|
|
الملتقى العلمي والثقافي قسم يختص بكل النظريات والدراسات الاعجازية والثقافية والعلمية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
الأطباء والفقهاء
الأطباء والفقهاء رجاء محمد الجاهوش أغلقَ الهاتِف، وقال بغيظٍ مُوجِّهًا سؤاله إلى محدِّثه الذي رحَلَ: هَلْ أشْحَذُ مِنك؟! ثم نظرَ إليَّ مُستنكِرًا: ماذا أصابَ بني البَشر؟! فارْتسَمَتْ أمامي علامة تعجُّبٍ كبيرة كادتْ أن تحجبَ الفضاء، فآثرتُ الصَّمت؛ خَشيةَ أن أتفوَّه بكلمة تزيد مِن اندلاع حَنَقه المُفاجئ! فتابَع: نذهبُ إلى الطَّبيب؛ لنشكوَ إليه آلامَنا ومَواجعنا مؤملين النَّفس أن هناك من سيسمعكِ باهتمام، وسيَشعرُ بما تُعانين بكلِّ صِدق، فيهبُّ لتقديم أفضل علاجٍ داعيًا لكِ بالشَّفاء والعافية، وإذ بنا أمامَ مُوظَّف سَئِمَ "روتين" مِهنته، وامتلأ قلبه حِقدًا لضياع حقِّه مِن إدارة مَشفاه، وضاقَ صَدره بشكوى مرضاه، تجلس أمامه تنتظر منه الْتِفَاتة حانية لتبدأ الحديث، فلا تجد منه سِوى انشغال بشاشةِ الحاسوب التي أمامه، طالبًا منك وصف حالتك على عَجَلٍ، فتختزل الكلمات لتنتهي هذه الجلسة الباردة الجافة بوَصْفَة طِبيَّة غير مأمونة الجانب في معظم الأحيان! والآن أتَّصِلُ بالفقيه الفاضل - كما اتفقنا - لأستفسر عن تلك المسألة التي حَيَّرَتْنا، فلَمْ أجد منه إلا قِلة الصَّبر على الشَّرح والتَّفصيل، وغِلظة في الرَّد والجواب، شعرتُ معها وكأنني مُتسوِّلٌ، أَطْرُقُ بابَ عِلمه؛ ليمنَّ عليَّ بكِسْرةِ جوابٍ أُنهي بها حيرتي! اكتفيتُ بقولي: لا حول ولا قوة إلا بالله العَليّ العَظيم؛ لقناعتي أن كلَّ الأعذار ساعة الغضَب لا تُجْدي! الفقيه والطَّبيب كلاهما لا غِنى للإنسانيَّة عنهما؛ لما يُستجدُّ مِن نوازلٍ، ووقائع، وأمراض، وأوْبِئة - على مرِّ العُصور - تحتاج إلى بحث ودِراسة مِن أجل الوصول إلى الحُكم الفقهي الراجح لتلك الوقائع المستجدة، والعلاج الناجع بإذن الله لتلك الأمراض المُستحدثَة التي لم يكن لها ذِكْر مِن قبل. وحاجتنا للفقيه - برأيي - أكبر؛ فمع الطَّبيب سَلامة الجسَد في هذه الحياة الدنيا، بينما بين يَديّ الفقيه سَلامة الرُّوح والجسَد في الدنيا والآخرة. ولو تأمَّلنا قليلاً، لرأينا أنه قد تستقيم حياة المرْءِ مع وجود مرض مُزمن إن اتَّبعَ إرشادات الطَّبيب وأَحْسَنَ مُراعاته، لكنها لا تستقيم مع وجود خَللٍ في تطبيق ما جاء به الشَّرع مهما كان ذلك الخلل صغيرًا. إن أهميَّة المسؤوليَّة تختلف باختلاف آثارها ونتائجها، لذا كانت مسؤوليَّة الفقهاء تجاه عباد الله مِن أعظم المسؤوليات وأثقلها؛ لأنها ترتبط ارتباطًا وثيقًا بغايتهم التي مِن أجلها خُلِقوا. قال تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات : 56]. فالحِكمة المقصودة من إيجاد الخَلْق هي عبادة الله، وعبادة الله على بيِّنة لا تتحقَّق إلا بفَهم الشَّرع فَهمًا واعيًا، ومعرفة ما جاء به من أدلة وأحكام معرفةً تامَّة، وهذا هو دور الفُقهاء، فَهُم أهل العِلم وحَمَلة المشاعل التي تُنير لنا الطريق، وتدلُّنا على الجادَّة الصَّحيحة، وتهدينا سواء السَّبيل، فإن تقاعسوا أو أهملوا، خبَا النُّور وتسَلَّلَ الظلام، وإن قَسوا أو جفوا، نفر السائل وابتعد، فتاهت منه الخُطى أو زلَّت القَدَم. إنه لمَسْلَكٌ وَعِرذاك المَسْلك الذي اختاره الفقيه لنفسه، حين حمَل الأمانة بإرادة منه، فَرَاح يَسعى بكلِّ جِدٍّ واجتهاد إلى تحصيل العِلم من منابعه النقيَّة، غير مُتعصِّب لرأي أو مَذهب، يَدور مع الدَّليل حيث دار دون تجريح أو تكفير، فاتِحًا قلبَه وفِكرَه لشتَّى السائلين على اختلاف عقولهم وبيئاتهم وأنماط شخصياتهم، مُتجمِّلاً بالصَّبر والاحتساب ودَمَاثة الخُلُق، فيُداري اللَّجوج مِنهم، ويُعيد القول بمزيد شرحٍ وتوضيحٍ لقليلِ الذَّكاءِ مِنهم، ويأخذ باللِّين تارة وبالحزم تارة أخرى المجادِل مِنهم، ويُجيب بفِطنَة وحِكْمَة على مُتصيِّد الأخطاء مِنهم، مُدرِكًا أنه طَوق نجاتهم، فإن لم يكن الطَّوق مُناسِبًا أغْرَقَ ولم يُنقِذ!
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |