دقة الإمام البخاري في إيراد ألفاظ الحديث: دراسة تحليلية لحديث في النياحة - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         6 وصفات طبيعية لتفتيح البقع الداكنة والحصول على بشرة مشرقة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 47 )           »          هذه القاعدة ليست عبثًا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 57 )           »          عقوق الوالدين.. أسباب وآثار وطرق العلاج (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 47 )           »          المشروع الشيعي الفارسي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 269 )           »          الإسراء والمعراج في القرآن الكريم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 52 )           »          الوحدة الإسلامية في مواجهة إملاءات "ترامب" بشأن غزة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 46 )           »          مكارم الأخلاق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 15 - عددالزوار : 2901 )           »          هل يقتصر معنى الضرر والعجز في الجهاد على المعنى الحسي؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 59 )           »          قصة وفاء بين زوجين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          نصائح وضوابط إصلاحية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 32 - عددالزوار : 7910 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 20-01-2025, 11:07 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 146,601
الدولة : Egypt
افتراضي دقة الإمام البخاري في إيراد ألفاظ الحديث: دراسة تحليلية لحديث في النياحة

دقة الإمام البخاري في إيراد ألفاظ الحديث

دراسة تحليلية لحديث في النياحة

أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب


الحمد لله الذي أكرم الأمة بعلماءَ بذلوا حياتهم في خدمة الحديث الشريف، وعلى رأسهم إمام أهل الحديث بلا منازع، أبو عبدالله محمد بن إسماعيل البخاري، لقد تميَّز البُخاريُّ بدقة منهجه، وشدة تحرِّيه في جمع الأحاديث وانتقائها، مما جعل كتابه "صحيح البخاري" أعظمَ كتب السُّنَّة وأوثقها، ومن يتأمل صنيعه في إيراد الأحاديث وألفاظها يجد بديعَ صنعته، وحرصه على توضيح المعاني واستبعاد ما لا يثبت بدقة علمية، هذا البحث محاولة لتسليط الضوء على نموذج من دقة الإمام البخاري في إيراد الأحاديث وألفاظها، من خلال دراسة إحدى الروايات المشهورة وتحليلها عبر المصادر المختلفة.

أخرج ابن سعد في "الطبقات ط الخانجي" (10/ 8) قال:
وأخبرنا عفان بن مسلم، أخبرنا عَمْرو بن فرُّوخ، أخبرنا مُصعب بن نوح، قال: أدركتُ عجوزًا لنا ممن بايع النبيَّ صلى الله عليه وسلم، ((فأتَتْهُ تبايعه، قالت: فأخذ علينا فيما أخذ ألَّا نَنُحْنَ، قالت عجوز: يا رسول الله، إنَّ ناسًا أسعدوني على مصابة أصابتني، وإنَّهم أصابتهم مصيبة، فأنا أريد أن أُسْعِدهم، قال: انطلقي فأسعديهم، فانطلقتُ ثمَّ أتيتُه فبايعته، وقالت: هو المعروف الذي قال الله تعالى: ﴿ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ ﴾ [الممتحنة: 12])).

ابن سعد لم يشترط الصحة في كتابه "الطبقات"، فأورد هذا الخبر بهذه الصيغة في كتابه، وفي أثناء مدارسة هذا الخبر مع الأخ الحبيب الشيخ رامي مصطفى حفظه الله، أَشْكَلَ عليَّ لفظة: (انطلقي فأسعديهم)؛ لورود الأخبار الصحيحة في النهي عن النياحة، بل إن الخبر التاليَ لهذا الخبر في كتاب "الطبقات" فيه بيان ذلك، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرخِّص للمرأة التي سألته أكثر من مرة في النياحة، هذه واحدة، يمكنك الجواب عنها أن هذا كان استثناء من رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو بأي جواب آخر.

أما الثانية، فلو أن هذه المرأة التي ذكرت الرواية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: ((انطلقي فأسعديهم))، وفي روايات أخرى يأتي تخريجها معنا إن شاء الله: ((انطلقي فكافئيهم))، وأخَّرت البيعة، كانت قد ماتت قبل أن تبايع على الإسلام، ما كان وضعها؟

اعلم - رحمني الله وإياك - أن هذا ليس تكلُّفًا، فقد أتى في سياق المذاكرة، يمكنك الجواب أن هذا وحي أُوحي به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا محل للسؤال، لكن على كل حال قبل تكلُّف الجواب، لنتوقف ونبحث في صحة الحديث، وثبوت اللفظة، لعلنا نجد الجواب بفضل الله ورحمته.

