مفهوم العمالة في الاقتصاد الإسلامي - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         شرح كتاب فضائل القرآن من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 9 - عددالزوار : 177 )           »          مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 117 - عددالزوار : 28409 )           »          مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 175 - عددالزوار : 60011 )           »          خطورة الوسوسة.. وعلاجها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          إني مهاجرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          الضوابط الشرعية لعمل المرأة في المجال الطبي.. والآمال المعقودة على ذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 30 - عددالزوار : 803 )           »          صناعة الإعلام وصياغة الرأي العام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          من تستشير في مشكلاتك الزوجية؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          فن إيقاظ الطفل للذهاب إلى المدرسة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > الملتقى العلمي والثقافي

الملتقى العلمي والثقافي قسم يختص بكل النظريات والدراسات الاعجازية والثقافية والعلمية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 08-12-2019, 11:36 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,616
الدولة : Egypt
افتراضي مفهوم العمالة في الاقتصاد الإسلامي

مفهوم العمالة في الاقتصاد الإسلامي
د. زيد بن محمد الرماني




مقدمة
اهتمت المؤسسات الدولية بموضوع العمالة، فقد جاء في ميثاق الأمم المتحدة في المادتين (55) و (56): ((إن تحقيق العمالة الكاملة والمحافظة عليها هو أحد الأهداف الرئيسة)).
كما يعتبر القضاء على البطالة وتحقيق العمالة الكاملة الهدف الأساس الذي ترمي إليه معظم السياسات الاقتصادية وتسعى لبلوغه.
يقول الاقتصادي الشهير كينز: إن العمالة الكاملة هي الواجب الأول للدولة.
إذ من خلال توفير وتحقيق العمالة الكاملة في المجتمع، يتم الانتفاع الكامل من جميع قوى العمل المتاحة لأفراد المجتمع، كما يتم الانتفاع بكل الموارد الأخرى إلى جانب العمل البشري.

ومن خلال تحقيق العمالة الكاملة، تتم زيادة عدد السلع والخدمات التي ينتجها المجتمع ويستمتع بها أفراده، وذلك لازدياد القوى الإنتاجية، ويتم تأمين الفرد ضد العوز، وتتحقق المساواة بين الأفراد، بالقضاء على الفوارق العنصرية، وذلك لازدياد الطلب على العمل من جانب أصحاب الأعمال، ومن ثم تستقر الطمأنينة في نفوس أفراد المجتمع، ويتوافر عنصر الثقة في المستقبل وتتركز دعائم التقدم في المجتمع.

بَيْدَ أن التجارب البشرية تؤكد على أنّ تحقيق العمالة الكاملة يتطلب قدراً كبيراً من وسائل القهر والإكراه، إذا كان المراد بالعمالة الكاملة هو توظيف كل فرد قادر على المشاركة المجدية في النشاط الإنتاجي الأهلي.

والواقع يشهد بأن العمالة الكاملة لا تتحقق أو قلما تتحقق، إذ تبقى من الناحية العملية نسبة من البطالة، ولكنها على أية حال، بطالةٌ ليس منشؤها ندرة في طلب العمل، بل ترجع إلى عدم القدرة على العمل أو الذعر أو تشتت السكان أو غير هذا من الأسباب التي لا تتصل بالعمل وندرته.
وبالطبع، فلن يحدث توظف بنسبة 100% خاصة بالنسبة لعنصر العمل، وإنما هناك قدرٌ من البطالة الاحتكاكية يمكن أن يتواجد في أيّ وقت ويظل يصدق على المجتمع حالة العمالة الكاملة.

بين يدي المفهوم:

يحرص الإسلام على الإفادة من قوة العمل المتاحة للمجتمع بخير سبل الاستخدام الممكنة، بالحرص على العمالة الكاملة لكافة أفراد قوة العمل، وتوفير الحوافز لها وتأمين مشاركتها في الإنتاج واشتراكها في عوائده.

والاستخدام الكامل للموارد البشرية بالطريقة الفعالة هو من أهداف الإسلام الأساسية لأنه يساعد على تحقيق الرفاهية الاقتصادية، ويعطي للإنسان كرامته، بوصفه خليفة الله، كما أن الاستخدام الأمثل للموارد المادية المتوافرة للإنسان هو هدف مهم في الإسلام.

ولذا، منع الإسلام ألوان اللهو التي لا تتفق مع يجب أن يلتزمه الإنسان من جدّ واستمرار للعمل المنتج. ومنع كذلك من الأعمال العقيمة والضارة كالمقامرة والسحر والشعوذة حتى لا تستنزف طاقات الإنسان في أمور غير نافعة، وكذا منع الإسلام الغش والخيانة والسرقة واستغلال النفوذ.

ودعا الإسلام في الوقت نفسه إلى اختيار الأصلح فالأصلح وتولية الأمثل فالأمثل، ونادى بتنمية المهارات والكفاءات، وتحسين أداء العمل وتوفير الأعمال المطلوبة، وتهيئة الإمكانات والمواد اللازمة، وشجع على ذلك بمنح الحوافز والمكافآت والعوائد المناسبة، وشدد على أداء حقوق العمال وإعطائهم أجورهم ومستحقاتهم، ورغب في العلاقة الطيبة الحسنة بين العمال وصاحب العمل.

لقد حرص الإسلام على العمالة الكاملة لكافة أفراد قوة العمل المتاحة، وأكد على توجيهها نحو الجهود الإنتاجية المفيدة والنافعة للفرد والمجتمع حتى تزداد قدرة المجتمع الإنتاجية وتنمو بصفة مستمرة.

ومما يجدر ذكره أن العمالة الكاملة في الاقتصاد الإسلامي هي في الدنيا والآخرة، على خلاف ما يدعو إليه الاقتصاد الوضعي، فالإنسان المسلم ما دام في عبادة لله من صوم وصلاة وحج وزكاة وسعي في طلب المعاش، فهو في عمل، والعمل عبادة. قال تعالى ﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ﴾ [القصص: 77]. وقال عليه الصلاة والسلام ((إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة (من النخل) فاستطاع ألا تقوم حتى يغرسها فليغرسها، فله بذلك أجر)) حديث حسن.
وقد كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم زرّاعاً وصنّاعاً وتجّاراً متقنين، ولم يقعد بهم إيمانهم بالآخرة عن العمل للدنيا.

مصطلح العمالة في المفهوم الوضعي:

لما كان الاقتصاد الكلاسيكي (التقليدي) إنما هو أساساً تحليل اقتصادي في الزمن الطويل، لذلك فإنه يفترض أن التوازن الذي يتحقق هو توازن طويل الأجل يتحقق عند مستوى التوظف الكامل.

وعليه، فإن النظرية الكلاسيكية (التقليدية) إنما تقوم على فرض التوظف الكامل للموارد البشرية وبقية الموارد الاقتصادية الأخرى. ويعتبر الكلاسيكيون (التقليديون) أن مثل هذا التوازن إنما هو الوضع العادي للمجتمعات الاقتصادية.

وبالتالي فإنّ أيّ خروج عن هذا الوضع إنما يعتبر وضعاً غير عادي. ومع افتراض الكلاسيكيين (التقليديين) بأن وضع التوظف الكامل هو الحالة العادية، إلا أن الاقتصاد الكلاسيكي (التقليدي) لا يحوي نظرية للتوظف.

إذ الاقتصاد الكلاسيكي (التقليدي) إنما هو دراسة الاستخدامات البديلة لموارد المجتمع الموظفة. وافتراض الكلاسيكيين (التقليديين) بأن التوظف الكامل في المجتمعات الاقتصادية إنما هو الحالة العادية التي تسود، يستند ويبرّر بقانون ساي للأسواق، أو ما يُعرف بقانون المنافذ.

إنّ قانون ساي للأسواق يعتبر قلب الاقتصاد الكلاسيكي (التقليدي). وقانون ساي ينسب إلى الاقتصادي الفرنسي جان باتست ساي، الذي ينص على أن ((العرض يخلق الطلب الخاص به)). Supply creats its own demand، فالقانون يقضي بأن كل إضافة في العرض إنما هي أيضاً إضافة للطلب ومن ثم، فلا يمكن وجود فائض إنتاج طالما أن كل عرض يخلق الطلب الخاص به.

وعليه، فإن كل القيم المنتجة وهي تتحول إلى دخول للمنتجين، يتم إنفاقها في الحال بواسطتهم أي تتحول في الحال إلى طلب حقيقي، سواء على سلع الاستهلاك أو على أدوات الاستثمار.

إنّ افتراض النظرية الكلاسيكية (التقليدية) بأن التوظف الكامل هو الحالة العادية للمجتمعات الاقتصادية، يعني أنه لا يوجد بطالة إجبارية. ولكن وجود التوظف الكامل إنما يتمشى مع قدر معين من البطالة الاختيارية والبطالة الإجبارية إنما تحدث نتيجة للتدخل في حرية عمل النظام الاقتصادي.

وهيكل النظرية الكلاسيكية (التقليدية) إنما يقوم على سياسة اتركه يعمل، أي أن الحكومة لا تتدخل في النشاط الاقتصادي. فالاقتصاديون الكلاسيك (التقليديون) يؤمنون بعدم التدخل الحكومي، وبالنظام الاقتصادي الحر القائم على المنافسة الكاملة. فهم يرون أنه من واجب الحكومة ألا هذه القوى حرة لتصل إلى حالة التوازن.

وقد لخصّ كينز النظرية الكلاسيكية (التقليدية) للعمالة الكاملة في مقدمتين أساسيتين:
الأولى: هي تساوى الأجر مع الإنتاجية الحدية للعمل، وهذه المقدمة هي التي تحكم الطلب على العمال من جانب المنظمين.
والثانية: هي تساوى منفعة الأجر (أو تساوى الأجر الحقيقي) مع المشقة الحدية للعمل. وهذه تحكم عرض العمل من جانب العمال.

لقد نظر كينز إلى الاقتصاد الكلاسيكي (التقليدي) على أنه نظام فكري غير واقعي، ذلك لأنه لم يمدنا بعرض دقيق لحالات الكساد والبطالة. وأشار إلى أن الحالة الخاصة التي افترضها الكلاسيك (التقليديون) لا تنطبق على واقع المجتمعات الاقتصادية.

أما انتقادات كينز فقد انصبت على فروض النظرية الكلاسيكية (التقليدية)، حيث اعتبر كينز الفرض الأساسي وهو تحقيق التوازن عند مستوى التوظف الكامل، افتراضاً غير واقعي، كما عارض كينز افتراض الكلاسيك (التقليديون) التوازن الطويل الأجل، وأيضاً عارض قانون ساي للأسواق، وانتقد النظرية الكلاسيكية (التقليدية) المعتمدة على مذهب (اتركه يعمل) وعلى المنافسة الكاملة في تحقيق التوظف الكامل.

وفي المقابل، قدّم كينز آراءه الاقتصادية من خلال نظرية عامة للتوظف والنقود وسعر الفائدة، حيث قال بإمكانية تحقيق التوازن عند مستوى أقل من مستوى التوظف الكامل.

كما اهتم كينز بالتوازن قصير الأجل، وركز على الطلب الفعلي، وقال بتدخل الدولة في النشاط الاقتصادي، ودعا إلى رفع الأجور، من أجل زيادة العمالة.

وهيكل النظرية العامة للتوظف عند كينز، يبين أن الحجم الكلي للتوظف إنما يتوقف على مستوى الطلب الفعلي في الاقتصاد الوطني. وأن التوازن الكلي يتحقق عند تعادل الطلب الكلي مع العرض الكلي.

إذ عند زيادة الطلب الكلي عن العرض الكلي يحدث التضخم، وعند نقص الطلب الكلي عن العرض الكلي تحدث البطالة.
بَيْدَ أن تحليل كينز لا ينطبق على الدول النامية، وإنما في حالة مجتمعات اقتصادية تكون فيها جميع وسائل الإنتاج مملوكة للحكومة، أي أنّ تحليل كينز ينطبق على الدول التي تكون نسبياً متقدمة اقتصادية، ونسبياً مصنعة، ونسبياً غنية ورأسمالية.

مصطلح العمالة في المفهوم الإسلامي:

وردت العمالة في كتب اللغة العربية مضمونة العين (العُمالة) ومفتوحة العين (العَمالة) ومكسورة العين (العِمالة). يقول ابن منظور في لسان العرب ((العِمْلة والعُمْلة والعَمالة والعُمالة والعِمالة، كله: أجر ما عُمل. ويقال: عملت القوم عُمالتهم إذا أعطيتهم إياها. قال الأزهري: العُمالة - بالضم - رزّق العامل الذي جُعل له على ما قُلد من العمل. ويقول أبو هلال العسكري في كتابه ((الفروق في اللغة)): ((وأصل العمالة أجرة مَنْ يلي الصدقة، ثم كثر استعمالها، حتى أجريت على غير ذلك)).
إذ وردت العمالة بمعنى الأجرة ورزق العامل، وبمعنى العمل نفسه والمهنة، وبمعنى الحِرْفة. قال الراغب الأصفهاني في ((المفردات)) وقوله تعالى ((والعاملين عليها...)) ((هم المتولون الصدقة، والعَمَالة أجُرْتهم)).

وقد أورد الطبري رحمه الله في تفسيره، عن عطاء بن زهير العامري عن أبيه: أنه لقي عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، فسأله عن الصدقة، أيُّ مال هي؟ فقال: مال العُرْجان والعُوْران والعميان، وكل متقطع به. فقال له: إن للعاملين حقاً وللمجاهدين، قال: إن المجاهدين قوم أحل لهم، والعاملين عليها على قدر عُمالتهم)).
وأخرج البخاري ومسلم عن بُسْر بن سعيد عن ابن الساعدي قال: استعملني عمر رضي الله عنه على الصدقة، فلما فرغت منها وأديتها أمر لي بعُمالة، فقلت إنما عملت لله، وأجري على الله قال: خذ ما أعطيت فإني قد عملت على عهد رسول الله فعملني فقلت مثل قولك، فقال لي رسول الله إذا أعطيت شيئاً من غير أن تسأل فكُلْ وتصدق)).

وجاء في المغني لابن قدامة الحنبلي رحمه الله مسألة: قال: إلا أن يكونوا من العاملين عليها فيُعطون بحق ما عملوا، وجملته أن العامل على الزكاة يجوز أن يأخذ عمالته من الزكاة، سواء كان حراً أو عبداً.
وجاء في بدائع الصنائع للكاساني الحنفي رحمه الله: إلا العاملين عليها، فإنهم مع غناهم يستحقون العمالة، ولنا أن ما يستحقه العامل إنما يستحقه بطريق العمالة لا بطريق الزكاة، بدليل أنه يعطى إن كان غنياً بالإجماع.
وجاء في كتاب الخراج لأبي يوسف رحمه الله: أنّ أبا عبيدة بن الجراح رضي الله عنه قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: دنست أصحاب رسول الله. فقال له عمر: يا أبا عبيدة، إذا لم أستعن بأهل الدين على سلامة ديني، فبمن أستعين؟ قال: أما إن فعلت: فأغنهم بالعُمالة عن الخيانة. يقول: إذا استعملتهم على شيء فأجزل لهم في العطاء والرزق لا يحتاجون.

وجاء في فتح الباري لابن حجر رحمه الله هذان البيتان:
وفي العُمالة إسناد بأربعةٍ
من الصحابة فيه عنهم ظهرا

السائب بن يزيد عن حويطب عبـ
د الله حدّثه بذاك عن عمرا

والحديث المشار إليه في هذين البيتين أخرجه النسائي في سننه، ونصّه: عن السائب بن يزيد عن حويطب بن عبد العزى قال: أخبرني عبد الله بن السعدي أنه قدم على عمر بن الخطاب رضي الله عنه من الشام فقال ألم أخبر أنك تعمل على عمل من أعمال المسلمين فتعطى عليه عُمالة، فلا تقبلها قال: أجل. إن لي أفراساً وأعبداً وأنا بخير وأريد أن يكون عملي صدقة على المسلمين.

لقد أمر الإسلام بالمشي في مناكب الأرض لاكتساب الرِّزق، وذمّ المسألة ونهى عنها كرامة للمسلم وإعلاءً لهمته. قال تعالى ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ﴾ [الملك: 15]، وقال صلى الله عليه وسلم لئن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره خيرٌ له من أن يسأل الناس (أحداً)) فيعطوه أو يمنعوه)) متفق عليه.

وكفى بالأنبياء والرسل قدوة وأسوة، فقد احترف آدم عليه السلام الزراعة، ونوح عليه السلام التجارة، وداود عليه السلام الحدادة وموسى عليه السلام الكتابة، وإدريس عليه السلام الخياطة، وسليمان عليه السلام صنع الخوص وعمل المكاتل، وزكريا عليه السلام النجارة، وعيسى عليه السلام الصياغة، ومحمد عليه الصلاة والسلام رعي الغنم.

وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه بزازاً وكذلك كان الفاروق، وكان خبّاب بن الأرت حداداً، وعبد الله بن مسعود راعياً، وسعد بن أبي وقاص نبّالاً، والزبير بن العوام خياطاً، وسلمان الفارسي حلاقاً، وعلي بن أبي طالب سقاءً، رضي الله عنهم أجمعين.

وكما حث الإسلام على العمل لكسب الرزق، فقد ذمّ المسألة واستجداء صدقات الناس وأعطياتهم إلا عند الحاجة الماسة. عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله: ما يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم. متفق عليه، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: مَنْ سأل الناس أموالهم تكثراً فإنما يسأل جمراً فليستقل أو ليستكثر. رواه مسلم في صحيحه. وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله: إن المسألة كدُّ يكدُّ بها الرجل وجهه إلا أن يسأل الرجل سلطاناً أو في أمر لابد منه. رواه الترمذي وصححه.

وكان الفاروق رضي الله عنه يقول: ليس في الإسلام سؤلة، والإمام أحمد بن حنبل يقول: ما أحسن الاستغناء عن الناس. وسعيد بن المسيب رحمه الله يقول: مَنْ لزم المسجد وترك الحرفة وقبل ما يأتيه فقد ألحف في السؤال. وابن عمر رضي الله عنهما كان يقول: إني لأكره أن أرى أحدكم سبهللاً لا في عمل الدنيا، ولا في عمل آخرة.

وقد ورد عن الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه قوله:
لحمل الصخر من قمم الجبال
أحبُّ إليّ من متن الرجال

يقول الناس لي في الكسب عارٌ
فقلت العار في ذلّ السؤال

إنّ قضية العمالة وعلاج ظاهرة البطالة هي إحدى مهام الدولة. فالدولة مطالبة ببذل قصارى جهدها في سبيل تشغيل أكبر عدد من أفراد المجتمع، وحتى لا يبقى الناس بدون عمل. وإن كان إيجاد عمل لكل شخص يقف في سبيله بعض الموانع والعقبات.
بَيْدَ أن العمالة - مع ذلك - تبقى أحد الأهداف الأساسية للدولة، حيث تعتبر هدفاً رئيساً من أهداف التنمية.

الخلاصة:

لقد عجز نظام الحرية الاقتصادية عن تحقيق الأهداف العامة للمجتمع في القضاء على الكساد والبطالة والوصول إلى التوظف الكامل الذي يبشر به أصحاب النظرية الرأسمالية الغريبة.
بَيْدَ أن النظام الاقتصادي الإسلامي يرى وجوب العمل وفرضيته على الإنسان المسلم ولا يجعل من حقه أن يعمل أو لا يعمل، ومن ثم هيء لكل فرد فرص العمل المناسبة، ودعاه إلى اكتساب الرزق من وسائله المباحة، ونهاه عن السؤال والاستجداء، وحذره من البطالة الاختيارية، وجعل أفق العمالة الكاملة ممتداً من الحياة الدنيا إلى الحياة الآخرة، واعتبر سعي الإنسان في ذلك كله عبادة من العبادات يؤجر عليها ويثاب في العاجل والآجل..

الهوامش والمراجع:
1) محمد بشير علية: القاموس الاقتصادي، بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1985م.
2) كول: البطالة ووسائل التوظف الكامل، القاهرة: دار الفكر العربي، 1952.
3) راشد البراوي: الموسوعة الاقتصادية، بغداد: دار النهضة العربية، 1971م.
4) أحمد جامع: النظرية الاقتصادية، القاهرة: دار النهضة العربية، 1976م.
5) محمد عمر شابرا: النظام النقدي والمصرفي في الاقتصاد الإسلامي، جدة: المركز العالمي لأبحاث الاقتصاد الإسلامي، 1404ه-.
6) عز الدين التميمي: العمل في الإسلام، عمّان: دار عمّار، د.ت.
7) إبراهيم النعمة: العمل والعمال في الفكر الإسلامي، جدة: الدار السعودية.
8) محمد عبد المنعم عفر: السياسات الاقتصادية في الإسلام، القاهرة: الاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية، 1400ه-.
9) سامي خليل: النظريات والسياسات النقدية والمالية، الكويت: شركة كاظمة، 1982.
10) إسماعيل هاشم: التحليل الاقتصادي الكلي، الإسكندرية: دار الجامعات المصرية، 1982م.
11) رفعت المحجوب: الطلب الفعلي، بغداد: دار النهضة العربية، 1980م.
12) جون مينر كينز: النظرية العامة في الاقتصاد، بيروت: دار مكتبة الحياة، 1962م.
13) ابن منظور: لسان العرب، بيروت: دار صادر، 1388ه-.
14) أبو هلال العسكري: الفروق في اللغة، بيروت: دار الآفاق الجديدة، 1979م.
15) الراغب الأصفهاني: المفردات في غريب القرآن، مكة: دار الباز، د.ت.
16) محمد بن جرير الطبري: تفسير الطبري، مصر: دار المعارف، د.ت.
17) ابن قدامة: المغني، الرياض: مكتبة الرياض الحديثة، 1401ه-.
18) الكاساني: بدائع الصنائع، بيروت: دار الكتاب العربي، 1402ه-.
19) أبو يوسف: الخراج، بيروت: دار المعرفة، 1399ه-.
20) ابن حجر العسقلاني: فتح الباري، الرياض نشر الإفتاء.
21) النسائي: سنن النسائي، بيروت: دار الكتاب العربي، د.ت.
22) عبد الحليم عويس: الاحتراف بين الضرورة المعاشية والواجبات الشرعية، جدة: الشركة السعودية للأبحاث والنشر، 1405ه-.
23) أبو حامد الغزالي: إحياء علوم الدين، بيروت: دار الندوة الجديدة، د.ت.
24) أبو بكر الخلال: رسالة في الحث على التجارة، دمشق: مطبعة الترقي، 1348ه-.
25) الكتاني: التراتيب الإدارية، بيروت: دار الكتاب العربي، د.ت.
26) طه العفيفي: من وصايا الرسول، القاهرة دار الاعتصام، د.ت.
27) محمد عاشور: رواد الاقتصاد العرب، القاهرة: دار الاتحاد العربي، 1974م.
28) فكري نعمان: النظرية الاقتصادية في الإسلام، بيروت: المكتب الإسلامي، 1405ه-.

29) شوقي دنيا: الإسلام والتنمية الاقتصادية، القاهرة: دار الفكر العربي، 1979م.
30) سعيد مرطان: مدخل للفكر الاقتصادي في الإسلام، بيروت: مؤسسة الرسالة، 1406ه-.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 72.51 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 70.58 كيلو بايت... تم توفير 1.93 كيلو بايت...بمعدل (2.66%)]