شؤم العقوق - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         شرح كتاب فضائل القرآن من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 10 - عددالزوار : 211 )           »          مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 117 - عددالزوار : 28440 )           »          مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 175 - عددالزوار : 60061 )           »          خطورة الوسوسة.. وعلاجها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          إني مهاجرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          الضوابط الشرعية لعمل المرأة في المجال الطبي.. والآمال المعقودة على ذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 30 - عددالزوار : 842 )           »          صناعة الإعلام وصياغة الرأي العام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          من تستشير في مشكلاتك الزوجية؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 36 )           »          فن إيقاظ الطفل للذهاب إلى المدرسة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 20-11-2019, 04:03 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي شؤم العقوق

شؤم العقوق



د. محمد بن عبدالله بن إبراهيم السحيم






الحمد لله البر الغفور، شارح الصدور، وميسر الأمور، قضى بالإحسان في أمره المقدور، وأوجب الوفاء لكل ذي منةٍ مشكور، وأشهد ألا إله إلا الله الحق الشكور، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ذا الخلق القويم والوفاء المبرور، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه إلى يوم النشور.



أيها المؤمنون!

الإسلام دين الوفاء ؛ إذ هو شرع من لا أوفى ذمةً منه، ﴿ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ﴾ [التوبة: 111]. وكلما ازداد معروف المحسن عظم واجب الوفاء له، وقَبُحَ تنكّرِ إحسانه. ولا منّة بعد منّة المولى - جل وعلا - تفوق منّة الوالدين ؛ ومن هنا فَحُشَ شؤمُ عققهم، وكان العرب في جاهليتهم يعدون العقوق ثكل من لم يُثكل ؛ فعقوق الوالدين ثاني أكبر الكبائر بعد الشرك بالله ؛ فقد قال النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الكَبَائِرِ؟» ثَلاَثًا، قَالُوا: بَلَى، يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ...» رواه البخاري ومسلم، يقول الفضيل بن عياض - رحمه الله -: «فَوْقَ كُلِّ فُجُورٍ فُجُورٌ، حَتَّى يَعُقَّ وَالِدَيْهِ ». والعقوق سبب لحلول سخط الجبار بصاحبه، يقول رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "رِضَاءُ اللَّهِ فِي رِضَاءِ الْوَالِدِ وَسَخَطُ اللَّهِ في سخط الوالد" رواه ابن حبان وصححه. ومِن سَخَطِ الله - سبحانه - على العاق لعنُه، يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَعَنَ اللهُ مَنْ عَقَّ وَالِدَيْهِ" ثلاثًا، رواه أحمد وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. والعاقُّ مقطوع من رحمة الله بقطيعته أعظمَ رحمٍ أُمِرَ بوصلها، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إِنَّ اللهَ خَلَقَ الْخَلْقَ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْهُمْ قَامَتِ الرَّحِمُ، فَقَالَتْ: هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ مِنَ الْقَطِيعَةِ، قَالَ: نَعَمْ، أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى، قَالَ: فَذَاكِ لَكِ " رواه البخاري ومسلم. وأعظم السخط وأفدح القطعية الحرمان من دخول الجنة ؛ وذلك وعيد يُهدَّد به العاقُّ، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا يدخل الجنة عاق، ولا مدمن خمر، ولا مكذب بقدر" رواه أحمد وحسنه البوصيري والألباني، قال يونس بن عبيد - رحمه الله -: «يُرْجَى لِلْمُرَهَّقِ (الفاسد) بِالْبِرِّ الْجَنَّةُ، وَيُخَافُ عَلَى الْمُسْلِمِ بِالْعُقُوقِ النَّارُ».



والعقوق - أيها المسلمون - من موانع قبول العمل الصالح، جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: يَا رَسُول الله، شهِدت أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنَّك رَسُول الله، وَصليت الْخمس، وَأديت زَكَاة مَالِي، وَصمت رَمَضَان؟ فَقَالَ النَّبِي - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم -: "من مَاتَ على هَذَا كَانَ مَعَ النَّبِيين وَالصديقين وَالشُّهَدَاء يَوْم الْقِيَامَة هَكَذَا وَنصب أصبعيه مَا لم يعق وَالِديهِ" رواه أحمد والطبراني بإسناد صحيح كما قال المنذري. وعقوبة العقوق معجلة في الدنيا، يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «بَابَانِ مُعَجَّلَانِ عُقُوبَتُهُمَا فِي الدُّنْيَا: الْبَغْيُ، وَالْعُقُوقُ» رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي.



والعقوق من أسباب سوء الخاتمة - والعياذ بالله -، قال أبو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ: "يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، كَانَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِنَا جَمَعَ مِنَ الْعِلْمِ أَكْثَرَ مِمَّا جَمَعْتَ وَجَمَعْتُ، فَاحْتُضِرَ، فَشَهِدْتُهُ، فَقَيلَ لَهُ: قُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَيَقُولُ: لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقُولَهَا، ثُمَّ تَكَلَّمَ، فَيَتَكَلَّمُ. قَالَ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ. فَلَمْ يَزَلْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى مَاتَ فَسَأَلْتُ عَنْهُ، فَقِيلَ: كَانَ عَاقًّا بِوَالِدَيْهِ ؛ فَظَنَنْتُ أَنَّ الَّذِي حرمه كَلِمَةَ الْإِخْلَاصِ عُقُوقُه بِوَالِدَيْهِ ".



والعقوق أبلغ حامل للوالد على الدعاء على ولده؛ ودعاؤه في ذلك الحال مقطوع بإجابته ؛ كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: « ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ لَا شَكَّ فِيهِنَّ: دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ، وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ» رواه الترمذي وحسنه وصححه ابن حبان. وتلك الدعوة من ذلك القلب المكلوم من أسباب الهلاك، يقول الحسن البصري - رحمه الله -: "دعاؤه عليه استئصاله". روى ابن قدامة في كتاب التوابين عن الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: " بَيْنَا أَنَا أَطُوفُ مَعَ أَبِي حَوْلَ الْبَيْتِ فِي لَيْلَةٍ ظَلْمَاءَ وَقَدْ رَقَدَتِ الْعُيُونُ وَهَدَأَتِ الأَصْوَاتُ إِذْ سَمِعَ أَبِي هَاتِفًا يَهْتِفُ بِصَوْتٍ حَزِينٍ شَجِيٍّ، وَهُوَ يَقُولُ:



يَا مَنْ يُجِيبُ دُعَا الْمُضْطَرِّ فِي الظُّلَمِ

يَا كَاشِفَ الضُّرِّ وَالْبَلْوَى مَعَ السَّقَمِ



قَدْ نَامَ وَفْدُكَ حَوْلَ الْبَيْتِ وَانْتَبَهُوا

وَأَنْتَ عَيْنُكَ يَا قَيُّومُ لَمْ تَنمِ



هَبْ لِي بِجُودِكَ فَضْلَ الْعَفْوِ عَنْ جُرْمِي

يَا مَنْ إِلَيْهِ أَشَارَ الْخَلْقُ فِي الْحَرَمِ



إِنْ كَانَ عَفْوُكَ لا يدركه ذو سرف

فمن يَجُودُ عَلَى الْعَاصِينَ بِالْكَرَمِ






قَالَ: ِ فَقَالَ أَبِي: يَا بُنَيَّ! أَمَا تَسْمَعُ صَوْتَ النَّادِبِ لِذَنْبِهِ الْمُسْتَقِيلِ لِرَبِّهِ؟ الْحَقْهُ فَلَعَلَّ أَنْ تَأْتِيَنِي بِه. فَخَرَجْتُ أَسْعَى حَوْلَ الْبَيْتِ أَطْلُبُهُ فَلَمْ أَجِدْهُ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى الْمَقَامِ وَإِذَا هُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي، فَقُلْتُ: أَجِبِ ابْنَ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَأَوْجَزَ فِي صَلاتِهِ وَاتَّبَعَنِي. فَأَتَيْتُ أَبِي فَقُلْتُ: هَذَا الرَّجُلُ يَا أَبَتِ. فَقَالَ لَهُ أَبِي: مِمَّنِ الرَّجُلِ؟ قَالَ: مِنَ الْعَرَبِ، قَالَ: وَمَا اسْمُكَ؟ قَالَ: مُنَازِلُ بْنُ لاحِقٍ، قَالَ: وَمَا شَأْنُكَ وَمَا قِصَّتُكَ؟ قَالَ: وَمَا قِصَّةُ مَنْ أَسْلَمَتْهُ ذُنُوبُهُ وَأَوْبَقَتْهُ عُيُوبُهُ ؛ فَهُوَ مُرْتَطِمٌ فِي بَحْرِ الْخَطَايَا. فَقَالَ لَهُ أَبِي: عَلَيَّ ذَلِكَ فَاشْرَحْ لِي خَبَرَكَ. قَالَ: كُنْتُ شَابًّا عَلَى اللَّهْوِ وَالطَّرَبِ لا أُفِيقُ عَنْهُ، وَكَانَ لِي وَالِدٌ يَعِظُنِي كَثِيرًا وَيَقُولُ: يَا بُنَيَّ! احْذَرْ هَفَوَاتِ الشَّبَابِ وَعَثَرَاتِهِ! فَإِنَّ لِلَّهِ سَطَوَاتٍ وَنَقَمَاتٍ مَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ، وَكَانَ إِذَا أَلَحَّ عَلَيَّ بِالْمَوْعِظَةِ أَلْحَحْتُ عَلَيْهِ بِالضَّرْبِ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمٌ مِنَ الأَيَّامِ أَلَحَّ عَلَيَّ بِالْمَوْعِظَةِ فَأَوْجَعْتُهُ ضَرْبًا فَحَلَفَ بِاللَّهِ مُجْتَهِدًا لَيَأْتِيَنَّ بَيْتَ اللَّهِ الْحَرَامِ فَيَتَعَلَّقُ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ وَيَدْعُو عَلَيَّ، فَخَرَجَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْبَيْتِ فَتَعَلَّقَ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، وَأَنْشَأَ يَقُولُ:



يَا مَنْ إِلَيْهِ أَتَى الْحُجَّاجُ قَدْ قَطَعُوا

عُرْضَ الْمَهَامِهِ مِنْ قُرْبٍ وَمِنْ بُعْدِ



إِنِّي أَتَيْتُكَ يَا مَنْ لا يُخَيِّبُ مَنْ

يَدْعُوهُ مُبْتَهِلا بِالْوَاحِدِ الصَّمَدِ



هَذَا مُنَازِلٌ لا يَرْتَدُّ عَنْ عُقَقِي

فَخُذْ بِحَقِّيَ يَا رَحْمَانُ مِنْ وَلَدِي



وشِلَّ مِنْهُ بِحَوْلٍ مِنْكَ جَانِبَهُ

يَا مَنْ تَقَدَّسَ لَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَلِدِ






قَالَ: فَوَاللَّهِ، مَا اسْتَتَمَّ كَلامَهُ حَتَّى نَزَلَ بِي مَا تَرَى، ثُمَّ كَشَفَ عَنْ شِقِّهِ الأَيْمَنِ فَإِذَا هُوَ يَابِسٌ. قَالَ: فَأُبْتُ وَرَجَعْتُ وَلَمْ أَزَلْ أَتَرَضَّاهُ وَأَخْضَعُ لَهُ وَأَسْأَلُهُ الْعَفْوَ عَنِّي إِلَى أَنْ أَجَابَنِي أَنْ يَدْعُوَ لِي فِي الْمَكَانِ الَّذِي دَعَا عَلَيَّ. قَالَ: فَحَمَلْتُهُ عَلَى نَاقَةٍ عُشَرَاءَ وَخَرَجْتُ أَقْفُو أَثَرَهُ حَتَّى إِذَا صِرْنَا بِوَادِي الأَرَاكِ طَارَ طَائِرٌ مِنْ شَجَرَةٍ فَنَفَرَتِ النَّاقَةُ فَرَمَتْ بِهِ بَيْنَ أَحْجَارٍ فَرَضَخَتْ رأسه فمات فدفتنه هُنَاكَ وَأَقْبَلْتُ آيِسًا وَأَعْظَمُ مَا بِي مَا أَلْقَاهُ مِنَ التَّعْيِيرِ أَنِّي لا أُعْرَفُ إِلا بِالْمَأْخُوذِ بِعُقُوقِ وَالِدَيْهِ. قَالَ الْحَسَنُ: وَكَانَ أَبِي يَقُولُ لَنَا: احْذَرُوا دُعَاءَ الْوَالِدَيْنِ! فَإِنَّ فِي دُعَائِهِمَا النَّمَاءَ وَالانْجِبَارَ وَالاسْتِئْصَالَ وَالْبَوَارَ.



والعقوق - يا عباد الله - محرم مع كل والد وإن كان مشركًا يجهد في حمل ولده على الشرك أو كان مقصراَ في حق ولده، كما قال الله - تعالى -: ﴿ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [لقمان: 15]. قَالَ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ لِابْنِهِ: "إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ رَضِيَنِي لَكَ فَحَذَّرَنِي فِتْنَتَكَ، وَلَمْ يَرْضَكَ لِي فَأَوْصَاكَ بِي. يَا بُنَيَّ، خَيْرُ الْآبَاءِ مَنْ لَمْ تَدْعُهُ الْمَوَدَّةُ إِلَى الْإِفْرَاطِ، وَخَيْرُ الْأَبْنَاءِ مَنْ لَمْ يَدْعُهُ التَّقْصِيرُ إِلَى الْعُقُوقِ". والعقوق خصلة لؤمٍ يجمل بها ترْكُ صحبة أهلها، قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: لَا تُصَادِقْ عَاقًّا ؛ فَإِنَّهُ لَنْ يَبَرَّكَ وَقَدْ عَقَّ مَنْ هُوَ أَوْجَبُ حَقًّا مِنْكَ عَلَيْه.



الخطبة الثانية


أيها المؤمنون!

وعقوق الوالدين يصدق على كل سوء أدب معهما في فعل أو قول، أو مخالفةٍ لأمرهما المباح الذي لا يشق ولا يضر، سواء كان ذلك بمباشرة الولد للعقوق أو تسببه فيه، كما لو سب والدي غيره فسب والديه، فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ الكَبَائِرِ أَنْ يَلْعَنَ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ» قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ يَلْعَنُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ؟ ! قَالَ: «يَسُبُّ الرَّجُلُ أَبَا الرَّجُلِ، فَيَسُبُّ أَبَاهُ، وَيَسُبُّ أُمَّهُ» رواه البخاري ومسلم. وأقل درجات العقوق التأفف الوارد في قول الله - تعالى -: ﴿ فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ ﴾ [الإسراء: 23]، قال بعض العلماء: «لَوْ عَلِمَ اللَّهُ شَيْئًا مِنَ الْعُقُوقِ أَدْنَى مِنْ "أُفٍّ" لَنَهَى عَنْ ذَلِكَ» ؛ وتلك الدرجة جعلت أهل العلم يدرجون في شؤم العقوق تحديقَ البصر إلى الوالدين ورفعَ الصوت عليهما وتقدمَ المشي بينهما ومناداتَهما بالاسم المجرد والوصفِ الذي لا ينم عن تقدير وذكرَ المعروف إليهما، فكيف بالتكبر والإهانة والهجران والاعتداء والحرمان؟! ومن أعلى دركات العقوق خطرًا ما دفع الوالدَ السويَّ على بث شكواه لمولاه - جل وعلا - من عقوق ولده، سيما إن حمله ذلك على البكاء كمدًا، قَالَ كَعْب الأحبار - رحمه الله -: "أَجِدُ فِي كِتَابِ اللَّهِ أَنَّهُ إِذَا دَعَاهُ فَلَمْ يُجِبْهُ فَقَدْ عَقَّهُ، وَإِذَا أَلْجَأَهُ إِلَى أَنْ يَدْعُوَ عَلَيْهِ وَيَبْكِيَ إِلَى اللَّهِ مِنْهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فَقَدْ عَقَّهُ كُلَّ الْعُقُوقِ"، وسُئِلَ عبيد بن جريج - رحمه الله -: مَا الْعُقُوقُ فِيمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُوسَى؟ قَالَ: «إِذَا أَمَرَ الْوَالِدُ وَلَدَهُ بِشَيْءٍ فَلَمْ يُطِعْهُ فَقَدْ عَاقَّهُ، وَإِذَا الْوَالِدُ اشْتَكَى إِلَى اللَّهِ مَا يَلْقَى مِنْ وَلَدِهِ فَقَدْ عَاقَّهُ الْعُقُوقَ كُلَّهُ». ويزداد قبح العقوق سوءًا إن صدر من وَلد له وَلد، تقول العرب الجاهلية في أمثلتها: "كيف يَعَقُّ والدًا من قد وَلَد؟ !". والعقوق يمكن السلامة من شؤمه إن وقع، وذلك بحكمة الوالد ورحمته، كما قال بعض العلماء: «رَحِمَ اللَّهُ وَالِدًا أَعَانَ وَلَدَهُ عَلَى بِرِّهِ»، قَالُوا: كَيْفَ؟ قَالَ: «يَقْبَلُ إِحْسَانَهُ، وَيَتَجَاوَزُ عَنْ إِسَاءَتِهِ». أما علاج العقوق الناجعُ من قِبَلِ العاق فالتوبة والإحسان إلى الوالدين أحياءً وأمواتًا، يقول الأوزاعي - رحمه الله -: " بَلَغَنِي: أَنَّه مَنْ عَقَّ وَالِدَيْهِ فِي حَيَاتِهِمَا، ثُمَّ قَضَى دَيْنًا إِنْ كَانَ عَلَيْهِمَا، وَاسْتَغْفِرْ لَهُمَا، وَلَمْ يَسْتَسِب لَهُمَا كُتِبَ بَارًّا ".



كم جرَّ برُّ الوالدَي

ن فوائدًا للمرء جمَّهْ



منها رضا الله الذي

يكفي الفتى ما قد أهمَّهْ



وأخو العقوق كميّت

قد صار في الأحياءِ رُمهْ




والكلبُ أحسنُ حالةً

منهُ وأحفظُ منهُ ذمَّهْ

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 66.16 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 64.22 كيلو بايت... تم توفير 1.93 كيلو بايت...بمعدل (2.92%)]