أما خبر ابن سعد، فقد أخرجه الطبري في "تفسيره ت التركي" (22/ 598)، والخطيب البغدادي في "المؤتنف تكملة المؤتلف والمختلف، ط المكتبة العمرية، دار الذخائر" (2/ 520/ 1758)، وابن الجوزي في "جامع المسانيد" (8/ 440/ 7784)، من طريق عُمَر بن فَرُّوخ القَتَّابُ، عن مُصْعَب بن نُوح الأَنْصَاري، بلفظه.

لفظ الطبري: ((قال: فانْطَلِقي فكافِئيهم)).

وعَزَاه السيوطي في "الدر المنثور ط دار الفكر" (8/ 141) لأحمد، وعبد بن حميد، وابن سعد، وابن مردويه، وقال: بسند جيد.

وأخرجه البخاري في "صحيحه" في موضعين:
أخرج البخاري في "صحيحه" (4892) قال: حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُالْوَارِثِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رضي الله عنها قَالَتْ: ((بَايَعْنَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَرَأَ عَلَيْنَا: ﴿ أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا ﴾ [الممتحنة: 12]، وَنَهَانَا عَنِ ‌النِّيَاحَةِ، فَقَبَضَتِ امْرَأَةٌ يَدَهَا، فَقَالَتْ: أَسْعَدَتْنِي فُلَانَةُ، أُرِيدُ أَنْ أَجْزِيَهَا، فَمَا قَالَ لَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا، فَانْطَلَقَتْ وَرَجَعَتْ، فَبَايَعَهَا)).

وأخرج في "صحيحه" (7215) قال: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُالْوَارِثِ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ حَفْصَةَ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: ((بَايَعْنَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَرَأَ عَلَيَّ: ﴿ أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا ﴾ [الممتحنة: 12]، وَنَهَانَا عَنِ ‌النِّيَاحَةِ، فَقَبَضَتِ امْرَأَةٌ مِنَّا يَدَهَا، فَقَالَتْ: فُلَانَةُ أَسْعَدَتْنِي، وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَجْزِيَهَا، فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا، فَذَهَبَتْ ثُمَّ رَجَعَتْ، فَمَا وَفَتِ امْرَأَةٌ إِلَّا أُمُّ سُلَيْمٍ، وَأُمُّ الْعَلَاءِ، وَابْنَةُ أَبِي سَبْرَةَ امْرَأَةُ مُعَاذٍ، أَوِ ابْنَةُ أَبِي سَبْرَةَ، وَامْرَأَةُ مُعَاذٍ)).


فالخبر صحيح ثابت لا مِرْيَةَ فيه، لإخراج البخاري له، ولكن تأمَّل قول البخاري في الموضع الأول: ((فَمَا قَالَ لَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا))، وفي الموضع الثاني: ((فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا))، فليس فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجازها في ذلك، ولم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم قطُّ: ((انطلقي فأسعديهم))، أو ((انطلقي فكافئيهم)).

أما إسناد ابن سعد والطبري، والبغدادي وابن الجوزي، والسيوطي: فيه مصعب بن نوح هو الأنصاري.

قال شمس الدين الحسيني في "الإكمال في ذِكْرِ مَن له رواية في مسند الإمام أحمد من الرجال سوى من ذُكِرَ في تهذيب الكمال - منشورات جامعة الدراسات الإسلامية، كراتشي - باكستان" (ص 410) رقم (853): "مُصعب بن نوح الْأنْصَارِي قَالَ: أدْركْتُ عجوزًا لنا كَانَت فِيمَن بَايَعت النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام، وَعنهُ عَمْرو بن فروخ ذكره ابن حبَّان فِي الثِّقَات، وَقَالَ ابن أبي حَاتِم: سَمِعت أبي يَقُول: هُوَ مَجْهُول".

قال ابن حبان في "الثقات – ط دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الدكن الهند" (7/ 479) رقم (11035): "مصعب بن نوح الأنصاري يروي المقاطيع، روى عنه عمرو بن فرُّوخ".

قال ابن حجر في "تعجيل المنفعة ط دار البشائر" (2/ 264) رقم (1043): "مُصعب بن نوح الْأنْصَارِي قَالَ: أدْركْتُ عجوزًا لنا بَايَعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَعنهُ عمر بن فروخ قَالَ أَبُو حَاتِم: مَجْهُول، وَذكره ابن حبَّان فِي الثِّقَات، قلت: لكنه ذكره فِي الطَّبَقَة الثَّالِثَة، فَقَالَ: يروي المقاطيع، فَكَأَنَّهُ عِنْده لم يسمع من الصحابية الْمَذْكُورَة".

قال ابن الجوزي في "الضعفاء والمتروكون، ط دار الكتب العلمية" (3/ 123) رقم (3338): "مُصعب بن نوح قَالَ الرَّازِيُّ: مَجْهُول".

فهذا إسناد ضعيف بلا شك، ولا وجه لمقارنته مع إسناد البخاري، ولم أقف على لفظ: ((اذهبي فأسعديهم))، أو ((اذهبي فكافئيهم))، إلا بهذا الإسناد التالف، ولا تثبت به هذه اللفظة أبدًا بحال.

فتأمل صنيع الإمام البخاري في انتقاء أسانيد نقية كالشمس، وفي تحرِّي أدق الألفاظ، وتأمل كذلك صنيع الإمام أحمد عندما أخرج هذا الحديث في "مسنده ط الرسالة" (16556) من نفس طريق ابن سعد قال: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ فَرُّوخَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُصْعَبٌ - أَدْرَكْتُ - الْأَنْصَارِيُّ، قَالَ: ‌أَدْرَكْتُ ‌عَجُوزًا ‌لَنَا كَانَتْ فِيمَنْ بَايَعْنَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: أَتَيْنَاهُ يَوْمًا، فَأَخَذَ عَلَيْنَا أَلَّا تَنُحْنَ، قَالَتِ الْعَجُوزُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ نَاسًا قَدْ كَانُوا أَسْعَدُونِي عَلَى مُصِيبَةٍ أَصَابَتْنِي، وَإِنَّهُمْ أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ، وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُسْعِدَهُمْ، ثُمَّ إِنَّهَا أَتَتْهُ فَبَايَعَتْهُ، وَقَالَتْ: هُوَ الْمَعْرُوفُ الَّذِي قَالَ اللهُ عز وجل: ﴿ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ ﴾ [الممتحنة: 12])).

تأمل كيف أعرض الإمام أحمد عن ذكر هذه اللفظة أيضًا، مع أنه أتى بالخبر من نفس إسناد ابن سعد؟ لله درُّ الإمامين أحمدَ والبخاريِّ.

يبقى لنا تخريج مسلم في "صحيحه ط التركية" (3/ 46/ 937) قال: وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ - جَمِيعًا - عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، قَالَ زُهَيْرٌ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَازِمٍ حَدَّثَنَا عَاصِمٌ، عَنْ حَفْصَةَ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: ((لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا... وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ ﴾ [الممتحنة: 12]، قَالَتْ: كَانَ مِنْهُ النِّيَاحَةُ، قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِلَّا آلَ فُلَانٍ؛ فَإِنَّهُمْ كَانُوا أَسْعَدُونِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَا بُدَّ لِي مِنْ أَنْ أُسْعِدَهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: إِلَّا آلَ فُلَانٍ)).

قال النووي في "المنهاج" (6/ 533): "وَاسْتَشْكَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ هَذَا الْحَدِيثَ، وَقَالُوا فِيهِ أَقْوَالًا عَجِيبَةً".

وقال القرطبي في "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب صحيح مسلم" (2/ 590): "وقول أم عطية عند المبايعة: إلا آل فلان، فإنهم كانوا أسعدوني في الجاهلية فلا بدَّ لي من أن أُسعدهم، فقال: إلا آل فلان، أَشْكَلَ هذا الحديثُ على العلماء، وكثُرت فيه أقوالهم، فقيل فيه: إن هذا كان قبل تحريم النياحة، وهذا فاسد بمساق حديث أم عطية هذا، فإن فيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ عليهن في البيعة: ألَّا يَنُحْن، وذكر النياحة مع الشرك، وألَّا يعصينه في معروف، فلولا أن النياحة محرَّمة، لما أكدَّ أمرها عليهن، وذكرها في البيعة مع محظورات أُخَرَ، ولَمَّا فهمت أم عطية التحريم استثنت.

وثانيها: أن ذلك خاص بأم عطية، وهذا أيضًا فاسد، فإنه لا يخصُّها بتحليل ما كان من قبيل الفواحش؛ كالزنا والخمر.

وثالثها: أن النهي عن النياحة إنما كان على جهة الكراهة، لا على جهة العزم والتحريم، وهذا أيضًا فاسد بما تقدَّم، وبقوله: ((أربع في أمتي من أمر الجاهلية))، وبقوله: ((النائحة إذا لم تَتُبْ جاءت يوم القيامة وعليها سربالٌ من قطران، ودرع من حرب))، وهذا وعيد يدل على أنه من الكبائر.

ورابعها: أن قوله صلى الله عليه وسلم: ((إلا آل فلان))، ليس فيه نصٌّ على أنها تساعدهم بالنِّياحة، فيمكن أنها تساعدهم باللقاء والبكاء الذي لا نياحة فيه، وهذا أشبهُ مِمَّا قبله.

وخامسها: أن يكون قوله: ((إلا آل فلان)) إعادةً لكلامها على جهة الإنكار والتوبيخ؛ كما قال للمستأذن حين قال: أنا، فقال صلى الله عليه وسلم: ((أنا أنا))، مُنكرًا عليه، ويدل على صحة هذا التأويل ما زاد النسائي في حديثٍ بمعنى حديث أم عطية، فقال: ((لا إسعاد في الإسلام))؛ أي: على النياحة، والله أعلم".

قلت: أما صنيع الإمام مسلم في "صحيحه" فمنه أنه يُورِد أحاديثَ معلولةً ليبين علتها، ويأتي بها في آخر الباب، كما فعل في حديثنا هذا، فقد أورد قبل هذا الحديث خمسة أحاديث فيها النهي الصريح عن النياحة؛ قال أبو عمرو بن الصلاح في "صيانة صحيح مسلم" (ص 91): "فَإِنَّهُ ذكر فِي كِتَابه هَذَا أَحَادِيث الطَّبَقَة الأولى وَجعلهَا أصولًا، ثمَّ أتْبَعها بِأَحَادِيث الطَّبَقَة الثَّانِيَة على سَبِيل الْمُتَابَعَة والاستشهاد، وَلَيْسَ مُرَاد مُسلم بذلك إِيرَاد الطَّبَقَة الثَّانِيَة مُفْردَة، وَكَذَلِكَ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ مُسلم من أَنه يذكر علل الْأَحَادِيث قد وفَّى بِهِ فِي هَذَا الْكتاب فِي ضمن مَا أَتَى بِهِ فِيهِ من جمع الطُّرق والأسانيد وَالِاخْتِلَاف".

وفي هذا الحديث: أبو معاوية محمد بن خازم، قال ابن حجر: ثقة، أحفظ الناس لحديث الأعمش، وقد يَهِمُ في حديث غيره، وقال الذهبي: ثبت في الأعمش وكان مرجئًا، وهذا ليس من حديث الأعمش.

وبما ذكرنا من أقوال العلماء، فلا يبقى مجال للاحتجاج بمثل هذا الحديث بحالٍ.

ختامًا:
يتبين من خلال هذا البحث أن دقة الإمام البخاري في إيراد ألفاظ الحديث لم تكن مجرد اختيار للأحاديث الصحيحة فحسب، بل تجاوز ذلك إلى التدقيق في الألفاظ، واستبعاد ما لم تثبت صحته، أو ما كان يحتمل التأويل الخاطئ نتيجة الرواية بالمعنى مثلًا، ومن خلال تحليل الروايات المتعلقة بالموضوع، يظهر بوضوح منهجه الراقيَ في عرض الأحاديث، الذي يقوم على الجمع بين الصرامة العلمية والوضوح في الاستدلال.

رحم الله الإمام البخاريَّ، وجزاه عن الأمة خير الجزاء، فقد ترك لنا إرثًا علميًّا خالدًا، يضيء درب الباحثين في علوم الحديث عبر العصور.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 57.23 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 55.61 كيلو بايت... تم توفير 1.62 كيلو بايت...بمعدل (2.83%)]