العداوة الأزلية - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         شرح النووي لحديث: ليت رجلا صالحا من أصحابي يحرسني الليلة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          أنسيت بأنك في غزة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          {إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4418 - عددالزوار : 855247 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3949 - عددالزوار : 390069 )           »          معنى قوله تعالى: {ليبلوكم أيُّكم أحسنُ عملاً} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 61 )           »          تخصيص رمضان بالعبادة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 47 )           »          ذكر الله دواء لضيق الصدر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »          بيان فضل صيام الست من شوال وصحة الحديث بذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 49 )           »          صيام الست من شوال قبل صيام الواجب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 43 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18-09-2020, 02:16 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,931
الدولة : Egypt
افتراضي العداوة الأزلية

العداوة الأزلية (1)


أ. د. فؤاد محمد موسى





سلسلة تأملات تربوية في بعض آيات القرآن الكريم

العداوة الأزلية

﴿ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ ﴾ [طه: 117]

"إبليس"


الحلقة الأولى

أخي المسلم، أيُّنا ينكر عداوة الشيطان له، والله يقول: ﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾ [فاطر: 6]؟! فالعداوة بين المسلم والشيطان حقٌّ، لا مِرية فيها، وهي مِن سنن الله الكونية القدرية، قرَّرها الله عز وجل في قوله: ﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ﴾ [فاطر: 6].


ومِن رحمة الله سبحانه وتعالى بنا أن أعلَمَنا مَن هو الشيطان، وما هي قصةُ عداوته للإنسان، وكيف نشأت؟
وبدايةُ هذه العداوة قديمةٌ وأزلية، بدأت مع بداية خَلْق آدمَ وإعداده للخلافة، وتطورت مع تطوُّر مراحل خَلْق آدم وإعداده للخلافة.






وسوف يتم تناولُ هذا الموضوع على حلقات إن شاء الله.

الحلقة الأولى:
لنبدأِ القصة:
لنَعِشْ لحظات مع قصة البشرية الأولى وما وراءها مِن إيحاءات أصيلة:
ها نحن أولاءِ - بعينِ البصيرة في ومَضات الاستشراف - في ساحة الملأ الأعلى، وها نحن أولاءِ نسمَع ونرى قصةَ البشرية الأولى:
أولًا: مرحلة إعداد مسرح الأحداث (إعداد الملائكة وإبليس لأدوارهم)




بدأت هذه المرحلةُ بعملية إعداد تمثَّلَتْ فيما يلي:
(1) إعلان خَلْق بشَر.
﴿ إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ ﴾ [ص: 71].
﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ ﴾ [الحجر: 28].
تبدأ قصةُ البشرية بأحداثها المثيرةِ.
كان هذا أولَ إخبارٍ مِن الله للملائكة بخَلْق مخلوق جديد "بشر"، ومادة تكوينه مِن طين، وقد تم تحوُّل الطين بعد ذلك إلى صلصال.


ولكن ما الهدف مِن هذا الإخبار؟
هل كان إبليس مشمولًا أيضًا بهذا الخبر؟
وإذا كانت الإجابة بالإيجاب، فلماذا؟
لنرجِعْ إلى الأحاديث النبوية الخاصة بخلق آدم، لعلنا نتحسَّس الإجابة.


عن أبي هريرة: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن اللهَ خلَق آدم مِن تراب، ثم جعله طينًا، ثم تركه حتى إذا كان حمأً مسنونًا خلَقه الله وصوَّره، ثم تركه حتى إذا كان صلصالًا كالفخَّار، قال: فكان إبليس يمرُّ به فيقول: لقد خُلِقتَ لأمرٍ عظيم))؛ مسند أبي يعلى.


وعن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لما خلق الله آدم، تركه ما شاء أن يدَعَه، فجعل إبليس يطيفُ به، فلما رآه أجوفَ، عرَف أنه خَلْقٌ لا يتمالك))؛(مسلم).


وعن أبي موسى، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن اللهَ خلَق آدمَ مِن قبضة قبضها مِن جميع الأرض؛ فجاء بنو آدمَ على قدرِ الأرض؛ جاء منهم الأبيضُ والأحمر والأسود وبين ذلك، والخبيثُ والطيب، والسَّهْل والحزن وبين ذلك))؛ (أحمد).


عن أبي هريرةَ: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ((كان طولُ آدمَ ستين ذراعًا في سبعِ أذرُعٍ عَرْضًا))؛(أحمد).


عن مسلمِ بن يسار الجهني: أن عمرَ بن الخطاب سُئل عن هذه الآية: ﴿ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى ﴾ [الأعراف: 172] الآية، فقال عمرُ بن الخطاب: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يُسأَلُ عنها، فقال: ((إن اللهَ خلق آدم - عليه السلام - ثم مسَح ظهره بيمينِه فاستخرج منه ذريةً، قال: خَلقتُ هؤلاء للجنة، وبعمل أهل الجنة يعملون،ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية، قال: خلقتُ هؤلاء للنار، وبعمل أهل النار يعملون))،فقال رجلٌ: يا رسول الله، ففيمَ العملُ؟ قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا خلَق اللهُ العبدَ للجنة، استعمَله بعمل أهل الجنة، حتى يموتَ على عملٍ مِن أعمال أهل الجنة؛ فيدخُلُ به الجنة،وإذا خلَق الله العبد للنار، استعمله بعمل أهل النار، حتى يموت على عمل أهل النار؛ فيدخُلُ به النار))؛ (مالك، أحمد).


وقد جاء في قَصص الأنبياء للإمام الحافظ ابن كثير: "ذكر السُّديُّ عن أبي مالك وأبي صالح، عن ابن عباس، وعن مرة عن ابن مسعود، وعن ناسٍ مِن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: فبعث اللهُ عز وجل جبريل في الأرض ليأتيه بطينٍ منها، فقالت الأرض: أعوذُ بالله منك أن تنقص مني أو تَشينني، فرجع ولم يأخذ، وقال: رب، إنها عاذَتْ بك فأعَذْتُها،فبعث ميكائيل فعاذت منه فأعاذها، فرجع فقال كما قال جبريل،فبعث الله ملَك الموت فعاذت منه، فقال: وأنا أعوذ باللهِ أن أرجعَ ولم أُنفِذْ أمره، فأخذ مِن وجه الأرض وخلطه، ولم يأخذ مِن مكان واحد، وأخذ مِن تربة بيضاء وحمراء وسوداء؛ فلذلك خرج بنو آدم مختلفين،فصعِد به، فبلَّ التراب حتى عاد طينًا لازبًا،واللازب: هو الذي يلزق بعضه ببعض، ثم قال للملائكة: ﴿ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ﴾ [ص: 71، 72]،فخلَقه الله بيدِه؛ لئلا يتكبرَ إبليسُ عنه، فخلَقه بشرًا، فكان جسدًا مِن طين أربعين سنة مِن مقدار يوم الجمعة، فمرت به الملائكة ففزِعوا منه لَمَّا رأوه، وكان أشدَّهم منه فزعًا إبليسُ، فكان يمرُّ به فيضربه، فيصوِّتُ الجسدُ كما يصوِّتُ الفخار يكون له صلصلة، فذلك حين يقول: {مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ} [الرحمن: 14]، ويقول: لأمرٍ ما خُلقتَ، ودخل مِن فِيهِ وخرج مِن دُبُرِه، وقال للملائكة: لا ترهَبوا مِن هذا؛ فإن ربَّكم صمَدٌ، وهذا أجوفُ، لئن سُلِّطْتُ عليه لأُهلِكَنَّهُ.


ومِن هنا ندرك أن إبليسَ كان مَعنيًّا بهذا الإخبار، فكان مهمومًا بهذا المخلوق، وأشد فزعًا مِن الملائكة منه، فيمر عليه ويطوف به ويختبر كينونته ويكتشف خصائصه، فكان يضربه، فيصوِّتُ الجسد كما يصوت الفخَّار، يكون له صلصلة، فلما رآه أجوفَ، دخَل مِن فيه وخرج مِن دُبُرِه، وقال للملائكة: لا ترهَبوا من هذا؛ فإن ربَّكم صمَدٌ، وهذا أجوفُ، لئن سُلِّطتُ عليه لأهلكنَّه،ومِن هنا عرَف أنه خَلْقٌ لا يتمالك.


إن خَلْقَ آدمَ مِن تراب، ثم تحوُّله إلى طين، ثم تحوُّله إلى صلصال لفترات طويلة متتالية من الزمن كما جاء في الأحاديث - أتاح الفرصةَ لإبليس لدراسة هذا المخلوق دراسةً وافية عن تكوينه وخصائصه الطينية داخليًّا وخارجيًّا، كما أتاح له تكوينَ مفاهيمه الشخصية عنه،وهذا ما يَسَّرَ عليه وسوستَه له فيما بعدُ.


إن عِلمَ إبليس بأن تكوين هذا المخلوق مِن طين كان غَوايةً له مِن الله، مما جعله يتعامل معه باحتقار فيضربه، ويدخل مِن فيه ويخرج مِن دُبُره، ويقول للملائكة: هذا أجوفُ، لئن سُلِّطتُ عليه لأهلكنَّه،وظن أنه خيرٌ منه،وهذا ما قاله إبليسُ لله، وما ستبيِّنه الأحداثُ القادمة؛ كما في الآيات: ﴿ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ﴾ [الأعراف: 12]، ﴿ قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ ﴾ [الحجر: 33].


ورغم هذا، كان لدى إبليسَ إحساسٌ بأن هذا المخلوقَ سيكونُ له شأنٌ عظيم، فكان يسأل في نفسِه ويقول: لأمرٍ ما خُلِقْتَ، ثم يقول لنفسه: لقد خُلِقْتَ لأمرٍ عظيم!


وكان لا يذكُرُ ذلك لغيره مِن الملائكة كما يذكر لهم احتقارَه له بقوله: لا ترهَبوا مِن هذا؛ فإن ربَّكم صمَدٌ، وهذا أجوفُ، لئن سُلِّطْتُ عليه لأهلكنَّه!


نعم، لقد خُلِقَ لأمرٍ عظيم! ما هو؟


(2) إعلان خلافةِ آدمَ.
﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ... ﴾ [البقرة: 30].
بدأ إعلانُ خلافة آدمَ في احتفال مَهِيب، في رحاب الملأ الأعلى،يُعلنه الله بذاته العليَّة الجليلة، وتحتشد له الملائكة - وفي زمرتهم وإن لم يكن منهم إبليسُ - وتشهَدُه السمواتُ والأرض، وما خلَق الله مِن شيء،إنه أمرٌ هائل، وحدَث عظيمٌ في تاريخِ هذا الوجودِ، ولكن لماذا هذا الإعلانُ؟
ولماذا هذا الحشد المهيب والهائل مِن الملائكة؟
وما الهدف مِن حضور الملائكة وفي زمرتهم إبليسُ؟
وما الهدف مِن إخبار الملائكةِ ومعهم إبليس بأن هذا المخلوقَ سيكون خليفةً؟
ألا يستوجب هذا كلُّه التفكيرَ والتدبُّرَ، ونحن مأمورون مِن الله بالتدبُّر والتفكُّر في كل ما جاء في القرآن؟!


﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 82].

﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ [محمد: 24].
إن علم إبليس بأن هذا المخلوق سيكون خليفة؛ لتتولَّد لديه الغَيرةُ مِن هذا المخلوق.


كما أن حضورَ الملائكة بهذا الحشد الهائل في مشهد خَلْق آدمَ كان احتفالًا بخَلْقه، وتكريمًا له، وأمام عينَيْ إبليس؛ ليشاهد ذلك، فتتحركَ في نفسه ضغائنُ طبيعته الحاقدة، وليرى باقي مشاهد التكريم التالية لذلك، ويعبر فيها عن طبيعة نفسه الشريرة.
إن إخبارَ الله مِن قبلُ للملائكة بأن هذا البشرَ مخلوق من طين، وعلمهم السابق بأن المخلوقات التي خُلِقَتْ في الأرض تتصفُ بسَفْك القويِّ منها دماءَ الضعيف - وهو ما نسميه الآن: قانون الغاب - دفَعَهم - بعد إخبار الله لهم الآن بأنه سيكون خليفة - للتساؤل: ﴿ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ﴾ [البقرة: 30]،وهذا الاستفسارُ كان منطقيًّا مع عدم علمهم حتى الآن أنه سيُنفَخُ فيه مِن رُوح الله،فكيف تجتمع الخلافة وهي تكريمٌ عظيم لهذا المخلوق مع خصائص الطينِ التي فيها الإفساد وسفك الدماء؟! وهذا كلُّه بأمرِ الله.


(3) استفسار الملائكة.
﴿ ... قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 30].
لقد دفَع اللهُ الملائكةَ لهذا الاستفسار كما تبيَّن مِن قبل.


ولكن لماذا جاءت صيغةُ الاستفسار بها مقارِنةً بين خصائص الإنسان الذي يُفسِد ويَسفِك الدماء وخصائص الملائكة التي تسبِّح بحمد ربها وتقدِّس له، وقولها ذلك على مسمعٍ مِن إبليسَ؟


إن هذه المقارَنة توضح الفرق الشاسع بين متناقضينِ، بين الأسود والأبيض، بين المعصية التي يقع فيها الإنسان، والطاعة المطلَقة مِن جانب الملائكة.


فقد أراد اللهُ أن يسمَعَ إبليسُ ذلك؛ فيقعَ في ظنه أنه خيرٌ مِن هذا المخلوق الذي يُفسِد في الأرض، ويسفِك الدماء، فتتم غوايته، كما يعرف إبليسُ أيضًا أن تكوينَ آدمَ مِن طين الأرض هو المدخلُ لغوايته وإفساده، وهذا ما تبين في قول إبليسَ فيما بعد: ﴿ قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ [الحجر: 39]؛ فشهواتُالإنسان الطينيةُ مِن مأكل ومشرب وجنس وحب التملُّك والشهوة -كلُّها مداخلُ الشيطانِ للغَواية.


(4) إجابة الله على الملائكة.
﴿ ... قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 30].
لقد كان ردُّ الله على الملائكة بأنه يعلَمُ مِن المصالح ما هو خفيٌّ عليهم، ولحكمة في خَلْق الخليفة لا يعلمونها،نعم إنها إرادةُ الله وتدبيرُه.


ولكن، ما الذي لم تكُنِ الملائكةُ تعلَمه؟
إن اللهَ عز وجل لم يخبِرْ بعدُ الملائكةَ، ومعهم إبليس، بأن هذا المخلوقَ سيكونُ في تكوينه سرُّ تميُّزه بالنفخ فيه مِن رُوحِه.
للنظر في الأحداثِ القادمة لعل فيها الإجابةَ.


(5) صدور الأمر مِن الله للحضور مِن الملائكة وإبليس بالسجود لآدمَ بمجرد نفخ الله الرُّوحَ فيه.
﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 34].
﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ ﴾ [الأعراف: 11].
﴿ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ﴾ [الحجر: 29].
﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا ﴾ [الإسراء: 61].
﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ... ﴾ [الكهف: 50].
﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى ﴾ [طه: 116].
﴿ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ﴾ [ص: 72].

لقد صدَر الأمرُ مِن الله للملائكة ومعهم إبليسُ بالسجود لآدمَ بمجرد أن ينفُخَ اللهُ فيه مِن روحه.
ولكن لماذا أخبر اللهُ الملائكة وإبليس أنه سينفُخُ مِن رُوحه في آدم؟
ولماذا أمَر اللهُ الملائكة وإبليسَ بالسجود لآدم؟
ولماذا صدر هذا الأمر قبل نَفْخِ الرُّوح في آدم وليس بعده؟
هنا علِم إبليسُ قدر نفسه بالنسبة لآدم!
وهنا علِم إبليسُ قدر آدم بالنسبة له وللملائكة!


إن لآدمَ شأنًا عظيمًا! إن فيه نفخةً مِن رُوح الله، وهناك أمرٌ بالسجود له على الفور؛ تكريمًا لوجودِ هذه الرُّوح في هذا المخلوق، لقد تفرَّد بهذا التكريم.
لقد تهيَّأتِ الملائكةُ للسجود على الفور، وامتلأ قلبُ إبليسَ بالغيظ، ولكن كيف ستكون استجابتُه لله؟
وهذا يشيرُ إلى أن الإعلانَ عن خَلْق آدم كان مِن أجل حشدِ الملائكة وإبليس للسجود لآدمَ، وإعداد الموقف التعليمي لتدريب آدمَ منذ اللحظة الأولى على مهمَّتِه التي خُلِقَ مِن أجلها؛أي: إن خَلْق آدمَ والإعداد لتدريبه على مهمته تلازَمَا معًا في نفس الوقتِ.


(6) نفخ الرُّوح في آدم.

﴿ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ﴾ [الحجر: 29].
﴿ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ﴾ [ص: 72].
لقد نفَخ اللهُ مِن رُوحه في آدم،هنا اتضح السرُّ الكبير في عظمةِ وعلوِّ شأن هذا المخلوق، إنها نفخةُ اللهِ عز وجل فيه مِن رُوحِه، إنه ليس مخلوقًا مِن طين فقط، بل أصبح فيه سرُّ تميُّزه الذي خفِيَ مِن قبلُ على الملائكة وعلى إبليس، فما هو المطلوبُ الآن؟







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 19-09-2020, 03:11 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,931
الدولة : Egypt
افتراضي رد: العداوة الأزلية

العداوة الأزلية (2)


أ. د. فؤاد محمد موسى




سلسلة تأملات تربوية في بعض آيات القرآن الكريم

العداوة الأزلية

﴿ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ ﴾ [طه: 117]

"إبليس"

الحلقة الثانية


ثانيًا: مرحلة مشاهدة واستماع آدم للأحداث:


(1) سجود الملائكة أجمعين لآدمَ طاعة لله، وعصيان إبليس لله وعدم سجوده لآدم.
﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 34].
﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ ﴾ [الأعراف: 11].
﴿ فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ ﴾ [الحجر: 30، 31].
﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا ﴾ [الإسراء: 61].
﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ... ﴾ [الكهف: 50].
﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى ﴾ [طه: 116].
﴿ فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ﴾ [ص: 73، 74].

قد سجد الملائكة امتثالًا للأمر العُلوي الجليل، وهم الذين لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون؛ فقد سجَدوا مطيعين منفذين لأمر الله، لا يترددون ولا يستكبرون، ولا يفكرون في معصية لأي سبب ولأي تصور ولأي تفكير، هذه طبيعتهم، وهذه خصائصهم، وهذه وظيفتُهم، وإلى هنا تظهر كرامة هذا الكائن الإنساني، كما تظهر طاعة الملائكة المطلقة لله، وعلى النقيض من هذا، امتنع إبليسُ عن السجود مستكبرًا وعاصيًا لله، فهذه خصائصه، وهذه طبيعته التي جُبِل عليها.
لنعِشْ بعقولنا وأرواحنا ونستشعر الأحداث كما صوَّرَتْها لنا الآياتُ السابقة.

آدمُ عليه السلام وقد دبت فيه الحياة بمجرد أن نفخ الله الرُّوحَ فيه.
الملائكة كلهم ساجدون بحشدهم الذي لا يحصيه إلا الله، إنه لمشهد مهيب، مِن كثرة العدد، والكل ساجد مطيع، نموذج للطاعة المطلقة والتسليم التام.
إبليس يقف شاخصًا في هذا الخضم الهائل بين الساجدين، إنه لشذوذ في المشهد، لقد أخلَّ بمشهد السجود، وأصبح بارزًا بشذوذه في هذا المشهد؛ فقد امتنَع عن تنفيذ أمر الله - سبحانه - وعصاه.
ولكن لماذا هذا السجود؟
قد يقال: إنه سجود تكريم لآدم؛ كما جاء في بعض التفاسير.
ولكن، لماذا هذا التكريم بهذه الصورة وفي هذا الوقت خاصة؟

ولماذا هذا الشذوذ مِن إبليس بعدم سجوده وإخلاله بالنظام؟ ما الذي حاك في صدره؟ وما التصورُ الذي سيطر عليه فمنَعه مِن طاعة ربه، وهو يعرف أنه ربُّه وخالقه ومالك أمره وأمر الوجود كله؟!
أليس كل ما يحدُثُ بمشيئة الله؟
بلى.

أين الإجابة؟
لننتظر ونرقب الأحداث التالية؛ لعلنا نصل إلى إجابة مقنعة لنا.
لنتصور أننا في موقف آدم عليه السلام، ونفكر.
لقد أبصر آدمُ ووقع نظره على هذا المشهد المهيب، الذي يجذب الأبصار، ويثير التفكير، لماذا هذا السجود مِن جانب الملائكة؛ امتثالًا وطاعة مطلقة؟!
ولماذا هذا العصيان من جانب إبليس؟
إنها نفس التساؤلات التي سألناها من قبل، هي نفسها التي دارت في عقل آدم.
ولنتابع الأحداث.

(2) إثبات الله للملائكة أن هناك علمًا لم يتعلموه.
﴿ وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ﴾ [البقرة: 31 - 33].

لقد نُفِخَتْ في آدم الرُّوحُ، ومن ثم أصبحت لديه في فطرة تكوينه استعدادات ليست لدى الملائكة، استعدادات القدرة على التعلم والتعليم، وأراد الله أن يُظهِرَ ذلك للملائكة في وجود إبليس، فعلَّم آدم الأسماء كلَّها، ثم طلب من الملائكة أن يخبروه بأسماء تلك الأشياء، فاعترفت الملائكة بعجزهم بعدم معرفتهم بذلك، وقالوا: ﴿ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴾ [البقرة: 32]، وهنا أمَر الله آدم أن ينبئهم بهذه الأسماء، فلما فعل آدم ذلك، قال لهم: ﴿ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ﴾ [البقرة: 33]، وذلك تعقيبًا على قوله تعالى لهم من قبل: ﴿ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 30].

وهنا انتهى دور الملائكة في هذه القصة.
ولكن ما الحاجة من هذا الإثبات من الله عز وجل وهو الذي لا يُسأَلُ عما يفعل؟
إن الملائكةَ لم تكن في حاجة لهذا الإثبات؛ فهي لا تحتاج لهذا في أداء مهامها التي خُلِقت مِن أجلها؛ فهي التي تفعل ما تؤمر، ودورها - كما قدره الله لها - أن تكونَ أداةً لتحقيق مرادِ الله.

أما إبليس فقد علِم مِن هذا الموقف تميُّزَ آدم على الملائكة في جانب القدرة على التعلُّم والتعليم بنفخ الرُّوح فيه، وهو الذي لم تكن تعلمه الملائكة، ولا إبليس بالتالي، وعلم إبليس به الآن إلى جانب علمه سابقًا بخلافة آدمَ في الأرض، وقد كان لهذا وقعٌ شديد على نفسه الحقودة بزيادة حقده على آدم، كما علم إبليس أن استخدام بني آدم لهذا التميز في عبادة الله سيكونُ هو العاصمَ لهم من الغواية؛ ولذلك استثنى إبليس - في قَسَمه لله بغوايتهم أجمعين - الشاكرين والمخلِصين منهم، ﴿ قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ﴾ [الأعراف: 16، 17]، ﴿ قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ﴾ [الحجر: 39، 40]، ﴿ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ﴾ [ص: 82، 83].

وفي هذا الموقف اكتشف آدمُ التميُّز الذي امتاز به حتى على الملائكة، وهذه ضرورة لمعرفة الذات في تكوين شخصيته، التي بها يحقق الخلافة التي أُوكِلَتْ إليه.

وبعد هذا الموقف انتهى دور الملائكة عند هذا الحد، وبدأ التركيز على دور إبليس، بل أدوار إبليس؛ ليشاهد آدم ويسمع، ونسمع معه ونشاهد بالبصيرة ما يلي:
(3) سؤال الله لإبليس عن سبب عدم سجوده لآدم.
﴿ قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ﴾ [الأعراف: 12].
﴿ قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ ﴾ [الحجر: 32].
﴿ قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ ﴾ [ص: 75].

هنا وجَّه الله توبيخه إلى إبليس: ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي؟ أستكبرت عن أمري أم كنت من العالين الذين لا يخضعون؟
ولكن لماذا هذا التوبيخ لإبليس على مسمع ومشهد من آدم؟
هل هناك ضرورة لسماع ومشاهدة آدمَ لذلك؟
لننتظر ونرقب الأحداث التالية؛ لعلنا نصل إلى إجابة مقنعة لنا.
جاء رد إبليس.

(4) تبرير إبليس لعدم سجوده لآدم.
﴿ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ﴾ [الأعراف: 12].
﴿ قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ ﴾ [الحجر: 33].
﴿ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا ﴾ [الإسراء: 61].
﴿ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ﴾ [ص: 76].

لقد برَّر إبليس عدم سجوده لآدم بأنه خير منه؛ لأن آدمَ مخلوق مِن طين، وفي الآية الأخرى: مِن صلصال مِن حمأ مسنون، وهي من نفس مادة الطين، وهذا ما عرَفه إبليس من قبل من إخبار الله للملائكة في قوله: ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ ﴾ [الحجر: 28]، ﴿ إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ ﴾ [ص: 71]، وقد قالت الملائكةُ بناءً على ذلك: إنه سيُفسِد في الأرض، ويسفِك الدماء ﴿ ... قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ... ﴾ [البقرة: 30]،ومِن هنا جاءت غَواية الله لإبليس، فظن أنه خير من آدم؛ لأنه مخلوقٌ مِن مادة أخرى، وهي النار، وتجاهل إبليس ما في آدم من تميُّز بنفخ الله فيه مِن رُوحه.
لقد كان رد إبليس فيه استعلاء وتكبُّر وتحقير وإهانة لآدم، إنه الحسد ينضح مِن هذا الرد.
هذا الرد القبيح الذي يصدر عن الطبيعة التي تجردت من الخير كله في هذا الموقف المشهود.
ولكن لماذا هذا الرد بهذا الشكل وآدمُ يسمع ويرى؟
لقد كان تقديرُ الله لذلك؛ حتى يدركَ آدمُ عداوةَ إبليس له، وإن لم يذكر الله له ذلك مباشرة.
هنا صدر الأمر الإلهي العالي بطرد هذا المخلوق المتمرد القبيح.

(5) صدور الأمر من الله لإبليس بطرده من الجنة.
﴿ قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ ﴾ [الأعراف: 13].
﴿ قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ ﴾ [الحجر: 34، 35].
﴿ قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ ﴾ [ص: 77، 78].

لقد جاء ردُّ المولى عز وجل على إبليس مزلزِلًا؛ إنه الخروج من الجنة، أو الخروج من رحمة الله، ولعنة الله عليه إلى يوم القيامة، والصَّغَار له بين خَلْقه.
مذلة هذه؟! وأي احتقار هذا؟! إنه الرد من جنس العمل، لقد تكبر على آدم، ونظر إليه باحتقار أيُّ وصَغار.
لماذا جاء رد الله مزلزِلًا بهذه القوة على إبليس؟
لقد جاءت إرادةُ الله قاضية على كل أمل لإبليس في رحمته، وبذلك لم يعُدْ أمام إبليس من عمل خير له على الإطلاق، لا مجال أمامه سوى الشر.
ولكن ما هو ميدان عمله لهذا الشر؟ لقد اختار إبليسُ ميدانَ عمله، اختار آدمَ وذريته؛ فقد زاد حنَقُه على آدمَ، وهذا ما سنراه لاحقًا.
ولكن ما خطة إبليس لتنفيذ ذلك؟ وما الذي سيفعله؟ سنرى.

(6) طلَبَ إبليسُ مِن ربه أن يُنظِرَه إلى يوم القيامة.
﴿ قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ [الأعراف: 14].
﴿ قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ [الحجر: 36].
﴿ قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [الإسراء: 62].
﴿ قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ [ص: 79].

طلب إبليس من ربه أن يؤخره ولا يميتَه إلى يوم بعث آدم وذريته من القبور، وهو وقت النفخة الثانية عند قيام الساعة، وقد أراد بذلك النجاةَ مِن الموت وهو يعلمُ أن الذي يطلبه لا يقعُ إلا بإرادة الله وقدره، ولكن لماذا؟
لقد أراد إبليس بذلك أن يجد فسحة من الإغواء لبني آدم.
إن هذا الشِّريرَ العنيد لا ينسى أن آدم هو سبب الطرد والغضب، ولا يستسلم لمصيره البائس دون أن ينتقم، ثم ليؤدي وظيفته وفق طبيعة الشر التي تكونت فيه، فهو الإصرار المطلق على الشر، والتصميم المطلق على الغَواية.
هنا تتكشف خصائص طبيعة إبليس، شر ليس عارضًا ولا وقتيًّا، إنما هو الشر الأصيل العامد القاصد العنيد، إنه الدور الذي خُلِق مِن أجله، التربص ببني آدم لغَوايتهم.

(7) استجابة الله لإبليس بإنظاره إلى الوقت المعلوم.
﴿ قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ ﴾ [الأعراف: 15].
﴿ قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ ﴾ [الحجر: 37، 38].
﴿ قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ ﴾ [ص: 80، 81].
لقد استجاب الله لملتمَس إبليس بكل وضوح؛ لتتحقق إرادته سبحانه وتعالى بأن يكون للإنسان قرين يُضِلُّه ويُغْويه: ﴿ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأعراف: 27]، فهذه سنَّتُه في خَلْقه؛ فمشيئة الله - سبحانه - اقتضت أن يترك الكائن البشري يشق طريقه، بما ركَّب في فطرته مِن استعداد للخير والشر، وبما وهَبه مِن عقل مرجح، وبما أمده من التذكير والتحذير على أيدي الرسل، ومن الضبط والتقويم بهذا الدين، كما اقتضت أن يتلقى الهداية والغَواية، وأن يصطرع في كِيانه الخير والشر، وأن ينتهيَ إلى إحدى النهايتين، فتحق عليه سنَّة الله، وتتحقق مشيئته بالابتلاء، سواء اهتدى أو ضلَّ، فعلى سنَّة الله الجارية وَفْق مشيئته الطليقة، تحقق الهدى أو الضلال.

(8) قَسَم إبليس لله بإغواء بني آدم بكل السبل، إلا عبادَ الله المخلَصين والشاكرين.
﴿ قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ﴾ [الأعراف: 16، 17].
﴿ قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ﴾ [الحجر: 39، 40].
﴿ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ﴾ [ص: 82، 83].

لقد تحوَّل الحسد في نفس إبليس إلى حقد، وإلى تصميم على الانتقام، وإصرار على ملاحقة آدم وذريته مِن بعده، في كل حالة، وعلى إتيانه مِن كل صوب وجهة، وفي كل ساعة ولحظة، إنه يُقسِم بعزة الله ليغوين جميع الآدميين، لا يستثني إلا مَن ليس له عليهم سلطان، لا تطوعًا منه، ولكن عجزًا عن بلوغ غايته فيهم! وبهذا يكشِف عن الحاجز بينه وبين الناجين مِن غَوايته وكيده، والعاصمِ الذي يحول بينهم وبينه، إنه عبادةُ الله التي تخلِصهم لله، هذا هو طوق النجاة، وحبل الحياة.

وبذلك كشَف إبليسُ عن هدفه، ومنهجه، وطريقته في التعامل مع جميع الآدميين، إنها التزيين لهم في الأرض وغَوايتهم، فقد عرَف إبليس من قبلُ أن آدم مخلوق من الأرض، وأن تكوينه الأرضي هو المدخل إلى إغوائه وجعلِه يُفسِد في الأرض، كما قالت الملائكة: ﴿ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ ﴾ [البقرة: 30].

إلا أن إبليس عرَف أيضًا أن آدمَ فيه نفخة مِن رُوح الله، ﴿ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ﴾ [الحجر: 29]؛ لذلك أدرَك أنه لن يستطيع غواية بني آدم في حالة اتصالهم بالله عن طريق هذه الرُّوح، فقرر قائلًا: ﴿ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ﴾ [الحجر: 40]؛ أي: المتصلين بأرواحهم بالله.

ويتضح هنا مِن قول إبليس معرفتُه بدوره وحدود هذا الدور الذي حدده الله له في منظومة خَلْقه، فكان ردُّ إبليس وَفْق إرادة الله وتقديره، وهذا ما قرره الله بعد ذلك في رده على إبليس في قوله: ﴿ قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ * إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ ﴾ [الحجر: 41، 42].

ولكن لماذا كانت إرادة الله كشف إبليس هذا كله تحت نظر وسمع آدم؟
إنها إرادة الله وتقديره؛ ليعرِفَ آدمُ كلَّ هذا، ويستقر في قناعته عداوة إبليس له، وهذا ما سيعلنه له ربُّه لاحقًا، كما يعرف من الآن وذريته مِن بعده كيفية الخلاص مِن هذا العدو.
لننتظر ونرقب الأحداث التالية.

(9) إعطاء الله المشيئة لإبليس للقيام بما توعد به آدم وبنيه، وبيان مصيره ومَن تبعه منهم.
﴿ قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ * إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ [الحجر: 41 - 43].

﴿ قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا * وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا * إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا ﴾ [الإسراء: 63 - 65].
﴿ قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ * لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ [ص: 84، 85].

هنا تأتي إرادةُ الله بإعطاء إبليسَ المشيئة بالقيام بكل ما يستطيع مِن غواية، ولكن مع الوعيد له ومَن يتبعه مِن بني آدم بجهنَّم، كما يبين الله عز وجل تعدُّد وسائل إبليس وجهوده في عمله لإضلال بني آدم.
ولكن لماذا جاء هذا البيان مِن الله لإبليس معلَنًا على سمع آدم؟
إن هذا الرد موجه إلى إبليس، لكنه في الحقيقة بيان لآدم وذريته، بيان لطبيعة المعركة، مسارها ونهايتها، إنها المعركة إذًا بين الشيطان وأبناء آدم، يخوضونها على علم، والعاقبة مكشوفة لهم في وَعْد الله الصادقِ الواضح المبين، وعليهم تبعة ما يختارون لأنفسهم بعد هذا البيان، وقد شاءت رحمةُ الله ألا يدَعَهم جاهلين ولا غافلين.

(10) أمر الله إبليس بالخروج من الجنة للمرة الثانية.
﴿ قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ [الأعراف: 18].
إن هذا هو الأمر الثاني لإبليس بالخروج من الجنة، ومن رحمة الله، بعد توعُّده بإغواء آدم وذريته، ولكن هذا الأمر كان مصحوبًا بتوعُّد الله لإبليس ومَن تبعه مِن ذرية آدم بدخول جهنم، وهذا فيه تحذير لآدمَ وذريته مِن اتباع إبليس.

ولكن لماذا جاء هذا التحذير لآدمَ في هذه المرة؟
في المرة الأولى لم يكن آدمُ قد تشكَّل في ذهنه عداوةُ إبليس له بشكل واضح، ولكن في هذه المرة مِن المؤكد أن آدم قد أدرك هذه العداوة من الأحداث السابقة، وهذا التحذير يزيد مِن إدراك آدم لهذه العداوة.

(11) بيان الله لآدم وزوجه بحقيقة الأمر (عداوة إبليس لهما) وتحذيره لهما.
﴿ فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى * إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى * وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى ﴾ [طه: 117 - 119].
هذا هو البيان الأول الواضح من الله لآدم في نهاية عمليات مشاهدات آدم واستماعه للأحداث السابقة؛ حيث توجه الله لآدم وزوجه مباشرة بالخطاب بقوله لهما: إن هذا الشيطانَ عدوٌّ لهما، وهي العداوة التي جُبِل عليها إبليسُ لآدم.

كما حذرهما ربُّهما مِن إبليس بأنه سيكون السببَ في إخراجهما من الجنة، والشقاء بالخروج منها؛ باتباع غَوايته، بعد الهناء فيها بعدم الجوع والتعري، والظمأ والحر.


وهنا بيان أوَّليٌّ لآدم بمنهج الحياة، وطبيعة الطريق فيها.

الحلقة التالية.







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 19-09-2020, 03:13 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,931
الدولة : Egypt
افتراضي رد: العداوة الأزلية

العداوة الأزلية (3)


أ. د. فؤاد محمد موسى




بسم الله الرحمن الرحيم
سلسلة تأملات تربوية في بعض آيات القرآن الكريم

العداوة الأزلية

﴿ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ ﴾ [طه: 117]
"إبليس"
الحلقة الثالثة
ثالثًا: مرحلة تفاعل آدم المباشر مع إبليس



(1) أمْرُ الله لآدم وزوجه بأن يسكنا الجنة، ويتمتعا فيها بكل شيء ما عدا شجرة فيها:
﴿ وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [البقرة: 35]، ﴿ وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأعراف: 19].

هنا تبدأ مرحلة جديدة لإعداد آدم للخلافة، مرحلة يمارس فيها آدمُ وزوجه دَورَهما ممارسةً حقيقيَّة، مرحلة تتصارع فيها خصائص تكوينهما الأرضي الذي يستخدمه إبليس في إغوائه لهما، مع الخصائص العلوية المتمثِّلة في تكوينهما الروحي.

يتجه خطاب الله إلى آدمَ وزوجه؛ ليعهد إليهما ربهما بأمره في حياتهما؛ فقد أباح لهما كلَّ ثمار الجنة، وأطلق لهما حريةَ الحياة فيها دون تدخل، بإعطائهما المشيئة في الاختيار من كل ثمار الجنة، والتمتُّع بكل ما فيها، إلا شجرة واحدة، حذَّرهما ربُّهما من الاقتراب منها.

ولكن لماذا هذا المباح والتمتع به؟ ولماذا هذا المحظور والنهي عن الاقتراب منه؟
إنها ارادة الله في إطلاق العنان لإشباع الرغبات والشهوات المتمثِّل في الخصائص الأرضية للإنسان، في مقابل الرغبة في طاعة الله بعدم الاقتراب من المحظور المتمثِّل في الخصائص الروحية للإنسان، هذا المحظور الذي يتعلم منه الإنسان أن يقف عند حدٍّ؛ وأن يتدرَّب على الإرادة التي يضبط بها رغباتِه وشهواته، ويستعلي بها على هذه الرغبات والشهوات، فتظل هذه الإرادة حاكمةً لها لا محكومة بها كالحيوان، فهذه هي خاصية "الإنسان" التي يفترق بها عن الحيوان، ويتحقَّق بها فيه معنى "الإنسان".

إن سمو الإنسان ورفعتَه تكون بتحكم تكوين الروح في الإنسان في تكوينه الأرضي، ولكن عندما يتحكم تكوين الإنسان الأرضي في تكوينه الروحي، هنا يكون الانحطاط والتدني.

(2) وسوسة إبليس لآدم وزوجه ليأكلا من الشجرة:
﴿ فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ * وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ ﴾ [الأعراف: 20، 21].
﴿ فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى ﴾ [طه: 120].


لقد وسوس إبليس إلى آدم وحواءَ بأن يأكلا، فناداه باسمه؛ ليكون أكثر إقبالًا عليه، وأمكن في الاستماع إليه، فقال: يا آدم، هل أدلُّك على الشجرة التي مَن أكل منها عاش مخلَّدًا لا يدركه الموتُ، وصار صاحب مُلك لا يفنى، ولا يصبح باليًا أبدًا؟ وقد جاء عرض إبليس في صورة الاستفهام؛ ليشعره بأنه ناصحٌ له وحريص على مصلحته ومنفعته.


لنقفَ هنا لنحلل هذا الموقف: إنها بداية التفاعل المباشر بين إبليس وآدم، تفاعلٌ منطلقُه العداوة من جانب إبليس لآدم، لقد سعى إبليس لإغواء آدم كما توعَّده، فسعى يلاحقه بكل السبل التي علِم ضعفَ آدم فيها، الضعف في الجانب المادي، جانب الأكل من الشجرة المحظورة، من أجل المُلك أو الخلود.
ولننظر ما نتيجة ذلك.


(3) معصية آدم وزوجه لله، وأكلهما من الشجرة نسيانًا لأمر الله تحت وطء وسوسة إبليس:
﴿ فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ ... ﴾ [الأعراف: 22].
﴿ وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا ﴾ [طه: 115].
﴿ فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ﴾ [طه: 121].

نسي آدمُ وزوجه أن إبليس عدوُّهما الذي لا يمكن أن يدلَّهما على خير، وأن الله أمرهما أمرًا عليهما طاعتُه، سواء عرَفا علَّته أم لم يعرِفاها؛ أمرهما بعدم الاقتراب من الشجرة المحرَّمة.


مع هذه النصائح والتحذيرات لم يستطع آدمُ أن يستمر على الاستجابة لنهي ربه إياه عن الأكل من الشجرة، بل تغلَّب عليه ضعفُه؛ فاستمع إلى مكر الشيطان،ونجح إبليس أخيرًا في خداع آدم وحواء حتى استجابا له؛ فدلاهما بغرور فأنزلهما عن رتبة الطاعة إلى رتبة المعصية، وأطمعهما في غير مطمَعٍ، بسبب ما غرهما به من القَسَم.
ولكن ما الآثار التي ترتَّبت على هذه الخديعة من إبليس لهما؟ فلننظر!

(4) انكشاف عورتَي آدم وزوجه، وإحساسهما بالذنب:

﴿ ... فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ ... ﴾ [الأعراف: 22].
لما خالف آدمُ وزوجه أمرَ اللهِ تعالى بأن أكلا من الشجرة التي نهاهما الله عن الأكل منها، أخذتْهما العقوبة وشؤم المعصية، فاستحوذ عليهما الخوفُ والحياء من ربهما، فتساقط عنهما لباسُهما، وظهرت لهما عوراتُهما، فأخذا يفعلان ما يفعل الخائفُ الخجِل عادةً من الاستتار والاستخفاء حتى لا يُرى، وأخذا يلزقان على أجسادهما من ورق الجنة ورقة فوق أخرى ليستُرا عوراتِهما.


ولكن لماذا كانت هذه النتيجة لمعصية آدم وزوجه بهذا الشكل؟
لقد كانت إرادة الله أن تكون النتيجة من عين السببِ، إنها نتيجة مادِّية محسوسة، نتيجة طينية، إخراج من نفس المعصية؛ ليكون إدراكها أوقع على النفس، وأبقى أثرًا في المستقبل.
إنها خطوات تتشكَّل فيها هذه النفس البشرية بتدبير من الله وتحت عينه.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 19-09-2020, 03:16 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,931
الدولة : Egypt
افتراضي رد: العداوة الأزلية

العداوة الأزلية (4)


أ. د. فؤاد محمد موسى





سلسلة تأملات تربوية في بعض آيات القرآن الكريم










العداوة الأزلية



هذا عدو لك ولزوجك



"إبليس"



الحلقة الرابعة



رابعًا: مرحلة التقويم (الوصول إلى هداية الله)























(1) عتاب الله لآدم وزوجه:



﴿ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾ [الأعراف: 22].



نادى الله عزَّ وجل آدمَ وزوجَه معاتبًا وموبِّخًا لهما بتذكيرهما بما قاله لهما من قبلُ؛ بأنَّ الشيطان عدو لهما عداوةً واضحة، فلا يَفتر عن إيذائهما وإيقاع الشرِّ بهما.



ولكن لماذا هذا العتاب؟



ولماذا جاء العتاب في هذا التوقيت؟



ألَم يكْفِ تحذيرُ ربِّهما لهما من قبلُ؟



ولماذا جاء العتاب بهذه الصيغة؟



لقد انتاب آدمَ وزوجه حالةٌ من الذُّهول من هَول الصَّدمة بارتكابهما المعصية، ومخالفة تحذير الله لهما من قبل، وفي هذا الوقت يكون الإنسان في حالة عدم اتِّزان، وشللٍ فكري، ويحتاج إلى مَن يساعده في الخروج من هول الصدمة، ولو ظلَّ في هذه الحالة قد ينتابه حالةٌ من اليأس والقنوط.







هنا تتدخَّل عناية الله ورحمته بنِداء الله لآدم وزوجه، والنِّداءُ في ذاته في هذا الموقف الصعب، وفي هذا التوقيت - رحمةٌ من الله لهما؛ لوقف هذا الذهول والارتباك.







وأمَّا العتاب، ففيه تَذكير لِما هو في صالح آدم وزوجه، وفيه معالجة لعملية النسيان وضعف العزم في آدم؛ ﴿ وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا ﴾ [طه: 115].







فكان نتيجة هذا العتاب بهذا اللطف:



(2) اعتراف آدم وزوجه بالخطأ وطلبهما المغفرة من الله:



﴿ قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [الأعراف: 23].



وهنا التمس آدم وحواء من ربِّهما الصَّفح والمغفرة؛ إنَّها خصيصة "الإنسان" التي تصله بربِّه، وتفتح له الأبواب إليه؛ الاعتراف، والندم، والاستغفار، والشعور بالضَّعف، والاستعانة به، وطلب رحمته، مع اليقين بأنَّه لا حول له ولا قوَّة إلَّا بعون الله ورحمته، وإلَّا كان من الخاسرين.







وهنا يتميَّز الإنسان عن الشيطان بأنَّه ينسى ويخطئ، إنَّ فيه ضعفًا يدخل منه الشيطان، إنَّه لا يلتزم دائمًا ولا يستقيم دائمًا.. ولكنَّه يدرك خطأه، ويعرف زلَّتَه، ويندم ويطلب العون من ربِّه والمغفرة.. إنَّه يَثوب ويتوب، ولا يَلَجُّ كالشيطان في المعصية، ولا يكون طلبه من ربِّه هو العون على المعصية!







فكان نتيجة ذلك:



(3) اجتباء الله لآدم وتوبته عليه وهدايته له:



﴿ فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [البقرة: 37].



﴿ ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى ﴾ [طه: 122].







كان فضل الله تعالى على آدم، بعد أن أكل من الشجرة، وندِم على ما فعل هو وزوجه، وتابَا إلى الله واستغفَرَا من ذنبهما بكلمات من فيض الرحمة الإلهية - أَنِ اصطفاه ربُّه وقرَّبه إليه هو وزوجه، وتاب الله عليهما، وهو التواب الرحيم، وهداه إلى الثبات عليها.







هنا تعلَّم آدم من ربِّه كيف يتوب عن المعاصي بالكلمات التي تلقَّاها من ربه، وكيف يلجأ إلى الله وقت الشدائد، وأن له ربًّا غفورًا توابًا رحيمًا، يتوب عليه إذا أخلص في توبته، وتعلَّم ألَّا يَقنط من رحمة الله.







إنَّ الهداية للإنسان يلزمها قَبولُ التوبة من الله، وقبول التوبة من الله يلزمها اصطفاء من الله وقربٌ منه، واصطفاء الله للإنسان وتقريبه إليه يَلزمه اعتِرافه بالذَّنب وطلب المغفرة من الله.







أي: إنَّ اعتراف الإنسان بذنبه لله، وطلب المغفرة منه بإخلاص نيَّه وإصرارٍ منه على التوبة وعدم العودة إليها - يتبعه قُرب الله منه واصطفاء الله له، ويقبل توبته ويتوب عليه، ومن هنا تكون هداية الله له بعد ذلك، في مسار عمله واجتهاده بتوفيق من الله ورعايته.









الوصول إلى هداية الله




الصعود إلى الهدى



إنَّها تعاملات روحيَّة تربط بين العبد وربه، ولا يستطيع إبليس أن يتدخَّل فيها، وهي مناط العبادة أصلًا؛ اتِّصال روح العبد بربِّه هو اتصالها بمصدرها، فتلوذ إلى كنف ربها، فتكون الراحة والسكينة، والطمأنينة والرضا؛﴿ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي ﴾ [الفجر: 27 - 30].








إنَّ خلاص الإنسان من خطيئته يكون بالتوبة المباشرة في يُسر وبساطة، والطريق مفتوح للتوبة في يُسر وبساطة.. تصور مريح صريح، يوحي إلى كلِّ إنسان باللجوء إلى الله وعدم اليأس والقنوط، إن الله هو التواب الرحيم.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 19-09-2020, 03:17 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,931
الدولة : Egypt
افتراضي رد: العداوة الأزلية

العداوة الأزلية (5)


أ. د. فؤاد محمد موسى





سلسلة تأملات تربوية في بعض آيات القرآن الكريم

العداوة الأزلية

هذا عدو لك ولزوجك

"إبليس"

الحلقة الخامسة

خامسًا: مرحلة الخاتمة أو الغلق



(1) أمْرُ الله لآدم وزوجه بالهبوط إلى الأرض مع إبليس، وإلقاء خطاب التكليف لهما.
﴿ قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [البقرة: 38، 39].


﴿ قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ * قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ ﴾ [الأعراف: 24، 25].


﴿ قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى * وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى ﴾ [طه: 123 - 127].

بعد هذا المشوار الطويل من عمليَّة التدريب طبقًا لقدر الله؛ ﴿ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾ [الطلاق: 3]، جاء الأمر من الله لآدم وزوجه ومعهم إبليس بالهبوط إلى الأرض، مقر حياتهم الدنيوية، ومعهم خطاب التكليف، الذي اشتمل على:
(1) أنَّ آدم وزوجه وذريته وإبليس كل منهم عدو للآخر.
(2) أنَّ الأرض مستقر لحياة آدم وزوجه وذريته الدنيوية، إلى حين انتهاء حياتهم الدنيوية التي قدَّرها الله لكل فرد.
(3) أن في الأرض متاعًا لهم في حياتهم، يتمتعون فيها كما يشاؤون.
(4) أن هناك منهجًا حدَّده الله لهم ليحيوا به في الأرض، فيه الهداية لمن يشاء منهم أن يتَّبعه، هذا المنهج أرسل الله به الرسل وأنزله في كتبه.
(5) أنَّ من يتَّبع هذا المنهج في هذه الحياة الدنيا فلن يضلَّ ولن يشقى في هذه الحياة، ويجدُ في نفسه كلَّ الطمأنينة والرضى والسكينة، ويحيا حياة طيبة.
(6) أنَّ من يخالف هذا المنهج في هذه الحياة الدنيا يضلُّ ويشقى وتكون حياته ضنكًا.
(7) أن الأرض مستقرٌّ لهم بعد موتهم، ومنها يبعثون مرة أخرى.
(8) أن من يتَّبع هذا المنهج في هذه الحياة الدنيا فلا خوف عليه ولا يحزن يوم القيامة، ومصيره الجنة خالدًا فيها أبدًا.
(9) أن من يخالف هذا المنهج في هذه الحياة الدنيا يُحشر يوم القيامة أعمى، ومصيره جهنم خالدًا فيها.

إنه منهج محدَّد الخطوات، واضحة معالمه لا لبس فيه ولا اعوجاج، تمَّ تحديده في هذه الآيات، التي جاءت في صورة خطاب تكليف لآدم وزوجه وذريتهم.
لقد وصلت التجربة لنهايتها، عرف فيها آدم مَهمَّته، وعرف عدوَّه، وخصائص نفسه، وخصائص عدوه وأساليبه، وطبيعة الطريق الذي يسير فيه، وتعلَّم بشتى السبل كيف يسلك في غمار هذا الطريق.
لقد تكشفت خصائص الإنسان الكبرى، وعرفها هو وذاقها، واستعدَّ - بهذا التنبيه لخصائصه الكامنة - لمزاولة اختصاصه في الخلافة، وللدخول في المعركة التي لا تهدأ أبدًا مع عدوه.


أخي المسلم، هل عرفت طريق حياتك الدنيوية؟
ومَن عدوك؟
وما المصير الذي ينتظرك؟
هل اخترت نهايتك؟
وحدَّدت بدايتك؟

ورسمتَ خطاك؟
وتزوَّدت بزادك؟






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 161.71 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 157.98 كيلو بايت... تم توفير 3.74 كيلو بايت...بمعدل (2.31%)]