التبرج - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12522 - عددالزوار : 213621 )           »          أطفالنا والمواقف الدموية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          عشر همسات مع بداية العام الهجري الجديد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          وصية عمر بن الخطاب لجنوده (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          المستقبل للإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 36 )           »          انفروا خفافاً وثقالاً (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          أثر الهجرة في التشريع الإسلامي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          مضار التدخين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          متعة الإجازة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          التقوى وأركانها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الأسرة المسلمة > ملتقى الأخت المسلمة

ملتقى الأخت المسلمة كل ما يختص بالاخت المسلمة من امور الحياة والدين

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 08-11-2019, 06:20 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي التبرج

التبرج
نعمت ناصف

مقدمة:
آلمني أشد الألم، ما بلغت المرأة من المهانة والازدراء بنفسها، إلى الحد الذي تعرض به جسمها وأنوثتها هذا العرض المخجل في الشوارع والمجامع العامة والشواطئ، ورأيت أن المجتمع بذكوره وإناثه مغض عن ذلك الفساد بل وراضٍ به، ومغتبطٌ له، ومستمتعٌ به، غير آبه لما يجره ويهوي به في هوى الضلال والكفر بالله وكتابه!.
إن وراء ذلك ولا بد، طامة كبرى ستحيق بهذا المجتمع لن ينجو منها إلا الذين ينهون عن السوء ويصرخون في أولئك الهاوين الغافلين لعلهم يفيقون ويرجعون.
فأمسكت قلمي الضعيف لأحاول أن أنهى عن السوء، وأن أدعو إلى الله ما استطعت إلى ذلك سبيلاً.
وما إن استعرضت في مخيلتي شتى الصور لتبرج المرأة، وتبلد الرجل، وتجرد الاثنين من الحياء والعفاف في هذا العصر المشؤوم حتى انفجر بركان غضبي وسخطي لهول ما رأيت، واندلع لهيبه، وقذف على الورق بحمم تحجَّرت غلظة وقسوة.
وعدت أراجع دراسة وفحص هذا المجتمع الغارق في لجج الغفلة والهوى، السابح في بحر الملذات فإذا بي أعود مشمئزة مقتنعة أشد الاقتناع أنه لا ينبغي أن أستر كلامي عمن تجرد من ثوب الحياء، فلم يستر جسمه العاري، وألا أبالي بسخرية فاسق أو استهزاء من اتخذ آيات الله هزواً، واستنكار من لا يستنكرون المنكر، وذلك لأني أعتقد أن الجهالة والوقاحة لا بد أن تقابلا بالشدة والصراحة.
ولأن الذي لا يستحي لا ينبغي أن يستحيا منه وليس بعد هذا التبرج وقاحة وجهالة وعدم حياء من الله ومن الناس. وإن المستغرق في نوم عميق إذا لم يفق بلمسة خفيفة ليتنبه ويتقي الخطر الذي سيحيق به، يجب أن يهز هزة عنيفة، إذا كان هناك شفقة به وعطف عليه، بل يجب أن يوكز ويلكم إن لم يستيقظ من الهزات وتمادى في نومه وغفلته.
وعجباً ألا يخجل المسيء من إساءته ثم يخجل ويشمئز من وصفها فكيف لا نتألم من قبيح نأتيه ونراه، ونتألم إذا كتبناه وقرأناه؟ وكيف نستنكر كلمات صريحة ولا نستنكر عورات مكشوفة؟ أيكون التخيل أظهر من الواقع، والخيال أوضح من الحقيقة ذاتها. وقد قيل: "ليس الخبر كالعيان" واعجباً أأستحي أن أقول للسارق "أيها اللص" وهو لا يستحي من أن يسرق، ويغضب من وصفه باللصوصية؟ فمن منا أولى بالخجل والحياء؟!
إذا كان الوعظ والتحذير ووصف تبرج النساء وتهتكهن وما يسمعن من مستهجن القول وبذيئه من الكلاب والذئاب في الشوارع تشمئز منه النفوس فكيف بالعمل نفسه؟
معشر الناس: إن كانت الحقيقة مؤلمة جارحة فهل يليق بنا أن نتغاضى ونتعامى عنها، مهما كانت قاسية جارحة لئلا نتألم؟ أم يجب أن نواجهها ونحتمل قسوتها لنرعوي عما يضرنا ونتهذب؟
هل من الحكمة والعقل ألا نشرب الدواء لمرارته، أو نترك الصديد في الدُّمَّل ولا ننظفه خوفاً من أن يؤلمنا، وألا نمس الجرح ولا نعالجه كيلا نشعر بألمه.
كلا أيها السادة: بل ينبغي أن نطعن هذا الدمل بالمبضع بشدة لننظفه من الصديد، وأن نكوي الجرح لنطهره إذا لزم الأمر يجب أن نتواصى بالحق والصبر، وأن نحاول أن ندخل الحق في القلوب بكل ما نستطيع وبأية طريقة شرعية وبكل لهجة، وليس بعد النصح والإرشاد غاية مقدسة يأمر الله - سبحانه - بها ورسوله، وتدعو إليها الشفقة الإنسانية الكريمة.
أيها المسلمون: إنكم تتحمسون وتثورون من أجل حطام الدنيا، من أجل جزء من الأرض انتهكت حرمته، ولا تتحمسون ولا تثورون من أجل الدين أو الشرف وقد دِيست كرامته. فأيهما أهم وأقدس، وأيهما أعز وأنفس...نرى منكم في الهيِّن البسيط الحماس والتفاني، ولا نرى منكم نحو الأهم الخطير إلا التهاون والتواني، تتقون وتخشون عدواً من العباد، ولا تخشون ألد عدو في نفوسكم اسمه «الفساد» يقتل النفوس، فمن منهما العدو الأكبر، ومن منهما الأخوف والأخطر، ألا فثوروا أيها المسلمون على من امتهن أوامر الإسلام، وقاطعوا من خرج على الآداب والاحتشام، وحاربوا هذا الداء الوبيل الذي يهتك ويفتك بالأعراض والأجسام، لقد انتشر بينكم وباء كوباء «الكوليرا» فكيف تسكتون! وقد كثرت ضحاياه وعمت عدواه، وانتشرت الجثث الحية حواليكم فكيف لا تجزعون؟ بادروا إلى إنقاذ أنفسكم وأهليكم من الوباء الفتاك وقوهم وعالجوهم بآداب وشرائع الإسلام لينجوا من شر هذا الهلاك.
ولقد منَّ الله عليَّ بالشفاء من هذا الوباء الذي كان قد سرى إليَّ من البيئة والغفلة عدواه، فداواني منه ربي - سبحانه - بمرض أليم في بدني، أعاد الصحة والعافية إلى روحي وقلبي، فإن الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد الله بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة)).
مرضت مرضاً شديداً بعد خلع ضرس، قاسيت منه آلاماً مبرِّحة حرمتني طعم النوم والأكل شهراً كاملاً، إذ لم يكن يكف طعن الألم لحظة ليلاً ولا نهاراً.
وزاد الورم حتى كاد خدي ينفجر، وامتد إلى عنقي ورأسي وأغلق جفني عيني، فحار في أمري الجراحون والأطباء، وعجز الطب وعزّ الدواء، وقطع الأمل بتاتاً من الشفاء.
وإذا بيد الله الكريمة تمتد وتمسح المرض، وتمحو على مهل الجرح وتصرف الورم، فوقف الأطباء مدهوشين من هذه المعجزة وقالوا خاشعين: "حقاً إن الله القدير الرحيم، يحيي العظام وهي رميم» فعاينت تفاهة الخلق، وعجز من ادَّعى العلم والسلطان، وأدركت أن الخالق - سبحانه - أبر وأرحم بعبده من كل إنسان.
وفي أثناء مرضي عادتني سيدة وقالت لي مجاملة: «إنك لا تستحقين كل هذا العذاب، أنت السيدة المؤمنة المصلية الحاجة لبيت الله الحرام. فماذا اقترفت من الآثام، حتى يعاقبك الله بهذه الآلام؟" فصرخت قائلة: "لا تقولي ذلك فإن الله لا يظلم الناس شيئاً، ولكن الناس أنفسهم يظلمون. إني آثمة أستحق هذا العقاب وزيادة، هذا الفم الذي أدبه الله بالمرض والألم كان يُصبغ بالأحمر، وكان لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر وهذا الوجه الوارم كان يتجمل بالمساحيق. وهذا الجسم الطريح كان يتبرج بالثوب الأنيق. وهذه الرأس المتألمة المتأججة بنار الحمى كانت لا تحجب بالخمار كما أمر الله، وهي الآن تحجب قهراً باللفائف الطبية تحيط بها كالخمار تماماً، لم أختمر بخمار الاحتشام، فخمرني الله بخمار الآلام!.
جمَّلت فمي ووجهي بالأصباغ والأدهان فصفعهما الله صفعة العذاب والهوان".
أجابتني السيدة قائلة: "إنك لم تفعلي إلا ما يفعله غيرك، بل وأقل مما يفعله غيرك، فكل النساء يتبرجن ويتجملن أكثر منك، وها هن يرتعن في بحبوحة الصحة، ويرفلن في حلل السعادة»فقلت: «هذا من فضل ربي عليَّ وحبه لي ورحمته بي فإن الله إذا أحب عبداً ابتلاه وطهره بعذابه ورباه. ثم إذا أراد ساق له العافية ونجاه ففاز بجزاء الصبر، وحظي بفضيلة الشكر، وسعد بالتوبة والطهر. فشكراً لله على هذا الدرس النافع، وهذا الألم الشافي الناجع، وهذا العقاب المؤدب الرادع، وهذا المرض المهذب اللاذع. إن الله - سبحانه - يأمرني بعمله عندما رآني لم أأتمر بقوله، فكيف لا أشكره على هذه العناية، وكيف لا أطيع من يرعاني هذه الرعاية؟!".
وهكذا شُفيت من مرضي ضعيفة الجسم قوية الإرادة، ضعيفة الهوى قوية الصبر والجلادة، وفهمت ما قاله الله لي بهذا المرض، وما سكبه في قلبي بلا ألفاظ، وما صوره لعيني فرآه عقلي جلياً واضحاً فهمت كيف يجب أن تحاط رأسي ووجهي بالخمار كما مثله لي الله، وأن يدعو فمي ولساني إليه شكراً وخوفاً وطمعاً، فكنت بعد مرضي غير ما كنت قبله، وكان أعظم نعمة عليَّ جعلتني أقهر هوى نفسي، وصيرت يومي أغنى وأقنى من أمسي.
ولم تقتصر هذه النعمة عليَّ وحدي، بل عمت بيتي وانتشرت من حولي، وأنقذت بناتي وكثيراً من معارفي وأهلي.
والحمدلله على أني تبت إلى الله من قريب، ولم أصر على ما فعلت وأنا أعلم، واحتشمت قبل فوات الوقت، لا كما تفعل كل النساء اللاتي يحتشمن ويختمرن في وقت لا جناح عليهن فيه أن يضعن ثيابهن. فلا يكون تركهن المعصية إلا عن عجز، لا عن توبة صادقة، ومنذ ذلك اليوم عزمت على أن أحارب الفسق، وأن أجاهد في سبيل الله بلساني وقلمي، كرست لذلك كل ما أستطيع من قوتي ووقتي وفهمي.
نظرت حولي ويا لهول ما رأيت!! رأيت السواد الأعظم من الناس مستغرقاً في نوم عميق، مهما ابتلاه ربه وألهبه بسوط عذاب وضيق، لا يفهم ما أراده الله بذلك فلا يرعوي ولا يفيق، أو كأنهم غير مسؤولين عن ذنوبهم، أو كأنهم ما يهلكهم إلا الدهر وليس لله يد فيما حل بهم، أو كأن الله - سبحانه - ظالمهم في عقابه لهم، فلو كانوا يفهمون حكمة الله في الابتلاء لانتفعوا بنعمته، ولو كانوا يشعرون بحبه وخشيته لما استهانوا بنقمته، ولو كانوا يؤمنون به لما اجترؤوا على عداوته.
فاحذري أيتها العاقلة الغفلة عن آثامك، وكلما ابتلاك ربك ففتشي عما أغضبه واستوجب عقابه، لتجني ثمرة الابتلاء توبة وتهذيباً، واجتهدي أن تتحلي بالفضائل، وأن تتجردي من الرذائل فإن أصابك الله بمحنة لم تكن مجرد عقاب، بل تغنمي عظيم الثواب، ولم تخسري بعصيانك ثمرة العذاب، فإياك أن تحولي الأجر إلى قصاص وزجر (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ)[ق: 37].
وإني لأسأل ربي، الذي من أجل ابتغاء مرضاته وحده - سبحانه - كتبت، ومن أجل وجهه الكريم وحده جاهدت، أن ينفع بهذا الكلام خلقه وعباده، وأن يجزيني عليه ما هو له أهل من الفضل والإحسان، إنه سميع، وبعباده رؤوف رحيم، وصلى الله على نبيه وسلم أفضل صلاة وأزكى تسليم.
التبرج:
التبرج هو إظهار الجمال، وإبراز محاسن الوجه والجسم ومفاتنهما، أو كما يقول البخاري - رحمه الله -: "التبرج أن تخرج المرأة محاسنها".
وأصل التبرج مأخوذ من البروج، وهي القصور العالية البينة الارتفاع، فالمرأة المتبرجة تعلن عن محاسنها بإبرازها أو تحديدها، كما تعلن البروج عن نفسها بارتفاعها.
وحفظاً للمجتمع من ضرر التبرج، وصيانة لأجسام النساء من التهتك ولحيائهن وعفافهن من الفساد، وإبعاداً لنفوس الرجال من الإغراء والتدهور، نهى الله العليم الحكيم النساء عن التبرج، وهو - سبحانه - الخبير بضعف الإنسان وطيش الشباب.
فاسمعن أيتها المسلمات أوامر الله لَكُنَّ، إن كنتن حقاً من المؤمنات: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ أَوْ آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ... )[النور: 31].
اعلمن أن الخمار في قوله: (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) هو ما يغطي الرأس والوجه، والجيب هو فتحة الصدر مما يلي العنق، فلا تتغافلن عن أن الله - تعالى - يأمر كل مؤمنة بأن تغطي صدرها وعنقها بالخمار، لا رأسها فحسب، إذ يقول: (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ).
وهذا صريح جداً في وجوب الخمار الساتر لرأس المرأة وصدرها. إذن فمن خلعته فكشف عن رأسها أو صدرها، فإنها لم تحترم أمر الله - تعالى -، فتصبح بذلك من العاصيات المستهترات بغضبه، عقابه. تنبهن أيتها المسلمات إلى قوله - تعالى -: (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ).
إذ إنه لم يعيّن زينة في عضو أو ثوب. فإن ذلك يدل صراحة على أن كل عضو قد يكون فيه زينة وفتنة. وإن المؤمنة التقية هي التي تقدر ذلك خوفاً من عقاب الله وغضبه.
والزينة:
هي كل ما يضفي حسناً وبهجة (لسان العرب مادة «زين» ولا يقتصر ذلك على ما تتحلى به المرأة من الحلي والثياب والجواهر، وما تتجمل به من الأصباغ والأدهان، بل إن الزينة أكبر الزينة، وما خلق الله في جسمها من مفاتن وما فطره عليه من تناسق الأعضاء وجمال تناسبها.
"إن الله قد أنزل هذه الآية، وهو يعلم أن من النساء من تتحجب للزينة والفتنة، وتتجمل بالخمار لأنها تديره على رأسها مائلاً ذات اليمين وذات الشمال، وتحليه ببعض الحلية، أو بإرسال خصلات من شعرها اللامع على جيبها، أو تجعله على شكل تاج تزيد في جمال وجهها، حتى ليكون الخمار نفسه زينة للناظرين، عكس ما أراد الله من جعله ساتراً لزينتها وفتنتها، وزعمت أنها أطاعت الله واحتجبت كما أمر. ألا فلتعلم هذه المخادعة أن الله عليم بما في نفسها من شهوة التجمل والتبرج، وأنه لا يخفى عليه ما في قلبها من الاحتيال والمخادعة، فرغبتها في أن تبدو جميلة، وأن تحوز إعجاب من يراها ولو بالخمار، تبرج يمقته الله، ومعصية يعاقب عليها، ولذلك عقب قوله: (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ). بقوله: (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ) أي: أن الخمار وحده لا يكفي مع التجمل والتزين".
ثم تدبرن قوله: (وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ) [النور: 31].
تعلمن أنه - تعالى -ينهى عن استلفات النظر إلى زينة، وإن كانت مستورة، فالثوب الفضفاض الذي لا يبدي جمال الجسم يبرز منه شكل الأعضاء باهتزازها في الحركة العنيفة والمشية أو الالتواءة الخليعة، كما قد يسمع عند الحركة رنين بعض الحلي المستترة.
ثم تدبرن قوله - تعالى -لأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - وهن المؤمنات القانتات العابدات: (فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ)[الأحزاب: 32].
تعلمن أن التبرج يكون حتى في الصوت بتكلفه ولينه ودلاله.
وهاكم قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((أيما امرأة استعطرت ثم خرجت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية)) وهو يثبت أن التبرج كذلك يكون بتضوع ريحها، وتعمد لفت النظر إليها بطيب العطر.
وعن أم سلمة، أن أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنهم - دخلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - وعليها ثياب رقاق، فأعرض عنها، وقال: ((يا أسماء، إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا)) وأشار إلى وجهه وكفيه.
فتدبروا يا أولي الألباب آيات الله وحديث رسوله.
واعقلوا ما فيها من حكمة وأدب، واعرفوا هذا الاحتياط الشديد، وهذا الحذر في الابتعاد عما يدعو إلى الزلل فما أحكم هذا الحرص الذي يأمر المرأة بأن لا تمتع غير عين زوجها بجمالها، ولا أذناً غير أذنه بحلو حديثها، ولا أنفاً غير أنفه بشذا عبيرها، ولا خيالاً إلا خياله بما تخفيه من زينتها وحليها، لتكون بذلك في حصن حصين، وسياج من الصون، متين أمين، بعيدة عن أنظار الفجرة الفاسقين.
فزينة المرأة وظهور جمالها بين الرجال غواية وإغراء وشرارة تضرم ما كمن وخمد في نفوسهم من شهوة حيوانية، كما أن رؤية الطعام وشم رائحته يوقظان الشهية، فالعين هي زناد الشهوة، والنفس لا تشتهي إلا ما تقدم العين لها، ولذلك أمر الله -تعالى- الرجال بأن يغضوا من أبصارهم، وأتبعها بقوله - تعالى -: (وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ).
وكذلك أمر النساء بأن يغضضن من أبصارهن وأتبعها بقوله: (وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ).
ومعنى ذلك أن النظر بريد الزنا.
ما بال الناس غفلوا، وخادعوا أنفسهم، فزعموا أن التبرج قد أصبح أمراً عادياً مألوفاً، لا يؤثر في الأخلاق ولا يثير دفائن الشهوات، ولا يوقد نار المحرم من اللذات.
أما إنهم لو عقلوا لعلموا أن هذا الزعم باطل ومحال ولا شك. فإنه لو كان الأمر كذلك لصدق في حالة الزوج مع زوجه، ولانقلبت المودة بينهما عداوة، والشوق نفوراً، ولأصبح كل من الزوجين حريصاً أن يغير زوجه بعد لأي من الزمن. فهل هذا هو الواقع؟ أبداً فإن الرجولة هي الرجولة، والأنوثة هي الأنوثة، وإن الجاذبية بين الرجل والمرأة هي جاذبية فطرية، لا تتغير مدى الدهر.
وهي شيء يجري في عروقهما وينبه في كل من الجنسين ميوله وغرائزه الطبيعية فإن الدم يحمل الإفرازات الهرمونية من الغدد الصماء المختلفة، فتؤثر على المخ والأعصاب وعلى غيرها من الأعضاء بل إن كل جزء من كل جسم يتميز عما يشبهه في الجنس الآخر، ولذلك تظهر صفات الأنوثة في المرأة في تركيب جسمها كله وفي شكلها، وفي أخلاقها وأفكارها وميولها.
كما تظهر مميزات الذكورة في الرجل في بدنه وهيئته وصوته وأعماله وميوله. وهذه قاعدة فطرية طبيعية لم تتغير من يوم خلق الله الإنسان ولن تتغير حتى تقوم الساعة:
(أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى)[القيامة: 37- 39]. (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ)[الروم: 30]. (فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا)[فاطر: 43].
لقد حذر الله المؤمنين والمؤمنات مما يثير شهواتهم وشهواتهن فلم يشدد التحذير من الزنى فحسب، بل مما يدعو إلى الزنى، فقال: (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا)[الإسراء: 32].
يريد - سبحانه وتعالى - بذلك أن اجتناب عمل الفاحشة ليس هو كل ما يجب على المؤمن والمؤمنة، بل ينبغي أن يبتعد كل منهما عما يقوده إلى الزنا من مغريات، وألا يقرب مما يحيط به أو يدني من متعة العين ولذة البصر أو الأذن أو أي حاسة من الحواس الأخرى، لأن من يقترب من التيار الجارف لا بد أنه غارق فيه، ولا بد هالك مهما قويت ذراعاه، ومهما بعد باعه في السباحة ومغالبة الأمواج. فالتيار الشديد يجذب إليه الأجسام الطافية التي تحوم حوله وتتعرض له فيجترفها وما هي إلا لحظات ومحاولات فاشلة حتى يبتلعها.
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((العينان تزنيان وزناهما البصر)) وقال أيضاً: ((ثلاث أعين لا تمسها النار: عين غضت عن محارم الله، وعين حرست في سبيل الله، وعين بكت من خشية الله)).
نفهم من ذلك أن تمتع النظر ضرب من الزنى، وحظ عظيم من اللذة، وجزء مهم من تمتع الرجل بالمرأة، لذلك فهو يمتد ويصبو إلى الجميلة، وينفر من الدميمة، وهما في الأنوثة سواء.
ولذة النظر متعة عظيمة للإنسان. فكم أنفق الناس من النفقات الباهظة لتتمتع أنظارهم، فزينوا البيوت والسقوف والجدران، وأنشؤوا الحدائق ونسقوها بأشجار وأزهار، وأثثوا ديارهم بفاخر الرياش والأثاث الذي يلذ العين ويمتع البصر وهم لا يلمسون، ولكنهم يتلذذون بأبصارهم، فلذة العين تشترك في كل لذة، حتى لذة الأكل، ولذلك يقال: العين تأكل أكثر من الفم، بل إن النظر إلى الأكل الشهي يكفي وحده لبدء إفرازات العصارات الهاضمة في المعدة.
فإن كانت العين تتلذذ بمنظر المآكل والفواكه الشهية أكثر مما يتلذذ الفم بطعمها. فكيف بتلذذها في التهام الجمال، ولحم ذات الحسن والدلال.
فينبغي للمسلم أن يلجم عينيه بلجام الحياء والعفاف حتى ينجو من الزلل. فالشهوة لا تصحو إلا إذا أيقظها، ولا تنتبه إلا إذا دعاها. والمرأة المتبرجة شرارة للزناد تغوي بجمالها العباد. وتنشر من حولها الفساد لأن كثيراً ممن يرونها، ضعاف عزاب في سن الطيش تتحكم فيهم رعونة الشباب، تتضور نفوسهم جوعاً عند رؤية لحمها كالذئاب فيبحثون عما يشبع نهمهم ولو كان جيفة منتنة، فيتهافتون عليها تهافت الذئاب فالويل لها من شيطان رجيم، تأخذ الرجال إلى نار الجحيم، فلو احتشمت المرأة واجتنبت التبرج والخلاعة في كلامها ومشيتها لما انتشر هذا الفساد والشر المستطير، إذ من المحال أن تصان الأعراض وكرامة الأسر إلا بالاحتشام والغض من البصر.
فكم من نظرة جرت الخراب والشقاء، وفرقت بين الأزواج، وأشقت الأبناء. وأصل البلاء كله نظرة كما قال الشاعر:
نظرة فابتسامة فسلام *** فكلام فموعد فلقاء
وقال آخر:
كل الحوادث مبداها من النظر *** ومعظم النار من مستصغر الشرر
كم نظرة فتكت في قلب صاحبها *** فتك السهام بلا قوس ولا وتر
و المرء ما دام ذا عين يقلبها *** في أعين الغيد موقوف على الخطر
يسر مقلته ما ضرَّ مهجته *** لا مرحباً بسرور جاء بالضرر
كل امرأة خرجت من خدرها إلى الطرقات عروساً قد أخذت زخرفها وازينت لسان حالها يقول:
ألا تنظرون إلى هذا الجمال؟ هل من راغب في القرب والوصال؟ إنها تعرض جمالها في أسواق الشوارع كما يعرض التاجر المتجول سلعته، وكما يعرض بائع الحلوى ما عنده مزيناً بالألوان الزاهية والأوراق اللامعة، ليسترعي الأنظار ويغري النفوس ويثير الشهية فتروج بضاعته ويكثر المشترون ويتهافت الطلاب والجياع النَّهمون.
كيف تقبل المرأة المصونة العفيفة عرض جمالها في السوق سلعة رخيصة تتداولها الأعين، وكيف يرضى لها حياؤها أن تكون مبعث إثارة شهوة في نفوس كل رجل يراها بل كيف تطيق الشعور بأنه يصبو إليها ويتمناها! إنها لو فكرت في ذلك الأمر برهة لاحمرت خجلاً، ولسترت جمالها وزينتها عن الأعين الشرهة الوقحة.
قال - تعالى -: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) [الأحزاب: 59].
يحيط الله المرأة المؤمنة في هذه الآية بهالة من الصون والكرامة، وأن تكون في إطار من الإجلال والإكبار. فأمر نبيه - صلى الله عليه وسلم - بأن يلزم نساء المؤمنين أن يدنين عليهن من جلابيبهن والجلباب: الثوب الواسع، أي أن يتسترن بثيابهن الواسعة ليعرفن بالحصانة والتقوى والعفاف، فلا يؤذين بأعمال سافلة، دنيئة، ولا تنغص حياتهن بنظرات وقحة جريئة ولا توجه إليهن أقوال مهينه بذيئة.
فبالله ماذا سترت نساء من يدعون الإسلام الآن من زينتهن التي أمرن بسترها إذا كن هكذا في الطريق، عاريات الأذرع والسيقان والصدور، باديات النهود والأرداف والخصور، مصبوغات الوجوه والعيون والثغور، حاسرات الرؤوس مسترسلات الشعور. ماذا تركت الشريفة لغيرها من فنون التبرج، وما أبقت لنفسها من ضروب الاحتشام، إنها لم تترك من ذلك ولم تبق شيئاً. فبالله أيتها السيدة المحترمة أتستطيعين أن تفرقي ما بين الراقصة الخليعة الفاجرة، وبين السيدة الشريفة الطاهرة، لذلك تطارد الذئاب الشريفة كغيرها! إذ يظنونها صيداً وقنيصة. فتسمع وترى ما يخجلها ويؤذيها، لأنها تشبهت بمن لا كرامة ولا شرف لها، ولم تتعزز وتتحصن بوقار الاحتشام. فضاعت عزتها وظنوها سلعة كبقية السلع وعرضت نفسها للمهانة والازدراء.
فيا حسرتا على النساء. لقد فقدت أيتها المسلمة احترامك عندما خلعت الخمار، وارتديت ثوب الخلاعة والاستهتار، فنُظر إليك بعين الازدراء والاحتقار.
يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 159.13 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 157.19 كيلو بايت... تم توفير 1.94 كيلو بايت...بمعدل (1.22%)]