الترتيب في عناصر الجملة في باب "الأفعال الناسخة" وباب "الحروف الناسخة" - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         معارج البيان القرآني ـــــــــــــ متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 10 - عددالزوار : 7817 )           »          انشودة يا أهل غزة كبروا لفريق الوعد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 37 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4421 - عددالزوار : 859336 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3953 - عددالزوار : 393656 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12535 - عددالزوار : 215877 )           »          مشكلات أخي المصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 75 )           »          المكملات الغذائية وإبر العضلات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 57 )           »          أنا متعلق بشخص خارج إرادتي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 58 )           »          مشكلة كثرة الخوف من الموت والتفكير به (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 59 )           »          أعاني من الاكتئاب والقلق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 56 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها > ملتقى النحو وأصوله
التسجيل التعليمـــات التقويم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 25-06-2023, 11:29 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,062
الدولة : Egypt
افتراضي الترتيب في عناصر الجملة في باب "الأفعال الناسخة" وباب "الحروف الناسخة"

الترتيب في عناصر الجملة في باب "الأفعال الناسخة" وباب "الحروف الناسخة"
عبدالرازق فرج عبدالرازق


مقدمة:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، الداعي إلى رضوانه، وعلى آله وصحبه وخِلِّه وخِلَّانه، وعلى مَن سار على نهجه، واقتفى أثره إلى يوم لقيانه؛ أما بعد:

فإني أغترف في هذا البحث غُرْفَةً من بعض القواعد النحوية، وأخصُّ منها باب النواسخ، الناسخة للمبتدأ والخبر، وأتحدث فيها عن بابي: الأفعال الناسخة (كان وأخواتها)، والأحرف الناسخة (إن وأخواتها)، وما يقع في هذين البابين من ترتيب بين عناصر الجملة، وكيف أن الترتيب في باب الأفعال الناسخة أكثر حرية منه في باب الحروف الناسخة.

وأعرض هذا البحث بفضل من الله في المباحث الآتية:
معنى الناسخ.
الترتيب في باب الأفعال الناسخة.
الترتيب في باب الحروف الناسخة.
النتائج.


المبحث الأول: معنى الناسخ:
"مِنَ النَّسْخ، وهو الإزالة".
الجملة الاسمية في مثل: الرياحين مُتْعة - تتكون من اسمين مرفوعين؛ يسمى أولهما: المبتدأ، وله الصدارة في جملته غالبًا، ويسمى الثاني: خبرًا كما هو معروف، ولكن قد يدخل عليهما ألفاظٌ معينة تغير اسمهما، وحركة إعرابهما، ومكان المبتدأ من الصدارة في جملته؛ ومن هذه الألفاظ: (كانَ، إنَّ، ظنَّ)، ولكل واحدة أخوات؛ مثل: كان العامل أمينًا، وقول الشاعر[1]:
وإذا كانت النفوسُ كبارًا *** تَعِبتْ في مرادها الأجسامُ
فيصير المبتدأ اسم "كان" مرفوعًا، وليس له الصدارة الآن، ويصير خبر المبتدأ خبرَ كان منصوبًا، ويسمى: خبرها. ومثل: إنَّ العاملَ أمينٌ؛ فيصير المبتدأ اسم "إن" منصوبًا، وليس له الصدارة، ويصير خبره خبر "إن" مرفوعًا. ونقول: ظننت العاملَ أمينًا؛ فيصير المبتدأ والخبر مفعولين منصوبين للفعل "ظننت"، وليس للمبتدأ الصدارة[2].

وتسمى الكلمات التي تدخل على المبتدأ والخبر فتغير اسمهما وحركة إعرابهما، ومكان المبتدأ: "النواسخ"، أو: "نواسخ الابتداء"؛ لأنها تحدث نسخًا؛ أي: تغييرًا على الوجه الذي شرحناه، ولا مانع من دخولها على المبتدأ النكرة... فيصير اسمًا لها؛ إذ لا يشترط في اسمها أن يكون معرفة في الأصل، ولكن يشترط في اسمها ألَّا يكون شبه جملة؛ لأن اسمها في أصله مبتدأ، والمبتدأ لا يكون شبه جملة[3].

ومما سبق يتبين أن النواسخ بحسب التغيير الذي تُحدِثه ثلاثة أنواع: نوع يرفع اسمه وينصب خبره - فلا يرفع فاعلًا ولا ينصب مفعولًا - مثل: "كان وأخواتها"، ونوع ينصب اسمه ويرفع خبره؛ مثل: "إن وأخواتها"، ونوع ينصب الاثنين ولا يستغني عن الفاعل؛ مثل: "ظن وأخواتها"، ولكل نوع أخوات وأحكامه المفصلة في بابه الخاص. وكلامنا الآن على: "كان وأخواتها" من الأفعال الناسخة التي تعمل عملها، وتسمى أيضًا: الأفعال الناقصة[4].

المبحث الثاني: الترتيب بين الأفعال الناسخة:
قبل أن أشرع فيما يختص به هذا البحث، كان لزامًا عليَّ أن أوضح الأفعال الناسخة وعددها ومعانيها، ثم أنتقل إلى لُبِّ هذا البحث، وأوضح التقديم والتأخير في هذا الباب.

يقول أبو القاسم الحريري البصري في كتابه "ملحة الإعراب":
عَكْسُ "إِنَّ" يَا أُخَيَّ فِي الْعَمَلْ
كَانَ وَمَا انْفَكَّ الْفَتَى وَلَمْ يَزَلْ
وَهَكَذَا أَصْبَحَ ثُمَّ أَمْسَى
وَظَلَّ ثُمَّ بَاتَ ثُمَّ أَضْحَى
ثُمَّ صَارَ ثُمَّ لَيْسَ مَا بَرِحْ
وَمَا فَتِي فَافْهَمْ بَيَانِي المُتَّضِحْ
وَأُخْتُهَا مَا دَامَ فَاحْفَظَنْهَا
وَاحْذَرْ هُدِيتَ أَنْ تَزِيغَ عَنْهَا
قُولُ: قَدْ كَانَ الأَمِيرُ رَاكِبا
وَقَامَ قُسٌّ فِي عُكَاظٍ خَاطِبا
وَأَصْبَحَ الْبَرْدُ شَدِيدًا فَاعْلَمِ
وَبَاتَ زَيْدٌ سَاهِرًا لَمْ يَنَمِ[5]


أورد أبو القاسم في هذا النظم لباب كان الأفعال الناسخة، وذكر منها الثلاثة عشر حرفًا التي وردت في باب كان وأخواتها؛ وهي كالتالي بنفس ترتيب الناظم:
"كان، ما انفك، ما زال، أصبح، أمسى، ظل، بات، أضحى، صار، ليس، ما برح، ما فتئ، ما دام".

ثم بعد أن بيَّن الناظم أخوات كان في هذا الباب، ذكر لنا أمثلة على هذا فقال: كان الأمير راكبًا، أصبح البرد شديدًا، بات زيدٌ ساهرًا[6].

وفي كل الأمثلة السابقة تبين لنا ترتيب الجملة وهي كالتالي:
الفعل الناسخ: "كان، أصبح، بات".
اسمه: "الأمير، البرد، زيد".
خبره: "راكبًا، شديدًا، ساهرًا".



وهذا هو الترتيب على الأصل، لكن كيف يمكن التغيير في هذا الترتيب، هذا ما سنعرضه فيما يلي:
الصورة الأولى:
أن يكون الترتيب على الأصل، فيأتي هكذا: (الفعل الناسخ + الاسم + الخبر)؛ ومن ذلك قول القرآن: ﴿ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا ﴾ [الفتح: 14].

هذا هو الترتيب الأصلي للجملة في باب كان وأخواتها (كان "الناسخ"، اسمها "لفظ الجلالة الله"، خبرها "غفورًا").

الصورة الثانية:
أن يتوسط الخبر بين الفعل الناسخ والاسم، فيأتي الترتيب هكذا: (الفعل الناسخ + الخبر + الاسم)؛ ومن ذلك قول القرآن: ﴿ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الروم: 47].

وهذه الصورة ما تسمى بـ"توسط الخبر"؛ أي: بين الفعل واسم الفعل الناسخ، وكما ذُكر في المثال السابق: (كان "الناسخ"، حقًّا "الخبر"، نصر "الاسم").

وقول السموءل بن عاديا:
سلي إنْ جهِلْتِ الناسَ عنَّا وعنهمُ *** فليس سواءً عالمٌ وجهولُ[7]
وقول الآخر:
لا طيبَ للعَيشِ ما دامتْ منغَّصَةً *** لذَّاتُهُ بادِّكارِ الموتِ والهَرَمِ[8]
الصورة الثالثة:
أن يتقدم الخبر على الناسخ، وبذلك يكون الترتيب: (الخبر + الفعل الناسخ + الاسم)، تقول: "مَطْلَبًا كريمًا ما زالت الحريةُ وغُنْمًا كبيرًا يصبح الحصول عليها".

هذه هي الصورة الأخيرة من صور الترتيب في عناصر الجملة في باب كان وأخواتها، وهو كالتالي:
(مطلبًا، غنمًا "الخبر"، ما زالت، يصبح "الناسخ"، الحرية، الحصول "الاسم")[9].

هذا هو أصل الموضوع، يصحُّ في الخبر أن يتأخر، ويمكن أن يأتيَ في الكلام متوسطًا، ويمكن أن يأتي متقدمًا على الفعل الناسخ نفسه.

لكن ينبغي أن يُؤخَذَ في الاعتبار - مع هذا الأصل - الملاحظات الآتية:
أولًا: يمكن أن يُتصوَّرَ صورة رابعة مع هذه الصور الثلاث، وهي تقدم الاسم على الناسخ؛ إذ يقال في "أصبح الجوُّ صحوًا"، يقال: "الجوُّ أصبح صحوًا"، وهذا أمر غير وارد هنا؛ لأن الجملة كلها تصير اسمية مكونة من مبتدأ هو كلمة "الجو"، والخبر هو الجملة الناسخة، وقد جاءت مرتبة على الأصل، فهي بهذا الاعتبار من الصورة الأولى[10].

ثانيًا: لم يرِدْ في اللغة تقدم الخبر على الفعلين "ليس، دام"، وهذا هو رأي جمهور النحاة[11].

ثالثًا: إذا كان خبر المبتدأ مما يجب أن يتأخر عن المبتدأ، أو مما يجب تقدمه على المبتدأ، ثم دخل عليه الفعل الناسخ، فإنه يبقى له موضعه في الترتيب وجوبًا، فالكلام هنا إذًا إنما هو عن المبتدأ والخبر اللذين يصح فيهما التقدم والتأخر[12].

رابعًا: هناك خلاف كثير متشعب حول ما إذا تقدم معمول الخبر، ويقصد به ما إذا كان الخبر فعلًا أو اسمًا شبيهًا بالفعل وله مفعول، فجاء حينئذٍ بعد الفعل الناسخ مباشرة، مثل: "بات الشرطيُّ مؤدِّيًا واجبَهُ"؛ حيث يقال: "بات واجِبَه الشرطيُّ مؤدِّيًا"، والحق أن هذا الخلاف لا فائدة فيه، وأن تأويلات النحاة للنصوص التي وردت عنه تأويلات متكلفة، والذي أراه أن هذا الاستعمال يقبله الذوق اللغوي وبخاصة في الشعر، وأنه قد ورد في نصوص صحيحة لا داعيَ لإجهادها ذهنيًّا بالتأويل المتكلف؛ ومن ذلك:
قول الشاعر:
باتت فؤاديَ ذاتُ الخالِ سالبةً *** فالعيشُ إن حُمَّ لي عيشٌ من العَجَبِ[13] [14]

ملخص المبحث:
حاصل القول في هذا الموضوع أن لخبر كان وأخواتها ستةَ أحوال:
الأول: وجوب التأخير، وذلك في مسألتين؛ إحداهما: أن يكون إعراب الاسم والخبر جميعًا غير ظاهر؛ نحو: كان صديقي عدوي، وثانيتهما: أن يكون الخبر محصورًا؛ نحو قوله تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً ﴾ [الأنفال: 35]، والمكاء: التصفير، والتصدية: التصفيق[15].

الثاني: وجوب التوسط بين العامل واسمه، وذلك في نحو قولك: يعجبني أن يكون في الدار صاحبها، فلا يجوز في هذا المثال تأخير الخبر عن الاسم؛ لئلا يلزم منه عَوْدُ الضمير على متأخر لفظًا ورتبة، كما لا يجوز أن يتقدم الخبر على "أن" المصدرية؛ لئلا يلزم تقديم معمول الصلة على الموصول، فلم يبقَ إلا توسط هذا الخبر على ما ذكرنا[16].

الثالث: وجوب التقدم على الفعل واسمه جميعًا، وذلك فيما إذا كان الخبر مما له الصدارة كاسم الاستفهام؛ نحو: "أين كان زيد؟".

الرابع: امتناع التأخر عن الاسم، مع جواز التوسط بين الفعل واسمه أو التقدم عليهما، وذلك فيما إذا كان الاسم متصلًا بضمير يعود على بعض الخبر، ولم يكن ثمة مانعٌ من التقدم على الفعل، نحو: "كان في الدار صاحبها، وكان غلام هند بعلها"، يجوز أن تقول ذلك، ويجوز أن تقول: "في الدار كان صاحبها، وغلام هند كان بعلها" بنصب غلام، ولا يجوز في المثالين التأخير عن الاسم[17].

الخامس: امتناع التقدم على الفعل واسمه جميعًا، مع جواز توسطه بينهما أو تأخره عنهما جميعًا؛ نحو: "هل كان زيد صديقك؟"، ففي هذا المثال يجوز هذا، ويجوز: "هل كان صديقك زيد؟"، ولا يجوز تقديم الخبر على "هل"؛ لأن لها صدر الكلام، ولا توسيطه بين هل والفعل؛ لأن الفصل بينهما غير جائز[18].

السادس: جواز الأمور الثلاثة؛ نحو: "كان محمد صديقك"، يجوز فيه ذلك، كما يجوز أن تقول: "صديقك كان محمد"، وأن تقول: "كان صديقك محمد"، بنصب الصديق[19].


المبحث الثالث: الترتيب في باب الحروف الناسخة:
إن وأخواتها من الحروف الناسخة، التي تنسخ حكمي المبتدأ والخبر كما هو الحال في باب "كان وأخواتها"، إلا أن عمل "إن وأخواتها" عكس عمل "كان وأخواتها"؛ فتنصب "إن" المبتدأ فيصير اسمًا لها، وترفع الخبر فيصير خبرًا لها.

يقول جمال الدين بن هشام في كتابه "شرح قطر الندى وبل الصدى":
"إن وأخواتها:
إنَّ وأنَّ للتأكيد، ولكنَّ للاستدراك، وكأنَّ للتشبيه أو الظن، وليت للتمني، ولعل للترجي أو الإشفاق أو التعليل، فينصبن المبتدأ اسمًا لهن ويرفعن الخبر خبرًا لهن"[20].

ومعاني هذه الحروف مختلفة؛ فمعنى إنَّ وأنَّ جميعًا التحقيق، ومعنى كأنَّ التشبيه، ومعنى لكنَّ الاستدراك، ومعنى ليت التمني، ومعنى لعل التوقع والرجاء[21].

وعلى هذا النحو يتبين لنا أن "إن وأخواتها" ستة أحرف؛ وهم: (إن، أن، لكن، كأن، ليت، لعل).

ومما اختص فيه هذا البحث هو الحديث عن الترتيب بين عناصر الجملة في هذا الباب "باب إن وأخواتها"، أو التقديم والتأخير في هذا الباب.

والأمثلة كما سبق بيانه: تقول: إنَّ مالكًا لَعَالِمُ، نأخذ منه أيضًا أنه لا بد من الترتيب، وهذا هو الشرط الثاني لإعمال "إن وأخواتها" أن يتقدم الاسم على الخبر، ولا يجوز أن يقال: إنَّ قائمٌ زيدًا، وإن جاز في باب كان، كما في قوله تعالى: ﴿ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الروم: 47]، وقوله: قائمًا كان زيدٌ، فجاز أن يتقدم الخبر على الاسم، بل على "كان" نفسها؛ لأن العامل إذا كان فعلًا فمعمولاته يُتوسَّعُ فيها من جهة التقديم والتأخير؛ لقوة العامل، أما إذا كان حرفًا فحينئذٍ إعمالُهُ ضعيف، فكل حرف إذا أُعمل ففيه ضعف، ووجه ضعفه أن الأصل فيه ألَّا يعمل، فحينئذٍ يبقى الترتيب كما هو: إن زيدًا عالمٌ، لا يُقال: زيدًا إنَّ عالمٌ، ولا يقال: إنَّ عالمٌ زيدًا، واستُثنيَ الظرف والجار والمجرور إذا وقعا خبرًا، كما قال ابن مالك[22]:
وَرَاعِ ذَا التَّرْتِيبَ إِلَّا فِي الَّذِي *** كَلَيتَ فِيهَا أَوْ هُنَا غَيرَ البَذِي
ومنه قوله تعالى: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً ﴾ [آل عمران: 13]: إن حرف توكيد ونصب، و"في ذلك" جارٌّ ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم، و"لعبرةً" اسم إن منصوب بها وهو متأخر، والذي جوَّز هنا تقديم الخبر على المبتدأ كَونُ الخبر جارًّا ومجرورًا؛ لأنهم يتوسعون في المجرورات والظروف ما لا يتوسعون في غيرها[23].

