|
ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#31
|
||||
|
||||
رد: الأربعــون الوقفيــة
لا اله الا الله
__________________
|
#32
|
||||
|
||||
رد: الأربعــون الوقفيــة
الأربعون الوقفية (32) جرياً على نهج السلف في جمع نخبة من الأحاديث النبوية التي تخص باب علم مستقلا، وإحياء لسنة الوقف – الصدقة الجارية- فقد جمعت أربعين حديثاً نبوياً في الأعمال الوقفية، ورتبت ما جاء فيها من أحكام وفوائد من كتب السنن وشروحها، وكتب الفقه وأصوله، وأفردت شرحاً متوسطاً لكل حديث، حوى أحكاماً وفوائد جمة للواقفين من المتصدقين، وللقائمين على المؤسسات والمشاريع الوقفية، ونظار الوقف، والهيئات والمؤسسات المكلفة برعاية الأصول الوقفية ونمائها. أسأل الله أن يجعل هذا العمل إحياء لسنة الوقف والصدقة الجارية, وينفع به قولاً وعملا, ويكتب لنا أجر ذلك في صحائفنا.الحديث الثاني والثلاثون: الوقف أجر إلى يوم القيامة عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من غسل مسلما فكتم عليه غفر له الله أربعين مرة، ومن حفر له فأجنَّه أجري عليه كأجر مسكن أسكنه إياه إلى يوم القيامة، ومن كفنه كساه الله يوم القيامة من سندس وإستبرق الجنة»(1). وفي الحديث أن للذي يغسل مسلماً أجراً عظيماً، وهذا الأجر مشروط بشرط الكتمان والستر على الميت، فلا يُحَدِّث بما قد يراه مكروهاً منه، والأجر كذلك للمسلم الذي أجنه أي ستره في القبر، وضع الميت في القبر، فتجرى له الحسنات كأجر مسكن أسكنه إياه إلى يوم القيامة، وهذا أجر مستمر. وقد أخرج الطبراني في «الكبير» بسند صحيح عن أبي أمامة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من غسَّل ميتاً فستره، ستَره اللهُ من الذنوب، ومن كفَّنَه، كساه اللهُ من السندس»(2). وفي مسؤولية الأمة في تغسيل الميت وتكفينه ودفنه، قال الإمام النووي رحمه الله في «المجموع»: «وغسل الميت فرض كفاية بإجماع المسلمين، ومعنى فرض الكفاية: أنه إذا فعله من فيه كفاية سقط الحرج عن الباقين، وإن تركوه كلهم أثِمُوا كلُّهم»(3). وقال الشافعي رحمه الله في كتابه الأم: «حق على الناس غسل الميت والصلاة عليه ودفنه لا يسع عامتهم تركه، وإن قام بذلك منهم من فيه كفاية له أجزأ إن شاء الله»(4). وإن كان جزاء من جهز الميت وآواه في التراب عظيماً مستمراً إلى يوم القيامة، وكأنه قد وهبه بيتاً يسكن فيه، فكيف بمن أوقف أرضاً ثم أحاطها وجعل فيها مغسلة لتغسيل الموتى وتكفينهم والصلاة عليهم وأوقف لهم الأوقاف للصرف على من يعمل بهذه المقبرة من حفر القبور وتجهيزها، وجعل فيها من الحسبة الذين يحيون السنن ويميتون البدع التي تكثر في المقابر من بدع يندى لها الجبين(5)، ووفر فيها المياه للشرب والوضوء ومظلات، وطرقا ممهدة حتى يسهل على الناس المشي في حمل الجنازة والسير لدفنها، وكراسي لجلوس كبار السن، ومواقف للسيارات، وسيارات لنقل الموتى، وأوقف أدوات الحفر، وألواحا لحمل الموتى، ومكانا لصلاة الجنازة قريبا من المقبرة، ورصف الطرق حتى لا يتعثر المشيعون. فذلك باب أجر عظيم للواقف، وتيسير على أهل المتوفى، وحفظ كرامة المتوفى، وكذلك تخفيف المشقة على المشيعين فمنهم الكبير والعاجز. ومما يؤلم في عالمنا العربي والإسلامي بعد أن تقلص دور الأوقاف وأضعفت قصداً، أضحت المقابر الوقفية قليلة في بعض الدول الإسلامية، وفي الدول الفقيرة تكون مصيبة الموت على أهل الميت مصيبتين، الأولى: مصيبة فقدانهم لعزيز أو معيل، والثانية: مصيبة التكاليف المادية التي لا قدرة لهم على تحملها، تتراوح بين 1000 و3000 دولار، حتى يوفروا لميتهم قبراً وكذلك تكاليف التغسيل والكفن والنقل وإقامة العزاء وفرش الموائد، وما يتبعها من تكاليف باهظة لا طاقة لهم بها، ولكن مع ذلك فإن العرف والتقاليد الاجتماعية تجبرهم على تحمل تلك التكاليف. وهذه دعوة للمتبرعين أن ينوعوا في تبرعاتهم، ولا يحصروها في بناء المساجد فقط وإن كان أجرها عظيما، إلا أن الحاجة شديدة في بعض الدول الإسلامية وغيرها إلى وقف أراض تخصص لتكون مقبرة توفر فيها الخدمات والمستلزمات للتخفيف على أهل المتوفى، جاء في كتاب: «إتحاف الأحلاف في أحكام الأوقاف»: «إن أفضل الأوقاف وقف شيء، يحس الناس أنهم بحاجة ماسة له»(6). ومما اشتهر من الأوقاف، أن السلف كانوا يوقفون أرضاً ثم يحيطونها بحائط ويجعلونها مقبرة، وقد سئل الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله عن رجل عين أرضاً له وجعلها مقبرة فأجاب بأنه ليس له أن يرجع»(7)، أي مادام أوقفها واشتهرت بين الناس بأنها مقبرة، وسمح بدفن الموتى بها، فهي قد أبدت وقفاً لا رجوع فيه. ما يستفاد من الحديث أن للذي يغسل مسلماً أجراً عظيماً، وكذلك من يكفنه، والأجر المستمر لمن يدفنه. وأن الأجر الذي يناله من الأجور المستمرة التي لا تنقطع، وفيه أن هذه الأعمال وسيلة لحصول الأجر والثواب من الله تعالى وتكثيرها، كما أن فيه وسيلة للتكفير عن الذنوب ومحوها. وفيه أن تغسيل الميت من الأعمال التي يغفر فيها للمسلم أربعين مرَّة، وهذه عطية ربانية ومنحة إلهية يمتن بها الله سبحانه على من يشاء من عباده، وفيه ترغيب بالمبادرة بتعلُّم تغسيل الميت، وفيه أن من حق المسلم على المسلم أن يكفنه ويتبع جنازته ويلحده في قبره. وفيه تحقق الرحمة والتكافل والتعاضد بين الأمة، وتنظيم الحياة بمنهج حميد، لتحقيق أهداف اجتماعية واسعة، وفي مقدمتها الطمأنينة في حفظ كرامة المسلم في حياته وبعد مماته. وفيه أنه ينبغي للغاسل ولمن حضر معه إذا رأى من الميت شيئاً أن يستره، ولا يحدّث به، وفيه ترغيب للأمة في هذه الأعمال الفاضلة، فإعادة إحياء سنة وقف المقابر كانت في تاريخ الأمة وتراثها حاضرة موثقة، ففي العهود الإسلامية أوقاف أوقفت لتجهيز الموتى ودفنهم، وأوقاف خصص ريعها لرعاية الفقراء حتى بعد وفاتهم، وذلك بتحمل تكاليف تغسيلهم وتكفينهم ودفنهم، ومن أشهر هذه الأوقاف (وقف الطرحاء) الذي جعله الظاهر بيبرس برسم تغسيل فقراء المسلمين وتكفينهم ودفنهم. وقد توافرت الأوقاف في العهود الإسلامية وكانت حاضرة في حياة الإنسان من مهده إلى لحده، سواء كان فقيراً أم غنياً، ملازمة له لا فكاك عنها منذ ولادته إلى وفاته، فيولد المولود في منزل وقفي (رباط مخصص للولادة)، على يد القابلة التي تتقاضى راتباً من أموال الوقف، أو أن القابلة - الداية - التي تتولى ولادة المولود - في بيت والديه- هي باذلة لجهدها لله تعالى تساعد الأمهات على الولادة. وينام المولود في مهد وقفي، ويأكل ويشرب من أموال الوقف- إن كان من أهل الحاجة- وعندما يبلغ بضع سنين، يلتحق بالكتاتيب التي هي أوقاف، ويتقاضى شيخه ومعلمه راتبه من أموال الوقف. ويلتحق بعد ذلك الطالب بالمدارس الوقفية، والتعليم كان كله وقفا ويصرف لتشغيله من أموال الوقف، ولا تدفع الخلافة قرشاً واحداً على التعليم(8)، وعندما يقرأ كانت الكتب الموقوفة والتابعة للأوقاف هي المتوافرة بين يديه، ويكتب في ورق الأوقاف، والحبر يصرف من وقف خصص لذلك. وخلال مسيرة حياته يصلي الفتى في بيوت الله – المساجد – التي هي وقف لله تعالى، ويكون مأموماً وراء إمام يتقاضى مخصصاته وتكاليف معيشته من أموال الوقف، ويسمع الدروس والخطب في المساجد من أهل العلم والفقه، الذين تكفل برعايتهم الوقف. وحينما يشتد عوده ويكون مهيأ للعمل والنتاج فالمؤسسات الوقفية والمشاريع التنموية الوقفية تقدم فرص العمل وتكون حاضرة أمامه، حيث كان ما يقارب الـ 30% وفي بعض الأحيان تصل النسبة إلى 50% من القوى البشرية تعمل في المجال الوقفي ودائرة الوقف. وعندما يمرض فإن (البيمارستانات) الوقفية - المستشفيات - هي التي كانت تعالج المرضى وتوفر لهم الدواء بالمجان، والطبيب المعالج والكادر الذي يتبعه يتقاضون راتبهم من ريع الأوقاف التي خصصت لتشغيل تلك المستشفيات. ويشرب خلال مسيرة حياته أحياناً كثيرة من أسبلة، ويتوضأ من متوضآت في المساجد والميادين، أوقفها الواقفون قصداً في الأجر من الله تعالى، ونفع الآخرين، وعندما تحدث له ضائقة مالية، فإن من الأوقاف ما خصص لتفريج الكروب وسد الديون، وحفظ كرامة الإنسان. وحين تنقّله بين المدن والقرى، أو حينما يقصد الحج إلى بيت الله الحرام، فإن (التكايا) والاستراحات والآبار الوقفية، موزعة في الطرق وأماكن تجمع المسافرين، وما زال بعضها قائما وإلى الآن ينتفع بها الناس. وعندما يحين أجله ويتوفاه الله تعالى، فإنه يُنقل من بيته إلى المغسلة بعربات وقفية ومغسلة حبست وأوقفت لله تعالى، ويغسّله المغسّل الذي يتكفل بمعيشته الوقف، ويُحمل ويوضع في تابوت وقفي، ويكفن بكفن من أموال الوقف، ويُصلِّي عليه المشيعون بإمامة إمام يتقاضى راتبه من الوقف، ويوارى في التراب في مقبرة وقفية، كل من يعمل فيها يتقاضى راتبه من الأوقاف. بل كانت الأوقاف تقوم بدور الوزارات المتعددة، وتقدم الخدمات على أكمل وجه، ومنها أوقاف خصصت للعبادة وإقامة الصلاة كالمساجد والجوامع ومصليات العيدين، وأوقاف خاصة بالتربية والتعليم كالمدارس ودور الحديث، والكتاتيب، والحلقات الفقهية، ومسطبات العلم، ودور القرآن وأوقاف خصصت للمجالات الاجتماعية التنموية، كبناء المساكن للفقراء، والحدائق والبساتين والآبار. وأوقاف خاصة بالأمور الاقتصادية، كالأسواق الوقفية والحمامات والفنادق، وأوقاف النقود، وأوقاف خصصت ليصرف من ريعها على إقامة الثغور والثكنات العسكرية، وتصنيع السلاح، وفكاك الأسرى، وأوقاف للعلاج كالمستشفيات، ودور العجزة، والصيدليات والمختبرات، وأماكن النقاهة للمرضى. وأوقاف خاصة بخدمات توفير المياه وسقي الناس، كالأسبلة والآبار ومحابس المياه وبناء القنوات، ونقل الماء، وأوقاف خصصت للتدريب والتطوير، وخاصة للأيتام، وكذلك أوقاف للتدريب على الفروسية والرماية، وإجادة فنون القتال، ومختلف أنواع الرياضات التي كانت متوافرة والحاجة شديدة للتدريب عليها. فما أروع تلك الأوقاف وما قدمته من خدمات جليلة، والأروع من ذلك أن طريق الوقف والصدقة الجارية أبوابه مفتوحة ومتعددة، وأفضله ما كان أنفع للناس، وهذا من فضل الله على عباده. الهوامش: 1 - صححه الألباني في أحكام الجنائز وبدعها (ص/69)، وفي (صحيح الترغيب والترهيب) (3/368)، وقال: هو صحيح على شرط مسلم. ورواه الذهبي في المهذب الصفحة أو الرقم: 3/1327 ورواه الطبراني في الكبير. 2- صحيح الجامع: 6403 3 - المجموع للنووي( 5/128). 4 - الأم للشافعي (1/243) 5 - وهذا مشاهد للأسف في بعض الدول الإسلامية. 6 - «إتحاف الأحلاف في أحكام الأوقاف»، عمر حلمي، ص 5. 7-الوقوف والترجل من الجامع لمسائل الإمام أحمد، تأليف الإمام أبى بكر الخلال، وتحقيق سيد كسروي حسن، دار الكتب العلمية ط1 / 1415 – 1994 م بيروت ص 34. 8 - كانت للخلافة الإسلامية دواوين كثيرة، ولكننا لم نقرأ عن ديوان للتعليم لأنه كان وقفاً. اعداد: عيسى القدومي
__________________
|
#33
|
||||
|
||||
رد: الأربعــون الوقفيــة
الأربعون الوقفية (33) جرياً على نهج السلف في جمع نخبة من الأحاديث النبوية التي تخص باب علم مستقلا، وإحياء لسنة الوقف – الصدقة الجارية- فقد جمعت أربعين حديثاً نبوياً في الأعمال الوقفية، ورتبت ما جاء فيها من أحكام وفوائد من كتب السنن وشروحها، وكتب الفقه وأصوله، وأفردت شرحاً متوسطاً لكل حديث، حوى أحكاماً وفوائد جمة للواقفين من المتصدقين، وللقائمين على المؤسسات والمشاريع الوقفية، ونظار الوقف، والهيئات والمؤسسات المكلفة برعاية الأصول الوقفية ونمائها. أسأل الله أن يجعل هذا العمل إحياء لسنة الوقف والصدقة الجارية, وينفع به قولاً وعملا, ويكتب لنا أجر ذلك في صحائفنا. الحديث الثالث والثلاثون: الوقف خيرٌ للحي والميت قال زيد بن ثابت رضي الله عنه : « لم نر خيراً للميت ولا للحي من هذه الحُبُس الموقوفة، أما الميت فيجري أجرها عليه، وأما الحي فتحتبس عليه، ولا توهب ولا تورث ولا يقدر على استهلاكها(1)». الوقف الإسلامي تشريع رباني، جمع بين الرحمة والنعمة، فمقاصده عظيمة، ومنافعه وفيرة، ومجالاته متعددة، وحاجاته متجددة، يحقق للعباد المنافع الدنيوية والأخروية، فهو سبيل من سبل السعادة في الدنيا والآخرة، ترفع فيه الدرجات، وتكفّر فيه السيئات ويدوم معه الأجر بعد الممات. وقد حبس زيد بن ثابت (2) رضي الله عنه داره التي في البقيع وداره التي عند المسجد(3). وروي عنه أنه قال: «لم نر خيرا للميت ولا للحي من هذه الحبس الموقوفة، أما الميت فيجري أجرها عليه وأما الحي فتحبس عليه ولا توهب ولا تورث ولا يقدر على استهلاكها». وأضاف الخصاف: «وإن زيد بن ثابت جعل صدقته التي وقفها على سنة صدقة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكتب كتابا على كتابه(4)»(5). لقد جعل الإسلام من الوقف بلسما شافيا لقضاء مصالح البشر في الدنيا والآخرة، وهو من أعظم القربات التي يتقرب بها العبد إلى مولاه، ومن أهم السبل التي يحقق بها سعادته في الدنيا، والأجر في الآخرة، ويطمئن لمستقبل ذريته الأحياء في الدنيا، ولاسيما الضعفاء منهم بعد موته وانتقاله إلى الدار الآخرة، وزاد من اهتمام المسلمين بالوقف أثره الدائم، وأجره المتواصل. وشُرع الوقف لحكم عظيمة، ففيه منافع للعباد والبلاد، تنمو بوجوده وحسن رعايته وإدارته المجتمعات، وتحفظ بمؤسساته كرامة الأمة وعزها، وترتقي في العلم والتعليم، وفيه إعانة الأرملة والمسكين، المجاهد والقاعد، الصغير والكبير، الصحيح والمريض، كلٌ بما يحتاجه، وقد انتشرت الأوقاف بين المسلمين خير انتشار، الغني منهم ومتوسط الدخل والحال، بل محدود الدخل، فمنهم من أوقف عقاراً، ومنهم من أوقف مصحفاً أو كتاباً، ومنهم من أوقف نخلةً، بل منهم من أوقف قدراً للطبخ، وقد أوقف الصحابة رضي الله عنهم امتثالاً لأمر الله تعالى العام بالصدقة، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم، وحثه على الوقف. فالوقف نظام يُصلح لكل زمان ومكان، والمصلحة تقتضيه؛ لما فيه من منفعة للواقف باستمرار وصول الثواب إليه، ومن المنفعة للوقوف عليه بانتفاعه بالموقوف، مع حفظه وعدم تمكينه من استهلاكه. وقد أدركت الأمم غير الإسلامية ما في الوقف من مزايا قيمة، وأغراض سامية ، فعني كثير منها بوضع نصوص في قوانينه، لتنظيم نوع من التصرف يشبه الوقف في معناه، وأغراضه، وآثاره عندنا(6). ومن خلال التشريع الرباني، والامتثال لهذا التشريع، وثق التاريخ منذ القرن الأول وإلى أيامنا التي نعيشها أوقافا شهد لها القريب والبعيد، وقد أولى فقهاء الأمة ومحدثوهم العمل الوقفي اهتماماً واضحاً، فبوبوا له الأبواب وقعدوا له القواعد، وبحثوا في مسائله ومستجداته، فأصلوه تأصيلاً شرعياً، وحددوا له الشروط والضوابط والمقاصد والغايات، وطرق إحيائه في النفوس، وفنون رعايته وحسن إدارته. فالوقف ضمان لاستمرار عطاء المؤسسات التطوعية والخيرية، هذا ما أثبته التاريخ والواقع في عهود الخلافة الإسلامية، فالأوقاف هي الحجر الأساس الذي قامت عليه الكثير من المؤسسات الخيرية في ديار المسلمين، فمن أجل نجاح واستمرار مشروع خيري كانوا يقيمون له الوقف لينفق عليه من إيراده، ولا يكتفون بإنشاء المشاريع دون التفكير في مستقبلها وضمان استمرار تشغيلها؛ لذلك كانت هذه المؤسسات تقوم بدورها في المجتمع بغض النظر عما يحصل لها من طوارئ الزمان أو لانصراف الاهتمام عن المشروع إلى غيره. فوائد من الحديث: وفيه أن الوقف حفظ للمال، وضمان للبقاء، ودوام الانتفاع. وفيه من الخير الكثير، فهو امتثال لأمر الله تعالى في الإنفاق والتصدق والبذل في سبيل الله ومنفعة الآخرين، وامتثال لأمر النبي محمد صلى الله عليه وسلم في حثه وتوجيهه للصدقة والوقف. وفيه أن الوقف ثوابه للحي وللميت، وأنه من العمل الذي لا ينقطع، في أجره وفي نفعه للموقوف عليه، في زمنه وزمن غيره، فأوقاف الصحابة استمر نفعها لمئات السنين وبعض منها ما زال نفعها إلى الآن، كبئر عثمان رضي الله عنه – بئر رومة- ووقف سعد بن عبادة بستانه كصدقة لأمه التي توفيت وهو غائب عنها. وفيه أن الوقف سبيل للذكر الحسن، والدعاء والثناء لواقفه على ألسنة الناس، والأهم من ذلك استمرارية وصول الثواب والأجر للواقف ما دام الوقف قائماً يستفيد منه العباد، فالثواب مستمر بديمومة الوقف. وفيه أن الوقف إن كان للذرية خاصة، فهو حماية للمال ومحافظة عليه من إسراف الأبناء، وسفاهة عقولهم، فيبقى المال، وتستمر الاستفادة من ريعه لأبنائه، ويدوم جريان أجره للواقف، وفيه أن الوقف بر للرحم والأقارب لتدوم الصلة، وتتآلف القلوب، وتنزع الضغينة من القلوب، وهذا ما يحقق الترابط بين الأبناء والأقارب والأسر. والوقف فيه تحقيق التكامل والتآلف بين المسلمين، والتكافل الخاص في نطاق الأسرة، والوقف لا تقتصر منفعته على الفقراء وحدهم، وإنما يمتد نفعه ليشمل كثيراً من المجالات التي تخدم البشرية. وقد استمر عمل الأمة الإسلامية في وقف الأوقاف من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين ومن بعدهم جيلاً بعد جيل، واستمرار الوقف مطلب يبتغيه الواقف؛ لأن مقصده دوام وصول الثواب إليه والواقف محتاج إلى دوام وقفه ليدوم معه وصول الثواب إليه. وقد كانت الأوقاف أداة رئيسة للنمو الاقتصادي والتوازن الاجتماعي، ومن كثرة الأوقاف على المدارس والكتاتيب والمؤسسات العلمية التي كانت بمنزلة الجامعات في عهدنا الحالي، أدى ذلك إلى عدم ظهور ديوان للتعليم في الدولة الإسلامية قديماً، بينما ظهرت دواوين أخرى، كديوان للخدمة وديوان للقضاء وديوان للحسبة وديوان للمظالم، وتلك ميزة حفظت للتعليم حريته ونماءه. وقد حقق الوقف الإسلامي للعمل التطوعي في العهود الإسلامية أدواراً متعددة، نذكر منها : توفير الأمن الغذائي، وتحقيق الحاجيات الأساسية. توزيع الثروة وتقليل الفجوة بين طبقات المجتمع. توفير التعليم المجاني للفقراء من خلال المدارس والجامعات. توفير الأمن الصحي للفقراء والمحتاجين من خلال المستشفيات (بيمارستان). رعاية الأيتام وكفالتهم وتربيتهم من خلال الوقف الخاص بهم، أو الوقف العام للفقراء والمحتاجين. توفير عدد من الوظائف من خلال النظار والموظفين والمشرفين ونحوهم في المؤسسات الوقفية والمساجد، ونحوها. المساهمة في تطوير العمل الخيري في المجتمع الإسلامي من خلال العمل المؤسسي للجمعيات والمؤسسات الوقفية. المساهمة في عملية التنمية الاقتصادية، وزيادة عوامل الإنتاج كمّاً ونوعاً، واستيعاب التقنية الحديثة، وزيادة الموارد من خلال الاستثمار. فتاريخ الوقف مليء بأعاجيب ومشاريع تثير الفخر في النفوس، حتى في عهد ازدهار الدولة الإسلامية وفي فترات رخائها وغنائها، تكفلت الأوقاف بمعظم أعباء التعليم الأساسي والجامعي والشؤون الصحية والبنية الأساسية، وصرفت على متطلبات الأمن والدفاع، وساهمت في تنمية التعليم والدراسة منذ مرحلة الطفولة حتى المراحل الدراسية العليا المتخصصة. فالوقف الإسلامي بمؤسساته وإيراداته يعد من أعظم روافد العمل الخيري، فكانت قطاعاته هي المحضن للطاقات البشرية الراغبة في العمل الخيري والتطوعي. الهوامش: 1 - ذكره الخصاف في أحكام الأوقاف، فيما رُوي في صدقة زيد بن ثابت رضي الله عنه، ص 12. وفي كتاب الإسعاف في أحكام الأوقاف إبراهيم الطرابلسي ص9. 2 - هو: زيد بن ثابت بن الضحاك الأنصاري الخزرجي، أبو خارجة (11ق هـ-45هـ) صحابي، كان من كتاب الوحي الوحي، وكان أحد الذين جمعوا القرآن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم من الأنصار وعرضه عليه، وهو الذي كتبه في المصحف لأبي بكر ثم لعثمان رضي الله عنهما: انظر الإصابة 1/561، وغاية النهاية 1/296. 3 - انظر السنن الكبرى للبيهقي كتاب الوقف، باب الصدقات المحرمات (6/161 ). 4 - انظر كتاب عمر رضي الله عنه في شرح حديث رقم : 4، في «الأربعون الوقفية». 5 - أحكام الأوقاف، للخصاف، ص 12. 6 - كتاب الوقف للشيخ عبد الجليل عبد الرحمن ، اعتنى بإخراجه د.عبد الله مزى ، المكتبة الملكية ، ط1 / 1430هـ/ 2009م بمكة المكرمة ص 43. اعداد: عيسى القدومي
__________________
|
#34
|
||||
|
||||
رد: الأربعــون الوقفيــة
الأربعون الوقفية (34) جرياً على نهج السلف في جمع نخبة من الأحاديث النبوية التي تخص باب علم مستقل، وإحياء لسنة الوقف – الصدقة الجارية- فقد جمعت أربعين حديثاً نبوياً في الأعمال الوقفية، ورتبت ما جاء فيها من أحكام وفوائد من كتب السنن وشروحها، وكتب الفقه وأصوله؛ وأفردت شرحاً متوسطاً لكل حديث، حوى أحكاماً وفوائداً جمة للواقفين من المتصدقين، وللقائمين على المؤسسات والمشاريع الوقفية، ونظار الوقف، والهيئات والمؤسسات المكلفة برعاية الأصول الوقفية ونمائها. أسأل الله أن يجعل هذا العمل إحياء لسنة الوقف والصدقة الجارية, وينفع به قولاً وعملا, ويكتب لنا أجر ذلك في صحائفنا . الحديث الرابع والثلاثون: وقف المريض مرض الموت عن عامر بن سعد عن أبيه سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، قال: مرضت عام الفتح حتى أشرقت على الموت. فعادني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: أي رسول الله إن لي مالا كثيرا وليس يرثني إلا ابنة لي. أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال: “لا”، قلت: فالشطر؟ قال: “لا”، قلت: فالثلث؟ قال: «الثلث. والثلث كثير . أن تذر ورثتك أغنياء، خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس» . حديث سعد رضي الله تعالى عنه أصل في مقدار الوصية؛ والوقف في مرض الموت يخرج مخرج الوصية في حق نفوذه من الثلث، فيتوقف نفوذُه فيما زاد على الثلث على إذن الورثة؛ لأن حق الورثة تعلق بالمال بوجود المرض، فمنع التبرع بزيادة على الثلث . فحينما مرض سعد بن أبي وقاص مرضاً شديدا في عام الفتح وقيل في حجة الوداع ، أتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده، فلما دخل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يا رسول الله! قد بلغ بي من الوجع ما تراه، وعندي مال كثير وليس يرثني إلا ابنة واحدة أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال: “لا” ، قلت: فالشطر؟ قال: “لا”، قلت: فالثلث؟ قال: «الثلث. والثلث كثير». فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن الثلثين ثُم عن الشّطْرِ وأباح له الثلث ووصفه بالكثرة، فمن كان له وارث فليس له أن يوصي بأكثر من ثلثه لقول النبي صلى الله عليه وسلم والثلث كثيرٌ لقوله إنك إن تذر ورثتك أغنياء خيرٌ من أن تذرهم عالة يتكففون الناس، فثبت بذلك حق للورثة في مال المريض بمنع ما زاد على الثلث . وقد اتفق العلماء على أن له الوصيَّة بالثلث، وروى هشام بن عروة عن أبيه عن ابن عباس أنهُ قال لو غضَّ الناس إلى الرُّبْعِ ; لأن رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قال الثلثُ والثلثُ كثيرٌ , فحُمِلَ قوله والثلث كثيرٌ على استكثار الثلث فِي الوصية والندب إلى التقصير عنه وروي عن عمر رضي الله عنه أنه أوصى بالربع وأوصى أبو بكر الصديق بالخمس, وقال: رضيت في وصيَّتِي بما رضي الله بِه لنبيه من الغنيمة . يقول الشيخ بن عثيمين – رحمه الله - : ونرى كثيراً من الناس يظنون أن الوصية بالثلث أفضل من الوصية بما دونه وهذا خطأ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «الثلث والثلث كثير»، ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما لو أن الناس قضوا من الثلث إلى الربع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الثلث والثلث كثير»، وأوصى أبو بكر الصديق رضي الله عنه بخمس ماله وقال أرضى بما رضي الله لنفسه فإن الله قال: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} (الأنفال:41) . والوصية هي: «الأمر بالتصرف بعد الموت»، وإذن الشارع بالتصرف عند الموت بثلث المال، وذلك من الألطاف الإلهية والتكثير من الأعمال الصالحة، وفي الخبر عنه: «إنَّ الله تصدَّق عليكم عند وفاتكم بثلث أموالكم». رواه ابن ماجه. قال النووي في شرحه على مسلم: «لا ينفذ ما زاد عن الثلث إلا برضا الوارث..وأجمع العلماء في هذه الأعصار على أن من له وارث لا تنفذ وصية بزيادة على الثلث إلا بإجازته، وأجمعوا على نفوذها بإجازته على جميع المال» فالإنسان حينما يرى قرب موته إما بمرض أو طول عمر فإنه يزهد في الدنيا بكاملها، حتى في أهله وأولاده، وينظر إلى ما بعد الموت، ويريد أن يقدم كل ما يمكن أن يستطيعه لآخرته، فهو تحت تأثير الرغبة والرهبة: الرهبة فيما هو مستقبل أمامه، والرغبة فيما عند الله من الأجر، فإنه يرغب بالتصدق، ومنهم من يوصي بأن يتصدق بكل ماله، وفي هذا ضرر للورثة، وهنا تكون النصيحة له بأن الحد الأقصى لا يتجاوز الثلث من ماله . ويعتبر المريض مرض موت إذا توافر فيه شرطان: أولهما: أن يكون من الأمراض التي يغلب فيها الموت عادة بحسب الاستقراء الطبي. وثانيهما أن يتصل به الموت. وقد نص مشروع قانون الأوقاف الكويتي في المادة الثانية منه على أن «تسري أحكام الوصية على الوقف الصادر من المريض مرض الموت، أو المضاف لما بعد الموت»، وجاء بالمذكرة الإيضاحية أن هذا النص قد أخذ بما جاء بنص المادة (942) من القانون المدني الكويتي التي تنص فقرتها الأولى على أن: «كل تصرف قانوني يصدر من شخص في مرض الموت بقصد التبرع يعتبر تصرفًا مضافًا إلى ما بعد الموت، وتسري عليه أحكام الوصية». وأن ذلك جاء نزولا على أقوال الفقهاء التي عبر عنها ابن قدامة من فقهاء الحنابلة بقوله: «الوقف في مرض الموت بمنزلة الوصية، في اعتباره من ثلث المال، وإذا خرج من الثلث جاز من غير رضا الورثة، وما زاد على الثلث، وقف الزائد على إجازة الورثة»( ). وبعض المجتمعات الإسلامية ولاسيما في الخليج العربي - على وجه العموم- تعبر عن الوقف بتعبير الثلث، والوقف المضاف لما بعد الموت حكمه حكم الوصية بالوقف. والوقف طاعة لله تعالى، فلا يضر معه أحد، ولا يمنع منه البنات دون الأبناء، فلا ضرر في الوقف، وقد استنكرت أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها – حرمان البنات من نصيبهن ، فكانتْ إذا ذكرَت صدقات الناس، وإخراج الرِّجال بناتِهم منها، تقول: «ما وجدتُ للناس مثلاً اليوم في صدقاتِهم، إلا كما قال الله - عزَّ وجلَّ -: {وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ} (الأنعام: 139)»، والله إنه ليتصدَّق الرَّجُل بالصدقة العظيمة على ابنته، فترى غضارة صدقته عليها، وترى ابنته الأخرى، وإنَّه لَيُعرف عليها الخصاصة، لَمَّا أبوها أخرَجَها من صدقته» . أي أن إحدى بناته تلمس كثرة الصدقة عليها، والابنة الأخرى قد لحقها الظلم والفقر نتيجة حرمانها، وفي ذلك إضرار ببعض أبناءه. وللحديث فوائد ودلالات: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعود أصحابه إذا مرضوا وهذا من مكارم أخلاقه صلوات الله وسلامه عليه. عيادة المريض عمل يتقرب فيه إلى الله، عن البراء بن عازب، قال: «أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بسبع: عيادة المريض، واتباع الجنائز، وتشميت العاطس، ونهانا عن: لبس الحرير ، والديباج، والقسي، والاستبرق، والمياثر الحمر» . وفيه دليلٌ على جواز إخبار العليل بشدَّة حاله لمن يرجُو بركة دعائه، ومن يعلَمُ إشْفَاقُهُ عليه، ولذريته ليخبرهم ماله وما عليه من ديون لتعجيل سدادها. وهذا الحديث من معجزاته صلى الله عليه وسلم، وهو أنه أخبر سعداً وهو مريض بأنه سيعيش وسيأتي له الأولاد ويكون له الورثة العديدون، قيل قد ولد له بعد ذلك أربعة، ومنهم من قال: ستة، ومنهم من قال: ثمانية من الأولاد ذكوراً وإناثاً. والوقف الإسلامي مقاصده وغاياته لم تدركه أمة من الأمم، كما أدركه المسلمون، فهو تشريع من عند الله تعالى، وقد امتثل أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم وصايا النبي وطبقوها تطبيقاً علمياً، فأوقف الصحابة رضوان الله عليهم الأوقاف ابتغاء مرضاة الله تعالى، روى محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة: «ما أعلم أحداً من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم من أهل بدر من المهاجرين والأنصار، إلا وقد وقف من ماله حبساً لا يشترى ولا يورث ولا يوهب، حتى يرث الأرض وما عليها»( ). وللوقف هدف أسمى من بقية الأهداف وهو امتثال أمر الله سبحانه وتعالى بالإنفاق والتصدق والبذل فى وجوه البر، كما أن فيه أمتثالاً لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصدقة وحثه عليها ، ووسيلة لحصول الأجر والثواب من الله تعالى وتكثيرها، كما أن فيه وسيلة للتكفير عن الذنوب ومحوها، ومع الوقف تطول سنة الانتفاع من المال ومد نفعه إلى أجيال متتابعة . وينبغي على المسلم شكر النعم، ومن شكرها تخصيص جزء من أمواله وجعله فيما يعود عليهم بالنفع العاجل والآجل، ففي الوقف استمرار للأجر للواقف، والنفع الموقف عليه، فهو من الأعمال التي لا تنقطع بموت صاحبها بل يستمر معها الأجر والثواب . الهوامش: 1 - صحيح سنن ابن ماجة ، للألباني ، باب الوصية بالثلث . برقم 2189. 2 - انظر: البحر الرائق، (5: 211)، وتحفة المحتاج، (6: 251) ، والموسوعة الفقهية – الكويتية ، (44/126) 3 - جاء في صحيح البخاري ، برقم 1295: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني عام حجة الوداع، من وجع اشتد بي ، فقلت: إني قد بلغ بي من الوجع ، وأنا ذو مال، ولا يرثني إلا ابنة ، أفاتصدق بثلثي مالي؟ قال : لا . قلت: بالشطر ؟ فقال: لا . ثم قال : الثلث والثلث كبير، أو كثير، إنك أن تذر ورثتك أغنياء ، خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس « . 4 - انظر المنتقى في شرح الموطأ مالك ، شرح حديث 5 - انظر للاستزادة : خطبة الشيخ بن عثيمين رحمه الله ،بعنوان : الوصية والوقف. موقع الشيخ http://www.ibnothaimeen.com 6 - شرح النووي لحديث رقم 1628. 7 - المذكرة الإيضاحية لمشروع قانون الأوقاف، الأمانة العامة للأوقاف، ص 14. ولمزيد من التفاصيل حول ما يتعلق وصية المريض مرض الموت انظر كلا من: أ.د. محمد مصطفى شلبي، مرجع سابق، ص 345- 351، والموسوعة الفقهية الكويتية، مرجع سابق، ج 44، ص 126- 129 . 8 - «المدوَّنة الكبرى»، للإمام مالك، (4 / 345). 9 - أخرجه البخاري في صحيحه، برقم 5849. 01 - أحكام الأوقاف للخصاف، ص:6 . اعداد: عيسى القدومي
__________________
|
#35
|
||||
|
||||
رد: الأربعــون الوقفيــة
الأربعون الوقفية (35) جرياً على نهج السلف في جمع نخبة من الأحاديث النبوية التي تخص باب علم مستقلا، وإحياء لسنة الوقف – الصدقة الجارية- فقد جمعت أربعين حديثاً نبوياً في الأعمال الوقفية، ورتبت ما جاء فيها من أحكام وفوائد من كتب السنن وشروحها، وكتب الفقه وأصوله؛ وأفردت شرحاً متوسطاً لكل حديث، حوى أحكاماً وفوائد جمة للواقفين من المتصدقين، وللقائمين على المؤسسات والمشاريع الوقفية، ونظار الوقف، والهيئات والمؤسسات المكلفة برعاية الأصول الوقفية ونمائها. أسأل الله أن يجعل هذا العمل إحياء لسنة الوقف والصدقة الجارية, وينفع به قولاً وعملا, ويكتب لنا أجر ذلك في صحائفنا. الحديث الخامس والثلاثون: الوقف على القرابة.. شفقة وحفظ كرامة عن هشام بن عروة: «أن الزبير وقف على ولده وجعل للمردودة من بناته أن تسكن غير مضرة ولا مضر بها، فإن استغنت بزوج فلا حق لها فيه»(1). من أوقاف الصحابة التي شاع خبرها، أن الزبير جعل دوره صدقة على ولده والمردودة من بناته، أي المطلقة والفاقدة التي مات زوجها، فلها أن ترد إلى البيت الذي أوقفه أبوها، وهذا من شفقة الأب على بناته؛ لتحفظ كرامتهن، ولتسد احتياجاتهن، بأن يضمن لمن تطلق أو تفقد زوجها أن تجد داراً تؤويها. فقد أوقف الكثير من الصحابة الأوقاف، وأكد ذلك القرطبي بقوله: «إن أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً وعائشة وفاطمة وعمرو بن العاص والزبير وجابراً كلهم وقفوا الأوقاف، وأوقافهم بمكة والمدينة معروفة مشهورة»(2). قال محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة: «ما أعلم أحداً من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم من أهل بدر من المهاجرين والأنصار، إلا وقد وقف من ماله حبساً لا يشترى ولا يورث ولا يوهب، حتى يرث الله الأرض وما عليها»(3). فقد امتثل أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم وصايا النبي وطبقوها تطبيقاً عملياً، فأوقف الصحابة رضوان الله عليهم الأوقاف ابتغاء مرضاة الله تعالى، واستمر المسلمون من بعدهم في جريان أعمال الوقف وتعاهدوه جيلا بعد جيل. وهذا ما أكده جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه بقوله: فما أعلم أحداً ذا مقدرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا حبس مالاً من ماله صدقة مؤبدة لا تشترى أبداً، ولا توهب ولا تورث (4). وكان من الصحابة ما اشترطوا في وقوفهم(5) أن يكون ريعها ومنفعتها على أولادهم وأقاربهم، كوقف عمر رضي الله عنه، ووقف ابن عمر حينما أوقف نصيبه من دار عمر رضي الله عنهما سكنى لذوي الحاجة من آل عبد الله، ووقف أنس بن مالك دارا له بالمدينة فكان إذا حج مر بالمدينة، نزل داره، وتصدق الزبير بدوره، وقال للمردودة – أي المطلقة - من بناته أن تسكن غير مضرة ولا مضر بها، فإن استغنت بزوج فليس لها حق(6). وفي كتاب الوقف للبيهقي، قال: «تصدق الزبير ابن العوام رضي الله عنه بداره بمكة وداره بمصر، وأمواله بالمدينة»(7). ووقف الصحابي الجليل الزبير بن العوام رضي الله عنه من هذا النوع (الوقف الذري أو الأهلي)، فقد أوقف عقاراً، وجعل منفعته لأولاده، واشترط أن تنتفع بناته منه، بشرط إن كانت غير متزوجة، فإن تزوجت فلا حق لها فيه، وإن طلقت فلها حق الانتفاع من هذا الوقف. والوقف أنواع، إما خيري، أو أهلي - ذُرِّي- أو مشترك: أما الوقف الخيري: فهو ما يصرف منه الريع من أول الأمر إلى جهة خيرية، كالفقراء والمساجد والمدارس والمستشفيات ونحوها. والوقف الأهلي أو الذُرّي: ما جعلت فيه المنفعة للأفراد، إما على الواقف نفسه، أو أقاربه، أو شخص معين. وهناك نوع ثالث سمي بالوقف المشترك: وهو ما يجمع بين الوقف الأهلي والخيري، يوقفه الواقف على جهة خيرية وعلى الأفراد، أو أن يكون لأقاربه بداية ثم لأبواب الخير من بعدهم. ومدار الفرق بين الوقف الخيري والذري هو الجهة الموقوف عليها، فإن كانت خاصة بالواقف وقرابته كان الوقف أهليا أو ذرياً، وإن كانت عامة كان الوقف خيرياً. وكل منهما يعد قربة إلى الله وصدقة جارية لصاحبها، كما أن الوقف الذري مآله في الغالب إلى أن يكون وقفاً خيرياً. وتقسيم الوقف وتسميته بالأهلي والخيري لم يكن موجوداً في العصور الأولى للإسلام، بل كانت الأوقاف معروفة بالصدقات؛ ولذلك كان يقال: «هذه صدقة فلان»، وكتب أوقاف الصحابة كلها عبرت عن الوقف بالتصدق: فتصدق بها عمر على كذا وكذا، وتصدق أبو بكر بداره بمكة على ولده، وكثير من هذه التعبيرات. وبالرغم من عدم وجود تقسيم للوقف وتسميته بالأهلي أو الخيري، إلا أنه كان موجوداً بنوعيه منذ أن عرف الوقف في الإسلام، بل إن وقف عمر الذي يعد أساساً لما جاء بعده من أوقاف، كان موزعاً بين جهات البر وذوي القربى(8). وللواقف الحق أن يشترط في وقفه، وشروط الواقف يقصد بها تلك الإرادة التي يقوم الواقف بالتعبير عنها في وثيقة وقفه، وهذه الوثيقة تسمى: كتاب الوقف، أو الإشهار بالوقف، أو حجة الوقف، فتكون المرجع في شروط الواقف، وبها تستبين النظم التي وضعها الواقف للعمل في وقفه، سواء كانت متعلقة بمصارف الوقف: وهي الجهات الموقوف عليها، أو متعلقة بكيفية توزيع ريع الوقف للموقوف عليهم، وبعضها متعلق بتحديد من يتولى الوقف، أي ناظر الوقف، وكيفية إدارة شؤونه، أو شروط أخرى أرادها الواقف. وشرط الواقف معتبر إن لم يكن مخالفا لحكم الشرع، فلا تصح مخالفته، وهو الذي قال فيه الفقهاء: «شرط الواقف كنص الشارع»، أي في الفهم والدلالة والتزام العمل به. ومن الأمثلة على شرط الواقف: كالذي يوقف على أولاده لصلبه ماداموا صغاراً، وشرط صرف غلة وقفه إلى أبواب الخير إذا بلغ سن التكليف أصغرهم، فيستمر الصرف حتى يبلغ أصغر أولاده الحلم. ومن الأمثلة كذلك ما إذا وقف الواقف داره وشرط السكنى لزوجته فلانة ما دامت عزباء – أي بعد موته – فمات وانتفعت زوجته بوقفه، وإن تزوجت بعد موته فإنه ينقطع حقها من الوقف بالتزوج. وللأثر فوائد ودلالات: حرص الصحابة كذلك على الوقف وبذل أنفس أموالهم ليكون ذخراً لهم بعد وفاتهم؛ لتستمر معه الحسنات، وتكفر به السيئات. وحرص الصحابة على حفظ كرامة أبنائهم في حياتهم وبعد وفاتهم. وفيه صحة وقف الشخص على أولاده، ومن بعدهم لجهة خيرية. وفيه للواقف أن يشترط في وقفه ما يريد بشرط ألا ينافي حكم الوقف، ولا يضر بالموقوف، ولا بمصلحة الموقوف عليهم، ولا يخالف شرع الله. وفيه فضل الإحسان إلى الأقارب، والوقف لهم، والنفقة على المحتاج منهم، ففي الوقف على ذوي القربى زيادة تكافل الأسرة، وتأمين لمستقبلهم بإيجاد دخل ثابت لهم، وفيه صون البيوتات العريقة من الاندثار، وحفظ أفراد الأسرة الكريمة من الضياع والفاقة. وفيه امتثال لجواب النبي صلى الله عليه وسلم حين سأل: «أي الصدقة أفضل؟ قال: جهد المقل، وابدأ بمن تعول» (9). والوقف سواء كان على الأهل، أو على سائر جهات البر، فيه معنى الخير، والإحسان، والصدقة. وفيه جواز أن يجعل وقفه على من احتاج من أولاده ذكورًا وإناثًا من غير أن يضر بوقفه أحداً من الورثة، كالإضرار بوقفه البنات. وأهل العلم على خلاف في التفضيل بين الأولاد، فقال بعضهم: لا بأس به إن كان بعضهم له عيال وبه حاجة، وأما إذا كان على سبيل الأثرة فمكروه، أي إن وقف الوالد على أحد أبنائه صحيح ما دام الابن المذكور له من الاحتياجات ما ليس لبقية إخوته. وإن المنهي عنه من هذا هو أن يخص الوالد أحد أبنائه دون مسوغ شرعي. قال ابن قدامة في «المغني»: «المستحب أن يقسم الوقف على أولاده على حسب قسمة الله تعالى الميراث بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين... فإن خالف فسوى بين الذكر والأنثى أو فضلها عليه أو فضل بعض البنين أو بعض البنات على بعض أو خص بعضهم بالوقف دون بعض، فقال أحمد في رواية محمد بن الحكم: إن كان على طريق الأثرة فأكرهه، وإن كان على أن بعضهم له عيال وبه حاجة يعني فلا بأس به، ووجه ذلك أن الزبير خص المردودة من بناته دون المستغنية منهن بصدقته. وعلى قياس قول أحمد لو خص المشتغلين بالعلم من أولاده بوقفه تحريضا لهم على طلب العلم، أو ذا الدين دون الفساق، أو المريض أو من له فضل من أجل فضيلته فلا بأس»(10). والشيخ ابن عثيمين – رحمه الله – قال في «الشرح الممتع»: «لا يجوز له أن يخص الوقف ببنيه؛ لأنه إذا فعل ذلك دخل في قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم»(11)، فيكون بهذا العمل غير متقٍ لله تعالى، وسمى النبي صلّى الله عليه وسلّم تخصيص بعض الأبناء جَوْراً، فقال: «لا أشهد على جَوْر»، ولا شك أن من وقف على بنيه دون بناته أنه جَور». والحاصل أن القول بوجوب العدل في القسمة بين الأولاد ذكورا وإناثا هو القول الحق الذي لا يجوز العدول عنه. الهوامش: 1- أخرجه البيهقى (6/166 - 167)، وأخرجه الدارمى (2/427)، وصححه الألباني في إرواء الغليل برقم: 1595. 2- تفسير القرطبي 6/318. 3- أحكام الأوقاف للخصاف، ص:6. 4- انظر كتاب: أحكام الأوقاف للخصاف، 5 وما بعدها. 5 - الوقوف جمع وقف، والوقف يجمع على: أوقاف ووقوف. 6 - انظر: فتح الباري، كتاب الوصايا، باب إذا وقف أرضاً أو بئراً أو اشترط لنفسه مثل دلاء المسلمين (7/24). 7- انظر: السنن الكبرى للبيهقي، كتاب الوقف، باب الصدقات المحرمات (6/161). 8 - أحكام وضوابط العمل الخيري، محمود صفا الصياد العكلا، رسالة ماجستير، لم تنشر، ص 157. 9- صحيح الترغيب للألباني، برقم 882. 10- انظر المغني، لابن قدامة المقدسي (8/206). 11- السلسلة الصحيحة، للألباني، برقم 3946. اعداد: عيسى القدومي
__________________
|
#36
|
||||
|
||||
رد: الأربعــون الوقفيــة
الأربعون الوقفية (36) جرياً على نهج السلف في جمع نخبة من الأحاديث النبوية التي تخص باب علم مستقلا، وإحياء لسنة الوقف – الصدقة الجارية- فقد جمعت أربعين حديثاً نبوياً في الأعمال الوقفية، ورتبت ما جاء فيها من أحكام وفوائد من كتب السنن وشروحها، وكتب الفقه وأصوله، وأفردت شرحاً متوسطاً لكل حديث حوى أحكاماً وفوائد جمة للواقفين من المتصدقين، وللقائمين على المؤسسات والمشاريع الوقفية ونظار الوقف، والهيئات والمؤسسات المكلفة برعاية الأصول الوقفية ونمائها، أسأل الله أن يجعل هذا العمل إحياء لسنة الوقف والصدقة الجارية, وينفع به قولاً وعملا, ويكتب لنا أجر ذلك في صحائفنا. الحديث السادس والثلاثون : أهل الوقف يدعون من باب الصدقة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « من أنفق زوجين في سبيل الله، نودي في الجنة: يا عبدالله، هذا خير، فمن كان من أهل الصلاة دُعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دُعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة دُعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام دُعي من باب الريان»(1). ومن فضل وعِظم أجر الصدقة أن يبادر خزنة كل باب من أبواب الجنة لدعوة المتصدق كل يريده أن يدخل من قِبَله، وللجنة باب يقال له: باب الصدقة، يدخل منه المتصدقون. فالجنة ليس لها باب واحد، وهذا من فضل الله على عباده ورحمته بهم أن جعل لها ثمانية أبواب لكل صنف من أصناف العمل والطاعة باب يدخل منه أهله، فمن كان ميسرا للصلاة دخل من باب الصلاة، ومن كان ميسرا للجهاد دخل من باب الجهاد، ومن كان ميسرا للصدقة دخل من باب الصدقة. والمراد بالزوجين: إنفاق شيئين من أي صنف من أصناف المال من نوع واحد(2)، والمراد بقوله: «في سبيل الله»: عموم الإنفاق في وجوه الخير، وقيل: مخصوص بالجهاد، والأول أصح وأظهر(3)، فمن أنفق زوجين أي صنفين من أصناف المال في طلب ثواب الله تعالى، دعي من أبواب الجنة الثمانية. وقد أبان العيني أن المراد بالصدقة هنا: النافلة؛ لأن الزكاة الواجبة لا بد منها لجميع من وجبت عليه من المسلمين، ومن ترك شيئاً منها فيخاف عليه أن ينادى من أبواب جهنم(4). ومعنى الحديث أن كل عامل يدعى من باب ذلك العمل, وقد جاء ذلك صريحًا من وجه آخر عن أبي هريرة: «لكُلِّ عامل باب من أبواب الجنة يُدعى منه بذلك العمل». أخرجه أحمد وابن أبي شيبة بإسنادٍ صحيح(5). والوقف في الإسلام نوع من أنواع الصدقات التى رغب الشارع فيها وندب إليها، وهو وسيلة من وسائل القرب التى يتقرب بها العبد إلى ربه، ولا فرق في ذلك بين الوقف على جهة عامة كالفقراء وطلبة العلم ونحو ذلك، أو الوقف على القرابة والذرية، إلا أن السلف الأول من هذه الأمة يفضلون أن يكون للمساكين(6). وكل وقف صدقة، وليس كل صدقة وقفاً، وكذلك ليس كل صدقة جارية وقفاً، ولكن كل وقف صدقة جارية، فقد يكون للمسلم أجر جارٍ من عمل عمله كنشر العلم، وأحياء سنة من سنن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه أعمال أجرها مستمر ولكنها لا تعد وقفاً. فالوقف «تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة»، أي: «منع تملك العين؛ لأنها خرجت من ملك البشر إلى ملك الله تعالى». والأصل: هو العين الموقوفة: «عقار، بستان، سلاح، دابة، أدوات...»، وتسبيل: أي جعل لعوائد مصروفة للجهة المقصودة في الوقف والمعنية به، والمنفعة إما تكون بعين الوقف أو بريع الوقف. وللوقف هدف عام، وهو إيجاد مورد دائم ومستمر لتحقيق غرض مباح من أجل مصلحة معينة، وله كذلك أهداف خاصة، أهمها: امتثال أمر الله سبحانه وتعالى بالإنفاق والتصدق والبذل في وجوه البر، كما أن فيه امتثالا لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصدقة وحثه عليها. ضمان بقاء المال ودوام الانتفاع به والاستفادة منه، وحماية للمال ومحافظة عليه من عبث العابثين. استمرار الأجر للواقف، والنفع للموقوف عليه، فالوقف من الأعمال التي لا تنقطع بموت صاحبها بل يستمر معها الأجر والثواب. تحقيق التكافل والتعاضد بين الأمة، وإيجاد التوازن في المجتمع. وهو عامل من عوامل تنظيم الحياة بمنهج حميد، يرفع من مكانة الفقير وتقوية الضعيف. وفي الوقف تحقيق لأهداف اجتماعية واسعة وأغراض خيرية شاملة. وبالوقف يمكن للمرء أن يؤمن مستقبله ومستقبل ذريته بإيجاد مورد ثابت يضمنه ويكون واقياً لهم عن الحاجة والعوز والفقر. والوقف يحقق للأمة الطمأنينة النفسية في الدنيا، والفوز في الدار الآخرة. وفي الوقف بر للموقوف عليه، وقد حث الشرع الكريم على البر ورغب فيه. وفى الوقف تطول مدة الانتفاع من المال، ويمتد نفعه إلى أجيال متتابعة. وللحديث فوائد ودلالات: ففيه أن الجنة درجات، وأن هذه الدرجات أعدها الله عز وجل للمؤمنين على قدر أعمالهم الصالحة، قال تعالى: {وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار}(البقرة: 25)، وقال[: «إن في الجنة مائة درجة، أعدها الله للمجاهدين في سبيله، كل درجتين ما بينهما كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فسلوه الفردوس، فإنه أوسط الجنة، وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة» (7). وفيه أن للجنة ثمانية أبواب تسمى بأسماء الأعمال الصالحة، فهناك باب للصائمين يدعى (الريان) وهناك باب الصلاة، وباب الإحسان، وباب الصدقة، وباب الجهاد. والمسلم الذي كان يكثر من الصيام يدخل من باب الصيام، وكثير الصلاة يدخل من باب الصلاة.. وهكذا، وهناك أناس يدعون من جميع الأبواب. وفيه أن صاحب صدقة الوقف يدعى من باب خاص من أبواب الجنة يقال له باب الصدقة كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وفيه أن الصدقة والوقف وسيلة لحصول الأجر والثواب من الله تعالى وتكثيرها، كما أن فيه وسيلة للتكفير عن الذنوب ومحوها. فالواجب على المسلم شكر النعم، ومن شكرها تخصيص جزء من أمواله وجعله فيما يعود عليهم بالنفع العاجل والآجل. والوقف في حال الصحة والقوة أفضل من الوصية بعد الموت أو حال المرض والاحتضار، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصدقة أن تصدَّق وأنت صحيحٌ شحيحُ، تأمل الغنى وتخشى الفقر، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت: لفلان كذا ولفلان كذا، ألا وقد كان لفلان كذا»(8). ومن نعمة الله عز وجل على العبد أن يكون ذا مال، ومن تمام نعمته عليه فيه أن يكون هذا المال عوناً له على طاعة الله، قال صلى الله عليه وسلم: «نعم المال الصالح للمرء الصالح»(9)، وصاحب الوقف يبارك له في ماله كما أخبر النبيصلى الله عليه وسلمبقوله: «ما نقصت صدقة من مال»(10). والواقف في ظل صدقته يوم القيامة كما في حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كل امرئ في ظل صدقته، حتى يقضى بين الناس»(11). وفي الوقف انشراح الصدر، وراحة القلب وطمأنينته، ومعايشة نفعه للجهات الموقوف عليها. الهوامش: 1- أخرجه البخاري في صحيحه برقم: 1897، ومسلم في صحيحه برقم 1027، وفي صحيح النسائي للألباني برقم 3135، وصحيح الترمذي للألباني برقم 3674. 2- انظر: شرح مسلم للنووي: 7-162، فتح الباري لابن حجر: 7-34. 3- انظر: عمدة القاري، للعيني: 10-264 4- انظر: شرح ابن حجر للبخاري مسألة رقم 3466. 5-كتاب الوقف من مسائل الإمام أحمد بن حنبل، تأليف الإمام أحمد الخلال، دراسة وتحقيق د. عبدالله الزيد (المجلد الأول/28)، دار المعارف الرياض ط1 / 1410 هــ - 1989م. 6 - كتاب الوقف من مسائل الإمام أحمد بن حنبل، تأليف الإمام أحمد الخلال، دراسة وتحقيق د. عبدالله الزيد (المجلد الأول/28)، دار المعارف الرياض ط1 / 1410 هــ - 1989م. 7 - أخرجه البخاري في صحيحه، برقم 7423. 8 - صحيح الجامع، للألباني، برقم 1111. 9 - صحيح الأدب المفرد، للألباني، برقم 229. 10 - أخرجه مسلم في صحيحه، برقم 2588. 11 - صحيح الجامع، للألباني، برقم 4510. اعداد: عيسى القدومي
__________________
|
#37
|
||||
|
||||
رد: الأربعــون الوقفيــة
الأربعون الوقفية (37) جرياً على نهج السلف في جمع نخبة من الأحاديث النبوية التي تخص باب علم مستقلا، وإحياء لسنة الوقف – الصدقة الجارية- فقد جمعت أربعين حديثاً نبوياً في الأعمال الوقفية، ورتبت ما جاء فيها من أحكام وفوائد من كتب السنن وشروحها، وكتب الفقه وأصوله، وأفردت شرحاً متوسطاً لكل حديث، حوى أحكاماً وفوائد جمة للواقفين من المتصدقين، وللقائمين على المؤسسات والمشاريع الوقفية، ونظار الوقف، والهيئات والمؤسسات المكلفة برعاية الأصول الوقفية ونمائها، أسأل الله أن يجعل هذا العمل إحياء لسنة الوقف والصدقة الجارية, وينفع به قولاً وعملا, ويكتب لنا أجر ذلك في صحائفنا. الحديث السابع والثلاثون: لك خيرٌ منه في الجنة عن ثمامة بن حزن القشيري عن عثمان رضي الله عنه قال: إن المسجد ضاق بأهله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “من يشتري بقعة آل فلان فيزيدها في المسجد بخير له منها في الجنة”، فاشتريتها من صلب مالي فزدتها في المسجد”(1). لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، أمر عليه الصلاة والسلام ببناء مسجده، وكان الموقع المختار أرضاً كانت لبني النجار، فطلب صلى الله عليه وسلم من كبار بني النجار وأعيانهم أن يبيعوا أرضا لهم، ليبني عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجداً، فكان جوابهم أنهم جعلوا تلك الأرض وقفاً لله تعالى، لا يطلبون ثمناً لها من أحد، إلا الأجر والثواب من الله تعالى، فقد روي بالسند إلى أنس رضي الله عنه، أنه قال: “أمر النبي صلى الله عليه وسلم ببناء المسجد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «يا بني النجار، ثامنوني بحائطكم هذا». قالوا: لا والله، لا نطلب ثمنه إلا إلى الله”(2). فأوقفوا أرضهم لمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم . ولما كثُر أهل الإسلام بعد سنوات من بناء رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجده في المدينة، وضاق مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمصلين، ولم يعد يتسع صلى الله عليه وسلم لجموع المصلين، رغب النبي صلى الله عليه وسلم من بعض الصحابة أن يشتري بقعة بجانب المسجد، لكي تزاد في المسجد حتى يتسع لأهله، فقال صلى الله عليه وسلم : «من يشتري بقعة آل فلان فيزيدها في المسجد بخير له منها في الجنة؟»، فاشتراها عثمان بن عفان - رضي الله عنه - من صلب ماله، ووسع على المسلمين رضي الله عنه وأرضاه. وذكر الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى- روايات توضح مقدار المال الذي اشترى به عثمان رضي الله عنه البقعة التي زيدت في المسجد، فقال: “وزاد النسائي من رواية الأحنف بن قيس عن عثمان أنه اشتراها بعشرين ألفاً أو بخمسة وعشرين ألفاً”. (3) وبهذا الفعل وفق الله تعالى عثمان رضي الله عنه لأن يكون له أجر إلى يوم الدين، من هذا الفعل، من كل من شد الرحال من سائر أنحاء الدنيا إلى مسجد رسول الله، فهو رضي الله عنه صاحب الصولات والجولات في النفقة على الدين وخدمة الرسول الأمين وجميع المسلمين، فحينما قال صلى الله عليه وسلم من يشتري بئر رومة فيجعل دلوه مع دلاء المسلمين بخير له منها في الجنة؟ اشتراها عثمان، وحينما قال صلى الله عليه وسلم : من يشتري بقعة آل فلان فيزيدها في المسجد بخير له منها في الجنة؟ اشتراها عثمان، وحينما دعا النبي صلى الله عليه وسلم لتجهيز جيش العسرة وكان الناس في ضيق وشدة وقلة جهزه عثمان، وفي كل مرة يقول عليه الصلاة والسلام: «ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم. فقد عرف رضي الله عنه بالمسارعة إلى الخيرات؛ لأنه أراد الجنة، والجنة هي سلعة الله الغالية التي تحتاج إلى سعي وعمل وبذل وعطاء، قال تعالى: {وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا}(4)، ولتكون من أهل الجنة فلا بد من الإنفاق في سبيل الله تعالى. وفي هذا الحديث فوائد ودلالات: ففيه مشروعية وقف الأرض للمسجد، وفيه أهمية توسيع المساجد وهذا من باب إعمار المساجد، وامتثالا لقوله تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى أُوْلَـئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ}(5). وقول النبي صلى الله عليه وسلم : « من بنى مسجداً لله تعالى يبتغي به وجه الله بنى الله له بيتاً في الجنة «(6). وفيه جواز تحدث الرجل بمناقبه عند الاحتياج إلى ذلك لدفع مضرة، أو تحصيل منفعة، وإنما يكره ذلك عند المفاخرة، والمكاثرة، والعجب، وهذا من مناقب أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه, وتباً للألسن والأقلام التي تطعن فيه. وفيه أن بناء المساجد وتوفير قطع الأرض للمساجد طريق إلى الجنة وباب أجر مستمر من الله تعالى كلما صلى به المصلون، وتعبد به العباد في قراءة القرآن ومجالس العلم والاعتكاف وغيرها من الأعمال، فهذا العمل باب لدخول الجنة. والمال محبوب إلى النفس، والمحبوب لا يبذل إلا ابتغاء محبوب مثله أو أكثر منه، ولهذا سميت صدقة لأنها تدل على صدق طلب صاحبها لرضا الله تبارك وتعالى، فعن أبي كبشة الأنماري رضي الله تعالى عنه، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ثلاثة أقسم عليهن: ما نقص مال عبد من صدقة، ولا ظلم عبد مظلمة فصبر عليها إلا زاده الله عزا، ولا فتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر»(7). حديث جمع بلاغة الأسلوب، وسهولة المعاني، والترغيب والتشويق لثلاثة خصال حميدة وأخلاق كريمة، أولها: الإحسان بالصدقة، وثانيها: الصبر على الظلم، وثالثها: الاستعفاف عما بأيدي الناس. والصدقة لها بركة، فهي لا تنقص المال بل تزيده حسا ومعنى، فكيف إن كانت الصدقة مما يحبس أصلها ويصرف من ريعها ففضلها أكبر وأثرها أكبر. والوقف أقام ورعى ومول في العهود الإسلامية ومراحل الحضارة الإسلامية، المساجد التي هي بيوت الله في الأرض، ودواوين الشؤون الإسلامية العامة، وأوتاد الإسلام في أوطان المسلمين، وهنا حقيقة بأن الأوقاف إذا ما لاقت الاهتمام الكافي من ناحية الإشراف عليها واستثمارها، فإنها كفيلة بالاعتماد عليها في تسيير كثير من الأمور في حياة الأفراد والمجتمعات. وفي شهادة غربية على دور الأوقاف في العهود الإسلامية كتب: (المستر إي اهلر) دراسة بعنوان «في البحث عن الهوية: دراسة في الوقف والمدينة الإسلامية في الشرق الأوسط» أكد فيها الباحث الآتي: «من المُسَلّم به بين دارسي الحضارة الإسلامية أن تطور البلدان والمدن في التاريخ الإسلامي لا يمكن تصوره من دون مؤسسة الوقف؛ حيث إن وضع الجامع في مكان ما وإحاطته بالأسواق والدكاكين الموقوفة عليه والمدارس الملحقة به، فرض نمطاً في التطور المعماري، ونقل الأمة نقلة حضارية في العمارة وتخطيط المدن، وتجلى هذا الأثر بأوضح أشكاله في المدن الصغيرة التي أوقفت بها أوقاف كبيرة، حيث أصبحت الأوقاف محور حياة المدينة وفرضت علاقات ليست في العمارة فقط، بل في الثقافة والاقتصاد والاجتماع. ولم تقتصر الأوقاف على الأسواق والمدارس وحدها، بل غالباً ما أضيف إليها المستشفيات والحمامات والخانات في أوقاف متكاملة جعلت مركز الحياة في المدينة الإسلامية تدور حول مؤسسات الوقف»(8). فالمسجد موضوع لكل ما فيه مصلحة الإسلام والمسلمين؛ ولذلك أول ما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة اعتنى ببناء المسجد، وحث الإسلامُ على بناء المساجد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من بنى مسجدا لله، بنى الله له في الجنة مثله»، وفي رواية: «بنى الله له بيتا في الجنة» (9). ولخص الإمام الحسن البصري -رحمه الله- فوائد المسجد بخمس، فقال: «أيها المؤمن لن تعدم في المسجد إحدى خمس فوائد: أولها: مغفرة من الله تكفر ما سلف من الخطيئة، وثانيها: اكتساب رجل صالح تحبه في الله، وثالثها: أن تعرف جيرانك فتتفقد مريضهم وفقيرهم. ورابعها: أن تكف سمعك وبصرك عن الحرام، وخامسها: أن تسمع آية تهديك. ولهذا كان وما زال للمسجد دور ريادي في دولة الإسلام، فقد جعل الرسول عليه الصلاة والسلام المسجد جامعة كبرى للعقائد، والأخلاق والسلوك والآداب والخطابة وانطلاق الفتوحات ورد الغارات، بل المنتدى الرحب لاستقبال الوفود، ورسل الملوك، وممثلي القبائل، كل وفد يستقبله صلى الله عليه وسلم في المسجد لأنه المكان المناسب لتبادل الرأي والشورى والحكمة، وللأخذ والعطاء. فهو مكان العبادة والاعتكاف، ومكان التعليم والتوجيه، ومكان تشاور المسلمين وتناصحهم، ومركز عقد ألوية الجيوش المجاهدة في سبيل الله، ومكان استقبال الوفود القادمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم . وفي المسجد تربت خير أمة تحملت أعباء الدعوة، وصدقت في حمل راية الجهاد، ونشرت دين الله في ربوع الأرض كلها، فكان أول إمام للمسجد هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم تكن مهمته قاصرة على الإمامة في الصلاة، بل لقد كان الأسوة الحسنة لكل داعية ولكل إمام من أئمة المساجد الذين يأتون بعده، فقد كان المربي، والواعظ، والمرشد، والحاكم بين الناس، والمفتي، والمعلم، فكان بذلك منبعاُ يفيض بالخير لمن حوله في كل جانب من جوانب البر والخير، وبذلك كان المسجد مصدر سعادة وخير للأمة تعلمت منه ما تحتاج إليه في أمر دينها ودنياها. الهوامش: 1- أخرجه النسائي في سننه، في كتاب الأحباس، باب وقف المساجد، برقم 3608. وصححه الألباني في صحيح النسائي، برقم 3610. 2- أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الوصايا، باب: إذا وقف جماعة أرضاً مشاعاً فهو جائز، برقم 2771. 3- انظر: فتح الباري 5/408. 4- سورة الإسراء، الآية 19 5- سورة التوبة: الآية 18. 6- أخرجه مسلم في صحيحه، برقم: 533. 7- أخرجه الترمذي في سننه، برقم 2325 8- انظر: أبحاث ندوة نحو دور تنموي للوقف، وزارة الأوقاف الكويتية، صفحة 138-139. 9- أخرجه مسلم في صحيحه، برقم 533. اعداد: عيسى القدومي
__________________
|
#38
|
||||
|
||||
رد: الأربعــون الوقفيــة
الأربعون الوقفية (38) جرياً على نهج السلف في جمع نخبة من الأحاديث النبوية التي تخص باب علم مستقلا، وإحياء لسنة الوقف – الصدقة الجارية- فقد جمعت أربعين حديثاً نبوياً في الأعمال الوقفية، ورتبت ما جاء فيها من أحكام وفوائد من كتب السنن وشروحها، وكتب الفقه وأصوله، وأفردت شرحاً متوسطاً لكل حديث، حوى أحكاماً وفوائد جمة للواقفين من المتصدقين، وللقائمين على المؤسسات والمشاريع الوقفية، ونظار الوقف، والهيئات والمؤسسات المكلفة برعاية الأصول الوقفية ونمائها. أسأل الله أن يجعل هذا العمل إحياء لسنة الوقف والصدقة الجارية, وينفع به قولاً وعملا, ويكتب لنا أجر ذلك في صحائفنا. الحديث الثامن والثلاثون: الوقف لسكنى الحجاج عن ثُمَامة، عن أنس: «أنه وقَفَ دارًا بالمدينة، فكان إذا حج مرَّ بالمدينة، فنزل دارهُ» (1). حديث موقوف(2)، فيه أن الصحابي الجليل أنس بن مالك رضي الله عنه ، أوقف داراً له في المدينة، وسكن بعد ذلك العراق(3)، فكان إذا قدم إلى الحج ومر بالمدينة نزل داره الموقوفة. وعقد البخاري في كتاب الوصايا، باباً أسماه: «إذا وقف أرضاً أو بئراً أو اشترط لنفسه مثل دلاء المسلمين» وذكر وقف أنس رضي الله عنه : «ووقف أنس داراً، فكان إذا قدم نزلها»(4). وعلق ابن حجر على فعل أنس رضي الله عنه بقوله: «وهو موافق لما تقدم عن المالكية أنه يجوز أن يقف الدار ويستثني لنفسه منها بيتًا»(5). والوقف من الأعمال الخيرية لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد امتثلوا رضوان الله عليهم لتوجيه النبي صلى الله عليه وسلم ، وإرشادهم لما يُصلح الدنيا والدين، وينفعهم في آخرتهم، ويُكتب لهم فيه من الأجر كعمل أعمار كاملة، فيستمر معها الأجر مادام النفع من ذلك الوقف. وقد استدل أهل العلم على مشروعية الوقف من الكتاب، والسنة، والإجماع، وعمل الصحابة. وقال الحميدي شيخ البخاري: «تصدق أبو بكر بداره على ولده، وعمر بربعة عند المروة، وعثمان برومة، بئر بالمدينة، وتصدق علي بأرضه بينبع، وتصدق الزبير بداره بمكه، و داره بمصر، وأمواله بالمدينة على ولده، وتصدق سعد بداره بالمدينة، وداره بمصر على ولده، وعمرو بن العاص بالوهط، وداره بمكه على ولده، وحكيم بن حزام بداره بمكة والمدينة على ولده. قال: فذلك كله إلى اليوم، فإن الذي قدر منهم على الوقف، وقف، واشتهر ذلك فلم ينكره أحد، فكان إجماعاً»(6). وكذلك جعل ابن عمر نصيبه من دار عمر سكنى لذوي الحاجات من آل عبد الله بن عمر(7). وهذا دلالة على اهتمام الصحابة الكرام بالوقف، وكانوا يختارون منه ما كان أكثر نفعاً في زمنه. ووقف أنس رضي الله عنه لتوفير السكن لحجاج بيت الله الحرام، وحاجة الحاج إلى السكن ماسة؛ ولهذا أوقف الكثير من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم دورهم التي في مكة والمدينة لينتفع بها من شد الرحال إلى الحج أو العمرة أو للصلاة في المسجد الحرام ومسجد رسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة. ولم يزل المسلمون من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عصرنا هذا يوقفون الوقوف المتنوعة لمنافع الحجاج. قال عز الدين بن عبد السلام: «إن فضل الطاعات على قدر المصالح الناشئة عنها»(8)، وسئل عز الدين بن عبد السلام: لو ملك عقاراً وأراد الخروج عنه، فهل الأولى الصدقة به حالاً أم وقفه؟ فقال: «إن كان ذلك في وقت شدة وحاجة فتعجيل الصدقة أفضل، وإن لم يكن كذلك ففيه وقفه، ولعل الوقف أولى، لكثرة جدواه»(9). وبذلك فإن الوقف الأكثر نفعاً يكون أكثر أجراً. وللحديث فوائد ودلالات: ففيه اهتمام الصحابة رضوان الله عليهم بالوقف وعنايتهم به وباستمرار نفعه. وفيه دليل على مشروعية الوقف، وفيه جواز انتفاع الواقف بوقفه،مثل ما فعل عثمان بن عفان رضي الله عنه في وقفه بئراً في المدينة المنورة؛ حيث أوقفها على المسلمين وجعل دلوه كإحدى دلاء المسلمين، ووقف أنس دارا له في المدينة فكان إذا حج مر بالمدينة فنزل داره؛ فمن وقف مسجداً يكون هو وأولاده من جملة المصلين، ومن وقف معهداً أو مدرسة تحفيظ للقرآن الكريم يكون أولاده من جملة الدارسين من الطلبة. وقال أهل العلم بجواز شرط الواقف لنفسه منفعة من وقفه، وقال ابن بطال لا خلاف بين العلماء أن من شرط لنفسه ولورثته نصيبا في وقفه أن ذلك جائز. وفيه أن الوقف وسيلة لحصول الأجر والثواب من الله تعالى وتكثيره، ومعه تطول سنة الانتفاع من المال ومد نفعه إلى أجيال متتابعة. وفيه فضيلة للصحابي الجليل أنس بن مالك رضي الله عنه ، وفيه جواز إشهار الوقف وتحدث الواقف عن وقفه، وفيه أن الوقف جاء عند الصحابة بمسمى الحبس والوقف والصدقة. لقد كانت الأوقاف وما زالت مصدرا عظيما لسد الحاجات، ووعاء لاستيعاب أموال المسلمين في أمور خيرية تستمر وتنمو وتدوم؛ فالوقف يحقق مصلحة عامة للأمة، وكان لانتشار الأوقاف في العهود الإسلامية خير دليل على الدور الذي كانت تقدمه الأوقاف للأمة في جميع المجالات، من حيث الإسهام في تأمين المياه للناس من خلال إنشاء الآبار ومحطات المياه لحفظ النفس، وخير مثال على ذلك وقف زبيدة التي أجرت الماء من بغداد إلى مكة بدءا من عام 187للهجرة، وأنشأت في هذا الطريق مرافق ومنافع ظل يستفيد منها حجاج بيت الله الحرام منذ أيامها إلى وقت قريب. وكان للوقف الدور الكبير في تأمين المسكن المناسب من خلال تأجير العقارات الموقوفة لحفظ النفس، والمساهمة في تأمين الطعام للفقراء والمساكين، ومن في حكمهم لحفظ النفس من خلال التكايا والأوقاف التي خصصت لإطعام الطعام؛ حيث اشتهرت التكايا في أغلب المدن الإسلامية، في دمشق وبغداد والبصرة ومكة والحجاز والسليمانية والقدس والخليل وطرابلس والمغرب العربي ومصر وغيرها من الأمصار، وكذلك أوقفت البساتين المثمرة التي خصص ثمرها للفقراء وأهل الحاجة. وكان للأوقاف الإسهام في إنشاء دور العلم مثل كتاتيب تحفيظ القرآن والمدارس والمعاهد الدينية لحفظ العقل ونمائه، والمساهمة في بناء المساجد ودور العبادة وتيسير الحج وتقديم الخدمات للحجاج لحفظ الدين، والمساهمة في تحرير الأسرى والمعتقلين في سبيل الله لحفظ حرية النفس. يقول السائح «ذر وير» عام 1654 في كتاب نشر: «ولم تنحصر خيرات المسلمين في الأحياء فقط، بل امتدت إلى الأموات، وشجعت الدولة العثمانية إقامة بيوت الضيافة التي يستفيد منها كل إنسان مهما كان دينه، وتقدم فيها الخدمة لكل من يأتيها حسب حاجته لمدة ثلاثة أيام». فقد كان المسلمون في العهود الإسلامية يوقفون الأوقاف خوفاً على أموالهم من الضياع بعد مماتهم، أما اليوم فالمسلمون في الكثير من الدول لا يوقفون خوفاً على أموالهم في حياتهم وبعد مماتهم. وخلاصة القول: الوقف الإسلامي مشروع لنهضة الأمة وعودة عزها وقوتها ومكانتها وإحياء الوقف الإسلامي إحياء للقطاع الخيري ومؤسساته الذي يخدم الأمة والمجتمع والدولة، ولكي نعيد النهضة والحضارة الإسلامية لا بد أن نعيد الوقف الإسلامي إلى دوره. وإن استشراف المستقبل والتطلع الحضاري لأمتنا لن يكون إلا إذا أولينا الوقف الإسلامي غاية اهتمامنا، وعملنا بكل جهدنا لإحياء سنة الوقف، وإقامة المؤسسات الوقفية التي تُسهم في حفظ كرامة الإنسان، وتوفير الحياة الكريمة للأسرة المسلمة، وتوفير التعليم المميز الذي يحقق الإبداعات العلمية، والمؤسسات الصحية والثقافية التي تقدم الجديد كما كانت في عهود العزة. الهوامش: 1- السنن الكبرى للبيهقي (6/161). وفتح الباري (7/24). 2- وصله البيهقي في السنن الكبرى. 3- وتُوفي رضي الله عنه بالبصرة، قيل: سنة إحدى وتسعين، وقيل: سنة اثنتين وتسعين، وقيل: سنة ثلاث وتسعين من الهجرة النبوية. 4- صحيح البخاري، برقم 2778. 5- فتح الباري ((7/25) 6- اخرج هذا الأثر بكامله البيهقي في السنن الكبرى في كتاب الوقف 6/161. 7 - فتح الباري (7/25). والطبقات الكبرى (4/162) ترجمة عبد الله بن عمر بن الخطاب. 8- الأشباه والنظائر، لجلال الدين السيوطي، 160، دار الكتب العلمية. 9- المنثور في القواعد للزركشي 1/345، و3/62. اعداد: عيسى القدومي
__________________
|
#39
|
||||
|
||||
رد: الأربعــون الوقفيــة
الأربعــون الوقفيــة (39) جرياً على نهج السلف في جمع نخبة من الأحاديث النبوية التي تخص باب علم مستقلا، وإحياء لسنة الوقف – الصدقة الجارية- فقد جمعت أربعين حديثاً نبوياً في الأعمال الوقفية، ورتبت ما جاء فيها من أحكام وفوائد من كتب السنن وشروحها، وكتب الفقه وأصوله، وأفردت شرحاً متوسطاً لكل حديث، حوى أحكاماً وفوائد جمة للواقفين من المتصدقين، وللقائمين على المؤسسات والمشاريع الوقفية، ونظار الوقف، والهيئات والمؤسسات المكلفة برعاية الأصول الوقفية ونمائها. أسأل الله أن يجعل هذا العمل إحياء لسنة الوقف والصدقة الجارية, وينفع به قولاً وعملا, ويكتب لنا أجر ذلك في صحائفنا. الحديث التاسع والثلاثون: أفضل الوقف سقي الماء عن سعد بن عبادة – رضي الله عنه - أنه قال: «يا رسول الله، إن أُم سعد ماتت، فأي الصدقة أفضل؟ قال: “الماء”؛ فحفر بئراً، وقال: هذه لأم سعد»(1). سعد بن عبادة أتي النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن توفيت أمه فقال: يا رسول الله «إن أم سعد» أي أمه، «ماتت، فأي الصدقة أفضل؟» لتنال بها الأجر والمثوبة من الله تعالى بعد موتها؛ براً بها وحرصاً على جريان حسناتها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «الماء».فهو أعم نفعاً خصوصاً وحاجة الناس له شديدة في البلدان الحارة التي يشح فيها الماء. فحفر سعد رضي الله عنه بئراً، وقال سعد: إن هذه البئر صدقة لأم سعد، أي سبّلها وأعلنها للملأ، لينتفعوا بها، ويدعوا لواقفها وأمه. وكانت سقاية أم سعد معروفة في المدينة، وقد انتفع بها خلق كثير. يقول الشيخ عبد المحسن العباد – حفظه الله – في شرحه لسنن أبي داود: «سقي الماء من خير أنواع الإحسان؛ وذلك لشدة حاجة الناس إلى الماء، وعدم استغنائهم عنه، وهذا الحديث يدل على عظم شأن إنفاق الماء لمن يحتاجه، وبذله في سبيل الله، وتسبيله للناس حتى يستفيدوا منه، فهو مادة الحياة، وبه حياة المخلوقات، وقد جعل الله تعالى من الماء كل شيء حي، والمراد بذلك من لا يعيش إلا بالماء، وكان الماء من ضرورياته، فلا تحصل حياته إلا به... وحفر الآبار للسقي سواء لسقيا الناس أو لسقيا الدواب من الصدقات الجارية التي يكون الثواب عليها مستمراً بهذه الصدقة؛ لأن أجر الصدقات منه ما هو منته بانتهاء بقائها لمن يستحقها، ومنه ما هو مستمر لاستمرار الصدقة، كبناء المساجد، فالناس يستفيدون من المسجد باستمرار، ومثل حفر الآبار ومد الماء منها إلى الناس كي يشربوا منه، فما دام النفع حاصلاً فإن الأجر مستمر ودائم»(2). والأفضلية من الأمور النسبية، وكان في المدينة أفضل لشدة الحر والحاجة وقلة الماء(3). فأفضل الصدقة وأفضل الوقف ما كان الناس بحاجته، ففي الجزيرة العربية الحر شديد وحاجة الناس للماء ماسة؛ ولهذا كان توجيه النبي صلى الله عليه وسلم في الماء، سقياً وتوفيراً له. وللماء قيمة عظيمة؛ ولهذا حث النبي صلى الله عليه وسلم صحابته الكرام وأمته من بعدهم على حفر الآبار وسقي الماء وتوفيره، ونهى عن حبس فضل الماء واعتبر فعل ذلك كبيرة من الكبائر، فقد روى البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة] قال: قال رسول الله[: «ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم - ذكر منهم-: رجل كان له فضل ماء بالطريق فمنعه من ابن السبيل»(4). وقالصلى الله عليه وسلم: «الناس شركاء في ثلاث: في الكلأ والماء والنار» (5). وللحديث فوائد ودلالات: ففيه فضيلة لسعد بن عبادة رضي الله عنه حيث بلغ به بر أمه أنه أراد أن يوقف وقفاً لأمه ينال به الأجر عند الله، ويجري لأمه الأجر بعد الممات. وفيه دليل على انتفاع الميت بصدقة الحي، أي انتفاع الأموات بسعي الأحياء، وفيه أن التصدق للوالدين باب من أبواب برهما حتى بعد موتهما، وهو من الأعمال التي يصل ثوابها للميت، وفيه أن الصدقة من أعمال الأحياء المالية التي ينتفع بها الميت، وفيه استعجال التصدق والبذل للميت، خاصة إن كان أباً أو أماً فهما أولى الناس بالبر والإحسان. وفيه دليل واضح على أن الصدقة تلحق الوالدين بعد موتهما إذا كانا مسلمين، بدون وصية منهما. وفيه دلالة على أن سقي الماء من أعظم القربات عند الله تعالى. وقد قال بعض التابعين: من كثرت ذنوبه فعليه بسقي الماء. وقد غفر الله ذنوب الذي سقى الكلب، فكيف بمن سقى رجلا مؤمنا موحدا وأحياه؟! روى البخاري عن أبي هريرة رضي اله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بينا رجل بطريق، اشتد عليه العطش، فوجد بئرا فنزل فيها، فشرب ثم خرج، فإذا كلب يلهث، يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ مني، فنزل البئر فملأ خفه ماء، فسقى الكلب، فشكر الله له فغفر له. قالوا: يا رسول الله، وإن لنا في البهائم لأجرا؟ فقال: في كل ذات كبد رطبة أجر» (6). وحث النبي صلى الله عليه وسلم على حفر الآبار والعيون وجعلها صدقة في سبيل الله ينتفع بها الناس ؛ فقد روي: «أفضل الصدقة الماء» وحث النبي صلى الله عليه وسلم على المساعدة في نقل الماء وإعطائه لمن طلب وجعل ذلك من قبيل فعل الخيرات، وقد أرشدنا رسول الله[ أن أفضل ما يقدمه الواحد منا لوالده أو لوالدته بعد مماتهما من صدقة جارية عنهما هو إجراء عين ماء أو حفر بئر. وصدقة المـاء من خــير الصدقات وسبلها متعددة، منها إقامة أسبلة الماء وتوفير الماء لها والكهرباء والمصافي ولوازم استمرار أدائها، وتوفير عبوات الماء البارد لعابري الطريق، وكذلك شق الجداول والأنهار، وتسهيل مجاريها لتوفير الماء لكل من يحتاجه، وتيسير الوصول له، والانتفاع به ليشرب منه الناس، وكذلك زروعهم وماشيتهم، كل ما جرى فيه الماء من سبيل ومد الأنابيب، وعمل السدود، وتوفير الماء في الطرق وتجمعات الناس، ففيه الأجر العظيم من رب العالمين. ووقف سيارات نقل الماء لتوفير الماء للقرى والمناطق التي تنقطع عنها الماء لأشهر عديدة، ومد الأنابيب للمناطق التي لا يصلها الماء، وكذلك إنشاء وحدات التحلية للماء وتزويد الفقراء والمساكين بالماء الصحي، فقد كثرت الملوثات في الماء؛ مما أدى إلى ظهور أمراض خطيرة، ومنها الفشل الكلوي والأمراض الجلدية، فميسور الحال قادر على شراء الماء النقي، أما الفقير فإنه مضطر لاستخدام الماء الملوث، وإقامة وحدات لتحلية الماء وتوفير مستلزماتها باب صدقة جارية يستمر معها الأجر ما دام الناس ينتفعون بها. الهوامش: 1 - أخرجه أبو داود، برقم 1678، في «باب في فضل سقي الماء»، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود، برقم 1474. 2- شرح سنن أبي داود، للشيخ عبد المحسن العباد، محاضرات صوتية، موقع audio.islamweb.net. 3- انظر: عون المعبود شرح سنن أبي داود، ( 5/66) المجلد الثالث. 4- أخرجه البخاري في صحيحه، برقم 2358. 5- صحيح أبي داود، للألباني، برقم 3477. 6- أخرجه البخاري في صحيحه، برقم 2466، ومسلم في صحيحه برقم 2244. اعداد: عيسى القدومي
__________________
|
#40
|
||||
|
||||
رد: الأربعــون الوقفيــة
الأربعــون الوقفيــة (40) جرياً على نهج السلف في جمع نخبة من الأحاديث النبوية التي تخص باب علم مستقلا، وإحياء لسنة الوقف – الصدقة الجارية- فقد جمعت أربعين حديثاً نبوياً في الأعمال الوقفية، ورتبت ما جاء فيها من أحكام وفوائد من كتب السنن وشروحها، وكتب الفقه وأصوله، وأفردت شرحاً متوسطاً لكل حديث، حوى أحكاماً وفوائد جمة للواقفين من المتصدقين، وللقائمين على المؤسسات والمشاريع الوقفية، ونظار الوقف، والهيئات والمؤسسات المكلفة برعاية الأصول الوقفية ونمائها. أسأل الله أن يجعل هذا العمل إحياء لسنة الوقف والصدقة الجارية, وينفع به قولاً وعملا, ويكتب لنا أجر ذلك في صحائفنا. مسؤولية نظارة الوقف عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته»(1). في هذا الحديث دليل على أهمية الرعاية، فأخبر صلى الله عليه وسلممن حيث العموم بأن كل إنسان لابد أنه راع ولو على نفسه أو أهله، ولو على ولده أو امرأته أو ما أشبه ذلك، وإذا كان كذلك فإن عليه حفظ هذه الرعية ومراقبتها، والإتيان بكل ما فيه مصلحتها، وكذلك يشعر بأنه مسؤول عن هذه الرعية، وهذا السؤال إنما يكون حقاً في الدار الآخرة. جاء في عون المعبود شرح سنن أبي داود: «الراعي هو الحافظ المؤتمن الملتزم صلاح ما اؤتمن على حفظه، فهو مطلوب بالعدل فيه والقيام بمصالحه»(2). وكلكم: تشمل الكل في الرعاية والمسؤولية، وفي (تحفة الأحوذي) قال: «دخل في هذا العموم المنفرد الذي لا زوج له ولا خادم ولا ولد، فإنه يصدق عليه أنه راع على جوارحه حتى يعمل المأمورات ويجتنب المنهيات فعلا ونطقا واعتقادا، فجوارحه وقواه وحواسه رعيته، ولا يلزم من الاتصاف بكونه راعيا ألا يكون مرعيا باعتبار آخر» (3). فقد أوجب الإسلام بتشريعاته وأحكامه على كل مسلم القيام بمسؤولياته التي أنيطت به بحسب موقعه وما ألقي عليه من مسؤولية، فالكل مكلف فيما هو تحت رعايته، وبالتالي التقصير في رعاية ما استرعاه الله عليه فيه إثم عظيم. وناظر الوقف يسأل في الآخرة عن الموقوف: لماذا أهملته؟ ولماذا أضعت من اؤتمنت عليه؟ ولماذا لم توله حق الحفظ وحق المراقبة؟ وإن كان هنالك قضاء فاعل يحفظ الأوقاف من سوء إدارة أو تساهل في الرعاية، يحاسب على تقصيره بل هو ضامن لهذا الوقف. ونظارة الوقف من أعظم المسؤوليات، فلا بد للموقوف من متول يدير شؤونه ويحفظ أعيانه، وذلك بعمارتها وصيانتها، واستثماره على الوجه المشروع، وصرف غلته إلى مستحقيه على مقتضى وثيقة الوقف، والدفاع عنه والمطالبة بحقوقه، كل ذلك حسب شروط الواقف المعتبرة شرعاً(4). ويعد الناظر أمينا على مال الوقف ووكيلاً عن المستحقين؛ فهو مسؤول عما ينشأ من التقصير نحو أعيان الوقف وغلته وفقاً للقواعد العامة للمسؤولية، كما يفترض عليه القيام بتقديم حساب سنوي إلى القضاء وفقا لأسانيد مكتوبة. ويشترط فيمن يتولى النظر على الوقف جملة من الشروط هي: الإسلام: وذلك لأن النظر ولاية ولا ولاية لكافر على مسلم. العقل: فلا يصح أن يتولى النظر مجنون. البلوغ: فلا يصح تولية النظر لصغير. العدالة: هي المحافظة الدينية على اجتناب الكبائر وتوقي الصغائر وأداء الأمانة وحسن المعاملة؛ فلا يصح تولية النظر لفاسق أو خائن للأمانة. الكفاية: وهي قدرة الناظر على التصرف فيما هو ناظر عليه بما فيه المصلحة. وعمارة الوقف من أهم واجبات ناظر الوقف؛ لأن إهمال عمارة الوقف أو ترميمه أو إصلاحه قد يؤدي إلى خرابه وهلاكه، وقد أجمع الفقهاء على أن العمارة هي أول واجب يلقى على عاتق الناظر، وعمارة الأعيان الموقوفة مقدمة على الصرف إلى المستحقين سواء في الوقف الخيري أو الأهلي؛ لأنها تؤدي إلى دوام الانتفاع بالوقف وعدم تفويت منفعة من منافعه. ويجب على الناظر القيام بكل ما من شأنه الحفاظ على الوقف ورعاية مصلحته، ومن ذلك: عمارة الوقف: بأن يقوم بأعمال الترميم والصيانة حفظا لعين الوقف من الخراب والهلاك. تنفيذ شروط الواقف فلا يجوز مخالفة شروطه أو إهمالها، يجب الالتزام بها إلا في أحوال مخصوصة تقدم بيانها. الدفاع عن حقوق الوقف في المخاصمات القضائية رعاية لهذه الحقوق من الضياع. أداء ديون الوقف: تتعلق الديون بريع الوقف لا بعينه، وأداء هذه الديون مقدم على الصرف على المستحقين؛ لأن في تأخيرها تعريض الوقف لأن يحجز على ريعه. أداء حقوق المستحق في الوقف وعدم تأخيرها إلا لضرورة كحاجة الوقف إلى العمارة والإصلاح أو الوفاء بدين. ومن مقاصد الوقف في الشريعة الإسلامية مراعاة حقّ الله تبارك وتعالى أولاً، ثم حقوق العباد والبلاد، فلا يوقف على معصية، ولا يوقف ليضر فئة بعينها. وللحديث فوائد ودلالات: ففيه أن كل إنسان مسؤول عمن يرعى وعن مدى اهتمامه وحرصه عليهم، وفيه أن الله تعالى سيسألنا عن هذه الأمانة قمنا بها أم ضيعناها وأهملناها. وفيه أن كل عامل مسؤول عن إتقان عمله، فكل واحد منا راع ومسؤول عما أوكل إليه من مسؤولية وأمانة سواء في الولد أو المال أو مصالح الآخرين أو الوقف أو غيره من الصدقات. وفيه أن المسؤولية في الإسلام مغرم لا مَغْنَم، فعن أنس قال: ما خطبنا رسول الله[ إلا قال: «لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له». وإن كانت الأمم قبل الإسلام قد عرفت نظاماً رصدت بمقتضاه حبس بعض الأصول لينفق من غلاتها على المعابد القائمة، إلا أن النظام الإسلامي في الوقف قد استقل بقواعده ومصادره؛ لأنه لم يكن نظاماً مستجلباً أو تجميعاً لعادات سبقت الإسلام، بل هو نظام مستمد من كتاب الله عز وجل وسنة نبيه الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، وإجماع الأمة، وتفاصيل أحكامه ساهمت فيها كل المدارس الفقهية، وتشريعاته قفزت بالأمة الإسلامية، حتى أصبحت واقعاً بحق {خير أمة أخرجت للناس}، فالحضارة الإسلامية ولدت من رحم الأوقاف. ومن روائع الوقف الإسلامي أن قد خصصت أوقاف لغير المسلمين في ظل الخلافة الإسلامية، فكانت أوقاف وثقها التاريخ خصصت لنفع أهل الذمة لحفظ كرامتهم وإنسانيتهم، وبإطعامهم وسقيهم وتوفير كسوتهم، فالعناية كانت كذلك لغير المسلمين، وقد خصصت أوقاف لنشر الإسلام بين أهل الذمة وكذلك في الدول والأمصار التي فتحها المسلمون، فأوجدوا مشاريع وقفية ليعيش الناس حياة كريمة في ظل الخلافة الإسلامية، يسكنون ويأكلون، يتعلمون ويعالجون.. إلخ. وسؤالنا بعد أن أضعفت الأوقاف الإسلامية: أين مخرجات الأوقاف في مجال الخدمات والرعاية والتعليم والصحة والثقافة والبحث والتطوير والتنمية والتطور؟ وأين المستشفيات والجامعات غير الربحية والاستثمارات والمجمعات التجارية، وأين مراكز البحوث والدراسات التي تقدم نتاجها لخدمة الدول والأوطان؟ ولا شك أن فقدان هذا القطاع الواسع من الأوقاف تسبب في أن 40% من فقراء العالم مسلمون! وما يقارب 35% أميون، و8 ملايين طالب في العالم العربي لم يجدوا مقاعد دراسية في العام الدراسي 2011-2012م. هذا وأمتنا - ولله الحمد - تمتلك مقومات نجاح قطاع المؤسسات الخيرية والوقفية الإسلامية، وهي أربع: أولها الشريعة الإسلامية، وثانيها التجربة التاريخية (تطبيقات عملية تاريخية)، حيث إن الإسلام أول من قدم للبشرية الوقف بوصفه عملاً إنسانياً مستداماً، وثالثها القوى البشرية، وآخرها المال والموارد من صدقة عامة وجارية وتطوع وزكاة وفعل الخير. والتطبيقات التاريخية للمؤسسات الوقفية أنتجت حضارة إسلامية تحث على البذل والعطاء عبر اثني عشر قرناً من الزمان، مبادئ تجاوزت حقوق الإنسان إلى كرامته وشرعت لحقوق الحيوان، ومنحت الحقوق لغير المسلمين حتى شرعت حق الأسير الكافر {ويطمعون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً}(5). وما يمتلكه هذا الدين من رصيد الخيرية للبشرية عامة يعد من أكبر الفرص {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ} (آل عمران: 110). الهوامش: 1- أخرجه البخاري في كتاب الوصايا، برقم 2751، وأخرجه مسلم في صحيحه، برقم 1892. واللفظ لمسلم. 2- عون المعبود سرح سنن أبي داود (8/104) الجزء الرابع. 3- تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي، محمد المباركفوري، شرح حديث رقم 1705. 4- روضة الطالبين 5/348، شرح منتهى الإرادات 2/362. 5- انظر: القطاع الثالث والفرص السانحة، رؤية مستقبلية، د. محمد عبدالله السلومي، ص 41-42، بتصرف. اعداد: عيسى القدومي
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |