كن جميلا - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         كلام جرايد د حسام عقل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 5 - عددالزوار : 6 )           »          تأمل في قوله تعالى: {وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: {وما قدروا الله حق قدره... } (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          بيان معجزة القرآن بعظيم أثره وتنوع أدلته وهداياته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          {إن كنتم تحبون الله فاتبعوني} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          { ويحذركم الله نفسه } (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          رمضان والسباق نحو دار السلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          جدول لآحلى الأكلات والوصفات على سفرتك يوميا فى رمضان . (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 770 )           »          منيو إفطار 19 رمضان.. طريقة عمل الممبار بطعم شهى ولذيذ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          جددي منزلك قبل العيد.. 8 طرق بسيطة لتجديد غرفة المعيشة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العام > ملتقى الحوارات والنقاشات العامة

ملتقى الحوارات والنقاشات العامة قسم يتناول النقاشات العامة الهادفة والبناءة ويعالج المشاكل الشبابية الأسرية والزوجية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18-10-2020, 05:01 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,641
الدولة : Egypt
افتراضي كن جميلا

كن جميلا (1)


أ. محمود توفيق حسين




[1]
عندما ينتثر منك بعض غلَّتك وحبوبك، وتهبط إليها الطيور في سلام، لا تفكِّر في كونها جشعةً متطفلة، فكِّر في أنها وثقتْ بك. وعندما تنخرط في التقاطها منشغلةً عنك تمامًا، كأنها لا تراك، فلا تسخط عليها وتطردها، فربما تكون حفاوتها بعطائك هي طريقتها التي تجيدها في التعبير عن الامتنان والشكْر، وتأمل في حالها حالَك، فانشغالك عن مولاك بنعمِه أشد من انشغالها.

[2]

عندما يرجوك الرجل الذي يحمل طاولةً كبيرةً من الخبز فوق رأسه ويمضي راكبًا دراجته، أن تلتقط له بعض الخبز الذي سقط منه على الأرض، وأنت في كامل أناقتك بالبذلة والنظارة الشمسية، لا تفكر في كونه لا يعرف قدرك، وأنه يفتقد للذوق، وأن غيرك من البسطاء العابرين بالقرب منكما هم أولى بأداء هذه المهمة البسيطة، بل فكِّر في كونه توسم فيك اللطف والتعاطف، فكِّر في كون هذه البذلة وتلك النظارة لا تغنيانك عن عمل المعروف.


[3]

عندما يفاجئك أحدهم بأن هذه المرأة المحزونة التي خمشت كبدك بحديثها المروِّع عن طفلها الذي يتقلَّب في آلامه بالمستشفى وبحاجة للتبرعات؛ حتى يمكنه إجراء جراحة خطرة غالية، والتي تبرعت لها بمائة جنيه كانت هي كل ما في جيبك، ومضت منحنية تدعو لك حتى دمعت عيناك من صوتها الجريح، هي مجرد نصابة محترفة تتعيش من هذه الأكذوبة منذ سنوات، لا تفكِّر في كون هذا أسوأ خبر سمعته خلال الأسبوع، بل فكِّر في كون هذا أسعد خبر، نعم، أسعد الأخبار كلها ذلك الخبر الذي زفَّه لك بأنه لا يوجد طفل يتلوَّى من الألم الآن في انتظار رحمة الناس.


[4]

عندما تفوز دونًا عن زميلك بالمنصب الذي كنتما تطمحان إليه، لا تفكِّر في كونه الرجل الذي سيسبب لك الكثير من المتاعب في الفترة القادمة إن لم تجبره من البدء على الإذعان للوضع الجديد، بل فكِّر في كونه الرجل الكفء الذي ستستطيع تأليفه للعمل معًا، فكِّر في أن بعض الضيق الذي يشعر به كنت ستشعر به لو كنت مكانه، ولا يليق بك إثارة غيظه أو تنفيره من المكان، بل عليك مسؤولية أخلاقية ومهنية أكيدة كرجل وكمدير ناضج، لجعله ينظر بسرعة إلى النصف الممتلئ من الكوب.


[5]

عندما تجد نفسك أمام رجل محترق اليد يمضي في طريقه، لا تفكر في كونه خرج ليؤذي أبصار الناس بتشوهه، وأنه كان أفضل له أن يقر في بيته حتى لا يخدش جمال المدينة والذوق العام، فكِّر في كونه ربما ضحى بها لإنقاذ جيرانه من حريق، وأنه سيقف راضيًا عنها وممتنًا لها بين يدي الله، ليس كهذه الأيادي السليمة الوافرة الجمال التي تمضي مع أصحابها بلين، وفيها ما سينطقها الله شهادةً يوم القيامة على البطش والنهب والتحرش والبذاء. فكِّر في أن أيادي هؤلاء المجرمين والمنحطين هي ما يفسد جمال المدينة ويخرب ذوقها، لا أيادي أصحاب العاهات.


[6]

عندما يكون لديك ضيف في بيتك، وانشرخ كوب الشاي أثناء تقديمه له، لا تفكِّر في أن عينه الحاسدة جاءت في الزجاج، وتتبادل النظرات التحتية المتهمة له مع أفراد أسرتك، بل فكِّر في كونكم لا تجيدون صب المشروبات الساخنة في الأكواب الزجاجية، أو أنكم تقدمون الشاي في أكواب سيئة الخامة، فهو يقاسمك المعرفة الثقافية، ولذا سيكون في وضع حرج، وسيلحظ نظراتكم المتبادلة، وسيشعر بإساءة بالغة. صحيح أن الحسد مذكور في القرآن، ولكن من المذكور أيضًا فيه أن بعض الظن إثم.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 20-10-2020, 12:08 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,641
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كن جميلا

كن جميلا (2)


أ. محمود توفيق حسين





[1]

عندما يتقدم لأختك أو بنتك من ترى أن مستواه أقل من مستواكم الاجتماعي، يمكنك أن ترفض بلطف طالما أنه ليس لديكم قبول للفكرة، لكن ليس لك أن تعاقبه على الطلب بكسر خاطره، أو بالتندر بطلبه بين الناس، لا تفكِّر في كونه يقصد إهانتكم بهذا الطلب، بل فكِّر في كونه أحسن الاختيار.


[2]


عندما تمضي في ممرٍّ بخطواتٍ عفية، ويعطِّلك قليلًا من ظهر أمامك بخطواته الواهنة الثقيلة، لا تفكِّر في كونه سمجًا ضعيف الحسِّ الاجتماعي لا يبالي بالآخرين، بل فكِّر في كونه ظهر أمامك لتحمد ربنا على نعمة العافية التي أنعم عليها بك. أنت أحيانًا ما يكدِّر صفوك رؤية من أنعم الله عليهم بما ليس عندك، فلا تجمع إلى ذلك أن يزعجك رؤية من ابتلاهم الله بما ليس فيك.


[3]


عندما تدخل على البوفيه المفتوح في الحفل الذي دعيت إليه، ووجدت أسرة متواضعة يغرف أفرادها من أطايب الطعام كميات وافرة، ثم وجدتهم يأكلون أنواع اللحوم بنهم الجوعى، لا تنشغل بمتابعتهم مع أسرتك هازئًا بهم، لا تفكِّر في كونهم مجرد لئام يكثرون من المجاني، ولا يراعون شكلهم أمام الناس، وأنهم لا يُقارنون بأسرتك الراقية في إجادة التعامل مع مواقف الذوق واللياقة، بل فكِّر في كون هذه الأسرة الفقيرة ربما تجيد الحمد وتشكر النعمة على هذا الطعام أكثر من أسرتك المترفعة، فكِّر في كون الطعام راح معهم في خير وجوه صرفه وهو التقديم للمحتاجين وليس في البطر والرئاء.


[4]


عندما تجلسين إلى إحدى المعارف في جلسة ودية تجمعكما مع بعض الصديقات، وتسأليها عن السبب الذي جعلها تأتي بغير ذهبها الكثير الذي كان يزينها في اللقاءات السابقة وكانت تبرق فيه، وتتجاوز هي سؤالك المباغت وتكمل حديثها كان شيئًا لم يكن، لا تفكِّري في أن السؤال لم يحرم، وأنها قليلة الذوق عندما لم تحترم حديثك إليها، بل فكِّري في أن سؤالك في الأغلب قد وخز قلبها، وأنها قد مرَّت بأزمة مالية اضطرتها لبيع الذهب، وسيحرجها كثيرًا أن يضطرها الآخرون للتحدث عن ظروفها، وهي لا ترجو منك أكثر من أن لا تكرري سؤالك.



[5]

عندما تتقدم لخطبة فتاة وأنت مملوء بالاعتزاز بنفسك وتشعر أنك بالنسبة لأسرتها فرصة نادرة، ويطلبون هم منك مهلة أسبوع للرد على طلبك، لا تفكر في أنهم مترددون في أمرك، ولا يعرفون قدرك، بل فكِّر في أن أمر الزواج ليس هينًا حتى يبت الناس في أمر خطبة بناتهم على الفور، فكِّر في أنك منحت نفسك فرصة أكثر من أسبوع للتفكير قبل أن تأتي إليهم، ولا يليق بك أن تبخل عليهم بمثل ما أعطيته لنفسك، لا تفكِّر في أنهم يعزونها عليك، بل فكِّر في أنهم يعزونها في عينيك، لأنك لو أخذت تلك الموافقة الفورية التي ترى أنك أهل لها فغالبًا ما سيصيبك في المستقبل داء النمردة المتفشي، وتعيِّرها برخصها عند أهلها الذين أزاحوها إليك على الفور.




[6]

عندما تقف في محلك، ويتقدم منك أحد الزبائن ويطلب منك وزنًا قليلًا من أحد الأصناف، فلا تطرده ولا تسئ معاملته، ولا تنظر له باحتقار، لا تفكِّر في كونه شحيحًا جاء يزعجك، بل فكِّر في كونه رب أسرة يعولها بصعوبة، ولم يطلب زنة الربع أو النصف إلَّا لضيق الحال، وأن أي جرح له قد يؤدي لانهياره؛ فكِّر في أن أحدهم قد طلب نصف كيلو من البطاطس من بائع الخضراوات فأهانه البائع أمام ابنته فسقط ميتًا نتيجة لارتفاع ضغط الدم.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 20-10-2020, 11:03 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,641
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كن جميلا

كن جميلا (3)


أ. محمود توفيق حسين





[1]
عندما تتباطأ سيارة أخرى تمشي أمام سيارتك، فتعطلك قليلًا، لا تفكِّر في أنه من الضروري أن تضرب لقائدها البوق بشكل متواصل لتذكره بذنبه الكبير، ولكي تلفت نظره إلى بذل أقصى ما عنده لكي يتحرك الآن بسرعة طبيعية أو يفسح الطريق لتمر وحدك ثم ليحدث من بعدها ما يحدث، فكِّر في أن هذا الرجل الذي يبدو عليه العناء والتوتر والحسرة، قد واجهته مشكلة لا ذنب له فيها، وأنه لا يتمتع بتعطيلك على الإطلاق، وأنك قد عانيت من هذا من قبل، وفوجئت بزئير السيارات المتلاحق من خلفك، وكان أكثر ما ضايقك هو عدم تقدير الناس لما أنت فيه، لا مدوا يد المساعدة ولا صبروا، فلا تكن كمن كانوا من خلفك يومًا ما.

[2]
عندما تصرح لك خطيبتك بارتباك برغبتها في فسخ الخطبة، استوعب الأمر واسمع لها جيدًا، ساعدها على أن تتكلم ببساطة، ولا تمارس ضغطًا عليها بأي وجه؛ وإن وجدت إصرارًا ناتجًا عن عدم قبول، وأنه ليس هناك وشاية أو سوء فهم، فيجب أن تنسحب بطريقة تليق برجل كريم ناضج، لأنه كلما طال إلحاحك عن المقبول شاهت صورتك، وشحنك التوسل إليها بعاطفة مشوبة بالحقد. لا تفكِّر في كون المجتمع المحيط سيتكلم عن أن فلانة تركت فلانًا، ولا تفكر بأنه يجب عليك فور يأسك منها الحط من صورتها وصورة أهلها، ولا تفكر في أنها بالتأكيد سيأتي يوم عليها بعِشرة غيرك ستندم عليك؛ بل فكِّر في أن هذا أفضل كثيرًا لك من أن تستمر معك فلانة وروحها ليست معك، فكِّر في أن نظرتك لنفسك وتقديرك لها لا يسمحان لك بأن تكون سجانًا لأحد مهما أحببت رفقته.

[3]
عندما يفد إليكم في العمل موظف جديد، يظهر عليه ما يظهر على بعض المستجدين على بيئة عمل من رهاب وتوتر وترقُّب، لا تنظر له باستخفاف وتقتحمه بعين الأقدمية التي تستلذ بتلك الحالة من الضعف التي تعتري بعض المستجدين، لا تفكِّر في أنه مجرد شخص جديد لا خبرة له بالمكان يحق لك وقد استقررت في عملك أن تشعر بالتميز عليه، وأن تتكلم عنه بضمير الغائب باعتباره مجرد شيء فتقول لآخر: (خذه لشؤون الموظفين)، بل فكِّر في أنه لن يستمر جديدًا، فكِّر في أنك قد أعطيته الحق لو أثبت كفاءة وتخطاك في المكانة الوظيفية أن يردها لك ويجعل المفاجأة تأخذك عندما يقول عنك لآخر: (خذه).

[4]
عندما يتقدم موظف يعمل لديك صاحب خبرة وممن تعتمد عليهم بهدوء وببعض الحرج، بالاستقالة، لأنه حصل على فرصة أفضل، لا تأكله بعينك كأن من يقف أمام مكتبك خائن لا يعرف الولاء؛ لا تفكِّر في كونه جاحدًا يجب معاقبته بالتسويف في بعض مستحقاته، أو بتشكيك المنافسين في كفاءته إن اتصلوا على سبيل الاستفسار. لو كان جاحدًا لاتصفت أنت أيضًا بالجحود لأنك لم تمكث في أول مكان عملت به، كما أنك كثيرًا ما رحبت بـ (الجاحدين) الذين استقطبتهم بخبراتهم من أماكن أخرى. إذا لم تستطع إغراءه بالبقاء فاترك أثرًا طيبًا قد يسمح له بالعودة إن لم يوفق في مكانه الجديد، لا تفكِّر بأن دولاب العمل سيتوقف، على الإطلاق، بل فكِّر في إنك ستودع رجلًا أخذ يبالغ في مدته الأخيرة في طلباته وفي إرضاء نفسه، وسيحل محله رجل جديد سيبالغ في مدته الأولى في إثبات وجوده وإرضائك.

[5]
عندما تكون بائعًا اعتاد على التعامل مع النساء، وتدخل إليك زبونة تلفت انتباهك، وتنوي اختبارها بالملاطفة المتدرجة، إلى أن تصل إلى التلميحات الخادشة التي نفعت مع المائلات المميلات من قبل، لا تفكر في أنه يفوز بالملذات كل مغامر، لا تفكر في أن الطريقة مجربة وأنك اغتنمت عدة مرات بغير مواعدة، بل فكِّر في أنك تغامر بكرامتك، وأن الأمر قد ينتهي بسبك وإهانتك دون أن تملك الرد كما حدث من قبل؛ فكر في أنك تنفق من سمعتك بغير أن تشعر بذلك، وأن هناك الكثيرات على مر السنين لم تلحظهن توقفن عن الشراء منك بسبب عدم ارتياحهن إليك لأنهن يرينك شخصًا لا يبعث على الشعور بالراحة، يرينك غير ثقة، يرين أن وطء عتبة معرضك شبهة.

[6]
عندما تملي عليك زوجتك طلبات البيت وأنت تسجل خلفها في ورقة، وتعصر الزوجة رأسها وتضيف طلبًا آخر وتشرد قليلًا وتضيف غيره، لا تفكِّر في أنها تتمتع بالإملاء عليك، لا تفكر في أنها تتعمد الإكثار من الطلبات وتتلذذ بفرض إرادتها، بل فكر في أنها ستتعب في تجهيز الأطعمة لكم من هذه الطلبات أكثر كثيرًا من تعبك في شرائها، فكر في أنها فقط تتعمد تذكر كل ما يحتاجه البيت بدون نسيان أي شيء، ولا علاقة للأمر بظنونك حول تكثير الطلبات، فكر بأنها تفرض خبرتها في أمر البيت لا إرادتها.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 23-10-2020, 10:38 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,641
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كن جميلا

كن جميلا (4)


أ. محمود توفيق حسين





[1]
عندما تضبط صاحب السمعة المحمودة بين الناس في سقطة لا يعرفها المحيطون به، لا تفكر في أنه من الممتع والجاذب أن تلقي إلى الناس خبرًا بمليون جنيه، بل فكر في قيمة أن تمنح إنسانًا فرصة أن يفيق قبل أن يفضح بين الناس، فكر كيف ستبدو عملاقًا في نظره بعد أن بات ليلته يعض أصابع الندم ثم استيقظ على مدينة لا زالت تجهل فعلته التي فعلها. لا تفكر في أنك ستبدو في أعين البشر قناصًا بارعًا جلب صيدًا لم يجلبه أحد، فما ستقوله سيتلقفونه ليدعي كل واحد منهم البراعة، لتفقد ضربتك أي قيمة بعد قليل، بل فكِّر في أن البر لا يبلى، وأن لك من الغدرات الكثير مما ستره الله.

