الرؤية الخلدونية لصناعة العربية - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4417 - عددالزوار : 853413 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3948 - عددالزوار : 388562 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12522 - عددالزوار : 214007 )           »          أطفالنا والمواقف الدموية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 45 )           »          عشر همسات مع بداية العام الهجري الجديد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »          وصية عمر بن الخطاب لجنوده (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 61 )           »          المستقبل للإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 58 )           »          انفروا خفافاً وثقالاً (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 56 )           »          أثر الهجرة في التشريع الإسلامي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          مضار التدخين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها > ملتقى النقد اللغوي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 15-10-2020, 03:41 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي الرؤية الخلدونية لصناعة العربية

الرؤية الخلدونية لصناعة العربية (1)


د. فيصل الحفيان

فاتحة:
لم تَحظَ الرؤيةُ الخلدونية للظاهرة اللسانية (اللغة) وعلومها بالاهتمام الذي تستحق، ويرجع ذلك إلى أسباب عدة، لعل أبرزها أن ابن خلدون المفكِّر الاجتماعي والسياسي وفيلسوف التاريخ، قد طغى على ابن خلدون الآخر، فانشغل الباحثون بالوجه السياسي والاجتماعي والتاريخي لـ"المقدمة" عن وجه لا يقلُّ خطرًا، إن لم يزد، وأعني ذلك الوجه المتصل بالنشاط العقلي (العلمي) الصِّرف، والحيوي (اليدوي) الذي به معاشُ الإنسان، ومن أهمِّ هذه النشاطات تلك العلوم والصِّناعات التي تقوم وترتبط بأخص الخصائص الإنسانية (اللسان)، فاللسان (أو اللغة) قرينُ الإنسان، أو بالأحرى جزء لا يتجزأ منه، بدونه يفقد الاجتماع الإنساني معناه وجدواه، ويصبح الإنسان - على حَدِّ تعبير ابن خلدون - "كالمُقعد الذي يروم النهوضَ ولا يستطيعه؛ لفقدان القدرة عليه"[1]، وقد أمكن الرجلُ من خلال نظراته الثاقبة أن يفلسف "الظاهرة اللسانية" ويستخرجَ القوانين التي تحكمها.


التفتَ محمد عيد إلى ابن خلدون المفكِّر اللساني في كتابه "الملكة اللسانية في نظر ابن خلدون"[2]، ونثر عبدالسلام المسدي شذرات خلدونية في دراسته "التفكير اللساني في الحضارة العربية"[3]، وجعل من ابن خلدون حدًّا فاصلاً (خاتَمًا) وقف بدراسته عنده، بوصفه (أي: ابن خلدون) "آخِر مَن حاول تقديم نظرة شمولية في القضية اللغوية تتسم بالجدَّة والطرافة"[4].

في "المقدمة" سبعةَ عشرَ فصلاً للظاهرة اللسانية، منها الفصل الرئيس الخاصُّ بعلوم اللسان العربي، الذي لخَّص فيه ابن خلدون هذه العلوم تلخيصًا مكثفًا جدًّا، وبدأ بعلم النحو، كما أخلص لهذا العلم فصلاً، جعله تحت عنوان: "فصل في أن ملكة هذا اللسان غير صناعة العربية ومستغنية عنها في التعليم"، وثَمَّ فصول أخرى فرَّق فيها آراءه في النحو والنحْويين، وفي التآليف النحوية، وفي قوانين العلم وفلسفته، ومعلوم أنَّ ما جاء في هذه الفصول اللسانية (العامة) يشمل "النحو" بالضرورة؛ إذ هو العلم المعنيُّ بالتراكيب أو النظم.

وهذا البحث سيكتفي بالتوقُّف عند بعض المسائل المتصلة بعلم النحو تحديدًا؛ ذلك أنَّ الموضوع كبير، ولا يفي به بحث، وهذه المسائل هي:
— علاقة علوم اللسان- ومنها النحو - بالمعرفة الإنسانية عامة، والعلوم الشرعية خاصة، وبعبارة أخرى: تصنيف علوم اللسان داخل الدائرة الواسعة، دائرة معارف الإنسان، وجدل علاقتها مع علوم الشريعة، التي ترتبط بها ارتباطًا وثيقًا.
— أهمية علم النحو وسط علوم اللسان، ومكانته بينها.
— النحو وعلاقته بـ"الملكة اللسانية".
— النحو بين الصناعة والعلم، مما استدعى استقراء مفهوم كُلٍّ منهما في الكلام الخلدوني.


وسوف نستبقُ هذه النقاط الأربعة بوقفة مع حديث ابن خلدون عن المصطلحات التي أطلقها على علم التركيب (النحو)، وعن ماهية هذا العلم، بما يكشف عن تصوُّره له.

هذه النقاط الخمس هي - إذًا - موضوع البحث، وثَمَّ نقاط أخرى عديدة مؤجَّلة، تكتمل بها الرؤية الخلدونية لصناعة العربية، على أن النقاط الخمس ستكشف - إلى حدٍّ ما - جوانبَ من هذه الرؤية، وتُبين عن ابن خلدون الفيلسوف اللغوي (النحوي تحديدًا)، ولعل هذا الكشف يكون موضوعيًّا، بعيدًا عن ثنائية التهويل والتهوين، وعن أسر جاذبية الرجل، والهالة التي أحاطه بها الباحثون.



(1)
مصطلح العلم وحَدُّه


استخدم ابن خلدون - وهو يتحدَّث عن "النحو" - ثلاثة مصطلحات: علم النحو، وصناعة العربية، وعلم العربية، الأول أكثرُ ذيوعًا وسيرورة، والثالث أسبقهما، وقد ورد عند ابن خلدون[5]، والثاني ليس خالصًا للرجل؛ فقد استخدمه النحويون المتقدِّمون: أبو علي الفارسي، وابن جني، وغيرهما، وهو في حقيقته الثالث، ولكن مع استبدال "علم" بكلمة "صناعة"، وثمَّ مصطلحات أخرى، منها علم الإعراب، ما يهمنا هو "صناعة العربية"؛ ذلك أنَّ كلمة "صناعة" هذه شائعة عند ابن خلدون، يستخدمها مفردة وجمعًا (صنائع)، وتكاد لا تغادر قاموسه، وقد وجد فيها بُغيته وهو يرصد نشاط الإنسان وعمرانه، وستكون لنا معها وِقفة متأنِّية لاحقًا.

ولا شك أنَّ مصطلح "علم النحو" قد استقرَّ قبل ابن خلدون، وطغى على غيره؛ ولهذا اختاره ليجعله رأسًا على ما عرض له من تاريخ العلم، ضمن الفصل الذي عقده لعلوم اللسان العربي، ويبقى هذا المصطلح أكثرَ دقة وانطباقًا على موضوعه؛ إذ المصطلحات الأخرى ليست كذلك، فـ"العربية" منفردة تطلق على اللغة نفسها، يُكتفى بالوصف على الموصوف، وهي أو "علم العربية" قد يطلقان ويقصد بهما علم اللسان العربي بعامة، أما "صناعة العربية" فيكاد يكون خالصًا لـ"النحو"، لكن مصطلحات العلوم - كما نعلم - مرَّت بمراحلَ عديدةٍ، تشابكت أحيانًا، وتميَّزت حينًا آخر.

ولم يقصد ابن خلدون إلى أن يضع تعريفًا أوحدًّا لعلم النحو؛ لكنا نستطيع أن نستخرج هذا التعريفَ أو الحدَّ من كلامه، فهو عنده "صناعة تقوم على قوانينَ مُطَّردةٍ شبه الكليات والقواعد، يُقاس عليها سائر أنواع الكلام، ويُلحق الأشباه منها بالأشباه"[6]، وهو "معرفة قوانين هذه المَلَكة (يريد الملكة اللغوية، أو تراكيبها تحديدًا) ومقاييسها خاصة"[7]، ويلاحظ على هذين التعريفين الحرصَ الخلدوني على النص على كلمتين: "القوانين"، و"يقاس عليها" أو "المقاييس"؛ ذلك أنه - وهو عالم الاجتماع - يشغله القانون والمقياس الذي يفسِّر حركة الإنسان، أيًّا كانت هذه الحركة، في السياسة أو التاريخ أو الاقتصاد، أو... العلم.

وعلى الرغم من أن التعريف أو التعريفين ليسا جديدين، فقد حَدَّ أبو علي الفارسي النحو بأنه "علم بالمقاييس المستنبطة من استقراء كلام العرب"؛لكنهما دالاَّن على رؤية ابن خلدون لهذا العلم الذي لا علاقة له بـ"الملكة" كما سيأتي بعد، وهي رؤية تختلف عن رؤية ابن جني التي ترى في النحو "انتحاء سمت كلام العرب في تصرُّفه من إعرابٍ وغيره"[8]، الرؤيةُ الخلدونية رؤية فيلسوف لغوي ينفذ إلى جوهر العلم وحقيقته؛ ليميزه من الظاهرة اللسانية نفسها (اللغة)، ورؤية ابن جني رؤية لغوية خالصة تقفز إلى الغايات، وإن كانت هذه الغاية - في رأي ابن خلدون - لا تُحقَّق بهذا العلم.

ومما يحسب لابن خلدون أنه لم يستخدم مصطلح "علم الإعراب"، وهو مصطلح يختلط كثيرًا بمصطلح "علم النحو" ويتبادل معه المواقع؛ بل إن بعضهم قد يعبِّر به عن علم اللسان عامة، فيدخل تحته دراسة الأصوات، والتصريف، واللغة، والبلاغة، والأدب، وإنما قلنا يحسب له؛ لأن "الإعراب" ذو مفهوم ضيق قياسًا إلى النحو، فهو مرتبط بأحوال أواخر الكلم فحسب، في حين أنَّ النحو يشمل أحوال تركيب الجملة، ومنها الإعراب.

ولم يُشِر ابن خلدون إلى علم الصرف من قريب أو بعيد، وجاء كلامه جميعًا مؤذِنًا بأنه ليس في متخيَّله سوى "النحو"، فهو يقول: "وكانت الملكة الحاصلة للعرب من ذلك أحسنَ الملكات وأوضحها إبانة عن المقاصد؛ لدلالة غير الكلمات فيها على كثير من المعاني، مثل الحركات التي تعيِّن الفاعل من المفعول من المجرور، ومثل الحروف التي تفضي بالأفعال إلى الذوات"[9]، وفي سياق آخر: "فاستنبطوا من مجاري كلامهم قوانينَ لتلك الملكة مطَّردة، يقيسون عليها مثل أن الفاعل مرفوع، ثم رأوا تغير الدلالة بتغيُّر حركات هذه الكلمات، فاصطلحوا على تسميته إعرابًا، وجعلوها صناعة، واصطلحوا على تسميتها بعلم النحو"[10].

صحيح أن هذا العلم (الصَّرْف) كان تاريخيًّا جزءًا من علم النحو، فقد جمع سيبويه في كتابه بين موضوعات العلمين (النحو والصرف معًا)، وكذلك فعل النحويون المتقدمون؛ بل حتى المتأخرون، من مثل البدر بن مالك (ت 686هـ)، وناظر الجيش (ت 778هـ)، لكننا نعلم أن المازني (ت 249هـ) خصَّه بتأليف مستقل (كتاب "التصريف")، وأن ابن جني (ت 392هـ) ألَّف "الملوكي في التصريف"، وأنَّ ابن عصفور (ت 669هـ) وضع "الممتع في التصريف"، في مقابل كتابه الآخر "المقرَّب في النحو"، وعلى الرغم من ذلك فإن عُرْف المتأخرين يجعل من "الصرف" قسمًا برأسه غيرَ داخل في "النحو" كما قال الفاكهي[11].

إن إغفال ابن خلدون لـ"الصرف" إغفالاً تامًّا، على المستويين: التصريح والتلميح، سواء في موضوعه، أو في اصطلاحاته، أو في رجالاته، يضعنا أمام أمرين لا ثالث لهما: إما الغفلة، وإما أن المقصود لا يتعلَّق به؛ أما الأولى فواردة في سياق عمل كبير كـ"المقدمة"، وأما أن المقصود لا يتعلَّق به فغير وارد؛ ذلك أنَّ الصرف لا يقلُّ أهمية عن النحو؛ بل إن بعضهم يقدِّمه عليه، ولا يمكننا أن نُدرج الصرف تحت "علم اللغة" الذي ذكره ابن خلدون ضمن علوم اللسان؛ لأن الرجل حَدَّد موضوعه صراحة بـ"موضوعات الألفاظ"؛ أي: معانيها، وساق أمثلته جميعًا في إطارها، من مثل كتاب "العين" للخليل بن أحمد، و"الصحاح" للجوهري، و"المحكم" لابن سيده، و"أساس البلاغة" للزمخشري، و"فقه اللغة" للثعالبي.

هذه النقطة التمهيدية تنقلنا إلى النقطة التالية التي تهدف إلى وضع "النحو" ضمن منظومة علوم اللسان، والكشف عن علاقته بالمعرفة البشرية العامة، وبعلوم الشريعة.


ــــــــــــــــــــ
[1] ابن خلدون: "المقدمة"، تحقيق علي عبدالواحد وافي، القاهرة: نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، 2004، ج 3، ص 1168.
[2] صدر عن عالم الكتب بالقاهرة، سنة 1979.
[3] صدر عن الدار العربية للكتاب بتونس، سنة 1981.
[4] عبدالسلام المسدي: "التفكير اللساني في الحضارة العربية"، ص 37.
[5] ابن خلدون: "المقدمة"، مصدر سابق، ج3، ص 1108.
[6] ابن خلدون: "المقدمة"، مصدر سابق، ج3، ص 1129.
[7] المصدر السابق، ج3، ص 1147.
[8] انظر تعريف النحو في المصادر النحوية المقدمة، ومنها: أصول ابن السراج، وتكملة أبي علي، وخصائص ابن جني، ولباب العكبري.
[9] ابن خلدون: "المقدمة"، مصدر سابق، ج3، ص 1128.
[10] المصدر السابق، ج3، ص 1129.
[11] الفاكهي: "شرح الحدود في النحو"، تحقيق المتولي رمضان أحمد الدميري، ط2، القاهرة: مكتبة وهبة، 1414هـ - 1993م، ص 54.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 15-10-2020, 03:41 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الرؤية الخلدونية لصناعة العربية

الرؤية الخلدونية لصناعة العربية (2)


د. فيصل الحفيان





اللسان والمعرفة والشريعة




أطلق ابن خلدون على علوم اللغة: علوم اللسان العربي، وعلى الرغم من أن هذا المصطلح ليس له، فقد سبقه إليه - فيما أعلم - الفارابيُّ (ت339هـ)[1]، فإنه يبدو وكأنه أحيا هذا المصطلحَ الذي كان غير حاضر، أو على الأقل ليس حاضرًا حضور المصطلح الآخر: علوم اللغة، أو علوم العربية، أو ما شابههما، واستمر حضور هذين بعد ذلك، ومهما يكن فإنه والفارابي قد استبقا - فيما يبدو - اللغويين المحدثين في بلاد المغرب العربي الذين يميلون إلى استخدام "اللسان" بدلاً من اللغة، ويستبدلون بعلم اللغة: الألسنية أو اللسانيات.

أقام ابن خلدون علوم اللسان العربي على أربعة أركان: اللغة، والنحو، والبيان، والأدب، هذه القسمة الرباعية هي التي كانت معروفة حتى زمنه، ولا شك أنها قسمة أساسية من جهة، وبسيطة من جهة أخرى، فالتطورُ الكبير الذي طرأ على علوم اللغة رَسَمَ خريطةً جديدة للمعرفة اللسانية، وهي خريطة من نسخ متعدِّدة، أعني أنها مختلفة تبعًا لاختلاف المدارس العلمية التي تنتمي إليها، فما يكون عِلمًا برأسه لدى مدرسةٍ ما، قد ينطوي تحت علم آخر عند مدرسة أخرى، وما يهمنا هنا هو الدلالة العامة، فالصورة الحالية غير الصورة التي كانت حتى القرن الثامن الهجري/ الرابع عشر الميلادي، وهذا بدهيٌّ إذا ما وضعنا في حسباننا التراكمَ المعرفي، واتِّساعَ الرؤى، وتلاقحَ العقول، وتشابُكَ العلوم، وأيضًا جدل العلوم، وليس ابن خلدون مطالَبًا بأن يتجاوز ما كان عليه الفكرُ اللغوي في عصره، وخاصة أنه ليس عالمًا لغويًّا صِرفًا؛ بل هو عالم اجتماع ينظر إلى اللسان وعلومه بوصفها ظواهرَ اجتماعيةً، لقد تولَّدت من العلوم الأربعة علومٌ استقلَّت أو كادت، ومن هذه الأخيرة انبثقت علوم أخرى، وخلع بعضها إهابَ العلم الذي انتمى إليه تاريخيًّا ليلبس إهابًا جديدًا، وأكثر من ذلك فإن علوم اللسان اليوم اتَّسعت دائرتُها لتنظر إلى اللغة الإنسانية من حيث هي لغة، لا من حيث هي لغة جنس أو قوم، وإلى لغة هذا الجنس أو ذاك في أوجه تشابهها واختلافها مع اللغات الأخرى (الدراسات المقارنة)، والزوايا التي تدرس بها اللغة أو اللغات اليوم عديدة: تاريخية، ووصفية، وتوليدية... إلخ، إضافة إلى أن دراسة اللغة لم تعد اليوم دراسةً صِرفة؛ بل أصبحت لها تجاذباتها وتشابكاتها مع العلوم الإنسانية وغيرها، وهكذا نشأت علوم جديدة في تلك المناطق التي تتقاطع فيها العلوم اللغوية مع العلوم الأخرى، من مثل: علم اللغة الاجتماعي، وعلم اللغة النفسي، وعلم اللغة التاريخي.




وأدرج ابن خلدون - وهو يصنِّف المعرفة البشرية - علومَ اللسان تحت ما أسماه: العلوم النقلية الوضعية، في مقابل العلوم العقلية الطبيعية، وتشمل هذه الأخيرةُ المنطقَ، والعلوم الطبيعية، والإلهية، والعددية، وقد قدَّم الأُولى (النقلية)، ربما في إشارة إلى شرف موضوعها، أو رتبتها في التحصيل آنذاك، و"النقلية" هذه تنطوي تحتها علوم الشريعة وعلوم اللسان.

وهي قسمة تعكس بوضوح ثقافةَ صاحبها وحياته العلمية والسياسية، كما تعكس المناخ الثقافي والعلمي العام الذي كان سائدًا في عصره، فالرجل يغلب عليه التكوين العلمي (النقلي)، كما أن العلوم النقلية هي المقدَّمة عند الناس، ومفهوم العلوم النقلية عنده: "هي كلها مستندة إلى الخبر عن الواضع الشرعي، ولا مجال فيها للعقل إلا في إلحاق الفروع من مسائلها بالأصول؛ لأن الجزيئات الحادثة المتعاقبة لا تندرج تحت النقل الكلِّي بمجرد وضعه، فتحتاج إلى الإلحاق بوجه قياسي، إلا أن هذا القياس يتفرع عن الخبر بثبوت الحكم في الأصل، وهو نقليٌّ، فرجع هذا القياس إلى النقل؛ لتفرُّعه عنه"[2]، أما العلوم الطبيعية فـ"هي التي يمكن أن يقف عليها الإنسان بطبيعة فكره، ويهتدي بمداركه البشرية إلى موضوعاتها ووسائلها، وأنحاء براهينها ووجوه تعليمها"[3]، وظاهرٌ أنه يشير في النص الأول الخاص بالعلوم النقليَّة إلى علوم الشريعة، أو الشرعيات من الكتاب والسُّنة على حَدِّ تعبيره، ولا يمكننا أن نلحق بها علوم اللسان؛ إذ ليس فيها خبرٌ عن واضع شرعي.




فلماذا ألحقها ابن خلدون، وما هي وجهة نظره في الجمع بينهما؟

قد يمكن تفسير ذلك بأحد أمرين:
- هذه العلوم (الشرعية واللسانية) تعتمد على النص (المقدَّس والموحى به، واللغة) وتتمحور حوله، وليست علومًا مبتدعة من لدن الإنسان نفسه، على أن العلوم الشرعية نفسها ليست على مستوى واحد في علاقتها بالخبر الشرعي، فلا شك أن ثمة فرقًا كبيرًا بين علمَي القراءات والتفسير بالمأثور من ناحية، والتفسير بالرأي من ناحية أخرى، وبين علم الحديث من ناحية، وعلم مصطلح الحديث من ناحية أخرى، وعلم الفقه من ناحية، وعلم أصول الفقه من ناحية أخرى.


- علوم اللسان وسيلة أو آلة لعلوم الشريعة، وقد أُلحقت الوسيلة أو الآلة بغايتها أو ثمرتها، فاندرجت معها تحت "النقل".




ويبدو أنَّ التعليل الأخير أقربُ إلى القبول، فعلوم اللسان داخلةٌ في العلوم العقلية بالمفهوم الخلدوني، اهتدى إليها الإنسانُ بعقله، ولم يأخذْها عن الشارع، وليس ارتباطها بالعلوم النقلية إلا من باب أنها تؤسِّس لها، فالكتاب والسنة اللذان هما الخبر، وردا باللغة العربية، وأولئك الذين نقلوها إلينا هم أصحاب هذه اللغة، ولا يمكن فهمُهما إلا من خلال اللغة وأصحابها.

وإذا كان ابن خلدون قد قدَّم "النقلية" على "الطبيعيَّة" نظرًا للموضوع، فإنه قدَّم أيضًا علوم الشريعة على علوم اللسان، على الرغم من أن الأخيرة آلةُ الأولى، و"معرفتها ضرورية على أهل الشريعة"[4]، وقدَّم "الطبيعية" على علوم اللسان في فرش حديثه.




وكان حقُّه أن يسير في أحد خطَّيْن:
إذا ما اعتدَّ بالموضوع وشرفه وآلته، بدأ بعلوم الشريعة، فعلوم اللسان، فعلوم الطبيعة.
وإذا ما اعتدَّ بأوليَّة التحصيل أو التلقِّي العلمي، بدأ بعلوم اللسان، فعلوم الشريعة، فعلوم الطبيعة.

وقد يرد احتمالٌ أن مُنْطَلَقه كان غيرَ هذا وذاك، أعني: الأهمية، فالعلوم الشرعية أهم، تليها الطبيعية، وأخيرًا علوم اللسان؛ لكن هذا الاحتمال يمكن النفاذ إليه إذا ما استصحبْنا موقفَه من علم المنطق، وهو من العلوم الطبيعية، ومن علوم الآلة أيضًا، فقد قدَّمه في الفصل التأسيسي للعلوم العقلية وأصنافها (الفصل العشرين)، ثم قدَّم عليه عند الفرش العلوم العددية، والهندسية، وعلم الهيئة، وأعقبه بالطبيعيات والطب... إلخ.

إن هذا الاضطراب يشير بوضوح إلى خللٍ في الرؤية تجاه تصنيف هذه العلوم وترتيبها، ويبقى لنا في السياق الذي نريد أنَّ علوم اللسان، ومنها النحو، ذاتُ ارتباط وثيق بالشرعيات، وأنها من علوم الآلة، وليست مقصودةً لذاتِها.

وهنا وقفة أخرى: هل علوم اللسان هي علوم آلة فحسب حقًّا، قيمتُها ليست فيها، إنما في خدمتها لعلوم الشريعة، وأن تفاضلها فيما بينها إنما يكون بمقدار وفائها بالغرض الأساس، وهو معرفة علوم الشريعة؟




لا شك أن هذه العلوم تخدم الشريعة، وأن فهم النصوص الدينية يقوم عليها؛ لكن الوقوف بها عند هذا الحد ليس صوابًا؛ ذلك أن اللغة بحدِّ ذاتها غاية في ذاتها، اللغة - كما تقرر الدراسات اللغوية الحديثة - ليست وعاء للفكر، ولكنها موجِّه له، أو هي فكر، ووظيفتها ليست التواصل فحسب؛ بل هي أبعد من ذلك بكثير، ليست انعكاسًا للإنسان والمجتمع والزمان والمكان؛ بل شريكة في صياغة ذلك كله، وفيما ينتج عنه من حضارة بالمفهوم العام للحضارة، ومن ثَمَّ فإن الدراسات اللغوية تكتسب الأهمية نفسَها لـ"اللغة" ذاتها.

وعلى كُلٍّ؛ فإن ابن خلدون قد صدر عن رؤية ثقافية وتاريخية وتراثية مستقرَّة، وليس مطالبًا بأن يَخرُج عن ذلك كله، لولا أنه من أولئك العلماء الذين يملكون القدرة على النفاذ إلى حقائق الأشياء، وتجاوز قشورِها وظواهرها.


ـــــــــــــــــــــــ
[1] انظر الفارابي: "إحصاء العلوم"، تحقيق عثمان أمين، القاهرة: مكتبة الخانجي، 1350هـ - 1931م.
[2] ابن خلدون: "المقدمة"، مصدر سابق، ج3، ص 931.
[3] المصدر السابق، ج3، ص 930.
[4] المصدر السابق، ج3، ص 1128.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 15-10-2020, 03:42 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الرؤية الخلدونية لصناعة العربية

الرؤية الخلدونية لصناعة العربية (3)

د. فيصل الحفيان

(3)
النحو وعلوم اللسان




ليست علوم اللسان - كما يرى ابن خلدون - سواءً في أهميتها؛ ولذلك فهو يصرح بأنها "تتفاوت في التأكيد، بتفاوت مراتبها في التوفية بمقصود الكلام"[1]، التفاوت إذًا مرتبط بـ"مقصود الكلام"؛ لأن اللغة التي تقوم هذه العلوم على خدمتها، غرضُها الأساس هو التواصل، سواء في درجة الإفهام أم نوعه، وإذا كان الأمر كذلك؛ فإن "النحو" هو الأهم المقدَّم؛ "إذ به يتبين أصول المقاصد بالدلالة، فيُعرف الفاعل من المفعول، والمبتدأ من الخبر، ولولاه لجُهل أصل الإفادة"[2].

إن كل علم من علوم اللغة يقوم بجانب من جوانب اللغة نفسها في أدائها للمقصود، وبذلك يأخذ حُكمَ هذا الجانب، ومن المعلوم أن اللغة تقوم بوظيفتين: تعبيرية، وهي الأصل، وجمالية (إمتاعية أو بلاغية)، وكذلك النحو إذا ما نظرنا إلى وظيفته قياسًا إلى العلوم اللغوية الأخرى، سنجد أنه ذو صلة وثيقة بالوظيفة التعبيرية (الأساسية) التي تقوم عليها أية وظيفة أخرى؛ بل إن أية وظيفة أخرى تفقد معناها بدون هذه الوظيفة الأساسية، وظيفة النحو، التي تجعل من الوحدات اللغوية المفرَّقة بناءً تركيبيًّا محكمًا يدلُّ على المقصود، وبدون "النحو" أو ما يمثله من وظيفة لغوية، تفقد هذه الوحدات قيمتَها؛ ولذلك فإن ابن خلدون يرى أنه لولا النحوُ لجهل أصل الإفادة.


وقد يتبادر إلى الذهن أن علم اللغة الذي يُعْنى بالألفاظ المفردة ومعانيها - في حدود ما رسم ابن خلدون - أولى بالتقديم؛ فالأجزاء أو الكلمات قبل الكُلِّ، أو الجُمَل؛ إذ إنها النواة لها، ولكن الأمر - حسب ابن خلدون - يدخله "أن أكثر الأوضاع باقية في موضوعاتها لم تتغير"[3]، وهو يريد بـ"الأوضاع": الألفاظ، وبـ"موضوعاتها": معانيها، خلافًا للإعراب؛ فإنه - في رأيه - "تغيَّر بالجملة، ولم يبق له أثر"، تقديم النحو إذًا لأنه انتهى كليًّا، وبالطبع هو يريد أن الإعراب انتهى على ألسنة الناس في عصره، وهذا ما أشار إليه في الفصل الخامس الذي عقده تحت عنوان: "فصل في أن لغة العرب لهذا العهد لغة مستقلة مغايرة للغة مضر وحمير"، لغة العرب هي لغة زمانه، وهذه - كما يقول - وافية ببيان المقاصد، شأنها شأن اللسان المضريّ، ولم تفقد إلا دلالة الحركات على تعيُّن الفاعل من المفعول[4].

أما اللغة (الألفاظ اللغوية)، فإنها لم تتغيَّر، ومن ثَمَّ فإن الجهل بعلم اللغة لا يؤدي إلى الإخلال بالتفاهم، وهذا رأي لا يستقيم من عالم اجتماع، يرصد ظاهرة اجتماعية (اللغة) والألفاظ والمعاني - جوهر هذه الظاهرة - ليست ثابتة، ثمة ألفاظ تموت، وأخرى تُولد، وثمة معانٍ تنتهي، ومعانٍ أخرى تبدأ، والعلاقات بين الألفاظ ومعانيها في حركة دائبة، سواء على مستوى الظاهرة اللغوية بمراتبها من حقيقة ومجاز، أو على مستوى متحدِّثيها وطبقاتهم الاجتماعية، وأماكنهم، وعلاقاتهم بغيرهم، وأمور أخرى.


ويشهد لما نقول أن ابن خلدون نفسه ناقَضَ نفسه أو كاد، فبعد أن قال: إن أكثر الألفاظ (باقية) في موضوعاتها[5]، جاء في سياق آخر ليقول: "ثم استمر ذلك الفساد (يريد فساد الإعراب) بملابسة المعجم ومخالطتهم، حتى تأدَّى الفساد إلى موضوعات الألفاظ، فاستُعمل كثير من كلام العرب في غير موضوعه"[6]، هناك قال: إن (أكثر) الألفاظ باقية في موضوعاتها، وهنا قال: فاستُعمل (كثير) من كلام العرب في غير موضوعه!

كما أن علم اللغة ليس موضوعه كما - رسم ابن خلدون- محصورًا في متنها، ألفاظها ومعانيها، أو على حَدِّ تعبيره: أوضاعها وموضوعاتها، وتلك مسألة أخرى تحتاج إلى وِقفة مستقلَّة، إن الجهل بالموضوعات (المعاني) اللغوية، يؤدِّي أيضًا إلى الإخلال بالتفاهم جملة، كما يؤدي الجهل بالإعراب إلى الإخلال بالتفاهم جملة، وإذا كان النحو (الإعراب) فيه أصل الإفادة فيما يتعلق بالمسند والمسند إليه، فإن الألفاظ فيها أيضًا أصلٌ من أصول الإفادة، ولنا أن نتصور أن السامع للفظٍ ما لا يعرف معناه، أو يعرفه على غير وجهه، أو التبس عليه، هل ينفعه بعد ذلك أن يعرف كونه فاعلاً أو مفعولاً؟!

وعليه؛ فإن المفاضلة بين علم النحو وعلم اللغة في غير موضعها، وبخاصة من عالم اجتماع، لا من عالم نحو، ولا من عالم لغة، فلكلٍّ من العلمين أهميتُه التي لا تقل عن أهمية الآخر، وكل منهما يُعْنَى بجانب أو بمستوى من مستويات اللغة (الألفاظ ومعانيها، وقوانين تركيب هذه الألفاظ)، ونحن نعلم أن النظريات اللغوية الحديثة كثيرًا ما تجعل فرعًا أو شعبة من الدراسات المتصلة بعلمٍ ما - وليكن النحو مثلاً - منضويةً تحت دراسة اللغة أو علم اللغة، بمجرد أن تنتقل إلى حَيِّز الدرس التاريخي أو المقارن، أو تتشابك موضوعاتها مع ظواهر اجتماعية أخرى.



(4)
النحو والملكة


إن من المهم أن نلفت إلى أن الحديث عن العلاقة مع الملكة اللسانية، وإلا فإن الملكة بوصفها مفهومًا عامًّا ليست لسانيةً فحسب؛ فالملكات متعدِّدة وكثيرة، وليست حكرًا على جوارح الإنسان؛ ذلك أن مفهوم الملكة يتَّسع ليشمل الكيفيات أو الهيئات النفسية، والمحسوسة، والكيفيات الاستعدادية والمتصلة بالكميَّات؛ لكنَّ عمود الملكة هو الرسوخ والاستحكام، فكلُّ ما رسخ واستحكم في الإنسان حتى صار عادةً وخُلُقًا فيه - كان ملكة، وإلا فهو حال؛ لأنها زائلة[7]، وقبل أن يكون حالاً يمر بمرحلة "الصفة"، كأن الملكة هي المستوى الثالث والأخير للكيفية، قبله الحال، وقبل الحال الصفة، فالفعل - أي فعل - "يقع أولاً، وتعود منه للذات صفة، ثم تكرَّر فتكون حالاً، ومعنى الحال أنها صفة غير راسخة، ثم يزيد التَّكرار، فتكون ملكة؛ أي: صفة راسخة"[8]، ثمة إذًا ملكة في العلم، وفي الصناعة، وفي غيرهما.

إن الملكة اللسانية هي القدرة على استخدام اللغة، والتحكُّم في التعبير بها، ويملك ابن خلدون رؤية واضحة؛ بل شديدة الوضوح لها، فاللغات كلها - كما يقول - ملكات شبيهة بالصناعة[9]، ويعني بـ"شبيهة بالصناعة" أنها تكتسب كالصناعات بالممارسة والتكرار، وذلك شأن الملكات جميعًا، وهي – أي: الملكة - متفاوتة، وعمودها "التراكيب" لا "المفردات"؛ ولذلك يقول : "وليس ذلك - يريد تمام الملكة أو نقصانها - بالنظر إلى المفردات، وإنما هو بالنظر إلى التراكيب"[10]، وهو في ذلك على جادَّة الصواب، فالألفاظ مفردةً ليست لغة، إن تركيبها هو الذي يجعلها لغة، ونضيف: إن الملكة طاقة لغوية شاملة بالمفهوم العام للغة، فهي ليست خاصة بقوانين التركيب المتَّصلة بالسلامة اللغوية؛ بل تشمل أيضًا قوانين التركيب الجمالية تلك التي يتطلبها مقتضى الحال، والملكة في جريان التراكيب على القواعد العربية دون معرفة أو وعي من المتكلم، فلا يحتاج اكتسابها إلى تعلُّم؛ بل "يأخذها الآخِر من الأول"[11]، ومن أهم ما يحسب لابن خلدون الْتفاتُه إلى أن وسيلة اكتساب الملكة اللسانية هي السمع، فـ"السمع أبو الملكات اللسانية"[12]، وعلى الرغم من بداهة مفهوم هذه المقولة وقربه منا، فإن الأمر يبدو بالنسبة لنا أشبه بـ"تفاحة نيوتن" التي تسقط أمام الجميع، لكن نيوتن وحده هو الذي يرتب عليها مسألة "الجاذبية"، إن مقولة السَّمع الخلدونية نقلتْنا نقلة مهمة باتجاه الوعي بوسيلة تعلُّم اللغات واكتسابها، والذائقة الأدبية والشعرية، وطلاقة اللسان، وباختصار: أصبح الربط بين اللسان والسمع أبينَ ما يكون، وإذا كانت ملكة اللسان تربَّى عن طريق الأُذن، فإن تغيُّرها أو فسادها يكون عن طريق الأذن أيضًا، واللسان العربي الذي كان عن طريق السمع، تغيَّر أو فسد كذلك بالسمع، وهذا ما أدَّى إلى نشأة صناعة العربية أو علم النحو.


وابن خلدون يضع الملكة اللسانية في مقابل صناعة العربية أو النحو، إنه يراهما مبتُوتَي الصلة، أو يكادان؛ ولهذا فهو يقرِّر: "تلك الملكة (اللسانية) هي غير صناعة العربية، ومستغنية عنها بالجملة"[13]، وهو - بالطبع - محقٌّ تمامًا في النَّصِّ على هذه الغيريَّة؛ فصناعة العربية هي معرفة قوانين الملكة اللسانية، وليست عَيْنَ هذه الملكة، هي إذًا "علم بكيفية، لا نفسُ كيفية"، وهي "بمثابة من يعرف صناعة من الصنائع علمًا، ولا يُحْكِمها عملاً"[14].

والملكة اللسانية أسبق من الصناعة - صناعة النحو - إذ هذه الأخيرة مستنبَطة منها، أو قائمة عليها، فهي - إذًا - لاحقة.

وهي أيضًا غايةٌ، في حين أن الصناعة وسيلة، فنحن نعرف القوانين الصناعية؛ لنصل إلى اللغة، ممارسة وفهمًا، ولولا ذلك لما كان لهذه القوانين قيمة، وتأسيسًا على هذا المعنى أخذ ابن خلدون على أولئك الذين خلَّطوا فـ"أجروا القوانين على غير ما قُصد بها، وأصاروها علمًا محكمًا، وبعدوا عن ثمرتها"[15].


وإذا كان النحو علمًا نظريًّا، فإن الملكة اللسانية ليست كذلك؛ بل هي "أمر وجداني حاصل بممارسة كلام العرب"[16]، الوجدان والممارسة في الملكة، في مقابل النظر في النحو.

وعلى الرغم من أن الملكة غايةُ الصناعة أو ثمرتها، فإن الصناعة لا تصل بنا إلى الملكة؛ ذلك أن الأخيرة وثيقة الصلة بـ"كلام العرب"، لا بقوانين النحو؛ ولذلك فإن "وجه التعليم لمن يبتغي هذه الملكةَ، ويروم تحصيلها، أن يأخذ نفسه بحفظ كلامهم القديم الجاري على أساليبهم، من القرآن، والحديث، وكلام السلف، ومخاطبات فحول العرب في أسجاعهم وأشعارهم... حتى يتنزَّل لكثرة حفظه لكلامهم منزلة مَنْ نشأ بينهم، ولُقِّن العبارة عن المقاصد منهم، ثم يتصرف بعد ذلك في التعبير عَمَّا في ضميره على حسب عبارتهم، وتأليف كلماتهم، وما وعاه وحفظه من أساليبهم، وترتيب ألفاظهم، فتحصل له هذه الملكة بهذا الحفظ والاستعمال"[17]، الملكة - إذًا - تقوم على ساقين: الحفظ، والاستعمال، أما الصناعة فإنها لا تفيد سوى العلم بقوانين تلك الملكة، وكونها المرجع أو الضابط الذي يكشف لنا صوابَ الكلام أو خطأه.


وخلاصة القول في العلاقة بين النحو والملكة:
• أن النحو شيء، والملكة شيء آخر مختلف؛ لكنه - على كل حال - مرتبط بها، ومستند إليها، في حين أنها مستغنية عنه.
• أنه متأخر عنها، لاحقٌ بها.
• أنه وسيلة، وأنها غاية.
• أنه علم نظري، وأنها وجدانٌ يقوم على الحفظ والممارسة.





ــــــــــــــــــ
[1] المصدر السابق، ج3، ص 1128.
[2] المصدر السابق، ج3، ص 1128.
[3] المصدر السابق، ج3، ص 1128.
[4] المصدر السابق، ج3، ص 1141.
[5] المصدر السابق، ج3، ص 1128.
[6] المصدر السابق، ج3، ص 1131.
[7] انظر: الكفوي: "الكليات"، قابله على نسخة خطية، وأعده للطبع، ووضع فهارسه، عدنان درويش ومحمد المصري، ط2، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1413هـ - 1993م، ص 752، 753، وعبدالرؤوف المناوي: "التوقيف على مهمات التعاريف"، تحقيق محمد رضوان الداية، دمشق، بيروت، دار الفكر، 1410هـ - 1990م، ص 675.
[8] ابن خلدون: "المقدمة"، مصدر سابق، ج3، ص 1140.
[9] المصدر السابق، ج3، ص 1140.

[10] المصدر السابق، ج3، ص1140.
[11] المصدر السابق، ج3، ص 1129.
[12] المصدر السابق، ج3، ص 1129.
[13] المصدر السابق، ج3، ص 1148.
[14] المصدر السابق، ج3، ص 1147.
[15] المصدر السابق، ج3، ص 1148.
[16] المصدر السابق، ج3، ص 1150.
[17] المصدر السابق، ج3، ص 1146.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 15-10-2020, 03:43 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الرؤية الخلدونية لصناعة العربية

الرؤية الخلدونية لصناعة العربية (4)

د. فيصل الحفيان


(5)
النحو بين الصناعة والعلم



كيف يرى ابن خلدون "النحو"؟ أو بتعبير أدقَّ: أين يصنِّفه؟
نعلم أن النشاط الإنساني في "المقدمة" نوعان: نوع يستهدف المعاش أو يرتبط به، وهو الصنائع، ونوع مرتبط بالعقل، وبخاصة العقل النظري، وهو العلم، هذا العلم الذي يمكنه أن يدرك الحقائق المجرَّدة، وحركةُ الإنسان بوجوهها المختلفة مصبوبةٌ في هذين النوعين، وقد عقد ابن خلدون لذلك بابين: أحدهما (الباب الخامس): في المعاش ووجوهه من الكسب والصنائع، وما يعرض في ذلك كله من الأحوال، والآخر (الباب السادس): في العلوم وأصنافها، والتعليم وطرقه، وما يعرض في ذلك من الأحوال.

جاءت علوم اللسان العربي - ومنها علم النحو - ضمن باب العلوم؛ لكن ابن خلدون يطلق على هذا العلم - وعلى غيره كثيرًا - لفظَ "صناعة"، فهل النحو: علم أو صناعة؟ وما هو ذلك الخيط الذي يفصل بين العلم والصناعة أو يجمع بينهما؟ أم أن الصناعة التي يذكرها في باب العلم غيرُ تلك الواردة في الباب الخاص بالمعاش؟ سنحاول فيما يلي تأصيل هذين اللفظين، ونتكئ كثيرًا على كلام ابن خلدون نفسه، لِنرى مقصوده، ولْنبدأ بالصناعة:
لعل لفظَيِ الصناعةِ والعلم من أكثر الألفاظ دورانًا على لسان ابن خلدون، حتى إنهما (وبضعة ألفاظ أخرى) يُعَدَّان من لوازمه، وهو يستخدمهما مفردين (مصدرين) الصناعة والعلم، كما يجمعهما فيقول: صنائع، وعلوم، وهما - بداهة - ليستا مبتدعَتَيْن من عنده؛ لكنهما - كما سلف - لا يغادران قاموسه، فقد أقام عليهما نظريته الخاصة بتحليل وجوه نشاط الإنسان وتصنيفه، وعلاقات هذا النشاط بحياته وأَرومته ومسكنه، وهكذا جعل من كُلٍّ منهما مصطلحًا قائمًا برأسه، وأسَّس لمفهومه، ووظَّفه لخدمة أغراضه.


فيما يخص "النحو" – موضوعنا - سبق أن أشرنا إلى أنه يُطْلق عليه "صناعة العربية"، وهو مصطلح ليس من ابتداعه - مرة أخرى - سبقه إليه عددٌ من العلماء قبله، كما أن لفظ "صناعة" هذا ليس قَصْرًا على "النحو"؛ فالشعر صناعة، والنثر صناعة، والطب صناعة، والمنطق صناعة، وقد ظهر هذا اللفظُ حتى في عناوين الكتب (مع اقترانه بـ"الإعراب" بدلاً من العربية): "سر صناعة الإعراب" لابن جني (ت 392هـ)، و"صناعة الإعراب" لعبيدالله بن أحمد الفزاري (ت 381هـ)، ونعرف أيضًا الكلمة مثنَّاة في عنوان أبي هلال العسكري "كتاب الصناعتين"، قاصدًا صنعتي الشعر والنثر.

وإنما قلنا: إنه أسَّس لمفهوم لفظ/مصطلح "صناعة"؛ لأنا وجدناه قد حرص على أن يَحُدَّه، أو يضع له تعريفًا، وأن يُفَصِّل في دلالته، وأن يربطه بنظريته العامة في العمران.

إنه يُعَرِّف الصناعة فيقول: "ملكة في أمر عمليٍّ فكريٍّ، وبكونه (أي: الأمر) عمليًّا هو جسماني محسوس، والأحوال الجسمانية المحسوسة نقلُها بالمباشرة أوعب لها وأكمل؛ لأن المباشرة في الأحوال الجسمانية المحسوسة أتمُّ فائدة"[1]، ويمكن من خلال هذا النص أن نقف على ما يلي:
• الصناعة ملكة أو قدرة.
• وهي تجمع بين العمل (الحركة الجسمانية) والفكر.
• والمقصود بالفكر الذي لم يتوقف عنده ابن خلدون: العقل؛ بمعنى: أن الصناعة لا تُنسب إلى غير الإنسان، فالحيوان والجماد لا يصنعان؛ لأنهما غير مفكرين أو عاقلين.
• واكتساب الصناعة إنما يكون بـ"المباشرة"، والمراد بالمباشرة: الممارسة أو المزاولة، ومن هنا نقل الكفوي قولاً بأن الصناعة أخصُّ من الحرفة؛ لأنها تحتاج في حصولها إلى المزاولة[2].


والصنائع - كما يرى ابن خلدون - ليست على درجة واحدة؛ فـ "منها البسيط، ومنها المركب، والبسيط هو الذي يختص بالضروريات، والمركب هو الذي يكون للكماليَّات"[3].

وهي - أيضًا - بالنظر إلى غاياتها نوعان: "ما يختص بأمر المعاش، ضروريًّا كان أو غير ضروريٍّ، وإلى ما يختص بالأفكار التي هي خاصية الإنسان من العلوم والصنائع والسياسة"[4].

هذا النص الأخير مهمٌّ في أنه يكشف عن أن الصناعة أعمُّ من العلم، إن بعض الصناعة (ما يختص بأمر المعاش) ليس علمًا، أما العلم فهو بالضرورة صناعة، بمعنى أنه نِتاج إنسانيٌّ، شأنُه في ذلك شأنُ الصناعة التي تستهدف المعاش؛ لكنه يخالف الصناعةَ بهذا المفهوم في أنه مرتبط بالعقل النظري، في حين أنها ترتبط بالعقل التجريبي، هذا الارتباط على هذا الصعيد أو ذاك ليس قاطعًا، ولكنه غالب، أعني أن الصناعة قد تخرج عن حدودها المباشرة لتُلامِس العلم، وأن العلم قد يميل أحيانًا ليقترب من الصناعة، وهذا ما يفسِّر لنا حرص ابن خلدون في كثير من المواضع على أن يقرن بين الصناعة والعلم؛ فهُما معًا من خواصِّ الإنسان، وهما معًا يكثران حيث يكثر العمران وتعظم الحضارة؛ بل إن تعليم العلم هو من جملة الصنائع[5] كما يقول.


وإذا كانت الصناعة - كما حَدَّها - ملكة (عامة) في أمر عملي فكري، لتشمل المعاش والنظر المجرَّد، فإن العلم في الرؤية الخلدونية، إنما هو أيضًا "ملكة تحيط بمبادئ العلم وقواعده ومسائله، وفروعه وأصوله"[6]، هو إذًا ملكة خاصة؛ لأنها معنيَّة بالمبادئ والقواعد... إلخ، والعلم - كما يُفْهَم من ابن خلدون -: هو ذلك الذي يهتدي إليه الإنسان بفكره، سواء كان وصوله إليه بفكره مجرَّدًا (العلم الحكْمي)، أو بالاستناد إلى الخبر (العلم الشرعي)، وفي الحالين هو ثمرة الفكر أو العقل النظري، ذلك العقل الذي "يفيد العلم أو الظن بمطلوب وراء الحسِّ لا يتعلَّق به عمل"[7]، المطلوب وراء الحس الذي لا يتعلق به عمل هو الذي يَفْصِل العلم من الصناعة، تلك التي تتغيَّا المعاش، لا الصناعة بالمعنى العام الذي أشرنا إليه آنفًا.


نحن الآن أمام مفهومين للصناعة:
مفهوم عام، تشمل به الصناعةُ العلمَ، وهذا ما يتضح بجلاء من قوله: "فصارت هذه العلوم كلها علومًا ذات ملكات محتاجة إلى التعليم، فاندرجت في جملة الصنائع"[8]، وفي سياق آخر وهو يتحدث عن العرب، يقول: "مع ما يلحقهم من الأنفة عن انتحال العلم حينئذٍ بما صار من جملة الصنائع"[9].
ومفهوم خاصٌّ ينصرف إلى أمور المعاش، وليس النحو خاصة، وعلوم اللسان عامة، داخلاً تحت هذا المفهوم الخاص؛ بل هو داخل تحت المفهوم العام؛ لأنه قائم على النظر المجرَّد، ولعل في ذلك ما يفسِّر لنا أن ابن خلدون تحدَّث عن علم الطب في موطنين: الموطن الأول: في الباب الخامس الخاص بالمعاش ووجوهه من الكسب والصنائع، والموطن الثاني: في الباب السادس الخاص بالعلوم وأصنافها، ويلاحظ أنه في الموطن الأول استخدم "صناعة الطب"، وفي الثاني استخدم "علم الطب"، وكذلك فعل في الفلاحة ذكرها في البابين، وعنون لها تحت الصنائع "صناعة الفلاحة"، ثم قدَّم لها في الموطن الثاني بالقول: "هذه الصناعة من فروع الطبيعيات، وهي النظر في النبات"، نستطيع إذًا أن نلفت إلى أمرين في التفرقة بين الصناعة بمفهومها الخاص والعلم:
الأول: أن الصناعة مرتبطة بالأمور العملية؛ أي: الحركات الجسمانية المحسوسة، والعلم ليس كذلك.
الثاني: أن الصناعة ثمرة من ثمار العقل التجريبي، في حين العلم ثمرة للعقل النظري الخالص.


إذا عُدنا إلى علم النحو أو صناعة النحو، فإننا سندرجه دون كبير عناء تحت مفهوم العلم، بما يعنيه من عدم ارتباط بالعمل، وصلة أكيدة بالعقل النظري.

وعليه؛ فإن إطلاق "صناعة" عليه إنما هو من باب المفهوم العام للكلمة، لا أكثر، وأيضًا من باب مشابهته للصنائع المندرجة حقيقةً تحت مفهوم الصناعة بالمفهوم الخاص، في أن لها قواعدَ وأسسًا استقرَّت وتعارف عليها أصحابها، وحذقوها، وأصبحت حِرَفًا يتكسَّبون بها، ونحن نعلم أن ابن خلدون يَعدُّ تعليم العلم من جملة الصنائع؛ ولذلك عقد له فصلاً (هو الثامن) ضمن الباب السادس (العلوم وأصنافها).

خلاصة القول: إن الصناعة في الرؤية الخلدونية ذاتُ ثلاثة مفاهيم:
• مفهوم عام مرتبط بنتاج نشاط الإنسان بوصفه كائنًا عاقلاً.
• مفهوم خاص يقوم على نشاط الإنسان الجسماني الذي يتغيَّا كسب المعاش.
• مفهوم خاص (أيضًا) ذو صلة وثيقة ببعض العلوم التي تشبه الصنائع الجسمانية في أن لها أسسًا وقواعدَ وقوانينَ، لا بد من معرفتها وتلقِّيها على يد معلِّم.


ولا ينبغي أن ينصرف الذهن إلى أن الصناعة مبتوتة عن العلم، فلا شك أن فيها بمعنى من المعاني علمًا، لكنه العلم القريب من العمل؛ ولهذا فإن المناوي نقل قولاً في تعريف الصناعة نَصُّه أنها (أي: الصناعة): العلم المتعلق بكيفية العمل[10]، ويقرب من ذلك ما قاله الكفوي في تعريف الصناعة: كلُّ علم مارَسَه الرجل، سواء كان استدلاليًّا أو غيره، حتى صار كالحرفة له[11]، وتبدو في عبارة الكفوي تلك الخيوط التي تربط الصناعة بالعلم والممارسة والحرفة، وهو ما فصَّلناه آنفًا، وثمَّ فروق دقيقة بين الصناعة والعمل والحرفة، ليس هذا موطن التوقف عندها.

خاتمة:
كانت تلك جوانب من رؤية ابن خلدون لصناعة العربية، حاولنا أن نلقي عليها أضواء كشفت؛ لكنه الكشف المحكوم بالمساحة والزمن، فما زالت هناك بعض الزوايا الخاصة بهذه الجوانب في منطقة الظل، فضلاً عن أن الرؤية الخلدونية الكاملة في هذا الباب قضية عريضة وواسعة، تحتاج إلى تأمُّل عميق؛ لسبر غورها من ناحية، ولوضعها في السياق الخلدوني العام، وفي السياق اللساني العربي الإسلامي في مجمله، وكذلك في السياق اللساني الحديث، من نواحٍ أخرى.




ـــــــــــــــــــ


[1] المصدر السابق، ج2، ص 856.
[2] الكفوي: "الكليات"، مصدر سابق، ص 544.
[3] ابن خلدون: "المقدمة"، ج2، ص 856.
[4] المصدر السابق، ج2، ص 857.

[5] المصدر السابق، ج3، ص 925.
[6] المصدر السابق، ج3، ص 925.

[7] المصدر السابق، ج3، ص 917.
[8] المصدر السابق، ج3، ص 1123.
[9] المصدر السابق، ج3، ص 1123.
[10] المناوي: "التوقيف"، مصدر سابق، ص 463.
[11] الكفوي: "الكليات"، مصدر سابق، ص 544.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 112.64 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 109.37 كيلو بايت... تم توفير 3.27 كيلو بايت...بمعدل (2.90%)]