شرح كتاب فضائل القرآن من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري - الصفحة 2 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12548 - عددالزوار : 218037 )           »          التغافل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          الطريق يبدأ من هنا.... (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          دور القائد المسلم في إدارة الأزمات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          يا بنيّ إنني أمك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          كيف تحاورين والديكِ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          أخطاء بسيطة لكن مُميتة ! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          أيتها الأم كيف تتعاملين مع دلع طفلك؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          التدخين ممنوع بأمر من الدين والعقل والمجتمع - التدخين من منظور الشريعة والطب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          14 ربيع الأول - قصة قتل كعب بن الأشرف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #11  
قديم 19-04-2024, 11:55 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,186
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب فضائل القرآن من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري

شرح كتاب فضائل القرآن من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (11) باب: الترجيع في قراءة القرآن

اعداد: الفرقان



الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا. والحمد لله الذي أنزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا. والحمد لله الذي جعل كتابه موعظة وشفاء لما في الصدور، وهدى ورحمة ونورا للمؤمنين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا.
2114. عن مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُغَفَّلٍ الْمُزَنِيَّ يَقُولُ: قَرَأَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَامَ الْفَتْح فِي مَسِيرٍ لَهُ سُورَةَ الْفَتْحِ عَلَى رَاحِلَتِهِ، فَرَجَّعَ فِي قِرَاءَتِهِ.
قَالَ مُعَاوِيَةُ: لَوْلَا أَنِّي أَخَافُ أَنْ يَجْتَمِعَ عَلَيَّ النَّاسُ، لَحَكَيْتُ لَكُمْ قِرَاءَتَهُ.
الشرح:
قال المنذري: باب الترجيع في قراءة القرآن، وقد رواه مسلم في صلاة المسافرين (1/547) وبوب عليه النووي: باب ذكر قراءة النبي صلى الله عليه وسلم سورة الفتح يوم فتح مكة.
ورواه البخاري في فضائل القرآن (5034) باب: القراءة على الدابة وفي باب: الترجيع ( 5047 ).
ومعاوية بن قرة هو ابن إياس بن هلال المزني، أبو إياس البصري، ثقة عالم، مات سنة ثلاث عشرة، روى له الستة.
قال: سمعت عبد الله بن مغفل المزني، وهو صحابي ممن بايع تحت الشجرة، نزل البصرة، مات سنة سبع وخمسين وقيل غير ذلك، أخرج له الستة .
قال: «قرأ النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح في مسير له سورة الفتح على راحلته وهذا من هديه صلى الله عليه وسلم ، ومن سنته أنه كان يقرأ كتاب الله عز وجل في أثناء مسيره في سفره وغيره، ويشغل وقته بذكر الله تعالى، وهذا خير من أن يشغل المسافر والراكب وقته في الحديث فيما لا ينفع، أو بالاستماع إلى ما لا فائدة فيه من موجات الإذاعات وغيرها؛ فإذا استمع إلى آية من كتاب الله، أو قرأ هو كتاب الله سبحانه وتعالى وهو راكبٌ فهذا من الخير الذي غفل عنه كثير من الناس .
وجاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما من راكب يخلو في مسيره بالله وذكره، إلا كان رِدفه مَلَكٌ، ولا يخلو بشعرٍ ونحوه إلا كان رِدفه شيطانٌ» رواه الطبراني عن عقبة بن عامر .
فالمسلم إذا ذكر الله سبحانه وتعالى في مسيره، كأن قرأ القرآن على راحلته أو في سيارته، أو استمع إلى كتاب الله عز وجل، أو إلى محاضرة علمية نافعة، ودرس شرعي مفيد، فإنّ ملكا من ملائكة الله يكون رديفا له، وأما إذا خلا في مسيره بالشعر والغناء، وبما لا فائدة فيه، فإن الشيطان يكون رديفا له والعياذ بالله تعالى .
وقوله: إن النبي صلى الله عليه وسلم في عام الفتح قرأ سورة الفتح التي نزلت عليه عند مرجعه من غزوة الحديبية وهي قوله تعالى: {إنا فتحنا لكَ فتحاً مبيناً ليغفرَ الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر}(الفتح: 1-2)، فنزلت عليه هذه السورة عند قفوله من غزوة الحديبية.
فالنبي صلى الله عليه وسلم قرأ هذه السورة عند مسيره عام فتح مكة، فرجّع في قراءته، والترجيع معناه ترداد الحرف في الحلق.
وعرفه الحافظ ابن حجر بأنه: تقارب ضروب الحركات في القراءة، وأصله الترديد.
وجاء في رواية البخاري في التوحيد: أن عبد الله بن مغفل حكى شيئاً من القراءة فقرأ: آآآ، يعني رجّع حرف الألف وردّده في حلقه، وهو من باب التحسين والتجميل للقراءة، وأدائها على صورة حسنة.
قال الإمام النووي: وأجمع العلماء على استحباب تحسين الصوت بالقراءة وترتيلها، كما ذكرنا ذلك في الدرس الماضي، وذكرنا قول النبي صلى الله عليه وسلم : «زينوا القرآن بأصواتكم».
وقال الإمام أبو عبيدة: الأحاديث الواردة في ذلك محمولة على التحزين والتشويق - يعني القراءة بصورة فيها شيء من الحزن والبكاء، والتشويق إذا كان الكلام عن المغفرة أو عن الرحمة أو عن الجنة - قال: واختلفوا في القراءة بالألحان - يعني الألحان المذمومة التي فيها تمطيط وخروج عن قواعد التجويد، والقراءة الصحيحة – قال: فكرهها مالك والجمهور لخروجها عما جاء القرآن له من الخشوع، وأباحها أبوحنيفة وجماعة من السلف للأحاديث، وأن ذلك سبب للرقة وإثارة الخشية، وإقبال النفوس على استماعه انتهى
فالجمهور على كراهية المبالغة في التلحين والزيادة في ذلك، ونقل عن أبي حنيفة تجويز ذلك.
وقال العلامة صديق حسن خان: قال الشافعي في موضع: أكره القراءة بالألحان، وقال في موضع: لا أكرهها، قال أصحابنا: ليس الأمر فيه اختلاف، إنما فيه اختلاف حالين، فحيث كرهها أراد إذا مطط وأخرج الكلام عن موضعه بزيادة أو نقص، أو مد غير ممدود، أو إدغام ما لا يجوز إدغامه، ونحو ذلك، وحيث أباحها إذا لم يكن فيها تغيير لموضع الكلام، والله تعالى أعلم.
يعني أن الشافعي لما قال أكره: القراءة بالألحان، يقصد لو جاء بمد في غير موضعه، أي يمد مدا زائدا، كأن يمد كلمة (قال) فوق حركتين، وهذا خطأ في القراءة، أو يدغم ما لا يدغم، كأن يدغم اللام في العين مثلا، كان ذلك تجاوزا وخطأ، كما ذكر أهل العلم بالتجويد القواعد فيه.
وعلم التجويد الناس فيه طرفان ووسط، فمن الناس منْ يهمل قواعد التجويد والنطق الصحيح للحروف، فيقع في الخطأ الواضح، ومن الناس من يبالغ ويتكلف في هذا الباب فيخرج عن الحد الشرعي الصحيح.

ومن ابن الجوزي قوله: رأيت بعض من يتكلّف في القراءة يبالغ في إخراج الضاد في قوله {ولا الضالين} حتى يخرج بصاقه!
وهذه مبالغة مذمومة؟! أن يبالغ القارئ في إخراج بعض الحروف، ولعلكم رأيتم بعض الناس ممن يبالغ في علم التجويد والقراءة بالتجويد، حتى يخرج القراءة عن الحد العادي إلى المتكلف، لكن إذا كانت القراءة دون تكلف، وفيها مراعاة لأحكام التجويد والنطق الصحيح للحروف فهذه قراءة شرعية.
وفي الحديث: أن الترجيع مأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وترديد الحروف من أجل تحسين الصوت، والتأثير في القلوب، وأنه لا بأس به.
وفيه: أن الجهر بقراءة القرآن من أجل التعليم، أو حث الغير على الاقتداء جائز، مع مدافعة الرياء والسمعة والاستعاذة من ذلك .
باب: الجهر بالقراءة بالليل والاستماع لها
2115. عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَ صلى الله عليه وسلم سَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأُ مِنْ اللَّيْلِ، فَقَالَ: يَرْحَمُهُ اللَّهُ لَقَدْ أَذْكَرَنِي كَذَا وَكَذَا آيَةً كُنْتُ أَسْقَطْتُهَا مِنْ سُورَةِ كَذَا وَكَذَا.
الشرح:
قال المنذري: باب الجهر بالقراءة بالليل والاستماع لها، والحديث أخرجه الإمام مسلم في: كتاب صلاة المسافرين، وبوب عليه الإمام النووي: باب الأمر بتعهد القرآن وكراهة قوله نسيت آية كذا.
وأورد فيه حديث عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: «أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقرأ من الليل» وهذا موضع الشاهد، أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقرأ من الليل، أي إن هذا الرجل كان يجهر بالقراءة في بيته ليلا، أو كان يقرأ بصوت مرتفع في المسجد، فسمعه النبي صلى الله عليه وسلم ، قال الإمام النووي: في هذه الألفاظ فوائد منها: جواز رفع الصوت بالقراءة من الليل، وفي المسجد ولا كراهة فيه إذا لم يؤذ أحدا، ولا تعرض للرياء والإعجاب ونحو ذلك. انتهى.
فالإمام النووي رحمه الله تعالى قال: إن الجهر بالقراءة يجوز في الليل ولو بالمسجد ولا كراهة في ذلك بشروط:
- أولها: ألا تؤذي أحداً، كالنائم، فلو كان هناك نائم، ورفعت صوتك بالقراءة فإنه ربما يتأذى، وربما قام من نومه.
- الثاني: إذا كان الإنسان لا يتعرض للرياء الإعجاب بالنفس إذا جهر بين الناس، أما إذا خشي أن يقع في قلبه الرياء والإعجاب فعليه أن يكف عن هذا، إلا إذا قدم ليصلي إماما بالناس، فلا حرج عليه أن يحسن صوته، وينوي الإخلاص وهداية الخلق.
قوله: «يرحمه الله»، مثل قولك: رحمه الله، فهو دعاء له بأنْ يرحمه الله، والدعاء بالرحمة، أو قول: يرحمه الله، ليس هو أمراً لله تعالى بأن يرحمه، وإنما هو دعاء له، وليس هو أيضا إخبار عن حصول الرحمة له، بل هو دعاء ورجاء، أي: أسأل الله له الرحمة، وكذا قولك: غفر الله له، وما أشبه ذلك من الأدعية .
قوله: «لقد ذكّرني كذا وكذا آية كنت أسقطتها من سورة كذا وكذا» أخذ أهل العلم من هذا جواز النسيان على النبي[، وذلك أنه بشر، كما قال عن نفسه وحكاه القرآن عنه: {قلْ إنما أنا بشرٌ مثلكم يُوحى إلي} (الكهف:110).
وقال صلى الله عليه وسلم كما في الحديث لما نسي وسها في الصلاة، وهي صلاة الظهر أو العصر فصلى اثنتين ثم نبهه ذو اليدين، ثم قال: «إنما أنا بشرٌ مثلكم، أنسى كما تنسون» متفق عليه .
وبالنسبة للقرآن: فنسيانه مخصوص فيما بلغه للأمة وحفظوه عنه، ولذا يذكره بعض الصحابة به، لكن قبل حصول البلاغ لا يمكن أن ينسى صلى الله عليه وسلم شيئا؛ لأن الله تبارك وتعالى يقول له: {يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربك وإنْ لم تفعل فما بلّغت رسالته} (المائدة:67).
وكذلك قوله عز وجل: {سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله} (الأعلى:6-7).
وهكذا سهوه في الصلاة لا يضر المسلمين في دينهم؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قد بلغ الأمة إن قولا وعملا أن صلاة العصر أربع وصلاة الظهر أربع وصلاة المغرب ثلاث، فلا يضر لو نسي ذلك.
وهذا قول أهل السنة والجماعة، أما الصوفية فيقولون: لا نقبل أن تقولوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم ينسى! بل لا يجوز عليه السهو، وإنما يقع عنه ذلك متعمدا حتى يبين للأمة كيف يفعلوا إذا سهوا!
ولا شك أنه قول ضعيف! ولا يقول به أحدٌ ممن يقتد به من أئمة العلم الكبار، وإنما الصحيح أن نبينا صلى الله عليه وسلم كما قال عن عنه القرآن: {قل إنما أنا بشر مثلكم}، لكن لا يقع النسيان منه صلى الله عليه وسلم بحيث إنه يموت ولا ينبه عليه، فهذ لا يكون، فلا بد أن ينبهه الوحي على السهو أو على النسيان إن لم يعلم به الناس.
وفي هذا الحديث أيضا: استماع النبي صلى الله عليه وسلم لقراءة غيره؛ لأنه قال: «يرحمه الله لقد ذكرني كذا وكذا آية كنت أسقطتها»؛ فهذا يدل على أنه تابع الرجل وسمع قراءته.
وفيه الدعاء لمن أصاب منه خيرا، وإن لم يقصد ذلك الإنسان.
وفيه: جواز قول سورة كذا وكذا، كسورة البقرة ونحوها، ولا التفات لمن خالف في ذلك.
والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #12  
قديم 21-04-2024, 02:56 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,186
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب فضائل القرآن من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري

شرح كتاب فضائل القرآن من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (12) باب: أنزل القرآن على سبعة أحرف

اعداد: الفرقان



الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا. والحمد لله الذي أنزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا. والحمد لله الذي جعل كتابه موعظة وشفاء لما في الصدور، وهدى ورحمة ونورا للمؤمنين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا.
2116. عن عُمَرَ بْن الْخَطَّابِ يَقُولُ: سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ عَلَى غَيْرِ مَا أَقْرَؤُهَا، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَقْرَأَنِيهَا، فَكِدْتُ أَنْ أَعْجَلَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَمْهَلْتُهُ حَتَّى انْصَرَفَ، ثُمَّ لَبَّبْتُهُ بِرِدَائِهِ فَجِئْتُ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي سَمِعْتُ هَذَا يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ عَلَى غَيْرِ مَا أَقْرَأْتَنِيهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «أَرْسِلْهُ، اقْرَأْ، فَقَرَأَ الْقِرَاءَةَ الَّتِي سَمِعْتُهُ يَقْرَأُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «هَكَذَا أُنْزِلَتْ»، ثُمَّ قَالَ لِي: «اقْرَأْ»، فَقَرَأْتُ، فَقَالَ: «هَكَذَا أُنْزِلَتْ، إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ».
الشرح: قال المنذري: باب: أنزل القرآن على سبعة أحرف.
وهذا الحديث أخرجه الإمام مسلم في باب صلاة المسافرين وقصرها (1/560) وبوب عليه الإمام النووي: باب بيان أن القرآن أنزل على سبعة أحرف، وبيان معناه.
قال: عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت هشام بن حكيم بن حزام، وعمر رضي الله عنه أمير الؤمنين من حفاظ القرآن من الصحابة، بل الخلفاء الأربعة: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم، كلهم من حفظة كتاب الله، وهشام بن حكيم هو القرشي الأسدي، صحابي ابن صحابي، مات قبل أبيه.
قال عمر رضي الله عنه : سمعت هشام بن حكيم بن حزام، يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرؤها وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأنيها، يعني أنه كان قد قرأ سورة «الفرقان» على رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمعها منه مشافهة، ثم سمع هشام يقرؤها على غير القراءة التي سمعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاستنكر ذلك وعظم عليه.
قوله: «فكدت أن أعجل عليه» يعني كدت أن أتناوله وهو في صلاته، لكني أمهلته حتى ينتهي ويسلم من صلاته، قال: «حتى انصرف ثم لببته برداءة» يعني: أخذت بمجامع ردائه من عنقه وجررته به، مأخوذٌ من اللّبة التي هي صفحة العنق.
وفي هذا بيان ما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم من الاعتناء بالقرآن ولفظه، والذبّ عنه، والمحافظة عليه كما سمعوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم دون تغيير ولا تبديل.
قوله: «فجئت به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرأتنيها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أرسله، اقرأ، فقرأ القراءة التي سمعته يقرأ» فأمر النبي صلى الله عليه وسلم عمر أن يرسله حتى يسمع منه القراءة، ليحكم عليه، ولكن عمر نسبه إلى المخالفة في القراءة، والنبي صلى الله عليه وسلم يعلم جواز القراءة بالوجه الذي قرأه، وعمر لم يكن يعلم ذلك.
ولأنه لم يأت منكراً ظاهرا يقتضي تعزيره أو تأديبه بذلك.
وأيضا: لأنه لا يستطيع القراءة وهو ملبّب.
قوله: «فقال له: أرسله، فقرأ هشام فقال صلى الله عليه وسلم : هكذا أنزلت، ثم قال لي: اقرأ، فقرأت، فقال: هكذا أنزلت، إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرأوا ما تيسر منه» ومعنى الأحرف السبعة عند أهل العلم على وجوه، قال الإمام النووي: اختلف العلماء في المراد بالسبعة أحرف، قال عياض: هو توسعة وتسهيل، لم يقصد به الحصر. هكذا قال! وهذا لاشك أنه فيه شيء من التأويل.
ثم قال النووي: وقال الأكثرون: هو حصر العدد في سبعة. ثم قيل: هي سبعة في المعاني، كالوعد والوعيد، والحلال والحرام، والقصص والأمثال، والأمر والنهي، ثم اختلف هؤلاء في تعين السبعة.
وقال آخرون: هي - يعني السبعة - في أداء التلاوة وكيفية النطق بكلماتها، من إدغام وإظهار، وتفخيم وترقيق، وإمالة ومد؛ لأن العرب كانت مختلفة اللغات في هذه الوجوه، فيسّر الله تعالى عليهم، ليقرأ كل إنسان بما يوافق لغته، ويسهل على لسانه.
وقال أبو عبيد: سبع لغات العرب، يمنها ومعدّها، وهي أفصح اللغات وأعلاها، وقيل: بل السبعة كلها لمضر وحدها - يعني قريش - وهي متفرقة في القرآن غير مجتمعة في كلمة واحدة، وقيل: هي متفرقة في القرآن، غير مجتمعة في بعض كلمة واحدة، وقيل: بل هي مجتمعة في بعض الكلمات، كقوله تعالى: {وعَبَدَ الطاغوت} (المائدة: 60)، {يرْتعْ ويلعبْ} (يوسف:12)، {باعدْ بين أسفارنا} (سبأ: 19)، {بعذابٍ بئيس}(الأعراف: 165)، وغير ذلك. انتهى.
يعني أن القراءات السبع يمكن أن تجتمع في كلمة واحدة، أو لا تجتمع، فقد تتعدد القراءات في الكلمة الواحدة، فتقرأ بأكثر من قراءه مثل {عبَدَ الطاغوت} بالفعل الماضي وبفتح الطاغوت وكسرها، وقرئت {وعَبْد الطاغوت} وقرئت أيضا {وعُبُد الطاغوت} على جمع الجمع، فهذه أربع قراءات كلها في كلمة واحدة، لكن هذا لا يعني أنها تكون في كل آية كذلك.
قال الباقلاني: الصحيح أن هذه الأحرف السبعة ظهرت واستفاضت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وضبطها عنه الأمة، وأثبتها عثمان والجماعة في المصاحف، وأخبروا بصحتها، وإنما حذفوا منها ما لم يثبت متواتراً، وأن هذه الأحرف تختلف معانيها تارة، وألفاظها أخرى، وليست متضادة ولا متنافية. انتهى.
فالقراءات السبع لا شك كان فيها تسهيل وتيسير على الأمة، ولا سيما في أوائل نزول القرآن؛ فإنّ العرب تختلف ألفاظها باختلاف قبائلها، فكون جميع العرب يقرؤون القرآن بلغة قريش، كان فيه شيء من العسر في بداية الأمر؛ ولذلك كان تنوع هذه القراءات تيسيرا للناس وتسهيلا، وقد جاء صريحا في الحديث في صحيح مسلم (1/561): عن ابن عباس مرفوعا: «أقرأني جبريلُ عليه السلام على حرف، فراجعته فلم أزلْ استزيده فيزيدني، حتى انتهى إلى سبعة أحرف» قال ابن شهاب: بلغني أن تلك السبعة أحرف إنما هي في الأمر الذي يكون واحداً، لا يختلف في الحلال والحرام.
وفي حديث آخر: عن أبي بن كعب قال: «.. فأتاه جبريل عليه السلام فقال: «إنّ الله يأمرك أنْ تقرئ أمتك القرآن على حرفٍ» فقال: «أسألُ الله معافاته ومغفرته، وإن أمتي لا ُتطيقُ ذلك» ثم أتاه الثانية، فقال: «إنّ الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على حرفين» فقال: «أسألُ الله معافاتَه ومغفرته، وإن أمتي لا تطيقُ ذلك» ثم جاءه الثالثة فقال: إنّ الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على ثلاثة أحرف، فقال: «أسألُ الله معافاته ومغفرته، وإنّ أمتي لا تُطيق ذلك» ثم جاءه الرابعة، فقال: «إنّ الله يأمرك أن تقرئ أُمتك القرآن على سبعةِ أحرف، فأيما حرفٍ قرأوا عليه فقد أصابوا» رواه مسلم (1/562 - 563 ).
وهذا ما قاله الطحاوي رحمه الله: إنّ القراءة بالأحرف السبعة كانت في أول الأمر خاصة للضرورة، لاختلاف لغة العرب، ومشقة أخذ جميع الطوائف بلغة، فلما كثر الناس والكتاب، وارتفعت الضرورة كانت قراءة واحدة.
فالقراءات السبع كان فيها تيسير على الأمة في بداية نزول القرآن؛ لاختلاف لغات العرب، ولما كثر القراء، وانتشر حفظ القرآن، صارت هذه القراءات نافعة للأمة من حيث معرفة لغات العرب، وتنوعها، وتنوع الفوائد الفقهية والأصولية التي تستفاد منها، فإن كل قراءة فيها أحيانا معنى جديد، لا من باب التضاد، وإنما من باب اختلاف التنوع، مما يزيد القرآن بلاغةً وجمالا، ومعانٍي عظيمة تضاف إلى معانيه السابقة.
كما أن تعدّد القراءات يدل على إعجاز القرآن في إيجازه، حيث تدل كل قراءة على حكم شرعي، وبيان مجمل، وفائدة علمية، وتوجيه رباني عظيم.
لكن لا بد أن تنقل القراءة عن النبي صلى الله عليه وسلم نقلا صحيحا، وقد تقرر عند المسلمين جميعا حرمة إبدال حرفٍ مكان حرف، بغير نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم متواتر، فكيف بإبدال آية مكان آية؟! كأن يجعل مكان {غفور رحيم} {سميع بصير}؟! ونحو ذلك، فإن هذا تحريف للقرآن!!
والأركان عند العلماء في القراءة الصحيحة ثلاثة:
1- أن توافق القراءة اللغة العربية بوجهٍ من الوجوه.
2- أن توافق رسم المصحف العثماني ولو احتمالاً، فلفظة {مالك يوم الدين} كتبت في جميع المصاحف بغير ألف، وتقرأ {ملك} عند بعضهم، وهي توافق الرسم، ومثل {تعلمون} و{يعلمون} وما أشبه ذلك.
3- أن تكون القراءة صحيحة السند، فيعتمد في هذا الباب على سلامة النقل، وصحة الرواية، ويستبعد ما لا يصح سنده.
ومتى اختل ركنٌ من هذه الأركان أو أكثر، أطلق عليها أنها قراءة شاذة أو ضعيفة، ولا يجوز القراءة بها في الصلاة.
(ينظر في ذلك الإتقان في علوم القرآن للسيوطي وغيره).
باب: قراءة النبي صلى الله عليه وسلم القرآن على غيره
2117. عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: «إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ {لَمْ يَكُنْ الَّذِينَ كَفَرُوا...} قَالَ: وَسَمَّانِي لَكَ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قَالَ: «فَبَكَى».
الشرح: الحديث أخرجه الإمام مسلم أيضا في كتاب قصر صلاة المسافرين، وبوب عليه الإمام النووي: باب استحباب قراءة القرآن على أهل الفضل والحذاق فيه، وإنْ كان القارئ أفضل من المقروء عليه.
أي: يستحب قراءة القرآن على أهل الفضل، وأهل العلم الحفظ والإتقان، والحذاق هم المتقنون المهرة في كتاب الله، وإن كان القارئ أحيانا أفضل من المقروء عليه، كأن يكون القارئ مبرّزا في علم آخر يفوق من يقرأ عليه.
وأورد فيه حديث أنس رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي بن كعب: «إن الله أمرني أن أقرأ عليك {لم يَكنْ الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين} قال: وسماني؟ قال: نعم، فبكى، وفي رواية قال: آالله سماني لك؟ قال: «الله سماك لي»، فجعل أبي يبكي.
وهذا الحديث فيه فوائد كثيرة منها:
1- استحباب قراءة القرآن على الحذاق وأهل العلم به، وإن كان القارئ أفضل من المقروء عليه، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ على أبي بن كعب.
2- وفي هذا الحديث: منقبةٌ عظيمة، ومنزلة شريفة لأبي بن كعب الأنصاري رضي الله عنه ، بقراءة النبي صلى الله عليه وسلم عليه، حتى قيل: لا يعلم أحد من الصحابة شاركه في هذا الفضل.
3- ومنقبة أخرى لأبي رضي الله عنه بذكر الله تعالى له في الملأ الأعلى، وسماه لنبيه صلى الله عليه وسلم باسمه ونص عليه، وهذه منزلة رفيعة أيضا، قلّ من شاركه فيها.
4- وفي الحديث: البكاء في الفرح والسرور، بما يبشر به الإنسان من البشارات العظيمة، ولا سيما فيما يُعطاه من معالي الأمور، والمناقب العالية في الدين والعلم.
5- وقول أبي: «وسماني الله لك؟» يعني: هل قال الله سبحانه وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم : اقرأ على أحد أصحابك، أو اقرأ على أبيّ بالخصوص؟
فأراد أن يستفسر ويتأكد؛ لأن الأمر فيه احتمالٌ، فقال: وسماني الله لك؟ قال: سماك الله لي، فجعل أبي يبكي فرحا.
6- وقد اختلف العلماء: في الحكمة من قراءة النبي صلى الله عليه وسلم على أبي بن كعب؟
فقيل: لأجل أن تستنّ الأمة به في القراءة على أهل الإتقان والفضل، وأن يتعلموا آداب القراءة، للعالم والمتعلم، ولا يستكبروا عن ذلك أو يأنفوا.
وقيل: الحكمة التنبيه على جلالة الصحابي أبي ومكانته، وأهليته لأخذ القرآن عنه من بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان أبي رضي الله عنه بعد النبي صلى الله عليه وسلم إماما في القرآن وإقرائه ورأسا فيه، ومن أجلّ الصحابة في ذلك، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم : «خذوا القرآن من أربعة: من ابن مسعودٍ، وأبي بن كعب، ومعاذِ بن جبل، وسالم مولى أبي حذيفة». متفق عليه.
وهذا فيه ظهور معجزة للرسول صلى الله عليه وسلم .
وأما لماذا خص الله تعالى هذه السورة بالذكر، وهي سورة «البينة» {لم يكنْ الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكّين حتى تأتيهم البينة رسولٌ من الله يتلو صحفا مطهرة فيها كتبٌ قيمة..... } السورة؟
قالوا: لأنها سورة عظيمة وجيزة جامعةٌ، ذات فوائد كثيرة في أصول الدين وفروعه ومهماته، فالله تعالى قد ذكر أولا: أن أهل الكتاب ما كانوا منفكين عن الكفر، بل كانوا ملازمين للكفر والشرك، فهذا حال الناس قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم من أهل الكتاب والمشركين، أنهم كانوا ملازمين للكفر.
وقوله: {حتى تأتيهم البينة} أي: حتى جاءهم الله تعالى بالبينة الكبرى، وهي القرآن العظيم، ورسوله الكريم، فقال {رسولٌ من الله يتلو صحفاً مطهرة فيها كتبٌ قيمة} أي: فيها حكم ومواعظ، وأخبار صادقة، وأحكام وحلال وحرام.
ثم نبه الله تعالى على الإخلاص الذي تصح به الأعمال، فقال: {وما أُمروا إلا ليَعبدوا الله مخلصين له الدّين} فهو أمر الله لجميع خلقه، وقوله {حُنفاءَ} أي: مائلين عن الشرك إلى التوحيد، وعن سائر الملل إلى دين الإسلام.
ثم نبّه على الصلاة التي هي أعظم ركنٍ في الإسلام، ثم نبه على الزكاة وهي من أعظم العبادات المالية.
ثم قال: {ذلك دينُ القيمة} أي ذلك التوحيد والإخلاص، هو الدين المستقيم، الموصل إلى جنات النّعيم.
ثم أخبر أن شر البرية هم الكفار والمشركون؛ لأنهم عرفوا الحق وتركوه، وأعرضوا عن التوحيد، وأنهم مخلدون في النار والعياذ بالله.
وأما خير البرية: فهم الذين آمنوا وعملوا الصالحات؛ ولذا بشرهم بجنات عدن، أي: جنات إقامة دائمة، تجري من تحتها الأنهار، أي: خلالها، خالدين فيه أبدا لا يخرجون منها، ثم أخبر عن رضاه عنه لقيامهم بما يرضيه؛ ولذا أعد لهم أنواع الكرامات.
وذلك الجزاء الحسن {ذلك لمن خَشيَ ربه} لمن خاف الله فترك معاصيه، وقام بما أوجب عليه.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #13  
قديم 21-04-2024, 02:57 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,186
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب فضائل القرآن من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري

شرح كتاب فضائل القرآن من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (13) باب: قراءة النبي صلى الله عليه وسلم القرآن على الجن

اعداد: الفرقان



الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا. والحمد لله الذي أنزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا. والحمد لله الذي جعل كتابه موعظة وشفاء لما في الصدور، وهدى ورحمة ونورا للمؤمنين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا.
2118. عَنْ عَامِرٍ (هو الشعبي) قَالَ: سَأَلْتُ عَلْقَمَةَ: هَلْ كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ شَهِدَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ لَيْلَةَ الْجِنِّ قَالَ: فَقَالَ عَلْقَمَةُ: أَنَا سَأَلْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ فَقُلْتُ: هَلْ شَهِدَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ لَيْلَةَ الْجِنِّ؟ قَالَ: لَا وَلَكِنَّا كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ لَيْلَةٍ فَفَقَدْنَاهُ فَالْتَمَسْنَاهُ فِي الْأَوْدِيَةِ وَالشِّعَابِ، فَقُلْنَا: اسْتُطِيرَ أَوْ اغْتِيلَ، قَالَ: فَبِتْنَا بِشَرِّ لَيْلَةٍ بَاتَ بِهَا قَوْمٌ، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا إِذَا هُوَ جَاءٍ مِنْ قِبَلَ حِرَاءٍ، قَالَ: فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَدْنَاكَ فَطَلَبْنَاكَ فَلَمْ نَجِدْكَ، فَبِتْنَا بِشَرِّ لَيْلَةٍ بَاتَ بِهَا قَوْمٌ، فَقَالَ: «أَتَانِي دَاعِي الْجِنِّ فَذَهَبْتُ مَعَهُ، فَقَرَأْتُ عَلَيْهِمْ الْقُرْآنَ»، قَالَ: فَانْطَلَقَ بِنَا فَأَرَانَا آثَارَهُمْ وَآثَارَ نِيرَانِهِمْ، وَسَأَلُوهُ الزَّادَ، فَقَالَ: «لَكُمْ كُلُّ عَظْمٍ ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ يَقَعُ فِي أَيْدِيكُمْ أَوْفَرَ مَا يَكُونُ لَحْمًا، وَكُلُّ بَعْرَةٍ عَلَفٌ لِدَوَابِّكُمْ»، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «فَلَا تَسْتَنْجُوا بِهِمَا، فَإِنَّهُمَا طَعَامُ إِخْوَانِكُمْ».
الشرح:
الحديث أخرجه الإمام مسلم أيضا في الكتاب السابق، وبوب عليه الإمام النووي: باب الجهر بالقراءة في الصبح والقراءة على الجن.
وعامر هو ابن شراحيل الشعبي، الإمام الثقة الفقيه المشهور، قال مكحول: ما رأيت أفقه منه، مات بعد المئة، وله نحو ثمانين سنة، روى له الستة.
قال: سألت علقمة وهو ابن قيس النخعي، ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ، ثقة ثبت فقيه عابد، أحد تلامذة ابن مسعود المختصين به، روى له الستة.
قال له: «هل كان ابن مسعود شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن؟» يعني: هل ذهب معه أحد ليلة الجن؟ «قال: لا» فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يذهب معه أحد من الصحابة ليلة أن لقي الجن، وخاطبهم وقرأ عليهم القرآن.
وهذا كما ذكرنا ليس هو اللقاء الذي ذكره الله تعالى في السورة التي نزلت بمكة، في قوله تعالى {وإذْ صَرفْنا إليك نفراً من الجن يَستمعونَ القرآن فلما حَضروه قالوا أَنصتُوا فلما قُضيَ ولّوا إلى قومهم مُنذرين} (الأحقاف: 29).
لأن سماعهم للقرآن هناك كان بغير علمه بهم، وقد روى البخاري في التفسير (4921) ومسلم: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ، وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء، وأرسلت عليهم الشهب، فرجعت الشياطين، فقالوا: ما لكم؟ فقالوا: حيل بيننا وبين خبر السماء، وأُرسلت علينا الشّهب، قال: ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا ما حدث، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها، فانظروا ما هذا الأمر الذي حدث؟ فانطلقوا فضربوا مشارق الأرض ومغاربها، ينظرون ما هذا الأمر الذي حال بينهم وبين خبر السماء؟ قال: فانطلق الذين توجهوا نحو تهامة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بنخلة وهو عامدٌ إلى سوق عكاظ، وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر، فلما سمعوا القرآن تسمّعوا له فقالوا: هذا الذي حال بينكم وبين خبر السماء، فهنالك رجعوا إلى قومهم فقالوا: {يا قومنا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا}، وأنزل الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم : {قلْ أُوحي إلي أنه استمع نفرٌ من الجن}.
قال الحسن البصري: إنه صلى الله عليه وسلم ما شعر بأمرهم، حتى أنزل الله تعالى عليه بخبرهم (تفسير ابن كثير 4/170).
وقال البيهقي: وهذا الذي حكاه ابن عباس رضي الله عنهما، إنما هو أول ما سمعت الجن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلمت حاله، وفي ذلك الوقت لم يقرأ عليهم ولم يرهم، ثم أتاه بعد ذلك داعي الجن فقرأ عليه القرآن ودعاهم إلى الله عز وجل كما رواه عبدالله بن مسعود رضي الله عنه .
فليست هذه القصة تلك كما مر معنا، فتلك قصة متقدمة، وهذه متأخرة، وروى أبو بكر بن أبي شيبة: عن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه قال: هبطوا على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ القرآن ببطن نخلة، فلما سمعوه قالوا: أنصتوا، قال: صه، وكانوا تسعة أحدهم زوبعة، فأنزل الله عز وجل: {وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين} إلى {ضلال مبين}.
يقول ابن مسعود رضي الله عنه : «كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة» وهذا في مكة قبل الهجرة، والدليل على هذا أنه قال: «جاءنا من قبل حراء» فالقصة وقعت إذناً في مكة قبل الهجرة.
قوله: «فقدناه فالتمسناه في الأودية والشعاب» يعني كانوا معه صلى الله عليه وسلم في سفر ففقدوه صلى الله عليه وسلم فجأة، فلم يجدوه!
قوله: «فقلنا استطير» يعني طارت به الأعداء، أو طارت به الشياطين. «أو اغتيل» من الغيلة، الذي هو القتل خفية، قال: «فبتنا في شر ليلة بات بها قوم» وهذا من شدة حبهم للنبي صلى الله عليه وسلم وخوفهم عليه.
قوله: «فلما أصبحنا فإذا هو جاء من قبل حراء، فقلنا: يا رسول الله فقدناك فطلبناك فلم نجدك، فبتنا بشر ليلة بات بها قومٌ، فقال: أتاني داعي الجن، فذهبت معه فقرأت عليهم القرآن».
وجاء في حديث ابن مسعود: أنه انطلق بهم صلى الله عليه وسلم فأراهم نيرانهم: «يعني أشعلوا نارا في الليل، إما لصنع الطعام، أو للاستدفاء».
قوله: «وسألوه الزاد» أي: سألوا النبي صلى الله عليه وسلم الطعام، فقال لهم: «لكم كل عظم ذُكر اسم الله عليه» وهذا للمؤمنين منهم، أما غير المؤمنين من الكفار منهم، فجاء فيهم الحديث الآخر أن طعامهم: «كل ما لم يذكر عليه اسم الله» فكل طعام أو مذبوح لم يذكر عليه اسم الله تعالى، فهو طعام للشياطين، وأما المؤمنون منهم فإنهم لا يأكلون إلا ما ذكر اسم الله عليه من الذبائح والأطعمة.
قوله: «لكم كل عظم ذُكر اسم الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحما» أي: هذا العظم بعد أن تأكل ما عليه من اللحم، وتلقيه ليس عليه شيء، فإنه إذا وقع في أيديهم يعود عليه اللحم أوفر ما كان، بقدرة الله تعالى، وهذا من الأمور الغيبية العجيبة، فيأكلون منه، ويتزودون به.
أما البعر، سواء بعر الغنم أم بعر الإبل أم غيرهما، فإنه يكون علفا لدوابهم التي يركبونها، فسبحان الله العظيم؛ ولهذا قال: «فلا تستنجوا بهما» أي بالعظم وبالروث، فلا يجوز الاستجمار لا بالعظام ولا بالروث وتنجيسهما.
وفي هذا الحديث: قراءة النبي صلى الله عليه وسلم القرآن على الجن، ودعوتهم إلى الله عز وجل، لتقوم عليهم الحجة، وتتم عليهم النعمة، وليكونوا إلى قومهم منذرين.
وفيه: أنهم مخاطبون بالقرآن وأوامره ونواهيه، وأنهم مكلفون بالإسلام.
الجن منهم المسلمون، بل منهم الصحابة ومنهم التابعون وهكذا، ومنهم دون ذلك من الكفار وأهل الكتاب والمشركين، كما قال الله سبحانه على لسانهم: {وأنّا منّا المسلمون ومنّا القاسطُون فمن أسلم فأولئك تحرّوا رَشدا وأما القَاسطونَ فكانوا لجهنمَ حَطبا} (الجن: 14 – 15).
والقاسطون: هم الجائرون.
وقوله تعالى: {وأنا منّا الصّالحون ومنا دُون ذلك كُنا طرائق قددا} (الجن: 11). قددا: أي فرقا متنوعة، وأهواء متفرقة.
وفيه: حرص الصحابة على مصاحبة النبي صلى الله عليه وسلم في أسفاره ومهماته، والحرص على مجالسه والسماع منه، والتأسف على ما فاتهم من ذلك.
باب فيه
2119. عَنْ مَعْنٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي قَالَ: سَأَلْتُ مَسْرُوقًا: مَنْ آذَنَ النَّبِيَّ بِالْجِنِّ لَيْلَةَ اسْتَمَعُوا الْقُرْآنَ؟ فَقَالَ: حَدَّثَنِي أَبُوكَ - يَعْنِي ابْنَ مَسْعُودٍ - أَنَّهُ آذَنَتْهُ بِهِمْ شَجَرَةٌ.
الشرح:
قال المنذري: باب فيه، أي إنه في الباب المتقدم.
عن معن هو ابن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود الهذلي المسعودي، ثقة، قال يعقوب بن سفيان: كان قاضيا على الكوفة ثقة، روى له البخاري ومسلم.
قال: سمعت أبي، وأبوه عبد الرحمن ثقة قليل الحديث، وهو ابن عبد الله بن مسعود الصحابي المشهور، وقد اختلف في سماعه من أبيه، فأثبته ابن المديني وابن معين وأبوحاتم وسفيان وشريك، ونقل العجلي والحاكم وغيرهما أنه لم يسمع، روى له الستة.
قال: سالت مسروقا، ومسروق هو ابن الأجدع، هو أيضا خاصة أصحاب ابن مسعود، مضت ترجمته.
سأل عبدالرحمن مسروقا: «من آذن النبي صلى الله عليه وسلم ليلة استمعوا القرآن؟» من أعلم النبي صلى الله عليه وسلم بهم وبقدومهم إليه؟
فقال: «حدثني أبوك (يعني ابن مسعود) أنه آذنته بهم شجرةٌ كانت هناك» أي إن شجرة أعلمت النبي صلى الله عليه وسلم وأخبرته بقدومهم، وهذا من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم ودلائل نبوته، والله سبحانه وتعالى قد ينطق النباتات والجمادات ويسمع الناس ذلك إذا شاء، كما قال ربنا سبحانه وتعالى {وإنْ من شيء إلا يُسبّح بحمده ولكنْ لا تَفقهونَ تَسبيحهم} (الإسراء: 44). لا تفقهون يعني لا تفهمون ذلك لأنه على غير لغتكم، فكل شيء يسبح بحمد الله حتى الجمادات، إما بلسان الحال، وإما بلسان المقال.
وجاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إني لأعرفُ حجراً بمكة كان يسلم علي» رواه البخاري.
وروى الإمام مسلم أيضا، حديث حنين الجذع، وذلك لما كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب بقربه، ثم انتقل عنه للخطابة على المنبر فحنّ للذِّكْر، وكذا سماع الصحابة تسبيح الطعام وهو يؤكل على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ، وفرار الحجر بثوب موسى عليه الصلاة والسلام لما وضعه عليه ليغتسل، واهتزاز جبل أحد بصعود الصحابة والنبي صلى الله عليه وسلم عليه، وغيرها من الحوادث الكثيرة التي فيها حركة هذه الجمادات وإدراكها.
فالحاصل أن النبي صلى الله عليه وسلم أشعرته شجرة بقدومهم له، فبلغهم رسالة الله، وقرأ عليهم كتاب الله.
وهذا فيه كما ذكرنا سابقا أن رسالة النبي صلى الله عليه وسلم عامة للإنس والجن.
والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده محمد وآله وصحبه.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #14  
قديم 26-04-2024, 10:40 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,186
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب فضائل القرآن من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري

شرح كتاب فضائل القرآن من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (14) باب : استماع النبي صلى الله عليه وسلم القرآن من غيره

اعداد: الفرقان



الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا. والحمد لله الذي أنزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا. والحمد لله الذي جعل كتابه موعظة وشفاء لما في الصدور، وهدى ورحمة ونورا للمؤمنين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا.
2120. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :» اقْرَأْ عَلَيَّ الْقُرْآنَ « قَالَ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ ؟ قَالَ : « إِنِّي أَشْتَهِي أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي « فَقَرَأْتُ النِّسَاءَ حَتَّى إِذَا بَلَغْتُ ( فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا ) رَفَعْتُ رَأْسِي أوْ غَمَزَنِي رَجُلٌ إِلَى جَنْبِي، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَرَأَيْتُ دُمُوعَهُ تَسِيلُ .
الشرح : قال المنذري في الباب الحادي والعشرين: باب استماع النبي صلى الله عليه وسلم القرآن من غيره .
وقد أخرجه مسلم في صلاة المسافرين ( 1/551 ) وبوب عليه النووي : باب فضل استماع القرآن، وطلب القراءة من حافظ للاستماع، والبكاء عند القراءة والتدبر . وقد رواه البخاري ( 5055 – 5056 ) في فضائل القرآن : باب البكاء عند قراءة القرآن .ش
قال النووي : البكاء عند قراءة القرآن صفة العارفين، وشعار الصالحين، قال الله تعالى { ويخرّون للأذقان يَبكُون } الإسراء : 109 . وقال { خرّوا سجدا وبكيا } مريم : 58، والأحاديث فيه كثيرة .
وأورد المنذري فيه حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : « اقرأ علي القرآن» .
فعبد الله بن مسعود لما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أقرأ علي القرآن « تعجب عبد الله من ذلك ؟! فقال : « أقرأ عليك وعليك أنزل !» .
قوله : «إني أشتهي أنْ أسمعه من غيري» يعني : أحب أن أسمعه من غيري، كما في الراوية الأخرى، والمقصود : من متقن مجوّد حافظ، فيستمتع بقراءته لكتاب الله عز وجل . وقال أهل العلم : إن الإنسان إذا استمع للقرآن من غيره، وأصغي له، ربما كان أبلغ في التفهم والتدبر، فان القارئ قد يكونه ذهنه مشغولاً بالقراءة ومخارج الحروف وتذكر الآيات، وأما المستمع فربما يفهم ويتدبر من القراءة أكثر من تدبر القارئ نفسه.
فقرأ عليه ابن مسعود رضي الله عنه من أول سورة النساء، حتى إذا بلغ قوله تعالى { فكيفَ إذا جئنا منْ كل أمةٍ بشهيد} أي : جئنا بالرسل شهداء على أقوامهم يوم القيامة، يشهدون عليهم بالخير والشر، وجئنا بك أنت يا رسول الله على هؤلاء شهيدا، أي : شهيد عليهم جمعيا، على الأمم كلها والرسل جميعا، وقد جاء ذلك في الحديث أيضا، وهذه منزلة عالية، ودرجة رفيعة لنبينا صلى الله عليه وسلم، إذْ هو سيد الأنبياء والمرسلين، وإمامهم ومقدمهم عليه الصلاة والسلام يوم القيامة .
ولما مرّ عبد الله بهذه الآية قال : « فرفعت رأسي فرأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم دموعه تسيل» أي : أنه بكى عليه أفضل الصلاة والتسليم عندما قرئت عليه هذه الآية .
قال ابن بطال : إنما بكى صلى الله عليه وسلم عند تلاوة هذه الآية، لأنه مثّل لنفسه أهوال يوم القيامة، وشدة الحال الداعية له إلى شهادته لأمته بالتصديق، وسؤاله الشفاعة لأهل الموقف، وهو أمرٌ يحق له طول البكاء».
فعقب الحافظ ابن حجر عليه بقوله : والذي يظهر أنه بكى رحمةً لأمته؛ لأنه علم أنه لا بد أنْ يشهد عليهم بعملهم، وعملهم قد لا يكون مستقيما، فقد يفضي إلى تعذيبهم، والله أعلم . (الفتح 9 / 99 ) .
وفي هذا الحديث : فضل البكاء عند قراءة القرآن من خشية الله تعالى، ويحصل البكاء عند استحضار القلب عند القراءة أو سماع التلاوة، وتذكر نعم الله سبحانه الكثيرة على العبد، وتقصير العبد في شكر تلك النعم، وتفريطه في حفظ العهود والمواثيق التي أخذها الله عليه، وتأمل ما في القرآن العظيم من التهديد الشديد، والوعيد الأكيد .
وفيه أيضا : تواضع النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه، فلم يقل أنا الذي أنزل علي القرآن، وأنا الذي ينزل علي جبريل عليه السلام بالوحي، فكيف أسمعه من غيري ؟! بل تواضع عليه الصلاة والسلام وهو نبينا وقدوتنا في هذا الباب، باب العلم وتعليم القرآن والعلم الشرعي، فينبغي الاقتداء به، والتواضع مع الأتباع والطلاب، وعدم الاستكبار في الاستفادة منهم، فان العلماء لم يزالوا يستفيدون من طلبتهم بعض الفوائد، ويقفون على بعض التنبيهات، وما أشبه ذلك .
وفي الحديث : فضل استماع القرآن، وأنه مستحب وسنة نبوية، ولا سيما إذا كان القارئ متقنا حافظا؛ فإن الاستماع فيه خير كثير، وصح عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : منْ استمع إلى آية من كتاب الله، كانت له نوراً يوم القيامة. وفي الحديث : أن ابن مسعود لما وقف عن القراءة، لم يقل : صدق الله العظيم، ولا أمره النبي عليه الصلاة والسلام بذلك ولا غيره، وإنما قال له: : « حسبك الآن» وقد بوب عليه البخاري ( 5050 ) باب : قول المقرئ للقارئ :: حسبك .
2121. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : كُنْتُ بِحِمْصَ، فَقَالَ لِي بَعْضُ الْقَوْمِ: اقْرَأْ عَلَيْنَا، فَقَرَأْتُ عَلَيْهِمْ سُورَةَ يُوسُفَ، قَالَ : فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ : وَاللَّهِ مَا هَكَذَا أُنْزِلَتْ ؟! قَالَ قُلْتُ : وَيْحَكَ وَاللَّهِ لَقَدْ قَرَأْتُهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، فَقَالَ لِي : أَحْسَنْتَ، فَبَيْنَمَا أَنَا أُكَلِّمُهُ إِذْ وَجَدْتُ مِنْهُ رِيحَ الْخَمْرِ، قَالَ: فَقُلْتُ : أَتَشْرَبُ الْخَمْرَ، وَتُكَذِّبُ بِالْكِتَابِ، لَا تَبْرَحُ حَتَّى أَجْلِدَكَ، قَالَ : فَجَلَدْتُهُ الْحَدَّ .
الشرح : هذا الحديث في الباب نفسه، وهو عن عبد الله بن مسعود أيضا رضي الله عنه قال : «كنت بحمص «من أرض الشام، وتمر في أيامنا هذه بمحنة شديدة، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرفع عن أهلها البلاء، وأن يؤمّن روعاتهم، ويستر عوراتهم، ويكبت عدوهم .
قوله: « فقال لي بعض القوم : اقرأ علينا، فقرأت عليهم سورة يوسف، فقال رجل من القوم : والله ما هكذا أنزلت ؟! قال قلت : ويحك» وكلمة «ويح» فيها نوع من التوجع والتأسف.
قوله « والله لقد قرأتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم « أي: أنا قد قرأت هذه السورة على النبي صلى الله عليه وسلم فأقرني وأجازني، فكيف تقول لي: ما هكذا أنزلت ؟!
قوله: « فقال الرجل : أحسنت » أي : تراجع عن كلمته التي قال، وهذا من عدم اتزانه بسبب سكره، وذهاب عقله.
قوله « فقال فبينما أنا أكلمه إذ وجدت منه ريح الخمر» يعني شم منه رائحة الخمر قال : قلت -يعني قال عبد الله رضي الله عنه- : أتشرب الخمر وتكذب بالكتاب ؟!! أي : أتجمع بين هاتين الخصلتين السيئتين، فتشرب الخمر التي هي من الكبائر، بل هي أم الخبائث كما صح في الحديث .
قوله: «و تكذب بالكتاب «والمقصود بالتكذيب هنا الإنكار، وليس المقصود به التكذيب الحقيقي؛ لأنه لو كان يكذّب بالكتاب حقيقة كفر، وصار مرتداً يجب قتله، وقد أجمع علماء المسلمين على أن منْ جحد حرفاً مجمعا عليه، فهو كافرٌ بالله العظيم، تجري عليه أحكام المرتدين .
فقال بعد ذلك عبد الله : «لا تبرح حتى أجلدك « يعني : لا تفارق المكان ولا تقوم حتى أجلدك الحد؛ لأنه شمّ منه رائحة الخمر، واختلف العلماء : هل يجب إقامة الحد على الرجل بمجرد أن يوجد ريح الخمر منه ؟ محل خلاف بين أهل العلم، فمنهم من قال : إنّ انبعاث هذه الرائحة من الرجل، لا يجب بها إقامة الحد؛ لأنه قد يكون شربها خطأ، أو أُكره عليها أو غير ذلك، وهذا الحديث يحمل على أن الرجل اعترف بشربه للخمر؛ ولذلك أقام عليه ابن مسعود الحد وجلده .
وهاهنا مسألة أخرى أيضا وهي : كيف يقيم ابن مسعود الحد وهو ليس واليا ولا قاضيا ؟ والجواب : أن عبد الله بن مسعود يحتمل أنه كان نائبا عن الإمام في إقامة الحدود في تلك الناحية، أو أنه استأذن ولي الأمر في ذلك، ففوضه إليه، فأقام عليه الحد، وإلا فإقامة الحدود موكولة إلى السلطان ونوابه باتفاق أهل العلم، أما عامة الناس والأفراد فلا يحل لهم أن يقيموا الحدود، لما فيه من الافتيات على السلطان، وخشية الوقوع في الحيف والظلم بتجاوز الواجب، أو الكذب والزور، فلو أنا جوزنا لكل إنسان أن يقيم الحد، لصار كل إنسان بينه وبين الناس عداوة ادعى عليه أنه شرب الخمر، أو أنه سرق، أو قذف ليقيم عليه الحد؛ فيحصل بذلك فوضى واضطراب، وأيضا هذا ما كان عليه الأمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه .
وفي الحديث أيضا : إثبات فضيلة استماع القرآن، واجتماع الناس عليه في المجالس، فيقرأ عليهم واحد منهم القرآن وهم يستمعون ويتدبرون، وإذا كان مع التفسير والشرح والبيان كان أبلغ وأعظم وأنفع للخلق، وقد قلّت هذه المجالس وللأسف الشديد في أيامنا هذه، فلا تكاد ترى أحدا يجتمع في هذه المجالس المباركة حول كتاب الله سبحانه وتعالى .
باب الزجر عن الاختلاف في القرآن
2122. عن عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرٍو قَالَ : هَجَّرْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا، قَالَ : فَسَمِعَ أَصْوَاتَ رَجُلَيْنِ اخْتَلَفَا فِي آيَةٍ، فَخَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُعْرَفُ فِي وَجْهِهِ الْغَضَبُ، فَقَالَ : « إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَان قَبْلَكُمْ، بِاخْتِلَافِهِمْ فِي الْكِتَابِ».
2123. عَنْ جُنْدَبٍ يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اقْرَأوا الْقُرْآنَ مَا ائْتَلَفَتْ عَلَيْهِ قُلُوبُكُمْ فَإِذَا اخْتَلَفْتُمْ فَقُومُوا».
الشرح : قال المنذري رحمه الله : باب الزجر عن الاختلاف بالقرآن.
وهذا الحديث أخرجه الإمام مسلم في كتاب العلم، وبوب عليه الإمام النووي : باب النهي عن متشابه القرآن والتحذير من متبعيه والنهي عن الاختلاف في القرآن .
يقول عبد الله بن عمر : « هجّرت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يوما» هجرت يعني : بكّرت إلى مسجده أو إلى مجلسه .
قال :«فسمع النبي صلى الله عليه وسلم أصوات رجلين اختلفا في آية « أي ارتفعت أصوات رجلين من أصحابه في آية من القرآن؛ لاختلافهما فيها،قال: «فخرج علينا رسول الله صلى الله عليهم وسلم يعرف في وجهه الغضب» وذلك لما سمعهم اختلفوا في القرآن وارتفعت أصواتهما فيه، فغضب عليه الصلاة والسلام، وغضبه يدل على أن هذا الفعل محرمٌ ومنكر؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لا يغضب إلا إذا انتهكت حرمات الله .
فقال صلى الله عليه وسلم»: «إنما هلك من كان قبلكم» يعني بهذا الأمر حصل هلاك من قبلكم من الأمم، والهلاك هنا هو الهلاك في الدين، والوقوع في الابتداع؛ فإنّ الاختلاف في الكتاب يؤدي إلى ظهور الأهواء والبدع، ومن ثمَّ الافتراق والتحزب .
وقوله « إنما هلك من كان قبلكم باختلافهم في الكتاب « تحذير من سلوك مسلك أهل الكتاب من قبلنا، كما قال تعالى { ولا تكونوا كالذين تفرّقوا واختلفوا منْ بعد ما جاءهمْ وأولئك لهم عذابٌ عظيم * يوم تبيض وجوهٌ وتسود وجوهٌ} (آل عمران : 105 – 106) .
وهذا من العجائب !! أن يكون اختلافهم من بعد ما جاءتهم الأدلة البينة الواضحة، والتي ينتظر منها أن توجب قطع الخلاف والنزاع، والسمع والطاعة لله ورسوله .
وقد وقع ما حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن طوائف من هذه الأمة قد اختلفوا في الكتاب، ووقعوا في البدع والأهواء المضلة، كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث المتفق عليه: «لتتبعن سنن من كان قبلكم، شبراً بشبر، وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضبٍ لدخلتموه، قالوا : اليهود والنصارى يا رسول الله ؟! قال : «فمن».
والحديث الثاني : حديث جندب بن عبد الله البجلي، وقد رواه البخاري في فضائل القرآن ( 5060 ) باب : اقرأوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم. وجندب هو العلقي أبو عبد الله صحابي مشهور، مات بعد الستين، روى له الستة. يقول : قال صلى الله عليه وسلم : «اقرأوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم فإذا اختلفتم فيه فقوموا» ما ائتلفت يعني: ما اتفقت عليه قلوبكم واجتمعت، أما إذا اختلفتم فيه وتنازعتم في معانيه « فقوموا» أي : تفرقوا لئلا يكون ذلك سبباً للافتراق .
وقال الإمام النووي : الأمر بالقيام عند الاختلاف في القرآن محمول عند العلماء على اختلاف لا يجوز، إذا حصل اختلافٌ لا يجوز، أو اختلاف يوقع فيما لا يجوز، كاختلاف في نفس القرآن، أو في معنى منه لا يسوغ فيه الاجتهاد، أو اختلاف يوقع في شكٍ أو شبهة أو فتنة وخصومة أو شجار ونحو ذلك .
قال : وأما الاختلاف في استنباط فروع الدين منه، ومناظرة أهل العلم في ذلك على سبيل الفائدة وإظهار الحق، واختلافهم في ذلك، فليس منهيا عنه، بل هو مأمورٌ به، وفضيلة ظاهرة، وقد أجمع المسلمون على هذا من عهد الصحابة إلى الآن. انتهى .
فالخلاف الذي يوقع في الشجار والفتنة والتقاطع والتدابر والتباغض، وكذا ما يؤدي إلى الشك في كتاب الله أو في دين الله، كله محرم لا يجوز. وكذا الخلاف : هل هذه آية أو ليست بآية ؟! فهذا محرم .
وكذا الخلاف في معنى من معاني القرآن لا يحلّ فيه الاختلاف؛ لأنه واضحٌ وبينٌ من كلام ربنا، ومن كلام العرب لم يختلفوا فيه .
أما اختلاف التنوع : وهو الذي يظهر لنا معاني جديدة في الآية، فتفسر الآية بعدة أوجه؛ لأن لها معاني مختلفة متنوعة، غير متضادة ولا متناقضة، فهذا مما يزيد الإنسان علما وفهما، وهو ناتج عن التدبر، فكلما تدبر في كتاب الله فتحت له أبواب جديدة، ومعاني جديدة .
قال العلامة صديق حسن خان رحمه الله : ومن الاختلاف في القرآن المنهي عنه : اتباع متشابهات الكتاب، ومثله في السنة المطهرة، فإنها تِلْو القرآن {وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى } (النجم : 3-4) . وأكثر الناس ابتلاء في هذا : أصحاب الرأي وأصحاب الكلام وأهل البدع والمحدثات، من الصوفية والباطنية وغيرهم، اختلفوا فيه اختلافا كثيرا، وجاءوا بتأويلات ركيكة، وتوجيهات سخيفة، واحتمالات بعيدة، صرفوا بها ظاهر القرآن عن معناه الشرعي واللغوي، اللذين عليهما مدار الاستنباط والأحكام والعقائد وغيرها؛ حماية للمذاهب ووقاية للمشارب، وخبطوا خبط العشواء، وعلى نفسها براقش تجني، فحملوا آيات الصفات على غير المعنى المراد، وأولوها بما يؤدي إلى تعطيلها، وكذلك أحاديث الصفات، وقالوا فيهما بالرأي وقد نهوا عنه، وتركوا طريقة السلف في إجرائها على ظاهرها، بلا تكييف ولا تأويل ولا تمثيل ولا تعطيل، وزعموا أن الحق فيما قالوه، وهم عن الحق وإيثاره على الباطل بمراحل بعيدة، وتمسكوا بتقليد الرجال، ووقعوا في شباك القيل والقال، وهلكوا كما هلك من قبلهم من أهل الكتاب . انتهى
وهذا حال من انصرف عن التمسك بالكتاب والسنة، وفهم سلف الأمة، وأوّل الكتاب، وحرف ظاهر الآيات، وجاء بمعاني باطلة بعيدة، تخالف كلام ربنا سبحانه وتعالى، وهذه الخصلة الذميمة مما حكاها الله تعالى عن أهل الكتاب في مواضع من القرآن، في قوله {أفتطمعون أنْ يؤمنوا لكم وقد كان فريقٌ منهم يسمعون كلام الله ثم يحرّفونه منْ بعد ما عقلوه وهم يعلمون} (البقرة: 75) .
وقوله: { منْ الذين هادوا يحرّفون الكلمَ عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا } النساء : 46 .
وقوله: { فبما نقضهم ميثاقهم لعنّاهم وجعلنا قلوبهم قاسيةً يُحرّفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به } (المائدة : 13) .
فهم قد وقعوا في التغيير والتبديل لكلام الله وكتابه، فيجعلون له معنى غير ما أراد الله ورسوله.
وهو كما قلنا مما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم عن اليهود والنصارى في قوله : « لتتبعن سنن منْ كان قبلكم شبراً بشبر، وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه» .
فهذا الحديث علمٌ من أعلام النبوة، ودلالة من دلالات الرسالة .
ففي هذا الحديث : حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من الاختلاف في القرآن العظيم، والقول على الله من غير علم، أو تحريف معاني كتاب الله والوقوع في التأويلات الفاسدة والتحريفات الباطلة، التي هي احتمالات بعيدة عن معنى كلام الله جل في علاه .
وهذا الحديث هو ختام هذا الكتاب: كتاب فضائل القرآن من مختصر صحيح مسلم، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وجلاء أحزاننا، وذهاب همومنا وغمومنا، إنه هو السميع العليم .
وصلي الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 117.75 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 114.62 كيلو بايت... تم توفير 3.14 كيلو بايت...بمعدل (2.66%)]