نزل منزل قوم بطريق الشام فوجد صرة فيها ثمانون دينارا فذكر ذلك لعمر بن الخطاب فقال له عمر عرفها على أبواب المساجد واذكرها لمن يقدم من الشام سنة فإذا مضت السنة فشأنك بها. (قال الشافعي) : فرويتم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم عن عمر أنه أباح بعد سنة أكل اللقطة ثم خالفتم ذلك، وقلتم نكره أكل اللقطة للغني والمسكين (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن نافع أن رجلا وجد لقطة فجاء إلى عبد الله بن عمر فقال: إني وجدت لقطة فماذا ترى؟ فقال له ابن عمر: عرفها قال: قد فعلت قال زد قال: قد فعلت قال: لا آمرك أن تأكلها ولو شئت لم تأخذها. (قال الشافعي) : فابن عمر لم يوقت في التعريف وقتا وأنتم توقتون في التعريف سنة وابن عمر كره للذي وجد اللقطة أكلها غنيا كان أو فقيرا، وأنتم ليس هكذا تقولون وابن عمر كره له أخذها وابن عمر كره له أن يتصدق بها وأنتم لا تكرهون له أخذها بل تستحبونه وتقولون: لو تركها ضاعت. [باب المسح على الخفين] سألت الشافعي عن المسح على الخفين فقال: يمسح المسافر والمقيم إذا لبسا على كمال الطهارة فقلت: وما الحجة؟ قال: السنة الثابتة وقد أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عباد بن زياد وهو من ولد المغيرة بن شعبة عن المغيرة بن شعبة «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذهب لحاجته في غزوة تبوك ثم توضأ ومسح على الخفين وصلى» (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : أخبرنا مالك عن نافع وعبد الله بن دينار أنهما أخبراه أن عبد الله بن عمر قدم الكوفة على سعد بن أبي وقاص وهو أميرها فرآه يمسح على الخفين فأنكر ذلك عليه عبد الله بن عمر فقال له سعد: خل أباك فسأله فقال له عمر: إذا أدخلت رجليك في الخفين وهما طاهرتان فامسح عليهما قال ابن عمر: وإن جاء أحدنا من الغائط؟ قال: وإن جاء أحدكم من الغائط، أخبرنا مالك عن نافع أن ابن عمر بال في السوق ثم توضأ ومسح على خفيه ثم صلى. (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن سعيد بن عبد الرحمن بن رقيش قال: رأيت أنس بن مالك أتى قباء فبال وتوضأ ومسح على الخفين ثم صلى. (قال الشافعي) : فخالفتم ما روى صاحبكم عن عمر بن الخطاب وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر وأنس بن مالك وعروة بن الزبير وابن شهاب فقلتم لا يمسح المقيم وقد أخبرنا مالك عن هشام أنه رأى أباه يمسح على الخفين (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن ابن شهاب قال: يضع الذي يمسح على الخفين يدا من فوق الخفين ويدا من تحت الخفين ثم يمسح، فقلت للشافعي: فإنا نكره المسح في الحضر والسفر قال: هذا خلاف ما رويتم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وخلاف العمل من أصحابه والتابعين بعدهم فكيف تزعمون أنكم تذهبون إلى العمل والسنة جميعا (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن ابن المسيب «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لليهود حين افتتح خيبر: أقركم ما أقركم الله على أن الثمر بيننا وبينكم فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبعث ابن رواحة فيخرص بينه وبينهم ثم يقول: إن شئتم فلكم، وإن شئتم فلي» . . [مسائل في أبواب متفرقة] [باب ما جاء في الجهاد] (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن عمر بن كثير بن أفلح عن أبي محمد مولى أبي قتادة الأنصاري «عن أبي قتادة الأنصاري قال خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام حنين فلما التقينا كانت للمسلمين جولة فرأيت رجلا من المشركين قد علا رجلا من المسلمين قال فاستدرت له حتى أتيته من ورائه فضربته على حبل عاتقه ضربة فأقبل علي فضمني ضمة وجدت منها ريح الموت ثم أدركه الموت فأرسلني فلحقت عمر بن الخطاب فقلت له: ما بال الناس؟ فقال: أمر الله ثم إن الناس رجعوا فقال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه فقمت فقلت من يشهد لي ثم جلست ثم قال النبي - صلى الله عليه وسلم - من قتل قتيلا له عليه بينة في الثالثة فقمت فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما لك يا أبا قتادة؟ فاقتصصت عليه القصة فقال رجل: صدق يا رسول الله وسلب ذلك القتيل عندي فأرضه منه فقال أبو بكر لاها الله إذا لا يعمد إلى أسد من أسد يقاتل عن الله فيعطيك سلبه فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صدق فأعطه إياه قال أبو قتادة: فأعطانيه فبعت الدرع فابتعت به مخرفا في بني سلمة فإنه لأول مال تأثلته في الإسلام قال مالك المخرف النخيل» (قال الشافعي) : وبهذا نقول السلب للقاتل في الإقبال وليس للإمام أن يمنعه بحال؛ لأن إعطاء النبي - صلى الله عليه وسلم - السلب حكم منه وقد أعطى رسول الله السلب يوم حنين وأعطاه ببدر وأعطاه في غير موطن. فقلت للشافعي: فإنا نقول: إنما ذلك على الاجتهاد من الإمام فقال: تدعون ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يدل على أن هذا حكم من النبي - صلى الله عليه وسلم - للقاتل فكيف ذهبتم إلى أنه ليس بحكم؟ أو رأيتم ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من أنه أعطى من حضر أربعة أخماس الغنيمة فلو قال قائل: هذا من الإمام على الاجتهاد هل كانت الحجة عليه إلا أن يقال: إعطاء النبي - صلى الله عليه وسلم - على العام والحكم حتى تأتي دلالة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن قوله خاص فيتبع قول النبي - صلى الله عليه وسلم - فأما أن يتحكم متحكم فيدعي أن قولي النبي - صلى الله عليه وسلم - أحدهما حكم، والآخر اجتهاد بلا دلالة فإن جاز هذا خرجت السنن من أيدي الناس، فإن قلتم: لم يبلغنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال هذا إلا يوم حنين (قال الشافعي) : ولو لم يقله إلا يوم حنين أو آخر غزوة غزاها أو أولى لكان أولى ما آخذ به، والقول الواحد منه يلزم لزوم الأقاويل مع أنه قد قال وأعطاه ببدر وحنين وغيرهما، وقولكم ذلك من الإمام على الاجتهاد فإن لم يكن للقاتل وكان لمن حضر فكيف كان له أن يجتهد مرة فيعطيه ويجتهد أخرى فيعطيه غيره؟ وأي شيء يجتهد إذا ترك السنة إنما الاجتهاد قياس على السنة فإذا لزم الاجتهاد له صار تبعا للسنة وكانت السنة ألزم له أو كان يجوز له في هذا شيء إلا ما سن رسول الله أو أجمع المسلمون عليه أو كان قياسا عليه فقلت: فهل خالفك في هذا غيرنا؟ فقال: نعم بعض الناس قلت: فما احتج به (قال الشافعي) : قال إذا قال الإمام - قبل لقاء العدو: من قتل قتيلا فله سلبه فهو له وإن لم يقله فالسلب من الغنيمة بين من حضر الوقعة إذا أخذ خمسة فقلت للشافعي: فما كانت حجتك؟ قال: الحديث الذي روينا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قاله بعد تقضي حرب حنين لا قبل الوقعة فقلت: قد خالف الحديث (قال الشافعي) : وأنتم قد خالفتموه فإن كان له عذر بخلافه فهو أقرب للعذر منكم فإن قلتم تأوله فكيف جاز له أن يتأول فيقول فلعل النبي إنما أعطاه إياه من قبل أنه قال ذلك قبل الوقعة فإن قلت: هذا تأويل قيل: والذي قلت تأويل أبعد منه وقلت للشافعي: ما رأيت ما وصفت لك أنا أخذنا به من الحديث المروي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهو أصح رجالا وأثبت عند أهل الحديث أو ما سألناك عنه مما كنا نتركه من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل نلقاك (قال الشافعي) : عقل فيما زعمتم أنكم تتركون من حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - ما هو أثبت من الأكثر مما كنتم تأخذون به وأولى ففي ما تركتم مثل ما أخذتم به والذي أخذتم به ما لا يثبته أهل الحديث فقلت: مثل ماذا؟ فقال: مثل أحاديث أرسلها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث عمرو بن شعيب وغيره ومثل أحاديث منقطعة فقلت: فكيف أخذت بها؟ قال: ما أخذت بها إلا لثبوتها من غير وجه من روايتكم ورواية أهل الصدق فقلت للشافعي: أرجو أن أكون قد فهمت ما ذكرت من الحديث وصرت إلى ما أمرت به، ورأيت الرشد فيما دعيت إليه وعلمت أن بالعباد - كما قلت - الحاجة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورأيت في مذاهبنا ما وصفت من تناقضها، والله أسأله التوفيق، وأنا أسألك عما روينا في كتابنا الذي قدمنا على الكتب عن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (قال الشافعي) : فسل منه عما حضرك وفقنا الله وإياك لما يرضى وعصمنا وإياك بالتقوى وجعلنا نريده بما نقول ونصمت عنه إنه على ذلك قادر. (قال الشافعي) : - رحمه الله: أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن أبا بكر صلى الصبح فقرأ فيها بسورة البقرة في الركعتين كلتاهما. فقلت للشافعي: فإنا نكره للإمام أن يقرأ بقريب من هذا لأن هذا يثقل قال: أفرأيت إن قال لكم قائل: أبو بكر يقرأ بسورة البقرة في الصبح في روايتكم في الركعتين معا وأقل أمره أنه قسمها في الركعتين وأنك تكره هذا فكيف رغبت عن قراءة أبي بكر، وأصحابه متوافرون - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر من الإسلام وأهله بالوضع الذي هو به وقد أخبرنا ابن عيينة عن ابن شهاب عن أنس أن أبا بكر صلى بالناس الصبح فقرأ بسورة البقرة فقال له عمر: كربت الشمس أن تطلع فقال: لو طلعت لم تجدنا غافلين ورويت عن عمر وعثمان تطويل القراءة وكرهتها كلها (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن أبي عبيد مولى سليمان بن عبد الملك أن عبادة بن نسي أخبره أنه سمع قيسا يقول: أخبرني أبو عبد الله الصنابحي أنه قدم المدينة في خلافة أبي بكر فصلى وراء أبي بكر المغرب فقرأ في الركعتين الأوليين بأم القرآن وسورة، سورة من قصار المفصل ثم قام في الركعة الثالثة فدنوت منه حتى إن ثيابي لتكاد أن تمس ثيابه فسمعته قرأ بأم القرآن وهذه الآية {ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا} [آل عمران: 8] الآية قلت للشافعي: فإنا نكره القراءة في الركعتين الأخيرتين والركعة الأخرى بشيء غير أم القرآن فهل تستحبه أنت؟ فقال: نعم وقال لي الشافعي: فكيف تكرهونه وقد رويتموه عن أبي بكر وروى ابن عيينة عن عمر بن عبد العزيز أنه حين بلغه عن أبي بكر أخذ به (قال الشافعي) : - رحمه الله: وقد أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يقرأ في الركعتين الأخيرتين بأم القرآن وسورة ويجمع الأحيان السور في الركعة الواحدة فقلت للشافعي: فهذا أيضا مما نكرهه فقال: أرويتم عن ابن عمر عن عمر أنه قرأ بالنجم فسجد فيها ثم قام فقرأ سورة أخرى فكيف كرهتم هذا وخالفتموهما معا؟ فقلت للشافعي: أتستحب أنت هذا؟ قال: نعم وأفعله. [باب ما جاء في الرقية] سألت الشافعي عن الرقية فقال: لا بأس أن يرقي الرجل بكتاب الله وما يعرف من ذكر الله قلت: أيرقي أهل الكتاب المسلمين؟ فقال: نعم إذا رقوا بما يعرف من كتاب الله أو ذكر الله فقلت: وما الحجة في ذلك؟ قال: غير حجة، فأما رواية صاحبنا وصاحبك فإن مالكا أخبرنا عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن أن أبا بكر دخل على عائشة وهي تشتكي ويهودية ترقيها فقال أبو بكر: ارقيها بكتاب الله فقلت للشافعي: فإنا نكره رقية أهل الكتاب فقال: ولم وأنتم تروون هذا عن أبي بكر ولا أعلمكم تروون عن غيره من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - خلافه وقد أحل الله جل ذكره طعام أهل الكتاب ونساءهم وأحسب الرقية إذا رقوا بكتاب الله مثل هذا أو أخف. [باب في الجهاد] سألت الشافعي عن القوم يدخلون بلاد الحرب أيخربون العامر ويقطعون الشجر المثمر؟ ويحرقونه والنخل والبهائم أو يكره ذلك كله؟ (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : أما كل ما لا روح فيه من شجر مثمر وبناء عامر وغيره فيخربونه ويهدمونه ويقطعونه وأما ذوات الأرواح فلا يقتل منها شيء إلا ما كان يحل بالذبح ليؤكل فقلت: له وما الحجة في ذلك وقد كره أبو بكر الصديق أن يخرب عامرا أو يقطع مثمرا أو يحرق نخلا أو يعقر شاة أو بعيرا إلا لمأكلة وأنت أخبرتنا بذلك عن مالك عن يحيى بن سعيد أن ![]()
__________________
|
#315
|
||||
|
||||
![]() ![]() كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي المجلد السابع الحلقة (315) صــــــــــ 242 الى صـــــــــــ 249 أبا بكر الصديق أوصى يزيد بن أبي سفيان حين بعثه إلى الشام فقال الشافعي: هذا من حديث مالك منقطع وقد يعرفه أهل الشام بإسناد أحسن من هذا فقلت للشافعي: وقد روى أصحابنا سوى هذا عن أبي بكر فبأي شيء تخالفه أنت؟ فقال: بالثابت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه حرق أموال بني النضير وقطع وهدم لهم وحرق وقطع بخيبر ثم قطع بالطائف وهي آخر غزاة غزاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقاتل بها، فقلت للشافعي: فكيف كرهت عقر ذوات الأرواح وتحريقها إلا لتؤكل؟ فقال: بالسنة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من قتل عصفورا بغير حقها حوسب بها قيل: وما حقها قال: يذبحها فيأكلها ولا يقطع رأسها فيلقيه» فرأيت إباحة قتل البهائم المأكولة غير العدو منها في الكتاب والسنة إنما هو أن تصاد فتؤكل أو تذبح فتؤكل وقد نهى عن تعذيب ذوات الأرواح (قال الشافعي) : - رحمه الله - فقال: فإنا نقول شبيها بما قلت، قلت: قد خالفتم ما رويتم عن أبي بكر فقد خالفتموه بما وصفت فما أعرف ما ذهب إليه الذي اتبعناه فقلت: إن كان خالفه لما وصفت مما روي عن أبي بكر لأنه رأى أنه ليس لأحد أن يخالف ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فهكذا ينبغي أن يقول أبدا يترك مرة حديث رسول الله بقول الواحد من أصحاب رسول الله ثم يترك قول ذلك الواحد لرأي نفسه فالعمل إذا إليه يفعل فيه ما شاء وليس ذلك لأحد من أهل دهرنا. سألت الشافعي عن الرجل يقر بوطء أمته فتأتي بولد فينكره فيقول: قد كنت أعزل عنها ولم أكن أحبسها في بيتي فقال: يلحق به الولد إذا أقر بالوطء ولم يدع استبراء بعد الوطء ولا ألتفت إلى قوله كنت أعزل عنها لأنها قد تحبل وهو يعزل ولا إلى تضييعه إياها بترك التحصين لها وإن من أصحابنا لمن يريه القافة مع قوله فقلت: فما الحجة فيما ذكرت؟ قال: أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه أن عمر بن الخطاب قال: ما بال رجال يطئون ولائدهم ثم يعزلون لا تأتيني وليدة يعترف سيدها أن قد ألم بها إلا ألحقت به ولدها فاعزلوا بعد أو اتركوا، فقلت للشافعي: صاحبنا يقول: لا نلحق ولد الأمة وإن أقر بالوطء بحال حتى يدعي الولد (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : أخبرنا مالك عن نافع عن صفية عن عمر في إرسال الولائد يوطأن بمثل معنى حديث ابن شهاب عن سالم. (قال الشافعي) : فهذه رواية صاحبنا وصاحبكم عن عمر من وجهين ورواه غيره عنه ولم ترووا أن أحدا خالفه من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا التابعين فكيف جاز أن يترك ما روي عن عمر لا إلى قول أحد من أصحابه؟ فقلت للشافعي: فهل خالفك في هذا غيرنا؟ قال: نعم بعض المشرقيين قلت: فما كانت حجتهم؟ قال: كانت حجتهم أن قالوا: انتفى عمر من ولد جارية له وانتفى زيد بن ثابت من ولد جاريته وانتفى ابن عباس من ولد جارية له فقلت: فما حجتك عليهم؟ فقال: أما عمر فروي عنه أنه أنكر حمل جارية له فأقرت بالمكروه وأما زيد وابن عباس فإنما أنكرا إن كانا فعلا أن ولد جاريتين عرفا أن ليس منهما فحلال لهما فكذلك ينبغي لهما في الأمة وكذلك ينبغي لزوج الحرة إذا علم أنها حبلت من زنا أن يدفع ولدها ولا يلحق بنفسه من ليس منه وإنما قلت هذا فيما بينه وبين الله كما تعلم المرأة أن زوجها قد طلقها ثلاثا فلا ينبغي لها إلا الامتناع منه بجهدها وعلى الإمام أن يحلفها ثم يردها فالحكم غير ما بين العبد وبين الله. (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : فكانت حجتنا عليهم من قولهم أنهم زعموا أن ولد الأمة لا يلحق إلا بدعوة حادثة وأن للرجل بعدما يحصن الأمة وتلد منه أولادا يقر بهم أن ينفي بعدهم ولدا أو يقر بآخر بعده وإنما جعلوا له النفي أنهم زعموا أنه لا يلحق ولد الأمة بحال إلا بدعوة حادثة ثم قالوا: إن أقر بولد جارية ثم حدث بعد أولاد ثم مات ولم يدعهم ولم ينفهم لحقوا به وكان الذي اعتدوا في هذا أن قالوا: القياس أن لا يلحق ولكنا استحسنا (قال الشافعي) : إذا تركوا القياس فجاز لهم فقد كان لغيرهم ترك القياس حيث قاسوا والقياس حيث تركوا وترك القياس عندنا لا يجوز وما يجوز في ولد الأمة إلا واحد من قولين إما قولنا وإما لا يلحق به إلا بدعوة فيكون لو حصن سرية وأقر بولدها ثم ولدت بعد عشرة عنده ثم مات ولم تقم بينة باعتراف بهم نفوا معا عنه. [باب فيمن أحيا أرضا مواتا] سألت الشافعي عمن أحيا أرضا مواتا فقال: إذا لم يكن للموات مالك فمن أحيا من أهل الإسلام فهو له دون غيره ولا أبالي أعطاه إياه السلطان أو لم يعطه لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطاه وإعطاء النبي - صلى الله عليه وسلم - أحق أن يتم لمن أعطاه من عطاء السلطان فقلت: فما الحجة فيما قلت؟ قال: ما رواه مالك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن بعض أصحابه (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن هشام عن أبيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من أحيا أرضا ميتة فهي له وليس لعرق ظالم حق» (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه أن عمر بن الخطاب قال: من أحيا أرضا ميتة فهي له. (قال الشافعي) : وأخبرنا سفيان وغيره بإسناد غير هذا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل معناه (قال الشافعي) : وبهذا نأخذ وعطية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أحيا أرضا مواتا أنها له أكثر له من عطية الوالي، فقلت للشافعي: فإنا نكره أن يحيي الرجل أرضا ميتة إلا بإذن الوالي (قال الشافعي) : - رحمه الله - فكيف خالفتم ما رويتم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعمر وهذا عندكم سنة وعمل بعدهما وأثبتم للوالي أن يعطي وليس للوالي أن يعطي أحدا ما ليس له ولا يمنعه ماله ولا على أحد حرج أن يأخذ ماله وإذا أحيا أرضا ميتة فقد أخذ ماله ولا دافع عنها فيقال للرجل فيما لا دافع عنه وله أخذه: لا تأخذ إلا بإذن سلطان فإن قال قائل للرجل فيما لا بد للسلطان أن يكشف أمره فهو لا يكشف إلا وهو معه خصم والظاهر عنده أنه لا مالك لها فإذا أعطاها رجلا، ثم جاءه من يستحقها دونه ردها إلى مستحقها وكذلك لو أخذها وأحياها بغير إذنه فلا أثبتم للسلطان فيها معنى إنما كان له معنى لو كان إذا أعطاه لم يكن لأحد استحقها أخذها من يديه فأما ما كان لأحد لو استحقها بعد إعطاء السلطان إياها أخذها من يديه فلا معنى له إلا بمعنى أخذ الرجل إياها لنفسه (قال الشافعي) : وهذا التحكم في العلم تدعون ما تروون عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعمر لا يخالفهما أحد علمناه من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - لرأيكم وتضيقون على غيركم أوسع من هذا، فقلت للشافعي: فهل خالفك في هذا غيرنا؟ فقال: ما علمت أحدا من الناس خالف في هذا غيركم وغير من رويتم هذا عنه إلا أبا حنيفة فإني أراكم سمعتم قوله فقلتم به ولقد خالفه أبو يوسف فقال فيه مثل قولنا وعاب قول أبي حنيفة بخلاف السنة (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : ومما في معنى ما خالفتم فيه ما رويتم فيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعمن بعده لا مخالف له أن مالكا أخبرنا عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا ضرر ولا ضرار» قال: ثم أتبعه في كتابه حديثا كأنه يرى أنه تفسيره (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يمنع أحدكم جاره أن يغرز خشبة في جداره» قال: ثم يقول أبو هريرة: مالي أراكم عنها معرضين؟ والله لأرمين بها بين أكتافكم (قال الشافعي) : ثم أتبعهما حديثين لعمر كأنه يراهما من صنفه (قال الشافعي) - رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه أن الضحاك بن خليفة ساق خليجا له من العريض فأراد أن يمر به في أرض لمحمد بن مسلمة فأبى محمد فكلم فيه الضحاك عمر بن الخطاب فدعا بمحمد بن مسلمة وأمره أن يخلي سبيله فقال ابن مسلمة: لا فقال عمر: لم تمنع أخاك ما ينفعه وهو لك نافع؟ تشرب به أولا وآخرا ولا يضرك فقال محمد: لا فقال: عمر والله ليمرن به ولو على بطنك. (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه أنه كان في حائط جده ربيع لعبد الرحمن بن عوف فأراد عبد الرحمن أن يحوله إلى ناحية من الحائط هي أقرب إلى أرضه فمنعه صاحب الحائط فكلم عبد الرحمن عمر فقضى عمر أن يمر به فمر به (قال الشافعي) : - رحمه الله تعالى - فرويتم في هذا الكتاب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديثا صحيحا ثابتا وحديثين عن عمر بن الخطاب ثم خالفتموها كلها فقلتم في كل واحد منها لا يقضى بها على الناس وليس عليها العمل ولم ترووا عن أحد من الناس علمته خلافها ولا خلاف واحد منها فعمل من تعني تخالف به سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فينبغي أن يكون ذلك العمل مردودا عندنا وتخالف عمر مع السنة لأنه يضيق خلاف عمر وحده فإذا كانت معه السنة كان خلافه أضيق مع أنك أحلت على العمل وما عرفنا ما تريد بالعمل إلى يومنا هذا وما أرانا نعرفه ما بقينا. والله أعلم. [باب في الأقضية] (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب أن رقيقا لحاطب سرقوا ناقة لرجل من مزينة فانتحروها فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب فأمر كثير بن الصلت أن يقطع أيديهم ثم قال عمر: إني أراك تجيعهم والله لأغرمنك غرما يشق عليك ثم قال للمزني: كم ثمن ناقتك قال: أربعمائة درهم قال عمر: أعطه ثمانمائة قال مالك في كتابه: ليس عليه العمل ولا تضعف عليهم الغرامة ولا يقضى بها على مولاهم وهي في رقابهم ولا يقبل قول صاحب الناقة فقلت للشافعي بما قال مالك نقول ولا نأخذ بهذا الحديث (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : فهذا حديث ثابت عن عمر يقضي به بالمدينة بين المهاجرين والأنصار فإن خالفه غيره لازم لنا فتدعون لقول عمر السنة والآثار لأن حكمه عندكم حكم مشهور ظاهر لا يكون إلا عن مشورة من أصحاب رسول الله فإذا حكم كان حكمه عندكم قولهم أو قول الأكثر منهم فإن كان كما تقولون فقد حكم بين أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله في ناقة المزني وأنتم تقولون حكمه بالمدينة كالإجماع من عامتهم فإن كان قضاء عمر - رحمه الله - عندكم كما تقولون فقد خالفتموه في هذا وغيره وإن لم يكن كما تقولون فلا ينبغي أن يظهر منكم خلاف ما تقولون أنتم وأنتم لا تروون عن أحد أنه خالفه فتخالفون بغير شيء رويتموه عن غيره ولا أسمعكم إلا وضعتم أنفسكم موضعا تردون وتقبلون ما شئتم على غير معنى ولا حجة فإن كان يجوز أن يعمل بخلاف قضاء عمر فكيف لم تجيزوا لغيركم ما أجزتم لأنفسكم وكيف أنكرنا وأنكرتم على من خالف قول عمر والواحد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غير هذا؟ [باب في الأمة تغر بنفسها] (قال الشافعي) : أخبرنا مالك أنه بلغه أن عمر أو عثمان قضى أحدهما في أمة غرت بنفسها رجلا فذكرت أنها حرة فولدت أولادا فقضى أن يفدي ولده بمثلهم قال مالك وذلك يرجع إلى القيمة قلت للشافعي: فنحن نقول بقول مالك (قال الشافعي) : فرويتم هذا عن عمر أو عثمان ثم خالفتم أيهما قاله ولم نعلمكم رويتم عن أحد من الناس خلافه ولا تركه بعمل ولا إجماع ادعاه فلم تركتم هذا ولم ترووا عن أحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - خلافه؟ أرأيتم إذ اتبعتم عمر في أن في الضبع كبشا وفي الغزال عنزا وقيمتهما تخالف قيمة الضبع والغزال فقلتم: البدن قريب من البدن فكيف لم تتبعوا قول عمر أو عثمان في مثلهم في البدن كما جعلتم المثل في هذين الموضعين بالبدن؟ . [باب القضاء في المنبوذ] (قال الشافعي) : - رحمه الله - أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سنين أبي جميلة رجل من بني سليم أنه وجد منبوذا في زمان عمر بن الخطاب فجاء به إلى عمر فقال: ما حملك على أخذ هذه النسمة؟ قال: وجدتها ضائعة فأخذتها فقال له عريفه: يا أمير المؤمنين إنه رجل صالح فقال: أكذلك؟ قال: نعم فقال عمر: اذهب فهو حر ولك ولاؤه وعلينا نفقته قال مالك: الأمر المجتمع عليه عندنا في المنبوذ أنه حر وأن ولاءه للمسلمين فقلت للشافعي: فبقول مالك نأخذ (قال الشافعي) : تركتم ما روي عن عمر في المنبوذ فإن كنتم تركتموه لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الولاء لمن أعتق» فزعمتم أن في ذلك دليلا على أن لا يكون الولاء إلا لمن أعتق ولا يزول عن معتق فقد خالفتم عمر استدلالا بالسنة ثم خالفتم السنة فزعمتم أن السائبة لا يكون ولاؤه للذي أعتقه وهو معتق فخالفتموهما جميعا وخالفتم السنة في النصراني يعتق العبد المسلم فزعمتم أن لا ولاء له وهو معتق وخالفتم السنة في المنبوذ إذ كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إنما الولاء لمن أعتق» وهذا نفي أن يكون الولاء إلا لمعتق والمنبوذ غير معتق فلا ولاء له فمن أجمع على ترك السنة والخلاف لعمر فيا ليت شعري من هؤلاء المجتمعون الذين لا يسمعون فإنا لا نعرفهم والله المستعان ولم يكلف الله أحدا أن يأخذ دينه عمن لا يعرفه ولو كلفه أفيجوز له أن يقبل عمن لا يعرف؟ إن هذه لغفلة طويلة ولا أعرف أحدا يؤخذ عنه العلم يؤخذ عليه مثل هذا في قوله وأجده يترك ما يروى في اللقيط عن عمر للسنة ويدع السنة فيه وفي موضع آخر في السائبة والنصراني يعتق المسلم (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وقد خالفنا بعض الناس في هذا فكان قوله أسد توجيها من قولكم قالوا: نتبع ما جاء عن عمر في اللقيط لأنه قد يحتمل أن لا يكون خلافا للسنة وأن تكون السنة في المعتق من لا ولاء له ويجعل ولاء الرجل المسلم على يدي الرجل المسلم بحديث عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال في السائبة والنصراني يعتق المسلم قولنا فزعمنا أن عليهم حجة بأن قول النبي - صلى الله عليه وسلم - «فإنما الولاء لمن أعتق» أن لا يكون الولاء إلا لمعتق ولا يزول عن معتق فإن كانت لنا عليهم بذلك حجة فهي عليكم أبين لأنكم خالفتموه حيث ينبغي لكم أن توافقوه ووافقتموه حيث كانت لكم شبهة لو خالفتموه. [باب القضاء في الهبات] (قال الشافعي) : أخبرنا مالك بن أنس عن داود بن الحصين عن أبي غطفان بن طريف المري عن مروان بن الحكم أن عمر بن الخطاب قال: من وهب هبة لصلة رحم أو على وجه صدقة فإنه لا يرجع فيها ومن وهب هبة يرى أنه إنما أراد الثواب فهو على هبته يرجع فيها إن لم يرض منها وقال مالك: إن الهبة إذا تغيرت عند الموهوب له للثواب بزيادة أو نقصان فإن على الموهوب له أن يعطي الواهب قيمتها يوم قبضها فقلت للشافعي: فإنا نقول بقول صاحبنا. (قال الشافعي) : فقد ذهب عمر في الهبة يراد ثوابها إن الواهب على هبته إن لم يرض منها أن للواهب الخيار حتى يرضى من هبته، ولو أعطى أضعافها في مذهبه - والله أعلم - كان له أن يرجع فيها ولو تغيرت عند الموهوب له بزيادة كان له أخذها وكان كالرجل يبيع الشيء وله فيه الخيار عبدا أو أمة فيزيد عند المشتري فيختار البائع نقض البيع فيكون له نقضه وإن زاد العبد المبيع أو الأمة المبيعة وكثرت زيادته ومذهبكم خلاف ما رويتم عن عمر (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن نافع أن عبدا كان يقوم على رقيق الخمس وأنه استكره جارية من ذلك الرقيق فوقع بها فجلده عمر ونفاه ولم يجلد الوليدة لأنه استكرهها قال مالك: لا تنفى العبيد فقلت للشافعي: نحن لا ننفي العبيد قال: ولم؟ ولم ترووا عن أحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا التابعين علمته خلاف ما رويتم عن عمر؟ أفيجوز لأحد يعقل شيئا من الفقه أن يترك قول عمر ولا يعلم له مخالفا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - لرأي نفسه أو مثله ويجعله مرة أخرى حجة على السنة وحجة فيما ليست فيه سنة وهو إذا كان مرة حجة كان كذلك أخرى فإن جاز أن يكون الخيار إلى من سمع قوله يقبل منه مرة ويترك أخرى جاز لغيركم تركه حيث أخذتم به وأخذه حيث تركتموه فلم يقم الناس من العلم على شيء تعرفونه وهذا لا يسع أحدا عندنا والله أعلم. (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد أن عبد الله بن عمرو الحضرمي جاء بغلام له إلى عمر بن الخطاب فقال له: اقطع يد هذا فإنه سرق فقال له عمر: وماذا سرق؟ قال: سرق مرآة لامرأتي ثمنها ستون درهما فقال عمر: أرسله فليس عليه قطع خادمكم سرق متاعكم (قال الشافعي) : بهذا نأخذ لأن العبد ملك لسيده أخذ من ملكه فلا يقطع مالك من سرق من ملك من كان معه في بيته يأمنه أو كان خارجا فكذلك لا يقطع من سرق من ملك امرأته بحال بخلطة امرأته زوجها وهذا معنى قول عمر لأنه لم يسأله أتأمنونه أو لا تأمنونه قال: وهذا مما خالفتم فيه عمر لا مخالف له علمناه فقلتم بقطع العبد فيما سرق لامرأة سيده إن كان لا يكون معهم في منزل يأمنونه. [باب في إرخاء الستور] (قال الشافعي) - رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن ابن المسيب أن عمر بن الخطاب قضى في المرأة يتزوجها الرجل أنها إذا أرخيت الستور فقد وجب الصداق (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن ابن شهاب أن زيد بن ثابت قال: إذا دخل بامرأته فأرخيت الستور فقد وجب الصداق (قال الشافعي) : وروي عن ابن عباس وشريح أن لا صداق إلا بالمسيس واحتجا أو أحدهما بقول الله تعالى {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن} [البقرة: 237] قال بهذا ناس من أهل الفقه فقالوا: لا يلتفت إلى الإغلاق وإنما يجب المهر كاملا بالمسيس والقول في المسيس قول الزوج وقال غيرهم: يجب المهر بإغلاق الباب وإرخاء الستور وروي ذلك عن عمر بن الخطاب وأن عمر قال: ما ذنبهن؟ إن جاء العجز من قبلكم فخالفتم ما قال ابن عباس وشريح وما ذهبا إليه من تأويل الآيتين وهما قول الله تبارك وتعالى {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن} [البقرة: 237] وقوله {ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها} [الأحزاب: 49] وخالفتم ما رويتم عن عمر وزيد وذلك أن نصف المهر يجب بالعقد ونصفه الثاني بالدخول ووجه قولهما الذي لا وجه له غيره أنها إذا خلت بينه وبين نفسها واختلى بها فهو كالقبض في البيوع فقد وجب نصف المهر الآخر ولم يذهبا إلى مسيس وعمر يدين ثم يقضي بالمهر وإن لم يدع المسيس لقوله ما ذنبهن إن كان العجز من قبلكم ثم زعمتم أنه لا يجب المهر بالغلق والإرخاء إذا لم تدع المرأة جماعا وإنما يجب بالجماع ثم عدتم فأبطلتم الجماع ودعوى الجماع فقلتم إذا كان استمتع بها سنة حتى تبلى ثيابها وجب المهر ومن حد لكم سنة؟ ومن حد لكم إبلاء الثياب؟ وإن بليت الثياب قبل السنة فكيف لم يجب المهر؟ أرأيت إن قال إنسان إذا استمتع بها يوما وقال آخر يومين وقال آخر شهرا وقال آخر عشر سنين أو ثلاثين سنة ما الحجة فيه إلا أن يقال هذا توقيت لم يوقته عمر ولا زيد وهما اللذان انتهينا إلى قولهما ولا يوقت إلا بخبر يلزم فهكذا أنتم فما أعرف لما تقولون من هذا إلا أنه خروج من جميع أقاويل أهل العلم في القديم والحديث وما علمت أحدا سبقكم به فالله المستعان فإن قلتم إنما يؤجل العنين سنة فهذا ليس بعنين والعنين عندكم إنما يؤجل سنة من يوم ترافعه امرأته إلى السلطان ولو أقام معها قبل ذلك دهرا. [باب في القسامة والعقل] (قال الشافعي) : - رحمه الله تعالى - أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سليمان بن يسار وعراك بن مالك أن رجلا من بني سعد بن ليث أجرى فرسا فوطئ على أصبع رجل من جهينة فنزا منها فمات فقال عمر بن الخطاب للذين ادعى عليهم: أتحلفون بالله خمسين يمينا ما مات منها؟ فأبوا وتحرجوا من الأيمان فقال للآخرين: احلفوا أنتم فأبوا فقضى عمر بن الخطاب بشطر الدية على السعديين (قال الشافعي) : فخالفتم في هذا الحكم كله عمر بن الخطاب فقلتم يبدأ المدعون بل زعمتم أنه إذا لم يحلف واحد من الفريقين فليس فيه شطر دية ولا أقل ولا أكثر (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : فإن كنتم ذهبتم إلى ما ذهبنا إليه من أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بدأ المدعين فلما لم يحلفوا رد الأيمان على المدعى عليهم فلما لم يقبل المدعون أيمانهم لم يجعل لهم عليهم شيئا فإلى هذا ذهبنا وهكذا يجب عليكم في كل أمر وجدتم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه سنة أن تصيروا إلى سنة رسول الله دون ما خالفها من الأشياء كلها وما كان شيء من الأشياء أولى أن تأخذوا فيه بحكم عمر من هذا لأن الحكم في هذا أشهر من غيره وأنه قد كان يمكنكم أن تقولوا هذا دم خطأ والذي حكم فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دم عمد فنتبع ما حكم به النبي - صلى الله عليه وسلم - كما حكم في العمد وما حكم به عمر كما حكم في الخطأ وليس واحد منهما خلاف الآخر فإن صرتم إلى أن تقولوا: إنهما يجتمعان إنهما قسامة فنصير إلى قول النبي - صلى الله عليه وسلم - ونجعل الخطأ قياسا على العمد فما كان لا يتوجه من حديث يخالف ما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا على خلافه أولى أن تصيروا فيه إلى حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا ينبغي أن تختلف أقاويلكم. [باب القضاء في الضرس والترقوة والضلع] (قال الشافعي) : - رحمه الله تعالى - أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن مسلم بن جندب عن أسلم مولى عمر بن الخطاب أن عمر قضى في الضرس بجمل وفي الترقوة بجمل وفي الضلع بجمل. (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: قضى عمر في الأضراس ببعير بعير وقضى معاوية في الأضراس بخمسة أبعرة خمسة أبعرة قال سعيد بن المسيب: فالدية تنقص في قضاء عمر وتزيد في قضاء معاوية فلو كنت أنا لجعلت في الأضراس بعيرين بعيرين فتلك الدية سواء فقلت: للشافعي: فإنا نقول في الأضراس خمس خمس ونزعم أنه ليس في الترقوة وفي الضلع حكم معروف وإنما فيها حكومة باجتهاد قال: فقد خالفتم حديث زيد بن أسلم عن عمر كله فقلتم في الأضراس خمس خمس وهكذا نقول لما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في السن خمس كانت الضرس سنا قال: فهذا كما قلنا في المسألة قبلها وقد يحتمل أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: في السن خمس مما أقبل من الفم مما اسمه سن فإذا كانت لنا ولكم حجة بأن نقول: الضرس سن ونذهب إلى حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها ونخالف غيره لظاهر حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - وإن توجه لغيره أن لا يكون خلاف قول النبي - صلى الله عليه وسلم - فهكذا ينبغي لنا أن لا نترك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئا أبدا لقول غيره فأما أن تتركوا قول عمر لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - مرة وتتركوا قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لقول عمر مرة فهذا ما لا يجهل عالم أنه ليس لأحد إن شاء الله. قال: وخالفتم عمر في الترقوة والضلع فقلتم: ليس فيهما شيء موقت. (قال الشافعي) : وأنا أقول بقول عمر فيهما معا لأنه لم يخالفه واحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما علمت فلم أر أن أذهب إلى رأيي وأخالفه (قال الشافعي) : وروى مالك عن سعيد أنه روى عن عمر في الأضراس بعير بعير وعن معاوية خمسة أبعرة وقال: فيهما بعيرين بعيرين فإذا كان سعيد يعرف عن عمر شيئا ثم يخالفه ولم يذهب أيضا إلى ما ذهبنا إليه من الحديث وكنتم تخالفون عمر ثم تخالفون سعيدا فأين ما تدعون أن سعيدا إذا قال قولا لم يقل به إلا عن علم وتحتجون بقوله في شيء وها أنتم تخالفونه في هذا وغيره فأين ما زعمتم من أن العلم بالمدينة كالوراثة لا يختلفون فيه وحكايتهم إذا حكوا وحكيتم عنهم اختلافا فكذلك حكاية غيركم في أكثر الأشياء إنما الإجماع عندهم فيما يوجد الإجماع فيه عند غيرهم وأن أولى علم الناس بعد الصلاة أن يكون عليه إجماع بالمدينة الديات لأن ابن طاوس قال: عن أبيه ما قضى به النبي - صلى الله عليه وسلم - من عقل وصدقات فإنما نزل به الوحي وعمر من الإسلام بموضعه الذي هو به من الناس فقد خالفتموه في الديات وخالفتم ابن المسيب بعده فيها ولا أرى دعواكم الموروث كما ادعيتم وما أراكم قبلتم عن عمر هذا وما أجدكم تقبلون العلم إلا عن أنفسكم. . [باب في النكاح] (قال الشافعي) - رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن أبي الزبير أن عمر بن الخطاب أتي بنكاح لم يشهد عليه إلا رجل وامرأة فقال: هذا نكاح السر ولا أجيزه ولو كنت تقدمت فيه لرجمت. (قال الشافعي) : وقد خالفتم هذا وقلتم: النكاح مفسوخ ولا حد عليه فخالفتم عمر وعمر لو تقدم فيه لرجم يعني لو أعلمت الناس أنه لا يجوز النكاح بشاهد وامرأة حتى يعرفوا ذلك لرجمت فيه من فعله بعد تقدمي. . [باب ما جاء في المتعة] (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عروة أن خولة بنت حكيم دخلت على عمر بن الخطاب فقالت: إن ربيعة بن أمية استمتع بامرأة مولدة فحملت منه فخرج عمر يجر رداءه فزعا وقال: هذه المتعة ولو كنت تقدمت فيها لرجمت (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : يشبه قوله في الأول ومذهب عمر في هذا أن المتعة إذا كانت محرمة عنده وكان الناس يفعلونها مستحلين أو جاهلين وهو اسم نكاح فيدرأ عنهم بالاستحلال أنه لو كان تقدم فيها حتى يعلمهم أن حكمه أنها محرمة ففعلوها رجمهم وحملهم على حكمه وإن كانوا يستحلون منها ما حرم كما قال: يستحل قوم الدينار بالدينارين يدا بيد فيفسخه عليهم من يراه حراما فخالفتم عمر في المسألتين معا وقلتم: لا حد على من نكح بشاهد وامرأة ولا من نكح نكاح متعة كما زعمت فيهما (قال الشافعي) : - رحمه الله تعالى - أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه قال: قال: عمر بن الخطاب أيما رجل تزوج امرأة وبها جنون أو جذام أو برص فمسها فلها صداقها كاملا وذلك لزوجها غرم على وليها قال مالك: وإنما يكون ذلك لزوجها غرما على وليها إذا كان الذي أنكحها هو أبوها أو أخوها أو من يرى أنه يعلم ذلك منها وإلا فليس عليه غرم وترد المرأة ما أخذت من صداق نفسها ويترك لها قدر ما استحلها به إذا مسها، فقلت للشافعي: فإنا نقول بقول مالك وسألت عن قوله في ذلك فقال: إنما حكم عمر أن لها المهر بالمسيس وأن المهر على وليها لأنه غار والغار - علم أو لم يعلم - يغرم أرأيت رجلا باع عبدا ولم يعلم أنه حر أليس يرجع عليه بقيمته أو باع متاعا لنفسه أو لغيره فاستحق أو فسد البيع أو كان لمشتريه الخيار فاختار رده ألا يرجع بقيمة ما غرم على من غره علم أو لم يعلم؟ قال: ورويتم الحديث عن عمر وخالفتموه فيه بما وصفته فلو ذهبتم فيه إلى أمر يعقل فقلتم: إذا كان الصداق ثمنا للمسيس لم يرجع به الزوج عليها ولا على ولي لأنه قد أخذ المسيس كما ذهب بعض المشرقيين إلى هذا كان مذهبا فأما ما ذهبتم إليه فليس بمذهب وهو خلاف عمر (قال الشافعي) :: أخبرنا مالك أن كتب إلى عمر بن الخطاب من العراق في رجل قال لامرأته: حبلك على غاربك فكتب عمر إلى عامله أن مره يوافيني في الموسم فبينا عمر يطوف بالبيت إذ لقيه الرجل فسلم عليه فقال: من أنت؟ فقال: أنا الذي أمرت أن أجلب عليك فقال عمر: أنشدك برب هذه البنية هل أردت بقولك حبلك على غاربك الطلاق؟ فقال الرجل: لو استحلفتني في غير هذا المكان ما صدقتك أردت الفراق فقال عمر: هو ما أردت (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : فبهذا نقول وفيه دلالة على أن كل كلام أشبه الطلاق لم نحكم به طلاقا حتى يسأل قائله فإن كان أراد طلاقا فهو طلاق وإن لم يرد طلاقا لم يكن طلاقا ولم نستعمل الأغلب من الكلام على رجل احتمل غير الأغلب فخالفتم عمر في هذا فزعمتم أنه طلاق وأنه لا يسأل عما أراد. . ![]()
__________________
|
#316
|
||||
|
||||
![]() ![]() كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي المجلد السابع الحلقة (316) صــــــــــ 250 الى صـــــــــــ 257 [باب في المفقود] (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب قال: أيما امرأة فقدت زوجها فلم تدر أين هو فإنها تنتظر أربع سنين ثم تنتظر أربعة أشهر وعشرا قال: والحديث الثابت عن عمر وعثمان في امرأة المفقود مثل ما روى مالك عن ابن المسيب عن عمر وزيادة فإذا تزوجت فقدم زوجها قبل أن يدخل بها زوجها الآخر كان أحق بها فإن دخل بها زوجها الآخر فالأول المفقود بالخيار بين امرأته والمهر ومن قال بقوله في المفقود قال بهذا كله اتباعا لقول عمر وعثمان وأنتم تخالفون ما روي عن عمر وعثمان معا فتزعمون أنها إذا نكحت لم يكن لزوجها الأول فيها خيار هي من الآخر، فقلت للشافعي فإن صاحبنا قال: أدركت من ينكر ما قال بعض الناس عن عمر فقال الشافعي: قد رأينا من ينكر قضية عمر كلها في المفقود ويقول هذا لا يشبه أن يكون من قضاء عمر فهل كانت الحجة عليه إلا أن الثقات إذا حملوا ذلك عن عمر لم يتهموا فكذلك الحجة عليك وكيف جاز أن يروي الثقات عن عمر حديثا واحدا فتأخذ ببعضه وتدع بعضا أرأيت إن قال لك قائل: آخذ بالذي تركت منه وأترك الذي أخذت به هل الحجة عليه إلا أن يقال من جعل قوله غاية ينتهي إليها أخذ بقوله كما قال: فأما قولك فإنما جعلت الغاية في نفسك لا فيمن روى عنه الثقات فهكذا الحجة عليك لأنك تركت بعض قضية عمر وأخذت ببعضها (قال الربيع) : لا تتزوج امرأة المفقود حتى يأتي يقين موته لأن الله قال: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا} [البقرة: 234] فجعل على المتوفى عدة، وكذلك جعل على المطلقة عدة لم يبحها إلا بموت أو طلاق وهي معنى حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ قال: «إن الشيطان ينقر عند عجز أحدكم حتى يخيل إليه أنه قد أحدث فلا ينصرف أحدكم حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا» فأخبر أنه إذا كان على يقين من الطهارة فلا تزول الطهارة إلا بيقين الحدث وكذلك هذه المرأة لها زوج بيقين فلا يزول قيد نكاحها بالشك ولا يزول إلا بيقين وهذا قول علي بن أبي طالب. [باب في الزكاة] (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سليمان بن يسار أن أهل الشام قالوا لأبي عبيدة بن الجراح: خذ منا من خيلنا ومن رقيقنا صدقة فأبى ثم كتب إلى عمر فأبى ثم كلموه أيضا فكتب إلى عمر فكتب إليه إن أحبوا فخذها منهم وارددها عليهم قال مالك: يعني ردها إلى فقرائهم (قال الشافعي) : وقد أخبرنا ابن عيينة عن الزهري عن السائب بن يزيد أن عمر أمر أن يؤخذ في الفرس شاتان أو عشرة أو عشرون درهما، فقلت للشافعي فإنا نقول لا تؤخذ في الخيل صدقة لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة» (قال الشافعي) : فقد رويتم وروى غيركم عن عمر هذا فإن كنتم تركتموه لشيء رويتموه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - جملة فهكذا فاصنعوا في كل من روى عن أحد شيئا يخالف ما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه وإنكم لتخالفون ما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما هو أبين من هذا وتعملون فيه بأن الرجل من أصحابه لا يقول قولا يخالفه وتقولون لا يخفى على الرجل من أصحابه قوله ثم يأتي موضع آخر فيختلف كلامكم ولو شاء رجل قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - «ليس على مسلم في عبده وفرسه صدقة» إذا كان فرسه مربوطا له مطية فأما خيل تتناتج فنأخذ منها كما أخذ عمر بن الخطاب فقد ذهب هذا المذهب بعض المفتين ولو ذهبتم هذا المذهب لكان له وجه يحتمل فإن لم تقولوا وصرتم إلى اتباع ما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - جملة وجملة كل شيء عليه فهكذا فاصنعوا في كل شيء ولا تختلف أقاويلكم إن شاء الله. [باب في الصلاة] (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن عمر بن الخطاب صلى بالناس المغرب فلم يقرأ فيها فلما انصرف قيل له: ما قرأت قال: فكيف كان الركوع والسجود؟ قالوا: حسنا قال: فلا بأس، قلت للشافعي: فإنا نقول من نسي القراءة في الصلاة أعاد الصلاة ولا تجزئ صلاة إلا بقراءة قال: فقد رويتم هذا عن عمر وصلاته بالمهاجرين والأنصار فزعمتم أنه لم ير إذا كان الركوع والسجود حسنا بأسا ولا تجدون عنه شيئا أحرى أن يكون إجماعا منه ومن المهاجرين والأنصار عليه عادة من هذا إذا كان علم الصلاة ظاهرا فكيف خالفتموه فإن كنتم إنما ذهبتم إلى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا صلاة إلا بقراءة» فينبغي أن تذهبوا في كل شيء هذا المذهب فإذا جاء شيء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم تدعوه لشيء إن خالفه غيره كما قلتم ههنا وهذا موضع لكم فيه شهود لأنه شبهة لو ذهبتم إليه بأن تقولوا: لا صلاة إلا بقراءة لمن كان ذاكرا والنسيان موضوع كما أن نسيان الكلام عندكم موضوع في الصلاة فإذا أمكنكم أن تقولوا هذا في الصلاة فلم تقولوه وصرتم إلى جملة ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وتركتم ما رويتم عن عمر ومن خلفه من المهاجرين والأنصار لجملة حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ فكيف لم تصنعوا هذا فيما جاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منصوصا بينا لا يحتمل ما خالفه مثل ما احتمل هذا من التأويل بالنسيان؟ [باب في قتل الدواب التي لا جزاء فيها في الحج] سألت الشافعي عن قتل القراد والحلمة في الإحرام فقال: لا بأس بقتله ولا فدية فيه وإنما يفدي المحرم ما قتل مما يؤكل لحمه فقلت له: ما الحجة فيه؟ فقال: أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن ربيعة بن عبد الله أنه «رأى عمر يقرد بعيرا له في طين بالسقيا» فقلت للشافعي: فإن صاحبنا يقول: لا ينزع الحرام قرادا ولا حلمة ويحتج بأن ابن عمر كره أن ينزع المحرم قرادا أو حلمة من بعير قال: وكيف تركتم قول عمر وهو يوافق السنة بقول ابن عمر ومع عمر ابن عباس وغيره؟ فإن كنتم ذهبتم إلى التقليد فلعمر بمكانه من الإسلام وفضل علمه ومعه ابن عباس وموافقة السنة أولى أن تقلدوه (قال) : وقد تتركون قول ابن عمر لرأي أنفسكم ولرأي غير ابن عمر فإذا تركتم ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من طيب المحرم لقول عمر وتركتم على عمر تقريد البعير لقول ابن عمر وعلى ابن عمر فيما لا يحصى لرأي أنفسكم فالعلم إليكم عند أنفسكم صار فلا تتبعون منه إلا ما شئتم ولا تقبلون إلا ما هويتم وهذا لا يجوز عند أحد من أهل العلم فإذا زعمتم أن ابن عمر يخالف عمر في هذا وغيره فكيف زعمتم أن الفقهاء بالمدينة لا يختلفون وأنتم تروون عنهم الاختلاف وغيركم يرويه عنهم في أكثر خاص الفقه. (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر قال: لا يصدرن أحد من الحاج حتى يطوف بالبيت فإن آخر النسك الطواف بالبيت قال مالك: وذلك فيما نرى - والله أعلم - لقول الله جل ثناؤه {ثم محلها إلى البيت العتيق} [الحج: 33] فمحل الشعائر وانقضاؤها إلى البيت العتيق (قال الشافعي) : - رحمه الله تعالى - أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد أن عمر بن الخطاب رد رجلا من مر الظهران لم يكن ودع البيت (قال) : وقال مالك: من جهل أن يكون آخر عهده الطواف بالبيت لم يكن عليه شيء إلا أن يكون قريبا فيرجع فلا أنتم عذرتموه بالجهالة فلا تردونه من قريب ولا بعيد ولا أنتم اتبعتم قول عمر وما تأول صاحبكم من القرآن أن الوداع من نسكه فيجعل عليه دما وهو قول ابن عباس "من نسي من نسكه شيئا فليهرق دما" وهو يقول في مواضع كثيرة بقول ابن عباس وحده "من نسي من نسكه شيئا فليهرق دما" ثم تتركونه حيث شئتم وتدعونه ومعه عمر وما تأولتم من القرآن. [باب ما جاء في الصيد] سألت الشافعي عمن قتل من الصيد شيئا وهو محرم فقال: من قتل من دواب الصيد شيئا جزاه بمثله من النعم لأن الله تبارك وتعالى يقول {فجزاء مثل ما قتل من النعم} [المائدة: 95] والمثل لا يكون إلا لدواب الصيد فأما الطير فلا مثل له ومثله قيمته إلا أن في حمام مكة اتباعا للآثار شاة. (قال الشافعي) : - رحمه الله تعالى - أخبرنا مالك أن أبا الزبير حدثه عن جابر بن عبد الله أن عمر بن الخطاب قضى في الضبع بكبش وفي الغزال بعنز وفي الأرنب بعناق وفي اليربوع بجفرة فقلت للشافعي: فإنا نخالف ما روينا عن عمر في الأرنب واليربوع فيقول: لا يفديان بجفرة ولا بعناق (قال الشافعي) : هذا الجهل البين وخلاف كتاب الله عندنا وأمر عمر وأمر عثمان بن عفان وابن مسعود وهم أعلم بمعاني كتاب الله منكم مع أنه ليس في تنزيل الكتاب شيء يحتاج إلى تأويل لأن الله جل ثناؤه إذ حكم في الصيد بمثله من النعم فليس يعدم المثل أبدا فما له مثل من النعم أن ينظر إلى الصيد إذا قتل بأي النعم كان أقرب بها شبها في البدن فدى به وهذا إذا كان كذا فدى الكبير بالكبير والصغير بالصغير أو يكون المثل القيمة كما قال بعض المشرقيين وقولكم لا القيمة ولا المثل من البدن بل هو خارج منهما مع خروجه مما وصفنا من الآثار وتزعمون في كل ما كان فيه ثنية فصاعدا أنه مثل النعم فترفعون وتخفضون فإذا جاء ما دون ثنية قلتم مثل من القيمة وهذا قول لا يقبل من أحد لو لم يخالف الآثار فكيف وقد خالفها وكل ما فدى فإنما القدر قيمته والقيمة تكون قليلة وكثيرة وأقاويلكم فيها متناقضة فكيف تجاوز الثنية التي تجوز ضحية في البقرة فتفديها ويكون يصيد صيدا صغيرا دون الثنية فلا تفديه بصغير دون الثنية. (قال الشافعي) : فتصيرون إلى قول عمر في النهي عن الطيب قبل الإحرام وتتركون فيه ما روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وتصيرون إلى ترك قوله في كثير وتدعون لقوله ما وصفت من سنن تروونها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم تخالفون عمر ولا مخالف له من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا التابعين بل معه من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - عثمان وابن مسعود ومن التابعين عطاء وأصحابه (قال الشافعي) : وقد جهدت أن أجد أحدا يخبرني إلى أي شيء ذهبتم في ترككم ما رويتم عن عمر في اليربوع والأرنب فما وجدت أحدا يزيدني على أن ابن عمر قال: الضحايا والبدن والثني فما فوقه (قال الشافعي) : وأنتم أيضا تخالفون في هذا لأن قول ابن عمر لا يعدو أن يكون لا يجيز من الضحايا والبدن إلا الثني فما فوقه فإن كان هذا فأنتم تجيزون الجذعة من الضأن ضحية وإن كان قول ابن عمر أن الثني فما فوقه وفاء ولا يسع ذلك ما دونه أن يكون ضحية فقد تأولتم قول ابن عمر على غير وجهه وضيقتم على غيركم ما دخلتم في مثله. (قال الشافعي) : وقد أخطأ من جعل الصيد من معنى الضحايا والبدن بسبيل ما نجد أحدا منكم يعرف عنه في هذا شيء يجوز لأحد أن يحكيه لضعف مذهبكم به وخروجه من معنى القرآن والأثر عن عمر وعثمان وابن مسعود والقياس والمعقول ثم تناقضه فإن قال قائل: فجزاء الصيد ضحايا قلنا: معاذ الله أن يكون ضحايا جزاء الصيد بدل من الصيد والبدل يكون منه ما يكون بقرة مثله فأرفع وأخفض منها تمرة والتمرتين وذلك أن من جزاء الصيد ما يكون بتمرة ومنه ما يكون ببدنة ومنه ما يكون بين ذلك فإن قال قائل: فما فرق بين جزاء الصيد والضحايا والبدن قيل: أرأيت الضحايا أيكون على أحد فيها أكثر من شاة؟ فإن قال: لا قيل أفرأيت البدن أليست تطوعا أو نذرا أو شيئا وجب بإفساد حج؟ فإن قال: بلى قيل: أفرأيت جزاء الصيد أليس إنما هو غرم وغرمه من قتله بأنه محرم القتل في تلك الحال وحكم الله به عليه هديا بالغ الكعبة للمساكين الحاضري الكعبة؟ فإن قال: بلى قيل: فكما تحكم لمالك الصيد على رجل لو قتله بالبدن منه؟ فإن قال: نعم قيل: فإذا قتل نعامة كانت فيها بدنة أو بقرة وحش كانت فيها شاة فإن قال: نعم قيل: أفترى هذا كالأضاحي أو كالهدي التطوع أو البدن أو إفساد الحج فإن قال: قد يفترقان قيل: أليس إذا أصيبت نعامة كانت فيها بدنة لأنها أقرب الأشياء من المثل وكذلك البقر والغزال؟ فإن قال: نعم قيل: فإذا كان هذا بدلا لشيء أتلف فكان علي أن أغرم أكثر من الضحية فيه لم لا يكون لي أن أعطي دون الضحية فيه وأنت قد تجعل ذلك لي فتجعل في الجرادة تمرة؟ . (قال الشافعي) : فإن قال: فإنما أجعل عليك القيمة إذا كانت القيمة دون ما يكون ضحية قيل: فمن قال لك: إن شيئا يكون بدلا من شيء فتجعل على من قتله المثل ما كان ضحية فأعلى ولا تجعل الضحية تجزي فيما قتل منه مما هو أعلى منها وإذا كان شيء دون الضحية لم تطرحه عني بل تجعله علي بمثل من الثمن لأنه لا يجوز ضحية فهو في قولك ليس من معاني الضحايا فإن قال: أفيجوز أن يكون هذا ناقصا وضحية؟ قيل: نعم فكما يجوز أن يكون تمرة وقبضة من طعام ودرهم ودرهمان هديا ولو لم يجز كنت قد أخطأت إذ زعمت أنه إذا أصبت صيدا مريضا أو أعور أو منقوصا قوم علي في مثل تلك الحال ناقصا ولم تقل يقوم علي وافيا فمثلت الصيد الصغير مرة بالإنسان الحي يقتل منقوصا فيكون فيه دية تامة وزعمت أخرى أنه إذا قوم الصيد المقتول قومه منقوصا وهذا قول يختلف إن كان قياسا على الإنسان الحر فلا يفرق بين قيمته منقوصا وصغيرا وكبيرا لأن الإنسان يقتل مريضا ومنقوصا كهيئته صحيحا وافرا وإن كان قياسا على المال يتلف فيقومه بالحال التي أتلف فيها لا بغيرها. (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : فإن قال: ما معنى قول الله هديا قلت الهدي شيء فصلته من مالك إلى من أمرت بفصله إليه كالهدية تخرجها من مالك إلى غيرك فيقع اسم الهدي على تمرة وبعير وما بينهما من كل ثمرة ومأكول يقع عليه اسم الهدية على ما قل وكثر فإن قال أفيجوز أن تذبح صغيرة من الغنم فتتصدق بها قلت: نعم كما يجوز أن تتصدق بتمرة والهدي غير الضحية والضحية غير الهدي الهدي بدل والبدل يقوم مقام ما أتلف والضحية ليست بدلا من شيء (قال الشافعي) : وقد قال هذا مع عمر بن الخطاب عثمان بن عفان وابن مسعود وغيرهما فخالفتم إلى غير قول آخر مثلهم ولا من سلف من الأئمة علمته (قال الشافعي) : أخبرنا سفيان عن عبد الكريم الجزري عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود أن محرما ألقى جوالقا فأصاب يربوعا فقتله فقضى فيه ابن مسعود بجفرة مجفرة. (قال الشافعي) : أخبرنا ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أن ابن مسعود حكم في اليربوع بجفرة أو جفرة. (قال الشافعي) : أخبرنا سفيان عن مطرف عن أبي السفر أن عثمان قضى في أم حيين بحلان من الغنم (قال الشافعي) : أخبرنا سفيان عن مخارق عن طارق قال: خرجنا حجيجا فأوطأ رجل منا يقال له أربد ضبا ففزر ظهره فقدمنا على عمر فسأله أربد فقال عمر: احكم فيه فقال: أنت خير مني يا أمير المؤمنين وأعلم فقال له عمر: إنما أمرتك أن تحكم فيه ولم آمرك أن تزكيني فقال أربد: أرى فيه جديا قد جمع الماء والشجر فقال عمر: فذاك فيه. (قال الشافعي) : لا أعلم مذهبا أضعف من مذهبكم رويتم عن عمر تؤجل امرأة المفقود ثم تعتد عدة الوفاة وتنكح وروى المشرقيون عن علي لتصبر حتى يأتيها يقين موته وجعل الله عدة الوفاة على المرأة يتوفى عنها زوجها فقال المشرقيون: لا يجوز أن تعتد عدة الوفاة إلا من جعل الله ذلك عليها ولم يجعل الله ذلك إلا على التي توفي عنها زوجها يقينا فقلتم: عمر أعلم بمعنى كتاب الله فإذا قيل لكم وعلي عالم بكتاب الله وأنتم لا تقسمون مال المفقود على ورثته ولا تحكمون عليه بحكم الوفاة حتى تعلموا أنه مات ببينة تقوم على موته فكيف حكمتم عليه حكم الوفاة في امرأته فقط؟ قلتم: لا يقال لما روي عن عمر لم؟ ولا كيف؟ ولا يتأول معه القرآن ثم وجدتم عمر يقول في الصيد بمعنى كتاب الله ومع عمر عثمان وابن مسعود وعطاء وغيرهم فخالفتموهم لا مخالف لهم من الناس إلا أنفسكم لقول متناقض ضعيف والله المستعان. (قال الشافعي) : - رحمه الله تعالى - أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء أنه قال: من أصاب ولد ظبي صغيرا فداه بولد شاة مثله وإن أصاب صيدا أعور فداه بأعور مثله أو منقوصا فداه بمنقوص مثله أو مريضا فداه بمريض وأحب إلي لو فداه بواف. (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن عبد الملك بن قرير عن محمد بن سيرين أن رجلا جاء إلى عمر بن الخطاب فقال: إني أجريت أنا وصاحبي فرسين نستبق إلى ثغرة ثنية فأصبنا ظبيا ونحن محرمان فماذا ترى؟ فقال عمر لرجل إلى جنبه: تعالى نحكم أنا وأنت فحكما عليه بعنز وذكر في الحديث أن عمر قال: هذا عبد الرحمن بن عوف (قال الشافعي) : أخبرنا الثقفي عن أيوب عن ابن سيرين عن شريح أنه قال: لو كان معي حاكم لحكمت في الثعلب بجدي قلت للشافعي: فإن صاحبنا يقول: إن الرجلين إذا أصابا ظبيا حكم عليهما بعنزين وبهذا نقول. (قال الشافعي) : وهذا خلاف قول عمر وعبد الرحمن بن عوف في روايتكم وابن عمر في رواية غيركم إلى قول غير أحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فإذا جاز لكم أن تخالفوهم فكيف تجعلون قول الواحد منهم حجة على السنة ولا تجعلونه حجة على أنفسكم؟ قال: ثم أردتم أن تقيسوا فأخطأتم القياس فلو لم تكونوا خالفتم أحدا كنتم قد أخطأتم القياس قستم بالرجلين يقتلان النفس فيكون على كل واحد منهما كفارة عتق رقبة وفي النفس شيئان: أحدهما بدل والبدل كالثمن وهو الدية في الحر والثمن في العبد والأبدال لا يزاد فيها عندنا وعندكم لو أن مائة رجل قتلوا رجلا حرا أو عبدا لم يغرموا إلا دية أو قيمة فإن قال قائل: فالظبي يقتل بالقيمة والدية أشبه أم الكفارة قيل بالقيمة والدية فإن قال: ومن أين؟ قيل: تفدى النعامة ببدنة والجرادة بتمرة وهذا مثل قيمة العبد المرتفع والمنخفض والكفارة شيء لا يزاد فيها ولا ينقص منها إن كان طعاما أو كسوة أو عتقا وقول عمر وعبد الرحمن معنى القرآن لأن الله جل ثناؤه يقول {فجزاء مثل ما قتل من النعم} [المائدة: 95] فجعل فيه المثل فمن جعل فيه مثلين فقد خالف قول الله والله أعلم - ثم لا تمتنعون من رد قول عمر لرأي أنفسكم ومعه عبد الرحمن بن عوف. (قال الشافعي) : أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء في نفر أصابوا صيدا قال: عليهم كلهم جزاء واحد (قال الشافعي) : أخبرنا الثقة عن حماد بن سلمة عن عمار مولى بني هاشم قال: سئل ابن عباس عن نفر أصابوا صيدا قال: عليهم جزاء قيل: على كل واحد منهم جزاء؟ قال: إنه لمغرر بكم بل عليكم كلكم جزاء واحد. والله أعلم. [باب الأمان لأهل دار الحرب] (قال الشافعي) : - رحمه الله - أخبرنا مالك أنه بلغه أن عمر بن الخطاب كتب إلى عامل جيش كان بعثه أنه بلغني أن الرجل منكم يطلب العلج حتى إذا أسند في الجبل وامتنع قال له الرجل مترس يقول لا تخف فإذا أدركه قتله وإني والذي نفسي بيده لا يبلغني أن أحدا فعل ذلك إلا ضربت عنقه قال مالك: وليس هذا بالأمر المجتمع عليه ولا يقتل به فقلت للشافعي فإنا نقول بقول مالك (قال الشافعي) : قد خالفتم ما رويتم عن عمر ولم ترووا عن أحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - خلافه علمناه وأما قوله ليس هذا بالأمر المجتمع عليه فليس في مثل هذا اجتماع وهو لا يروي شيئا يخالفه ولا يوافقه فأين الإجماع فيما لا رواية فيه؟ فإن كان ذهب إلى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يقتل مسلم بكافر» وهذا كافر لزمه إذا جاء شيء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يترك كل ما خالفه أما أن يترك ما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرة ويلزمه أخرى فهذا لا يجوز لأحد. . [باب ما روى في تخمير المحرم وجهه] باب ما روى مالك عن عثمان بن عفان وخالفه في تخمير المحرم وجهه سألت الشافعي: أيخمر المحرم وجهه؟ فقال: نعم ولا يخمر رأسه وسألته عن المحرم يصطاد من أجله الصيد قال: لا يأكله فإن أكله فقد أساء ولا فدية عليه فقلت: وما الحجة؟ فقال: أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: رأيت عثمان بن عفان بالعرج في يوم صائف وهو محرم وقد غطى وجهه بقطيفة أرجوان ثم أتي بلحم صيد فقال لأصحابه: كلوا فقالوا: ألا تأكل أنت؟ قال: إني لست كهيئتكم إنما صيد من أجلي فقلت: إنا نكره تخمير الوجه للمحرم ويكرهه صاحبنا ويروي فيه عن ابن عمر أنه قال: ما فوق الذقن من الرأس فلا يخمره المحرم. (قال الشافعي) : - رحمه الله تعالى - أخبرنا سفيان عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن عثمان بن عفان وزيد بن ثابت ومروان كانوا يخمرون وجوههم وهم محرمون فإن كنت ذهبت إلى أن عثمان وابن عمر اختلفا في تخمير الوجه فكيف أخذت بقول ابن عمر دون قول عثمان ومع عثمان زيد بن ثابت ومروان وما هو أقوى من هذا كله؟ قلت وما هو؟ قال: «أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بميت مات محرما أن يكشف عن رأسه دون وجهه ولا يقرب طيبا ويكفن في ثوبيه اللذين مات فيهما» فدلت السنة على أن للمحرم تخمير وجهه وعثمان وزيد رجلان وابن عمر واحد ومعهما مروان فكان ينبغي عندك أن يكون هذا أشبه بالعمل وبدلالة السنة وعثمان الخليفة وزيد ثم مروان بعدهما وقد اختلف عثمان وابن عمر في العبد يباع ويتبرأ صاحبه من العيب فقضى عثمان على ابن عمر أن يحلف ما كان به داء علمه وقد رأى ابن عمر أن التبرؤ يبرئه مما علم لم يعلم فاخترت قول ابن عمر وسمعت من أصحابك من يقول عثمان الخليفة عن قضاه بين المهاجرين والأنصار كأنه قول عامتهم وقوله بهذا كله أولى أن يتبع من ابن عمر فعثمان إذ كان معه ما وصفت في تخمير المحرم وجهه من دلالة السنة ومن قول زيد ومروان أولى أن يصار إلى قوله مع أنه قول عامة المفتين بالبلدان فقلت: للشافعي: فإنا نقول ما فوق الذقن من الرأس. قال الشافعي: ينبغي أن يكون من شأنك الصمت حين تسمع كلام الناس حتى تعرف منه فإني أراك تكثر أن تكلم بغير روية فقلت: وما ذلك؟ فقال: وما تعني بقولك وما فوق الذقن من الرأس؟ أتعني أن حكمه حكم الرأس في الإحرام؟ فقلت: نعم فقال: أفتخمر المرأة المحرمة ما فوق ذقنها فإن للمحرمة أن تخمر رأسها فقلت: لا قال: أفيجب على الرجل إذا لبد رأسه حلقه أو تقصيره؟ فقلت: نعم قال: أفيجب عليه أن يأخذ من شعر ما فوق الذقن من وجهه؟ فقلت: لا فقال لي الشافعي: وفرق الله بين حكم الوجه والرأس فقال: اغسلوا وجوهكم فعلمنا أن الوجه ما دون الرأس وأن الذقن من الوجه وقال امسحوا برءوسكم فكان الرأس غير الوجه فقلت: نعم قال: وقولك لا كراهة لتخمير الوجه بكماله ولا إباحة تخميره بكماله أنه يجب على من وضع نفسه معلما أن يبدأ فيعرف ما يقول قبل أن يقوله ولا ينطق بما لا يعلم وهذه سبيل لا أراك تعرفها فاتق الله وامسك عن أن تقول بغير علم ولم أر من أدب من ذهب مذهبك إلا أن يقول القول ثم يصمت وذلك أنه "قال: فيما نرى" يعلم أنه لا يصنع شيئا بمناظرة غيره إلا بما أن صمت أمثل به. قلت للشافعي: فمن أين قلت أي صيد صيد من أجل محرم فأكل منه لم يغرم فيه؟ فقال: لأن الله جل ثناؤه إنما أوجب غرمه على من قتله فقال عز وجل {ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم} [المائدة: 95] فلما كان القتل غير محرم لم يكن على المحرم فيما جنى غيره فدية كما لو قتل من أجله مسلما لم يكن على المقتول من أجله عقل ولا كفارة ولا قود فإن الله قضى أن لا تزر وازرة وزر أخرى قال: ولما كان الصيد مقتولا فأمسك المحرم عن أكله ومن أجله صيد لم يكن عليه فيه فدية بأن صيد من أجله لم يجز أن يكون صيدا مقتولا لا فدية فيه حين قتل ويأكله بشر لا فدية عليهم فإذا أكله واحد فداه وإنما نقطع الفدية فيه بالقتل فإذا كان القتل ولا فدية لم يجز أن تكون فدية لأنه لم يحدث بعدها قتلا يوجب فدية قلت: إن الأكل غير جائز للمحرم وإنما أمرته بالفدية لذلك قال: وكذلك لا يجوز للمحرم أكل ميتة ولا شرب خمر ولا محرم ولا فدية عليه في شيء من هذا وهو آثم بالأكل والفدية في الصيد إنما تكون بالقتل فقلت: للشافعي: فهل خالفك في هذا غيرنا؟ فقال: ما علمت أحدا غيركم زعم أن من أكل لحم صيد صيد من أجله فداه بل علمت أن من المشرقيين من قال له أن يأكله لأنه مال لغيره أطعمه إياه ولولا اتباع الحديث فيه لكان القول عندنا قوله ولكنه خالف الحديث فخالفناه فإن كانت لنا عليه حجة بخلاف بعض الحديث فهي لنا عليك بخلافك بعضه وهو يعرف ما يقول وإن زل عندنا ولستم والله يعافينا وإياكم تعرفون كثيرا مما تقولون أرأيت لو أن رجلا أعطى رجلا سلاحا ليقويه على قتل حر أو عبد فقتله المعطى كان على المعطي عقل أو قود؟ قال: لا ولكنه مسيء آثم بتقوية القاتل قلت: وكذلك لو قتله ولا علم له بجناية على قتله ورضيه قال: نعم. (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : أفلا ترى هذا أولى أن يكون عليه عقل أو قود أو كفارة ممن قتل من أجله صيد لا يعلمه فأكله؟ فإذا قلت إنما جعل العقل والقود بالقتل فهذا غير قاتل (قال الشافعي) : أخبرنا مالك أن أبا أيوب الأنصاري قال: كان الرجل يضحي بالشاة الواحدة عنه وعن أهله ثم تباهى الناس فصارت مباهاة. . [باب ما جاء في خلاف عائشة في لغو اليمين] فقلت للشافعي: ما لغو اليمين؟ قال: الله أعلم أما الذي نذهب إليه فهو ما قالت عائشة. (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها قالت: لغو اليمين قول الأنسان لا والله وبلى والله فقلت للشافعي: وما الحجة فيما قلت؟ قال: الله أعلم اللغو في لسان العرب الكلام غير المعقود عليه وجماع اللغو يكون الخطأ (قال الشافعي) : فخالفتموه وزعمتم أن اللغو حلف الإنسان على الشيء يستيقن أنه كما حلف عليه ثم يوجد على خلافه (قال الشافعي) : وهذا ضد اللغو هذا هو الإثبات في اليمين يقصدها يحلف لا يفعله يمنعه السبب لقول الله تبارك وتعالى {ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان} [المائدة: 89] ما عقدتم ما عقدتم به عقد الأيمان عليه ولو احتمل اللسان ما ذهبتم إليه ما منع احتماله ما ذهبت إليه عائشة وكانت أولى أن تتبع منكم لأنها أعلم باللسان منكم مع علمها بالفقه (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد عن عائشة التشهد قال: فخالفتموها فيه إلى قول عمر. [باب في بيع المدبر] (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن عن أمه عمرة أن عائشة دبرت جارية لها فسحرتها فاعترفت بالسحر فأمرت بها عائشة أن تباع من الأعراب ممن يسيء ملكتها فبيعت قال: فخالفتموها فقلتم لا يباع مدبر ولا مدبرة ونحن نقول بقول عائشة وغيرها. [باب ما جاء في لبس الخز] [باب خلاف ابن عباس في البيوع] (قال الشافعي) : أخبرنا مالك بن أنس عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد قال: سمعت ابن عباس ورجل يسأله عن رجل سلف في سبائب فأراد أن يبيعها فقال ابن عباس: تلك الورق بالورق وكره ذلك قال مالك: وذلك فيما نرى لأنه أراد بيعها من صاحبه الذي اشتراها منه بأكثر من الثمن الذي ابتاعها به ولو باعها من غير الذي اشتراها منه لم يكن ببيعه بأس وقلتم به وليس هذا قول ابن عباس ولا ![]()
__________________
|
#317
|
||||
|
||||
![]() ![]() كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي المجلد السابع الحلقة (317) صــــــــــ 258 الى صـــــــــــ 265 تأويل حديث (قال الشافعي) : - رحمه الله تعالى - أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس قال: أما «الذي نهى عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو الطعام أن يباع حتى يقبض» قال: ابن عباس برأيه ولا أحسب كل شيء إلا مثله (قال الشافعي) : وبقول ابن عباس نأخذ لأنه إذا باع شيئا اشتراه قبل أن يقبضه فقد باع مضمونا له على غيره وأصل البيع لم يبرأ إليه منه وأكل ربح ما لم يضمن وخالفتموه فأجزتم بيع ما لم يقبض سوى الطعام من غير صاحبه الذي اتبع به (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : ولا أعلم بين صاحبه الذي ابتيع منه وغيره فرقا لئن لم يكن ذلك فهل الحجة عليه إلا أن يقال: مخرج قول النبي - صلى الله عليه وسلم - عام فلا يصلح أن يكون خاصا فكيف نهى عنه ابن عباس وأنتم لا تروون خلاف هذا عن أحد علمته وعن ابن عباس أن امرأة جعلت على نفسها مشيا إلى مسجد قباء فماتت قبل أن تقضي فأمر ابنتها أن تمشي عنها. فقلت للشافعي: فإنا نقول: لا يمشي أحد عن أحد (قال الشافعي) : أحسب ابن عباس إنما ذهب إلى أن المشي إلى قباء نسك فأمرها أن تنسك عنها وكيف خالفتموه ولا أعلمكم رويتم عن أحد أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - خلافه. باب (قال الشافعي) : - رحمه الله تعالى - أخبرنا مالك عن أبي الزبير عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس أنه سئل عن رجل وقع على أهله وهو محرم وهو بمنى قبل أن يفيض فأمره أن ينحر بدنة (قال الشافعي) : وبهذا نأخذ قال مالك: عليه عمرة وبدنة وحجة تامة ورواه عن ربيعة فترك قول ابن عباس بخبر ربيعة ورواه عن ثور بن يزيد عن عكرمة يظنه عن ابن عباس (قال الشافعي) : وهو سيئ القول في عكرمة لا يرى لأحد أن يقبل حديثه وهو يروي سفيان عن عطاء عن ابن عباس خلافه وعطاء ثقة عنده وعند الناس قال: والعجب له أن يقول في عكرمة ما يقول ثم يحتاج إلى شيء من علمه يوافق قوله ويسميه مرة ويروي عنه ظنا ويسكت عنه مرة فيروي عن ثور بن يزيد عن ابن عباس في الرضاع وذبائح نصارى العرب وغيره وسكت عن عكرمة وإنما حدث به ثور عن عكرمة وهذا من الأمور التي ينبغي لأهل العلم أن يتحفظوا منها فيأخذ بقول ابن عباس من نسي من نسكه شيئا أو تركه فليهرق دما فيقيس عليه ما شاء الله من الكثرة ويترك قوله في غير هذا منصوصا لغير معنى هل رأى أحدا قط تم حجه يعمل في الحج بشيء ما لا ينبغي له فقضاه بعمرة فكيف يعتمر عنده وهو في بقية من حجه؟ فإن قلتم نعمره بعد الحج فكيف يكون حج قد خرج منه كله وقضى عنه حجة الإسلام وقد خرج من إحرامه في الحج ثم نقول: أحرم بعمرة عن حج ما علمت أحدا من مفتي الأمصار قال هذا قبل ربيعة إلا ما روي عن عكرمة. وهذا من قول ربيعة عفا الله عنا وعنه ومن ضرب من أفطر يوما من رمضان قضى باثني عشر يوما ومن قبل امرأته وهو صائم اعتكف ثلاثة أيام وما أشبه هذا من أقاويل كان يقولها قال: والعجب لكم وأنتم لا تستوحشون من الترك على ربيعة ما هو أحسن من هذا فكيف تتبعونه فيه. [باب خلاف زيد بن ثابت في الطلاق] سألت الشافعي عن الرجل يملك امرأته أمرها فتطلق نفسها ثلاثا فقال: القول قول الزوج فإن قال إنما ملكتها أمرها في واحدة لا في ثلاث كان القول قوله وهي واحدة وهو أحق بها فقلت له ما الحجة في ذلك؟ قال أخبرنا مالك عن سعيد بن سليمان بن زيد بن ثابت عن خارجة بن زيد بن ثابت أنه أخبره أنه كان جالسا عند زيد بن ثابت فأتاه محمد بن أبي عتيق وعيناه تدمعان فقال له زيد: ما شأنك؟ فقال: ملكت امرأتي أمرها ففارقتني فقال: له زيد ارتجعها إن شئت فإنما هي واحدة وأنت أحق بها فقلت للشافعي: فإنا نقول هي ثلاث إلا أن يناكرها وروي شبيها بذلك عن ابن عمر ومروان بن الحكم (قال الشافعي) : ما أراكم تبالون من خالفتم فإن ذهبتم إلى قول ابن عمر ومروان دون قول زيد فبأي وجه ذهبتم إليه فهل يعدو المملك امرأته أمرها إذا طلقت نفسها ثلاثا أن يكون أصل التمليك إخراج جميع ما في يده من طلاقها إليها فإذا طلقت نفسها لزمه ولم تنفعه مناكرتها أو لا يكون إخراج جميعه فيكون محتملا لإخراج الجميع والبعض فيكون القول قوله فيه وإذا كان القول قول الزوج فلو ملكها واحدة فطلقت نفسها ثلاثا لم يكن لها أن تطلق إلا واحدة وأسمعكم إذا اخترتم - والله يغفر لنا ولكم - لا تعرفون كيف موضع الاختيار وما موضع المناكرة فيه إلا ما وصفت. والله أعلم. [باب في عين الأعور] (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن بكير بن الأشج عن سليمان بن يسار أن زيد بن ثابت قضى في العين القائمة إذا أطفئت أو قال: بخقت بمائة دينار قال مالك: ليس بهذا العمل إنما فيها الاجتهاد لا شيء مؤقت. (قال الشافعي) : أخبرنا مالك أن أنس بن مالك كبر حتى لا يقدر على الصيام فكان يفتدي وخالفه مالك فقال: ليس عليه بواجب. (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن ربيعة عن أبي بكر بن حزم أنه كان يصلي في قميص فقلت: إنا نكره هذا فقال: كيف كرهتم ما استحب أبو بكر. (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن عن عمرة بنت عبد الرحمن أنها كانت تبيع ثمارها وتستثني منها (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد أن رجلا كانت عنده وليدة قوم فقال لأهلها: شأنكم بها فرأى الناس أنها تطليقة قال مالك: الأمر المجتمع عليه عندنا أن الرجل إذا باع ثمر حائط فلا بأس أن يستثني منه ما بينه وبين ثلث الثمر لا يجاوزه (قال الشافعي) : أيضا يروى عن القاسم وعمرة الاستثناء ولم يرو عنهما حد الاستثناء ولو جاز أن يستثني منه سهما من ألف سهم ليجوز تسعة أعشاره وأكثر ولا أدري من اجتمع لكم على هذا والذي يروى خلاف ما يقول (قال الشافعي) : ولا يجوز الاستثناء إلا أن يكون البيع واقعا على شيء والمستثنى خارج من البيع وذلك أن يقول: أبيعك ثمر حائطي إلا كذا وكذا نخلة فيكون النصف خارجا من البيع أو أبيعك ثمره إلا نصفه أو إلا ثلثه فيكون ما استثنى خارجا من البيع. (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن ربيعة أن رجلا أتى القاسم فقال: إني أفضت وأفضت معي بأهلي فعدلت إلى شعب فذهبت لأدنو منها فقالت امرأتي: لم أقصر من شعر رأسي بعد فأخذت من شعر رأسها بأسناني ثم وقعت بها قال: فضحك القاسم ثم قال: فمرها فلتأخذ من رأسها بالجلمين (قال الشافعي) : وهذا كما قال القاسم: إذا قصر من رأسها بأسنانه أجزأ عنها من الجلمين قال مالك: يهريق دما وخالف القاسم لقول نفسه. (قال الشافعي) : أخبرنا مالك أنه سأل عبد الرحمن بن القاسم من أين القاسم يرمي جمرة العقبة؟ قال: من حيث تيسر قال مالك: لا أحب أن يرميها إلا من بطن المسيل ولم يرو فيها خلافا عن أحد. . [باب خلاف عمر بن عبد العزيز في عشور أهل الذمة] (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن زريق بن حيان وكان زريق على جواز مصر في زمان الوليد وسليمان وعمر بن عبد العزيز فذكر أن عمر بن عبد العزيز كتب إليه أن انظر من مر بك من المسلمين فخذ مما ظهر من أموالهم مما يديرون للتجارات من كل أربعين دينارا دينارا فما نقص فبحساب ذلك حتى يبلغ عشرين دينارا فإن نقص من عشرين دينارا ثلث دينار فدعها ولا تأخذ منها شيئا ومن مر بك من أهل الذمة فخذ مما يديرون من التجارات من أموالهم من كل عشرين دينارا دينارا فما نقص فبحساب ذلك حتى يبلغ عشرة دنانير فإن نقصت ثلث دينار فدعها ولا تأخذ منها شيئا واكتب لهم بما تأخذ منهم كتابا إلى مثله من الحول (قال الشافعي) : وبقول عمر نأخذ لا يؤخذ منهم إلا مرة في الحول وخالفتموه إن اختلفوا في السنة مرارا وخالفتم عمر بن عبد العزيز في عشرين دينارا إن نقص ثلث دينار فأخبرت عنه أنه قال: إن جازت جواز الوازنة أخذت منه الزكاة ولو نقصت أكثر وإن لم تجز جواز الوازنة وهي تنقص ثلث دينار أو أكثر أو أقل لم يؤخذ منها زكاة وزعمتم أن الدراهم إن نقصت عن مائتي درهم وهي تجوز جواز الوازنة أخذت منها الزكاة. (قال الشافعي) : لسنا نقول بهذا إذا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «ليس فيما دون خمس أواق صدقة» فهو كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلو نقصت حبة لم يكن فيها صدقة لأن ذلك دون خمس أواق وأنتم لم تقولوا بحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي روي ليس فيما دون خمس أواق صدقة وهو سنة ولا بقول عمر بن عبد العزيز. (قال الشافعي) : أخبرنا مالك أنه سأل ابن شهاب عن الزيتون فقال: فيه العشر وخالفه مالك فقال: لا يؤخذ العشر إلا من زيته وجواب ابن شهاب على حبه. (قال الشافعي) : أخبرنا مالك أن عمر بن عبد العزيز كتب إنما الصدقة في العين والحرث والماشية قال: مالك: لا صدقة إلا في عين أو حرث أو ماشية وقال مالك في العرض الذي يدار صدقة. (قال الشافعي) : أخبرنا مالك أنه بلغه أن سعيدا يعني ابن المسيب وسليمان بن يسار سئلا هل في الشفعة سنة؟ فقالا جميعا نعم: الشفعة في الدور والأرضين ولا تكون الشفعة إلا بين القوم الشركاء (قال الشافعي) : وبهذا نأخذ وتأخذون في الجملة وفي هذا يعني أن تكون الشفعة إلا فيما كانت له أرض فإنه يقسم وقد روى مالك عن عثمان أنه قال: لا شفعة في بئر ولا فحل نخل وقال مالك: لا شفعة في طريق ولا عرصة دار، وإن صلح فيها القسم وقال فيمن اشترى شقصا من دار أو حيوان، أو عرض: الشفعة في الشقص بقدر ما يصيبه من الثمن، ثم خالفتم معنى هذا في المكاتب، فجعلتم نجومه تباع وجعلتموه أحق بما يباع منه بالشفعة. [باب خلاف سعيد وأبي بكر في الإيلاء] (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سعيد يعني ابن المسيب وأبي بكر بن عبد الرحمن أنهما كانا يقولان في الرجل يولي من امرأته إذا مضت أربعة أشهر فهي تطليقة ولزوجها عليها الرجعة ما كانت في العدة وقال مالك: إن مروان كان يقضي في الرجل إذا آلى من امرأته أنها إذا مضت الأربعة الأشهر فهي تطليقة وله عليها الرجعة ما كانت في العدة قال مالك وعلى ذلك رأي ابن شهاب. (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه سئل عن المرأة يطلقها زوجها في بيت بكراء على من الكراء؟ فقال: سعيد على زوجها قال: فإن لم يكن عند زوجها؟ قال: فعلى الأمير. [باب في سجود القرآن] سألت الشافعي عن السجود في سورة الحج فقال: فيها سجدتان فقلت: وما الحجة في ذلك؟ فقال: أخبرنا مالك عن نافع أن رجلا من أهل مصر أخبره أن عمر بن الخطاب سجد في سورة الحج سجدتين ثم قال إن هذه السورة فضلت بسجدتين (قال الشافعي) : أخبرنا إبراهيم بن سعد عن الزهري عن عبد الله بن ثعلبة بن صغير أن عمر بن الخطاب صلى بهم بالجابية بسورة الحج فسجد فيها سجدتين، فقلت للشافعي: فإنا لا نسجد فيها إلا سجدة واحدة. (قال الشافعي) : فقد خالفتم ما رويتم عن عمر بن الخطاب وعبد الله بن عمر معا إلى غير قول أحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فكيف تتخذون قول عمر وحده حجة وابن عمر وحده حجة حتى تردوا بكل واحد منهما السنة وتبنون عليهما عددا من الفقه ثم تخرجون من قولهما لرأي أنفسكم هل تعلمون يستدرك على أحد قول العورة فيه أبين منها فيما وصفت من أقاويلكم، وسألت الشافعي عما روى صاحبنا وحده في المحصب فقال: أخبرنا مالك عن ابن عمر قال: كان يصلي الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمحصب ثم يدخل مكة من الليل فيطوف بالبيت، قلت للشافعي: نحن نقول لا ينبغي لعالم أن يفعله (قال الشافعي) : ما على العالم من النسك ما ليس على غيره قلت: هو العالم والجاهل (قال الشافعي) : فإن تركاه؟ قلت: لا فدية على واحد منهما، قال: ولكنكم من أصل مذهبكم أن من ترك من نسكه شيئا أهراق دما فإن كان نسكا فقد تركتم أصل قولكم وإن كان منزل سفر لا منزل نسك فلا تأمر عالما ولا جاهلا أن ينزله. . [باب غسل الجنابة] (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان إذا اغتسل من الجنابة نضح في عينيه الماء قال مالك: ليس عليه العمل (قال الشافعي) : هذا ما تركتم على ابن عمر ولم ترووا عن أحد خلافه فإذا وسعكم الترك على ابن عمر لغير قول مثله لم يجز لكم أن تقولوا قوله حجة على مثله وأنتم تدعون عليه لأنفسكم وإن جاز لكم أن تحتجوا به على مثله لم يجز تركه لأنفسكم. [باب في الرعاف] (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان إذا رعف انصرف فتوضأ ثم رجع ولم يتكلم (قال الشافعي) فمالك روى عن ابن المسيب وابن عباس مثله (قال الشافعي) : أخبرنا عبد المجيد بن عبد العزيز عن ابن جريج عن الزهري عن سالم عن أبيه أنه كان يقول من أصابه رعاف أو من وجد رعافا أو مذيا أو قيئا انصرف فتوضأ ثم رجع فبنى وقال المسور بن مخرمة يستأنف ثم زعمتم أنه إنما يغسل الدم وعبيد الله بن عمر يروي عن نافع أنه كان ينصرف فيغسل الدم ويتوضأ للصلاة والوضوء في الظاهر في روايتكم إنما هو وضوء الصلاة وهذا يشبه الترك، لما رويتم عن ابن عمر وابن عباس وابن المسيب في رواية غيركم أنه يبني في المذي وزعمتم أنكم لا تبنون في المذي. . [باب الغسل بفضل الجنب والحائض] (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يقول: لا بأس بفضل المرأة ما لم تكن حائضا أو جنبا قال مالك: لا بأس أن يغتسل بفضل الجنب والحائض، قلت للشافعي أنت تقول بقول مالك؟ قال: نعم ولست أرى قول أحد مع قول النبي - صلى الله عليه وسلم - حجة إنما تركته لأن «النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يغتسل وعائشة فإذا اغتسلا معا كان كل واحد منهما يغتسل بفضل صاحبه» وأنتم تجعلون قول ابن عمر حجة على السنة وتجعلون سنة أخرى حجة عليه إن كنتم تركتموه على ابن عمر فلعلكم لا تكونون تركتموه عليه إلا بشيء عرفتموه. [باب التيمم] (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن نافع أنه أقبل هو وابن عمر من الجرف حتى إذا كانوا بالمربد نزل فتيمم صعيدا فمسح بوجهه ويديه إلى المرفقين ثم صلى (قال الشافعي) : أخبرنا سفيان عن ابن عجلان عن نافع عن ابن عمر أنه تيمم بمربد الغنم وصلى العصر ثم دخل المدينة والشمس مرتفعة فلم يعد العصر، قلت للشافعي: فإنا نقول: إذا كان المسافر يطمع بالماء فلا يتيمم إلا في آخر الوقت فإن تيمم قبل آخر الوقت وصلى ثم وجد الماء قبل ذهاب الوقت توضأ وأعاد (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : هذا خلاف قول ابن عمر المربد بطرف المدينة وقد تيمم به ابن عمر ودخل وعليه من الوقت شيء صالح فلم يعد الصلاة فكيف خالفتموه في الأمرين معا ولا أعلم أحدا مثله قال بخلافه فلو قلتم بقوله ثم خالفه غيركم كنتم شبيها أن تقولوا: تخالف ابن عمر لغير قول مثله ثم تخالفه أيضا في الصلاة وابن عمر إلى أن يصلي ما ليس عليه أقرب منه إلى أن يدع صلاة عليه [باب الوتر] (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن نافع قال: كنت مع ابن عمر بمكة والسماء متغيمة فخشي ابن عمر الصبح فأوتر بواحدة ثم انكشف الغيم فرأى عليه ليلا فشفع بواحدة (قال الشافعي) : وأنتم تخالفون ابن عمر من هذا في موضعين فتقولون: لا يوتر بواحدة ومن أوتر لا يشفع وتره ولا أعلمكم تحفظون عن أحد أنه قال: لا يشفع وتره فقلت للشافعي: ما تقول أنت في هذا؟ قال: بقول ابن عمر أنه يوتر بركعة، قلت: أفتقول يشفع وتره؟ فقال: لا فقلت: وما حجتك فيه؟ قال: روينا عن ابن عباس أنه كره لابن عمر أن يشفع وتره وقال: إذا أوترت فاشفع من آخره ولا تعد وترا ولا تشفعه وأنتم زعمتم أنكم لا تقبلون إلا حديث صاحبكم وليس من حديث صاحبكم خلاف ابن عمر. . [باب الصلاة بمنى والنافلة في السفر] (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يصلي وراء الإمام بمنى أربعا فإذا صلى لنفسه صلى ركعتين (قال الشافعي) : هذا يدل على أن الإمام إذ كان من أهل مكة صلى بمنى أربعا لأنه لا يحتمل إلا هذا أو يكون الإمام من غير أهل مكة يتم بمنى لأن الإمام في زمان ابن عمر من بني أمية وقد أتموا بإتمام عثمان قال: وهذا يدل على أن المسافر لو أتم بقوم لم تفسد صلاتهم عند ابن عمر لأن صلاته لو كانت تفسد لم يصل معه (قال الشافعي) : وبهذا نقول وأنتم تخالفون ما رويتم عن ابن عمر لغير رأي أحد رويتموه يخالف ابن عمر بل مع ابن عمر فيه غيره من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يوافقه وتخالفونه ابن مسعود عاب إتمام الصلاة بمنى ثم قام فأتمها فقيل له في ذلك فقال: الخلاف شر ولو كان ذلك يفسد صلاته لم يتم وخالف فيه ولكنه رآه واسعا فأتم، وإن كان الفضل عنده في القصر (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه لم يكن يصلي مع الفريضة في السفر شيئا قبلها ولا بعدها إلا من جوف الليل (قال الشافعي) : ومعروف عن ابن عمر عيب النافلة في النهار في السفر قال مالك لا بأس بالنافلة في السفر نهارا، قال: فقلت للشافعي فإنا نقول بقول صاحبنا فقال الشافعي: كيف خالفتم ابن عمر واستحببتم ما كره ولم أعلمكم تحفظون فيه شيئا يخالف هذا يدل على أن احتجاجكم بقول ابن عمر استتار من الناس لأنه لا ينبغي لأحد أن يخالف الحجة عنده. [باب القنوت] (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن نافع أن ابن عمر كان لا يقنت في شيء من الصلوات (قال الشافعي) : وأنتم ترون القنوت في الصبح (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن هشام بن عروة أظنه عن أبيه (الشك من الربيع) أنه كان لا يقنت في شيء من الصلاة ولا في الوتر إلا أنه كان يقنت في صلاة الفجر قبل أن يركع الركعة الآخرة إذا قضى قراءته (قال الشافعي) : وأنتم تخالفون عروة فتقولون: يقنت بعد الركوع فقلت: للشافعي فأنت تيقنت في الصبح بعد الركوع؟ فقال: نعم: لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قنت ثم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان قلت: فقد وافقناك قال: أجل من حيث لا تعلمون وموافقتكم في هذا حجة عليكم في غيره فقلت من أين؟ قال: أنتم تتركون الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحج عن الرجل بقياس على قول ابن عمر وتقولون: لا يجهل ابن عمر قول النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت: للشافعي: قد يذهب على ابن عمر بعض السنن ويذهب عليه حفظ ما شاهد منها فقال الشافعي: أويخفى عليه القنوت والنبي - صلى الله عليه وسلم - وسلم يقنت عمره وأبو بكر أو يذهب عليه حفظه؟ فقلت: نعم (قال الشافعي) : أقاويلكم مختلفة كيف نجدكم تروون عنه إنكار القنوت ويروي غيركم من المدنيين القنوت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه فهذا يبطل أن العمل كما تقول في كل أمر ويبطل قولكم لا يخفى على ابن عمر سنة وإذا جاز عليه أن ينسى أو يذهب عليه ما شاهد كان «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر امرأة أن تحج عن أبيها» من العلم من هذا أولى أن يذهب عليه ولا يجعل قوله حجة على السنة وأنها عليك في رد الحديث زعمت أن يكون لا يذهب على ابن عمر. (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر في التشهد (قال الشافعي) : وخالفته إلى قول عمر فإذا كان التشهد وهو من الصلاة وعلم العامة مختلف فيه بالمدينة تخالف فيه ابن عمر وعمر وعائشة فأين الاجتماع والعمل ما كان ينبغي لشيء أن يكون أولى أن يكون مجتمعا عليه من التشهد وما روى فيه مالك صاحبك إلا ثلاثة أحاديث مختلفة كلها حديثان منها يخالفان (3) : فيها عمر وعمر يعلمهم التشهد على المنبر ثم تخالف فيها ابنه وعائشة فكيف إذا ادعى أن يكون الحاكم إذا حكم ثم قال: أو عمل أجمع عليه بالمدينة وما يجوز ادعاء الإجماع إلا بخبر ولو ذهب ذاهب يجيزه كانت الأحاديث ردا لإجازته. [باب الصلاة قبل الفطر وبعده] (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن نافع أن ابن عمر لم يكن يصلي يوم الفطر قبل الصلاة ولا بعدها (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يصلي يوم الفطر قبل الصلاة وبعدها (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم أن أباه كان يصلي قبل أن يغدو إلى المصلى أربع ركعات (قال الشافعي) : والذي يروى الاختلاف فأين الإجماع إذا كانوا يختلفون في مثل هذا من الصلاة وما تقولون أنتم، قالوا: لا نرى بأسا أن يصلي قبل الصلاة وبعدها (قال الشافعي) : فإذا خالفتم ابن عمر وإذا جاز خلاف ابن عمر في هذا لقول الرجل من التابعين: أيجوز لغيركم خلافه لقول رجل من التابعين أو تضيقون على غيركم ما توسعون على أنفسكم فتكونون غير منصفين ويكون هذا غير مقبول من أحد ويجوز أن تدع على ابن عمر لرجل من التابعين ولرأي صاحبك وتجعل قول ابن عمر حجة على السنة في موضع آخر. (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر في صلاة الخوف بشيء خالفتموه فيه ومالك يقول: لا أراه حكى إلا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وابن أبي ذئب يرويه عن الزهري عن سالم عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يشك فيه (قال الشافعي) : فإذا تركتم على ابن عمر رأيه وروايته في صلاة الخوف بحديث يزيد بن رومان عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فكيف تتركون حديثا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أثبت من حديث يزيد بن رومان لرأي ابن عمر ثم تدعون حديث يزيد بن رومان لقول سهل بن أبي حثمة فتدعون السنة لقول سهل فما أعرف لكم في العلم مذهبا يصح والله المستعان. [باب نوم الجالس والمضطجع] (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن نافع أن ابن عمر كان ينام وهو قاعد ثم يصلي ولا يتوضأ (قال الشافعي) : وهكذا نقول وإن طال ذلك لا فرق بين طويله وقصيره إذا كان جالسا مستويا على الأرض ونقول: إذا كان مضطجعا أعاد الوضوء (قال الشافعي) : أخبرنا الثقة عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنه قال: من نام مضطجعا وجب عليه الوضوء ومن نام جالسا فلا وضوء عليه. فقلت للشافعي: فإنا نقول إن نام قليلا قاعدا لم ينتقض وضوءه وإن تطاول ذلك توضأ (قال الشافعي) : ولا يجوز في النوم قاعدا إلا أن يكون حكمه حكم المضطجع قليله وكثيره سواء أو خارجا من ذلك الحكم فلا ينقض الوضوء قليله ولا كثيره. فقلت للشافعي: فإنا نقول إن نام قليلا قاعدا لم ينتقض وضوءه وإن تطاول ذلك توضأ (قال الشافعي) : فهذا خلاف ابن عمر وخلاف غيره والخروج من أقاويل الناس قول ابن عمر كما حكى مالك وهو لا يرى في النوم قاعدا وضوءا وقول الحسن من خالط النوم قلبه جالسا وغير جالس فعليه الوضوء وقولكم خارج منهما (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه بال في السوق فتوضأ فغسل وجهه ويديه ومسح برأسه ثم دخل المسجد فدعا للجنازة فمسح على خفيه ثم صلى قلت للشافعي فإنا نقول لا يجوز هذا إنما يسمح بحضرة ذلك ومن صنع مثل هذا استأنف فقال الشافعي: إني لأرى خلاف ابن عمر عليكم خفيفا لرأي أنفسكم لا بل لا نعلمكم تروون في هذا عن أحد شيئا يخالف قول ابن عمر وإن جاز زلل ابن عمر عندكم وإنما زعمتم أن الحجة في قول أنفسكم فلم تكلفتم الرواية عن غيركم وقد جعلتم أنفسكم بالخيار تقبلون ما شئتم بلا حجة. [باب إسراع المشي إلى الصلاة] (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه سمع الإقامة وهو بالبقيع فأسرع المشي إلى المسجد (قال الشافعي) : وكرهتم زعمتم إسراع المشي إلى المسجد فقلت للشافعي: نحن نكره الإسراع إلى المسجد إذا أقيمت الصلاة (قال الشافعي) : فإن كنتم كرهتموه لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - «إذا أتيتم الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون وائتوها تمشون وعليكم السكينة» فقد أصبتم وهكذا ينبغي لكم في كل أمر لرسول الله فيه سنة فأما أن قياس قول ابن عمر ويخطئ القياس عليه حجة على «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر امرأة تحج عن أبيها ورجلا يحج عن أبيه» فقال: لا يحج أحد عن أحد لأن ابن عمر قال: لا يصلي أحد عن أحد "فكيف يجوز لمسلم أن يدع ما يروى عن رسول الله إلى ما يروى عن غيره ثم يدعه لقياس يخطئ فيه وهو هنا يصيب في ترك ما روي عن ابن عمر إذ روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - خلافه ثم يزيد فيخرج إلى خلاف ابن عمر معه سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غير هذا الموضع." [باب رفع الأيدي في التكبير] سألت الشافعي عن رفع الأيدي في الصلاة فقال: يرفع المصلي يديه إذا افتتح الصلاة حذو منكبيه وإذا أراد أن يركع وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك ولا يفعل ذلك في السجود فقلت للشافعي فما الحجة في ذلك؟ فقال: أخبرنا هذا ابن عيينة عن الزهري عن سالم عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل قولنا فقلت: فإنا نقول يرفع في الابتداء ثم لا يعود (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن نافع أن ابن عمر كان إذا ابتدأ الصلاة يرفع يديه حذو منكبيه وإذا رفع عن الركوع رفعهما كذلك وهو يرى «عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه حذو منكبيه وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك» ثم خالفتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وابن عمر فقلتم: لا يرفع يديه إلا في ابتداء الصلاة وقد رويتم عنهما أنهما رفعا في الابتداء وعند الرفع من الركوع (قال الشافعي) : أفيجوز لعالم أن يترك على النبي - صلى الله عليه وسلم - وابن عمر لرأي نفسه أو على النبي - صلى الله عليه وسلم - لرأي ابن عمر ثم القياس على قول ابن عمر ثم يأتي موضع آخر ويصيب فيه يترك على ابن عمر لما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فكيف لم ينهه بعض هذا عن بعض؟ أرأيت إن جاز له أن يروي «عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه رفع يديه في الصلاة مرتين أو ثلاثا» وعن ابن عمر فيه اثنتين ويأخذ بواحدة ويترك واحدة أيجوز لغيره ترك الذي أخذ به وأخذ الذي ترك أو يجوز لغيره تركه عليه؟ (قال الشافعي) : لا يجوز له ولا لغيره ترك ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت للشافعي فإن صاحبنا قال: ما معنى رفع الأيدي (قال ![]()
__________________
|
#318
|
||||
|
||||
![]() ![]() كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي المجلد السابع الحلقة (318) صــــــــــ 266 الى صـــــــــــ 273 الشافعي) : هذه الحجة غاية من الجهل معناه تعظيم الله واتباع السنة معنى الرفع في الأول معنى الرفع الذي خالف فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - عند الركوع وبعد رفع الرأس من الركوع ثم خالفتم فيه روايتكم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وابن عمر معا لغير قول واحد روي عنه رفع الأيدي في الصلاة تثبت روايته يروي ذلك عن رسول الله ثلاثة عشر أو أربعة عشر رجلا ويروى عن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - من غير وجه فقد ترك السنة. . [باب وضع الأيدي في السجود] (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان إذا سجد يضع كفيه على الذي يضع عليه وجهه قال: ولقد رأيته في يوم شديد البرد يخرج يديه من تحت برنس له (قال الشافعي) : وبهذا نأخذ وهذا يشبه سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - (قال الشافعي) : أخبرنا سفيان عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال: «أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يسجد على سبع فذكر منها كفيه وركبتيه» (قال الشافعي) : ففعل في هذا بما أمر به ففعل النبي - صلى الله عليه وسلم - فأفضى بيده إلى الأرض وإن كان البرد شديدا كما يفضي بجبهته إلى الأرض فإن كان فبهذا كله نقول وخالفتم هذا عن ابن عمر حيث وافق سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلتم: لا يفضي بيديه إلى الأرض في حر ولا برد إن شاء الله. [باب من الصيام] (قال الشافعي) : - رحمه الله تعالى - أخبرنا مالك عن نافع أن ابن عمر سئل عن المرأة الحامل إذا خافت على ولدها فقال: تفطر وتطعم مكان كل يوم مسكينا مدا من حنطة قال مالك: وأهل العلم يرون عليها من ذلك القضاء قال مالك: عليها القضاء لأن الله عز وجل يقول {فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر} [البقرة: 184] (قال الشافعي) : وإذا كان له أن يخالف ابن عمر لقول القاسم ويتأول في خلاف ابن عمر القرآن ولا يقلده فيقول هذا أعلم بالقرآن منا ومذهب ابن عمر يتوجه لأن الحامل ليست بمريضة المريض يخاف على نفسه والحامل خافت على غيرها لا على نفسها فكيف ينبغي أن يجعل قول ابن عمر في موضع حجة ثم القياس على قوله حجة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ويخطئ القياس فيقول حين قال ابن عمر: لا يصلي أحد عن أحد لا يحج أحد عن أحد قياسا على قول ابن عمر وترك قول النبي - صلى الله عليه وسلم - له وكيف جاز أن يترك من استقاء في رمضان؟ فقال: عليه القضاء ولا كفارة عليه ومن ذرعه القيء فلا قضاء عليه ولا كفارة فقلت: وما الحجة في ذلك؟ فقال: أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه قال: من استقاء وهو صائم فعليه القضاء ومن ذرعه القيء فليس عليه القضاء. فقلت: للشافعي: فإنا نقول ذلك من استقاء فعليه القضاء ولا كفارة عليه. (قال الشافعي) : فما رويتم من هذا عن عمر أنه أفطر وهو يرى الشمس غربت ثم طلعت فقال: الخطب يسير وقد اجتهدنا - يعني قضاء يوم مكان يوم - الحجة لنا عليكم وأنتم إن وافقتموهما في هذا الموضوع تخالفونهما فيما هو مثل معناه قال: فقلت للشافعي وما هذا الموضع الذي نخالفهما في مثل معناه؟ فقال: روينا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه «أمر رجلا جامع امرأته نهارا في رمضان أن يعتق أو يصوم أو يتصدق» لا يجزيه إلا بعد أن لا يجد عتقا ولا يستطيع الصوم فقلتم لا يعتق ولا يصوم ويتصدق فخالفتموه في اثنتين ووافقتموه في واحدة ثم زعمتم أن من أفطر بغير جماع فعليه كفارة ومن استقاء أو أفطر وهو يرى أن الليل قد جاء فلم كانا عندكم مفطرين؟ ثم زعمتم أن ليس عليهما كفارة بالإجماع فلم تحسنوا الاتباع ولا القياس والله يغفر لنا ولكم. فقلت للشافعي: فكيف كان يكون القياس على ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في المجامع نهارا فقال: ما قلنا أن لا يقاس عليه شيء غيره وذلك أنا لا نعلم أحدا خالف في أن لا كفارة على من تقيأ ولا من أكل بعد الفجر وهو يرى الفجر لم يطلع ولا قبل تغيب الشمس وهو يرى أن الشمس غربت ولم يجز أن يجمع الناس على خلاف قول النبي - صلى الله عليه وسلم - وليس يجوز فيه إلا ما قلنا من أن لا كفارة إلا في الجماع استدلالا بما وصفت من الأمر الذي لا أعلم فيه مخالفا وأن أنظر فأي حال جعلت فيها الصائم مفطرا يجب عليه القضاء جعلت عليه الكفارة فأقول ذلك في المحتقن والمستعط والمزدرد الحصى والمفطر قبل تغيب الشمس والمتسحر بعد الفجر وهو يرى أن الفجر لم يطلع والمستقيء وغيره ويلزمك في الآكل الناسي أن يكون عليه كفارة لأنك تجعل ذلك فطرا له وأنت تترك الحديث نفسه ثم تدعي فيه القياس ثم لا تقوم من القياس على شيء تعرفه. [باب في الحج] قال: سألت الشافعي هل يغسل المحرم رأسه من غير جنابة؟ فقال: نعم والماء يزيده شعثا وقال: الحجة فيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - غسل رأسه ثم غسله عمر قلت: كيف ذكر مالك عن ابن عمر؟ قال: أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان لا يغسل رأسه وهو محرم إلا من الاحتلام قال: ونحن ومالك لا نرى بأسا أن يغسل المحرم رأسه في غير احتلام ويروى عن «النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه اغتسل وهو محرم» قلت فهكذا نقول (قال الشافعي) : وإذا ترك قول ابن عمر لما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعمر فهكذا ينبغي أن تتركوا عليه لكل ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - خلافه وإذا وجد في الرواية عن ابن عمر ما يخالف ما يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعمر فينبغي في مرة أخرى أن لا تنكروا أن يذهب على ابن عمر للنبي - صلى الله عليه وسلم - سنة وقد يذهب عليه وعلى غيره السنن ولو علمها ما خالفها ولا رغب عنها إن شاء الله فلا تغفل في العلم وتختلف أقاويلك فيه بلا حجة. (قال الشافعي) : - رحمه الله تعالى - أخبرنا مالك عن نافع أن ابن عمر كان يكره لبس المنطقة للمحرم فقلت: للشافعي: فإنه يخالف ابن عمر ويقول بقول ابن المسيب فقال الشافعي: إن من استجاز خلاف ابن عمر ولم يرو خلافه إلا عن ابن المسيب حقيق أن لا يخالف سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقول ابن عمر. (قال الشافعي) : - رحمه الله تعالى - أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يقول: {فما استيسر من الهدي} [البقرة: 196] بعير أو بقرة (قال الشافعي) : ونحن وأنت نقول: {فما استيسر من الهدي} [البقرة: 196] شاة ويرويه عن ابن عباس وإذا جاز لنا أن نترك على ابن عمر لابن عباس كان الترك عليه للنبي - صلى الله عليه وسلم - واجبا. (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر كان إذا أفطر من رمضان وهو يريد الحج لم يأخذ من رأسه ولا من لحيته شيئا حتى يحج قال مالك: ليس يضيق أن يأخذ الرجل من رأسه قبل أن يحج (قال الشافعي) : وأخبرنا مالك عن نافع أن ابن عمر كان إذا حلق في حج أو عمرة أخذ من لحيته وشاربه قلت: فإنا نقول ليس على أحد الأخذ من لحيته وشاربه إنما النسك في الرأس (قال الشافعي) : وهذا مما تركتم عليه بغير رواية عن غيره عندكم علمتها. (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن نافع أن ابن عمر كان إذا خرج حاجا أو معتمرا قصر الصلاة بذي الحليفة قلت: فإنا نقول يقصر الصلاة إذا جاوز البيوت (قال الشافعي) : فهذا مما تركتم على ابن عمر (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن محمد بن أبي بكر الثقفي أنه سأل أنس بن مالك وهما غاديان من منى إلى عرفة كيف كنتم تصنعون في هذا اليوم مع رسول الله؟ قال: كان يهل المهل منا فلا ينكر عليه ويكبر المكبر منا فلا ينكر عليه (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن ابن شهاب أن ابن عمر قال: كل ذلك قد رأيت الناس يفعلونه وأما نحن فنكبر. قلت للشافعي: فإنا نقول: يلبي حتى تزول الشمس ويلبي وهو غاد من منى إلى عرفة ولا يكبر إذا زالت الشمس من يوم عرفة. (قال الشافعي) : فهذا خلاف ما روى صاحبكم عن ابن عمر من اختيار التكبير وكراهتكم التكبير مع خلاف ابن عمر خلاف ما زعمتم أنه كان يصنع مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فلا ينكر عليه فقد كانوا يختلفون في النسك وبعده فكيف ادعيت الإجماع في كل أمر وأنت تروي الاختلاف في النسك زمان النبي وبعد النبي - صلى الله عليه وسلم - وتروي الاختلاف في الصوم مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وبعده فتقول عن أنس «سافرنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يعب الصيام على المفطرين ولا المفطرون على الصائمين» وقد اختلف بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - بعده في غير شيء. قلت للشافعي: فما تقول أنت فيه؟ فقال: أقول إن هذا خير وأمر يتقرب به إلى الله جل وعز الأمر فيه والاختلاف واسع وليس الإجماع كما ادعيتم إذا كان بالمدينة إجماع فهو بالبلدان وإذا كان بها اختلاف اختلف البلدان فأما حيث تدعون الإجماع فليس بموجود. قال: وسألت الشافعي عن العمرة في أشهر الحج فقال: حسنة أستحسنها وهي أحب منها بعد الحج لقول الله عز وجل {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج} [البقرة: 196] ولقول رسول الله «دخلت العمرة في الحج» ولأن «النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر أصحابه من لم يكن معه هدي أن يجعل إحرامه عمرة» . (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن صدقة بن يسار عن ابن عمر أنه قال: والله لأن أعتمر قبل أن أحج وأهدي أحب إلي من أن أعتمر بعد الحج في ذي الحجة فقلت للشافعي: فإنا نكره العمرة قبل الحج (قال الشافعي) : فقد كرهتم ما رويتم عن ابن عمر أنه أحبه منها وما رويتم عن «عائشة أنها قالت: خرجنا مع رسول الله فمنا من أهل بعمرة ومنا من جمع الحج والعمرة ومنا من أهل بحج» فلم كرهتم ما روي أنه فعل مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وما ابن عمر استحسنه وما أذن الله فيه من التمتع إن هذا لسوء الاختيار والله المستعان. [باب الإهلال من دون الميقات] قال: سألت الشافعي عن الإهلال من دون الميقات فقال: حسن قلت له: وما الحجة فيه؟ قال: أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه أهل من إيلياء وإذا كان ابن عمر روى «عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه وقت المواقيت وأهل من إيلياء» وإنما روى عطاء «عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لما وقت المواقيت قال: يستمتع الرجل من أهله وثيابه حتى يأتي ميقاته» فدل هذا على أنه لم يحظر أن يحرم من ورائه ولكنه أمر أن لا يجاوزه حاج ولا معتمر إلا بإحرام. (قال الشافعي) : أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: قلت للشافعي: فإنا نكره أن يهل أحد من وراء الميقات (قال الشافعي) : وكيف كرهتم ما اختار ابن عمر لنفسه وقاله معه علي بن أبي طالب وعمر بن الخطاب في رجل من أهل العراق إتمام العمرة أن تحرم من دويرة أهلك ما أعلمه يؤخذ على أحد أكثر مما يؤخذ عليكم من خلاف ما رويت وروى غيرك عن السلف. [باب في الغدو من منى إلى عرفة] قال: سألت الشافعي عن الغدو من منى إلى عرفة يوم عرفة فقال: ليس فيه ضيق والذي أختار أن يغدو إذا طلعت الشمس. (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يغدو من منى إلى عرفة إذا طلعت الشمس قال: فقلت للشافعي: فإنا نكره هذا ونقول: يغدو من منى إذا صلى الصبح قبل أن تطلع الشمس (قال الشافعي) : فكيف لم تتبعوا ابن عمر وقد حج مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه وكان الحج خاصة مما ينسب ابن عمر عندهم إلى العلم به وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من وجه آخر «أنه غدا من منى حين طلعت الشمس» وقال محمد بن علي: السنة أن يغدو الإمام من منى إذا طلعت الشمس فعمن رويتم كراهية هذا [باب قطع التلبية] (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يقطع التلبية في الحج إذا انتهى إلى الحرم (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن نافع أن ابن عمر حج في الفتنة فأهل ثم نظر فقال: ما أمرهما إلا واحد أشهدكم أني قد أوجبت الحج مع العمرة ونحن لا نرى بهذا بأسا فقلت للشافعي: فإنا نكره أن يقرن الحج مع العمرة فقال الشافعي: فكيف كرهتم غير مكروه وخالفتم من لا ينبغي لكم خلافه؟ وما نراكم تبالون من خالفتم إذا شئتم. [باب النكاح] (قال الشافعي) : أخبرنا مالك أنه بلغه أن ابن عباس وابن عمر سئلا عن رجل كانت تحته امرأة حرة فأراد أن ينكح عليها أمة فكرها أن يجمع بينهما (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن ابن المسيب أنه كان يقول: لا تنكح الأمة على الحرة فإن أطاعت فلها الثلثان (قال الشافعي) : وهذا مما تركتم بغير رواية عن غيره عندكم علمتها فقلت للشافعي: فإنا نكره أن ينكح أحد أمة وهو يجد طولا لحرة (قال الشافعي) : فقد خالفتم ما رويتم عن ابن عباس وابن عمر لأنهما لم يكرها في روايتكم إلا الجمع بين الحرة والأمة لا أنهما كرها ما كرهتم وهكذا خالفتم ما رويتم عن ابن المسيب وهل رويتم في قولكم شيئا عن أحد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخلافه فقلت: ما علمت فقال: فكيف استجزتم خلاف من شئتم لقول أنفسكم؟ . [باب التمليك] (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن نافع أن ابن عمر كان يقول: إذا ملك الرجل امرأته فالقضاء ما قضت إلا أن يناكرها الرجل فيقول لها: لم أرد إلا تطليقة واحدة فيحلف على ذلك ويكون أملك بها ما كانت في عدتها (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن سعيد بن سليمان بن زيد بن ثابت عن خارجة بن زيد أنه أخبره أنه كان جالسا عند زيد بن ثابت فأتاه محمد بن أبي عتيق وعيناه تدمعان. فقال له زيد: ما شأنك؟ قال: ملكت امرأتي أمرها ففارقتني فقال له زيد: ما حملك على ذلك؟ فقال له: القدر فقال له زيد: ارتجعها إن شئت وإنما هي واحدة وأنت أملك بها (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه القاسم بن محمد أن رجلا من ثقيف ملك امرأته أمرها فقالت: أنت الطلاق فسكت ثم قالت: أنت الطلاق فقال: بفيك الحجر فقالت: أنت الطلاق فقال: بفيك الحجر فاختصما إلى مروان بن الحكم فاستحلفه ما ملكها إلا واحدة وردها إليه قال عبد الرحمن: فكان القاسم يعجبه هذا القضاء ويراه أحسن ما سمع في ذلك قلت للشافعي: إنا نقول في المخيرة إذا اختارت نفسها هي ثلاث وفي التي يجعل أمرها بيدها أو تملك أمرها أيما تملك القضاء ما قضت إلا أن يناكرها زوجها (قال الشافعي) : هذا خلاف ما رويتم عن زيد بن ثابت وخلاف ما روى غيركم عن علي بن أبي طالب وابن مسعود وغيرهما فأجعلك اخترت قول ابن عمر على قول من خالفه في المملكة فإلى قول من ذهبت في المخيرة؟ وعمن تقول أن اختاري وأمرك بيدك سواء وأنت لا نعلمك رويت في المخيرة عن واحد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قولا يوافق قولك فإن رويت في هذا اختلافا عن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكيف ادعيت الإجماع؟ وإذا حكيت فأكثر ما تحكي الاختلاف. [باب المتعة] (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يقول: لكل مطلقة متعة إلا التي تطلق وقد فرض لها الصداق ولم تمس فحسبها ما فرض لها (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن القاسم بن محمد مثله (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن ابن شهاب أنه كان يقول: لكل مطلقة متعة فقلت للشافعي: فإنا نقول خلاف قول ابن شهاب لقول ابن عمر (قال الشافعي) : فبقول ابن عمر قلتم وأنتم تخالفونه قال: فقلت للشافعي وأين؟ قال: زعمتم أن ابن عمر قال: لكل مطلقة متعة إلا التي فرض لها ولم تمس فحسبها نصف الصداق وهذا يوافق القرآن فيه وقوله فيمن سواها من المطلقات أن لها متعة يوافق القرآن لقول الله جل ثناؤه {لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن} [البقرة: 236] وقال الله جل ذكره {وللمطلقات متاع بالمعروف} [البقرة: 241] قلت: فإنما ذهبنا إلى أن هذا إنما هو لمن ابتدأ الزوج طلاقه فيها أرأيت المختلعة والمملكة فإن هاتين طلقتا أنفسهما قال: أليس الزوج ملكها ذلك وملكه التي حلف أن لا تخرج فخرجت وملكه رجلا يطلق امرأته ثم فرقت بينهن وبين المطلقات في المتعة ثم فرقت بين أنفسهن وكلهن طلقها غير الزوج إلا أن ابتداء الطلاق الذي به كان من الزوج؟ فإن قلت: لأن الله إنما ذكر المطلقات والمطلقات المرأة يطلقها زوجها فإن اختلعت عندك فليس الزوج هو المطلق لأنه أدخل قبل الطلاق شيئا لزمك أن تخالف معنى القرآن لأن الله عز وجل يقول {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} [البقرة: 228] فإن زعمت أن المملكة والمختلعة ومن سمينا من النساء يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء مطلقات لأن الطلاق جاء من الزوج إذا قبل الخلع وجعل إليهن الطلاق وإلى غيرهن فطلقهن فهو المطلق وعليه يحرمن فكذلك المختلعات ومن سمينا منهن مطلقات لهن المتعة في كتاب الله ثم قول ابن عمر، والله أعلم. [باب الخلية والبرية] (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه قال في الخلية والبرية ثلاثا ثلاثا (قال الشافعي) : مذهب ابن عمر فيه ومن ذهب مذهبه أن الخلية والبرية تقوم مقام قوله لامرأته أنت طالق ثلاثا ولا ينويه شيئا من ذلك ومن قال لمدخول بها وغير مدخول بها: أنت طالق ثلاثا وقعت عليه عندنا وعند عامة المفتين وعندكم (قال الشافعي) : لنا: قد خالفتم ابن عمر في بعض هذا القول ووافقتموه في بعض فقلتم الخلية والبرية ثلاث في المدخول بها فلا يدين ويدين في التي لم يدخل بها ثلاثا أراد أو واحدة فلا أنتم قلتم كما قال ابن عمر ومن قال قوله فيقول: لا ألتفت أن يدين المطلق وأستعمل عليها الأغلب ولا أنتم ذهبتم إذ كان الكلام منه يحتمل معنيين إلى أن يجعل القول قوله مع يمينه ولكنكم خالفتم هذا معا في معنى ووافقتموه معا في معنى وما للناس فيها قول إلا قد خرجتم منه إنما قال الناس قولين: أحدهما إن قال بعضهم قول ابن عمر أولئك استعملوا الأغلب فجعلوا الخلية والبرية والبتة ثلاثا كقوله أنت طالق ثلاثا وآخرون قالوا بقول عمر في البتة يدين فإن أراد ثلاثا فثلاث وإن أراد واحدة فواحدة وآخرون ذهبوا إلى أن الكلمة احتملت معنيين فجعلوا عليه الأقل فجعلوا الخلية والبرية واحدة إذا أراد بها الطلاق وقولكم خارج من هذا مخالف لما رويتم وجميع الآثار في بعضه وزدتم قولا ثالثا هو داخل في أحد القولين وهو أن يملك الرجل امرأته أمرها فرويتم عن ابن عمر القضاء ما قضت إلا أن يناكرها ثم زعمتم أنه إن ملك امرأته أمرها وهي مدخول بها فهكذا وإن كانت غير مدخول بها نويتموه والبتة ليست مذهبكم إنما البتة مذهب من لا يوقع عليها الطلاق إذا احتمل الكلام الطلاق وغيره إلا بإرادة الطلاق كما روينا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم عمر وغيرهما. [باب في بيع الحيوان] قد سألت الشافعي عن بيع الحيوان فقال: لا ربا في الحيوان يدا بيد ونسيئة ولا يعدو الربا في زيادة الذهب والورق والمأكول والمشروب فقلت: وما الحجة فيه؟ فقال: فيه حديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثابت وعن ابن عباس وغيره من رواية أهل البصرة ومن حديث مالك أحاديث (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه اشترى راحلة بأربعة أبعرة مضمونة عليه بالربذة (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن صالح بن كيسان عن الحسن بن محمد بن علي أن عليا باع جملا له يقال له عصيفير بعشرين بعيرا إلى أجل (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن ابن المسيب كان يقول: لا ربا في الحيوان وإنما نهي من الحيوان عن ثلاث المضامين والملاقيح وحبل الحبلة (قال الشافعي) : أخبرنا مالك أنه سأل ابن شهاب عن بيع الحيوان اثنين بواحد إلى أجل قال: لا بأس به (قال الشافعي) : وبهذا كله نقول وخالفتم هذا كله ومثل هذا يكون عندكم العمل لأنكم رويتم عن رجلين من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ورجلين من التابعين أحدهما أسن من الآخر وقلتم لا يجوز البعير بالبعيرين إلا أن تختلف رحلتهما ونجابتهما فيجوز فإن أردتم بها قياسا على التمر بالتمر فذلك لا يصلح إلا كيلا بكيل ولو كان أحد التمرين خيرا من الآخر ولا يصلح شيء من الطعام بشيء من الطعام نسيئة وأنتم تجيزون بعض الحيوان ببعض نسيئة فلم تتبعوا فيه من رويتم عنه إجازته ممن سميت ولم تجعلوه قياسا على غيره وقلتم فيه قولا متناقضا خارجا من السنة والآثار والقياس والمعقول لعمري إن حرم البعير بالبعيرين مثله في الرحلة والنجابة ما يعدو أن يحرم خبرا والخبر يدل على إحلاله وقد خالفتموه ولو حرمتموه قياسا على ما الزيادة في بعضه على بعض الربا لقد خالفتم القياس وأجزتم البعير بالبعيرين مثله وزيادة دراهم وليس يجوز التمر بالتمر وزيادة دراهم ولا شيء من الأشياء وما علمت أحدا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال قولكم وإن عامة المفتين بمكة والأمصار لعلى خلاف قولكم وإن قولكم لخارج من الآثار يخالفها كلها ما رويتم منها وروى غيركم خارج من القياس والمعقول فكيف جاز لأحد قول يستدرك فيه ما وصفت ثم لا يستدرك في قليل من قوله بل في كثير والله المستعان. (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عروة بن أذينة قال: خرجت مع جدة لي عليها مشي إلى بيت الله حتى إذا كانت ببعض الطريق عجزت فسألت عبد الله بن عمر فقال عبد الله: مرها فلتركب ثم لتمش من حيث عجزت قال مالك: وعليها الهدي (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال: كان علي مشي فأصابتني خاصرة فركبت حتى أتيت مكة فسألت عطاء بن أبي رباح وغيره فقالوا: عليك هدي فلما قدمت المدينة سألت فأمروني أن أمشي من حيث عجزت فمشيت مرة أخرى (قال الشافعي) : فرويتم عن ابن عمر أنه أمرها أن تمشي ورويتم ذلك عمن سأل بالمدينة ولم ترووا عنهم أنهم أمروها بهدي فخالفتم في أمرها بهدي وهذا عندكم إجماع بالمدينة ورويتم أن عطاء وغيره أمروه بهدي ولم يأمروه بمشي فخالف في رواية نفسه عطاء وابن عمر والمدنيين ولا أدري أين العمل الذي تدعون من قولكم ولا أين الإجماع منه هذا خلافهما فيما رويتم وخلاف رواية غيركم عن ابن عمر وغيره وما يجوز من هذا إلا واحد من قولين إما قول ابن عمر يمشي ما ركب حتى يكون بالمشي كله وإما أن لا يكون عليه عودة لأنه قد جاء بحج أو عمرة وعليه هدي مكان ركوبه وإما أن يمشي ويهدي فقد كلفه الأمرين معا وإنما ينبغي أن يكون عليه أحدهما والله أعلم. [باب الكفارات] (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر قال: من حلف على يمين فوكدها فعليه عتق رقبة (قال الشافعي) : فخالفتم ابن عمر فقلتم: التوكيد وغيره سواء يجزيه فيه إطعام عشرة مساكين نراكم تستوحشون من خلاف ابن عمر بحال وما نعرف لكم مذهبا غير أنا رأيناكم إذا وافقتم قول ابن عمر أو غيره من الصحابة أو من بعدهم من التابعين قلتم: هم أشد تقدما في العلم وأحدث برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه عهدا فأحرى أن لا نقول إلا بما يعملون وأئمتنا المقتدى بهم فكيف تخالفونهم وعظمتم خلافهم غاية التعظيم ولعل من خالفهم ممن عبتم عليه خلاف من وافقكم منه أن يكون خلافه لأن من رواه عن مثلهم لم تعرفوه لضيق عليكم ثم تخالفونهم لغير قول أحد من الناس مثلهم ولا يسمع روايتكم وتتركون ما شئتم لغير حجة فيما أخذتم ولا ما تركتم وما صنعتم من هذا غير جائز لغيركم عندكم وكذلك هو غير جائز لكم عند أحد من المسلمين لأنه إذا لم يجز من يخالف بعض الأثر فيحسن الاحتجاج والقياس كان أن يكون لكم إذا كنتم لا تحسنون عند الناس حجة ولا قياسا أبعد قلتم إن زكاة الفطر وصدقة الطعام وجميع الكفارات بمد النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا كفارة الظهار فإنها بمد هشام. (قال الشافعي) : وما علمته قال هذا القول قبلكم أحد من الناس وما أدري إلى أي شيء ذهبتم إلى عظم ذنب المتظاهر فالقاتل أعظم من المتظاهر ذنبا فكيف رأيتم أن كفارة القاتل بمد النبي - صلى الله عليه وسلم - وكفارة المتظاهر بمد هشام ومن شرع لكم مد هشام وقد أنزل الله الكفارات على رسوله قبل أن يولد أبو هشام فكيف ترى المسلمين كفروا في زمان النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يكون مد هشام فإن زعمت أنهم كفروا بمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأخذوا به الصدقات وأخرجوا به الزكاة لأن الله عز وجل: أنزل الكفارات فقد أبان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كم قدر كيلها كما أبان ذلك في زكاة الفطر وفي الصدقات فكيف أخذتم مد هشام وهو غير ما أبان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للناس وكفر به السلف إلى أن كان لهشام مد وإن زعمت أن ذلك غير معروف فمن عرفهم أن الكفارة بمد هشام ومن زعم أن الكفارات مختلفة أرأيت لو قال قائل: كل كفارة بمد هشام إلا كفارة الظهار فإنما بمد النبي - صلى الله عليه وسلم - هل الحجة عليه إلا أن نقول: لا يفرق بينهما إلا كتاب أو سنة أو إجماع أو خبر لازم. فقال للشافعي: فهل خالفك في أن الكفارات بمد النبي - صلى الله عليه وسلم - أحد؟ فقال: معاذ الله أن يكون زعمنا أن مسلما قط غيركم قال إن شيئا من الكفارات بمد غير النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: فما شيء يقوله بعض المشرقيين؟ . قلت: قول متوجه وإن خالفناه قال: وما هو؟ قلت: قالوا الكفارات بمد النبي - صلى الله عليه وسلم - يطعم المسكين مدين مدين قياسا على «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر كعب بن عجرة أن يطعم في فدية الأذى كل مسكين مدين مدين» ولم تبلغ جهالتهم ولا جهالة أحد أن يقول: إن كفارة بغير مد النبي - صلى الله عليه وسلم -. فقلت للشافعي: فلعل مد هشام مدان بمد النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال الشافعي: لا هو مد وثلث أو مد ونصف، فقلت للشافعي: أفتعرف لقولنا وجها؟ فقال: لا وجه لكم يعذر أحد من العالمين بأن يقول مثله ولا يفرق مسلم غيركم بين مكيلة الكفارات إلا أنا نقول هي مد مد بمد النبي - صلى الله عليه وسلم - لكل مسكين وقال بعض المشرقيين: مدان مدان فأما أن يفرق أحد بين مكيلة شيء من الكفارات فلا. [باب زكاة الفطر] (قال الشافعي) : - رحمه الله - أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يبعث بزكاة الفطر إلى الذي تجمع عنده قبل الفطر بيومين أو ثلاثة (قال الشافعي) : هذا حسن وأستحسنه لمن فعله والحجة بأن «النبي - صلى الله عليه وسلم - تسلف صدقة العباس قبل أن تحل» ويقول ابن عمر وغيره، فقلت للشافعي: فإنا نكره لأحد أن يؤدي زكاة الفطر إلا مع الغدو يوم الفطر وذلك حين يحل بعد الفجر (قال الشافعي) : قد خالفتم ابن عمر في روايتكم وما روى غيركم «عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه تسلف صدقة العباس بن عبد المطلب قبل محلها» لغير قول واحد علمتكم رويتموه عنه من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا التابعين فلست أدري لأي معنى تحملون ما حملتم من الحديث إن كنتم حملتموه لتعلموا الناس أنكم قد عرفتموه فخالفتموه بعد المعرفة فقد وقعتم بالذي أردتم وأظهرتم للناس خلاف السلف وإن كنتم حملتموه ![]()
__________________
|
#319
|
||||
|
||||
![]() ![]() كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي المجلد السابع الحلقة (319) صــــــــــ 274 الى صـــــــــــ 281 لتأخذوا به فقد أخطأتم ما تركتم منه وما تركتم منه كثير في قليل ما رويتم وإن كانت الحجة عندكم ليست في الحديث فلم تكلفتم روايته واحتججتم بما وافقتم منه على من خالفه؟ ما تخرجون من قلة النصفة والخطأ فيما صح إذ تركتم مثله وأخذتم بمثله ولا يجوز أن يكون شيء مرة حجة ومرة غير حجة. . [باب في قطع العبد] (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن عبدا له سرق وهو آبق فأبى سعيد بن العاص أن يقطعه فأمر به ابن عمر فقطعت يده، فقلت للشافعي: فإنا نقول: لا يقطع السيد يد عبده إذا أبى السلطان يقطعه فقال الشافعي: قد كان سعيد بن العاص من صالحي ولاة أهل المدينة فلما لم ير أن يقطع الآبق أمر ابن عمر بقطعه وفي هذا دليل على أن ولاة أهل المدينة كانوا يقضون بآرائهم ويخالفون فقهاءهم وأن فقهاء أهل المدينة كانوا يختلفون فيأخذ أمراؤهم برأي بعضهم دون بعض وهذا أيضا العمل لأنكم كنتم توهمون أن قضاء من هو أسوأ حالا من سعيد ومثله لا يقضي إلا بقول الفقهاء وأن فقهاءهم زعمتم لا يختلفون وليس هو كما توهمتم في قول فقهائهم ولا قضاء أمرائهم وقد خالفتم رأي سعيد وهو الوالي وابن عمر وهو المفتي فأين العمل؟ إن كان العمل فيما عمل به الوالي فسعيد لم يكن يرى قطع الآبق وأنتم ترون قطعه وإن كان العمل في قول ابن عمر فقد قطعه وأنتم ترون أن ليس لنا أن نقطعه وما درينا ما معنى قولكم العمل ولا تدرون فيما خبرنا وما وجدنا لكم منه مخرجا إلا أن تكونوا سميتم أقاويلكم العمل والإجماع فتقولون على هذا العمل وعلى هذا الإجماع تعنون أقاويلكم وأما غير هذا فلا مخرج لقولكم فيه عمل ولا إجماع لأن ما نجد عندكم من روايتكم ورواية غيركم اختلاف لا إجماع الناس معكم فيه لا يخالفونكم قلت للشافعي قد فهمت ما ذكرت أنا لم نصر إلى الأخذ به من الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - والآثار عن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وما تركنا من الآثار عن التابعين بالمدينة من رواية صاحبنا نفسه وتركنا مما روى وخالفنا فيه فهل تجد فيما روى غيرنا شيئا تركناه؟ قال: نعم أكثر من هذا في رواية صاحبكم لغير قليل فقلت له: قلنا علم ندخله مع علم المدنيين قال: أي علم هو؟ قلت علم المصريين وعلم غير صاحبنا من المدنيين. (قال الشافعي) : ولم أدخلتم علم المصريين دون علم غيرهم مع علم أهل المدينة؟ فقلت: أدخلت منه ما أخذوا عن أهل المدينة قال: ومن ذلك علم خالد بن أبي عمران؟ قلت: نعم (قال الشافعي) : فقد وجدتك تروي عن خالد بن أبي عمران أنه سأل سالم بن عبد الله والقاسم بن محمد وسليمان بن يسار فنظرت فيما ثبت أنت عن هؤلاء النفر فرأيت فيه أقاويل تخالفها ووجدتك تروي عن ابن شهاب وربيعة ويحيى بن سعيد فوجدتك تخالفهم ولست أدري من تبعتم إذا كنت تروي أنت وغيرك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أشياء تخالفها ثم عمن رويت عنه هذا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم عن التابعين ثم عمن بعدهم فقد أوسعت القرون الخالية والباقية خلافا ووضعت نفسك بموضع أن لا تقبل إلا إذا شئت وأنت تعيب على غيرك ما هو أقل من هذا وعند من عبت عليه عقل صحيح ومعرفة يحتج بها عما يقول ولم نر ذلك عندك والله يغفر لنا ولك قال: ويدخل عليك من هذا خصلتان فإن كان علم أهل المدينة إجماعا كله أو الأكثر منه فقد خالفته لا بل قد خالفت أعلام أهل المدينة من كل قرن في بعض أقاويلهم وإن كان في علمهم افتراق فلم ادعيت لهم الإجماع. (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وما حفظت لك مذهبا واحدا في شيء من العلم استقام لك فيه قول ولا حفظت أنك ادعيت الحجة في شيء إلا تركتها في مثل الذي ادعيتها فيه وزعمت أنك تثبت السنة من وجهين: أحدهما أن تجد الأئمة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قالوا بما يوافقها والآخر أن لا تجد الناس اختلفوا فيها وتردها إن لم تجد للأئمة فيها قولا وتجد الناس اختلفوا فيها ثم تثبت تحريم كل ذي ناب من السباع واليمين مع الشاهد والقسامة وغير ذلك مما ذكرنا هذا كله لا تروي فيه عن أحد من الأئمة شيئا يوافقه بل أنت تروي في القسامة عن عمر خلاف حديثك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وتروي فيها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - خلاف حديثك الذي أخذت به ويخالفك فيها سعيد بن المسيب برأيه وروايته ويخالفك فيها كثير من أهل المدينة ويردها عليك أهل البلدان ردا عنيفا وكذلك أكثر أهل البلدان ردوا عليك اليمين مع الشاهد ويدعون فيها أنها تخالف القرآن ويردها عليك بالمدينة عروة والزهري وغيرهما وبمكة عطاء وغيره ويرد كل ذي ناب من السباع عائشة وابن عباس وغيرهما ثم رددت «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تطيب للإحرام وبمنى قبل الطواف ابن أبي وقاص وابن عباس كما تطيب النبي - صلى الله عليه وسلم -» وعلى هذا أكثر المفتين بالبلدان فتترك هذا لأن رويت أن عمر كره ذلك ولا يجوز لعالم أن يدع قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لقول أحد سواه فإن قلت قد يمكن الغلط فيمن روى هذا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فهكذا يمكن الغلط فيمن روى ما رويت عن عمر. فإن جعلت الروايتين ثابتتين معا فما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أولى أن يقال به وإن أدخلت التهمة على الراويين معا فلا تدع الرواية عن أحد أخذت عنه وأنت تتهمه، قلت للشافعي: أفيجوز أن تتهم الرواية؟ قال: لا إلا أن يروى حديثان عن رجل واحد مختلفان فذهب إلى أحدهما فأما رواية عن واحد لا معارض لها فلا يجوز أن تتهم ولو جاز أن تتهم لم يجز أن نحتج بحديث المتهمين بغير معارض روايته فأما أن يروي رجل عن رجل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شيئا ويروي آخر عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - شيئا يخالفه فليس هذه معارضة هذه رواية عن رجل وهذه عن آخر وكل واحد منهما غير صاحبه ثم لم تثبت على ما وصفت من مذهبك حتى تركت قول عمر في المنبوذ هو حر ولك ولاؤه وعلينا نفقته فقلت: لا يكون للذي التقطه ولاؤه ولا أحسب حجة لك في هذا إلا أن تقول قال النبي - صلى الله عليه وسلم: «الولاء لمن أعتق» وهذا غير معتق ورويت عن عمر أنه بدأ في القسامة المدعى عليهم فأبوا فردها على المدعين فأبوا الأيمان فأغرم المدعى عليهم نصف الدية فخالفته أنت فقلت يبدأ المدعون ولا نغرم المدعى عليهم إذا لم يحلف من أنه بدأ المدعين ولم يجعل على المدعى عليهم غرامة حين لم يقبل المدعون أيمانهم ورويت عن عمر أنه قال في المؤمن يؤمن العلج ثم يقتله لا يبلغني أن أحدا فعل ذلك إلا قتلته فخالفته وقلت: لا يقتل مؤمن بكافر مع ما وصفنا مما تركت على عمر والرجل من الصحابة ثم تتخلص إلى أن تترك عليه لرأي نفسك ولا يجوز إذا كانت السنة حجة على قول من تركها أن لا يوافقها إلا أن تكون كذلك أبدا ولا يجوز هذا القول المختلط المتناقض ورويت عن عمر في الضرس جمل وعن ابن المسيب في الضرس جملان ثم تركت عليهما معا قولهما ولا أعلم لك حجة في هذا أقوى من أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «في السن خمس» وأن الضرس قد يسمى سنا ثم صرت إلى أن رويت «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر امرأة أن تحج عن أبيها» وهذا قول علي بن أبي طالب وابن عباس وابن المسيب وربيعة وكل من عرفت قوله من كل أهل بلد غير أصحابك لا أعلمهم يختلفون فيه فتركته لقياس زعمت على قول ابن عمر لا يصلي أحد عن أحد ولا يصوم أحد عن أحد فقلت: والحج يشبههما (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : ورويت عن ابن عمر أنه سمع الإقامة فأسرع المشي إلى المسجد فتركته عليه لا أعلم لك حجة في تركه عليه إلا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تأتوها تسعون وائتوها تمشون وعليكم السكينة» ورويت عن ابن عمر أنه كان ينضح في عينيه الماء إذا اغتسل من الجنابة وخالفته ولم ترو عن أحد من الناس خلافه ورويت عن ابن عمر أنه كان يرفع يديه إذا رفع رأسه من الركوع ورويت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله ثم خالفته وهو يوافق سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لغير قول أحد من الناس رويته عنه ورويت عن ابن عمر أنه كان إذا سجد يضع كفيه على الذي يضع عليه وجهه حتى يخرجهما في شدة البرد وتروي «عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أمر أن يسجد على سبع فيها الكفان» فخالفت ابن عمر فيما يوافق فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - فإذا كنت تخالف ما رويت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الطيب للمحرم لقول عمر وما رويت عن عمر في تقريد البعير وهو محرم لقول ابن عمر وما رويت عن ابن عمر فيما وصفنا وغيره لقول نفسك فلا أسمع العلم إذا إلا علمك ولا أعلمك تدري لأي شيء تحمل الحديث إذا كنت تأخذ منه ما شئت وتترك منه ما شئت ورويت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم تعتمدوا على أمر تعرفونه. فقلت للشافعي: إنما ذهبنا إلى أن نثبت ما اجتمع عليه أهل المدينة دون البلدان كلها فقال الشافعي: هذه طريق الذين أبطلوا الأحاديث كلها وقالوا نأخذ بالإجماع إلا أنهم ادعوا إجماع الناس وادعيتم أنتم إجماع بلد هم يختلفون على لسانكم والذي يدخل عليهم يدخل عليك معهم للصمت كان أولى بكم من هذا القول قلت ولم؟ قال: لأنه كلام ترسلونه لا بمعرفة فإذا سئلتم عنه لم تقفوا منه على شيء ينبغي لأحد أن يقبله أرأيتم إذا سئلتم من الذين اجتمعوا بالمدينة؟ أهم الذين ثبت لهم الحديث وثبت لهم ما اجتمعوا عليه وإن لم يكن فيه حديث من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فإن قلتم: نعم قلت يدخل عليكم في هذا أمران أحدهما أنه لو كان لهم إجماع لم تكونوا وصلتم إلى الخبر عنهم إلا من جهة خبر الانفراد الذي رددتم مثله في الخبر عن رسول الله فإن ثبت خبر الانفراد فما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أحق أن يؤخذ به والآخر أنكم لا تحفظون في قول واحد غيركم شيئا متفقا فكيف تسمون إجماعا لا تجدون فيه عن غيركم قولا واحدا؟ وكيف تقولون: أجمع أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهم مختلفون على لسانكم وعند أهل العلم؟ فإن قلتم إنا ذهبنا إلى أن إجماعهم أن يحكم أحد الأئمة أبو بكر أو عمر أو عثمان - رضي الله عنهم - بالمدينة بحكم أو يقول القول فقال الشافعي: إنه قد احتج لكم بعض المشرقيين بأن قال: ما قلتم وكان حكم الحاكم وقول القائل من الأئمة لا يكون بالمدينة إلا علما ظاهرا غير مستتر وهم يجمعون أنهم أعلم الناس بسنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأطلب الناس لما ذهب علمه عنهم منها يسألون عنها على المنبر وعلى المواسم وفي المساجد وفي عرام الناس ويبتدئون فيخبرون بما لم يسألوا عنه فيقبلون ممن أخبرهم ما أخبرهم إذا ثبت لهم فإذا حكم أحدهم الحكم لم تجوز أن يكون حكم به إلا وهو موافق سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وغير مخالف لها فإن جاء حديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فخالفه من وجهة الانفراد اتهم لما وصفت فقلت للشافعي هذا المعنى الذي ذهبنا إليه بأي شيء احتججت عليه (قال الشافعي) : أول ما نحتج به عليكم من هذا أنكم لا تعرفون حكم الحاكم منهم ولا قول القائل إلا بخبر الانفراد الذي رددتم مثله إذا روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - الفرض من الله وما روي عمن دونه لا يحل محل قول النبي - صلى الله عليه وسلم - أبدا فكيف أجزتم خبر الانفراد عن بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ورددتموه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ فقلت للشافعي: فما رد عليك، فقال: ما كان عنده في هذا شيء أكثر من الخروج منه وأنا أعلم - إن شاء الله - أنه يعلم أنه يلزمه فهل عندكم في هذا حجة؟ فقلت: ما يحضرني قال: فقلت للشافعي: وما حجتك عليه سوى هذا؟ فقال الشافعي: قد أوجدتكم أن عمر - مع فضل علمه وصحبته وطول عمره وكثرة مسألته وتقواه - قد حكم أحكاما بلغه بعضها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شيء فرجع عن حكمه إلى ما بلغه عن رسول الله ورجع الناس عن بعض حكمه بعده إلى ما بلغهم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فإنه قد يعزب عن الكثير الصحبة الشيء من العلم يحفظه الأقل علما وصحبة منه فلا يمنعه ذلك من قبوله واكتفيت من ترديد هذا بما وصفت في كتاب هذا وكتاب جماع العلم (قال الشافعي) : ولو لم يكن هذا هكذا ما كان على الأرض أحد أعلمه أترك لما زعم أن الصواب فيه منكم قلت: فكيف؟ قال: قد تركتم على عمر بن الخطاب من روايتكم منها ما تركتموه وزعمتم لأن الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - جاء يخالفه ومنها ما تركتموه لأن ابن عمر خالفه ومنها ما تركتموه لرأي أنفسكم لا يخالف عمر فيه أحد يحفظ عنه فلو كان حكم الحاكم وقوله يقوم المقام الذي قلت كنت خارجا منه فيما وصفنا وفيما روى الثقات عن عمر أنكم لتخالفون عنه أكثر من مائة قول منها ما هو لرأي أنفسكم ومثلكم وحفظت أنك تروي عن أبي بكر ستة أقاويل تركتم عليه منها خمسة اثنين في القراءة في الصلاة وأخرى في نهيه عن عقر الشجر وتخريب العامر وعقر ذوات الأرواح إلا لمأكلة وحفظت أنك تركت على عثمان أنه كان يخمر وجهه وهو محرم من روايتكم وغير ذلك وما تركت عليهم من رواية الثقات من أهل المدينة أضعاف ما تركتم عليهم من روايتكم لغفلة ولقلة روايتكم وكثرة روايتهم فإن ذهبتم إلى غيرهم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم ترووا عن أحد قط شيئا علمته إلا تركتم بعض ما رويتم وإن ذهبتم إلى التابعين فقد خالفتم كثيرا من أقاويلهم وإن ذهبتم إلى تابعي التابعين فقد خالفتم أقاويلهم مما رويتم وروى غيركم ما كتبنا منه في هذا الكتاب شيئا يدل على ما رويتم وما تركنا من رواية غيركم أضعاف ما كتبنا فإن أنصفتم بأقاويلكم فلا تشكوا في أنكم لم تذهبوا مذهبا علمناه إلا فارقتموه كأن كانت حجتكم لازمة فحالكم بفراقها غير محمودة وإن كانت غير لازمة دخل عليكم فراقها والضعف في الحجة بما لا يلزم قال: فقلت للشافعي: فقد سمعتك تحكي أن بعض المشرقيين قام بحجتنا فيما ذكرنا من الإجماع فأحب أن تحكي لي ما قلت وقال: لك فقال لي الشافعي: فيما حكيت الكفاية مما لم أحك وما تصنع بما لم تقله أنت في حجتك؟ فقلت للشافعي: قد ذكرت الذي قام بالعذر في بعض ترك الحديث ووصفت أنه منسوب إلى البصرة فقال لي الشافعي: هو كما ذكرت وقد جاء منه على ما لم تأت عليه لنفسك ولو لم أر في مذهبه شيئا تقوم به حجة فقلت: فاذكر منه ما حضرك (قال الشافعي) : قلت له: أرأيت الفرض علينا وعلى من قبلنا في اتباع سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أليس واحدا؟ قال: بلى فقلت: إذا كان أبو بكر خليفة النبي - صلى الله عليه وسلم - والعامل بعده فورد عليه خبر واحد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر لا مدة بينه وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - يمكنه فيها أن يعمل بالخبر فلا يترك ما تقول فيه؟ قال: أقول إنه يقبله ويعمل به فقلت: قد ثبت إذا بالخبر ولم يتقدمه عمل من أحد بعد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - يثبته لأنه لم يكن بينهما إمام فيعمل بالخبر ولا يدعه وهو مخالف في هذا حال من بعده (قال الشافعي) : فقلت: أرأيت إذا جاء الخبر في آخر عمره ولا يعمل به ولا بما يخالفه في أول عمره وقد عاش أكثر من سنة يعمل فما تقول فيه؟ قال: يقبله فقلت: فقد قبل خبرا لم يتقدمه عمل (قال الشافعي) : لو أجبت إلى النصفة على أصل قولك يلزمك أن لا يكون على الناس العمل بما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا بأن يعمل به من بعده أو يترك العمل لأنه إذا كان للإمام الأول أن يدعه لم يعمل به كان جميع من بعده من الأئمة في مثل حاله لأنه لا بد أن يبتدئ العمل به الإمام الأول أو الثاني أو من بعده قال: فلا أقول هذا (قال الشافعي) : فما تقول في عمر وأبو بكر إمام قبله إذا ورد خبر الواحد لم يعمل به أبو بكر ولم يخالفه؟ قال: يقبله قلت: أيقبله ولم يعمل به أبو بكر قال: نعم ولم يخالفه قلت: أفيثبت ولم يتقدمه عمل؟ قال: نعم: قلت وهكذا عمر في آخر خلافته وأولها؟ قال: نعم قلت: وهكذا عثمان؟ قال: نعم قلت: زعمت أن الخبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - يلزم ولم يتقدمه عمل قبله وقد ولي الأئمة ولم يعملوا به ولم يدعوه قال: فلا يمكن أن تكون للنبي - صلى الله عليه وسلم - سنة إلا عمل بها الأئمة بعده (قال الشافعي) : فقلت له وقد حفظ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أشياء لا يحفظ عن أحد من خلفائه فيها شيء؟ فقال: نعم سنن كثيرة ولكن من أين ترى ذلك (قال الشافعي) : فقلت: استغنى فيها فالخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمن بعده وذلك أن بالخلق الحاجة إلى الخبر عنه وأن عليهم اتباعه ولعل منها ما لم يرد على من بعده قال: فمثل لي ما علمت أنه ورد على من بعده من خلفائه فلم يحك عنه فيه شيء قلت: قول النبي - صلى الله عليه وسلم - «ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة» لا أشك أن قد ورد على جميع خلفائه لأنهم كانوا القائمين بأخذ العشر من الناس ولم يحفظ عن واحد منهم فيها شيء قال: صدقت هذا بين قلت: وله أمثال كثيرة قد كتبناها في غير هذا الموضع فقلت: إذا كان يرد علينا الخبر عن بعض خلفائه ويرد علينا الخبر عنه يخالفه فنصير إلى الخبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لأن لكل غاية وغاية العلم كتاب الله عز وجل وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - أتعلم أن السنة ما كانت موجودة مستغنى بها عن غيرها؟ قال: نعم وقد سمعتك ذكرت ما لا أجهل من أنه قد يرد عن غير واحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - القول يقوله توجد السنة بخلافه فإن وجدها من بعده صار إليها فهذا يدل على ما ذكرت من استغناء السنة عما سواها وبالمدينة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - نحو من ثلاثين ألف رجل إن لم يزيدوا لعلك لا تروي عنهم قولا واحدا عن ستة: نعم إنما تروي القول عن الواحد والاثنين والثلاثة والأربعة متفرقين فيه أو مجتمعين والأكثر التفرق فأين الإجماع (قال الشافعي) : - رحمه الله - قلت له: ضع لقولك إذا كان الأكثر مثالا قال: نعم كأن خمسة نفر من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قالوا قولا متفقين عليه وقال ثلاثة قولا مخالفا لقولهم فالأكثر أولى أن يتبع فقلت: هذا قلما يوجد وإن وجد أيجوز أن تعده إجماعا وقد تفرقوا موافقة؟ قال: نعم على معنى أن الأكثر مجتمعون قلت فإذا كان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - من العدد على ما وصفت فهل فيمن لم ترووا عنه من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - دلالة موافقة الأكثر فيكونون أكثر بعددهم من موافقتهم أو موافقة الثلاثة الأقلين فيكون الأقلون الأكثرين بمن وافقهم لا تدري لعلهم متفرقون ولا تدري أين الأقل وأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كلهم ممن له أن يقول في العلم قال: ما أدري كيف قولهم لو قالوا؟ وإن لهم أن يقولوا قلت: والصدق فيه أبدا أن لا يقول أحد شيئا لم يقله أحد أنه قاله ولو قلت وافقوا بعضهم قال غيرك: بل خالفوه قال: ولا ليس الصدق أن تقول وافقوا ولا خالفوا بالصمت قلت: هذا الصدق قلت: فترى ادعاء الإجماع يصح لمن ادعاه في شيء من خاص العلم (قال الشافعي) : وقلت له فهكذا التابعون بعدهم وتابعو التابعين وقال: وكيف تقول أنت؟ قلت: ما علمت بالمدينة ولا بأفق من آفاق الدنيا أحدا من أهل العلم ادعى طريق الإجماع إلا بالفرض وخاص من العلم إلا حدثنا ذلك الذي فيه إجماع يوجد فيه الإجماع بكل بلد ولقد ادعاه بعض أصحاب المشرقيين فأنكر عليه جميع من سمع قوله من أهل العلم دعواه الإجماع حيث ادعاه وقالوا: أومن قال ذلك منهم لو أن شيئا روي عن نفر من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم عن نفر من التابعين فلم يرو عن مثلهم خلافهم ولا موافقتهم ما دل على إجماع من لم يرو عنه منهم لأنه لا يدري مجتمعون أم مفترقون لو قالوا: وسمعت بعضهم يقول لو كان بيننا من السلف مائة رجل وأجمع منهم عشرة على قول أيجوز أن ندعي أن التسعين مجتمعون معهم وقد نجدهم يختلفون في بعض الأمور ولو جاز لنا إذا قال لنا قائل شيئا أخذنا به لم نحفظ عن غيره قولا يخالفه ولا يوافقه أن ندعي موافقته جاز لغيرنا ممن خالفنا أن يدعي موافقته له ومخالفته لنا ولكن لا يجوز أن يدعى على أحد فيما لم يقل فيه شيء (قال الشافعي) : - رحمه الله - فقال لي: فكيف يصح أن تقول إجماعا؟ قلت: يصح في الفرض الذي لا يسع جهله من الصلوات والزكاة وتحريم الحرام وأما علم الخاصة في الأحكام الذي لا يضير جهله على العوام والذي إنما علمه عند الخواص من سبيل خبر الخواص وقليل ما يوجد من هذا فنقول فيه واحدا من قولين نقول: لا نعلمهم اختلفوا فيما لا نعلمهم اختلفوا فيه ونقول فيما اختلفوا فيه اختلفوا واجتهدوا فأخذنا أشبه أقاويلهم بالكتاب والسنة وإن لم يوجد عليه دلالة من واحد منهما وقلما يكون إلا أن يوجد أو أحسنها عند أهل العلم في ابتداء التصرف والمعقب ويصح إذا اختلفوا كما وصفت أن نقول روي هذا القول عن نفر اختلفوا فيه فذهبنا إلى قول ثلاثة دون اثنين وأربعة دون ثلاثة ولا نقول هذا إجماع فإن الإجماع قضاء على من لم يقل ممن لا ندري ما يقول لو قال: وادعاء رواية الإجماع وقد يوجد مخالف فيما ادعى فيه الإجماع (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : فقال: قد علمت أنهم اختلفوا في الرأي الذي لا متقدم فيه من كتاب ولا سنة أفيوجد فيما اختلفوا فيه كتاب وسنة؟ قلت: نعم قال: وأين؟ قلت: قال الله عز وجل {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} [البقرة: 228] وقال عمر بن الخطاب وعلي وابن مسعود وأبو موسى الأشعري: لا تحل المرأة حتى تغتسل من الحيضة الثالثة وذهبوا إلى أن الأقراء الحيض وقال: هذا ابن المسيب وعطاء وجماعة من التابعين والمفتين بعدهم إلى اليوم وقالت عائشة وزيد بن ثابت وابن عمر: الأقراء الأطهار فإذا طعنت في الدم من الحيضة الثالثة فقد حلت وقال هذا القول بعض التابعين وبعض المفتين إلي اليوم وقال الله تعالى {وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن} [الطلاق: 4] فقال علي بن أبي طالب تعتد آخر الأجلين وروي عن ابن عباس مثل قوله. وقال عمر بن الخطاب: إذا وضعت ذا بطنها فقد حلت وفي هذا كتاب وسنة وفي الأقراء قبله كتاب ودلالة من سنة وقال الله جل ثناؤه {للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر} [البقرة: 226] فهي تطليقة وروي عن عثمان وزيد بن ثابت خلافه وقال علي بن أبي طالب وابن عمر ونفر من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - من الأنصار: لا يقع عليها طلاق ويوقف فإما أن يفيء وإما أن يطلق ومسح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الخفين فأنكر المسح علي بن أبي طالب وعائشة وابن عباس وأبو هريرة وهؤلاء أهل علم بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ومسح عمر وسعد وابن عمر وأنس بن مالك وهؤلاء أهل علم به والناس مختلفون في هذه الأشياء وفي كل واحد منها كتاب أو كتاب وسنة قال: ومن أين ترى ذلك؟ فقلت: تحتمل الآية المعنيين فيقول أهل اللسان بأحدهما ويقول غيرهم منهم بالمعنى الآخر الذي يخالفه والآية محتملة لقولهما معا لاتساع لسان العرب وأما السنة فتذهب على بعضهم وكل من ثبتت عنده السنة قال بها إن شاء الله ولم يخالفها لأن كثيرا منها يأتي واضحا ليس فيه تأويل. (قال الشافعي) : وذكرت له مس الذكر فإن عليا وابن عباس وعمار بن ياسر وحذيفة وابن مسعود لا يرون فيه الوضوء وابن المسيب وغيره بالمدينة لا يرون منه الوضوء وسعدا وابن عمر يريان فيه الوضوء وبعض التابعين بالمدينة وفيه للنبي - صلى الله عليه وسلم - سنة بأن يتوضأ منه أخذنا بها وقد يروى عن سعيد أنه لا يرى منه الوضوء (قال الشافعي) : - رحمه الله - وقلت: الإجماع من أقوام مما يقدر عليه فكيف تكلف من ادعى الإجماع من المشرقيين حكاية خبر الواحد الذي لا يقوم به حجة فنظمه فقال: حدثني فلان عن فلان وترك أن يتكلف هذا في الإجماع فيقول: حدثني فلان عن فلان لنص الإجماع الذي يلزم أولى به من نص الحديث الذي لا يلزم عنده قال: إنه يقول يكثر هذا عن أن ينص فقلت له: فينص منه أربعة وجوه أو خمسة فقد طلبنا أن نجد ما يقول فما وجدنا أكثر من دعواه بل وجدنا بعض ما يقول الإجماع متفرقا فيه. (قال الشافعي) : فقال: فإن قلت: إذا وجدت قرنا من أهل العلم ببلد علم يقولون القول يكون أكثرهم متفقين عليه سميت ذلك إجماعا وافقه من قبله أو خالفه فأما من قبلهم فلا يكون الأكثر منهم يتفقون على شيء بجهالة ما كان قبلهم ولا يتركون ما قبلهم أبدا إلا بأنه منسوخ أو عندهم ما هو أثبت منه وإن لم يذكروه قلت أفرأيت إذا أجزت لهم خلاف من فوقهم وهم لم يحكوا لك أنهم تركوا على من قبلهم قولهم لشيء علموه أتجيز ذلك بتوهمك عليهم أنهم لا يدعونه إلا بحجة ثابتة وإن لم يذكروها وقد يمكن أن لا يكونوا علموا قول من قبلهم فقالوا بآرائهم أتجيز لمن بعدهم أن يدعوا عليهم أقاويلهم التي قبلتها منهم ثم يقولون لمن بعدهم ما قلت لهم هم لا يدعونها إلا بحجة وإن لم يذكروها قال: فإن قلت: نعم؟ قلت إذا تجعل العلم أبدا للآخرين كما قلت أولا قال: فإن قلت لا؟ قلت: فلا تجعل لهم أن يخالفوا من قبلهم قال: فإن قلت: أجيز بعض ذلك دون بعض ذلك دون بعض قلت: فإنما زعمت أنك أنت العلم فما أجزت جاز وما رددت رد أفتجعل هذا لغيرك في البلدان فما من بلاد المسلمين بلد إلا وفيه علم قد صار أهله إلى اتباع قول رجل من أهله في أكثر أقاويله أفترى لأهل مكة حجة إن قلدوا عطاء فما وافقه من الحديث وافقوه وما خالفه خالفوه في الأكثر من قوله؟ أو ترى لأهل البصرة حجة بمثل هذا في الحسن أو ابن سيرين أو لأهل الكوفة في الشعبي وإبراهيم ولأهل الشام وكل من وصفنا أهل علم وإمامة في دهره وفوق من بعدهم وإنما العلم اللازم الكتاب والسنة وعلى كل مسلم اتباعهما قال: فتقول أنت ماذا؟ . قلت: أقول ما كان الكتاب والسنة موجودين فالعذر عمن سمعهما مقطوع إلا باتباعهما فإذا لم يكن ذلك صرنا إلى أقاويل أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو واحد منهم ثم كان قول الأئمة أبي بكر أو عمر أو عثمان إذا صرنا فيه إلى التقليد أحب إلينا وذلك إذا لم نجد دلالة في الاختلاف تدل على أقرب الاختلاف من الكتاب والسنة فيتبع القول الذي معه الدلالة لأن قول الإمام مشهور بأنه يلزمه الناس ومن لزم قوله الناس كان أشهر ممن يفتي الرجل أو النفر وقد يأخذ بفتياه أو يدعها وأكثر المفتين يفتون للخاصة في بيوتهم ومجالسهم ولا تعنى العامة بما قالوا عنايتهم بما قال الإمام وقد وجدنا الأئمة يبتدئون فيسألون عن العلم من الكتاب والسنة فيما أرادوا أن يقولوا فيه ويقولون فيخبرون بخلاف قولهم فيقبلون من المخبر ولا يستنكفون على أن يرجعوا لتقواهم الله وفضلهم في حالاتهم فإذا لم يوجد عن الأئمة فأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الدين في موضع أخذنا بقولهم وكان اتباعهم أولى بنا من اتباع من بعدهم والعلم طبقات شتى الأولى الكتاب والسنة إذا ثبتت السنة ثم الثانية الإجماع فيما ليس فيه كتاب ولا سنة والثالثة أن يقول بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا نعلم له مخالفا منهم والرابعة اختلاف أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك، الخامسة القياس على بعض الطبقات ولا يصار إلى شيء غير الكتاب والسنة وهما موجودان وإنما يؤخذ العلم من أعلى وبعض ما ذهبتم إليه خلاف هذا ذهبت إلى أخذ العلم من أسفل قال فتوجدني بالمدينة قول نفر من التابعين متابعا الأغلب الأكثر من قول من قال فيه نتابعهم وإن خالفهم أحد منهم كان أقل عددا منهم فنترك قول الأغلب الأكثر لمتقدم قبله أو لأحد في دهرهم أو بعدهم؟ قلت: نعم قال: فاذكر منه واحدا قلت: إن لبن الفحل لا يحرم. قال: فمن قاله من التابعين أو السابقين؟ (قال الشافعي) : أخبرنا عبد الوهاب الثقفي عن يحيى بن سعيد قال: أخبرني مروان بن عثمان بن أبي سعيد بن المعلى الأنصاري أن رجلا أرضعته أم ولد رجل من مزينة وللمزني امرأة أخرى سوى المرأة التي أرضعت الرجل وأنها ولدت من المزني جارية فلما بلغ ابن الرجل وبلغت بنت الرجل خطبها فقال له الناس: ويلك إنها أختك فرفع ذلك إلى هشام بن إسماعيل فكتب فيه إلى عبد الملك فكتب إليه عبد الملك أنه ليس ذلك برضاع، أخبرنا الشافعي أخبرنا الدراوردي عن محمد بن عمرو عن عبد الرحمن بن القاسم أنه كان يقول كان يدخل على عائشة من أرضعه بنات أبي بكر ولا يدخل عليها من أرضعه نساء بني أبي بكر. (قال) : أخبرنا عبد العزيز بن محمد بن عبيد عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي عبيدة بن عبد الله بن زمعة أن أمه زينب بنت أبي سلمة أرضعتها أسماء بنت أبي بكر امرأة الزبير فقالت زينب بنت أبي سلمة: فكان الزبير يدخل علي وأنا أمتشط فيأخذ بقرن من قرون رأسي فيقول: أقبلي علي فحدثيني أراه أنه أبى وما ولد فهم إخوتي ثم إن عبد الله بن الزبير قبل الحرة أرسل إلي فخطب أم كلثوم بنتي على حمزة بن الزبير وكان حمزة للكلبية فقلت لرسوله وهل تحل له إنما هي بنت أخته؟ فأرسل إلي عبد الله إنما أردت بهذا المنع لما قبلك ليس لك بأخ أنا وما ولدت أسماء فهم إخوتك وما كان من ولد الزبير من غير أسماء فليسوا لك بإخوة فأرسلي فسلي عن هذا فأرسلت فسألت وأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - متوافرون وأمهات المؤمنين فقالوا لها: إن الرضاعة من قبل الرجال لا تحرم شيئا فأنكحتها إياه فلم تزل عنده حتى هلك. (قال الشافعي) : - رحمه الله - أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن محمد بن عمرو بن علقمة عن بعض آل رافع بن خديج أن رافع بن خديج كان يقول: الرضاعة من قبل الرجال لا تحرم شيئا. (قال الشافعي) : وأخبرنا عبد العزيز بن محمد عن محمد بن عمرو بن علقمة عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن ابن المسيب وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن وعن سليمان بن يسار وعن عطاء بن يسار أن الرضاعة من قبل الرجال لا تحرم شيئا (قال الشافعي) : وأخبرنا عبد العزيز بن محمد عن مروان بن عثمان بن أبي المعلى أن عبد الملك كان يرى الرضاعة من قبل الرجال لا تحرم شيئا قلت لعبد العزيز بن عبد الملك؟ قال ابن مروان (قال الشافعي) : أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن سليمان بن بلال عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أن ابن عباس كان لا يرى الرضاعة من قبل الرجال تحرم شيئا قال عبد العزيز وذلك كان رأي ربيعة ورأي فقهائنا وأبو بكر حدث عمرو بن الشريد عن ابن عباس في اللقاح واحد وقال: حديث رجل من أهل الطائف وما رأيت من فقهاء أهل المدينة أحدا يشك في هذا إلا أنه روي عن الزهري خلافهم فما التفتم إليه وهؤلاء أكثر وأعلم. (قال الشافعي) : أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عروة «عن عائشة قالت: جاء عمي من الرضاعة أفلح بن أبي القعيس يستأذن علي بعد ما ضرب الحجاب فلم آذن له فلما جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبرته فقال: إنه عمك، فأذنوا له» فقال: وما في هذا حديثها أم أبي بكر أرضعته فليس هذا برضاع من قبل الرجل ولو كان من قبل الرجل لكانت عائشة أعلم بمعنى ما تركت وكان أصحاب رسول الله والتابعون ومن أدركنا متفقين أو أكثرهم على ما قلنا ولا يتفق هؤلاء على خلاف سنة ولا يدعون شيئا إلا لما هو أقوى منه قال: قد كان القاسم بن محمد ينكر حديث أبي القعيس ويدفعه دفعا شديدا ويحتج فيه أن رأي عائشة خلافه. (قال الشافعي) : فقلت له: أتجد بالمدينة من علم الخاصة أولى أن يكون علما ظاهرا عند أكثرهم من ترك تحريم لبن الفحل فقد تركناه وتركتموه ومن يحتج بقوله إذا كنا نجد في الخبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كالدلالة على ما نقول أفيجوز لأحد ترك هذا العام المتصل ممن سمينا من أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه والتابعين من بعدهم بالمدينة أن يقبل أبدا عمل أكثر من روي عنه بالمدينة إذا خالف حديثا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نصا ليس من هذا الحديث لعلمهم بحديث النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: لا قلت: فقد ترك من تحتج بقوله هذا ولا أعلم له حجة في تركه إلا ما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه «يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولاد» فقال لي: فلذلك تركته؟ فقلت: نعم فأنا لم يختلف بنعمة الله قولي في أنه لا أذهب إذا ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شيء إلى أن أدعه لأكثر أو أقل مما خالفنا في لبن الفحل وقد يمكن أن يتأول حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا كان من النساء دون الرجال فأخذت بأظهر معانيه وإن أمكن فيه باطن وتركتم قول الأكثر ممن روي عنه بالمدينة ولو ذهبت إلى الأكثر وتركت خبر الواحد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما عدوت ما قال: الأكثر من المدنيين أن لا يحرم لبن الفحل. (قال الشافعي) : وقد وصفت حديث الليث بن سعد عن الزهري عن ابن المسيب أنه قال: عقل العبد في ثمنه كجراح الحر في ديته وقال الزهري وإن ناسا ليقولون يقوم سلعة فالزهري قد جمع قول أهل المدينة ابن المسيب ومن خالفه فخرج صاحبكم من جميع ذلك وهذا عندكم كالإجماع ما هو دونه عندكم إجماع بالمدينة وقلتم قولا خارجا من قول أهل العلم بالمدينة وأقاويل بني آدم وذلك أنكم قلتم مرة كما قال ابن المسيب: جراحه في ثمنه كجراح الحر في ديته في الموضحة والمأمومة والمنقلة ثم ![]()
__________________
|
#320
|
||||
|
||||
![]() ![]() كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي المجلد السابع الحلقة (320) صــــــــــ 282 الى صـــــــــــ 289 خالفتم ما قال ابن المسيب أخرى فقلتم: يقوم سلعة فيكون فيها نقصه فلم تمحضوا قول واحد منهم. (قال الشافعي) : وقد أخبرنا مالك عن أبي حازم بن دينار عن سهل بن سعد الساعدي «أن رجلا خطب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - امرأة فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - في صداقها: التمس ولو خاتما من حديد» وحفظنا عن عمر قال: في ثلاث قبضات من زبيب فهو مهر (قال الشافعي) : وأخبرنا سفيان بن عيينة عن أيوب بن موسى عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن ابن المسيب أنه قال: لم تحل الموهوبة لأحد بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - ولو أصدقها سوطا حلت له، أخبرنا ابن أبي يحيى قال: سألت ربيعة كم أقل الصداق؟ قال: ما تراضى به الأهلون فقلت: وإن كان درهما؟ قال: وإن كان نصف درهم قلت: وإن كان أقل قال: لو كان قبضة حنطة أو حبة حنطة قال: فهذا حديث ثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وخبر عن عمر وعن ابن المسيب وعن ربيعة وهذا عندكم كالإجماع، وقد سألت الدراوردي هل قال أحد بالمدينة لا يكون الصداق أقل من ربع دينار؟ فقال: لا والله ما علمت أحدا قاله قبل مالك وقال الدراوردي: أراه أخذه عن أبي حنيفة، قلت للشافعي: فقد فهمت ما ذكرت وما كنت أذهب في العلم إلا إلى قول أهل المدينة فقال الشافعي ما علمت أحدا انتحل قول أهل العلم من أهل المدينة أشد خلافا لأهل المدينة منكم ولو شئت أن أعد عليكم ما أملأ به ورقا كثيرا مما خالفتم فيه كثيرا من أهل المدينة عددتها عليكم وفيما ذكرت لك ما دلك على ما وراءه إن شاء الله، فقلت للشافعي: إن لنا كتابا قد صرنا إلى اتباعه وفيه ذكر أن الناس اجتمعوا وفيه الأمر المجتمع عليه عندنا وفيه الأمر عندنا. (قال الشافعي) : فقد أوضحنا لكم ما يدلكم على أن ادعاء الإجماع بالمدينة وفي غيرها لا يجوز أن يكون وفي القول الذي ادعيتم فيه الإجماع اختلاف وأكثر ما قلتم الأمر المجتمع عليه مختلف فيه وإن شئتم مثلت لكم شيئا أجمع وأقصر وأحرى أن تحفظه مما فرغت منه قلت: فاذكر ذلك قال: تعرفون أنكم قلتم اجتمع الناس أن سجود القرآن أحد عشر ليس في المفصل منها شيء؟ قلت: نعم. (قال الشافعي) : وقد رويتم عن أبي هريرة أنه سجد في {إذا السماء انشقت} [الانشقاق: 1] وأخبرهم أن النبي سجد فيها وأن عمر بن عبد العزيز أمر محمد بن مسلمة مر القراء أن يسجدوا في {إذا السماء انشقت} [الانشقاق: 1] وأن عمر سجد في النجم قلت: نعم وإن عمر وابن عمر سجدا في سورة الحج سجدتين؟ قلت: نعم قال: فقد رويتم السجود في المفصل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعمر وأبي هريرة وعمر بن عبد العزيز فمن الناس الذين أجمعوا على السجود دون المفصل وهؤلاء الأئمة الذين ينتهى إلى أقاويلهم ما حفظنا نحن وأنتم في كتابكم عن أحد إلا سجودا في المفصل ولو رواه عن رجل أو اثنين أو ثلاثة ما جاز أن يقول أجمع الناس وهم مختلفون قلت: فتقول أنت أجمع الناس أن المفصل فيه سجود؟ قال: لا أقول اجتمعوا ولكن أعزي ذلك إلى من قاله وذلك الصدق ولا أدعي الإجماع إلا حيث لا يدفع أحد أنه إجماع أفترى قولكم اجتمع الناس أن سجود القرآن إحدى عشرة ليس في المفصل منها شيء يصح لكم أبدا قلت: فعلى أي شيء أكثر الفقهاء؟ قال: على أن في المفصل سجودا وأكثر أصحابنا على أن في سورة الحج سجدتين وهم يروون ذلك عن عمر وابن عمر وهذا مما أدخل في قوله اجتمع الناس لأنكم لا تعدون في الحج إلا سجدة وتزعمون أن الناس اجتمعوا على ذلك فأي الناس يجتمعون وهو يروي عن عمر وابن عمر أنهما سجدا في الحج سجدتين أوتعرفون أنكم احتججتم في اليمين مع الشاهد على من خالفه وقد احتجوا عليكم بالقرآن فقلتم: أرأيتم الرجل يدعي على الرجل الحق أليس يحلف له، فإن لم يحلف رد اليمين على المدعي فحلف وأخذ حقه وقلتم: هذا ما لا شك فيه عند أحد من الناس ولا في بلد من البلدان فإذا أقر بهذا فليقر باليمين مع الشاهد، وأنه ليكتفي من هذا بثبوت السنة ولكن الإنسان يجب أن يعرف وجه الصواب. فهذا تبيان ما أشكل من ذلك إن شاء الله تعالى قال: بلى وهكذا نقول (قال الشافعي) : أفتعرفون الذين خالفوكم في اليمن مع الشاهد يقولون بما قلتم؟ قلت: ماذا؟ قال: أتعرفونهم يحلفون المدعى عليه، فإن نكل رد اليمين على المدعي فإن حلف أخذ حقه؟ قلت لا: (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وأنتم تعلمون أنهم لا يردون اليمين أبدا وأنهم يزعمون أن رد اليمين خطأ وأن المدعى عليه إذا نكل عن اليمين أخذ منه الحق؟ قلت: بلى قال: فقد رويتم عليهم ما لا يقولون قلت: نعم ولكن لعله زلل. (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : أو يجوز لزلل في الرواية عن الناس ثم عن الناس كافة وإن جاز الزلل في الأكثر جاز في الأقل وفيما قلتم المجتمع عليه وقولكم المجتمع عليه أكثر من هذا الزلل لأنكم إذا زللتم في أن ترووا عن الناس عامة فعلى أهل المدينة لأنهم أقل من الناس كلهم. (قال الشافعي) : وقولكم في اليمين مع الشاهد نكتفي منها بثبوت السنة حجة عليكم وأنتم لا تروون فيها إلا حديث جعفر عن أبيه منقطعا ولا تروون فيها حديثا يصح عن أحد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والزهري وعروة ينكرانها بالمدينة وعطاء ينكرها بمكة فإن كانت تثبت السنة فلن يعمل بهذا أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنتم لا تحفظون أن أحدا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - عمل باليمين مع الشاهد فإن كنتم ثبتموها بإجماع التابعين بالمدينة فقد اختلفوا فيها وإن كنتم ثبتموها بخبر منقطع كان الخبر المتصل أولى أن نثبتها به قلت فأنت تثبتها قال: من غير الطريق الذي ثبتموها بحديث متصل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يعمل به ولا إجماع ولو لم تثبت إلا بعمل وإجماع كان بعيدا من أن تثبت وهم يحتجون عليها بقرآن وسنة. (قال الشافعي) : وزعمت أن ما أشكل فيما احتججتم به مما رويتم على الناس أنهم في البلدان لا يخالفون فيه والذين يخالفونكم في اليمين مع الشاهد يقولون: نحن أعطينا بالنكول عن اليمين فبالسنة أعطينا ليس في القرآن ذكر يمين ولا نكول عنها وهذا سنة غير القرآن وغير الشهادات زعمنا أن القرآن يدل على أن لا يعطى أحد من جهة الشهادات إلا بشاهدين أو شاهد وامرأتين والنكول ليس في معنى الشهادات والذي احتججتم به عليهم ليست عليهم فيه حجة والله المستعان إنما الحجة عليهم في غير ما احتججتم به وإذا احتججتم بغير حجة فهو إشكال ما بان من الحجة لا يبان ما أشكل منها (قال الشافعي) : أخبرنا الثقة عن عبد الله بن الحارث إن لم أكن سمعته من عبد الله عن مالك بن أنس عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان قضيا في الملطاة بنصف دية الموضحة. (قال الشافعي) : أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن الثوري عن يزيد بن قسيط عن ابن المسيب عن عمر وعثمان مثله أو مثل معناه (قال الشافعي) وأخبرني من سمع ابن نافع يذكر عن مالك بهذا الإسناد مثله (قال الشافعي) : وقرأنا على مالك أنا لم نعلم أحدا من الأئمة في القديم ولا في الحديث أفتى فيما دون الموضحة بشيء (قال الشافعي) : فنفيتم أن يكون أحد من الأئمة في قديم أو حديث قضى دون الموضحة بشيء وأنتم والله يغفر لنا ولكم تروون عن إمامين عظيمين من المسلمين عمر وعثمان أنهما قضيا فيما دون الموضحة بشيء موقت ولست أعرف لمن قال: هذا مع روايته وجها ذهب إليه والله المستعان وما عليه أن يسكت عن رواية ما روى من هذا أو إذا رواه فلم يكن عنده كما رواه أن يتركه وذلك كثير في كتابه ولا ينبغي أن يكون علم ما قد أخبر أنه علمه أرأيت لو وجد كل وال من الدنيا شيئا ترك يقضي فيما دون الموضحة بشيء كان جائزا له أن يقول لم نعلم أحدا من الأئمة قضى فيها بشيء وقد روي عن إمامين عظيمين من أئمة المسلمين أنهما قضيا مع أنه لم يرو عن أحد من الناس إمام ولا أمير ترك أن قضى فيما دون الموضحة بشيء ولا نجد وقد روينا أن زيد بن ثابت قد قضى فيما دون الموضحة حتى في الدامية فإن قال: رويت فيه حديثا واحدا أفرأيت جميع ما ثبت مما أخذ به إنما روى فيه حديثا واحدا هل يستقيم أن يكون يثبت بحديث واحد فلم يكن له أن يقول ما علمنا أو لا يثبت بحديث واحد فينبغي أن تدع عامة ما رويت وثبت من حديث واحد قال سألت الشافعي من أي شيء يجب الوضوء؟ قال: من أن ينام الرجل مضطجعا أو يحدث من ذكر أو دبر أو يقبل امرأته أو يلمسها أو يمس ذكره قلت فهل قال: قائل ذلك (قال الشافعي) : نعم قد قرأنا ذلك على صاحبنا والله يغفر لنا وله قلت ونحن نقوله (قال الشافعي) : إنكم مجمعون أنكم توضئون من مس الذكر والمس والجس للمرأة فقلت: نعم قال: فتعلم من أهل الدنيا خلقا ينفي عن نفسه أن يوجب الوضوء إلا من ثلاث؟ فأنت توجب الوضوء من اثنين أو ثلاث سواء من اضطركم إلى أن تقولوا هذا الذي لا يوجد في قول أحد من بني آدم غيركم والله المستعان ثم تؤكدونه بأن تقولوا الأمر عندنا قال: فإن كان الأمر عندكم إجماع أهل المدينة فقد خالفتموهم وإن كانت كلمة لا معنى لها فلم تكلفتموها؟ فما علمت قبلك أحدا تكلم بها وما كلمت منكم أحدا قط فرأيته يعرف معناها وما ينبغي لكم أن تجهلوا إذا كان يوجد فيه ما ترون، والله أعلم. . [كتاب جماع العلم] أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا محمد بن إدريس الشافعي قال: لم أسمع أحدا نسبه الناس أو نسب نفسه إلى علم يخالف في أن فرض الله عز وجل اتباع أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والتسليم لحكمه بأن الله عز وجل لم يجعل لأحد بعده إلا اتباعه وأنه لا يلزم قول بكل حال إلا بكتاب الله أو سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وأن ما سواهما تبع لهما وأن فرض الله تعالى علينا وعلى من بعدنا وقبلنا في قبول الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واحد لا يختلف في أن الفرض والواجب قبول الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا فرقة سأصف قولها إن شاء الله تعالى (قال: الشافعي - رحمه الله تعالى -) : ثم تفرق أهل الكلام في تثبيت الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تفرقا متباينا وتفرق غيرهم ممن نسبته العامة إلى الفقه فيه تفرقا. أما بعضهم فقد أكثر من التقليد والتخفيف من النظر والغفلة والاستعجال بالرياسة وسأمثل لك من قول كل فرقة عرفتها مثالا يدل على ما وراءه إن شاء الله تعالى. باب حكاية قول الطائفة التي ردت الأخبار كلها. (قال: الشافعي - رحمه الله تعالى -) : قال: لي قائل ينسب إلى العلم بمذهب أصحابه أنت عربي والقرآن نزل بلسان من أنت منهم وأنت أدرى بحفظه وفيه لله فرائض أنزلها لو شك شاك قد تلبس عليه القرآن بحرف منها استتبته فإن تاب وإلا قتلته وقد قال: عز وجل في القرآن {تبيانا لكل شيء} [النحل: 89] فكيف جاز عند نفسك أو لأحد في شيء فرضه الله أن يقول مرة الفرض فيه عام ومرة الفرض فيه خاص ومرة الأمر فيه فرض ومرة الأمر فيه دلالة؟ وإن شاء ذو إباحة وأكثر ما فرقت بينه من هذا عندك حديث ترويه عن رجل عن آخر أو حديثان أو ثلاثة حتى يبلغ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد وجدتك ومن ذهب مذهبك لا تبرئون أحدا لقيتموه وقدمتموه في الصدق والحفظ ولا أحدا لقيت ممن لقيتم من أن يغلط وينسى ويخطئ في حديثه بل وجدتكم تقولون لغير واحد منهم أخطأ فلان في حديث كذا وفلان في حديث كذا ووجدتكم تقولون لو قال رجل لحديث أحللتم به وحرمتم من علم الخاصة لم يقل هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما أخطأتم أو من حدثكم وكذبتم أو من حدثكم لم تستتيبوه ولم تزيدوه على أن تقولوا له بئسما قلت: أفيجوز أن يفرق بين شيء من أحكام القرآن وظاهره واحد عند من سمعه بخبر من هو كما وصفتم فيه وتقيمون أخبارهم مقام كتاب الله وأنتم تعطون بها وتمنعون بها؟ قال: فقلت: إنما نعطي من وجه الإحاطة أو من جهة الخبر الصادق وجهة القياس وأسبابها عندنا مختلفة وإن أعطينا بها كلها فبعضها أثبت من بعض قال: ومثل ماذا؟ قلت: إعطائي من الرجل بإقراره وبالبينة وإبائه اليمين وحلف صاحبه والإقرار أقوى من البينة والبينة أقوى من إباء اليمين ويمين صاحبه ونحن وإن أعطينا بها عطاء واحدا فأسبابها مختلفة. قال: وإذا قمتم على أن تقبلوا أخبارهم وفيهم ما ذكرت من أمركم بقبول أخبارهم وما حجتكم فيه على من ردها قال: لا أقبل منها شيئا إذا كان يمكن فيهم الوهم ولا أقبل إلا ما أشهد به على الله كما أشهد بكتابه الذي لا يسع أحدا الشك في حرف منه أو يجوز أن يقوم شيء مقام الإحاطة وليس بها؟ فقلت: له من علم اللسان الذي به كتاب الله وأحكام الله دله علمه بهما على قبول أخبار الصادقين عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والفرق بين ما دل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الفرق بينه من أحكام الله وعلم بذلك مكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ كنت لم تشاهده خبر الخاصة وخبر العامة قال: نعم قلت: فقد رددتها إذ كنت تدين بما تقول قال: أفتوجدني مثل هذا مما تقوم بذلك الحجة في قبول الخبر؟ فإن أوجدته كان أزيد في إيضاح حجتك وأثبت للحجة على من خالفك وأطيب لنفس من رجع عن قوله لقولك فقلت: إن سلكت سبيل النصفة كان في بعض ما قلت دليل على أنك مقيم من قولك على ما يجب عليك الانتقال عنه وأنت تعلم أن قد طالت غفلتك فيه عما لا ينبغي أن تغفل من أمر دينك قال: فاذكر شيئا إن حضرك قلت: قال الله عز وجل {هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة} [الجمعة: 2] قال: فقد علمنا أن الكتاب كتاب الله فما الحكمة؟ . قلت: سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: أفيحتمل أن يكون يعلمهم الكتاب جملة والحكمة خاصة وهي أحكامه؟ قلت: تعني بأن يبين لهم عن الله عز وجل مثل ما بين لهم في جملة الفرائض من الصلاة والزكاة والحج وغيرها فيكون الله قد أحكم فرائض من فرائضه بكتابه وبين كيف هي على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - قال: إنه ليحتمل ذلك قلت: فإن ذهبت هذا المذهب فهي في معنى الأول قبله الذي لا تصل إليه إلا بخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: فإن ذهبت مذهب تكرير الكلام؟ قلت: وأيهم أولى به إذا ذكر الكتاب والحكمة أن يكونا شيئين أو شيئا واحدا قال: يحتمل أن يكونا كما وصفت كتابا وسنة فيكونا شيئين ويحتمل أن يكونا شيئا واحدا قلت: فأظهرهما أولاهما وفي القرآن دلالة على ما قلنا وخلاف ما ذهبت إليه قال: وأين هي؟ قلت: قول الله عز وجل {واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة إن الله كان لطيفا خبيرا} [الأحزاب: 34] فأخبر أنه يتلى في بيوتهن شيئان قبل فهذا القرآن يتلى فكيف تتلى الحكمة؟ . قلت إنما معنى التلاوة أن ينطق بالقرآن والسنة كما ينطق بها قال: فهذه أبين في أن الحكمة غير القرآن من الأولى وقلت: افترض الله علينا اتباع نبيه - صلى الله عليه وسلم - قال: وأين؟ . قلت: قال الله عز وجل {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما} [النساء: 65] وقال الله عز وجل {من يطع الرسول فقد أطاع الله} [النساء: 80] وقال {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} [النور: 63] قال: ما من شيء أولى بنا أن نقوله في الحكمة من أنها سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولو كان بعض أصحابنا قال: إن الله أمر بالتسليم لحكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحكمته إنما هو مما أنزله لكان من لم يسلم له أن ينسب إلى التسليم لحكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قلت: لقد فرض الله جل وعز علينا اتباع أمره فقال: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} [الحشر: 7] قال: إنه لبين في التنزيل أن علينا فرضا أن نأخذ الذي أمرنا به وننتهي عما نهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: قلت: والفرض علينا وعلى من هو قبلنا ومن بعدنا واحد؟ قال: نعم فقلت: فإن كان ذلك علينا فرضا في اتباع أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنحيط أنه إذا فرض الله علينا شيئا فقد دلنا على الأمر الذي يؤخذ به فرضه؟ . قال: نعم قلت: فهل تجد السبيل إلى تأدية فرض الله عز وجل في اتباع أوامر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو أحد قبلك أو بعدك ممن لم يشاهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا بالخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن في أن لا آخذ ذلك إلا بالخبر لما دلني على أن الله أوجب علي أن أقبل عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: وقلت له أيضا: يلزمك هذا في ناسخ القرآن ومنسوخه قال: فاذكر منه شيئا قلت: قال الله تعالى {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين} [البقرة: 180] وقال في الفرائض {ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له إخوة فلأمه السدس} [النساء: 11] فزعمنا بالخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن آية الفرائض نسخت الوصية للوالدين والأقربين فلو كنا ممن لا يقبل الخبر فقال قائل: الوصية نسخت الفرائض هل نجد الحجة عليه إلا بخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ . قال: هذا شبيه بالكتاب والحكمة والحجة لك ثابتة بأن علينا قبول الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد صرت إلى أن قبول الخبر لازم للمسلمين لما ذكرت وما في مثل معانيه من كتاب الله وليست تدخلني أنفة من إظهار الانتقال عما كنت أرى إلى غيره إذا بانت الحجة فيه بل أتدين بأن علي الرجوع عما كنت أرى إلى ما رأيته الحق ولكن أرأيت العام في القرآن كيف جعلته عاما مرة وخاصا أخرى، قلت له: لسان العرب واسع وقد تنطق بالشيء عاما تريد به الخاص فيبين في لفظها ولست أصير في ذلك بخبر إلا بخبر لازم، وكذلك أنزل في القرآن فبين في القرآن مرة وفي السنة أخرى قال: فاذكر منها شيئا قلت: قال الله عز وجل {الله خالق كل شيء} [الزمر: 62] فكان مخرجا بالقول عاما يراد به العام وقال: {إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم} [الحجرات: 13] فكل نفس مخلوقة من ذكر وأنثى فهذا عام يراد به العام وفيه الخصوص وقال {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} [الحجرات: 13] فالتقوى وخلافها لا تكون إلا للبالغين غير المغلوبين على عقولهم وقال: {يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له} [الحج: 73] وقد أحاط العلم أن كل الناس في زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكونوا يدعون من دونه شيئا لأن فيهم المؤمن ومخرج الكلام عاما فإنما أريد من كان هكذا وقال: {واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت} [الأعراف: 163] دل على أن العادين فيه أهلها دونها وذكرت له أشياء مما كتبت في كتابي فقال: هو كما قلت كله ولكن بين لي العام الذي لا يوجد في كتاب الله أنه أريد به خاص قلت: فرض الله الصلاة ألست تجدها على الناس عامة؟ . قال: بلى: قلت: وتجد الحيض مخرجات منه؟ قال: نعم وقلت: وتجد الزكاة على الأموال عامة وتجد بعض الأموال مخرجا منها؟ قال: بلى: قلت: وتجد الوصية للوالدين منسوخة بالفرائض؟ قال: نعم قلت: وفرض المواريث للآباء والأمهات والولد عاما ولم يورث المسلمون كافرا من مسلم ولا عبدا من حر ولا قاتلا ممن قتل بالسنة قال: نعم ونحن نقول ببعض هذا فقلت: فما دلك على هذا؟ قال: السنة لأنه ليس فيه نص قرآن قلت: فقد بان لك في أحكام الله تعالى في كتابه فرض الله طاعة رسوله والموضع الذي وضعه الله عز وجل به من الإبانة عنه ما أنزل خاصا وعاما وناسخا ومنسوخا؟ قال: نعم وما زلت أقول بخلاف هذا حتى بان لي خطأ من ذهب هذا المذهب ولقد ذهب فيه أناس مذهبين: أحد الفريقين لا يقبل خبرا وفي كتاب الله البيان قلت فما لزمه؟ قال: أفضى به عظيم إلى عظيم من الأمر فقال من جاء بما يقع عليه اسم صلاة وأقل ما يقع عليه اسم زكاة فقد أدى ما عليه لا وقت في ذلك ولو صلى ركعتين في كل يوم أو قال في كل أيام. وقال: ما لم يكن فيه كتاب الله فليس على أحد فيه فرض وقال غيره: ما كان فيه قرآن يقبل فيه الخبر فقال: بقريب من قوله فيما ليس فيه قرآن فدخل عليه ما دخل على الأول أو قريب منه ودخل عليه أن صار إلى قبول الخبر بعد رده وصار إلى أن لا يعرف ناسخا ولا منسوخا ولا خاصا ولا عاما والخطأ قال: ومذهب الضلال في هذين المذهبين واضح لست أقول بواحد منهما ولكن هل من حجة في أن ![]()
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |