تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 808 - عددالزوار : 203564 )           »          محمود شاكر (شيخ العربية) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 3 - عددالزوار : 1042 )           »          العفو العام والعفو الخاص (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          المسيح ابن مريم عليه السلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 12 )           »          فتح مكة والخروج إلى مكة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          وعيد الله تعالى لليهود ممتد إلى اليوم الموعود (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          غزوة مؤتة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          زكريا ويحيى عليهما السلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          غزوة ذات السلاسل وغزوة الخبط (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          داود وسليمان عليهما السلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 6 - عددالزوار : 1374 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 27-02-2020, 12:07 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 155,873
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله

الحلقة (360)
تفسير السعدى
سورة النور
من الأية(60) الى الأية(64)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي

تفسير سورة النور



" والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة وأن يستعففن خير لهن والله سميع عليم " (60)
" وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ " اللاتي قعدن عن الاستمتاع والشهوة " اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا " أي: لا يطمعن في النكاح, ولا يطمع فيهن, وذلك, لكونها عجوزا لا تشتهى ولا تشتهي, أو دميمة الخلقة, لا تشتهى " فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ " أي: حرج وإثم " أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ " .
أي: الثياب الظاهرة, كالخمار ونحوه, الذي قال الله فيه للنساء: " وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ " .
فهؤلاء, يجوز لهن, أن يكشفن وجوههن, لأمن المحذور منها وعليها.
ولما كان نفي الحرج عنهن, في وضع الثياب, ربما توهم منه جواز استعمالها لكل شيء, دفع هذا الاحتراز بقوله: " غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ " أي: غير مظهرات للناس, زينة من تجمل بالثياب ظاهرة, وتستر وجهها, ومن ضرب الأرض, ليعلم ما تخفي من زينتها, لأن مجرد الزينة على الأنثى, ولو مع تسترها, ولو كانت لا تشتهى - يفتتن فيها, ويوقع الناظر إليها في الحرج " وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ " .
والاستعفاف: طلب العفة, بفعل الأسباب المقتضية لذلك, من تزوج وترك لما يخشى منه الفتنة.
" وَاللَّهُ سَمِيعٌ " لجميع الأصوات " عَلِيمٌ " بالنيات والمقاصد.
فليحذرن من كل قول وقصد فاسد وليعلمن أن الله يجازي على ذلك.

" ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم أو بيوت أمهاتكم أو بيوت إخوانكم أو بيوت أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عماتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالاتكم أو ما ملكتم مفاتحه أو صديقكم ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تعقلون " (61)
يخبر تعالى, عن منته على عباده, وأنه لم يجعل عليهم في الدين من حرج بل يسره غاية التيسير فقال: " لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ " .
أي: ليس على هؤلاء جناح, في ترك الأمور الواجبة, التي تتوقف على واحد منها.
وذلك كالجهاد ونحوه, مما يتوقف على بصر الأعمى, أو سلامة الأعرج أو صحة المريض, ولهذا المعنى العام, الذي ذكرناه, أطلق الكلام في ذلك, ولم يقيد, كما قيد قوله.
" وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ " أي: حرج " أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ " أي: بيوت أولادكم.
وهذا موافق للحديث الثابت " أنت ومالك لأبيك " والحديث الآخر " إن أطيب ما أكلتم من كسبكم, وإن أولادكم من كسبكم " .
وليس المراد من قوله: " مِنْ بُيُوتِكُمْ " بيت الإنسان نفسه, فإن هذا من باب تحصيل الحاصل, الذي ينزه عنه كلام الله.
ولأنه نفي الحرج عما يظن أو يتوهم فيه الإثم, من هؤلاء المذكورين.
وأما بيت الإنسان نفسه, فليس فيه أدنى توهم.
" أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ " وهؤلاء معروفون.
" أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ " أي: البيوت التي أنتم متصرفون فيها بوكالة, أو ولاية ونحو ذلك.
وأما تفسيرها بالمملوك, فليس بوجيه, لوجهين: أحدهما: أن المملوك, لا يقال فيه " ملكت مفاتحه " .
بل يقال: " ما ملكتموه " أو " ما ملكت أيمانكم " لأنهم مالكون له جملة, لا لمفاتحه فقط.
والثاني: أن بيوت المماليك, غير خارجة عن بيت الإنسان نفسه, لأن المملوك, وما ملكه, لعبده, فلا وجه لنفي الحرج عنه.
" أَوْ صَدِيقِكُمْ " وهذا الحرج المنفي من الأكل, من هذه البيوت كل ذلك, إذا كان بدون إذن, والحكمة فيه, معلومة من السياق.
فبيوت هؤلاء المسمين, قد جرت العادة والعرف, بالمسامحة في الأكل منها, لأجل القرابة القريبة, أو التصرف التام, أو الصداقة.
فلو قدر في أحد من هؤلاء عدم المسامحة والشح في الأمر المذكور, لم يجز الأكل, ولم يرتفع الحرج, نظرا للحكمة والمعنى.
وقوله " لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا " فكل ذلك جائز.
أكل أهل البيت الواحد جميعا, أو أكل كل واحد منهم وحده.
وهذا نفي للحرج, لا نفي للفضيلة, وإلا, فالأفضل, الاجتماع على الطعام.
" فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا " نكرة في سياق الشرط, يشمل بيت الإنسان, وبيت غيره, سواء كان في البيت, ساكن أم لا.
فإذا دخلها الإنسان " فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ " أي: فليسلم بعضكم على بعض, لأن المسلمين, كأنهم شخص واحد, من توادهم, وتراحمهم, وتعاطفهم.
فالسلام مشروع, لدخول سائر البيوت, من غير فرق, بين بيت وبيت.
والاستئذان, تقدم أن فيه تفصيلا في أحكامه.
ثم مدح هذا السلام فقال: " تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً " .
أي: سلامكم بقولكم " السلام عليكم ورحمة الله وبركاته " أو " السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين " إذ تدخلون البيوت.
" تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ " أي: قد شرعها لكم, وجعلها تحيتكم.
" مُبَارَكَةٍ " لاشتمالها على السلامة من النقص, وحصول الرحمة, والبركة, والنماء, والزيادة.
" طَيِّبَةً " لأنها من الكلم الطيب المحبوب عند الله, الذي فيه طيب نفس للمحيا, ومحبة, وجلب مودة.
لما بين لنا هذه الأحكام الجليلة قال: " كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ " الدالات على أحكامه الشرعية وحكمها.
" لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ " عنه, فتفهمونها, وتعقلونها بقلوبكم, ولتكونوا من أهل العقول والألباب الرزينة.
فإن معرفة أحكامه الشرعية على وجهها, يزيد في العقل, وينمو به اللب.
لكون معانيها, أجل المعاني, وآدابها أجل الآداب, ولأن الجزاء, من جنس العمل.
فكما استعمل عقله, للعقل عن ربه, وللتفكر في آياته, التي دعاه إليها, زاده من ذلك.
وفي هذه الآيات دليل على قاعدة عامة كلية وهي: أن " العرف والعادة مخصص للألفاظ, كتخصيص اللفظ للفظ " .
فإن الأصل, أن الإنسان, ممنوع من تناول طعام غيره, مع أن الله أباح الأكل من بيوت هؤلاء, للعرف والعادة.
فكل مسألة, تتوقف على الإذن من مالك الشيء, إذا علم إذنه بالقول, أو العرف, جاز الإقدام عليه.
وفيها دليل, على أن الأب, يجوز له أن يأخذ ويملك, من مال ولده, ما لا يضره, لأن الله سمى بيته, بيتا للإنسان.
وفيها دليل على أن المتصرف في بيت الإنسان, كزوجته, وأخته ونحوهما, يجوز لهما, الأكل عادة, وإطعام السائل المعتاد.
وفيها دليل, على جواز المشاركة في الطعام, سواء, أكانوا مجتمعين, أو متفرقين, ولو أفضى ذلك إلى أن يأكل بعضهم أكثر من بعض.
" إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ "
هذا إرشاد من الله, لعباده المؤمنين, أنهم إذا كانوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم, على أمر جامع, أي: من ضرورته أو مصلحته, أن يكونوا فيه جميعا, كالجهاد, والمشاورة, ونحو ذلك من الأمور, التي يشترك فيها المؤمنون, فإن المصلحة, تقتضي اجتماعهم عليه, وعدم تفرقهم.
فالمؤمن بالله ورسوله حقا, لا يذهب لأمر من الأمور, لا يرجع لأهله, ولا يذهب لبعض الحوائج, التي يشذ بها عنهم, إلا بإذن من الرسول, أو نائبه من بعده.
فجعل موجب الإيمان, عدم الذهاب إلا بإذن, ومدحهم على فعلهم هذا, وأدبهم مع رسوله, وولي الأمر منهم فقال: " إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ " .
ولكن هل يأذن لهم أم لا؟ ذكر لإذنه شرطين: أحدهما: أن يكون لشأن من شئونهم, وشغل من أشغالهم.
فأما من يستأذن من غير عذر, فلا يؤذن له.
والثاني: أن يشاء الإذن فتقتضيه المصلحة, من دون مضرة بالآذن فلذلك قال: " فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ " .
فإذا كان له عذر واستأذن, فإن كان في قعوده وعدم ذهابه, مصلحة برأيه, أو شجاعته, ونحو ذلك, لم يأذن له.
ومع هذا إذا استأذن, وأذن له بشرطيه, أمر الله رسوله, أن يستغفر له, لما عسى أن يكون مقصرا في الاستئذان, ولهذا قال: " وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُاللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ " يغفر لهم الذنوب, ويرحمهم, بأن جوز لهم الاستئذان مع العذر.

" لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم " (63)
" لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا " فإذا دعاكم فأجيبوه وجوبا.
حتى إنه تجب إجابة الرسول صلى الله عليه وسلم, في حال الصلاة.
وليس أحد إذا قال قولا, يجب على الأمة قبول قوله, والعمل به, إلا الرسول, لعصمته, وكوننا مخاطبين باتباعه, قال تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ " .
وكذلك لا تجعلوا دعاءكم للرسول كدعاء بعضكم بعضا.
فلا تقولوا " يا محمد " عند ندائكم, أو " يا محمد بن عبد الله " كما يقول ذلك بعضكم لبعض.
بل من شرفه وفضله وتميزه صلى الله عليه وسلم عن غيره, أن قال: يا رسول الله, يا نبي الله.
" قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا " لما مدح المؤمنين بالله ورسوله, الذين إذا كانوا معه على أمر جامع, لم يذهبوا حتى يستأذنوه, توعد من لم يفعل ذلك, وذهب من غير استئذان.
فهو وإن خفي عليكم بذهابه على وجه خفي وهو المراد بقوله " يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا " أي: يلوذون وقت تسللهم وانطلاقهم.
بشيء يحجبهم عن العيون.
فالله يعلمهم وسيجازيهم على ذلك, أتم الجزاء, ولهذا توعدهم بقوله: " فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ " أي: يذهبون إلى بعض شئونهم عن أمر الله ورسوله, فكيف بمن لم يذهب إلى شأن من شئونه؟!! وإنما ترك أمر الله, من دون شغل له.
" أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ " أي: شرك وشر " أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ "

" ألا إن لله ما في السماوات والأرض قد يعلم ما أنتم عليه ويوم يرجعون إليه فينبئهم بما عملوا والله بكل شيء عليم " (64)
" أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ " ملكا وعبيدا, يتصرف فيهم بحكمه القدري, وحكمه الشرعي.
" قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ " أي: قد أحاط عليه, بما أنتم عليه, من خير, وشر, وعلم جميع أعمالكم, أحصاها علمه, وجرى بها قلمه, وكتبتها عليكم الحفظة الكرام الكاتبون.
" وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ " أي: يوم القيامة " فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا " يخبرهم بجميع أعمالهم, دقيقها, وجليلها, إخبارا مطابقا, لما وقع منهم ويستشهد عليهم, أعضاءهم, فلا يعدمون منه فضلا, أو عدلا.
ولما قيد علمه بأعمالهم, ذكر العموم بعد الخصوص, فقال: " وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ "
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 10-03-2020, 03:30 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 155,873
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله

الحلقة (361)
تفسير السعدى
سورة الفرقان
من الأية(1) الى الأية(8)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي

تفسير سورة الفرقان


" تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا " (1)
هذا بيان لعظمته الكاملة, وتفرده بالوحدانية من كل وجه, وكثرة خيراته وإحسانه, فقال: " تَبَارَكَ " أي: تعاظم, وكملت أوصافه, وكثرت خيراته, الذي من أعظم خيراته ونعمه, أن " نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ " الفارق بين الحلال والحرام, والهدى والضلال, وأهل السعادة من أهل الشقاوة.
" عَلَى عَبْدِهِ " محمد صلى الله عليه وسلم الذي كمل مراتب العبودية, وفاق جميع المرسلين.
" لِيَكُونَ " ذلك الإنزال للفرقان على عبده " لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا " .
ينذرهم بأس الله ونقمه, ويبين لهم, مواقع رضا الله من سخطه.
حتى إن من قبل نذارته, وعمل بها, كان من الناجين في الدنيا والآخرة, الذين حصلت لهم السعادة الأبدية, والملك السرمدي.
فهل فوق هذه النعمة, وهذا الفضل والإحسان, شيء؟ فتبارك الذي هذا بعض إحسانه وبركاته.

" الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديرا " (2)
" الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ " أى: له التصرف فيهما وحده, وجميع من فيهما, مماليك وعبيد له, مذعنون لعظمته, خاضعون لربوبيته, فقراء إلى رحمته, الذي " لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ " .
وكيف يكون له ولد, أو شريك, وهو المالك, وغيره مملوك, وهو القاهر, وغيره مقهور, وهو الغني بذاته, من جميع الوجوه, والمخلوقون, مفتقرون إليه, فقراء من جميع الوجوه؟!! وكيف يكون له شريك في الملك, ونواصي العباد كلهم بيديه, فلا يتحركون أو يسكنون, ولا يتصرفون, إلا بإذنه, فتعالى الله عن ذلك, علوا كبيرا.
فلم يقدره حق قدره, من قال فيه ذلك, ولهذا قال: " وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ " شمل العالم العلوي, والعالم السفلي, من حيواناته, ونباتاته, وجماداته.
" فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا " أي: أعطى كل مخلوق منها, ما يليق به, ويناسبه من الخلق, وما تقتضيه حكمته من ذلك, بحيث صار كل مخلوق, لا يتصور العقل الصحيح, أن يكون بخلاف شكله, وصورته المشاهدة.
بل كل جزء وعضو من المخلوق الواحد, لا يناسبه غير محله, الذي هو فيه.
قال تعالى: " سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى " .
وقال تعالى: " رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى " .

" واتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئا وهم يخلقون ولا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا " (3)
ولما بين كماله وعظمته, وكثرة إحسانه, كان ذلك مقتضيا لأن يكون وحده, المحبوب المألوه, المعظم, المفرد بالإخلاص وحده, لا شريك له - ناسب أن يذكر بطلان عبادة ما سواه فقال: " وَاتَّخِذُوا " إلى قوله " وَلَا نُشُورًا " .
أي: من أعجب العجائب, وأول الدليل على سفههم, ونقص عقولهم.
بل أدل على ظلمهم, وجراءتهم على ربهم, أن اتخذوا آلهة بهذه الصفة وبلغ من عجزها, أنها لا تقدر على خلق شيء, بل هم مخلوقون, بل بعضهم مما عملته أيديهم.
" وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا " أي: لا قليلا ولا كثيرا, لأنه نكرة في سياق النفي فتعم.
" وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا " أي: بعثا بعد الموت.
فأعظم أحكام العقل, بطلان إلهيتها, وفسادها, وفساد عقل من اتخذها آلهة, وشركاء للخالق لسائر المخلوقات, من غير مشاركة له, في ذلك الذي بيده النفع والضر, والعطاء والمنع, الذي يحيي ويميت, ويبعث من في القبور, ويجمعهم يوم النشور.
وقد جعل لهم دارين, دار الشقاء, والخزي, والنكال, لمن اتخذ معه آلهة أخرى.
ودار الفوز والسعادة, والنعيم المقيم, لمن اتخذه وحده, معبودا.

" وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون فقد جاءوا ظلما وزورا " (4)
ولما قرر بالدليل القاطع الواضح, صحة التوحيد وبطلان ضده, قرر صحة الرسالة, وبطلان قول من عارضها واعترضها فقال: " وَالَّذِينَ كَفَرُوا " إلى " إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا " .
أي: وقال الكافرون بالله, الذي أوجب لهم كفرهم, أن قالوا في القرآن والرسول: إن هذا القرآن كذب, كذبه محمد, وإفك, افتراه على الله, وأعانه على ذلك قوم آخرون.
فرد الله عليهم ذلك, بأن هذا مكابرة منهم, وإقدام على الظلم والزور, الذي لا يمكن, أن يدخل عقل أحد, وهم أشد الناس معرفة بحالة الرسول صلى الله عليه وسلم, وكمال صدقه, وأمانته, وبره التام, وأنه لا يمكنه, لا هو, ولا سائر الخلق, أن يأتوا بهذا القرآن, الذي هو أجل الكلام وأعلاه, وأنه لم يجتمع بأحد يعينه, على ذلك, فقد جاءوا بهذا القول ظلما وزورا.

" وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا " (5)
ومن جملة أقاويلهم فيه, أن قالوا: هذا الذي جاء به محمد " أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا " أي: هذا قصص الأولين وأساطيرهم, التي تتلقاها الأفواه, وينقلها كل أحد, استنسخها محمد " فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا " وهذا القول منهم, فيه عدة عظائم: منها: رميهم الرسول, الذي هو أبر الناس وأصدقهم, بالكذب, والجرأة العظيمة.
ومنها: إخبار عن هذا القرآن, الذي هو أصدق الكلام وأعظمه, وأجله, بأنه كذب وافتراء.
ومنها: أن في ضمن ذلك, أنهم قادرون أن يأتوا بمثله, وأن يضاهي المخلوق الناقص من كل وجه, للخالق الكامل من كل وجه, بصفة من صفاته, وهي الكلام.
ومنها: أن الرسول, قد علمت حاله, وهم أشد الناس علما بها, أنه لا يكتب, ولا يجتمع بمن يكتب له, وقد زعموا ذلك.

" قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض إنه كان غفورا رحيما " (6)
فلذلك رد عليهم ذلك بقوله " قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ " أي: أنزله من أحاط علمه بما في السماوات, وما في الأرض, من الغيب والشهادة, والجهر والسر, لقوله: " وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ " .
ووجه إقامة الحجة عليهم, أن الذي أنزله, هو المحيط علمه بكل شيء فيستحيل ويمتنع, أن يقول مخلوق, ويتقول عليه, هذا القرآن, ويقول: هو من عند الله, وما هو من عنده, ويستحل دماء من خالفه, وأموالهم, ويزعم أن الله قال له ذلك.
والله يعلم كل شيء, ومع ذلك فهو يؤيده وينصره على أعدائه, ويمكنه من رقابهم وبلادهم, فلا يمكن أحدا أن ينكر هذا القرآن, إلا بعد إنكار علم الله.
وهذا لا تقول به طائفة من بني آدم, سوى الفلاسفة الدهرية.
وأيضا, فإن ذكر علمه تعالى العام, ينبههم,: ويحضهم على تدبر القرآن, وأنهم لو تدبروا, لرأوا فيه, من علمه وأحكامه, ما يدل دلالة قاطعة, على أنه لا يكون إلا من عالم الغيب والشهادة.
ومع إنكارهم للتوحيد والرسالة من لطف الله بهم, أنه لم يدعهم وظلمهم, بل دعاهم إلى التوبة والإنابة إليه, ووعدهم بالمغفرة والرحمة, إن هم تابوا, ورجعوا فقال: " إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا " أي: وصفه المغفرة, لأهل الجرائم والذنوب, إذا فعلوا أسباب المغفرة, وهي: الرجوع عن معاصيه, والتوبة منها.
" رَحِيمًا " بهم, حيث لم يعاجلهم بالعقوبة, وقد فعلوا مقتضاها.
وحيث قبل توبتهم بعد المعاصي, وحيث محا, ما سلف من سيئاتهم, وحيث قبل حسناتهم, وحيث أعاد الراجع إليه بعد شروده, والمقبل عليه بعد إعراضه, إلى حالة المطيعين المنيبين إليه.

" وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا "(7)
هذا من مقالة المكذبين للرسول, الذين قدحوا في رسالته.
وهو: أنهم اعترضوا بأنه, هلا كان ملكا أو ملكا, أو يساعده ملك, فقالوا: " مَالِ هَذَا الرَّسُولِ " أي: ما لهذا الذي ادعى الرسالة؟ تهكما منهم واستهزاء.
" يَأْكُلُ الطَّعَامَ " وهذا من خصائص البشر, فهلا كان ملكا, لا يأكل الطعام, ولا يحتاج إلى ما يحتاج إليه البشر.
" وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ " البيع والشراء, وهذا - بزعهم - لا يليق بمن يكون رسولا.
مع أن الله قال: " وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ " .
" لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ " أي: هلا أنزل معه ملك يساعده ويعاونه.
" فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا " وبزعمهم أنه غير كاف للرسالة, ولا بطوقه وقدرته القيام بها.

" أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا " (8)
" أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ " أي: مال مجموع من غير تعب.
" أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا " فيستغني بذلك عن مشيه في الأسواق لطلب الرزق.
" وَقَالَ الظَّالِمُونَ " حملهم على القول, ظلمهم لا اشتباه منهم.
" إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا " هذا, وقد علموا كمال عقله, وحسن حديثه, وسلامته من جميع المطاعن.
ولما كانت هذه الأقوال منهم, عجيبة جدا, قال تعالى:
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 13-03-2020, 01:52 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 155,873
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله

الحلقة (367)
تفسير السعدى
سورة الفرقان
من الأية(54) الى الأية(60)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي

تفسير سورة الفرقان




" وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا "(54)
أي: وهو الله وحده لا شريك له, الذي خلق الآدمي, من ماء مهين ثم نشر منه ذرية كثيرة, وجعلهم أنسابا وأصهارا, متفرقين ومجتمعين, والمادة كلها من ذلك الماء المهين,.
فهذا يدل على كمال اقتداره, لقوله: " وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا " ويدل على أن عبادته, هي الحق, وعبادة غيره, باطلة لقوله: " وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ " إلى " ظَهِيرًا " .

" ويعبدون من دون الله ما لا ينفعهم ولا يضرهم وكان الكافر على ربه ظهيرا " (55)
أي: يعبدون أصناما وأمواتا, لا تضر ولا تنفع, ويجعلونها أندادا لمالك النفع والضرر, والعطاء والمنع مع أن الواجب عليهم, أن يكونوا مقتدين بإرشادات ربهم, ذابين عن دينه.
ولكنهم عكسوا القضية.
" وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا " فالباطل الذي هو الأوثان والأنداد, أعداء لله.
فالكافر عاونها, وظاهرها على ربها, وصار عدوا لربه, مبارزا له في العداوة والحرب.
وهذا, وهو الذي خلقه ورزقه, وأنعم عليه بالنعم الظاهرة والباطنة, وليس يخرج عن ملكه, وسلطانه, وقبضته والله لم يقطع عنه إحسانه وبره, وهو - بجهله - مستمر على هذه المعاداة والمبارزة.

" وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا " (56)
يخبر تعالى: أنه ما أرسل رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم, مسيطرا على الخلق, ولا جعله ملكا, ولا عنده خزائن الأشياء.
وإنما أرسله " مُبَشِّرًا " يبشر من أطاع الله, بالثواب العاجل, والآجل.
" وَنَذِيرًا " يندد من عصى الله, بالعقاب العاجل, والآجل, وذلك مستلزم, لتبيين ما به البشارة, وما تحصل به النذارة, من الأوامر والنواهي.
وإنك, يا محمد, لا تسألهم على إبلاغهم القرآن والهدى, أجرا, حتى يمنعهم ذلك, من اتباعك, ويتكلفون من الغرامة.

" قل ما أسألكم عليه من أجر إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا " (57)
" إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا " أي: إلا من شاء, أن ينفق نفقة في مرضاة ربه وسبيله, فهذا وإن رغبتكم فيه, فلست أجبركم عليه, وليس أيضا أجرا لي عليكم, وإنما هو راجع لمصلحتكم, وسلوككم للسبيل الموصلة إلى ربكم.
ثم أمره أن يتوكل عليه, ويستعين به فقال:

" وتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده وكفى به بذنوب عباده خبيرا " (58)
" وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ " الذي له الحياة الكاملة المطلقة " الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ " أي: اعبده, وتوكل عليه في الأمور المتعلقة بك, والمتعلقة بالخلق.
" وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا " يعلمها, ويجازي عليها.
فأنت, ليس عليك من هداهم شيء, وليس عليك حفظ أعمالهم.

" الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش الرحمن فاسأل به خبيرا " (59)
وإنما ذلك كله, بيد الله " الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى " بعد ذلك " عَلَى الْعَرْشِ " الذي هو سقف المخلوقات, وأعلاها, وأوسعها, وأجملها " الرَّحْمَنِ " استوى على عرشه, الذي وسع السماوات والأرض, باسمه الرحمن, الذي وسعت رحمته كل شيء فاستوى على أوسع المخلوقات, بأوسع الصفات.
وأثبت بهذه الآية, خلقه للمخلوقات, واطلاعه على ظاهرهم وباطنهم, وعلوه فوق العرش, ومباينته إياهم.
" فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا " يعني بذلك, نفسه الكريمة, فهو الذي يعلم أوصافه, وعظمته, وجلاله.
وقد أخبركم بذلك, وأبان لكم من عظمته, ما تستعدون به من معرفته, فعرفه العارفون, وخضعوا لجلاله.

" وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا وزادهم نفورا " (60)
واستكبر عن عبادته الكافرون, واستنكفوا عن ذلك, ولهذا قال: " وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ " أي: وحده, الذي أنعم عليكم بسائر النعم, ودفع عنكم جميع النقم.
" قَالُوا " جحدا وكفرا " وَمَا الرَّحْمَنُ " بزعمهم الفاسد, أم لا يعرفون الرحمن.
وجعلوا من جملة قوادحهم في الرسول, أن قالوا: ينهانا عن اتخاذ آلهة مع الله, وهو يدعو معه إلها آخر, يقول " يا رحمن " ونحو ذلك, كما قال تعالى.
" قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى " .
فأسماؤه تعالى كثيرة, لكثرة أوصافه, وتعدد كماله, فكل واحد منها, دل على صفة كمال.
" أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا " أي: لمجرد أمرك إيانا, وهذا مبني منهم على التكذيب بالرسول, واستكبارهم عن طاعته.
" وَزَادَهُمْ " دعواهم إلى السجود للرحمن " نُفُورًا " هربا من الحق إلى الباطل, وزيادة كفر وشقاء.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 182.84 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 180.21 كيلو بايت... تم توفير 2.63 كيلو بايت...بمعدل (1.44%)]