مع الحبيب صلى الله عليه وسلم ــــــــــــ متجدد - الصفحة 3 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         الأمثال في القرآن ...فى ايام وليالى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 654 )           »          فقه الصيام - من كتاب المغنى-لابن قدامة المقدسى يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 923 )           »          دروس شَهْر رَمضان (ثلاثون درسا)---- تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 1087 )           »          أسرتي الرمضانية .. كيف أرعاها ؟.....تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 849 )           »          صحتك فى شهر رمضان ...........يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 834 )           »          اعظم شخصيات التاريخ الاسلامي ____ يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 914 )           »          فتاوى رمضانية ***متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 564 - عددالزوار : 92789 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 11935 - عددالزوار : 190995 )           »          مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 114 - عددالزوار : 56912 )           »          مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 78 - عددالزوار : 26184 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث > ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم

ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم قسم يختص بالمقاطعة والرد على اى شبهة موجهة الى الاسلام والمسلمين

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #21  
قديم 06-07-2020, 04:30 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,607
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مع الحبيب صلى الله عليه وسلم ــــــــــــ متجدد

مكة تحاول حجب النور (20)


أبو الهيثم محمد درويش



مكة تحاول حجب النور الذي يتسرب لسائر العرب:
مع قدوم موسم الحج اجتمع رؤوس الكفر بمكة لتوحيد الكلمة والرأي أمام العرب حول محمد ودعوته, ورغم تأكدهم من أمانة محمد صلى الله عليه وسلم, وخلوه من العيوب , ورغم اجتماعهم على فضل القرآن ومكانته التي عرفوها بسليقتهم العربية إلا أن التعصب الأعمى والهوى المصم قادهم إلى الكذب وتشويه الرسول والرسالة ومبارزة الله بالعداء ومحاولة اختراع صفة وتهمة يلصقونها بمحمد صلى الله عليه وسلم ودعوته وهذا حال أعداء الشريعة منذ بداية ظهور شمس الرسالة المحمدية.
قال المباركفوري في الرحيق المختوم:
المجلس الاستشاري لكف الحجاج عن استماع الدعوة
وخلال هذه الأيام أهم قريشًا أمر آخر،وذلك أن الجهر بالدعوة لم يمض عليه إلا أيام أو أشهر معدودة حتى قرب موسم الحج، وعرفت قريش أن وفود العرب ستقدم عليهم، فرأت أنه لابد من كلمة يقولونها للعرب، في شأن محمد صلى الله عليه وسلم حتى لا يكون لدعوته أثر في نفوس العرب، فاجتمعوا إلى الوليد بن المغيرة يتداولون في تلك الكلمة، فقال لهم الوليد‏:‏ أجمعوا فيه رأيـًا واحدًا،ولا تختلفوا فيكذب بعضكم بعضًا، ويرد قولكم بعضه بعضًا، قالوا‏:‏ فأنت فقل، وأقم لنا رأيًا نقول به‏.‏ قال‏:‏ بل أنتم فقولوا أسمع‏.‏ قالوا‏:‏ نقول‏:‏ كاهن‏.‏ قال‏:‏ لا والله ما هو بكاهن، لقد رأينا الكهان فما هو بزَمْزَمَة الكاهن ولا سجعه‏.‏ قالوا‏:‏ فنقول‏:‏ مجنون، قال‏:‏ ما هو بمجنون، لقد رأينا الجنون وعرفناه، ما هو بخَنْقِه ولا تَخَالُجِه ولا وسوسته‏.‏ قالوا‏:‏ فنقول‏:‏ شاعر‏.‏ قال‏:‏ ما هو بشاعر، لقد عرفنا الشعر كله رَجَزَه وهَزَجَه وقَرِيضَه ومَقْبُوضه ومَبْسُوطه، فما هو بالشعر، قالوا‏:‏ فنقول‏:‏ ساحر‏.‏ قال‏:‏ ما هو بساحر، لقد رأينا السحار وسحرهم، فما هو بنَفْثِهِم ولا عقْدِهِم‏.‏ قالوا‏:‏ فما نقول‏؟‏ قال‏:‏ والله إن لقوله لحلاوة، ‏[‏وإن عليه لطلاوة‏]‏ وإن أصله لعَذَق، وإن فَرْعَه لجَنَاة، وما أنتم بقائلين من هذا شيئًا إلا عرف أنه باطل، وإن أقرب القول فيه لأن تقولوا‏:‏ ساحر‏.‏ جاء بقول هو سحر، يفرق به بين المرء وأبيه، وبين المرء وأخيه، وبين المرء وزوجته، وبين المرء وعشيرته، فتفرقوا عنه بذلك‏.‏
وتفيد بعض الروايات أن الوليد لما رد عليهم كل ما عرضوا له، قالوا‏:‏ أرنا رأيك الذي لا غضاضة فيه، فقال لهم‏:‏ أمهلونى حتى أفكر في ذلك، فظل الوليد يفكر ويفكر حتى أبدى لهم رأيه الذي ذكر آنفًا‏.‏
وفي الوليد أنزل الله تعالى ست عشرة آية من سورة المدثر‏{ {‏ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَّمْدُودًا وَبَنِينَ شُهُودًا وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيدًا ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ نَظَرَ ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَفَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِسَأُصْلِيهِ سَقَرَ‏}‏ ‏[‏من 11 إلى 26‏]‏ وفي خلالها صور كيفية تفكيره، فقال‏:‏ ‏{‏إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ نَظَرَ ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ‏} } ‏[‏المدثر‏:‏18‏:‏ 25‏]‏
وبعد أن اتفق المجلس على هذا القرار أخذوا في تنفيذه، فجلسوا بسبل الناس حين قدموا للموسم، لا يمر بهم أحد إلا حذروه إياه وذكروا لهم أمره‏.‏
أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج يتبع الناس في منازلهم وفي عُكَاظ ومَجَنَّة وذى المَجَاز، يدعوهم إلى الله ، وأبو لهب وراءه يقول‏:‏ لا تطيعوه فإنه صابئ كذاب‏.‏

وأدى ذلك إلى أن صدرت العرب من ذلك الموسم بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتشر ذكره في بلاد العرب كلها‏.‏ أ هـ



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #22  
قديم 06-07-2020, 04:34 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,607
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مع الحبيب صلى الله عليه وسلم ــــــــــــ متجدد

محاولات وأساليب لحجب نور الرسالة (21)


أبو الهيثم محمد درويش



محاولات وأساليب لحجب نور الرسالة :
بعد أن ذاع صيت محمد صلى الله عليه وسلم وعلمت العرب بفحوى رسالته في موسم الحج بدأت قريش تعد عدتها لتكمل مسيرة العناد واختيار الهوى والشهوات وطريق الشيطان ورفض صراط الله المستقيم والإصرار على العمى والعتمة ورفض نور الله ومحاولة حجب ولو بصيص من هذا النور أن يصل للناس!!!!!

وهذا ديدن كل من اتخذ إلهه هواه منذ بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم بنور الرسالة وحتى يومنا هذا وهو نفس دأب أعداء الرسل الذين رفضوا رسالة نوح قرابة ألف عام وفضلوا عليها طوفان الدنيا ونار الآخرة وانتهاء بمن حاولوا صلب عيسى عليه السلام حين رفعه الله وطهره من رجس معانديه.
واتخذت قريش سبيل المجرمين في كل عصر منذ أن خلق الله الأرض وما عليها وحتى يوم القيامة والتي كانت منها:
السخرية والتحقير، والاستهزاء والتكذيب والتضحيك.
إثارة الشبهات وتكثيف الدعايات الكاذبة.
الحيلولة بين الناس وبين سماعهم القرآن، ومعارضته بالحكايات والقصص والخيالات والأوهام وحيل القصاص (الأفلام والمسلسلات والبرامج التافهة ووسائل الإلهاء حالياً).
فإن فشل ما سبق بدأ أسلوب التعذيب والاضطهادات
قال المباركفوري في الرحيق المختوم:
أساليب شتى لمجابهة الدعوة
ولما فرغت قريش من الحج فكرت في أساليب تقضى بها على هذه الدعوة في مهدها‏.‏ وتتلخص هذه الأساليب فيما يلي‏:‏
1ـ السخرية والتحقير، والاستهزاء والتكذيب والتضحيك‏:‏
قصدوا بها تخذيل المسلمين، وتوهين قواهم المعنوية، فرموا النبي صلى الله عليه وسلم بتهم هازلة، وشتائم سفيهة، فكانوا ينادونه بالمجنون ‏{‏وَقَالُواْ يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ‏}‏ ‏[‏الحجر‏:‏6‏]‏، ويصمونه بالسحر والكذب ‏{‏وَعَجِبُوا أَن جَاءهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ‏}‏ ‏[‏ص‏:‏4]‏،وكانوا يشيعونه ويستقبلونه بنظرات ملتهمة ناقمة، وعواطف منفعلة هائجة ‏{‏وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ‏}‏ ‏[‏القلم‏:‏51]‏،وكان إذا جلس وحوله المستضعفون من أصحابه استهزأوا بهم وقالوا‏:‏ هؤلاء جلساؤه ‏{‏مَنَّ الله ُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 53‏]‏، قال تعالى‏:‏ ‏{‏أَلَيْسَ الله ُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏53]‏،وكانوا كما قص الله علينا ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ وَإِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُواْ فَكِهِينَ وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاء لَضَالُّونَ وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ‏}‏ ‏[‏المطففين‏:‏ 29‏:‏ 33]‏‏.‏
وقد أكثروا من السخرية والاستهزاء وزادوا من الطعن والتضحيك شيئًا فشيئًا حتى أثر ذلك في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ‏}‏ ‏[‏الحجر‏:‏97‏]‏، ثم ثبته الله وأمره بما يذهب بهذا الضيق فقال‏:‏ ‏{‏فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ‏}‏‏[‏الحجر‏:‏98، 99‏]‏، وقد أخبره من قبل أنه يكفيه هؤلاء المستهزئين حيث قال‏:‏ ‏{‏إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ الله ِ إِلـهًا آخَرَ فَسَوْفَ يَعْمَلُونَ‏}‏ ‏[‏الحجر‏:‏ 95، 96‏]‏، وأخبره أن فعلهم هذا سوف ينقلب وبالًا عليهم فقال‏:‏ ‏{‏وَلَقَدِ اسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏10‏]‏‏.‏
2ـ إثارة الشبهات وتكثيف الدعايات الكاذبة‏:‏
وقد أكثروا من ذلك وتفننوا فيه بحيث لا يبقى لعامة الناس مجال للتدبر في دعوته والتفكير فيها، فكانوا يقولون عن القرآن‏:‏ ‏{‏أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ‏}‏ ‏[‏الأنبياء‏:‏5‏]‏ يراها محمد بالليل ويتلوها بالنهار، ويقولون‏:‏ ‏{‏بَلِ افْتَرَاهُ‏}‏ من عند نفسه ويقولون‏:‏ ‏{‏إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ‏}‏ وقالوا‏:‏ ‏{‏إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ‏}‏ ‏[‏الفرقان‏:‏ 4‏]‏ أي اشترك هو وزملاؤه في اختلاقه‏.‏ ‏{‏وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا‏}‏ ‏[‏الفرقان‏:‏5‏]‏
وأحيانا قالوا‏:‏ إن له جنًا أو شيطانًا يتنزل عليه كما ينزل الجن والشياطين على الكهان‏.‏ قال تعالى ردًا عليهم‏:‏ ‏{‏هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ‏}‏ ‏[‏الشعراء‏:‏221، 222‏]‏، أي إنها تنزل على الكذاب الفاجر المتلطخ بالذنوب، وما جرّبتم علىّ كذبًا، وما وجدتم في فسقًا، فكيف تجعلون القرآن من تنزيل الشيطان‏؟‏
وأحيانًا قالوا عن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ إنه مصاب بنوع من الجنون، فهو يتخيل المعانى، ثم يصوغها في كلمات بديعة رائعة كما يصوغ الشعراء، فهو شاعر وكلامه شعر‏.‏ قال تعالى ردًا عليهم‏:‏ ‏{‏وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ‏}‏ ‏[‏الشعراء‏:‏225‏:‏ 226‏]‏ فهذه ثلاث خصائص يتصف بها الشعراء ليست واحدة منها في النبي صلى الله عليه وسلم، فالذين اتبعوه هداة مهتدون، متقون صالحون في دينهم وخلقهم وأعمالهم وتصرفاتهم، وليست عليهم مسحة من الغواية في أي شأن من شئونهم، ثم النبي صلى الله عليه وسلم لا يهيم في كل واد كما يهيم الشعراء، بل هو يدعو إلى رب واحد، ودين واحد، وصراط واحد، وهو لا يقول إلا ما يفعل، ولا يفعل إلا ما يقول، فأين هو من الشعر والشعراء‏؟‏ وأين الشعر والشعراء منه‏.‏
هكذا كان يرد عليهم بجواب مقنع حول كل شبهة كانوا يثيرونها ضد النبي صلى الله عليه وسلم والقرآن والإسلام‏.‏
ومعظم شبهتهم كانت تدور حول التوحيد، ثم رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، ثم بعث الأموات ونشرهم وحشرهم يوم القيامة، وقد رد القرآن على كل شبهة من شبهاتهم حول التوحيد، بل زاد عليها زيادات أوضح بها هذه القضية من كل ناحية، وبين عجز آلهتهم عجزًا لا مزيد عليه، ولعل هذا كان مثار غضبهم واستنكارهم الذي أدى إلى ما أدى إليه‏.‏
أما شبهاتهم في رسالة النبي صلى الله عليه وسلم فإنهم مع اعترافهم بصدق النبي صلى الله عليه وسلم وأمانته وغاية صلاحه وتقواه، كانوا يعتقدون أن منصب النبوة والرسالة أجل وأعظم من أن يعطى لبشر، فالبشر لا يكون رسولًا، والرسول لا يكون بشرًا حسب عقيدتهم‏.‏ فلما أعلن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نبوته، ودعا إلى الإيمان به تحيروا وقالوا‏:‏ ‏{‏مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ‏}‏ ‏[‏الفرقان‏:‏ 7‏]‏، وقالوا‏:‏ إن محمدًا صلى الله عليه وسلم بشر،و ‏{‏مَا أَنزَلَ الله ُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 19‏]‏، فقال تعالى ردًا عليهم‏:‏‏{‏قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاء بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِّلنَّاسِ‏}‏، وكانوا يعرفون ويعترفون بأن موسى بشر‏.‏ ورد عليهم أيضًا بأن كل قوم قالوا لرسلهم إنكارًا على رسالتهم‏:‏ ‏{‏إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا‏}‏ ‏[‏إبراهيم‏:‏10‏]‏، فـ ‏{‏قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَـكِنَّ الله َ يَمُنُّ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ‏}‏ ‏[‏إبراهيم‏:‏ 11‏]‏‏.‏ فالأنبياء والرسل لا يكونون إلا بشرًا، ولا منافاة بين البشرية والرسالة‏.‏
وحيث إنهم كانوا يعترفون بأن إبراهيم و إسماعيل وموسى ـ عليهم السلام ـ كانوا رسلًا وكانوا بشرًا، فإنهم لم يجدوا مجالًا للإصرار على شبهتهم هذه،فقالوا‏:‏ألم يجد الله لحمل رسالته إلا هذا اليتيم المسكين،ما كـان الله ليترك كـبار أهـل مكـة والطائف ويتخذ هذا المسكين رسولًا‏{‏وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ‏}‏ ‏[‏الزخرف‏:‏31‏]‏، قال تعالى ردًا عليهم‏:‏‏{‏أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ‏}‏ ‏[‏الزخرف‏:‏32‏]‏، يعنى أن الوحى والرسالة رحمة من الله و‏{‏الله ُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏124‏]‏‏.‏
وانتقلوا بعد ذلك إلى شبهة أخرى، قالوا‏:‏ إن رسل ملوك الدنيا يمشون في موكب من الخدم والحشم، ويتمتعون بالأبهة والجلال، ويوفر لهم كل أسباب الحياة، فما بال محمد يدفع في الأسواق للقمة عيش وهو يدعى أنه رسول الله ‏؟‏ ‏{‏وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَّسْحُورًا‏}‏ ‏[‏الفرقان‏:‏7‏:‏ 8‏]‏، ورد على شبهتهم هذه بأن محمدًا رسول، يعنى أن مهمته هو إبلاغ رسالة الله إلى كل صغير وكبير، وضعيف وقوى، وشريف ووضيع، وحر وعبد، فلو لبث في الأبهة والجلال والخدم والحشم والحرس والمواكبين مثل رسل الملوك، لم يكن يصل إليه ضعفاء الناس وصغارهم حتى يستفيدوا به، وهم جمهور البشر، وإذن فاتت مصلحة الرسالة، ولم تعد لها فائدة تذكر‏.‏
أما إنكارهم البعث بعد الموت فلم يكن عندهم في ذلك إلا التعجب والاستغراب والاستبعاد العقلي، فكانوا يقولون‏:‏ ‏{‏أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ‏}‏ ‏[‏الصافات‏:‏16، 17‏]‏،وكانوا يقولون‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ‏}‏ ‏[‏ق‏: ‏3‏]‏ وكانوا يقولون على سبيل الاستغراب‏:‏ ‏{‏هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أَفْتَرَى عَلَى الله ِ كَذِبًا أَم بِهِ جِنَّةٌ‏}‏ ‏[‏سبأ‏:‏ 7، 8‏]‏‏.‏
وقال قائلهم‏:‏
أَموْتٌ ثم بَعْثٌ ثم حَشْرٌ ** حدِيثُ خُرَافة يا أم عمرو
وقد رد عليهم بتبصيرهم ما يجرى في الدنيا، فالـظالم يموت دون أن يلقى جزاء ظلمه، والمظلوم يموت دون أن يأخذ حقه من ظالمه، والمحسن الصالح يموت قبل أن يلقى جزاء إحسانه وصلاحه، والفاجر المسىء يموت قبل أن يعاقب على سوء عمله، فإن لم يكن بعث ولا حياة ولا جزاء بعد الموت لاستوى الفريقان، بل لكان الظالم والفاجر أسعد من المظلوم والصالح، وهذا غير معقول إطلاقا‏.‏ ولا يتصور من الله أن يبني نظام خلقه على مثل هذا الفساد‏.‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ‏}‏ ‏[‏القلم‏:‏35، 36‏]‏، وقال‏:‏ ‏{‏أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ‏}‏ ‏[‏ص‏: ‏28‏]‏، وقال‏:‏ ‏{‏أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاء مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ‏}‏ ‏[‏الجاثية‏:‏21‏]‏‏.‏
وأما الاستبعاد العقلى فقال تعالى ردًا عليه‏:‏ ‏{‏أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا‏}‏ ‏[‏النازعات‏:‏27‏]‏، وقال‏:‏ ‏{‏أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ الله َ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ‏}‏ ‏[‏الأحقاف‏: ‏33‏]‏، وقال‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذكَّرُونَ‏}‏ ‏[‏الواقعة‏:‏62‏]‏، وبين ما هو معروف عقلًا وعرفًا، وهو أن الإعادة ‏{‏أَهْوَنُ عَلَيْهِ‏}‏ ‏[‏الروم‏: ‏27‏]‏،وقال‏:‏ ‏{‏كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ‏}‏ ‏[‏الأنبياء‏:‏104‏]‏، وقال‏:‏ ‏{‏أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ‏}‏ ‏[‏ق‏:‏ 15‏]‏‏.‏
وهكذا رد على كل ما أثاروا من الشبهات ردًا مفحمًا يقنع كل ذى عقل ولب، ولكنهم كانوا مشاغبين مستكبرين يريدون عُلوا في الأرض وفرض رأيهم على الخلق، فبقوا في طغيانهم يعمهون‏.‏
3 ـ الحيلولة بين الناس وبين سماعهم القرآن، ومعارضته بأساطير الأولين‏:‏
كان المشركون بجنب إثارة هذه الشبهات يحولون بين الناس وبين سماعهم القرآن ودعوة الإسلام بكل طريق يمكن، فكانوا يطردون الناس ويثيرون الشغب والضوضاء ويتغنون ويلعبون، إذا رأوا أن النبي صلى الله عليه وسلم يتهيأ للدعوة، أو إذا رأوه يصلى ويتلو القرآن‏.‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ‏}‏ ‏[‏فصلت‏:‏26‏]‏ حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتمكن من تلاوة القرآن عليهم في مجامعهم ونواديهم إلا في أواخر السنة الخامسة من النبوة، وذلك أيضًا عن طريق المفاجأة، دون أن يشعروا بقصده قبل بداية التلاوة‏.‏
وكان النضر بن الحارث، أحد شياطين قريش قد قدم الحيرة، وتعلم بها أحاديث ملوك الفرس، وأحاديث رستم واسفنديار، فكان إذا جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسًا للتذكير بالله والتحذير من نقمته خلفه النضر ويقول‏:‏ أنا و الله يا معشر قريش أحسن حديثًا منه، ثم يحدثهم عن ملوك فارس ورستم واسفنديار، ثم يقول‏:‏ بماذا محمد أحسن حديثًا مني‏.‏
وفي رواية عن ابن عباس أن النضر كان قد اشترى قَيْنَةً، فكان لا يسمع بأحد يريد الإسلام إلا انطلق به إلى قينته، فيقول‏:‏ أطعميه واسقيه وغنيه، هذا خير مما يدعوك إليه محمد، وفيه نزل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ الله ِ‏}‏ ‏[‏لقمان‏:‏ 6‏]‏‏.‏



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #23  
قديم 17-07-2020, 02:33 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,607
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مع الحبيب صلى الله عليه وسلم ــــــــــــ متجدد

وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد (22)


أبو الهيثم محمد درويش



وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد:
بعد استخدام قريش لأساليب التشويه والمعارضة للرسالة والرسول صلى الله عليه وسلم لجأوا إلى حيلة ضعيف الحجة وهي البطش والصوت العالي واستخدام النفوذ في محاولة لإسكات صوت الحق المتردد بمكة ونور الله الذي بدأ ينتشر.
وهذا ليس بجديد فقد سبقتهم إلى هذا الأسلوب أمم غرهم حلم الله حتى أهلكهم ولا يزال هذا الأسلوب ديدن أعداء الله إلى يومنا هذا في شتى بقاع الأرض ولكن الله غالب وإنما هي مهلة يمهل بها الأعداء عسى أن يرجعوا ويفيقوا قبل أن يصبحوا على نار جهنم خالدين فيها ومالهم في الراحة بعدها من نصيب.
وأمام هذه الاضطهادات والإيذاءات صبر وثبت الجيل الفريد ليكون ثباته دليلاً من أدلة صدق الرسالة وهذا بعينه ما صرح به هرقل لأبي سفيان عندما كان يستفسر من بعض العرب على رسالة محمد صلى الله عليه وسلم إذ سأله : هل ارتد أحد من أصحابه عن دينه بعد أن دخل فيه, فقال له لا , فقال وهكذا الإيمان إذا ما خالطت بشاشته القلوب.
اقرأ معي تفاصيل الموقف العصيب:
قال المباركفوري في الرحيق المختوم:
الاضطهادات
أعمل المشركون الأساليب التي ذكرناها شيئًا فشيئًا لإحباط الدعوة بعد ظهورها في بداية السنة الرابعة من النبوة، ومضت على ذلك أسابيع وشهور وهم مقتصرون على هذه الأساليب لا يتجاوزونها إلى طريق الاضطهاد والتعذيب، ولكنهم لما رأوا أن هذه الأساليب لم تجد نفعًا في إحباط الدعوة الإسلامية استشاروا فيما بينهم، فقرروا القيام بتعذيب المسلمين وفتنتهم عن دينهم، فأخذ كل رئيس يعذب من دان من قبيلته بالإسلام، وانقض كل سيد على من اختار من عبيده طريق الإيمان‏.‏
وكان من الطبيعي أن يهرول الأذناب والأوباش خلف ساداتهم وكبرائهم، ويتحركوا حسب مرضاتهم وأهوائهم، فجروا على المسلمين ـ ولاسيما الضعفاء منهم ـ ويلات تقشعر منها الجلود، وأخذوهم بنقمات تتفطر لسماعها القلوب‏.‏
كان أبو جهل إذا سمع برجل قد أسلم له شرف ومنعة أنبه وأخزاه، وأوعده بإبلاغ الخسارة الفادحة في المال، والجاه، وإن كان ضعيفًا ضربه وأغرى به‏.‏
وكان عم عثمان بن عفان يلفه في حصير من ورق النخيل ثم يدخنه من تحته‏.‏
ولما علمت أم مصعب بن عمير بإسلامه منعته الطعام والشراب، وأخرجته من بيته، وكان من أنعم الناس عيشًا، فتَخَشَّفَ جلده تخشف الحية‏.‏
وكان صهيب بن سنان الرومي يُعذَّب حتى يفقد وعيه ولا يدرى ما يقول‏.‏
وكان بلال مولى أمية بن خلف الجمحي، فكان أمية يضع في عنقه حبلًا، ثم يسلمه إلى الصبيان، يطوفون به في جبال مكة، ويجرونه حتى كان الحبل يؤثر في عنقه، وهو يقول‏:‏ أحَدٌ أحَدٌ، وكان أمية يـشده شـدًا ثم يضربه بالعصا، و يلجئه إلى الجلوس في حر الشمس، كما كان يكرهه على الجوع‏.‏ وأشد من ذلك كله أنه كان يخرجه إذا حميت الظهيرة، فيطرحه على ظهره في الرمضاء في بطحاء مكة، ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره، ثم يقول‏:‏ لا والله لا تـزال هكـذا حتى تموت أو تكفر بمحمد، وتعبد اللات والعزى، فيقول وهو في ذلك‏:‏ أحد،أحد، ويقـول‏:‏ لو أعلم كلمة هي أغيظ لكم منها لقلتها‏.‏ ومر به أبو بكر يوما وهم يصنعون ذلك به فاشتراه بغلام أسود، وقيل‏:‏ بسبع أواق أو بخمس من الفضة، وأعتقه‏.‏
وكان عمار بن ياسر رضي الله عنه مولى لبني مخزوم، أسلم هو وأبوه وأمه، فكان المشركون ـ وعلى رأسهم أبو جهل ـ يخرجونهم إلى الأبطح إذا حميت الرمضاء فيعذبونهم بحرها‏.‏ ومر بهم النبي صلى الله عليه وسلم وهم يعذبون فقال‏:‏ ‏(‏صبرًا آل ياسر، فإن موعدكم الجنة‏)‏، فمات ياسر في العذاب، وطعن أبو جهل سمية ـ أم عمار ـ في قبلها بحربة فماتت، وهي أول شهيدة في الإسلام، وهي سمية بنت خياط مولاة أبي حذيفة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، وكانت عجوزًا كبيرة ضعيفة‏.‏ وشددوا العذاب على عمار بالحر تارة، وبوضع الصخر الأحمر على صدره أخرى، وبغطه في الماء حتى كان يفقد وعيه‏.‏ وقالوا له‏:‏ لا نتركك حتى تسب محمدًا، أو تقول في اللات والعزى خيرًا، فوافقهم على ذلك مكرهًا، وجاء باكيًا معتذرًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ فأنزل الله ‏:‏ ‏{‏مَن كَفَرَ بِالله ِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ‏}‏الآية ‏[‏ النحل‏:‏ 106 ‏]‏‏.‏
وكان أبو فُكَيْهَةَ ـ واسمة أفلح ـ مولى لبني عبد الدار، وكان من الأزد‏.‏ فكانوا يخرجونه في نصف النهار في حر شديد، وفي رجليه قيد من حديد، فيجردونه من الثياب، ويبطحونه في الرمضاء، ثم يضعون على ظهره صخرة حتى لا يتحرك، فكان يبقى كذلك حتى لا يعقل، فلم يزل يعذب كذلك حتى هاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية، وكانوا مرة قد ربطوا رجله بحبل، ثم جروه وألقوه في الرمضاء وخنقوه حتى ظنوا أنه قد مات، فمر به أبو بكر فاشتراه وأعتقه لله‏.‏
وكان خباب بن الأرت مولى لأم أنمار بنت سِباع الخزاعية، وكان حدادًا، فلما أسلم عذبته مولاته بالنار، كانت تأتى بالحديدة المحماة فتجعلها على ظهره أو رأسه، ليكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم، فلم يكن يزيده ذلك إلا إيمانًا وتسليمًا، وكان المشركون أيضًا يعذبونه فيلوون عنقه، ويجذبون شعره، وقد ألقوه على النار، ثم سحبوه عليها، فما أطفأها إلا وَدَكَ ظهره‏.‏
وكانت زِنِّيرَةُ أمَةً رومية قد أسلمت فعذبت في الله ، وأصيبت في بصرها حتى عميت، فقيل لها‏:‏ أصابتك اللات والعزى، فقالت‏:‏ لا والله ما أصابتني، وهذا من الله ، وإن شاء كشفه، فأصبحت من الغد وقد رد الله بصرها، فقالت قريش‏:‏ هذا بعض سحر محمد‏.‏
وأسلمت أم عُبَيْس، جارية لبني زهرة، فكان يعذبها المشركون، وبخاصة مولاها الأسود بن عبد يغوث، وكان من أشد أعداء رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن المستهزئين به‏.‏
وأسلمت جارية عمر بن مؤمل من بني عدى، فكان عمر بن الخطاب يعذبها ـ وهو يومئذ على الشرك ـ فكان يضربها حتى يفتر، ثم يدعها ويقول‏:‏ والله ما أدعك إلا سآمة، فتقول‏:‏ كذلك يفعل بك ربك‏.‏
وممـن أسلمـن وعـذبن مـن الجـوارى‏:‏ النهدية وابنتها، وكانتا لامـرأة من بني عبد الدار‏.‏
وممن عذب من العبيد‏:‏ عامر بن فُهَيْرَة، كان يعذب حتى يفقد وعيه ولا يدرى ما يقول‏.‏
واشترى أبوبكر رضي الله عنه هؤلاء الإماء والعبيد رضي الله عنهم وعنهن أجمعين، فأعتقهم جميعًا‏.‏ وقد عاتبه في ذلك أبوه أبو قحافة وقال‏:‏ أراك تعتق رقابًا ضعافًا، فلو أعتقت رجالًا جلدًا لمنعوك‏.‏ قال‏:‏ إني أريد وجه الله ‏.‏ فأنزل الله قرآنًا مدح فيه أبا بكر، وذم أعداءه‏.‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏فَأَنذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى‏}‏ ‏[‏الليل‏:‏14‏:‏ 16]‏ وهو أمية بن خلف، ومن كان على شاكلته ‏{‏وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى إِلَّا ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى‏}‏ ‏[‏الليـل‏:‏17‏:‏ 21]‏ وهـو أبـو بـكـر الصديـق رضي الله عنه‏.‏
وأوذى أبو بكر الصديق رضي الله عنه أيضًا‏.‏ فقد أخذه نوفل بن خويلد العدوى، وأخذ معه طلحة بن عبيد الله فشدهما في حبل واحد، ليمنعهما عن الصلاة وعن الدين فلم يجيباه، فلم يروعاه إلا وهما مطلقان يصليان؛ ولذلك سميا بالقرينين، وقيل‏:‏ إنما فعل ذلك عثمان بن عبيد الله أخو طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه‏.‏
والحاصل أنهم لم يعلموا بأحد دخل في الإسلام إلا وتصدوا له بالأذى والنكال، وكان ذلك سهلًا ميسورًا بالنسبة لضعفاء المسلمين، ولا سيما العبيد والإماء منهم، فلم يكن من يغضب لهم ويحميهم، بل كانت السادة والرؤساء هم أنفسهم يقومون بالتعذيب ويغرون الأوباش، ولكن بالنسبة لمن أسلم من الكبار والأشراف كان ذلك صعبًا جدًا؛ إذ كانوا في عز ومنعة من قومهم، ولذلك قلما كان يجتريء عليهم إلا أشراف قومهم، مع شيء كبير من الحيطة والحذر‏.‏ أ هـ



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #24  
قديم 17-07-2020, 02:37 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,607
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مع الحبيب صلى الله عليه وسلم ــــــــــــ متجدد

قريش تؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم (23)


أبو الهيثم محمد درويش



قريش تؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم:
لم تكتف قريش بتلك المحاولات التي بذلت فيها كل ما تستطيع لتشويه الرسالة والرسول صلى الله عليه وسلم وتحويل وجوه أصحابه عنه عليه السلاة والسلام ’ بل امتدت يد قريش الآثمة بالإيذاء على شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صابر محتسب عامل بقول ربه تعالى : {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ (35)} [الأحقاف]
وفي هذه الآية العظيمة يوجه الرب سبحانه نبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم , ويثبته على المضيّ لما قلَّده من عبْء الرسالة, وثقل أحمال النبوّة ويأمره بالائتساء بأولي العزم من رسله الذين صبروا على عظيم ما لَقُوا فيه من قومهم من المكاره, ونالهم فيه منهم من الأذى والشدائد

قال المباركفوري في الرحيق المختوم:
قريش بين يدى أبي طالب مرة أخرى

ولما رأت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ماض في عمله عرفت أن أبا طالب قد أبي خذلان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه مجمع لفراقهم وعداوتهم في ذلك، فذهبوا إليه بعمارة ابن الوليد بن المغيرة وقالوا له‏:‏ يا أبا طالب، إن هذا الفتى أنْهَدَ فتى في قريش وأجمله، فخذه فلك عقله ونصره، واتخذه ولدًا فهو لك، وأسْلِمْ إلينا ابن أخيك هذا الذي خالف دينك ودين آبائك، وفرق جماعة قومك، وسفه أحلامهم، فنقتله، فإنما هو رجل برجل، فقال‏:‏ والله لبئس ما تسومونني، أتعطوني ابنكم أغذوه لكم، وأعطيكم ابني تقتلونه‏؟‏ هذا والله ما لا يكون أبدًا‏.‏ فقال المطعم بن عدى بن نوفل ابن عبد مناف‏:‏ والله يا أبا طالب لقد أنصفك قومك، وجهدوا على التخلص مما تكره، فما أراك تريد أن تقبل منهم شيئًا، فقال‏:‏ والله ما أنصفتموني، ولكنك قد أجمعت خذلاني ومظاهرة القوم علىّ، فاصنع ما بدا لك‏.‏

ولما فشلت قريش في هذه المفاوضات، ولم توفق في إقناع أبي طالب بمنع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكفه عن الدعوة إلى الله ، قررت أن يختار سبيلا قد حاولت تجنبه والابتعاد منه مخافة مغبته وما يؤول إليه، وهو سبيل الاعتداء على ذات الرسول صلى الله عليه وسلم‏.‏

اعتداءات على رسول الله صلى الله عليه وسلم

واخترقت قريش ما كانت تتعاظمه وتحترمه منذ ظهرت الدعوة على الساحة، فقد صعب على غطرستها وكبريائها أن تصبر طويلًا، فمدت يد الاعتداء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع ما كانت تأتيه من السخرية والاستهزاء والتشوية والتلبيس والتشويش وغير ذلك‏.‏ وكان من الطبيعى أن يكون أبو لهب في مقدمتهم وعلى رأسهم، فإنه كان أحد رؤوس بني هاشم، فلم يكن يخشى ما يخشاه الآخرون، وكان عدوًا لدودًا للإسلام وأهله، وقد وقف موقف العداء من رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ اليوم الأول، واعتدى عليه قبل أن تفكر فيه قريش، وقد أسلفنا ما فعل بالنبي صلى الله عليه وسلم في مجلس بني هاشم، وما فعل على الصفا‏.‏

وكان أبو لهب قد زوج ولديه عتبة وعتيبة ببنتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رقية وأم كلثوم قبل البعثة، فلما كانت البعثة أمرهما بتطليقهما بعنف وشدة حتى طلقاهما‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ كان النفر الذين يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته أبا لهب، والحكم بن أبي العاص بن أمية، وعقبة بن أبي معيط، وعدى بن حمراء الثقفي، وابن الأصداء الهذلى ـ وكانوا جيرانه ـ لم يسلم منهم أحد إلا الحكم بن أبي العاص، فكان أحدهم يطرح عليه صلى الله عليه وسلم رحم الشاة وهو يصلى، وكان أحدهم يطرحها في برمته إذا نصبت له، حتى اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حجرًا ليستتر به منهم إذا صلى فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا طرحوا عليه ذلك الأذى يخرج به على العود، فيقف به على بابه، ثم يقول‏:‏ ‏(‏يا بني عبد مناف، أي جوار هذا‏؟‏‏)‏ ثم يلقيه في الطريق‏.‏

وازداد عقبة بن أبي مُعَيْط في شقاوته وخبثه، فقد روى البخاري عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه‏:‏أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلى عند البيت، وأبو جهل وأصحاب له جلوس؛ إذ قال بعضهم لبعض‏:‏ أيكم يجىء بسَلاَ جَزُور بني فلان فيضعه على ظهر محمد إذا سجد، فانبعث أشقى القوم ‏[‏وهو عقبة بن أبي معيط‏]‏ فجاء به فنظر، حتى إذا سجد النبي وضع على ظهره بين كتفيه، وأنا أنظر، لا أغنى شيئًا، لو كانت لي منعة، قال‏:‏ فجعلوا يضحكون، ويحيل بعضهم على بعضهم ‏[‏أي يتمايل بعضهم على بعض مرحًا وبطرًا‏]‏ ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساجد، لا يرفع رأسه، حتى جاءته فاطمة، فطرحته عن ظهره، فرفع رأسه، ثم قال‏:‏ ‏[‏الله م عليك بقريش‏]‏ ثلاث مرات، فشق ذلك عليهم إذ دعا عليهم، قال‏:‏ وكانوا يرون أن الدعوة في ذلك البلد مستجابة، ثم سمى‏:‏ ‏(‏الله م عليك بأبي جهل، وعليك بعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط‏)‏ ـ وعد السابع فلم نحفظه ـ فوالذي نفسى بيده لقد رأيت الذين عدّ رسول الله صلى الله عليه وسلم صرعى في القَلِيب، قليب بدر‏.‏


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #25  
قديم 17-07-2020, 02:41 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,607
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مع الحبيب صلى الله عليه وسلم ــــــــــــ متجدد

أول دار علمية في الإسلام (24)


أبو الهيثم محمد درويش



مع زيادة الاضطهادات والإيذاء له ولأصحابه صلى الله عليه وسلم وليتسنى له تربية الرعيل الأول في هدوء على مبعد من أعين المتربصين من كفار قريش أسس صلى الله عليه وسلم لأصحابه أول دار علمية للتربية الإيمانية في دار الأرقم بن أبي الأرقم , هذه الدار المباركة التي شهدت انطلاق النور من مكة ليضيء ظلمات العالم بأسره إلى يوم القيامة.
قال المباركفوري في الرحيق المختوم:
دار الأرقم
كانت هذه الدار في أصل الصفا، بعيدة عن أعين الطغاة ومجالسهم، فاختارها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليجتمع فيها بالمسلمين سرًا، فيتلو عليهم آيات الله ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة؛ وليؤدى المسلمون عبادتهم وأعمالهم، ويتلقوا ما أنزل الله على رسوله وهم في أمن وسلام، وليدخل من يدخل في الإسلام ولا يعلم به الطغاة من أصحاب السطوة والنقمة‏.‏

ومما لم يكن يشك فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لو اجتمع بالمسلمين علنا لحاول المشركون بكل ما عندهم من القسوة والغلظة أن يحولوا بينه وبين ما يريد من تزكية نفوسهم ومن تعليمهم الكتاب والحكمة، وربما أفضى ذلك إلى مصادمة الفريقين، بل قد وقع ذلك فعلًا‏.‏ فقد ذكر ابن إسحاق أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يجتمعون في الشعاب، فيصلون فيها سرًا، فرآهم نفر من كفار قريش، فسبوهم وقاتلوهم، فضرب سعد بن أبي وقاص رجلًا فسال دمه، وكان أول دم هريق في الإسلام‏.‏

ومعلوم أن المصادمة لو تعددت وطالت لأفضت إلى تدمير المسلمين وإبادتهم، فكان من الحكمة السريةُ والاختفاء، فكان عامة الصحابة يُخْفُون إسلامهم وعبادتهم واجتماعهم، أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يجهر بالدعوة والعبادة بين ظهرإني المشركين، لا يصرفه عن ذلك شىء، ولكن كان يجتمع مع المسلمين سرًا؛ نظرًا لصالحهم وصالح الإسلام‏.‏


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #26  
قديم 17-07-2020, 02:44 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,607
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مع الحبيب صلى الله عليه وسلم ــــــــــــ متجدد

أرض الله واسعة ( الهجرة إلى الحبشة) (25)


أبو الهيثم محمد درويش



أرض الله واسعة ( الهجرة إلى الحبشة)
لما ضاق الحال بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم واشتد الإيذاء والتنكيل والاستهزاء أرشد الله رسوله والمؤمنين معه إلى طريق الهجرة والفرار بالدين فكانت الهجرة الأولى والثانية فراراً إلى الله وتمسكاً بدينه وترك كل حطام الدنيا من أجل الثبات على الحق.
قال المباركفوري في الرحيق المختوم:
الهجرة الأولى إلى الحبشة
كانت بداية الاعتداءات في أواسط أو أواخر السنة الرابعة من النبوة، بدأت ضعيفة، ثم لم تزل تشتد يومًا فيومًا وشهرًا فشهرا، حتى تفاقمت في أواسط السنة الخامسة، ونبا بهم المقام في مكة، وأخذوا يفكرون في حيلة تنجيهم من هذا العذاب الأليم، وفي هذه الظروف نزلت سورة الزمر تشير إلى اتخاذ سبيل الهجرة، وتعلن بأن أرض الله ليست بضيقة ‏{ {‏لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ الله ِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} ‏}‏ ‏[‏الزمر‏:‏10]‏‏.‏

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد علم أن أصْحَمَة النجاشى ملك الحبشة ملك عادل، لا يظلم عنده أحد، فأمر المسلمين أن يهاجروا إلى الحبشة فرارًا بدينهم وأقام المسلمون في الحبشة في أحسن جوار‏.‏

سجود المشركين مع المسلمين وعودة المهاجرين
وفي رمضان من نفس السنة خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الحرم، وفيه جمع كبير من قريش، فيهم ساداتهم وكبراؤهم، فقام فيهم، وفاجأهم بتلاوة سورة النجم، ولم يكن أولئك الكفار سمعوا كلام الله من قبل؛ لأنهم كانوا مستمرين على ما تواصى به بعضهم بعضًا،من قولهم‏:‏ ‏{ {‏لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} ‏}‏ ‏[‏فصلت‏:‏26]‏ فلما باغتهم بتلاوة هذه السورة، وقرع آذانهم كلام إلهي خلاب، وكان أروع كلام سمعوه قط، أخذ مشاعرهم، ونسوا ما كانوا فيه فما من أحد إلا وهو مصغ إليه، لا يخطر بباله شىء سواه، حتى إذا تلا في خواتيم هذه السورة قوارع تطير لها القلوب، ثم قرأ‏:‏ ‏{ {‏فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا‏} }‏ ‏[‏النجم‏:‏62‏]‏ ثم سجد، لم يتمالك أحد نفسه حتى خر ساجدًا‏.‏ وفي الحقيقة كانت روعة الحق قد صدعت العناد في نفوس المستكبرين والمستهزئين، فما تمالكوا أن يخروا لله ساجدين‏.‏

وسَقَطَ في أيديهم لما أحسوا أن جلال كلام الله لَوَّى زمامهم، فارتكبوا عين ما كانوا يبذلون قصارى جهدهم في محوه وإفنائه، وقد توالى عليهم اللوم والعتاب من كل جانب، ممن لم يحضر هذا المشهد من المشركين، وعند ذلك كذبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وافتروا عليه أنه عطف على أصنامهم بكلمة تقدير، وأنه قال عنها ما كانوا يرددونه هم دائما من قولهم‏:‏ ‏(‏تلك الغرانيـق العلى، وإن شفاعتهم لترتجى‏)‏، جاءوا بهذا الإفك المبـين ليعـتذروا عـن سجودهم مع النبي صلى الله عليه وسلم، وليس يستغـــرب هـذا مـن قـوم كانوا يألفون الكذب، ويطيلون الدس والافتراء‏.‏

وبلغ هذا الخبر إلى مهاجري الحبشة، ولكن في صورة تختلف تمامًا عن صورته الحقيقية، بلغهم أن قريشًا أسلمت، فرجعوا إلى مكة في شوال من نفس السنة، فلما كانوا دون مكة ساعة من نهار وعرفوا جلية الأمر رجع منهم من رجع إلى الحبشة، ولم يدخل في مكة من سائرهم أحد إلا مستخفيًا، أو في جوار رجل من قريش‏.‏

ثم اشتد عليهم وعلى المسلمين البلاء والعذاب من قريش، وسطت بهم عشائرهم، فقد كان صعب على قريش ما بلغها عن النجاشي من حسن الجوار، ولم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم بدا من أن يشير على أصحابه بالهجرة إلى الحبشة مرة أخرى‏.‏


الهجرة الثانية إلى الحبشة
واستعد المسلمون للهجرة مرة أخرى، وعلى نطاق أوسع، ولكن كانت هذه الهجرة الثانية أشق من سابقتها، فقد تيقظت لها قريش وقررت إحباطها، بيد أن المسلمين كانوا أسرع، ويسر الله لهم السفر، فانحازوا إلى نجاشي الحبشة قبل أن يدركوا‏.‏

وفي هذه المرة هاجر من الرجال ثلاثة وثمانون رجلًا إن كان فيهم عمار، فإنه يشك فيه، وثماني عشرة أوتسع عشرة امرأة‏.‏ أهـ



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #27  
قديم 26-07-2020, 06:12 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,607
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مع الحبيب صلى الله عليه وسلم ــــــــــــ متجدد

مكيدة قريش بمهاجري الحبشة و تألق الحق (26)


أبو الهيثم محمد درويش



تركوا لهم الأرض فراراً بالإيمان فما رضوا ولا سكنوا وإنما أرسلوا من يكيد بهم عند النجاشي فرد الله المكيدة عليهم وظهر الحق وتألق على لسان جعفر رضي الله عنه وازداد الموقف تألقاً ونوراً بعدل النجاشي وانتصاره للحق.
قال المباركفوري في الرحيق المختوم:

مكيدة قريش بمهاجري الحبشة

عز على المشركين أن يجد المهاجرون مأمنا لأنفسهم ودينهم، فاختاروا رجلين جلدين لبيبين، وهما‏:‏ عمرو بن العاص، وعبد الله بن أبي ربيعة ـ قبل أن يسلما ـ وأرسلوا معهما الهدايا المستطرفة للنجاشي ولبطارقته، وبعد أن ساق الرجلان تلك الهدايا إلى البطارقة، وزوداهم بالحجج التي يطرد بها أولئك المسلمون، وبعد أن اتفقت البطارقة أن يشيروا على النجاشي بإقصائهم، حضرا إلى النجاشي، وقدما له الهديا ثم كلماه فقالا له‏:‏

أيها الملك، إنه قد ضَوَى إلى بلدك غلمان سفهاء، فارقوا دين قومهم، ولم يدخلوا في دينك، وجاءوا بدين ابتدعوه، لا نعرفه نحن ولا أنت، وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم؛ لتردهم إليهم، فهم أعلى بهم عينًا، وأعلم بما عابوا عليهم، وعاتبوهم فيه‏.‏

وقالت البطارقة‏:‏ صدقا أيها الملك، فأسلمهم إليهما، فليرداهم إلى قومهم وبلادهم‏.‏

ولكن رأي النجاشي أنه لا بد من تمحيص القضية، وسماع أطرافها جميعًا‏.‏ فأرسل إلى المسلمين، ودعاهم، فحضروا، وكانوا قد أجمعوا على الصدق كائنًا ما كان‏.‏ فقال لهم النجاشي‏:‏ ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم، ولم تدخلوا به في دينى ولا دين أحد من هذه الملل ‏؟‏

قال جعفر بن أبي طالب ـ وكان هو المتكلم عن المسلمين‏:‏ أيها الملك كنا قومًا أهل جاهلية؛ نعبد الأصنام ونأكل الميتة، ونأتى الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسىء الجوار، ويأكل منا القوى الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولًا منا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم،وقذف المحصنات،وأمرنا أن نعبد الله وحده،لا نشرك به شيئًا،وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام ـ فعدد عليه أمور الإسلام ـ فصدقناه، وآمنا به، واتبعناه على ما جاءنا به من دين الله ، فعبدنا الله وحده، فلم نشرك به شيئًا، وحرمنا ما حرم علينا، وأحللنا ما أحل لنا، فعدا علينا قومنا، فعذبونا وفتنونا عن ديننا؛ ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله تعالى، وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث، فلما قهرونا وظلمونا وضيقوا علينا، وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا إلى بلادك، واخترناك على من سواك، ورغبنا في جوارك، ورجونا ألا نظلم عندك أيها الملك‏.‏

فقال له النجاشي‏:‏ هل معك مما جاء به عن الله من شيء‏؟‏ فقال له جعفر‏:‏ نعم‏.‏ فقال له النجاشي‏:‏ فاقرأه على، فقرأ عليه صدرًا من‏:‏ ‏{‏كهيعص‏}‏ فبكى والله النجاشي حتى اخضلت لحيته، وبكت أساقفته حتى أخْضَلُوا مصاحفهم حين سمعوا ما تلا عليهم، ثم قال لهم النجاشي‏:‏ إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة، انطلقا، فلا والله لا أسلمهم إليكما، ولا يكادون ـ يخاطب عمرو بن العاص وصاحبه ـ فخرجا، فلما خرجا قال عمرو بن العاص لعبد الله بن أبي ربيعة‏:‏ والله لآتينه غدًا عنهم بما أستأصل به خضراءهم‏.‏ فقال له عبد الله بن أبي ربيعة‏:‏ لا تفعل، فإن لهم أرحامًا وإن كانوا قد خالفونا، ولكن أصر عمرو على رأيه‏.‏

فلما كان الغد قال للنجاشي‏:‏ أيها الملك، إنهم يقولون في عيسى ابن مريم قولًا عظيمًا، فأرسل إليهم النجاشي يسألهم عن قولهم في المسيح ففزعوا، ولكن أجمعوا على الصدق، كائنًا ما كان، فلما دخلوا عليه وسألهم، قال له جعفر‏:‏ نقول فيه الذي جاءنا به نبينا صلى الله عليه وسلم‏:‏ هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البَتُول‏.‏

فأخذ النجاشي عودًا من الأرض ثم قال‏:‏ والله ما عدا عيسى ابن مريم ما قلت هذا العود، فتناخرت بطارقته، فقال‏:‏ وإن نَخَرْتُم والله ‏.‏

ثم قال للمسلمين‏:‏ اذهبوا فأنتم شُيُومٌ بأرضي ـ والشيوم‏:‏ الآمنون بلسان الحبشة ـ من سَبَّكم غَرِم، من سبكم غرم، من سبكم غرم، ما أحب أن لى دَبْرًا من ذهب وإني آذيت رجلًا منكم ـ والدبر‏:‏ الجبل بلسان الحبشة‏.‏

ثم قال لحاشيته‏:‏ ردّوا عليهما هداياهما فلا حاجة لى بها، فوالله ما أخذ الله منـي الرشـوة حين رد علي ملكي، فآخذ الرشـوة فيــه، وما أطاع الناس في فأطيعـهم فيه‏.‏

قالت أم سلمة التي تروى هذه القصة‏:‏ فخرجا من عنده مقبوحين مردودًا عليهما ما جاءا به، وأقمنا عنده بخير دار مع خير جار‏.‏

هذه رواية ابن إسحاق، وذكر غيره أن وفادة عمرو بن العاص إلى النجاشي كانت بعد بدر، وجمع بعضهم بأن الوفادة كانت مرتين‏.‏ ولكن الأسئلة والأجوبة التي ذكروا أنها دارت بين النجاشي وبين جعفر بن أبي طالب في الوفادة الثانية هي نفس الأسئلة والأجوبة التي ذكرها ابن إسحاق هنا، ثم إن تلك الأسئلة تدل بفحواها أنها كانت في أول مرافعة قدمت إلى النجاشي‏.‏



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #28  
قديم 26-07-2020, 06:16 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,607
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مع الحبيب صلى الله عليه وسلم ــــــــــــ متجدد

حقد وإيذاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم (27)


أبو الهيثم محمد درويش




حقد وإيذاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم:
اشتد حقد المشركين على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد فشل مكيدتهم بمهاجري الحبشة, وأصبح هو الوحيد المعلن لدينه الداعي إلى الله بمكة بعد مهاجرة الكثير من الصحابة واستخفاء البقية بدينهم.
مر صلى الله عليه وسلم بأوقات عصيبة وهو ثابت على أمر الله لا يتزعزع حتى أعز الله دينه بإسلام شخصيات كبيرة لها وزنها في قريش.
قال المباركفوري في الرحيق المختوم
الشدة في التعذيب ومحاولة القضاء على رسول الله صلى الله عليه وسلم

ولما أخفق المشركون في مكيدتهم، وفشلوا في استرداد المهاجرين استشاطوا غضبًا، وكادوا يتميزون غيظًا، فاشتدت ضراوتهم وانقضوا على بقية المسلمين، ومدوا أيديهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسوء، وظهرت منهم تصرفات تدل على أنهم أرادوا القضاء على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ليستأصلوا جذور الفتنة التي أقضت مضاجعهم، حسب زعمهم‏.‏

أما بالنسبة للمسلمين فإن الباقين منهم في مكة كانوا قليلين جدًا، وكانوا إما ذوى شرف ومنعة، أو محتمين بجوار أحد، ومع ذلك كانوا يخفون إسلامهم ويبتعدون عن أعين الطغاة بقدر الإمكان، ولكنهم مع هذه الحيطة والحذر لم يسلموا كل السلامة من الأذى والخسف والجور‏.‏

وأما رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان يصلى ويعبد الله أمام أعين الطغاة، ويدعو إلى الله سرًا وجهرًا لا يمنعه عن ذلك مانع، ولا يصرفه عنه شيء؛ إذ كان ذلك من جملة تبليغ رسالة الله منذ أمره الله سبحانه وتعالى بقوله‏:‏ ‏{‏فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ‏}‏ ‏[‏الحجر‏:‏94‏]‏، وبذلك كان يمكن للمشركين أن يتعرضوا له إذا أرادوا، ولم يكن في الظاهر ما يحول بينهم وبين ما يريدون إلا ما كان له صلى الله عليه وسلم من الحشمة والوقار، وما كان لأبي طالب من الذمة والاحترام، وما كانوا يخافونه من مغبة سوء تصرفاتهم، ومن اجتماع بني هاشم عليهم، إلا أن كل ذلك لم يعد له أثره المطلوب في نفوسهم؛ إذ بدءوا يستخفون به منذ شعروا بانهيار كيانهم الوثنى وزعامتهم الدينية أمام دعوته صلى الله عليه وسلم‏.‏

ومما روت لنا كتب السنة والسيرة من الأحداث التي تشهد القرائن بأنها وقعت في هذه الفترة‏:‏ أن عتيبة بن أبي لهب أتى يومًا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ أنا أكفر بـ ‏{‏وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى‏}‏ ‏[‏النجم‏:‏1]‏ وبالذي ‏{‏ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى‏}‏ ‏[‏النجم‏:‏8‏]‏ ثم تسلط عليه بالأذى، وشق قميصه، وتفل في وجهه صلى الله عليه وسلم، إلا أن البزاق لم يقع عليه، وحينئذ دعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم وقال‏:‏ ‏(‏الله م سلط عليه كلبًا من كلابك‏)‏، وقد استجيب دعاؤه صلى الله عليه وسلم، فقد خرج عتيبة إثر ذلك في نفر من قريش، فلما نزلوا بالزرقاء من الشام طاف بهم الأسد تلك الليلة، فجعل عتيبة يقول‏:‏ يا ويل أخي هو والله آكلى كما دعا محمد علىّ، قتلنى وهو بمكة، وأنا بالشام، ثم جعلوه بينهم، وناموا من حوله، ولكن جاء الأسد وتخطاهم إليه، فضغم رأسه‏.‏

ومنها‏:‏ ما ذكر أن عقبة بن أبي مُعَيْط وطئ على رقبته الشريفة وهو ساجد حتى كادت عيناه تبرزان‏.‏

ومما يدل على أن طغاتهم كانوا يريدون قتله صلى الله عليه وسلم ما رواه ابن إسحاق عن عبد الله ابن عمرو بن العاص قال‏:‏ حضرتهم وقد اجتمعوا في الحجر، فذكروا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا‏:‏ ما رأينا مثل ما صبرنا عليه من أمر هذا الرجل، لقد صبرنا منه على أمر عظيم، فبينا هم كذلك إذ طلع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل يمشى حتى استلم الركن، ثم مر بهم طائفًا بالبيت فغمزوه ببعض القول، فعرفت ذلك في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما مر بهم الثانية غمزوه بمثلها، فعرفت ذلك في وجهه، ثم مر بهم الثالثة فغمزوه بمثلها‏.‏ فوقف ثم قال‏:‏ ‏(‏أتسمعون يا معشر قريش، أما والذي نفسى بيده، لقد جئتكم بالذبح‏)‏، فأخذت القوم كلمته، حتى ما منهم رجل إلا كأنما على رأسه طائر واقع، حتى إن أشدهم فيه ليرفؤه بأحسن ما يجد، ويقول‏:‏ انصرف يا أبا القاسم، فو الله ما كنت جهولًا‏.‏

فلما كان الغد اجتمعوا كذلك يذكرون أمره إذ طلع عليهم، فوثبوا إليه وثبة رجل واحد وأحاطوا به، فلقد رأيت رجلًا منهم أخذ بمجمع ردائه، وقام أبو بكر دونه، وهو يبكى ويقول‏:‏ أتقتلون رجلًا أن يقول ربي الله ‏؟‏ ثم انصرفوا عنه، قال ابن عمرو‏:‏ فإن ذلك لأشد ما رأيت قريشًا نالوا منه قط‏.‏ انتهي ملخصًا‏.‏

وفي رواية البخاري عن عروة بن الزبير قال‏:‏ سألت ابن عمرو بن العاص‏:‏ أخبرني بأشد شيء صنعه المشركون بالنبي صلى الله عليه وسلم، قال‏:‏ بينا النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في حجر الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبي معيط، فوضع ثوبه في عنقه، فخنقه خنقًا شديدًا؛ فأقبل أبو بكر حتى أخذ بمنكبيه، ودفعه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال‏:‏ أتقتلون رجلًا أن يقول ربي الله ‏؟‏‏.‏

وفي حديث أسماء‏:‏ فأتى الصريخ إلى أبي بكر فقال‏:‏ أدرك صاحبك، فخرج من عندنا وعليه غدائر أربـع، فـخرج وهــو يـقول‏:‏ أتقتلون رجلًا أن يقول ربي الله ‏؟‏ فلهوا عنه وأقبلوا على أبي بكر، فرجع إلينا لا نمس شيئًا من غدائره إلا رجع معنــا‏.‏



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #29  
قديم 26-07-2020, 06:21 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,607
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مع الحبيب صلى الله عليه وسلم ــــــــــــ متجدد

أطياف النور تبرق بإسلام حمزة وعمر (28)


أبو الهيثم محمد درويش



أطياف النور تبرق بإسلام حمزة وعمر:
وسط ظلام دامس من الاضطهادات والهجرة إلى الحبشة والاستخفاء بالإسلام يبرق نور الإسلام في صدر حمزة بن أبي طالب وبعده بثلاثة أيام يسلم الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه لتزداد نواة الإسلام صلابة ويزداد موقف الكفار هشاشة وضعفاً.
قال المباركفوري في الرحيق المختوم:
دخول كبار الصحابة فى الاسلام
إسلام حمزة رضي الله عنه

خلال هذا الجو الملبد بغيوم الظلم والعدوان ظهر برق أضاء الطريق، وهو إسلام حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه أسلم في أواخر السنة السادسة من النبوة، والأغلب أنه أسلم في شهر ذى الحجة‏.‏
وسبب إسلامه‏:‏ أن أبا جهل مر برسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا عند الصفا فآذاه ونال منه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساكت لا يكلمه، ثم ضربه أبو جهل بحجر في رأسه فَشَجَّهُ حتى نزف منه الدم، ثم انصرف عنه إلى نادى قريش عند الكعبة، فجلس معهم، وكانت مولاة لعبد الله بن جُدْعَان في مسكن لها على الصفا ترى ذلك، وأقبل حمزة من القَنَص مُتَوَشِّحًا قوسه، فأخبرته المولاة بما رأت من أبي جهل، فغضب حمزة ـ وكان أعز فتى في قريش وأشده شكيمة ـ فخرج يسعى، لم يقف لأحد؛ معدًا لأبي جهل إذا لقيه أن يوقع به، فلما دخل المسجد قام على رأسه، وقال له‏:‏ يا مُصَفِّرَ اسْتَه، تشتم ابن أخي وأنا على دينه ‏؟‏ ثم ضربه بالقوس فشجه شجة منكرة، فثار رجال من بني مخزوم ـ حى أبي جهل ـ وثار بنو هاشم ـ حي حمزة ـ فقال أبو جهل‏:‏ دعوا أبا عمارة، فإني سببت ابن أخيه سبًا قبيحًا‏.‏

وكان إسلام حمزة أول الأمر أنفة رجل، أبي أن يهان مولاه، ثم شرح الله صدره فاستمسك بالعروة الوثقى، واعتز به المسلمون أيما اعتزاز‏.‏
إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه
وخلال هذا الجو الملبد بغيوم الظلم والعدوان أضاء برق آخر أشد بريقًا وإضاءة من الأول، ألا وهو إسلام عمر بن الخطاب، أسلم في ذى الحجـة سـنة سـت مـن النبـوة‏.‏ بعد ثلاثة أيام من إسلام حمزة رضي الله عنه وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد دعا الله تعالى لإسلامه‏.‏ فقد أخرج الترمذى عن ابن عمر، وصححه، وأخرج الطبراني عن ابن مسعود وأنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏الله م أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك‏:‏ بعمر بن الخطاب أو بأبي جهل بن هشام‏)‏ فكان أحبهما إلى الله عمر رضي الله عنه‏.‏

وبعد إدارة النظر في جميع الروايات التي رويت في إسلامه يبدو أن نزول الإسلام في قلبه كان تدريجيًا، ولكن قبل أن نسوق خلاصتها نرى أن نشير إلى ما كان يتمتع به رضي الله عنه من العواطف والمشاعر‏.‏

كان رضي الله عنه معروفًا بحدة الطبع وقوة الشكيمة، وطالما لقى المسلمون منه ألوان الأذى، والظاهر أنه كانت تصطرع في نفسه مشاعر متناقضة؛ احترامه للتقاليد التي سنها الآباء والأجداد وتحمسه لها، ثم إعجابه بصلابة المسلمين، وباحتمالهم البلاء في سبيل العقيدة، ثم الشكوك التي كانت تساوره ـ كأي عاقل ـ في أن ما يدعو إليه الإسلام قد يكون أجل وأزكى من غيره، ولهذا ما إن يَثُور حتى يَخُور‏.‏

وخلاصة الروايات ـ مع الجمع بينها ـ في إسلامه رضي الله عنه‏:‏ أنه التجأ ليلة إلى المبيت خارج بيته، فجاء إلى الحرم، ودخل في ستر الكعبة، والنبي صلى الله عليه وسلم قائم يصلي، وقد استفتح سورة ‏{ {‏الْحَاقَّةُ‏} }‏،فجعل عمر يستمع إلى القرآن، ويعجب من تأليفه، قال‏:‏ فقلت ـ أي في نفسي‏:‏ هذا والله شاعر، كما قالت قريش، قال‏:‏ فقرأ ‏{ {‏إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ‏} }‏ ‏[‏الحاقة‏:‏40، 41‏]‏ قال‏:‏ قلت‏:‏ كاهن‏.‏ قال‏:‏‏{وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ}‏ إلى آخر السورة ‏[‏الحاقة‏:42، 43‏]‏ ‏.‏ قال‏:‏ فوقع الإسلام في قلبي‏.‏

كان هذا أول وقوع نواة الإسلام في قلبه، لكن كانت قشرة النزعات الجاهلية، وعصبية التقليد، والتعاظم بدين الآباء هي غالبـة على مخ الحقيقة التي كان يتهمس بها قلبه، فبقى مجدًا في عمله ضد الإسلام غير مكترث بالشعور الذي يكمن وراء هذه القشرة‏.‏
كان عمر رضي الله عنه ذا شكيمة لا يرام، وقد أثار إسلامه ضجة بين المشركين، وشعورا لهم بالذلة والهوان، وكسا المسلمين عزة وشرفًا وسرورًا‏.‏
روى ابن إسحاق بسنده عن عمر قال‏:‏ لما أسلمت تذكرت أي أهل مكة أشد لرسول الله صلى الله عليه وسلم عداوة، قال‏:‏ قلت‏:‏ أبو جهل، فأتيت حتى ضربت عليه بابه، فخرج إلىّ، وقال‏:‏ أهلًا وسهلًا، ما جاء بك‏؟‏ قال‏:‏ جئت لأخبرك إني قد آمنت بالله وبرسوله محمد، وصدقت بما جاء به‏.‏ قال‏:‏ فضرب الباب في وجهي، وقال‏:‏ قبحك الله ، وقبح ما جئت به‏.‏
وذكر ابن الجوزي أن عمر رضي الله عنه قال‏:‏ كان الرجل إذا أسلم تعلق به الرجال، فيضربونه ويضربهم، فجئت ـ أي حين أسلمت ـ إلى خالى ـ وهو العاصى بن هاشم ـ فأعلمته فدخل البيت، قال‏:‏ وذهبت إلى رجل من كبراء قريش ـ لعله أبو جهل ـ فأعلمته فدخل البيت‏.‏
وفي رواية لابن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر قال‏:‏ لما أسلم عمر بن الخطاب لم تعلم قريش بإسلامه، فقال‏:‏ أي أهل مكة أنشأ للحديث‏؟‏ فقالوا‏:‏ جميل بن معمر الجمحى‏.‏ فخرج إليه وأنا معه، أعقل ما أرى وأسمع، فأتاه، فقال‏:‏ ياجميل، إني قد أسلمت، قال‏:‏ فو الله ما رد عليه كلمة حتى قام عامدًا إلى المسجد فنادى ‏[‏بأعلى صوته‏]‏ أن‏:‏ يا قريش، إن ابن الخطاب قد صبأ‏.‏ فقال عمر ـ وهو خلفه‏:‏ كذب، ولكنى قد أسلمت ‏[‏وآمنت بالله وصدقت رسوله‏]‏، فثاروا إليه فما زال يقاتلهم ويقاتلونه حتى قامت الشمس على رءوسهم، وطَلَح ـ أي أعيا ـ عمر، فقعد، وقاموا على رأسه، وهو يقول‏:‏ افعلوا ما بدا لكم، فأحلف بالله أن لو كنا ثلاثمائة رجل لقد تركناها لكم أو تركتموها لنا‏.‏

وبعد ذلك زحف المشركون إلى بيته يريدون قتله‏.‏روى البخاري عن عبد الله بن عمر قال‏:‏بينما هو ـ أي عمر ـ في الدار خائفًا إذ جاءه العاص بن وائل السهمى أبو عمرو،وعليه حلة حبرة وقميص مكفوف بحرير ـ وهو من بني سهم، وهم حلفاؤنا في الجاهلية ـ فقال له‏:‏ ما لك‏؟‏ قال‏:‏ زعم قومك أنهم سيقتلوني إن أسلمت، قال‏:‏ لا سبيل إليك ـ بعد أن قالها أمنت ـ فخرج العاص، فلقى الناس قد سال بهم الوادي، فقال‏:‏ أين تريدون‏؟‏ فقالوا‏:‏ هذا ابن الخطاب الذي قد صبأ، قال‏:‏ لا سبيل إليه، فَكَرَّ الناس‏.‏ وفي لفظ في رواية ابن إسحاق‏:‏ والله ، لكأنما كانوا ثوبًا كُشِطَ عنه‏.‏

هذا بالنسبة إلى المشركين، أما بالنسبة إلى المسلمين فروى مجاهد عن ابن عباس قال‏:‏ سألت عمر بن الخطاب‏:‏ لأي شيء سميت الفاروق‏؟‏ قال‏:‏ أسلم حمزة قبلى بثلاثة أيام ـ ثم قص عليه قصة إسلامه‏.‏ وقال في آخره‏:‏ قلت ـ أي حين أسلمت‏:‏ يا رسول الله ، ألسنا على الحق إن متنا وإن حيينا‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏بلى، والذي نفسي بيده، إنكم على الحق وإن متم وإن حييتم‏)‏، قال‏:‏ قلت‏:‏ ففيم الاختفاء‏؟‏ والذي بعثك بالحق لنخرجن، فأخرجناه في صفين، حمزة في أحدهما، وأنا في الآخر، له كديد ككديد الطحين، حتى دخلنا المسجد، قال‏:‏ فنظرت إلىّ قريش وإلى حمزة، فأصابتهم كآبة لم يصبهم مثلها، فسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏الفاروق‏)‏ يومئذ‏.‏

وكان ابن مسعود رضي الله عنه يقول‏:‏ ما كنا نقدر أن نصلى عند الكعبة حتى أسلم عمر‏.‏

وعن صهيب بن سنان الرومى رضي الله عنه قال‏:‏ لما أسلم عمر ظهر الإسلام، ودعى إليه علانية، وجلسنا حول البيت حلقًا، وطفنا بالبيت، وانتصفنا ممن غلظ علينا، ورددنا عليه بعض ما يأتى به‏.‏

وعن عبد الله بن مسعود قال‏:‏ ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر‏.‏ أ هـ



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #30  
قديم 26-07-2020, 06:27 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,607
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مع الحبيب صلى الله عليه وسلم ــــــــــــ متجدد

قريش تغير من خططها بعد إسلام حمزة وعمر (29)


أبو الهيثم محمد درويش

فلما جلس إليهم قالوا‏:‏ ما وراءك يا أبا الوليد‏؟‏ قال‏:‏ ورائي أني سمعت قولًا والله ما سمعت مثله قط، والله ما هو بالشعر ولا بالسحر، ولا بالكهانة
التصنيفات: السيرة النبوية -
قريش تغير من خططها بعد إسلام حمزة وعمر:
أفقت قريش من سكرتها بعد إسلام حمزة وعمر رضي الله عنهما وأيقنت أن أسلوب الإيذاء والسخرية لن يجدي فبدأت في محاولات التوسط والمساومات وعرض العروض على رسول الله صلى الله عليه وسلم, فكان الرد الثابت كالطود المستمسك بالله وبرسالته وكتابه يعجز كل واسطة أو وفد.
قال المباركفوري في الرحيق المختوم:
ممثل قريش بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم :
وبعد إسلام هذين البطلين الجليلين ـ حمزة بن عبد المطلب وعمـر بن الخطاب رضي الله عنهما أخذت السحائب تتقشع، وأفاق المشركون عن سكرهم في تنكيلهم بالمسلمين، وغيروا تفكيرهم في معاملتهم مع النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، واختاروا أسلوب المساومات وتقديم الرغائب والمغريات، ولم يدر هؤلاء المساكين أن كل ما تطلع عليه الشمس لا يساوي جناح بعوضة أمام دين الله والدعوة إليه، فخابوا وفشلوا فيما أرادوا‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ حدثني يزيد بن زياد عن محمد بن كعب القرظى قال‏:‏ حدثت أن عتبة بن ربيعة، وكان سيدًا، قال يومًا ـ وهو في نادى قريش، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد وحده‏:‏ يا معشر قريش، ألا أقوم إلى محمد فأكلمه وأعرض عليه أمورًا لعله يقبل بعضها، فنعطيه أيها شاء ويكف عنا‏؟‏ وذلك حين أسلم حمزة رضي الله عنه ورأوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثرون ويزيدون، فقالوا‏:‏ بلى، يا أبا الوليد، قم إليه، فكلمه، فقام إليه عتبة،حتى جلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال‏:‏ يابن أخي، إنك منا حيث قد علمت من السِّطَةِ في العشيرة، والمكان في النسب، وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم، فرقت به جماعتهم، وسفهت به أحلامهم، وعبت به آلهتهم ودينهم، وكفرت به من مضى من آبائهم، فاسمع منى أعرض عليك أمورًا تنظر فيها لعلك تقبل منها بعضها‏.‏ قال‏:‏ فقال رسول صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏قل يا أبا الوليد أسمع‏)‏‏.‏

قال‏:‏ يابن أخي، إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالًا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالًا، وإن كنت تريد به شرفًا سودناك علينا حتى لا نقطع أمرًا دونك، وإن كنت تريد به ملكًا ملكناك علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك رئيًا تراه لا تستطيع رده عن نفسك طلبنا لك الطب، وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه، فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه ـ أو كما قال له ـ حتى إذا فرغ عتبة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يستمع منه قال‏:‏ ‏(‏أقد فرغت يا أبا الوليد‏؟‏‏)‏ قال‏:‏ نعم، قال‏:‏ ‏(‏فاسمع منى‏)‏، قال‏:‏أفعل، فقال‏:‏ {‏بسم الله الرحمن الرحيم حم تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ} ‏[‏فصلت‏:‏1‏:‏ 5‏]‏‏.‏ ثم مضى رسول الله فيها، يقرؤها عليه‏.‏ فلما سمعها منه عتبة أنصت له، وألقى يديه خلف ظهره معتمدًا عليهما، يسمع منه، ثم انتهي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السجدة منها فسجد ثم قال‏:‏ ‏(‏قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت، فأنت وذاك‏)‏‏.‏

فقام عتبة إلى أصحابه، فقال بعضهم لبعض‏:‏ نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به‏.‏ فلما جلس إليهم قالوا‏:‏ ما وراءك يا أبا الوليد‏؟‏ قال‏:‏ ورائي أني سمعت قولًا والله ما سمعت مثله قط، والله ما هو بالشعر ولا بالسحر، ولا بالكهانة، يا معشر قريش، أطيعونى واجعلوها بي، وخلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه، فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ عظيم، فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم، وإن يظهر على العرب فملكه ملككم، وعزه عزكم، وكنتم أسعد الناس به، قالوا‏:‏ سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه، قال‏:‏ هذا رأيي فيه، فاصنعوا ما بدا لكم‏.‏

وفي روايات أخرى‏:‏ أن عتبة استمع حتى إذا بلغ الرسول صلى الله عليه وسلم قوله تعالى‏:‏ {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} ‏[‏فصلت‏:‏13‏]‏ قال‏:‏ حسبك، حسبك، ووضع يده على فم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وناشده بالرحم أن يكف، وذلك مخافة أن يقع النذير، ثم قام إلى القوم فقال ما قال‏.‏


رؤساء قريش يفاوضون رسول الله صلى الله عليه وسلم

وكأن رجاء قريش لم ينقطع بما أجاب به النبي صلى الله عليه وسلم عتبة على اقتراحاته؛ لأنه لم يكن صريحًا في الرفض أو القبول، بل تلا عليه النبي صلى الله عليه وسلم آيات لم يفهمها عتبة، ورجع من حيث جاء، فتشاور رؤساء قريش فيما بينهم وفكروا في كل جوانب القضية، ودرسوا كل المواقف بروية وتريث، ثم اجتمعوا يومًا عند ظهر الكعبة بعد غروب الشمس، وأرسلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يدعونه، فجاء مسرعًا يرجو خيرًا، فلما جلس إليهم قالوا له مثل ما قال عتبة، وعرضوا عليه نفس المطالب التي عرضها عتبة‏.‏ وكأنهم ظنوا أنه لم يثق بجدية هذا العرض حين عرض عتبة وحده، فإذا عرضوا هم أجمعون يثق ويقبل، ولكن قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «‏ما بي ما تَقُولُون، ما جِئْتُكُم بما جِئْتُكُم بِه أَطْلُب أَمْوَالكُم ولا الشَّرف فيكم، ولا المُلْكَ عليكم، ولكنّ الله بَعَثَنِى إلَيْكُم رَسُولًا، وَ أَنْزَلَ علىَّ كِتابًا، وأَمَرَنِى أنْ أَكُونَ لَكُم بَشِيرًا وَنَذِيرًا، فَبَلَّغْتُكُم رِسَالاتِ ربي، وَنَصَحْتُ لَكُمْ، فإِنْ تَقْبَلُوا مِنّى ما جِئْتُكُم بِه فَهُوَ حَظُّكُم في الدُنيا والآخرة، وإنْ تَرُدُّوا علىّ أَصْبِر لأمْرِ الله ِ حتّى يَحْكُم الله ُ بَيْنِى وَ بَيْـنَكُم» ‏.‏ أو كما قال‏.‏

فانتقلوا إلى نقطة أخرى، وطلبوا منه أن يسأل ربه أن يسير عنهم الجبال، ويبسط لهم البلاد، ويفجر فيها الأنهار، ويحيى لهم الموتى ـ ولا سيما قصى بن كلاب ـ فإن صدقوه يؤمنون به‏.‏ فأجاب بنفس ما سبق من الجواب‏.‏

فانتقلوا إلى نقطة ثالثة، وطلبوا منه أن يسأل ربه أن يبعث له ملكًا يصدقه، ويراجعونه فيه، وأن يجعل له جنات وكنوزًا وقصورًا من ذهب وفضة، فأجابهم بنفس الجواب‏.‏

فانتقلوا إلى نقطة رابعة، وطلبوا منه العذاب‏:‏ أن يسقط عليهم السماء كسفًا، كما يقول ويتوعد، فقال‏:‏ ‏(‏ذلك إلى الله ، إن شاء فعل‏)‏‏.‏ فقالوا‏:‏ أما علم ربك أنا سنجلس معك، ونسألك ونطلب منك، حتى يعلمك ما تراجعنا به، وما هو صانع بنا إذا لم نقبل‏.‏
وأخيرًا هددوه أشد التهديد، وقالوا‏:‏أما والله لا نتركك وما فعلت بنا حتى نهلكك أو تهلكنا، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم، وانصرف إلى أهله حزينًا أسفا لما فاته ما طمع من قومه‏.‏ .أ هـ


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 158.47 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 152.40 كيلو بايت... تم توفير 6.06 كيلو بايت...بمعدل (3.83%)]