#1
|
||||
|
||||
تلك النظرة
تلك النظرة نجوى فتحي تمرُّ علينا الأيام والسنون، تَحمل معها ذِكريات، نتذكَّر بعضَها وننسى الآخر، أو نتناساها (إذا صحَّ التعبير)، لا أتذكَّر الكثير عن جَدَّتي لأبي؛ لأني كنتُ صغيرة، غيرَ أنَّها جاءت للعيش معنا قبلَ موتها بمدَّة، وكانت دائمةَ الطَّلبات. لا تترك لأمي وقتًا كي تَستريح، وكنتُ أنا أتذمَّر لأنَّ أمِّي لم تَعُدْ تهتمُّ بنا كما في السابق. ولكن مالم أنسَهُ هي تلك النظرة التي أحاطَت بها جدَّتي أمِّي قبيلَ مغادرتها الدنيا، وبالرغم من التفاف الكل حول سريرها، فإنَّ عَيْن جَدَّتي ظلَّت معلَّقة تُجاه والدتي حتى توفَّاها الله. بالتأكيد حزنتُ عليها، ولكن حزن الصِّغار لا يدوم، غيرَ أنَّ حزني عليها أنساني تلك النَّظرة، ومرَّت السنون سريعًا. ووجدتني أستعد للزَّواج، وقبل الزِّفاف بيومٍ جاءَت والدتي إلى حجرتي، قبَّلَتني ومسحَت على رأسي، وقرأَت ما تيسَّر من القرآن. ثمَّ سألَتني: أتتذكَّرين جدَّتَك؟ أجبتُ: بالتأكيد، رحمها الله! قالت: وهل تتذكَّرين نظرتها لي قبل وفاتها؟ أجبتُ على الفور: نعم، ولكني لم أفهمها. أجابَت: إنَّ جدَّتك أعطَتني السَّعادة يوم اختارتني زوجةً لابنها الذي حفظ عِشْرتي وأكرمني، وهذا أقلُّ شيء أنْ أردَّ لها الجميل، وأتحمَّلها في أيام مرضها. يا بْنتي، افتحي عقلَكِ وقلبَك لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم، تنفتحْ لكِ أبواب الخير كلُّها: ((البرُّ لا يَبلى، والديَّان لا يموت، افعل ما شئتَ، فكما تَدِين تُدان)). علمتُ معنى تلك النظرة؛ لقد كانت شكرًا وتقديرًا وعرفانًا، ممزوجة بالدُّعاء لأمِّي ولأسرتها جزاءً لصنيعها.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |