|
|
ملتقى الحوارات والنقاشات العامة قسم يتناول النقاشات العامة الهادفة والبناءة ويعالج المشاكل الشبابية الأسرية والزوجية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
توجيه الداعية للمبادرة بالتوبة
توجيه الداعية للمبادرة بالتوبة مبارك بن حمد الحامد الشريف معنى التوبة لغة: التوبة - بفتح التاء وسكون الواو - مأخوذة من "توب" التاء والواو والباء كلمة واحدة تدلُّ على الرجوع، يقال: تاب وأناب؛ إذا رجع عن ذنبه[1]. وفي الاصطلاح: الرجوع إلى الله بحلِّ عقدة الإصرار عن القلب، ثم القيام بكل حقوق الرب[2]. والتوبة شعور وجداني بالندم على ما وقع، وتوجُّهٌ إلى الله فيما بقي، وكفٌّ عن الذنب، وعمل صالح يحقِّق التوبة بالفعل، كما يحقِّقها الكفُّ بالترك، فهي فعل يتضمن إقبال التائب على ربِّه وإنابته إليه، والتزام طاعته والإقبال عليه، وحل عقد الإصرار، وإثبات معنى التوبة في الجنان، قبل التلفظ باللسان[3]. والدعاة إلى الله بشرٌ تعتورهم الأهواء، ويتعرضون للوقوع في الأخطاء، واجتراح بعض الآثام، وقد فتح الله سبحانه - تفضُّلًا منه وتكرُّمًا - باب التوبة لهم ولغيرهم، فقال سبحانه: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ﴾ [الزمر: 53]. وتوبة الدعاة هي الاستقامة على التوبة إلى آخر لحظة في حياتهم، بحيث لا تحدِّثهم أنفسهم بالعودة إلى الذنب أو مقارفة الإثم، فتوبتُهم ينبغي أن تكون أعلى مراتب التوبة؛ لأنهم أصحاب نفوس مطمئنة، وسلكوا الطريق المستقيم، فلزموا طاعة الله بالإتيان بما أمَرَ به سبحانه، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وجاهَدوا أنفسهم على ترك كل معصية وخُلُقٍ لا يرضيه سبحانه وتعالى. ولقد أكد ابن كثير رحمه الله على أهمية التوبة وضرورتها لكل أحد، لا سيما الدعاة إلى الله، فأشار إلى فضلها والمبادرة إليها، والوسائل المُعينة على ذلك، وأن التوبة متاحة للعبد ما لم يُغرغِر، وغير ذلك مما ذكره ابن كثير عن التوبة من خلال تفسيره. فمثلًا تحدَّثَ عن فضل التوبة والمبادرة إليها عند تفسيره لقوله تعالى: ﴿ أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ ﴾ [التوبة: 104]، فقال: "هذا تهييج إلى التوبة والصدقة اللتين كلٌّ منهما يحطُّ الذنوب ويمحصها ويمحقها، وأخبَرَ تعالى أن كل من تاب إليه، تاب عليه"[4]. وقال عند تفسير الآية: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ﴾ [الزمر: 53]: "هذه الآية الكريمة دعوة لجميع العصاة من الكفرة وغيرهم إلى التوبة والإنابة، وإخبارٌ بأن الله يغفر الذنوب جميعًا لمن تاب منها ورجع عنها، مهما كانت وإن كثُرتْ وكانت مثل زَبَدِ البحر"[5]. وذكر رحمه الله أن عاقبة الاستغفار والتوبة هي المتاع الحسن، وتيسير الرزق، وتسهيل الأمور، كما قال سبحانه: ﴿ وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ ﴾ [هود: 3]، فقال رحمه الله: "أي: وأمركم بالاستغفار من الذنوب السابقة والتوبة منها إلى الله عز وجل فيما تستقبلونه، وأن تستمرُّوا على ذلك، ﴿ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا ﴾؛ أي في الدنيا، ﴿ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ ﴾؛ أي: في الدار الآخرة"[6]. وقال أيضًا رحمه الله عند تفسير الآية: ﴿ وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ ﴾ [هود: 52]: "ثم أمرهم بالاستغفار الذي فيه تكفير الذنوب السابقة، وبالتوبة عما يستقبلونه، ومَن اتصف بهذه الصفة يسَّر الله عليه رزقه، وسهَّل عليه أمره، وحفظ شأنه... وفي الحديث: ((مَن لَزِمَ الاستغفار، جعل الله له من كل همٍّ فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا، ورزَقَه من حيث لا يحتسب))"[7]. وإذا كان الداعية مطالبًا بالمبادرة إلى التوبة وتجديدها في كل حين، فإنَّ من بلَغ الأربعين تتأكد المبادرة بالتوبة في حقِّه أكثرَ من غيره، كما قال سبحانه: ﴿ حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ ﴾ [الأحقاف: 15]، يقول ابن كثير: "وهذا فيه إرشاد لمن بلغ الأربعين أن يجدِّد التوبة والإنابة إلى الله عز وجل، ويعزم عليها"[8]. فعلى الدعاة إلى الله أن يبادروا بالتوبة، ويلوذوا بجناب الله متذلِّلين متضرعين أن يَقبَلَهم الله في عباده الصالحين، وينجيهم من عذابه الأليم، وأن تكون توبتهم توبة صادقة نصوحًا، كما قال سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا ﴾ [التحريم: 8]، "والتوبة النصوح هو أن يقلع عن الذنب في الحاضر، ويندم على ما سلف في الماضي، ويعزم على ألا يفعل في المستقبل، ثم إنْ كان الحقُّ لآدميٍّ ردَّه عليه"[9]. كما على الدعاة أن يبادروا بالتوبة قبل بلوغ الروح الحلقومَ؛ "فإذا غرغَرَ وبلَغَتِ الرُّوحُ الحنجرة وعاين المَلَكَ، فلا توبة حينئذٍ"[10]. فالعاقل من قمع نفسه عن غيِّها، وردَّها إلى طاعة ربِّها، ورجع إلى الصراط السويِّ، واهتدى بنور الكتاب المبين، وهَدْيِ سيد المرسَلين صلى الله عليه وسلم. [1] انظر معجم مقاييس اللغة لابن فارس 1/ 357 طبعة مكتبة الخاني بالقاهرة، الطبعة الثالثة 1402هـ. [2] التعريفات للجرجاني ص 95 تحقيق إبراهيم الإبياري، مرجع سابق. [3] انظر التوبة معناها وحقيقتها، د. صالح السدلان ص 9 طبعة دار الوطن بالرياض، الطبعة الثالثة 1415هـ. [4] انظر تفسير القرآن العظيم 2/ 477. [5] انظر تفسير القرآن العظيم 4/ 70. [6] المرجع نفسه 2/ 537. [7] المرجع نفسه 2/ 553، 554 والحديث أخرجه أبو داود، كتاب الوتر، باب في الاستغفار رقم (1518)، وابن ماجه، كتاب الأدب، باب فضل التسبيح رقم (3819). [8] انظر تفسير القرآن العظيم 4/ 187. [9] المرجع نفسه 4/ 462. [10] المرجع نفسه 4/ 106.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |