السيرة النبوية والشمائل المحمدية **متجددة إن شاء الله - الصفحة 5 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         العلم والعدل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          أعظم مذمة في التاريخ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          العمل التطوعي.. أسسه ومهاراته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 54 )           »          افتراءات وشبهات حول دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 29 )           »          أهمية اللعب في تنشئة الطفل وتكوين شخصيته في الوطن العربي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 30 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 19 - عددالزوار : 622 )           »          توجيهات نبوية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 31 )           »          الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 57 - عددالزوار : 15831 )           »          اتهام السلفيين بالبعد عن الواقع المعاصر وعدم الاحتكاك بالناس إجحاف وظلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          القدوس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث > ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم

ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم قسم يختص بالمقاطعة والرد على اى شبهة موجهة الى الاسلام والمسلمين

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #41  
قديم 13-12-2019, 08:36 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,354
الدولة : Egypt
افتراضي رد: السيرة النبوية والشمائل المحمدية **متجددة إن شاء الله

السيرة النبوية والشمائل المحمدية
الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر

الحلقة(41)


تأثير الإيمان الصحيح في الأخلاق والميول





كان الناس – عربا وعجما – يعيشون حياة جاهلية ، يسجدون فيها لكل من خلق لأجلهم ويخضع لإرادتهم وتصرفهم ، لا يثيب الطائع بجائزة ، ولا يعذب العاصي بعقوبة ولا يأمر ولا ينهي ، فكانت الديانة سطحية طافية في حياتهم ، ليس لها سلطان على أرواحهم ونفوسهم وقلوبهم ، ولا تأثير لها في أخلاقهم واجتماعهم ، كانوا يؤمنون بالله كصانع أتم عمله واعتزل وتنازل عن مملكته لأناس خلع عليهم خلعة الربوبية، فأخذوا بأيديهم أزمة الأمر وتولوا إدارة المملكة وتدبير شؤونها وتوزيع أرزاقها، إلى غير ذلك من مصالح الحكومة المنظمة ، فكان إيمانهم بالله لا يزيد على معرفة تاريخية ، وكان إيمانهم بالله وإحالتهم خلق السماوات والأرض إلى الله لا يختلف عن جواب تلميذ من تلاميذ فن التاريخ يقال له : من بني هذا القصر العتيق ؟ فيسمي ملكا من الملوك الأقدمين من غير أن يخافه ويخضع له ، فكان دينهم عاريا عن الخشوع لله ودعائه ، وما كانوا يعرفون عن الله ما يحببه إليهم ؛ فكانت معرفتهم مبهمة غامضة ، قاصرة مجملة ، لا تبعث في نفوسهم هيبة ولا محبة .

ثم انتقل العرب والذين أسلموا من هذه المعرفة العليلة الغامضة الميتة إلى معرفة عميقة واضحة روحية ذات سلطان على الروح والنفس والقلب والجوارح ، ذات تأثير في الأخلاق والاجتماع ، ذات سيطرة على الحياة وما يتصل بها ، آمنوا بالله الذي له الأسماء الحسنى والمثل الأعلى ، آمنوا برب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين ، الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر ، الخالق البارئ المصور ، العزيز الحكيم ، الغفور الودود ، الرؤوف الرحيم ، له الخلق والأمر ، بيده ملكوت كل شيء يجير ولا يجار عليه ، إلى آخر ما جاء في القرآن من وصفه ، يثيب بالجنة ويعذب بالنار ،ويبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ، يعلم الخبء في السماوات والأرض ، ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ، إلى آخر ما جاء في القرآن من قدرته وتصرفه وعلمه.

فانقلبت نفسيتهم بهذا الإيمان الواسع العميق الواضح انقلابا عجيبا، فإذا آمن أحد بالله وشهد أن لا إله إلا الله انقلبت حياته ظهرا لبطن ؛ تغلغل الإيمان في أحشائه وتسرب إلى جميع عروقه ومشاعره ،وجرى منه مجرى الروح والدم ، واقتلع جراثيم الجاهلية وجذورها؛ وغمر العقل والقلب بفيضانه، وجعل منه رجلا غير الرجل ، وظهر منه من روائع الإيمان واليقين والصبر والشجاعة ، ومن خوارق الأفعال والأخلاق ما حير العقل والفلسفة وتاريخ الأخلاق ، ولا يزال موضع حيرة ودهشة منه إلى الأبد ، وعجز العلم عن تعليله بشيء غير الإيمان الكامل العميق .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #42  
قديم 21-12-2019, 05:01 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,354
الدولة : Egypt
افتراضي رد: السيرة النبوية والشمائل المحمدية **متجددة إن شاء الله

السيرة النبوية والشمائل المحمدية
الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر

الحلقة(42)


وخز الضمير



وكان هذا الإيمان مدرسة خلقية وتربية نفسية تملي على صاحبها الفضائل الخلقية من صرامة إرادة ، وقوة نفس ومحاسبتها ، والإنصاف منها ، وكان أقوى وازع عرفه تاريخ الأخلاق وعلم النفس عن الزلات الخلقية والسقطات البشرية ، حتى إذا جمحت السورة البهيمية في حين من الأحيان وسقط الإنسان سقطة ، وكان ذلك حيث لا تراقبه عين ولا تتناوله يد القانون – تحول هذا الإيمان نفسا لوامة عنيفة ووخزا لاذعا للضمير وخيالا مروعا ، لا يرتاح معه صاحبه حتى يعترف بذنبه أمام القانون ، ويعرض نفسه للعقوبة الشديدة ، ويتحملها مطمئنا مرتاحا ، تفاديا من سخط الله وعقوبة الآخرة.

وقد حدثنا المؤرخون الثقات في ذلك بطرائف لم يحدث نظيرها إلا في التاريخ الإسلامي الديني .

روى مسلم بسنده عن عبدالله بن بريدة عن أبيه أن ماعز بن مالك الأسلمي، أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ( يا رسول الله إني ظلمت نفسي وزنيت ، وإني أريد أن تطهرني ، فرده ، فلما كان من الغد أتاه فقال : يا رسول الله إني قد زنيت ، فرده الثانية ، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قومه فقال :" أتعلمون بعقله بأسا تنكرون منه شيئا "؟ فقالوا : ما نعلمه إلا وفي العقل من صالحينا فيما نرى ، فأتاه الثالثة فأرسل إليهم أيضا فسأل عنه ، فأخبروه أنه لا بأس به ولا بعقله ، فلما كانت الرابعة حفر له حفرة ثم أمر به فرجم .

قال فجاءت الغامدية فقالت : ( يا رسول الله إني قد زنيت فطهرني ، وأنه ردها ، فلما كان الغد قالت : يا رسول الله لم تردني ؟ لعلك أن تردني كما رددت ماعزا ، فوالله إني لحبلى ، قال :" إما لا فاذهبي حتى تلدي" ، قال : فلما ولدت أتته بالصبي في خرقة قالت : هذا قد ولدته ، قال : "فاذهبي فأرضعيه حتى تطعميه" ، فلما فطمته أتته بالصبي ، في يده كسرة خبز ،فقالت : هذا يا نبي الله قد فطمته وقد أكل الطعام ، فدفع الصبي إلى رجل من المسلمين ثم أمر فحفر لها إلى صدرها وأمر الناس فرجموها، فاستقبلها خالد بن الوليد بحجر فرمى رأسها فنضح الدم على وجه خالد فسبها، فسمع نبي الله سبه إياها فقال : " مهلاً يا خالد ، فوالذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له " ثم أمر بها فصلى عليها ودفنت (1).



الثبات أمام المطامع والشهوات:

وكان هذا الإيمان حارسا لأمانة الإنسان وعفافه وكرامته ، يملك نفسه من النزوع أمام المطامع والشهوات الجارفة ، وفي الخلوة والوحدة حيث لا يراها أحد ، وفي سلطانه ونفوذه حيث لا يخاف أحدا ، وقد وقع في تاريخ الفتح الإسلامي من قضايا العفاف عند المغنم وأداء الأمانات إلى أهلها والإخلاص لله ما يعجز التاريخ البشري عن نظائره ، وما ذاك إلا نتيجة رسوخ الإيمان ومراقبة الله واستحضار علمه في كل مكان وزمان.

حدث الطبري قال : لما هبط المسلمون المدائن وجمعوا الأقباض أقبل رجل بحق معه فدفعه إلى صاحب الأقباض . فقال والذين معه : ما رأينا مثل هذا قط ، ما يعدله عندنا ولا يقاربه ، فقالوا : هل أخذت منه شيئا ؟ فقال : أما والله لولا الله ما أتيتكم به . فعرفوا أن للرجل شأنا . فقالوا : من أنت ؟ فقال : لا والله لا أخبركم لتحمدوني ولا غيركم ليقرظوني ، ولكني أحمد الله وأرضى بثوابه ، فأتبعوه رجلا حتى انتهى إلى أصحابه ، فسأل عنه فإذا هو عامر بن عبد قيس (2).



الأنفة وكبر النفس:

وكأن هذا الإيمان بالله رفع رأسهم عاليا وأقام صفحة عنقهم فلن تحنى لغير الله أبداً، لا لملك جبار ولا لحبر من الأحبار ولا لرئيس ديني ولا دنيوي ،وملأ قلوبهم وعيونهم بكبرياء الله تعالى وعظمته ، فهانت وجوه الخلق وزخارف الدنيا ومظاهر العظمة والفخفخة؛ فإذا نظروا إلى الملوك وحشمتهم وما هم فيه من ترف ونعيم وزينة وزخرف، فكأنهم ينظرون إلى صور ودمى قد كسيت ملابس الإنسان .

عن أبي موسى قال : انتهينا إلى النجاشي وهو جالس في مجلسه وعمرو بن العاص عن يمينه وعمارة عن يساره ، والقسيسون جلوس سماطين ، وقد قال له عمرو وعمارة : إنهم لا يسجدون لك ، فلما انتهينا بدرنا من عنده من القسيسين والرهبان : اسجدوا للملك . فقال جعفر : لا نسجد إلا لله (3).

وأرسل سعد قبل القادسية ربعي بن عامر رسولاً إلى رستم قائد الجيوش الفارسية وأميرهم ، فدخل عليه وقد زينوا مجلسه بالنمارق والزرابي الحرير ، وأظهر اليواقيت واللآلئ الثمينة العظيمة ، وعليه تاجه وغير ذلك من الأمتعة الثمينة ، وقد جلس على سرير من ذهب . ودخل ربعي بثياب صفيقة وترس وفرس قصيرة ، ولم يزل راكبها حتى داس بها على طرف البساط ، ثم نزل وربطها ببعض تلك الوسائد ، وأقبل عليه سلاحه ودرعه وبيضته على رأسه ، فقالوا له : ضع سلاحك ،فقال : إني لم آتكم وإنما جئتكم حين دعوتموني ، فإن تركتموني هكذا وإلا رجعت . فقال رستم : ائذنوا له . فأقبل يتوكأ على رمحه فوق النمارق ، فخرق عامتها ، فقال له : ما جاء بكم ؟ فقال : الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله ، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها ، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام (4).







(1) - صحيح مسلم ، كتاب الحدود ، باب من اعترف على نفسه بالزنا ، رقم ( 4432 ) .

(2) - تاريخ الطبري : 4/16.

(3) - أخرجه الحاكم في المستدرك ( 309-310 ) وصححه ، ووافقه الذهبي ، والبيهقي في دلائل النبوة ( 2/299-300 ) وقال : إسناده صحيح .

(4) - حياة الصحابة للكاند هلوي ( 1/203 ) .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #43  
قديم 21-12-2019, 05:05 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,354
الدولة : Egypt
افتراضي رد: السيرة النبوية والشمائل المحمدية **متجددة إن شاء الله

السيرة النبوية والشمائل المحمدية
الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر

الحلقة(43)




الشجاعة النادرة والاستهانة بالحياة





ولقد بعث الإيمان بالآخرة في قلوب المسلمين شجاعة خارقة للعادة ، وحنينا غريبا إلى الجنة ، واستهانة نادرة بالحياة ، تمثلوا الآخرة وتجلت لهم الجنة بنعمائها كأنهم

يرونها رأي عين ، فطاروا إليها طيران حمام الزاجل لا يلوي على شيء .



تقدم أنس بن النضر يوم أحد وانكشف المسلمون ، فاستقبله سعد بن معاذ فقال : يا سعد بن معاذ، الجنة ورب الكعبة ، إني أجد ريحها من دون أحد ، قال أنس : فوجدنا به بضعا وثمانين ضربة بسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم ، ووجدناه قد قتل ومثل به المشركون ، فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه(1) .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر : ( قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض )! فقال عمير بن الحمام الأنصاري : يا رسول الله ، جنة عرضها السماوات والأرض ؟! . قال نعم )، قال : بخ بخ ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يحملك على قولك بخ بخ )؟ قال : لا والله يا رسول الله إلا رجاء أن أكون من أهلها، قال فإنك من أهلها )، فأخرج تمرات من قرنه فجعل يأكل منهن ، ثم قال : لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة ، فرمى بما كان معه من التمر ، ثم قاتلهم حتى قتل (2).



وعن أبي بكر بن أبي موسى الأشعري قال : سمعت أبي رضي الله عنه وهو بحضرة العدو يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف ) ، فقام رجل رث الهيئة فقال : يا أبا موسى أأنت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هذا ؟ قال : نعم . فرجع إلى أصحابه فقال : أقرأ عليكم السلام ، ثم كسر جفن سيفه فألقاه ، ثم مشى بسيفه إلى العدو فضرب به حتى قتل (3).



وكان عمرو بن الجموح أعرج شديد العرج ،وكان له أربعة بنين شباب يغزون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غزا ، فلما توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحد أراد أن يتوجه معه ، فقال له بنوه : إن الله قد جعل لك رخصة ، فلو قعدت ونحن نكفيك ، وقد وضع الله عنك الجهاد ، فأتى عمرو بن الجموح رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، إن بني هؤلاء يمنعوني أن أخرج معك ، ووالله إني لأرجو أن أستشهد فأطأ بعرجتي هذه في الجنة . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أما أنت فقد وضع الله عنك الجهاد )، وقال لبنيه وما عليكم أن تدعوه لعل الله عز وجل أن يرزقه الشهادة )، فخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتل يوم أحد شهيدا(4) .



وقال شداد بن الهاد : جاء رجل من الأعراب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فآمن به واتبعه فقال : أهاجر معك ، فأوصى به بعض أصحابه ، فلما كانت غزوة خيبر غنم رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا فقسمه ، وقسم للأعرابي فأعطى أصحابه ما قسم له وكان يرعى ظهرهم ، فلما جاء دفعوه إليه فقال : ما هذا ؟ قالوا : قسم قسمه لك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخذه فجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ما هذا يا رسول الله ؟ قال قسم قسمته لك )، قال : ما على هذا اتبعتك ، ولكن اتبعتك على أن أرمي ها هنا – وأشار إلى حلقه – بسهم ، فأموت فأدخل الجنة ، فقال إن تصدق الله يصدقك )، ثم نهضوا إلى قتال العدو فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم وهو مقتول فقال أهو هو )؟ قالوا : نعم ، قال صدق الله فصدقه )(5) .



من الأنانية إلى العبودية :



وكانوا قبل هذا الإيمان في فوضى من الأفعال والأخلاق والسلوك والأخذ والترك والسياسة والاجتماع ، لا يخضعون لسلطان، ولا يقرون بنظام ،ولا ينخرطون في سلك ، يسيرون على الأهواء ويركبون العمياء ويخبطون خبط عشواء ، فأصبحوا الآن في حظيرة الإيمان والعبودية لا يخرجون منها ، واعترفوا لله بالملك والسلطان والأمر والنهي ، ولأنفسهم بالرعوية والعبودية والطاعة المطلقة ، وأعطوا من أنفسهم المقادة واستسلموا للحكم الإلهي استسلاماً كاملاً ، ووضعوا أوزارهم ، وتنازلوا عن أهوائهم وأنانيتهم ، وأصبحوا عبيدا لا يملكون مالا ولا نفسا ولا تصرفاً في الحياة إلا ما يرضاه الله ويسمح به، لا يحاربون ولا يصالحون إلا بإذن الله ، ولا يرضون ولا يسخطون ولا يعطون ولا يمنعون ولا يصلون ولا يقطعون إلا بإذنه ووفق أمره .



ولما كان القوم يحسنون اللغة التي نزل بها القرآن وتكلم بها الرسول صلى الله عليه وسلم وعرفوا الجاهلية ونشؤوا عليها ، وعرفوا معنى الإسلام معرفة صحيحة ، وعرفوا أنه خروج من حياة إلى حياة ، ومن مملكة إلى مملكة ، ومن حكم إلى حكم ، أو من فوضوية إلى سلطة ، أو من حرب إلى استسلام وخضوع ، ومن الأنانية إلى العبودية ، وإذا دخلوا في الإسلام فلا افتيات في الرأي، ولا نزاع مع القانون الإلهي ، ولا خيرة بعد الأمر ولا مشاقة للرسول ، ولا تحاكم إلى غير الله ولا إصدار عن الرأي ، ولا تمسك بتقاليد وعادات ، ولا ائتمار بالنفس ، فكانوا إذا أسلموا انتقلوا من الحياة الجاهلية بخصائصها وعاداتها وتقاليدها إلى الإسلام بخصائصه وعاداته وأوضاعه ، وكان هذا الانقلاب العظيم يحدث على أثر قبول الإسلام من غير تأن .



همّ فضالة بن عمير بن الملوح أن يقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو يطوف بالبيت . فلما دنا منه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضالة )؟ قال : نعم ، فضالة يا رسول الله ! قال ماذا كنت تحدث به نفسك )؟ قال : لا شيء ، كنت أذكر الله ، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم قال استغفر الله )، ثم وضع يده على صدره فسكن قلبه ؛ وكان فضالة يقول : والله ما رفع يده عن صدري حتى ما خلق الله شيئا أحب إلى منه ، قال فضالة : فرجعت إلى أهلي فمررت بامرأة كنت أتحدث إليها ، فقالت : هلّم إلى الحديث ، فقلت : يأبي الله عليك والإسلام(6).



إن هذا الإيمان بالله والرسول واليوم الآخر والإسلام لله ولدينه أقام عوج الحياة ، ورد كل فرد في المجتمع البشري إلى موضعه ، لا يقصر عنه ولا يتعداه ، وأصبحت الهيئة البشرية طاقة زهر لا شوك فيها ، أصبح الناس أسرة واحدة ، أبوهم آدم ، وآدم من تراب ، لا فضل لعربي على عجمي ، ولا لعجمي على عربي إلا بالتقوى .



وأصبحت الطبقات والأجناس في المجتمع الإسلامي متعاونة متعاضدة لا يبغي بعضها على بعض ، فالرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم ، والنساء صالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله ، لهن مثل الذي عليهن بالمعروف ، وأصبح كل واحد في المجتمع راعيا ومسؤولا عن رعيته ، الإمام راع ومسؤول عن رعيته ، والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته ، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها ، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته (7).

وهكذا كان المجتمع الإسلامي مجتمعا رشيداً عاقلاً مسؤولا ًعن أعماله (8).










(1) - أخرجه البخاري ، كتاب الجهاد والسير ،باب قول الله ( من المؤمنين رجال ... ) ( 2805 ) ،ومسلم ، كتاب الإمارة ( 1903 ) .

(2) - أخرجه مسلم ، كتاب الإمارة ، باب ثبوت الجنة للشهيد ، ( 4915 ) .

(3) - أخرجه مسلم ، كتاب الإمارة ، باب ثبوت الجنة للشهيد ، ( 4916 ) .

(4) - أخرجه ابن هشام في السيرة ( 2/90، 91 ) والبيهقي في الدلائل ( 3/ 246 ) .

(5) - أخرجه النسائي ، كتاب الجنائز ، باب الصلاة على الشهداء ( 1955 ) ، والحاكم في المستدرك ( 3/595-596 ) وسكت عليه ، ووافقه الذهبي ، قلت : إسناده صحيح .

(6) - زاد المعاد : 2/332.


(7) - هذا حديث أخرجه البخاري ، كتاب الجمعة ، باب الجمعة في القرى والمدن ، رقم ( 893 ) .

(8) - انظر : ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين ص 101-111 ، 113-114.







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #44  
قديم 27-12-2019, 09:18 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,354
الدولة : Egypt
افتراضي رد: السيرة النبوية والشمائل المحمدية **متجددة إن شاء الله

السيرة النبوية والشمائل المحمدية
الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر

الحلقة(44)


الاطلاع على منهج إمام الدعاة صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى الله


إن من أبرز سمات هذا الدين الحنيف عالميته ، وكل فهم للإسلام بعيد عن هذه السمة فهم خاطئ . إن ديننا أعظم من أن يكون عبادات وشعائر ، إنه دين الخير والعطاء والحب والسلام للإنسانية جمعاء ، وهو لا يقبل من أتباعه أبداً الصوم والصلاة وشهادة الحق فقط ، وإنما يريد منهم أن يكونوا حملة لراية الإسلام وأن يوصلوا كلمته إلى أقاصي الأرض ، فذلك حق الشكر لله على نعمة الإسلام ، ومن ثم جعل الله سبحانه الدعوة إلى الإسلام فريضة من فرائضه .
والدعوة إلى الإسلام لابد أن تنتهج منهج إمام الدعاة الرسول صلى الله عليه وسلم باعتباره الأسوة الحسنة المختارة من قبل الله عز وجل ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) .[ سورة الحشر / 7 ] .وهو منهج نراه في السيرة واضح الملامح والقسمات بكل أركانه ومراحله ، حتى إن كل من كتب من العلماء في الدعوة والدعاة إنما استقى من سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ ففي السيرة يجد المسلم الداعية العظيم محمداً صلى الله عليه وسلم كيف اختاره الله من بين الناس أجمعين وصنعه على عينه وأعده إعداداً عظيما عظم رسالة الإسلام نفسها ، خرج بعده صلى الله عليه وسلم مثال الجمال والكمال في الفكر والقلب والسلوك ليبلغ الإنسانية جمعاء خطاب الله الأخير إليها .
وفي مسيرنا مع الخط البياني للدعوة الإسلامية ، نلاحظ كيف كانت تنتشر ضمن امكانيات البشر وفي حدود قدرتهم ، وليس بالمعجزات والطلاسم والمغيبات ، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن جالسا والدعوة في انتشار ، بل كان يأخذ للأمر عدته ، ويعيش الدعوة الإسلامية بشرا ، وليس ملاكا ، ففي اليوم الأول خاف أن يواجه الناس بغير ما يعهدونه وأتهم نفسه ورأيه ، يتجلى ذلك في قوله للسيدة الفاضلة أم المؤمنين خديجة – رضي الله عنه – " لقد خشيت على نفسي " ثم سلك طريق السرية ، ثم من دعوة السر إلى الجهر ، في إطار من السلم ، ثم ينتقل إلى المدينة فتكون المغازي دفاعا ثم هجوماً ، كل ذلك في النطاق المحلي للجزيرة العربية ، ثم ترسم السيرة ملامح المرحلة العالمية في سني حياته الأخيرة ، صلوات الله عليه وسلامه ، حين يرسل بالكتب إلى الملوك والزعماء خارج الجزيرة يدعوهم فيها إلى الإسلام ، ويجمع لأسامة ، رضي الله عنه ، قبيل وفاته صلى الله عليه وسلم جيشاً يأمره أن يطأ به البلقاء والداروم من أرض فلسطين . مسلماً بذلك المسلمين زمام المرحلة العالمية للدعوة ، ليتابعوا تلك المرحلة حتى آخر الدهر ، ثم ينتقل إلى رحمة ربه راضيا مرضيا صلوات الله وسلامه عليه .
وهكذا يطلع دارس السيرة على الإسلام في صورته العالمية متجسدة في شخص إمام الدعاة صلى الله عليه وسلم.
كما نتعرف من خلال تاريخ الدعوة الإسلامية على موقف صاحبها عليه الصلاة والسلام من الأحداث والقضايا التي كانت تواجهه ، ولا زالت وستبقى تواجهنا ، فقد واجهه مثلا حصار وتشريد ، ونفى ، وواجهته ضغوط نفسية واجتماعية وحروب ومعارك ،وواجهته مؤامرات وخيانات ومساومات سياسية وعقد مصالحات !! واجهته مشكلة بناء أمة ومجتمع على أسس متينة في بلاد لم تعرف التنظيمات والدولة الواحدة من زمن سحيق، وهذا كله يتطلب تحديد المواقف صريحة وإظهار السياسة واضحة .
ودراسة السيرة تحدد لنا موقف النبي صلى الله عليه وسلم من كل هذه الأمور لنطمئن إلى الحكمة والعدل والاستقامة والدقة في كل أحواله .
وهكذا يقف الداعية على الأساليب التي يجب أن ينتهجها في معاملة الناس بكل ألوانهم وصنوفهم بدءاً من الأحباب والأصحاب والأهل إلى كل جبهة معادية يواجهها في مسيرته إلى الله (1).




(1) - انظر مختصر الجامع في السيرة النبوية ص 18-19، مصادر السيرة النبوية وتقويمها ص 17-18.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #45  
قديم 27-12-2019, 09:21 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,354
الدولة : Egypt
افتراضي رد: السيرة النبوية والشمائل المحمدية **متجددة إن شاء الله

السيرة النبوية والشمائل المحمدية
الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر

الحلقة(45)



التمكين لمحبة صحابته صلى الله عليه وسلم في قلب المسلم والسعادة بصحبتهم والتأسي بحياتهم


فالسيرة تكسب المسلم أيضا محبة صحابة النبي صلى الله عليه وسلم إلى جانب محبته صلى الله عليه وسلم ، ومحبتهم مطلوبة لذاتها ، فقد أثنى الله عليهم مهاجرين وأنصاراً في كتابه الكريم ، فقال عز من قائل ( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه ، وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم ) [ سورة التوبة / 100 ] ، ونبه النبي صلى الله عليه وسلم إلى وجوب محبتهم فقال : " الله الله في أصحابي ، لا تتخذوهم غرضا بعدي ، فمن أحبهم فبحبي أحبهم ، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ، ومن آذاهم فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله ،ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه " (1).

وسيجد المسلم في صحبتهم ، رضي الله عنهم ، حافزا على العمل ، وهو يقرأ صنيعهم وكيف كانوا يتخطون العقبات، سواء ما قام منها في نفوسهم أو ما يلقونه من أعدائهم .

إن الفاضل منا اليوم ليعجب بنفسه وعبادته ويتحدث عن قيامه بالليل الساعة والساعتين ، فهل قرأ عن قيام عباد بن بشر ، رضي الله عنه ، في غزوة ذات الرقاع ؟ ويتحدث أحيانا عن الصدقة والصدقتين ، فهل قرأ عن صدقات أبي بكر وعثمان وأبي الدحداح رضي الله عنهم جميعاً ؟ ويتحدث عن جهاده في سبيل الله واحتسابه الولد أو الأخ ،فهل قرأ عن احتساب المرأة الدينارية أولادها وزوجها ؟ وهل قرأ ما فعل عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، بخاله يوم بدر ؟ وكيف احتسب حذيفة أباه اليمان ، رضي الله عنهما ، في أحد ؟ ويتحدث عن زهده وخدمته الإسلام ، فهل قرأ كيف أغلق الصحابة الكرام أبواب الدنيا ، واستحالت حياتهم جهاداً في سبيل الله ؛ غزواً في النهار ، وعبادة بالليل ؟ وكانوا مثلما وصفهم عبدالله بن مسعود رضي الله عنه : " أزهد في الدنيا وأرغب في الآخرة " (2).
ومن هنا كان الحديث الشريف : ( خير القرون قرني ثم الذين يلونهم .. ) بيانا للواقع ، فهو ذروة الخط البياني في تاريخ البشرية كلها ...
أما بالنسبة للأجيال بعده فذلك بنص الحديث الشريف ( ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ) ، وأما بالنسبة للأجيال السابقة فذلك ما دونه القرآن الكريم وهو يتحدث عن أقوام الرسل السابقين .
فقد قال قوم موسى لموسى : ( فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون ) [ سورة المائدة / 24 ] ، وقال الصحابة لرسولهم الكريم : ( اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون )([3]) ، ولم يقولوا كما قال الحواريون : ( يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء ) [ سورة المائدة / 112 ] ، فقد كانوا أكثر أدبا مع الرسول صلى الله عليه وسلم فضلا عن أدبهم أمامه سبحانه وتعالى .
أليس من سعادة المرء النفسية والفكرية والإيمانية أن يعيش مع هذا الجيل بفكره يتخيله وقد كان واقعا في الحياة في يوم مضى .. فيعرف له فضله ، ويعرف له حقه ... ويتعلم كيف يكون الإيمان وكيف يكون الحب ، وكيف تكون الطاعة ... ؟ .
حقا إن المسافة شاسعة بيننا وبين أولئك الصحابة الذين ضحوا بكل شيء من أجل الله ورسوله ، بينما وقفنا نحن عند حدود القراءة لأخبار تلك التضحيات الجليلة ، فلئن كان حظنا القراءة وحظهم التضحيات لقد باينونا بونا عظيما .
إن المسلم ليسعد بصحبة الصحابة الكرام في السيرة ، يرى فيهم نماذج إنسانية ممتازة لم يعرف مثلها التاريخ تحليقا روحانيا ، ولا ارتفاعا على شهوات الأرض ، وانتصارا على النفس، وقوة ذكاء ،وسرعة بديهة ،وسمو أدب ... كل واحد منهم قصة مع الله تهز الضمير وتوقظ القلب ، لقد تفاعلوا مع النبي صلى الله عليه وسلم فاستقبلوا نسمات الهدى ،وأغلقوا أبواب الماضي ،وتفتحوا للحياة الجديدة بملء القلوب ، لا يختزنون من مواهبهم شيئا ،ولا يحتجزون عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئا بعد أن أكرمهم الله بصحبته عليه الصلاة والسلام... كانوا يستشعرون نعمة الله عليهم ليلهم ونهارهم ، لا يغيب عنهم ذلك الشعور ، كان دائما في أعماقهم حياً يقظا يحرم عليهم النوم ويقض عليهم مضاجع الراحة ، ويجعلهم في توتر مستمر لا ينسون فيه الإسلام ولا يستطيعون أن يغفلوا عن معركته لحظة ، هم في المعركة دائما مع النبي صلى الله عليه وسلم يشاركونه وهج الكفاح ويحملون معه هموم الإسلام .
هنالك لا يجد المسلم مناصا من أن يقارن نفسه بهم ، رضي الله عنهم وأرضاهم ،فتصغر في عينه نفسه ، ويدرك أنه ليس من أهل الحب ولا التضحية ولا الفداء .. وأنه مقصر جداً في حق الله وحق رسوله صلى الله عليه وسلم ، فيراجع نفسه وأوراقه ويسعى إلى حياة جديدة فيها الحب الحقيقي لله والانتماء الحقيقي لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
وإن المسلم لتأخذه الدهشة من صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف استطاع صلى الله عليه وسلم أن يحول هؤلاء الذين كانوا حفاة عراة متخلفين تجاوزتهم حضارة الفرس والرومان فيجعلهم بتربيته الربانية أقطاب الأرض ، وجهابذة الدنيا وأساتذة العالم وأطباء الإنسانية ومنقذي الغرقى من البشر .
هنالك تزداد ثقة المسلم بمدرسة محمد صلى الله عليه وسلم فلا يرضي عنها بديلاً، ويراجع أسلوب تربيته الخاص وتربية أبنائه موقنا أن الإسلام لم يدع شيئا من خير الدنيا والآخرة إلا أمر به وأرشد إليه(4).



(1) - سنن الترمذي ، كتاب المناقب ، باب في من سب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم /ح 3862، وقال : هذا حديث حسن غريب .
(2) - حلية الأولياء وطبقات الأصفياء / الحافظ أبو نعيم الأصبهاني : ( ج 1/ 136 ) .
(3) - كان ذلك قول المقداد بن عمرو في يوم بدر .
(4) - مختصر الجامع في السيرة النبوية ص 19-20.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #46  
قديم 06-01-2020, 06:37 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,354
الدولة : Egypt
افتراضي رد: السيرة النبوية والشمائل المحمدية **متجددة إن شاء الله

السيرة النبوية والشمائل المحمدية
الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر

الحلقة(46)



توثيق علاقة المسلم بمربيه وإخوته وإضاءة طريقه إلى الله





إن دراسة السيرة النبوية تمتن صلة المسلم بجماعته ، ففي السيرة يجد المسلم الجماعة الربانية الرائدة فيرى فيها جماعته ويرى شيخه في شخص المصطفى صلى الله عليه وسلم فـ ( العلماء ورثة الأنبياء) (1)، ويرى أحبته وإخوته في الله ، ويجد أحباب الإسلام وأعداءه ، ويرى فيهم جميعا إيجابياته وسلبياته ، ويتعرف مسارب الإيمان ومسارب الكفر والنفاق في النفوس، وكيف تكون تزكية النفس واستصغار عطائها وإرشادها إلى دروب الفلاح .



من الصحابة الكرام يتعلم المسلم كيف يكون حب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكيف يترجم الحب أدباً وتضحية وفداء وتجرداً لنصرة الإسلام ... يتعلم منهم كيف يكون الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع العلماء ورثة الأنبياء، مع الدعاة الكبار الذين ساروا على قدم النبوة، مع كل من خدم هذا الدين ... يتعلم منهم الأدب الرفيع مع الشيخ ، والحب لإخوته في الله.



ولسوف يجد في سلوك الصحابة إضاءة لسلوكه إلى الله، ولسوف يرى حلاً لكثير من مشكلاته النفسية وهو يراهم كيف كانوا يتجاوزون نفوسهم ويتغلبون على آلامها وينتصرون في كل مرة ويقدمون رضا الله على رضا أنفسهم .



لقد شاء الله أن يكونوا رواداً لنا في مسيرة الإيمان، فشقوا لنا الطريق وعبدوه، وضربوا لنا نماذج لا تنال في خدمة الإسلام ، وفي التغلب على النفس، وفي الانتصار لصوت الحق، وفي التنازل عن كل شيء من أجل الله والرسول والإسلام ... كانوا يتغلبون على عقبات الطريق، وكان نصوع الهدف ووضوحه هو الذي يقيلهم من عثراتهم كلما كبوا ... كانوا يذنبون كما نذنب ولكنهم كانوا يتوبون إلى الله لا كما نتوب، وإن مشاهد التوبة في حياتهم مشاهد تهز الضمير حقا ... فمن ينسى توبة أبي لبابة ، أو توبة كعب بن مالك، أو توبة أبي حذيفة بن عتبة، أو توبة عمر بن الخطاب وعظم شعوره بالذنب يوم جادل النبي صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية ... إلى غير ذلك من الأمثلة التي تذخر بها السيرة وتعلن عن عظمة هؤلاء الرجال وعظمة توبتهم ورقيهم الإيماني ومنزلتهم عند الله سبحانه وتعالى (2).







(1) - سنن الترمذي : كتاب العلم ، باب ما جاء في فضل الفقه على العبادة ج 2682 .
(2) - انظر : مختصر الجامع في السيرة النبوية ( 1/20-21 ) .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #47  
قديم 06-01-2020, 06:42 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,354
الدولة : Egypt
افتراضي رد: السيرة النبوية والشمائل المحمدية **متجددة إن شاء الله

السيرة النبوية والشمائل المحمدية
الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر

الحلقة(47)


غرس الوعي في نفس المسلم وتمكينه من النهوض بأمته




فدراسة السيرة كفيلة بأن تزرع الوعي في نفس صاحبها ، وتمكنه من النهوض بأمته والعودة بها إلى المرتقي الذي ارتقته أيام التنزيل على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والذي عاشت فيه قرونا حتى تغافلت عن منابع النبوة وإرشاد التنزيل المبارك فهبطت الهبوط الطويل وغابت عن مسرح الحياة .

ونحن نفهم هذا في ضوء القيمتين العظيمتين اللتين يذكرهما المؤرخون لدراسة التاريخ ، فهم يذكرون أن لدراسة التاريخ قيمتين : قيمة نفعية وقيمة تربوية .

