عباد الرحمن - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12488 - عددالزوار : 213276 )           »          أطفالنا والمواقف الدموية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          عشر همسات مع بداية العام الهجري الجديد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          وصية عمر بن الخطاب لجنوده (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          المستقبل للإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          انفروا خفافاً وثقالاً (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          أثر الهجرة في التشريع الإسلامي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          مضار التدخين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          متعة الإجازة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          التقوى وأركانها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 11-04-2021, 10:43 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,866
الدولة : Egypt
افتراضي عباد الرحمن

عباد الرحمن
عبدالله بن عبده نعمان العواضي




إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب: 70-71].



أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي نبيه محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.



يقول الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا * وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا * وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا * وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا *وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا * وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا * وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا *وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا * وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا * أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا * خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا * قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا ﴾. [الفرقان: 63-77].



أيها المسلمون، في هذه الآيات الكريمات تتجلى صفات عباد الرحمن وأخلاقهم الحميدة مع الله ومع عباده أنواراً تهدي إلى صلاح الدنيا والآخرة.



إنها أعمال صالحة وسلوكيات فاضلة تبني مجتمعاً يرفرف فيه الأمن والطهر والعدل والاستقامة.

إن هؤلاء المتصفين بهذه الصفات ليسوا عباداً لأحد، إنما هم عباد لله وحده، لا يعبدون سواه ولا يقدمون طاعة أحد على طاعته.

وبهذه النسبة: عباد الرحمن صاروا أعزة مرفوعي الرؤوس لا يحنونها لغير خالقها جل وعلا.



فمن صفاتهم الحسنة: التواضع، وخفض الجناح للمؤمنين، فليسوا متكبرين ولا متجبرين، ولا متعالين ولا مغرورين. أذلة للمؤمنين أعزة على الكافرين. لم يزدهم تواضعهم إلا رفعة وسموًّا؛ ليكون ذلك ثواباً عاجلاً من عند الله. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من تواضع لله رفعه الله)[2].



لقد عُرف التواضع خلقاً راسخاً من أخلاق رسول الله عليه الصلاة والسلام الذي قال له ربه تعالى: ﴿ لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الحجر: 88]. ومن تتبع سيرته عليه الصلاة والسلام وجد مصداق ذلك.



فعن أنس رضي الله عنه قال: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إن لي إليك حاجة، فقال لها: (يا أم فلان، اجلسي في أي نواحي السكك شئت حتى أجلس إليك) [3]. وعنه رضي الله عنه قال: (كان رسول الله يدعى إلى خبز الشعير والإهالة السنخة فيجيب) [4]. وعنه رضي الله عنه قال: (لم يكن شخص أحب إليهم من رسول الله، قال: وكانوا إذا رأوه لم يقوموا؛ لما يعلمون من كراهته لذلك) [5]. وقيل لعائشة رضي الله عنها: ماذا كان يعمل رسول الله في بيته؟ قالت: ( كان بشرا من البشر: يفلي ثوبه ويحلب شاته ويخدم نفسه)[6]



ففي التواضع قال تعالى في هذه الآيات: ﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً ﴾.

عباد الله، ومن صفات عباد الرحمن: أنهم أهل عفو وصفح، فإذا آذاهم السفهاء بالقول أجابوهم بالمعروف، وخاطبوهم خطاباً لطيفاً يسلمون فيه من الإثم ومن مقابلة الجاهل بجهله.



وهذا الخلق الكريم - خلق العفو - خلق عظيم يجمع الكلمة ويوحد الصف ويؤلف القلوب ويحبب أهله إلى الناس، وهو من صفات المتقين التي ينالون بها الجنة.



قال تعالى: ﴿ وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [آل عمران: 133-134].



فأين العمل بهذا الخلق الكريم في الخلافات التي نعيشها اليوم؟ إن في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم نماذج ناصعة من عفوه وصفحه وحلمه عمن جهل عليه. لم يكن ينتصر لنفسه، ويقتص لها، إنما كان ينتصر لله، فقد عفا عمن آذاه من المشركين ومن اليهود ومن المنافقين ومن الأعراب.



فعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يعود سعد بن عبادة في بني الحارث بن الخزرج قبل وقعة بدر قال: حتى مر بمجلس فيه عبد الله بن أبي ابن سلول وذلك قبل أن يسلم عبد الله بن أبي [يعني في الظاهر] فإذا في المجلس أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود والمسلمين وفي المجلس عبد الله بن رواحة فلما غشيت المجلس عجاجة الدابة خمر عبد الله بن أبي أنفه بردائه ثم قال: لا تغبروا علينا فسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم ثم وقف فنزل فدعاهم إلى الله وقرأ عليهم القرآن فقال عبد الله بن أبي ابن سلول: أيها المرء إنه لا أحسن مما تقول إن كان حقًّا فلا تؤذنا به في مجلسنا ارجع إلى رحلك فمن جاءك فاقصص عليه، فقال عبد الله بن رواحة: بلى يا رسول الله، فاغشنا به في مجالسنا فإنا نحب ذلك فاستب المسلمون والمشركون واليهود حتى كادوا يتثاورون فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكنوا ثم ركب النبي صلى الله عليه وسلم دابته فسار حتى دخل على سعد بن عبادة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ( يا سعد، ألم تسمع ما قال أبو حباب يريد عبد الله بن أبي قال كذا وكذا) قال سعد بن عبادة: يا رسول الله، اعف عنه واصفح عنه فوالذي أنزل عليك الكتاب لقد جاء الله بالحق الذي أنزل عليك وقد اصطلح أهل هذه البحيرة على أن يتوجوه فيعصبوه بالعصابة فلما أبى الله ذلك بالحق الذي أعطاك الله شرق بذلك فذلك فعل به ما رأيت، فعفا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يعفون عن المشركين وأهل الكتاب كما أمرهم الله ويصبرون على الأذى قال الله عز وجل:﴿ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا...﴾ [آل عمران: 186]. والشواهد على ذلك كثيرة.



وفي هذه الآيات يقول سبحانه: ﴿ وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً ﴾.

أيها الأحبة الفضلاء، ومن صفات عباد الرحمن: أنهم أهل عبادة لله تعالى مثل صلاة الليل، فإنه إذا دخل عليهم الليل فلا يخرج عنهم إلا وقد أخذوا حظهم من القيام والتلاوة الخاشعة والاستغفار الصادق بين يدي ربهم سبحانه وتعالى.



قال عز وجل: ﴿ كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ [الذاريات: 17-18].



هذه الصلاة لها شأن عظيم في إصلاح النفس وتقويم عوجها، وفي كسب الأجور والوصول إلى الآمال الصالحة والنجاة من المكاره والكروب.



وهي عبادة تبرهن عن الإيمان والإخلاص، ويجد صاحبها من اللذة والطمأنينة ما لا يجده في غيرها، فلا غرابة إذن أن تكون أفضل الصلوات بعد الصلوات المكتوبة، كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم [7].



لقد كانت هذه الصلاة دأب رسول الله في ليله، فكان يلازمها ولا يتركها إلا لمرض، وقد قال الله تعالى له: ﴿ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا ﴾ [المزمل:1-4].



سئلت عائشة رضي الله عنها عن صلاته في رمضان؟ فقالت: (ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعاً فلا تسل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعاً فلا تسل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثاً) [8].



وفي هذه الآيات في صفات عباد الرحمن يقول تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً ﴾.



معشر المسلمين، ومن صفات عباد الرحمن: أنهم -مع اجتهادهم في الإيمان والعمل الصالح- يخافون الله تعالى أن يدخلهم نار جهنم التي يلازم عذابها أهلها. وهذا من صدق عبوديتهم حيث جمعوا بين العمل والخوف.



قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ﴾ [المؤمنون: 57-61].



فهؤلاء الصالحون -نسأل الله أن يجعلنا منهم- يدعون الله فيقولون: ﴿ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً ﴾ [الفرقان: 65].

وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد الخائفين من رب العالمين مع كونه سيد المرسلين.



فعن عبد الله بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم هذا الدعاء كما يعلمهم السورة من القرآن: (اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات)[9].



أيها الأفاضل، إن عباد الرحمن أورثهم العمل النافع والعمل الصالح التوسطَ في الأمور والاعتدال فيها فلا إفراط ولا تفريط. ومن ذلك التوسط في الإنفاق فليس لديهم إسراف يضيعون به نعمة المال، وليس من صفاتهم البخل به على المستحقين منه.



قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً ﴾.

لقد عاش رسول الله عليه الصلاة والسلام زاهداً في هذه الدنيا راغباً عنها وكان باستطاعته أن يعيش الحياة الرخية المترفة، لكنه أبى ذلك، فقد ظل في هذه الحياة الزاهدة ملازماً للتوسط في نفقته وإمساكه، فلم يكن بالمسرف الذي يصرف المال في غير وجه حق، ولم يكن بالبخيل الذي أمسك حقوق الخلق عليه، بل عاش بالحسنة بين السيئتين عاش بالاعتدال بين الإقتار والإسراف.



عباد الله، ويستمر الخطاب القرآني الرائع فيسرد صفات هؤلاء الصالحين، فبعد أن ذكر فضائل الأعمال التي يقومون بها من تواضع وحلم، وقيام ليل ودعاء، واقتصاد في إنفاق المال، فبعد ذلك كله انتقل الخطاب إلى ذكر مجانبتهم للرذائل الخاصة والعامة.



وابتدأ الحديث بتجنبهم لأعظم الرذائل والذنوب وهو الشرك بالله تعالى. قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ... ﴾.



هذه المعصية هي المعصية العظمى والذنب الأكبر والظلم الأعظم؛ لأنه وضعٌ للعبودية في غير موضعها، قال تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [لقمان: 13]. فعباد الرحمن بعيدون عن الإشراك بالله باطنه وظاهره، قوله وفعله. فالله تعالى وحده هو معبودهم الذي يفردونه بجميع ما يستحقه من أفعاله وأفعال عباده وأسمائه وصفاته.



وبعدُهم هذا عن هذه الخطيئة الكبرى هو سفينة النجاة التي تنجي راكبها من الخلود في جهنم مهما كانت ذنوبه وإن دخلها، وقد تنجيها منه فلا يدخلها أبدا.



قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة، ومن مات يشرك بالله شيئا دخل النار) [10].



لقد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى توحيد الله تعالى وكان هو سيد الموحدين حتى مات، وحذر من الشرك وكان أشد الناس بعداً عنه عليه الصلاة والسلام.



فعن عائشة أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا لرسول الله صلى الله عليه وسلم كنيسة رأينها بالحبشة فيها تصاوير، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجداً وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة) [11].



وقال عليه الصلاة والسلام: (ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد إني أنهاكم عن ذلك) [12].



ثم ثنى الله تعالى ببعد عباد الرحمن عن الاعتداء على المعصومين بالقتل فقال: ﴿ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ﴾؛ لأن إزهاق الأرواح البريئة جريمة من أشد الجرائم، فعباد الرحمن هم سِلْمٌ للمعصومين لا يعتدون عليهم بقتل أو جرح، فما بعد الشرك بالله تعالى ذنب أعظم من قتل النفس المحرم قتلها وأعلاها نفس المؤمن، قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 93].



وفي الصحيحين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده).

فانتبه أيها المسلم، أن تخرج من هذه الدنيا وفي عنقك دم لمسلم معصوم؛ فإنها لخسارة عظيمة يوم يلقى الإنسان ربه وقد سفك الدماء؛ فإن أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء، كما أخبر رسول الله عليه الصلاة والسلام[13].



أيها المسلمون، ومن صفات عباد الرحمن: أنهم لا يعتدون على الأعراض بالفاحشة، بل هم أهل عفة وصيانة وطهارة، حافظون لفروجهم إلا على أزواجهم فحسب. فقال تعالى هنا: ﴿ وَلَا يَزْنُونَ ﴾ إنهم يجعلون بينهم وبين الفاحشة مفاوز وخنادق من المراقبة والخشية، ومن ترك الوسائل والأسباب المؤدية إليها.



والله جل وعلا يقول: ﴿ وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا ﴾ [الإسراء:32].

إن هذه الفاحشة إذا فشت في مجتمعٍ ما فقد هلك: فحلت فيه الكوارث والعقوبات ونزلت عليه المصائب والنقمات، وسلط الله على أهلها من الأمراض والأوجاع التي يصعب علاجها. فالحذر الحذر قبل الندامات العاجلة والآجلة.



إن رسول الله صلى الله عليه والسلام كان سيد الأعفاء قبل بعثته وبعدها، فلم تشب سيرتَه الحسنة تهمةٌ ومذمّة، فقد كان يأمر بأسباب العفاف ويحذر من مواقع الفاحشة وسبل التدنس بها، قال عليه الصلاة والسلام: ( من استطاع الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء )[14].



وقال صلى الله عليه و سلم: ( إياكم والدخول على النساء ). فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله، أفرأيت الحمو؟ قال: ( الحمو الموت ) [15].



معشر المسلمين، إن هذه الذنوب الثلاثة هي كبرى الذنوب وأشنعها؛ ولذا انظروا ماذا رتب الله عليها من العقوبة: ﴿ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً ﴾ [الفرقان: 68، 69]. إنها عقوبة بملاقاة الإثم الذي يترتب عليه العذاب ومضاعفته والخلود فيه. ولكن الله برحمته وحلمه فتح باب التوبة لمن تاب من هذه الذنوب وغيرها توبة نصوحاً فيتقبل منهم ويهديهم إلى أعمال صالحة تكفر تلك الذنوب السالفة، فقال: ﴿ إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا * وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا ﴾ [الفرقان: 70، 71].



فيا من وقاه الله هذه الذنوب احمد الله على حمايته لك، وسله دوام الوقاية، واحذر وساوس الشيطان. ويا من أسرف على نفسه فواقع هذه الموبقات ارجع إلى ربك تجد الله غفوراً رحيماً.

لا تيأسن فباب الله مفتوح **** وعفوه للذي قد تاب ممنوح



أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.



الخطبة الثانية

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

أيها المسلمون، إن عباد الرحمن قوم يخافون على دينهم وسمعتهم العطرة؛ ولذلك يحترزون عن كل سبب يوصل الضرر على ما يخافون عليه.



قال تعالى هنا: ﴿ وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً ﴾ [الفرقان: 72]. ومن مجالس الزور: الجلوس أمام القنوات أو الشاشات بأنواعها التي تخدش الحياء وتدعو إلى الفحش.



فهم لا يجلسون في المجالس التي فيها تعدٍّ على الله أو على رسوله أو على دينه أو فيها ما يخدش الخلق الكريم، فإن مروا بها مروا ناصحين غير مقرين لباطل فيها.



قال تعالى: ﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنعام: 68].



إن من تتبع سيرة رسول الله عليه الصلاة والسلام يجد أن مجالسه كانت مجالس خير حتى قبل بعثته، إذ لم يكن يشهد مجالس اللهو والعبث التي كان يشهدها أهل الجاهلية.



هذا معنى لبعدهم عن شهادة الزور مأخوذ من الشهود وهو الحضور، وهناك معنى آخر وهو تفسير شهود الزور بالقول الكاذب المعروف بشهادة الزور.



عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه و سلم: ( ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ). ثلاثًا قالوا: بلى، يا رسول الله، قال: ( الإشراك بالله وعقوق الوالدين - وجلس وكان متكئًا- فقال: (ألا وقول الزور ). قال: فما زال يكررها حتى قلنا: ليته يسكت [16].



عباد الله، ومن صفات عباد الرحمن: أنهم إذا سمعوا آيات الله تتلى عليهم فلا يقابلونها بالإعراض عن سماعها والعمل بها، بل يستمعونها ويعونها ويتأثرون بها، فهم أهل استجابة واتباع، حتى تؤثر الموعظة على قلوبهم، ويظهر أثرها في استقامة جوارحهم. وهذه الآيات التي تلوناها في هذه الخطبة في صفات عباد الرحمن ينبغي أن تعيها قلوبنا وتستجيب لها جوارحنا لنكون من عباد الرحمن حقاً. قال تعالى في عباد الرحمن: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً ﴾ [الفرقان: 73].



أما الذين قد طبع على قلوبهم فلا تؤثر فيها الآيات، بل قد تزيدها قسوة إلى قسوتها؛ لأنها لم توافق محلاً قابلاً وأرضاً خصبة تستقبل غيث الهدى.



قال تعالى: ﴿ وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ ﴾ [التوبة: 124-125].



إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان شديد التأثر بآيات الله التي أنزلت عليه، فقد قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: ( اقرأ علي، قلت: يا رسول الله، آقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: نعم، فقرأت سورة النساء حتى أتيت إلى هذه الآية: ﴿ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا ﴾ [النساء: 41] قال: حسبك الآن، فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان[17].



وبعد أن تحلَّى عبادُ الرحمن بالفضائل وتخلَّوا عن الرذائل فأدوا حق أنفسهم وذاقوا حلاوة عبادة الرحمن أحبوا أن يكون لهم عون على الاستمرار على هذا الخير العظيم وأن ينالوا ما نالوا فدعوا الله بصلاح أزواجهم وذرياتهم الذين هم أقرب الناس إليهم، ولهم تأثير عليهم وتأثر بهم أيضاً، فإذا ما رأوهم صالحين قرت عيونهم بهم وحصل السرور لهم بهذا السند القريب.



ثم تاقت نفوسهم بعد أن اهتدوا أن يكونوا هداة لغيرهم؛ ليسعدوا غيرهم كما سعدوا، وليكون لهم من الأجر مثل أجور من تبعهم إلى يوم القيامة.



فقال تعالى فيهم: ﴿ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً ﴾ [الفرقان: 74].

هذا هي أعمالهم الصالحة فما الجزاء الصالح الذي ينتظرهم عليها؟



قال تعالى: ﴿ أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَاماً * خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً ﴾ [الفرقان: 75، 76].

فنعم المكافأة التي أعدت والجائزة التي نيلت. نسأل الله أن يجعلنا من عباد الرحمن الذين اتصفوا بهذه الصفات.

هذا وصلوا وسلموا على خير البشر..





[1] ألقيت في مسجد ابن الأمير الصنعاني في ذي القعدة 1435هـ، 5 /8 /2014م.




[2] رواه أبو نعيم في الحلية، وهو حسن.




[3] رواه مسلم.




[4] رواه الترمذي والبخاري في الأدب المفرد، وهو صحيح.




[5] رواه الترمذي، وهو صحيح.




[6] رواه الترمذي، وهو صحيح.




[7] رواه مسلم.




[8] متفق عليه.




[9] رواه الترمذي وابن ماجه، وهو صحيح.




[10] رواه مسلم.




[11] متفق عليه.




[12] رواه مسلم.




[13] متفق عليه.




[14] متفق عليه.




[15] متفق عليه.




[16] متفق عليه.




[17] رواه البخاري.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 89.20 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 87.30 كيلو بايت... تم توفير 1.90 كيلو بايت...بمعدل (2.13%)]