المسعر جل جلاله، وتقدست أسماؤه - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4592 - عددالزوار : 1298517 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4137 - عددالزوار : 826796 )           »          ولكم نصف ما ترك أزواجكم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 67 )           »          الدعاة وثقافة الإنجاز المتجاوز (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 45 )           »          الشرك الأصغر لايخرج من الملة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 40 )           »          موضع الوقوف بالجنازة وحكمته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          ماذا يفعل من دخل المسجد والإمام راكعٌ؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 96 )           »          سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 90 - عددالزوار : 33060 )           »          القوة في الإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 107 )           »          اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 147 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام
التسجيل التعليمـــات التقويم

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 15-09-2024, 08:04 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 140,167
الدولة : Egypt
افتراضي المسعر جل جلاله، وتقدست أسماؤه

الْمُسَعِّرُ جل جلاله، وتقدست أسماؤه

الشيخ وحيد عبدالسلام بالي

عَنَاصِرُ الموْضُوعِ:
أولًا: الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ (المُسَعِّرَ) مِنْ أَسْمَاءِ الله تَعَالَى.
ثانيًا: الدِّلاَلاَتُ اللُّغَوِيَّةُ لاسِمْ (المُسَعِّرِ).
ثالثًا: المعاني الإيمانية.

النِّيَّاتُ الَّتِي يُمْكِنُ أَنْ يَسْتَحْضِرَهَا الُمحَاضِرُ قَبْلَ إِلْقَاءِ هَذِهِ الُمحَاضَرَةِ:
أولًا: النِّيَّاتُ العَامَّةُ:
1- يَنْوي القيامَ بتبليغِ الناسِ شَيْئًا مِنْ دِينِ الله امْتِثَالًا لقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «بلِّغُوا عَني ولَوْ آيةً»؛ رواه البخاري.

2- رَجَاءَ الحُصُولِ عَلَى ثَوَابِ مَجْلِسِ العِلْمِ [1].

3- رَجَاءَ أَنْ يَرْجِعَ مِنْ مَجْلِسِه ذلك مَغْفُورًا لَهُ [2].

4- يَنْوِي تَكْثِيرَ سَوَادِ المسْلِمِينَ والالتقاءَ بِعِبادِ الله المؤْمِنينَ.

5- يَنْوِي الاعْتِكَافَ فِي المسْجِدِ مُدةَ المحاضرة ـ عِنْدَ مَنْ يَرَى جَوَازَ ذَلِكَ مِنَ الفُقَهَاءِ ـ لَأَنَّ الاعْتِكَافَ هو الانْقِطَاعُ مُدَّةً لله في بيتِ الله.

6- رَجَاءَ الحُصُولِ عَلَى أَجْرِ الخُطُوَاتِ إلى المسْجِدِ الذي سَيُلْقِي فيه المحَاضَرَةَ[3].

7- رَجَاءَ الحُصُولِ عَلَى ثَوَابِ انْتِظَارِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، إذا كانَ سَيُلْقِي مُحَاضَرَتَه مثلًا مِنَ المغْرِبِ إلى العِشَاءِ، أَوْ مِنَ العَصْرِ إِلَى الَمغْرِبِ[4].

8- رَجَاءَ أَنْ يَهْدِي اللهُ بسببِ مُحَاضَرَتِه رَجُلًا، فَيَأْخُذَ مِثْلَ أَجْرِهِ[5].

9- يَنْوِي إرْشَادَ السَّائِليِنَ، وتَعْلِيمَ المحْتَاجِينَ، مِنْ خِلَالِ الرَّدِّ عَلَى أَسْئِلَةِ المسْتَفْتِينَ[6].

10- يَنْوِي القِيَامَ بِوَاجِبِ الأمرِ بالمعروفِ، وَالنهيِ عَنِ الُمنْكَرِ ـ بالحِكْمَةِ والموعظةِ الحسنةِ ـ إِنْ وُجِدَ مَا يَقْتَضِي ذلك(4).

11- يَنْوِي طَلَبَ النَّضْرَةِ الَمذْكُورَةِ فِي قولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «نَضَّرَ اللهُ عَبْدًا سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا وَحَفِظَهَا، ثُمَّ أَدَّاهَا إِلَى مَنْ لَمْ يَسْمَعْها»؛ رواه أحمدُ والتِّرْمِذِيُّ وصَحَّحَهُ الألبانيُّ في صحيحِ الجامعِ (6766).

ثُمَّ قَدْ يَفْتَحِ اللهُ عَلَى الُمحَاضِرِ بِنِيَّات صَالِحَةٍ أُخْرَى فَيَتَضَاعَفُ أَجْرُه لقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «إنما لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى»؛ مُتَّفَقٌ عَلَيه.

ثانيًا: النَّيَّاتُ الخَاصَّةُ:
1- تَنْوِي تَعْرِيفَ المُسْلِمِينَ بِاسْمِ الله (المُسَعِّرِ).
2- تَنْوِي تَعْرِيفَ المُسْلِمِينَ بِأَنَّ غَلَاءَ الأَسْعَارِ وَرُخْصَهَا بِتَقْدِيرِ الله.
3- تَنْوِي حَثَّ المُسْلِمِينَ عَلَى المُكْسَبِ الحَلَالِ وَإِنْ قَلَّ فَفِيهِ البَرَكَةُ.

أولًا: الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ (المُسَعِّرَ) مِنْ أَسْمَاءِ الله تَعَالَى:
لَمْ يَرِدِ الاسْمُ فِي القُرْآَنِ وَلَكِنْ سَمَّاهُ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَقَدْ وَرَدَ الاسْمُ فِي صَحِيحِ السُّنَّةِ مُطْلَقًا مُعَرَّفَا مُسْنَدًا إِلَيْهِ المَعْنَى مَحْمُولًا عَلَيْهِ مُرَادًا بِهِ العَلَمِيَّةُ وَدَالًّا عَلَى كَمَالِ الوَصْفِيَّةِ، فَفِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ وَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَابنِ مَاجَه وَأَحْمَدَ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ جَمِيعُهُمْ يَرْوِي عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: «قَالَ النَّاسُ: يَا رَسُولَ الله غَلَا السِّعْرُ فَسَعِّرْ لَنَا، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ هُوَ المُسَعِّرُ القَابِضُ البَاسِطُ الرَّازِقُ، وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَلْقَى اللهَ وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يُطَالِبُنِي بِمَظْلَمَةٍ فِي دَمٍ وَلَا مَالٍ»[7].

وَكَذِلِكَ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِرِوَايةٍ فِيهَا تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، وَفِيهَا قَالَ أَنَسٌ رضي الله عنه: (غَلَا السِّعْرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: يَا رَسُولَ الله لَوْ سَعَّرْتَ، فَقَالَ: «إِنَّ اللهَ هُوَ الخَالِقُ القَابِضُ البَاسِطُ الرَّازِقُ المُسَعِّرُ، وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَلْقَى اللهَ وَلَاَ يَطْلُبُنِي أَحَدٌ بِمَظْلَمَةٍ ظَلَمْتُهَا إِيَّاهُ فِي دَمٍ وَلَا مَالٍ»[8].

وَلَا بُدَّ هُنَا مِنَ التَّنْبِيهِ عَلَى قَضِيَّةٍ مُهِمَّةٍ حَوْلَ هَذَا الحَدِيثِ، فَأَغْلَبُ العُلَمَاءِ الَّذِينَ تَتَبَّعُوُا الأَسْمَاءَ اسْتَدَلُّوا بِهِ فِي إِثْبَاتِ القَابِضِ البَاسِطِ الرَّازِقِ واسْتَبْعَدُوا المُسَعِّرَ بِلَا دَلِيلٍ أَوْ تَعْلِيلٍ، بَلْ بَعْضُهُم يَسْتَبْعِدُ الرَّازِقَ أَيْضًا، فَهَلْ اسمُ الله المُسَعِّرُ لَيْسَ فَيهِ كَمَالٌ مَطْلَقٌ، أَوْ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ مَعْنَى مِنْ مَعَانِي النَّقْصِ عِنْدَ الإِطْلَاقِ فَيَلْزَمُ تَقْيِيدُهُ؟

فِي الحَقِيقَةِ لَمْ أَجِدْ لَا هَذَا وَلَا ذَاكَ فَهُوَ مِنْ حَيْثُ الإِطْلَاقِ أَطْلَقَهُ الرَّسُولُ غ دَونَ تَقْييدٍ، وَمِنْ حَيثُ الكَمَالِ دَلَالَتُهُ أَبْلَغُ مِنَ القَابِضِ البَاسِطِ لَأَنَّهُ يَشْمَلُهُمَا مَعًا لَكِنَّ العَجَبُ أَنَنِي وَجَدْتُ ذَلِكَ الأَمْرَ قَدْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ أَعْلَامٌ أَجِلَّاءٌ كَالإِمَامِ البَيْهَقِي وابنِ العَرَبِي وَالأَصْبَهَانِيِّ وَابْنِ منده حَتَّى المُعَاصِرِينَ كَابْنِ عُثَيْمِينٍ وَعَبْدِ المُحْسِنِ العبادِ جَمِيعُهُمُ اسْتَبْعَدَ المُسَعِّرَ[9].

أَمَّا الرَّازِقُ فَذَكَرَهُ البَيْهَقِي وَابنُ مَنْدَه وَالأَصْبَهَانِي وابنُ الوَزِيرِ وَالغُصْنُ مِنَ المُعَاصِرينَ، وَإِنِ اسْتَبْعَدَ ابنُ الوَزِيرِ مَعَ المُسَعِّرِ أَيْضًا القَابِضَ البَاسِطَ مَعَ أَنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَى القَابِضِ البَاسِطِ الرَّازِقِ إِلَّا هَذَا الحَدِيثُ[10]، وَالعَلَّامَةُ ابنُ حَجَرٍ العَسْقَلَانِيُّ اسْتَبْعَدَ الجَمِيعَ مَعَ ثُبُوتِ الحَدِيثِ عِنْدَهُ وَتَصْحِيحِهِ لَهُ، فَهُوَ القَائِلُ: «هَذَا الحَدِيثُ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاودَ والتِّرْمِذِيُّ وَابِنُ مَاجَةَ وَالدَّارمِيُّ والبَزَّارُ وَأَبُو يَعْلَى مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بِنِ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ وَغَيْرِهِ عَنْ أَنَسٍ وَإِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَقَدْ صَحَّحَهُ ابنُ حِبَّانَ والتِّرْمِذِيُّ»[11].

ثانيًا: الدِّلاَلاَتُ اللُّغَوِيَّةُ لاسْمِ (المُسَعِّرِ):
المُسَعِّرُ فِي اللُّغَةِ اسْمُ فَاعِلٍ مِنَ التَّسْعِيرِ، فِعْلُهُ سَعَّرَ يُسَعِّرُ تَسْعِيرًا وَتَسْعِيرَةً، يُقَالُ: أَسْعَرَ أَهْلُ السُّوقِ وَسَعَّرُوا إِذَا اتَّفَقُوا عَلَى سِعْرٍ، وَهُوَ مِنْ سَعَّرَ النَّارَ إِذَا رَفَعَهَا، لَأَنَّ السِّعْرَ يُوصَفُ بِالارْتِفَاعِ، وَسَعَرتُ النارَ إِذَا أَوْقَدْتَهَا وَسَعَّرْتُها بِالتَّشْدِيدِ لِلْمُبَالَغَةِ وَاسْتَعَرَتْ وَتَسَعَّرَتْ اشْتَعَلَتْ واسْتَوْقَدَتْ، وَنَارٌ سَعِيرٌ يَعْنِي مُسْتَعِرَةً وَمِرتَفِعَةً، وَالسَّعِيرُ النَّارُ السعار حَرُّ النَّارِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ: ﴿ وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا ﴾ [الإسراء: 97]، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ ﴾ [التكوير: 12]، وَنَاقَةٌ مَسْعُورَةٌ كَأَنَّ بِهَا جُنُونًا مِنْ سُرْعَتهَا وَكَلْبٌ مَسْعُورٌ مِنْ شِدَّةِ نَهْشِهِ وَعَضِّهِ فِي النَّاسِ، أَوْ مَسْعُورٌ بِمَعْنَى جَوْعَانٌ مُتَلَهِّفٌ لِلطَّعَامِ وَالالْتِهَامِ.

وَالمُسَعِّرُ سُبْحَانَهُ هُوَ الَّذِي يَزِيدُ الشَّيْءَ وَيَرْفَعُ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ مَكَانَتِهِ أَوْ تَأْثِيرِهِ فِي الخَلَائِقِ، فَيَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وِفْقَ مَشِيئَتِهِ وَحِكْمَتِهِ، وَالتَّسْعِيرُ وَصْفُ كَمَالٍ فِي حَقِّهِ وَهُوَ مِنْ صِفَاتِ الأَفْعَالِ وَحُكْمِهِ وَأَمْرِهِ وَلَا اعْتِرَاضٌ لِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ عَلَيْهِ، فَهُوَ الَّذِي يُرَخِّصُ الأَشْيَاءَ وَيُغَلِّيهَا وِفْقَ تَدْبِيرِهِ الكَوْنِي أَوْ مَا أَمَرَ بِهِ العِبَادَ فِي تَدْبِيرِهِ الشَّرْعِيِّ، قَالَ عَبدُ الرَّؤوفِ المِنَاوِي: «المُسَعِّرُ هُوَ الَّذِي يَرْفَعُ سِعْرَ الأَقْوَاتِ وَيَضَعُهَا، فَلَيْسَ ذَلِكَ إِلَّا إِلَيْهِ وَمَا تَوَلَّاهُ اللهُ بِنَفْسِهِ وَلَمْ يَكِلْهُ إِلَى عِبَادِهِ لَا دَخْلَ لَهُمْ فِيهِ»[12].

وَالُمسَعِّرُ سُبْحَانَهُ هُوَ الَّذِي يُسَعِّرُ بِعَدْلِهِ العَذَابَ عَلَى أَعْدَائِهِ، وَهَذَا حَقُّهُ مِنْ جِهَةِ تَدْبِيرِهِ الكَوْنِي حَيْثُ أَوْجَدَ النَّارَ وَزَادَهَا سَعِيرًا عَلَى الكُفَّارِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا ﴾ [الإسراء: 97]، وَقَالَ: ﴿ وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا ﴾ [الفتح: 13].

وَالُمسَعِّرُ أَيْضًا هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى التَّعْذِيبَ بِالنَّارِ فِي الدُّنْيَا، وَهَذَا مِنْ جِهَةِ تَدْبِيرِهِ الشَّرْعِيِّ فَلَا يُعَذِّبُ بِالنَّارِ إِلَّا رَبُّ النَّارِ، فَعِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ حَمْزَةَ الأَسْلَمِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم أَمَّرَهُ عَلَى سَرِيَّةٍ قَالَ لَهُ: «إِنْ وَجَدْتُمْ فُلَانًا فَاحْرِقُوهُ بِالنَّارِ، فَوَلَّيْتُ فَنَادَانِي فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ: إِنْ وَجَدْتُمْ فُلَانًا فَاقْتُلُوهُ وَلَا تُحَرِّقُوهُ فَإِنَّهُ لَا يُعَذِّبُ بِالنَّارِ إِلَّا رَبُّ النَّارِ»[13].

وَالقَصْدُ أَنَّ الاسمَ ثَابِتٌ بِالحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَلَيسَ لَنَا أَنْ نَرُدَّ قَوْلَ نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم تَسْمِيَتَهُ لله بِهَذَا الِاسْمِ بِنَاءً عَلَى اجْتِهَادٍ أَوِ اسْتِحْسَانٍ، فَلَمْ أَجِدْ عِلَّةً ذَكَرَهَا أَحَدٌ لاسْتِبْعَادِهِ مِنَ الأَسْمَاءِ، فَمَا يَسْرِي عَلَيْهِ يَسْرِي عَلَى بَقِيَّةِ الأَسْمَاءِ الوَارِدَةِ فِي الحَدِيثِ وَلِذَلِكَ أَدْخَلَهُ القُرْطُبِيُّ فِي الأَسْمَاءِ الحُسْنَى[14].

وَالمُسَعِّرُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الله دَلَّ عَلَى صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ الفِعْلِ، وَالتَّسْعِيرُ فِي حَقِّ الله يَتَعَلَّقُ بِنَوْعَيِ التَّدْبِيرِ، فَالتَّدْبِيرُ مِنْهُ مَا هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِتَصْرِيفِ المَقَادِيرِ وَهُوَ التَّدْبِيرُ الكَوْنِي وَمِنْهُ مَا هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالحُكْمِ التَّكْلِيفِيِّ وَهُوَ التَّدْبِيرُ الشَّرْعِيُّ، فَالأَوَّلُ هُوَ الَمقْصُودُ عِنْدَ إِطْلَاقِ الاسْمِ فِي حَقِّ الله؛ لَأَنَّ ارْتِفَاعَ السِّعْرِ أَوِ انْخِفَاضِهِ مُرْتَبِطٌ بِالتَّدْبِيرِ الكَوْنِي وَالتَّقْدِيرِ الأَزَلِيِّ، فَالسِّعْرُ يَرْتَفِعُ بَيْنَ النَّاسِ؛ إِمَّا لِقِلَّةِ الشَّيءِ وَنُدْرَتِهِ، وَإِمَّا لِزِيَادَةِ الطَّلَبِ وَكَثْرَتِهِ، وَهَذَا أَمْرٌ يَتَعَلَّقُ بِمَشِيئَةِ الله وَحِكْمَتِهِ، فَهُوَ الَّذِي يَبْتَلِي عِبَادَهُ فِي تَصْرِيفِ أَرْزَاقِهِم وَتَرْتِيبِ أَسْبَابِهِمْ، فَقَدْ يُهِيِّئُ أَسْبَابَ الكَسْبِ لإِغْنَاءِ فَقِيرٍ، وَهُوَ الَّذِي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، فَهَذَا تَدْبِيرُ الله فِي خَلْقِهِ وَحِكْمَتِهِ فِي تَقْدِيرِ المَقَادِيرِ.

وَإِذَا أَلْزَمْنَا النَّاسَ فِي هَذِهِ الحَالَةِ أَنْ يَبِيعُوا بِقِيمَةٍ مُحَدَّدَةٍ مَعَ تَيْسِيرِ الأَسْبَابِ وَبَسْطِ الأَرْزَاقِ، فَهَذَا ظُلْمٌ لِلْخَلْقِ وَإِكْرَاهٌ بِغَيْرِ حَقٍّ وَاعْتِرَاضٌ عَلَى الله تعالى فِي تَقْسِيمِ الرِّزْقِ، وَلِذَلِكَ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ هُوَ المُسَعِّرُ القَابِضُ البَاسِطُ الرَّازِقُ وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَلْقَى اللهَ وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يُطَالِبُنِي بِمَظْلَمَةٍ فِي دَمٍ وَلَا مَالٍ»[15]، فَقَدْ رَتَّبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الحُكْمَ عَلَى الوَصْفِ المُنَاسِبِ، فَمَنْ حَاوَلَ التَّسْعِيرَ عَلَى المَعْنَى السَّابِقِ فَقَدْ عَارَضَ الخَالِقَ وَنَازَعَهُ فِي مُرَادِهِ وَمَنَعَ العِبَادَ حَقَّهُمْ مِمَّا أَوْلَاهُمُ اللهُ فِي الرُّخْصِ أَوِ الغَلَاءِ، فَبَيَّنَ صلى الله عليه وسلم أَنَّ الَمانِعَ لَهُ مِنَ التَّسْعِيرِ أَنْ يَتَضَمَّنَ ظُلْمًا لِلنَّاسِ فِي أَمْوالِهمْ لِكْونِهِ تَصَرُّفًا فِيهَا بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَلْقَى اللهَ وَلَا يَطْلُبُنِي أَحَدٌ بِمَظْلَمَةٍ ظَلَمْتُهَا إِيَّاهُ فِي دَمٍ وَلَا مَالٍ»، فَالنَّهْيُ عَنِ التَّسْعِيرِ مُرْتَبِطٌ بِوقُوعِ الظُّلْمِ عَلَى العِبَادِ.

أَمَّا التَّسْعِيرُ المُتَعَلِّقُ بِالتَّدْبِيرِ الشَّرْعِيِّ فَهُوَ مَنْعُ الظُّلْمِ وَكَفُّهُ عَنِ النَّاسِ، وَذَلِكَ بِمَنْعِ اسْتِغْلَالِ حَاجَتِهِمْ، أَوِ احْتِكَارِ التُّجَّارِ لِسِلْعَتِهِم طَلَبًا لِزِيَادَةِ الأَسْعَارِ، كَأَنْ يَمْتَنِعَ أَرْبَابُ السِّلَع مِنْ بَيْعِهَا مَعَ تَوَفُّرِهَا وَضَرُورَةِ النَّاسِ إِلَيْهَا إِلَّا بِزِيَادَةٍ عَنِ القِيمَةِ المُنَاسِبَةِ، فَهُنَا إِلْزَامُهُمْ بِقِيمَةِ المِثْلِ مِنَ الأَحْكَامِ الوَاجِبَةِ، فَالتَّسْعِيرُ هَاهُنَا أَمْرٌ شَرْعِيٌّ وَإِلْزَامٌ بِالعَدْلِ الَّذِي أَلْزَمَهُمُ اللهُ بِهِ[16].

المعاني الإيمانية:
1- مقسم الأرزاق هو الله.
2- إن الله يغني لحكمة ويُفقر لحكمة.
3- البركة في الأموال والأقوات وغيرهما من الله.
4- مع الطاعات تعم البركات، ومع المعاصي والفواحش يعم الغلاء وتمحق البركة.

5- ﴿ إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾ [آل عمران: 140]، فتداول الغنى والفقر والصحة والمرض والقوة والضعف والرفعة والضعة، كل ذلك بيد الله ولِحكَمٍ يعلمها الله.

6- الشكر عند السراء والصبر عند الضراء.

7- الإنفاق والعطاء عند الرخاء والتعفف والرضا عند الفاقة.

[1] رَوَى مسلمٌ عن أبي هريرةَ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: «ما اجْتَمَعَ قَوْمٌ في بيتٍ مِنْ بِيوتِ الله، يَتْلُونَ كِتابَ الله ويَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إِلا نزلتْ عَليهم السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُم الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُم الملائكةُ، وَذَكَرَهُم اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ» .

[2] َروَى الإمامُ أَحمدُ وصَحَّحَهُ الألبانيُّ في صحيحِ الجامعِ (5507) عن أنسِ بنِ مالكٍ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا اجْتَمَعَ قَومٌ عَلَى ذِكْرٍ، فَتَفَرَّقُوا عنه إلا قِيلَ لَهُمْ قُومُوا مَغْفُورًا لَكُم»، ومَجَالِسُ الذِّكْرِ هِيَ المجالسُ التي تُذَكِّرُ بِالله وبآياتهِ وأحكامِ شرعهِ ونحو ذلك .

[3] في الصحيحين عن أبي هريرة أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ غَدَا إلى المسْجِدِ أَوْ رَاحَ أَعَدَّ اللهُ له في الجنةِ نُزُلًا كُلَّمَا غَدَا أو رَاحَ» .
وفي صحيح مُسْلِمٍ عَنْه أيضًا أَنَّ النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ تَطَهَّرَ في بيتهِ ثُمَّ مَضَى إلى بيتٍ مِنْ بيوتِ الله لِيَقْضِيَ فَرِيضَةً مِنْ فَرَائِضِ الله كانتْ خُطُواتُه: إِحدَاها تَحطُّ خَطِيئَةً، والأُخْرَى تَرْفَعُ دَرجةً».

[4] رَوَى البخاريُّ ومُسْلِمٌ عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يَزَالُ أَحَدُكُمْ في صَلَاةٍ مَا دَامَتِ الصلاةُ تَحْبِسُه، لا يَمْنَعُه أَنْ يَنْقَلِبَ إِلى أهلهِ إلا الصلاةُ».
ورَوَى البُخَاريُّ عَنه أنَّ رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الملائكةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكم مَا دامَ فِي مُصَلَّاهُ الذي صَلَّى فيه، مَا لَمْ يُحْدِثْ، تَقُولُ: اللهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللهُمَّ ارْحَمْه» .

[5]، رَوَى البخاريُّ ومُسْلِمٌ عَنْ سَهْل بْنِ سَعْدٍ أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لعلي بنِ أبي طالبٍ: «فوالله لأنْ يَهْدِي اللهُ بك رَجُلًا واحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النِّعَمِ».
رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ دَعَا إلى هُدَى كَانَ لَه مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَه، لا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهم شيئًا» .

[6] رَوَى التِّرْمِذِيُّ وصحَّحَه الألبانيُّ عن أبي أمامةَ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إنَّ اللهَ وملائكتَه، حتى النملةَ فِي جُحْرِها، وحتى الحوتَ في البحرِ لَيُصَلُّون عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الخيرَ»، وَصلاةُ الملائكةِ الاسْتِغْفَارُ .

[7] الترمذي في كتاب البيوع، باب ما جاء في التسعير (3/605) (1314)، وأبو داود في كتاب الإجازة باب في التسعير (3/272) (3415)، وابن ماجه في كتاب التجارات، باب من كره أن يسعر (2/741) (2200)، وأحمد في المسند (3/286) (14089)، وانظر تصحيح الألباني في غاية المرام (ص: 194) (323).

[8] أحمد في المسند، مسند أنس بن مالك (3/156) (12613).

[9] انظر: أسماء الله الحسنى للدكتور الغصن (ص: 352)، وقطف الجني الداني (ص: 85، 92).

[10] انظر: السابق (178).

[11] تلخيص الحبير (4/14)، وانظر: كتاب القول المسدد في الذب عن المسند للإمام أحمد (ص: 86).

[12] فيض القدير شرح الجامع الصغير للمناوي (2/337)، والنهاية في غريب الحديث لابن الأثير (2/368).

[13] رواه أبو داود في كتاب الجهاد، باب في كراهية حرق العدو بالنار (3/54) (2673)، وصححه الألباني.

[14] الأسنى في شرح الأسماء الحسنى (1/502).

[15] تقدم تخريجه (ص: 77).

[16] انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية (28/77).



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع



مجموعة الشفاء على واتساب


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 63.97 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 62.30 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.61%)]