وعلى هذا النحو الذي ذكرناه يتبين أنه يجب الترتيب بين عناصر الجملة في باب الحروف الناسخة "إن وأخواتها"، فيكون الترتيب على الأصل؛ وهو: (الناسخ + الاسم + الخبر)، وكما وضحنا أن الخبر يتقدم في حالات قليلة وبشروط معينة، وذكرنا أن النحاة أجازوا تقدم الخبر إذا كان جارًّا ومجرورًا، أو أن يكون ظرفًا على النحو الذي أفضنا فيه البحث.

وبهذا أكون قد أنهيت المبحث الثالث في بيان الترتيب بين عناصر الجملة في باب الحروف الناسخة كما ورد في المبحثين اللذَيْن أتيا قبله في بيان معنى الناسخ، والترتيب بين عناصر الجملة في باب كان وأخواتها.

النــتــائـج:
التعرف على أسماء أمهات الكتب في النحو، وبعض المراجع الهامة.
التعرف على معنى الناسخ.
التعرف على ماهية النواسخ.
أن الترتيب في باب "كان" أكثر حرية منه في باب "إن وأخواتها".


أن الترتيب في باب "كان" قد يأتي على ست حالات بالنسبة لخبر "كان وأخواتها":

1. وجوب التأخير.
2. وجوب التوسط.
3. وجوب التقدم على الاسم والفعل جميعًا.
4. امتناع التأخر عن الاسم، مع جواز التوسط بين الفعل واسمه أو التقدم عليهما.
5. امتناع التقدم على الفعل واسمه جميعًا، مع جواز توسطه بينهما أو تأخره عنهما جميعًا.
6. جواز الأمور الثلاثة؛ نحو: "كان محمد صديقك" يجوز فيه ذلك، كما يجوز أن تقول: "صديقك كان محمد"، وأن تقول: "كان صديقك محمد"، بنصب الصديق.

أن الترتيب في باب "إن وأخواتها" واجب الترتيب على الأصل، واستثنى النحاة من ذلك الجار والمجرور والظرف، وأجازوا أن يتقدم الخبر على الاسم في هاتين الحالتين.


وغير ذلك مما لا يسع المقام ذكره.

المصـــادر:
1) القرآن الكريم.

2) النحو الوافي؛ المؤلف: عباس حسن (ت: 1398هـ)، الناشر: دار المعارف، الطبعة: الطبعة الخامسة عشرة، عدد الأجزاء: 4.

3) اللمحة في شرح الملحة؛ المؤلف: محمد بن حسن بن سِباع بن أبي بكر الجذامي، أبو عبدالله، شمس الدين، المعروف بابن الصائغ (ت: 720هـ)، المحقق: إبراهيم بن سالم الصاعد، الناشر: عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية، المدينة المنورة، المملكة العربية السعودية، الطبعة: الأولى، 1424هـ/ 2004م، عدد الأجزاء: 2.

4) النحو المصفَّى؛ المؤلف: محمد عيد، الناشر: مكتبة الشباب، عدد الأجزاء: 1.

5) شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك؛ المؤلف: ابن عقيل، عبدالله بن عبدالرحمن العقيلي الهمداني المصري (ت: 769هـ)، المحقق: محمد محيي الدين عبدالحميد، الناشر: دار التراث، القاهرة، دار مصر للطباعة، سعيد جودة السحار وشركاه، الطبعة: العشرون، 1400هـ - 1980م، عدد الأجزاء: 4.

6) شرح قطر الندى وبل الصدى؛ المؤلف: عبدالله بن يوسف بن أحمد بن عبدالله ابن يوسف، أبو محمد، جمال الدين، ابن هشام (ت: 761هـ)، المحقق: محمد محيي الدين عبدالحميد، الناشر: القاهرة، الطبعة: الحادية عشرة، 1383، عدد الأجزاء: 1.

7) اللمع في العربية؛ المؤلف: أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ)، المحقق: فائز فارس، الناشر: دار الكتب الثقافية، الكويت، عدد الأجزاء: 1.

8) فتح رب البرية في شرح نظم الأجرومية (نظم الأجرومية لمحمد بن أبَّ الشنقيطي)، المؤلف (مؤلف الشرح): أحمد بن عمر بن مساعد الحازمي، الناشر: مكتبة الأسدي، مكة المكرمة، الطبعة: الأولى، 1431هـ - 2010م، عدد الأجزاء: 1.

[1] النحو الوافي؛ المؤلف: عباس حسن (المتوفى: 1398هـ)، الناشر: دار المعارف، الطبعة: الخامسة عشرة، عدد الأجزاء: 4، صفحة: 543.

[2] المصدر السابق نفسه، صفحة: 543.

[3] المصدر السابق نفسه، صفحة: 544.

[4] المصدر السابق نفسه، صفحة: 545.

[5] اللمحة في شرح الملحة؛ المؤلف: محمد بن حسن بن سِباع بن أبي بكر الجذامي، أبو عبدالله، شمس الدين، المعروف بابن الصائغ (المتوفى: 720هـ)، المحقق: إبراهيم بن سالم الصاعد، الناشر: عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية، المدينة المنورة، المملكة العربية السعودية، الطبعة: الأولى، 1424هـ/ 2004م، عدد الأجزاء: 2، صفحة: 73.

[6] "كان، وأصبح، وبات" كلها أفعال ناسخة ناقصة مبنية على الفتح.
"الأمير، البرد، زيد" اسم الفعل الناسخ مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة.
"راكبًا، شديدًا، ساهرًا" خبر الفعل الناسخ منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.

[7] الشاهد في: "ليس سواءً عالمٌ وجهول"؛ حيث توسط الخبر وهو "سواء" بين الفعل الناسخ وهو "ليس" والاسم المؤخر وهو "عالم وجهول".

[8] منغصة: مكدرة، ادِّكار: تذكُّر، الهرم بفتح الهاء والراء: أقصى الكبر.

[9] الصور الثلاث مأخوذة من كتاب: النحو المصفى؛ المؤلف: محمد عيد، الناشر: مكتبة الشباب، عدد الأجزاء: 1، صفحة: 245.

[10] النحو المصفى؛ المؤلف: محمد عيد، الناشر: مكتبة الشباب، عدد الأجزاء: 1، صفحة: 248.

[11] المصدر السابق نفسه.

[12] المصدر السابق نفسه.

[13] الخال كما جاء في القاموس: شامة في البدن، حُمَّ لي: قُدِّر لي، يقول: إن هذه المرأة الجميلة ذات الخال استولت على قلبي، وأخذته، فكيف أعيش دون قلب؟ لو حدث هذا لكان من العجب.
الشاهد في: "باتت فؤادي ذات الخال سالبة"، وأصل الجملة: "باتت ذات الخال سالبة فؤادي"، فكلمة "فؤادي" مفعول به لاسم الفاعل "سالبة"، وقد تقدم المفعول به فجاء بعد الفعل الناسخ مباشرة.

[14] النحو المصفى؛ المؤلف: محمد عيد، الناشر: مكتبة الشباب، عدد الأجزاء: 1، صفحة: 248.

[15] شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك؛ المؤلف: ابن عقيل، عبدالله بن عبدالرحمن العقيلي الهمداني المصري (المتوفى: 769هـ)، المحقق: محمد محيي الدين عبدالحميد، الناشر: دار التراث، القاهرة، دار مصر للطباعة، سعيد جودة السحار وشركاه، الطبعة: العشرون، 1400هـ - 1980م، عدد الأجزاء: 4، صفحة: 272.

[16] المصدر السابق نفسه.

[17] المصدر السابق نفسه.

[18] المصدر السابق نفسه.
[19] المصدر السابق نفسه.

[20] شرح قطر الندى وبل الصدى؛ المؤلف: عبدالله بن يوسف بن أحمد بن عبدالله ابن يوسف، أبو محمد، جمال الدين، ابن هشام (المتوفى: 761هـ)، المحقق: محمد محيي الدين عبدالحميد، الناشر: القاهرة، الطبعة: الحادية عشرة، 1383، عدد الأجزاء: 1، صفحة: 147.

[21] اللمع في العربية؛ المؤلف: أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (المتوفى: 392هـ)، المحقق: فائز فارس، الناشر: دار الكتب الثقافية، الكويت، عدد الأجزاء: 1، صفحة: 41.

[22] فتح رب البرية في شرح نظم الأجرومية (نظم الأجرومية لمحمد بن أبَّ الشنقيطي)؛ المؤلف (مؤلف الشرح): أحمد بن عمر بن مساعد الحازمي، الناشر: مكتبة الأسدي، مكة المكرمة، الطبعة: الأولى، 1431هـ - 2010م، عدد الأجزاء: 1، صفحة: 387.

[23] المصدر السابق نفسه.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع



 

[حجم الصفحة الأصلي: 69.84 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 67.50 كيلو بايت... تم توفير 2.34 كيلو بايت...بمعدل (3.35%)]