أما القيمة النفعية فتتمثل في أن كل إنسان مسؤول عن مسيرة أمته حضارياً ، وهو لا يستطيع أن يقوم بهذا الدور ما لم يتعرف تلك الحضارة، مكوناتها وظروفها والشخصيات التي أثرت فيها والتي رسمت المنعطفات الكبيرة فيها ، والمسلم مسؤول عن ذلك مرتين : مرة أمام الله سبحانه الذي أراد لحضارة المسلم أن تظل الإنسانية براية التوحيد والعبودية لله حين خاطبه سبحانه وتعالى بقوله : ( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ) [ سورة آل عمران / 110 ] ، ومرة أمام الإنسانية التي تعاني اليوم أقسى ألوان الضياع والشرود عن الله سبحانه وهي تمد يد الاستغاثة ، ولن تكون اليد المنقذة إلا يد المسلم الذي خصه الله دون سواه بذلك الخطاب الكريم ، يقول أحد العارفين بما معناه : إن الإنسانية لتحتج لدى الله تبارك وتعالى ضد المسلم يوم القيامة ، لأنه لم يبلغها نعمة الإسلام.

إن على المسلم ، إذن ، أن يعرف قيمته وأن يعرف أنه ليس كأحد من الناس أبداً، إن الله اختاره منقذا للإنسانية ومرشدا هاديا ، ولا يجوز له أبداً أن يتنازل عن هذا المقام الرفيع لا رغبة بالزعامة ولا استعلاء ، بل لأن ما يعرفه ويقدر عليه من مداواة الإنسانية المريضة لا يقدر عليه غيره ولا يعرفه ، ومن ثم فإن تخليه عن تلك المرتبة وذلك المقام لا يقل جريمة أبدا عن تخلي الطبيب عن عمله في قرية مرض أهلها جميعاً وليس فيها طبيب غيره .

هكذا لا يجوز للمسلم أن يضّيع حياته سدى متثاقلاً إلى الأرض في مشكلات تافهة أو عمل هزيل ، ولن يسامحه الله سبحانه أن يبذل في خدمة الإسلام التسع والتسعين من وقته وطاقته وهو قادر على بذل المائة ، ويجب أن يعلم المسلم مع ذلك أن هذا أشرف موقع في الحياة وأرفع مقام؛ إنها خلافة النبوة فينبغي أن يعد لها نفسه إعداداً هائلاً : عقديا وثقافيا وروحياً ونفسياً وسلوكياً .

من هذه الوجهة تبدو دراسة السيرة – وهي جزء من التاريخ العربي والعالمي، بل هي أرقى حلقة فيه باعتبارها أكبر حدث غير وجه التاريخ – قادرة على تحقيق تلك القيمة النفعية للمسلم ، إذ تعينه على النهوض بأمته ودفع مسيرتها نحو الخير والارتقاء.

وأما القيمة الثانية لدراسة التاريخ فهي قيمة تربوية، إذ تكسب صاحبها العادة التاريخية في تناول الحقائق والأسلوب التاريخي في التفكير فيها ، وذلك لأن حقيقة التاريخ ومهمة المؤرخ لا تقف عند جمع الأحداث بل تتعداه إلى دراستها ومقابلتها وموازنتها، ثم فرزها إلى صحيح وزائف ، ثم تصنيفها من حيث كونها سببا أو نتيجة ، وتعين هذه التجربة المتكررة المؤرخ أن يستنبئ من ورائها ما سيقع من أحداث . والمسلم بهذا الاعتبار أولى الناس طراً بأن تكون لديه هذه العادة التاريخية في مقابلة الأحداث ، فلا يجوز له – وأمته الإسلامية تمر بهذه الظروف الصعبة – أن يقابل الأحداث مقابلة فاترة أو غير مسؤولة فمن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم (1)، كما لا يجوز له أن يكون ضعيف الوعي غريرا يصدق كل ما يقال وكل ما يلقى إليه من أخبار .

وطالما أن المسلم مسؤول عن أمته وعليه الإسهام في تصحيح مسيرتها ، فأني له أن يفعل ذلك وهو لا يستطيع تقويم ما يجري حوله من أحداث ، ولا يملك قدرة على الاستنتاج أو الاستكشاف لفقدانه الحس التاريخي ، وبالتالي فهو غير قادر على خدمة هذه الأمة ولا على أن يرسم لها طريق الخلاص والنهوض ؟! .

لقد طال الزمان على المسلم المعاصر وهو يضلل عن الإسلام وأمته ، فقد صار ضعيف الذهن فاسد المحاكمة ، يتقبل للأسف كل ما يقال له ، يستخفه الكبراء فيطيعهم ويضل عن الطريق لأنه جاهل حقيقة الإسلام ، جاهل أبعاد المؤامرة التي تدبر له والتي امتد تدبيرها قروناً من الزمان من أجل إبعاده عن ساحة الحياة ، وهو غافل لا يعرف ماذا تعني تلك الأخبار التي تلقي إليه أو يعرض عليه سماعها ، غير قادر على فرزها ولا على فهمها أو معرفة أصحابها أو دوافعهم إليها ، ومن ثم فهو غير قادر على الاستنتاج والتنبؤ ولا على الخروج بقرار يخدم أمته .

إن مشكلة المسلمين اليوم عميقة الجذور ، متعددة الجوانب ، ولابد لحلها من صياغة المسلم صياغة جديدة واضحة الملامح ، واضحة الهدف ،صافية المشارب ، ناصعة الوعي ، على نسق الصورة التي صاغ النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه الكرام صياغة موافقة لوحي السماء فإذا هم يتدفقون إيمانا ووعيا للقضية ، بني لهم دولة الإسلام ثم سلمهم راية الفتح العالمي ومضي إلى ربه راضيا مرضيا (2).








(1) - الحديث أخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد ( ج 1/248 ) .

(2) - مختصر الجامع في السيرة النبوية ص 21-22 .





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #48  
قديم 21-01-2020, 12:00 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,354
الدولة : Egypt
افتراضي رد: السيرة النبوية والشمائل المحمدية **متجددة إن شاء الله

السيرة النبوية والشمائل المحمدية
الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر

الحلقة(48)




دراسة السيرة حصانة من سموم المستشرقين (1-2)



أن دراسة السيرة النبوية حصانة ووقاية من سموم المستشرقين وتلامذتهم، فهم جميعا إلا أقل القليل منهم محترفو تزييف وتحريف ، وهواة تشكيك وتضليل، لذلك كثرت كتاباتهم وتحقيقاتهم في التاريخ والسيرة ، حتى إن مجلة المقتبس الدمشقية نشرت منذ أكثر من قرن ( 1304هـ ) : إحصاء لما صنف في السيرة النبوية بمختلف اللغات الأوربية فبلغ نحو ( 1300 ) كتاب ، ولو أضفنا إلى هذا العدد ما صدر من المطابع الأوربية في السيرة النبوية خلال قرن وربع القرن بعد ذلك الإحصاء الذي نشرته مجلة المقتبس لأربى على ذلك كثيرا .

إن من أعظم الحقائق التي يجب أن يمتلكها المسلم اليوم حقيقة النبوة وارتباطها بحقيقة الوحي ،هذه الحقيقة التي يمتاز بها الرسل والأنبياء عن سائر الشخصيات الممتازة في الحياة ، من العباقرة والفلاسفة والأبطال والمفكرين والمصلحين، والتي كادت أن تختفي في حياة الجيل المعاصر وراء ستائر البدائل الكثيرة التي طرحها أعداء الإسلام في ساحة فكر المسلم وقلبه في غمرة من الغزو الفكري الذي لا يزال يتعرض له العالم الإسلامي منذ عقود كثيرة من الزمان وفي غفلة من الدعاة المسلمين .



فلقد سلطت الأضواء على بدائل كثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأطلقت في مقابل ذلك ألقاب معينة عليه صلى الله عليه وسلم توهم بالتعظيم ، ولكن المراد منها في الحقيقة إبعاد معنى النبوة عنه صلى الله عليه وسلم وطمس معالمها في شخصيته ، فمرة البطل ، ومرة العبقري ... حتى أصبح المسلم اليوم لا يفقه ماذا تعني النبوة ، ولا أين يجب أن تكون من حياته ، ولا كيف يجب أن تحكم سلوكه وعقيدته وشعوره ،ولا كيف يجب أن يربط مصيره بها .



إن المستشرقين الذين يمكرون بالليل والنهار لفصل هذا الجيل عن دينه وإقصاء الإسلام عن واقع الحياة يحاولون الدخول على عقيدة المسلم من كل باب ، وأخطر تلك الأبواب طراً شخصية المصطفى صلى الله عليه وسلم ، وهم يأبون أن يدرسوا الإسلام ورسوله دراسة موضوعية منهجية سليمة ، بالرغم من كل ما يتشدقون به على الدارسين في ديارهم وما يزعمون لأنفسهم من السبق في المنهجية . إنهم لا يدخلون رحاب تاريخنا العظيم والسيرة بصورة خاصة إلا بسبق ذهني ولده الكره للإسلام ، يركبون للبرهان على صحته كل مركب باطل من الخبر الضعيف والشاذ، ولي أعناق النصوص وتحميلها من الدلالات ما ليس فيها ، وربط الأحداث ربطا خاطئا أو بتر بعض أجزاء الحدث (1).



إن السبب في اهتمام المستشرقين بالتاريخ والسيرة : أن التاريخ يمنح الأمة القدرة على التصور الصحيح لمسار الحركة الإسلامية ، ويوقفنا على أسباب المد والجزر في محيط الفتح الإسلامي ، فمن كان مؤمنا استطاع أن ينتفع بالتاريخ في ربط حاضره بماضيه متجنبا العوائق ، ولله در من قال :

إذا علم الإنسان أخبار من مضى توهمته قد عاش من أول الدهــر

وتحسبه قد عاش آخر عمــره إذا كان قد أبقى الجميل من الذكر

ومن كان خصماً للإسلام عرف بدراسته للتاريخ الإسلامي من أين تؤكل الكتف في غزوه للعالم الإسلامي ومواجهته لدين الإسلام ، وأكثر المستشرقين يكن بغضا للإسلام ونبيه ، حتى إن ليوبولد فايس ( محمد أسد ) ليقرر هذه الحقيقة فيقول : " إن احتقار الإسلام أصبح جزءاً أساسياً من التفكير الأوربي "(2) .



وجاء في مجلة العالم الإسلامي ( عدد حزيران سنة 1930 ) : " إن شيئا من الخوف يجب أن يسيطر على العالم الغربي ، ولهذا الخوف أسباب منها : أن الإسلام منذ أن ظهر في مكة لم يضعف عددياً بل كان دائما في ازدياد واتساع ، ثم إن الإسلام ليس دنيا فحسب ، بل إن من أركانه الجهاد ، ولم يتفق قط أن شعبا دخل في الإسلام ثم عاد نصرانيا " .

ولذلك جاءت كتاباتهم في السيرة جهلا بها ، وتعصبا في التعامل معها ، وتحليلات واستنتاجات ما أنزل الله بها من سلطان ، ويؤكدها الواحد منهم المرة تلو المرة ، ويجمع القوم عليها حتى لتكاد تغدو عندهم يقينا من اليقين .








(1) - انظر : مختصر الجامع في السيرة النبوية ( 1/15 ) .
(2) - الإسلام على مفترق الطرق ص 60 .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #49  
قديم 21-01-2020, 12:01 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,354
الدولة : Egypt
افتراضي رد: السيرة النبوية والشمائل المحمدية **متجددة إن شاء الله

السيرة النبوية والشمائل المحمدية
الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر

الحلقة(49)




دراسة السيرة حصانة من سموم المستشرقين (2-2)




والفهم الجاد للسيرة يقتضي منهجاً يقوم على طبقات أو أدوار أو شروط ثلاثة ، وأن افتقاد أو تهديم أي واحد منها يلحق ضرراً فادحاً في مهمة الفهم هذه .
فأما الطبقة الأولى الأساسية : فهي الإيمان ، أو على الأقل احترام المصدر الغيبي لرسالة محمد صلى الله عليه وسلم وحقيقة الوحي الذي تقوم عليه .
وأما الطبقة الثانية : فهي اعتماد موقف موضوعي بغير حكم مسبق ، يتجاوز كل الإسقاطات التي من شأنها أن تعرقل عملية الفهم .
وأما الطبقة الثالثة : فهي ( تقنية ) صرفة تقوم على ضرورة الإحاطة الجيدة بأدوات البحث التاريخي ، بدءاً باللغة وجمع المادة الأولية ، وانتهاء بطرائق المقارنة والموازنة والنقد والتركيب ... إلى آخره .
وإذا كان الغربيون قد بلغوا حد التمكن والإبداع في هذه الدائرة الأخيرة فإنهم في نهاية الأمر لم يستطيعوا أن يقدموا أعمالاً عملية بمعنى الكلمة لواقعة السيرة ، ولا قدروا حتى على الاقتراب من حافة الفهم ، بسبب أنهم كان يعوزهم التعامل الأكثر علمية مع الدائرتين الأولين : احترام المصدر الغيبي ، واعتماد الموقف الموضوعي .
إن بحث المستشرقين – بصفة عامة – في السيرة لا يحمل عناصر اكتماله منذ البداية ، بل إنه ليشبه الاستحالة الحسابية المعروفة بجمع خمس برتقالات – مثلاً – مع ثلاثة أقلام .... إذ لا يمكن أن يكون الحاصل ثمانية .... إن هناك خلافا نوعيا لا يمكن الأرقام من أن تتجمع لكي تشكل مقداراً موحداً .

إن المستشرق– بعامة – يريدون أن يدرسوا سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفق حالتين تجعلان من المستحيل تحقيق فهم صحيح لنسيج السيرة ونتائجها وأهدافها التي تحركت صوبها ، والغاية الأساسية التي تمحورت حولها .
فالمستشرقين بين أن يكون علمانياً ماديا لا يؤمن بالغيب، وبين أن يكون يهوديا أو نصرانيا لا يؤمن بصدق الرسالة التي أعقبت النصرانية ...
وإذا كانت السيرة في تفاصيلها وجزئياتها، تنفيذاً تاريخياً لعقيدة الإسلام ذات المرتكزات الغيبية، بل ذات التداخل بين المغيب والمنظور في السدى واللحمة، وإذا كانت بمثابة دعوة سماوية أخيرة جاءت لكي توقف النصرانية المحرفة عن العمل ، وتحل محلها ، بما تتضمنه من عناصر الديمومة والحركية والانتقال ... فإن ثمة جداراً فاصلاً يقف بين المستشرق – سواء أكان من الصنف الأول أم من الصنف الثاني – وبين فهم السيرة .
ولذلك نرى المستشرق من خلال رؤيته الخارجية ، وتغربه ، يمارس نوعا من التكسير والتجريح في السيرة ونسيجها .

يقول المونيسنيور كولي في كتابه ( البحث عن الدين الحق ) : " برز في الشرق عدو جديد هو الإسلام الذي أسس على القوة ، وقام على أشد أنواع التعصب ، ولقد وضع محمد السيف في أيد الذين تبعوه ، وتساهل في أقدس قوانين الأخلاق ، ثم سمح لاتباعه ، بالفجور والسلب ، ووعد الذين يهلكون في القتال بالاستمتاع الدائم بالملذات في الجنة ، وبعد قليل أصبحت آسيا الصغرى وأفريقيا وأسبانيا فريسة له ، حتى إيطاليا هددها الخطر وتناول الاجتياح نصف فرنسا ولقد أصيبت المدينة ... ولكن انظر !! ها هي النصرانية تضع بسيف شارل مارتل سداً في وجه سير الإسلام المنتصر عند بواتيه ( 752م ) ثم تعمل الحروب الصليبية في مدى قرنين تقريبا ( 1099-1254م ) في سبيل الدين ، فتدجج أوربا بالسلاح وتنجي النصرانية ، وهكذا تقهقرت قوة الهلال أمام راية الصليب ، وانتصر الإنجيل على القرآن وعلى ما فيه من قوانين الأخلاق الساذجة " .

ويقول المسيوكيمون في كتابه " ميثولوجيا الإسلام " إن الديانة المحمدية جذام فشى بين الناس وأخذ يفتك بهم فتكا ذريعا ، بل هو مرض مروع وشلل عام وجنون ذهني يبعث الإنسان على الخمول والكسل ، ولا يوقظه منهما إلا ليسفك الدماء ويدمن معاقرة الخمور !! ويجمح في القبائح ، وما قبر محمد في مكة ( ؟ ) إلا عمود كهربائي يبث الجنون في رؤوس المسلمين ويلجؤهم إلى الإتيان بمظاهر الصرع ( الهستيريا ) ، والذهول العقلي ، وتكرار لفظة ( الله . الله ) إلى ما لا نهاية ، وتعود عادات تنقلب إلى طباع أصلية ككراهية لحم الخنزير والنبيذ والموسيقى وترتيب ما يستنبط من أفكار القسوة والفجور في الملذات " .
وهكذا كانت النتيجة أبحاثاً تحمل اسم السيرة وتتحدث عن حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وتحلل حقائق الرسالة ولكنها – يقينا – تحمل وجها وملامح وقسمات مستمدة من عجينة أخرى غير مادة السيرة ، وروحا أخرى غير روح النبوة .. ومواصفات أخرى غير مواصفات الرسالة .
إن نتائجها تنحرف عن العلم لأنها تصدر عن الهوى ، وتفقد القدرة على مسامتة عصر الرسالة وشخصية الرسول صلى الله عليه وسلم ونقل تأثيراتهما الجمالية بالمستوى العالي نفسه من التحقق التاريخي ... لأنها تسعى لأن تخضع حقائق السيرة لمقاييس عصر ينسخ كل ما هو جميل ، ويزيف كل ما هو أصيل ، ويميل بالقيم المشعة إلى أن تفقد إشعاعها وترتمي في الظلمة ، أو تؤول إلى البشاعة (1) .



(1) - انظر : بحث المستشرقين والسيرة النبوية للدكتور عماد الدين خليل ، بكتاب : مناهج المستشرقين في الدراسات العربية الإسلامية 1/117- 119.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #50  
قديم 09-02-2020, 06:32 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,354
الدولة : Egypt
افتراضي رد: السيرة النبوية والشمائل المحمدية **متجددة إن شاء الله


السيرة النبوية والشمائل المحمدية
الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر

الحلقة(50)


فتح كنوز معرفية للمسلم



فالسيرة نبع لا يغيض من الثقافة والمعارف المتنوعة التي تنفع المسلم في دنياه وآخرته ، ففيها معارف جغرافية وتاريخية ، وفيها معرفة واسعة عن أنساب العرب وقبائلهم ومنازلهم وأيامهم ووقائعهم وثقافاتهم وعاداتهم وتقاليدهم ، ومعارف هامة حول التنزيل؛ فإن السيرة هي التفسير العملي لكتاب الله وهي بيان واقعي لمبادئ الدين الإسلامي وأحكامه وتشريعاته ، وفيها معارف حول كثير من أمور العقيدة والأخلاق ، وهي رفد لرجال السياسة والتربية والحرب ورجال الأدب الذين يجدون فيها مادة للأدب الإسلامي ، فاللغة في السيرة هي اللغة التي يحتج بها لأنها لغة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام والتابعين الذين توفوا قبل ( 150 هـ ) .

واللغة في السيرة عموما لغة مشرقة سهلة ميسرة غير متكلفة لها نور وجمال ، وهي لغة بليغة مؤثرة في القلب ، وكثير مما ورد في السيرة من عيون الأدب العربي وقد جعله البلغاء في مختاراتهم كحديث توبة كعب بن مالك ، رضي الله عنه ، وقصيدة كعب بن زهير اللامية التي مدح بها رسول الله صلى الله عليه وسلم مستشفعاً عنده ... وما من شك في أن نصوص السيرة لو جعلت نصوصاً لمادة الأدب في المراحل المدرسية بل والجامعية لكانت جديرة بأن تعلم الطلاب التعبير الجميل ولغة العرب المشرقة ، وأن تجعلهم إلى جانب ذلك أناساً ذوي نفوس راقية مشرقة وذوي عزيمة فذة .

وكذلك الأمر في الفن والإعلام الإسلاميين ، فالسيرة نبع فياض يصلح أن يستقي منه القصاصون والشعراء الذين يريدون أن يجعلوا ذلك كله في خدمة الدين ووسيلة من وسائل الدعوة إلى الله .

يقول أحد الكتاب المعاصرين في هذا الصدد : نحن في عصر سكت فيه صوت الأسلحة بسبب من التوازن الدولي ، وأخذت ساحات المواجهة والصراع والحوار الحضاري والثقافي ألواناً جديدة ، إنها الحروب الحديثة ، حروب المعلومات والإعلام ، وصراع المبادئ والعقائد والمذاهب المعاصرة والدعايات السياسية والمذهبية التي تغرق العالم بسيلها الجارف وتحاول إعادة تشكيل عقله وزرع عواطفه وتحديد استجاباته والتحكم بذوقه وسلوكه ابتداء ، إلى درجة أصبحت معها الدول والشعوب المتخلفة في هذا الميدان تعيش وكأنها في معسكرات من الأسر والاعتقال الفكري ، إنه عصر الجبر والتسيير الإعلامي والتحكم الثقافي والسياسي الذي أصبح يملكنا ويقتحم علينا بيوتنا ويطاردنا في أخص خصائصنا ويخطف منا أبناءنا ونساءنا .

ولا يجوز للمسلم والحالة هذه أن يستهتر بإحدى وسائل الإعلام والنشر ويتركها لعدو الإسلام يغتال بها قلوب أجيالنا المسلمة وعقولها وعقائدها ، وإن وسائل الدعوة إلى الله وأساليبها وميادين العمل الإسلامي ومواقعه المؤثرة والفاعلة أوسع من أن تحصر بعصر ، أو تجمد على شكل، أو تحاصر من قبل عدو ، إذا استشعر المسلم مسؤوليته واستعاد فاعليته وأخلص النية وتلمس الصواب والتزم الحكمة والبصيرة التي أمر الله بها في البلاغ المبين(1) .







(1) - انظر : مختصر الجامع في السيرة ص 22.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 176.02 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 169.96 كيلو بايت... تم توفير 6.06 كيلو بايت...بمعدل (3.44%)]