01-07-2019, 04:08 PM
|
|
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة :
|
|
الخلافات الزوجية: أسبابها، وعلاجها
الخلافات الزوجية: أسبابها، وعلاجها
أحمد بن عبد الرحمن القاضي
إن الحياةَ الزوجية مشروعُ العمر، ومتنُ الحياة، نواةُ المجتمع، وسرُ بقاء البشرية. علاقةٌ جليلةُ
تنعقد بكلمة الله، وتحوطها أمانةُ الله. طرفاها الذكر والأنثى، وثمرتهُا الذريةُ الطيبة، قال - تعالى -: (والله جعل لكم من أنفسكم أزواجاً، وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة)[النحل: 72]. وهذه الحياة يمكن أن تكون:
1- جنةً وارفةَ الظلال، يجد فيها المرء سَكَنه، ويلتقط نفَسَه، ويأوي إلى حبيبه، في هجير الكبد الذي خلق فيه، والكدح الذي يجري في مضماره.
2- جحيماً لا يطاق، يضاعفُ همومَه، ويزيدُ توتَره، ويشوشُ ذهنَه، ويكدرُ صفوَه.
3- وقتاً هدراً، وزمناً ضائعاَ. جسداً بلا روح، ورسماً بلا معنى. لا تعدو أن تكون(مأوىً) و(مطعماً) و(قضاءَ وطر)، خاليةً من(السكن) و(المودة) و(الرحمة).
والسعادة الزوجية، حلمٌ ينشده الجميع، وأمنيةٌ تراود كل زوجين؛ ولكن المقاصد تنال بالأسباب، ( ليس بأمانِيكم ولا أمانيِّ أهلِ الكتاب). ولا يقوم بناء السعادةِ الزوجية إلا على ركنين أساسيين:
أحدُهما: جلبُ أسباب المودة، واستدامتُها.
والثاني: دفعُ أسباب الخلاف، ورفعُها.
ومحلُ بحثِنا في هذه المحاضرة، في الركن الثاني، المتعلقِ بالخلافاتِ الطارئةِ على الحياة الزوجية، وأسبابهِا، وطرقِ علاجها. والله المستعان، وعليه التكلان.
تبتدئ الحياةُ الزوجية بالتقاء روحين، وبدنين، ينتميان إلى تكوينات نفسية، وعقلية، واجتماعية، متقاربة، أو متباعدة. وتغمر بهجةُ العرس، والفرحُ بالحياة الجديدة، جميعَ النتوءات والتباينات المختزنةِ لدى كل منهما. حتى إذا ما هبط منسوب هذا الفيضان المؤقت، بدت تلك الفروق الطبيعية، وانكشف كل منهما على صورته التي جبله الله عليها، أو اكتسبها من أبويه ومجتمعه. وحينئذ: إما أن يتمكن الطرفان من التوافق والتقارب، فيهنئا،ويسعدا، أو يتنازعا فيفشلا، ويقع الفراق أو النكد المستديم.
وقد أرسى الإسلام قواعد العلاقة الزوجية على أسس ثابتة واضحة، توزع الحقوق والواجبات على طرفي عقد الزوجية، تتمثل في جمل عامة، مثل:
1-(الرجال قوامون على النساء) [النساء: 34]. أي بالولاية والرعاية والنفقة والمسكن.
2-"وعاشروهن بالمعروف" [النساء: 19]. أي بالصحبة الجميلة، وكف الأذى، وبذل الندى.
3-(ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف، وللرجال عليهن درجة، والله عزيز حكيم) [البقرة: 228]. فكما أن على المرأة حقاً لزوجها، فإن لها حقاً عليه. إلا إن حقه أعظم لما عليه من القوامة.
4-((إن لكم عليهن ألا يُوطئن فُرَشَكم أحداً تكرهونه … ولهن عليكم رزقُهن وكسوتهُن بالمعروف)) رواه مسلم.
كما عالج الإسلام المشكلاتِ التي تعترض مسيرة الحياة الزوجية، ووجَّه كلاً من الزوجين في حال نشوز صاحبه، وإعراضه، كما وجه الولاةَ المصلحين، فقال:
1-(واللاتي تخافون نشوزهن، فعظوهن، واهجروهن في المضاجع، واضربوهن، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً إن الله كان علياً كبيراً) [النساء: 34]. مخاطباً الأزواج، واعظاً إياهم بذكر اسمين من أسمائه الحسنى، ليعلموا أن فوقهم من له الكبرياء والعظمة.
2-(وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحاً والصلح خير، وأحضرت الأنفس الشح، وإن تحسنوا وتتقوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا) [النساء: 128]. في جانب الزوجة، فتتنازل عن بعض حقها في سبيل حفظ باقيه.
3-(وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها، إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما، إن الله كان عليماً خبيراً) [النساء: 35]. مخاطباً الحكام والقضاة.
إن منشأ الخلاف بين الزوجين يرجع إلى أسباب متنوعة؛ منها: ما يتعلق بالطبيعة البشرية لكل من الزوجين، ومنها ما يتصل بمؤثرات اجتماعية، ومنها ما يرجع إلى الجهل بأحكام الشريعة، والفهم الخاطئ للحقوق والواجبات. وسوف نتناول جملة من أسباب الخلاف الزوجية الشائعة في بعض بيوتات مجتمعنا، كما أفصحت عنها الاستشارات، والاستفسارات الهاتفية الكثيرة، التي يتلقاها طلبة العلم، ولجان الإصلاح الأسري، ثم نتبعُها بطرائقِ الوقاية، أو العلاج الممكنة.
أولاً: الأسباب الطبْعِية.
لعل معظمُ حالات الخصام اليومي بين الزوجين ترجع إلى الصفات النوعيةِ الخُلُقِية التي طُبع عليها كل منهما. فالمرء في بيته يتعرى من المجاملة، والتصنع، والتزويق التي قد يلاقي بها الأبعدين، ويظهر على حقيقته؛ ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي)) رواه الترمذي وابن ماجه.
ثمَّ صفات لدى بعض الأزواج من جنس: الغضب، الوَجد، اللامبالاة، بذاءة اللسان…، وصفات لدى بعض الزوجات من جنس: الغفلة، الإهمال، اللجاج والجدل، الكسل …الخ. وربما العكس، حملها كل منهما من مسقط رأسه إلى البيت الجديد، فأثمرت فصولاً من الخصام والشجار اليومي، كلما تصادمت تلك الطباع المتباينة.
العلاج: يتلخص في أمرين:
أحدهما: ضرورةُ مجاهدةِ المرءِ نفسَه، وكبحِ جماحِها، وكسرِ سورتهِا، وتهذيبِ أخلاقِه ورياضتِها حتى تعتدلَ، أو يخففَ من غلوائها. قال - تعالى -: (والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين) [آل عمران: 134]. وقال: (وإذا ما غضبوا هم يغفرون) [الشورى: 37]. وقال: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا، وإن الله لمع المحسنين) [العنكبوت: 69].
الثاني: تعرفُ كلِّ طرفٍ على طبيعة الآخر، وفهمُه له، ومعاملتُه وفق ذلك الفهم. فيتحاشى أسباب إثارته وإن بدت له تافهة، ويتلمسَ مواطن رضاه وإن شقَّت عليه.
وربما كان الأزواجُ يتحملون العبءَ الأكبرَ من العلاج؛ لما يتميز به جنس الرجال عموماً، على جنس النساء من: الصبر والاحتمال؛ ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((استوصوا بالنساء خيراً، فإنهن خلقن من ضِلَع، وإن أعوجَ شيءٍ في الضلع أعلاه، فإن ذهبتَ تقيمَه كسرتَه، وإن تركتَه لم يزلْ أعوجَ. فاستوصوا بالنساء خيراً)) رواه البخاري.
ثانياً: الأسباب الاجتماعية.
تتأثر الأسرةُ الناشئةُ بالوسط المحيط، سلباً وإيجاباً، لا سيما أقاربِ الزوجين. فقد يقع احتكاك بين أحد الزوجين ووالدِ الآخر أو والدتِه، أو بعضِ إخوانِه أو أخواتِه، فينحيَ باللائمة من حيث يشعرُ أو لا يشعر على شريك حياته، ويفرغَ فيه فورةَ غضبِه وحنقِه. وقد يسعى بعض أقارب الزوجين لأسباب مختلفة لاستشراف الحياة الخاصة بهما، والتدخلِ في شؤونهما الخاصة، فتنشأ خلافات لم تنبع من ذاتيهما، وتكثر الأطراف والقيل والقال، وتتعقد المشكلة. ومن أمثلة ذلك:
- شعورُ أمِّ الزوجِ بمزاحمة الزوجة، واستئثارِها بابنها، فتعمد إلى مضايقتِها، وتأليبِ ابنها عليها.
- حفزُ أمِّ الزوجةِ لابنتها على المطالبة بمزيد من النفقة من زوجها.
- سماع أحد الزوجين ما يسوؤه من أهل الآخر، أو بدوُّ تصرفٍ غيرِ لائقٍ منهم.
والعلاج: يتلخص في أمرين:
أحدُهما: أن يحرص الزوجان على حفظ خصوصياتهِما، وعدمِ بذلها لكل طفيلي مستطلع، وأن يحيطا حياتهما الزوجية بسور من المهابة والاحترام، يحجز الآخرين من انتهاكها بالاقتراحات والإيحاءات، وجميعِ صور التخريب.
الثاني: أن يستيقن كلٌّ منهما أنه (لاتزر وازرة وزر أخرى)، وأنْ ليس من العقل والدين والمصلحة أن يجر أخطاء الآخرين إلى عقر داره، فتتضاعفَ مصيبتُه، بل يخلع على عتبة بابه وحدود مملكته جميع الملابسات الخارجية، ولا يسمح لها أن تفسد عليه عيشه أو أن يرمِ بها بريئاً.
ثالثا: الأسباب المسلكية.
يكتشف أحد الزوجين في صاحبه بعد فترة من الزواج بعض الممارسات والسلوكيات المنحرفة. وربما طرأ ذلك على أحدهما بعد سنين من العشرة الحسنة. وحينئذٍ تهتز العلاقة الزوجية، وتعصف بها رياح الخلاف وقد تقتلعُها. ومن أمثلة ذلك من جانب الزوج:
- التدخينُ، وربما شربُ المسكر، أو تعاطي المخدر.
- مشاهدةُ القنوات الفضائية الماجنة، أو المواقع الإباحية في الإنترنت.
- السفرُ المريب إلى الخارج مع رفقة السوء.
- التساهلُ في الصلاة، وربما تركها.
العلاج: إن التعامل مع هذه الانحرافات من جانب الزوجة يتفاوت بحسب درجة الانحراف، وتأثيرِه على العشرة الزوجية. وهو لا يخلو من حالين:
أحدهما: أن يكون انحرافاً مسلكياً محتملاً شرعاً أو عشرةً، فحينئذٍ ينبغي للزوجة العاقلة الحصيفة أن تسلك مسلك الموعظةِ الحسنة، والتذكيرِ المستمر، والصبرِ والتحمل، حتى يُعافى قرينُها مما ابتلي به، وألا تصعِّدَ الخطاب وتقطعَ خطَّ الرجعة عليه، بل تغلبَ المصلحة الراجحة ما دام في قوس الصبر منزع، وفي الرجاء مفزع. ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلُّها؟! ومن ذا الذي يخلو من جميع أسباب الفسق، وخوارم المروءة؟!
وأما إن نشز الزوجُ عن زوجته، وأعرض عنها، لرغبته عنها؛ لكبرٍ، أو مرضٍ، أو نوع كره، فلا بأس أن تسترضيَه بالتنازل عن بعض حقها إن شاءت؛ حتى لا يطلقها. قال - تعالى -: (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحاً، والصلح خير) [النساء: 128]. قالت عائشة - رضي الله عنها -: "هي المرأة تكون عند الرجل لا يستكثر منها، فيريد طلاقها ويتزوج عليها، تقول له: أمسكني ولا تطلقني، وأنت في حل من النفقة علي والقِسمة لي"، وكما فعلت أمُّ المؤمنين سودة - رضي الله عنها - حين أسنت وخشيت أن يفارقَها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجعلت يومها لعائشة - رضي الله عنها -.
الثاني: ألا يكون ذلك الانحراف مما تتسع له دائرة الإسلام: كترك الصلاة، أو لا تطيقه حرائر نساء المسلمين من الأخلاق الرذيلة، ثم لم تجدُ معه الموعظة والنصيحة، فلا غرو أن تفتك الحرة نفسها، وتسعى في الفراق بخلع أو فسخ أو طلاق. فإن آخر الطب الكي.
فإن كان الانحراف من جانب الزوجة: ككثرة خروجٍ بغير إذنه، ومهاتفاتٍ مريبة، وتبرج، ونشوز عن الزوج، ونحو ذلك، فقد رتب الله لعباده طرائقَ في التربية والتأديب للنساء، فقال:
(واللاتي تخافون نشوزهن، فعظوهن، واهجروهن في المضاجع، واضربوهن، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً، إن الله كان علياً كبيراً) [النساء: 34]. قال الشيخ عبد الرحمن السعدي - رحمه الله -: "عظوهن ببيان حكم الله في طاعة الزوج ومعصيته، والترغيبِ في الطاعة، والترهيبِ من المعصية فإن انتهت؛ فذلك المطلوب، وإلا؛ فيهجرها الزوج في المضجع؛ بأن لا يضاجعَها ولا يجامعَها بمقدار ما يحصل به المقصود بواحد من هذه الأمور، وأطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً؛ أي فقد حصل لكم ما تحبون فاتركوا معاتبتَها على الأمور الماضية، والتنقيبَ عن العيوب التي يضر ذكرُها، ويحدث بسببه الشر".
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|