هداية الباري في كراهية الصلاة جماعة بين السواري

[ابوالوليد المسلم]

هداية الباري في كراهية الصلاة جماعة بين السواري
د. أبو حميد عبدالملك بن ظافر الماجوني الكوسوفي





الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على مَن لا نبي بعده، وبعد:
فعن مُعاوية بن قُرَّة عن أبيه قال: "كنا نُنهَى أن نصفَّ بين السواري على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونُطرَدُ عنها طَرْدًا".

رواه ابن ماجه في سننه (1002)، والبيهقي في السنن الكبرى (5410)، والطبراني في المعجم الكبير (19/ 21)، وابن حبان في صحيحه (2219)، وابن خزيمة في صحيحه (1567)، والطيالسي في مسنده (1169)، والحاكم في المستدرك (794)، وصحَّحه.

عن عبدالحميد بن محمود قال: صَلَّيْنَا خَلْفَ أَميرٍ من الأُمرَاءِ، فاضطرنا الناسُ فَصَلَّينا بين السَّاريتينِ، فلما صَلَّينا، قال أنس بن مالك: "كُنَّا نَتَّقِي هذا على عَهدِ رسول الله صلى الله عليه وسلَّم".

أخرجه أبو داود في سننه (673)، والترمذي في جامعه (229)، وقال: حديث أنسٍ حديثٌ حسنٌ، والنسائي في السنن الصغرى (821)، وابن حبان في صحيحه (2218)، وابن خزيمة في صحيحه (1568)، والحاكم في المستدرك (793) وصحَّحه، وابن أبي شيبة في مصنفه (7578)، وعبدالرزاق في مصنفه (2489)، وغيرهم.

وهذان الحديثان نصَّانِ صريحان في كراهية الصلاة بين السواري جماعةً، إذا كان في المسجد مُتَّسَع، وأما إذا ضاق المسجد من كثرة المصلين؛ كالجُمَع، والأعياد، والتراويح، فلا بأس بذلك، بلا خلاف.

أقوال الأئمة عن هذينِ الحديثين:
1- الإمام البخاري في صحيحه بوَّب بابًا، قال فيه: باب الصلاة بين السواري في غير جماعة؛ أي: في جواز صلاة المنفرد بين السواري، وليس جماعة.

قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (1/ 578): "إنما قيَّدها (أي: البخاريُّ) بغير الجماعة؛ لأنَّ ذلك يقطع الصفوف، وتسويةُ الصفوف في الجماعة مطلوب"، وقال (2/ 653) عن حديث أنس رضي الله عنه: وله شاهد من حديث معاوية بن قرة عن أبيه، وهو صحيح الإسناد.

2- الإمام البيهقي في كتابه السنن الكبرى (3/ 104) قال: باب كراهية الصلاة بين السواري، ثم احتج فيه بحديث أنس رضي الله عنه، المتقدِّم.

3- الإمام الترمذي في جامعه قال: باب ما جاء في كراهية الصلاة بين السواري، وذكر فيه حديث أنس، وصحَّحه.

4- الإمام ابن حبان في صحيحه (5/ 566) قال: باب ما جاء في كراهية الصلاة بين السواري، وباب ذكر الزجر عن الصلاة بين السواري (5/ 567).

5- الإمام ابن خزيمة في صحيحه (1567) قال: باب طردِ المصطفِّينَ بين السواري عنها، واستشهد فيه بحديث معاوية بن قُرَّة عن أبيه، وحسَّنه.
وباب النهي عن الاصطفاف بين السواري، وأورد فيه حديث أنس رضي الله عنه، وصحَّحه.

6- المتقي الهندي في كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، بوَّب فيه بابًا، قال فيه: باب مفسدات الصلاة ومكروهاتها، وذكر فيه حديث أنسٍ ومعاوية بن قرة، ووافق تحسين الترمذي.

7- الإمام الحاكم في مستدركه (1/ 218)، قال عن حديث أنس ومعاوية بن قرَّة: هذان حديثان صحيحان، ووافقه الذهبي.

8- الإمام ابن أبي شيبة في مصنفه (2/ 369)، قال: مَن كان يكره الصلاة بين السواري، وبعدما ذكر حديث أنسٍ رضي الله عنه ومعاوية قرة، استشهد بأثرٍ عن ابن مسعود رضي الله عنه بسند حسنٍ، قال: لا تصفُّوا بين السواري، وأثر ابن عباس رضي الله عنهما قال: إياكم وما بين السواري، وإسناده حسن أيضًا.

9- قال الإمام الحافظ ابن القطَّان الفاسي في كتابه بيان الوهم والإيهام في كتاب الأحكام (5/ 689)، رادًّا على مَن ضعَّف حديث أنس: وضعَّفوه برجلٍ ما به ضَعْفٌ.

10- وذهب الإمام النووي أيضًا إلى كراهية الصلاة بين السواري، وانظر كتابه: خلاصة الأحكام في مهمات السنن وقواعد الإسلام، (2/ 720)، ووافق تحسين الترمذي لحديث أنسٍ رضي الله عنه.

11-والإمام الزَّيلعي من أئمة الحنفية نصَّ على كراهية الصلاة بين السواري؛ كما في كتابه نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية (2/ 326)، ووافق تحسين الترمذي لحديث أنسٍ رضي الله عنه.

ختامًا لِما سبق أقول:
الصحابةُ الذين كرِهوا الصلاةَ بين السواري هم: عبدالله بن مسعود، حذيفة بن اليمان، ابن عباس، أنس بن مالك، مُعاوية بن قرَّة، مِقدام بن معدي كرب، وغيرهم، رضي الله عنهم.

ومن الأئمة: أحمد بن حنبل، والبخاري، وإسحاق بن راهويه، وعبدالرزاق الصنعاني، وأبو داود السجستاني، والترمذي، والضياء المقدسي، والشافعي، والنسائي، وابن خزيمة، وابن حبان، وابن القطان، والنووي، والحافظ ابن حجر، وغيرهم.

للمزيد راجع كتاب: الأوسط؛ لابن المنذر (4/ 183)، وخلاصة الأحكام؛ للنووي (2/ 720)، وفتح الباري؛ لابن حجر (1/ 578 - 579).

تلاحظ أيها الأخ الكريم: أن كل هؤلاء الأئمة مِن جماهير أهل العلم ذهبوا إلى كراهية الصلاة بين السواري جماعةً إذا كان هناك مُتَّسع في المسجد، واحذر أن تخالفهم بلا دليل وبرهان، وتتَّبِع هواك بغير علم، سائلًا المولى أن يجمعنا على الحق والصواب، وأن يُجنِّبنا الفُرقة والخلاف.

للمزيد راجع كتاب:
الأوسط؛ لابن المنذر (4/ 183)، وخلاصة الأحكام؛ للنووي (2/ 720)، وفتح الباري؛ لابن حجر (1/ 578 - 579).


وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
والحمد لله رب العالمين