قاعدة عموم نفي المساواة وأثرها في الفقه الإسلامي - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         شرح كتاب فضائل القرآن من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 10 - عددالزوار : 187 )           »          مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 117 - عددالزوار : 28432 )           »          مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 175 - عددالزوار : 60056 )           »          خطورة الوسوسة.. وعلاجها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          إني مهاجرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          الضوابط الشرعية لعمل المرأة في المجال الطبي.. والآمال المعقودة على ذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 30 - عددالزوار : 827 )           »          صناعة الإعلام وصياغة الرأي العام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          من تستشير في مشكلاتك الزوجية؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          فن إيقاظ الطفل للذهاب إلى المدرسة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 20-08-2019, 02:18 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي قاعدة عموم نفي المساواة وأثرها في الفقه الإسلامي

قاعدة عموم نفي المساواة وأثرها في الفقه الإسلامي (1-4)
د. عبد الرحمن بن محمد القرني


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فإن موضوع العموم والخصوص من الموضوعات المشهورة في علم أصول التشريع، نال اهتمام علمائنا الأماجد وأئمتنا الأفاضل من عصورٍ قديمة، فحاز في المدونات الأصولية موقعاً كبيراً ونزل منزلة لائقة به، فضلاً عما كان لقواعده من أثر ظاهر في الفروع الفقهية ومسائل الخلاف.
وإني أتناول في هذا البحث مسألة من مسائله المهمة، ألا وهي (عموم نفي المساواة)؛ حيث جمعت من بطون الكتب الأصولية ما عسى أن يكون فيه الفائدة للقارئ الكريم، مع ذكر جملة من آثار هذه القاعدة في الفقه الإسلامي؛ حيث ظنَّ بعض المتأخرين أن الخلاف في هذه القاعدة لا طائل تحته، حيث قال المَقْبَلي([1]): وكلامهم في هذه المسألة مجرد جدل([2]).
حتى إن ابن الوزير([3]) في كتابه (المصفَّى) جرت عادته أن يضرب الأمثلة ويضع التمارين لما يذكره من قواعد، فلما جاء لقاعدة عموم نفي المساواة قال: «ونفي الاستواء هذا قليل في أحكام الشرع بل عزيزٌ جداً؛ ولذلك تركناه من الأمثلة والتمارين» اهـ([4]).
فأردت بهذا البحث دحض هذه الشبهة ودفع هذا الوهم، مع جمع مادة علمية مرتَّبة أحسب أنها مفيدة لطالب علم الأصول، حيث لم أَرَ مَنْ تصدى لبحث المسألة في هذه الأيام إلا بحثاً واحداً لم أكن أعلم به عند كتابة بحثي هذا، وهو لفضيلة الدكتور أكرم أوزيقان، وعنوانه: (عموم نفي المساواة في علم أصول الفقه) نشر في مجلة الحكمةمقسوماً في العددين الثاني والعشرين والتاسع والعشرين، وقد اطلعت على بحثه فيما بعد فرأيته قد أحسن فيه وأجاد، غير أنه قَلَّتْ عنده أدلة المذاهب حيث ذكر دليلين للجمهور وثلاثة لمخالفيهم، وكذا الحال فيما أورده من اعتراضات عليها، ومعلوم أن استيفاء الأدلة واستيعاب النقود والردود مطلب مهم؛ لإنصاف تلك المذاهب فيما ذهبت إليه؛ وليكون تمهيداً لترجيح دقيقٍ منصف، كما أن الباحث الكريم لم يستوفِ أسباب الخلاف كلها في المسألة، ولم يتعرض لضوابط المسألة، ولا لنوع عموم نفي المساواة عند القائلين به، فلعل بحثي هذا يكون تتميماً لما بدأه فضيلة الباحث الكريم، وتكميلاً للفائدة، وأسأل الله تعالى لي وله ولكافة الباحثين التوفيق لخدمة علوم ديننا الحنيف.
وقد قسمته إلى ثلاثة مباحث:
§ المبحث الأول في التعريف بالمسألة، وفيه أربعة مطالب: أولها في معنى مفردات عنوان المسألة، وثانيها في المعنى الاصطلاحي لعموم نفي المساواة، وثالثها في ضوابط المسألة، ورابعها في نوع العموم في نفي المساواة.
§ المبحث الثاني في الخلاف في حكم المسألة، وفيه خمسة مطالب: أولها في أقوال الأصوليين في مدلول نفي المساواة، وثانيها في تحرير محل النزاع، وثالثها في أدلة القولين ومناقشتها، ورابعها في سبب الخلاف، وخامسها في الترجيح.
§ المبحث الثالث في الآثار الفقهية للمسألة.
وكان منهجي في البحث هو الرجوع إلى المصادر الأصيلة، ومجانبة الكتب الحديثة إلا عند الحاجة، كما قمت بعزو الأقوال لأصحابها وتخريج الأحاديث وترجمة الأعلام، وشرح ما يحتاج إلى الشرح من غريب اللغة والمصطلح، مع سلوك سبيل الإيجاز في ذلك كله قدر الإمكان.
هذا وإنني قد بذلت في بحثي هذا من الجهد والوقت ما الله به عليم، ولا أدعي أنني أصبت في كل موضع فيه، بل إنني عرضة للخطأ، ومَنْ ذا الذي يسلم منه؟! وحسبي أنني اجتهدت والخير أردت، فإن يكن صواباً فهذا فضلٌ من الله وحده، وإن يكن خطأً فمن نفسي ومن الشيطان، وأسأل الله العزيز الرحيم أن يغفر لي ولسائر المسلمين، وأن ينفع بهذا البحث إخواني الباحثين وعموم المسلمين، وأن يصلح لي ولهم النيات والأعمال، وأن يتقبلها منا، فإن الله على كل شيء قدير، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
المبحـــث الأول:
التعريف بالمسألة
وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول
معنى مفردات عنوان المسألة :
من الملاحظ في لقب هذه المسألة أن هناك ثلاث كلمات تحتاج إلى تعريف وبيان، وهي (عموم) و(نفي) و(المساواة).
* فأما الأولى وهي (عموم)؛ فإنَّ (العموم) هو مصدر الفعل: عَمَّ، يقال: عَمَّ الشيءُ يَعُمُّ عموماً: إذا شمل الجماعةَ، كما يقال: عَمَّهُم بالعطيةِ([5])، وعَمَّ المطرُ عموماً فهو عامٌّ([6]).
قال الخليل بن أحمد([7]): عمَّ الشيءُ يعمُّ فهو عامٌّ: إذا بلغ المواضعَ كلّها([8]).
* والعام في الاصطلاح: هو لفظٌ واحد دالٌّ من جهة واحدة على شيئين فصاعداً([9]).
وللأصوليين تعريفات متعددة للعامّ وكلام طويل فيها([10])؛ طلباً منهم لحدٍّ سالمٍ من الدُّخُول([11]) والنظر، وقال محمد الأمين الشنقيطي([12]): تعريفه التامُّ الجامع المانع هو أنه: كلامٌ مستغرِق لجميع ما يصلح له دفعةً بحسب وضعٍ واحد بلا حصر([13]). والله تعالى أعلم.
مثاله: أن الفقهاء قالوا بأن الزوجة الحرة الصغيرة إذا توفي عنها زوجها وجبت عليها عدة الوفاة أربعة أشهر وعشراً([14])؛ استدلالاً منهم بعموم قول الله تعالى: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا) ([15]).
* وأما الكلمة الثانية فهي (نفي)، بإسكان الفاء، مصدر الفعل (نَفَى) يقال: نفيتُ الشيءَ أنفيه نَفْياً، إذا رَدَدْتُه([16])، ثم قيل لكل شيءٍ تدفعه ولا تثبته: نفيتُه فانتفَى([17]).
فالنفي: خلاف الإثبات([18])، قال أبو الفتح المُطَرِّزي([19]): النفي خلاف الإثبات، ومنه: المنفي نَسَبُه([20]).
ومن ذلك: المنافاة بين الشيئين؛ لأن أحدهما ينفي الآخر([21])، ومثله التنافي([22]).
* والنفي عند النحاة من أقسام الخبر وهو مقابل الإثبات، وهو من الحالات التي تلحق المعاني المتكاملة المفهومة من الجمل التامة والتعبيرات الكاملة.
وهذه أدوات النفي عند النحاة مع أمثلتها:
‌أ- (ما) كقوله تعالى: (مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ) ([23]).
‌ب- (لا) كقوله تعالى: (لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا) ([24]).
‌ج- (لن) كقوله تعالى: (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) ([25]).
‌د- (لم) كقوله تعالى: (لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ) ([26]).
هـ- (لمَّا) كقوله تعالى: (وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ) ([27]).
و- (إِنْ) كقوله تعالى: (إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ) ([28]).
ز- (ليس) كقوله تعالى: (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ) ([29]).
ح- (الاستفهام) أحياناً، كقوله تعالى: (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ) ([30]).
ط- (غير) كقوله تعالى: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) ([31]) أي: بلا حساب([32]).
* وأما الكلمة الثالثة فهي (المساواة)، ومعناها: المماثلة([33])، ومنه قولهم: «هذا يساوي درهماً » أي تعادل وتماثل قيمتُه درهماً([34])، قال الشاعر:
سَلِيْ –إنْ جهلتِ– الناسَ عنَّا وعنهمُ *** وليس سَواءً عالِمٌ وجَهُولُ([35])
وقال الآخر:
وأَعلمُ أنَّ تَسْليماً وتَرْكاً *** لَلَا متشابهانِ ولا سَوَاءُ([36])
أي: لا يتعادلان ولا قريباً من المعادلة([37]).
واستوى الشيئان وتساويا: ساوَى أحدهما صاحبَه، وساوى بين الشيئين وسَوَّى بينهما([38])، فالمساواة والاستواء هنا واحدٌ([39])، قال تعالى: (حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ) ([40]) يعني أنه رَدَمَ طريقَي يأجوج ومأجوج حتى سَوَّى أحدهما بالآخر([41]).
وكذلك لفظ (سَوَاسِيَة)، ومنه قول الشاعر:
لهم مجلسٌ صُهْبُ السِّبالِ([42]) أذِلةٌ **** سَوَاسِيَةٌ أحرارُها وعبيدُها ([43])
وفعل الاستواء – مثبتاً كان أو منفياً – لا يكون إلا بين شيئين أو أكثر، فلا يصح أن تقول: (يستوي زيدٌ) وتسكت، ولا أن تقول: (ما ساوَى عمروٌ) وتسكت([44]).
المطلب الثاني
المعنى الاصطلاحي لعموم نفي المساواة
لم أجد من الأصوليين مَنْ عرَّف بالحدِّ أو الرسم قاعدة عموم نفي المساواة واكتفوا بالتعريف بالمثال، غير أنه يمكن اقتباس تعريف اصطلاحي رسمي لها مما ذكروه في لقب المسألة أو صيغة القاعدة.
* وإليك أهم عباراتهم في المسألة:
نفي المساواة بين الشيئين يقتضي نفيها من كل وجهٍ([45]).
نفي المساواة بين الشيئين يقتضي نفي الاستواء في جميع الأمور([46]).
نفي مساواة الشيء للشيء يفيد نفي اشتراكهما في كل صفاتهما([47]).
نفي المساواة بين الشيئين يفيد العموم في كل شيء([48]).
نفي المساواة يقتضي العموم أي يدل على عدم جميع وجوه المساواة([49]).
نفي الاستواء بين الشيئين يقتضي نفي الاستواء من جميع الوجوه([50]).
نفي المساواة بين شيئين يقتضي العموم فَيُنْفَى به جميع وجوه المساواة([51]).
وبقية عباراتهم تدور حول هذه المذكورات.
* وأنتَ ترى تقارب عباراتهم في لقب المسألة، وكلها يفيد معنىً واحداً للقاعدة لا خلاف بينهم فيه؛ فمن ثَمَّ اقتصر بعض الأصوليين على صيغة موجزة للقاعدة فقال: (نفي المساواة للعموم) ([52]).
* ويمكن أن يقال في التعريف الاصطلاحي للمسألة، هو: أن ينفي الشارع المساواة بين شيئين فيدل ذلك على نفي استوائهما في كل وجهٍ ممكن.
مثاله: قول الله تعالى: (لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ) ([53]) حيث نَفَى الباري سبحانه وتعالى المساواة بين المسلمين والكافرين، فدل على انتفاء اشتراكهما في كل حكمٍ ممكن، فاقتضى هذا التعميم أنه لا يقتل المسلم بقتله الذمي([54]).
قال ابن بَرْهان([55]): «وصورة الاستدلال: أن علماءنا استدلوا في مسألة المسلم لا يقتل بالذمي بقوله تعالى: (لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ) ([56]) قالوا: هذا اللفظ يدل على نفي القصاص؛ لأن الآية اقتضت نفي المساواة، فإذا استويا في وجوب القصاص فقد خرج اللفظ عن أن يكون دليلاً على نفي المساواة، ولابد من العمل بمقتضى اللفظ» اهـ([57]).
المطلب الثالث:
ضوابط المسألة
يظهر من عرض الأصوليين لمسألة عموم نفي المساواة مما ذكروه في لقبها وأدلتها وأمثلتها وغير ذلك أن هناك قيوداً لابد من توافرها في المسألة، فمن ذلك:
أولاً: أن يقع النفي للمساواة أو ما في معناها:
ومعنى هذا الضابط أن يرد النفي للمساواة والاستواء، ونحو ذلك مما هو في معناه كالتماثل والمماثلة.
نحو قولنا: (الكافر لا يساوي المسلم) وقولنا: (الكافر لا يماثل المسلم)([58]).
وقد جاء هذا الضابط صريحاً في كلام بعض الأصوليين([59])، وقال بدر الدين الزركشي([60]): «تنبيه: هذا الخلاف في عموم المساواة يجري في كلمة (مثل) بل هو أدلُّ على المشابهة من لفظ (المساواة) ([61]) ولم يذكروه، قال ابن دقيق العيد([62]): لفظ (المثل) دالٌّ على المساواة بين الشيئين إلا فيما لا يقع التعدد إلا به » اهـ([63]).
قلت: قول الزركشي: (ولم يذكروه) يعني أن كلمة (مثل) آكد وأَدَلُّ على المشابهة من كلمة (مساواة)، وكأنَّ الزركشي بذلك يشير إلى أنه هو أول مَنْ نَبَّه عليه من الأصوليين.
* ثم اعلم أنه لا يشترط ورود النفي على خصوص الاسم، بل تجيء المسألة في نفي الاسم ونفي الفعل([64])، قال علاء الدين المرداوي([65]): «نفي الاستواء وما في معناه من التساوي والمساواة والتماثل والمماثلة ونحو ذلك سواء فيه نَفْيُه في فعلٍ مثل (لا يستوي كذا وكذا) أو في اسمٍ مثل (لا مساواة بين كذا وكذا) ... » اهـ([66]).
فمثال نفي الفعل قول الله تعالى: (وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ) ([67]).
ومثال نفي الاسم قول الله تعالى: ( * لَيْسُوا سَوَاءً) الآية([68])، حيث جعلها تاج الدين([69]) السبكي([70]) وبدر الدين الزركشي([71]) من أمثلة القاعدة.
ثانياً: أن يقع نفي التساوي صريحاً أو تقديراً:
وذلك بأداة من أدوات النفي، وقد سبق في المطلب الأول تعداد أدوات النفي عند النحاة.
* مثال الصريح قول الله تعالى: (وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ) ([72]).
ومثال التقديري قوله تعالى: (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ) ([73]). فإن نفي التسوية مقدرٌ في الآية، والمعنى: ما نجعلهم سواءً، كما قال سبحانه في آية أخرى: (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) ([74]) وجعلها تاج الدين السبكي([75]) وبدر الدين الزركشي([76]) من أمثلة القاعدة.
ثالثاً: أن النفي يكون في كل حكمٍ يمكن نفيه:
والمعنى أن التعميم في نفي المساواة بين الشيئين يكون في كل شيء يمكن نفيه؛ وذلك لأنَّ من الأشياء ما لا يمكن نفيها فلا تكون مرادة بالتعميم؛ فإن قوله تعالى: (لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ) ([77]) لا ينفي الإنسانية والصفات البشرية المشتركة بينهما، قال ابن بَرْهان في التعليل لهذا: «لأن التساوي في الصفات الحسية والمعنوية غير مقصود للشرع، فلا عبرة بالتساوي فيه، وإنما مقصود الشرع نفي المساواة في الأحكام الشرعية» اهـ([78]).
وقد جاء هذا الضابط صريحاً في كلام بعض الأصوليين، حيث قال جلال الدين المحلي([79]): «فهو لنفي جميع وجوه الاستواء الممكن نفيها » اهـ([80])، وكذلك قال غيره([81]).
وعبارة بعضهم: «يقتضي نفي الاستواء من جميع الوجوه، أي: في جميع الوجوه المتعلقة بالأحكام الشرعية» اهـ([82]).
* وكما خرج من العموم الصور التي لا يمكن إرادة نفيها بنفي المساواة، فكذلك تخرج الصور المُخْرَجة بأدلة التخصيص، وهو في هذا كسائر العمومات.
ولذا احترز بعضهم بذكر هذا القيد في القاعدة، حيث قال صفي الدين الهندي([83]): «نفي الاستواء بين الشيئين … يقتضي نفي الاستواء من جميع الوجوه فيما بينهما إلا ما خصَّه الدليل» اهـ([84]).
فَيُخَصُّ – مثلاً – عموم نفي المساواة في قوله تعالى: (لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ) ([85]) بنحو قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من قَتَلَ مُعَاهَداً لم يَرَحْ([86]) رائحةَ الجنة»([87]) وغيره من الأدلة الدالة على تساويهما في حرمة الدم وحرمة العرض والمال وغير ذلك من الأحكام الشرعية.
رابعاً: عدم القرينة المانعة من الحمل على العموم:
فإن وجدتْ قرينة تمنع إجراء نفي المساواة على عمومه عُمِلَ بها، وامتنع حمله على العموم.
* مثال ذلك من الكتاب العزيز: قول الله سبحانه وتعالى: (لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا) ([88]) فإن المراد هنا نفي التسوية بين الفريقين في الثواب والفضل لا في سائر الأحكام الشرعية؛ قال الشيخ محمد الطاهر بن عاشور([89]) في تفسير الآية: «نفي التسوية مرادٌ به نفيها في الفضيلة والثواب، فإن نفي التسوية في وصفٍ يقتضي ثبوت أصل ذلك الوصف لجميع مَنْ نُفِيَتْ عنهم التسوية ... وقد أكَّد هذا الاقتضاء بقوله: (أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا) ... »اهـ([90]).
* ومثاله من السنة المشرفة: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «وأيُّكم مثلي»([91]) فهذا استفهام إنكاري معناه النفي، كما توضحه الرواية الأخرى: «إنكم لستم مثلي »([92]) غير أن نفي التسوية بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين أُمَّته في الحديث لا يدل على عمومها في الأحكام الشرعية؛ وذلك لوجود القرينة المتصلة المبينة خصوص نفي المساواة وهي دلالة سياق الحديث؛ حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الوصال في الصوم([93])، فقال رجلٌ: إنكَ تواصل؟! فقال: وأيُّكم مثلي! إني أَبِيْتُ يطعمني ربي ويسقيني»([94]) ولذا قال مُلاَّ علي القاري([95]) عند قول النبي صلى الله عليه وسلم : «إني أبيت ...» قال: «استئنافٌ مبيِّنٌ لنفي المساواة بعد نفيها بالاستفهام الإنكاري» اهـ([96]).
ومما ينفي عموم نفي المساواة هنا القرينة المنفصلة أيضاً، وهي الدلائل الخارجية الدالة على أن الأصل مشاركة النبي صلى الله عليه وسلم لأمته في الأحكام الشرعية إلا ما خصَّه الدليل([97]).
المطلب الرابع:
نوع العموم في نفي المساواة
إذا قلنا إن نفي المساواة بين شيئين يقتضي العموم، فبقي الكلام في نوع هذا العموم، هل هو عمومٌ من جهة اللفظ؟ أو من جهة المعنى؟
والفرق بين العموم اللفظي والعموم المعنوي أن الأول يُعْلَم من جهة الوضع اللغوي، أي أن مداره على أن العرب وضعت هذه اللفظة للدلالة على شمول كل الأفراد الداخلة تحتها، مثل: (أكرم الرجال) فلفظ «الرجال» عامٌّ لفظي لأن الصيغة – وهي الجمع المحلى بأل الاستغراقية – دلت عليه.
بخلاف الثاني، فإن العموم يحصل في الذهن أي يحكم العقلاء أو أهل العرف به عند سماع الكلام من غير بحثٍ عن لفظةٍ دلت عليه.
فقول القائل: (الناجحُ هو زيدٌ) يبادر العقلاء إلى فهم أن عدم النجاح عامٌّ لعمروٍ وخالد وبكر وسعد ... الخ([98]).
وفي قوله صلى الله عليه وسلم: «رُفع عن أمتي الخطأُ والنسيانُ»([99]) يقتضي مقدراً يتوقف عليه صدق الكلام، وهو: رفع عن أمتي حكم الخطأ والنسيان، ثم إن هذا الحكم يعم عند أهل العرف أحكام الدنيا وأحكام الآخرة([100]).
فيظهر من هذا أن العموم اللفظي تابعٌ للصيغة ومدلول لها، والعموم المعنوي ليس تابعاً للصيغة بل المعاني فيه مستقلة؛ ولذا مَثَّلوه بعموم المفهوم وعموم المقتضَى وعموم ترك الاستفصال عند قيام الاحتمال([101]) وغير ذلك.
* وإذا رجعنا إلى مسألتنا أعني نفي المساواة بين شيئين، فإنه قد قال المَقْبَلي: «إنه ليس بعموم اصطلاحي كالحاصل بلفظ (مَنْ) و(كُلّ) وسائر آلات العموم، ولكن معناه معنى العموم» اهـ([102]).
وهذا يعني أن نفي المساواة من قبيل العموم المعنوي، غير أن هذا بعيدٌ، ويردّه ما جاء في أدلة الجمهور من أن الفعل نكرة، وقد وقع في سياق النفي فيفيد العموم، على ما سبق بيانه، وقد أجمع النحاة على أن الأفعال نكرات.
فهذا يدفع كونه عموماً معنوياً؛ لأن عمومه متلقىً من الصيغة إذاً.
ولهذا فإن بدر الدين الزركشي لمَّا عقد فصلاً مطوَّلاً في العموم المعنوي([103]) وفصَّل أنواعه لم يذكر ضمنها عموم نفي المساواة، بل ذكره قبل ذلك وجعله مفرَّعاً على عموم الاسم النكرة إذا وقع في سياق النفي؛ حيث قال: «مما يتفرع على أن النكرة المنفية للعموم نفي المساواة بين الشيئين » اهـ([104]).
* هذا وقد قال ابن بَرْهان: «العمومات تنقسم إلى ما يقرب من وضع الشرع ومن الدلالة على مقصوده، ومن العمومات ما يكون بعيداً عن ذلك ...
ومثال العموم البعيد عن وضع الشرع: العموم الذي استدل به بعض علمائنا في قتل المسلم بالذميّ بقوله تعالى: (لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ) ([105]) فإن هذا العموم لا يظهر لنا ظهوراً بَيِّناً كونُه دليلاً في محل الخلاف» اهـ([106])، وهذا الكلام يمثل رأي مَنْ أنكر عمومه رأساً؛ ولذا أعقبه ابن برهان بقوله: «فإن هذا العموم إنما سيق لتفاوت ما بين المسلم والكافر في أحكام الآخرة» اهـ([107]).
يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 261.54 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 259.57 كيلو بايت... تم توفير 1.98 كيلو بايت...بمعدل (0.76%)]