[2]
عندما تذهب مع أحد أقاربك سيتقدم لخطبة فتاة، لا تفكِّر في أنه من الضروري لإضافة رونق ما للعائلة أن تأتي وبغير مناسبة على ذكر أي مستشار أو لواء أو وكيل وزارة أو أستاذ جامعي أو صحفي ينتمى للعائلة ولو كان بعيدا، فكِّر في أن هذا سيفرض جوًا في الجلسة من الادعاء والتنافس والكبرياء الزائف المتبادل، ومع الإفراط فيه قد يبيِّت شيئًا من العداوة المؤجلة التي ستطفح حول مشاكل الزوجية القادمة، فكر في أنه كثيرًا ما حدث الطلاق والفجر في الخصومة بين زوجين يتوفر في عائلتيهما أصحاب هذه المناصب والمراكز، ولم يجدِ توفر هؤلاء نفعا على الإطلاق، فكِّر في أنه كثيرًا ما دامت المودة والرحمة بين زوجين من عائلتين متواضعتين لم يجد المتواضعون السمِحون من الطرفين في جلسة الاتفاق الودية شيئًا يتباهون به في أجواء البشْر والتوكل، إلا تلك الأشياء الطيبة البسيطة التي تشبه وجوههم الصادقة وملابسهم المتواضعة، كأن يقال عن العريس إنه يحمل المسؤولية منذ صغره، وإن العروس من هذا النوع الذي يعيش ويستر ويرضى بالقليل، إنه تقديم راشد، ويخص الزواج بالفعل، وهو أنفع وأقصد من أن يكون ابن خال والدة العريس لواء شرطة مساعدًا لوزير الداخلية، أو زوج عمة العروس محافظ سابقًا للوادي الجديد.

[3]
إذا وصل إليك عميل يبدو عليه أنه غير حصيف ولن يتمكن من الحكم على جودة تنفيذك لطلبه، لا تقل في نفسك (وقع أم رماه الهوا؟)، لا تفكِّر في أنه فرصة لتوفير الجهد والتكلفة بتقديم خدمة غير مستوفاة له، لا تفكِّر باستغلال جهله بفنك وحرفتك فتبالغ في السعر، فكِّر بأن العميل الحصيف يعتمد على نفسه، بينما هذا العميل غير الحصيف يعتمد عليك، ولا يليق بك أن تخدع من اعتمد عليك، فكِّر بأن هناك الكثير ممن يفتقدون للحصافة اكتشفوا عدم أمانتك من قبل بعد أن جربوا خدمتك، فكِّر بأنك تفقد كل عميل سهل وضع ثقته فيك وصارحك بأنه لا خبرة له، وبقي لك من العملاء الدائمين ما تستحق: كل شكاك شحيح يطول فحصه وسومه، فكِّر بأن من غشنا ليس منا.

[4]
إذا جالست رجلًا طيبًا محسنًا لكنه لا يدرك الكثير من القضايا التي تشغل بالك، ولا علم له بالصراعات وموازين القوى الدولية وصعود وسقوط الأمم، لا تفكِّر في أنه شخص محدود سطحي، لن يترك أثرًا في الدنيا كالذي يتركه رجل مثقف مثلك، بل فكِّر في أن رجلًا مثله، ابتنى سقفًا لبيت امرأة أرمل يحاول الأشقياء تسوره طمعًا فيها، وسد شقوقه التي يتجسسون منها عليها، هو رجل قد غيَّر الكون بالفعل، قضاء حاجة إنسان واحد مضطر هو تغيير للكون لو تدري.

[5]
عندما تحزم مع أسرتك الحقائب بعد أن قمتم بترحيل الأثاث، للسكن في محل جديد، وتتذكر علبة التونة التي اشتريتها من البقالة ولم تحاسب عليها، لا تفكِّر في أنكم طوال السنوات الماضية قد نفَّعتم الرجل ونفَّعه أطفالك بالآلاف، ولا مشكلة في الرحيل بدون سداد ثمن علبة التونة فالأمر هين، بل فكِّر في أن الرجل كان ينفِّعكم ببضاعته أيضاً ولم تشتروا أبدًا منه على سبيل التشجيع والدعم، وأنه قد يخاصمك في علبة التونة أمام الله، لا تفكِّر أنه لم يعد هناك حرج طالما أن الوجوه لن تتقابل، وخالتي وخالتك وتفرقت الخالات، فكِّر بأن صاحب المروءة يحفظ اسمه في غيابه كما يحفظه في حضوره، فكِّر بأنه لن يقول عنكم تلك العائلة التي اشترت على مدار السنوات بآلاف، بل سيقول عنكم تلك العائلة التي أكلت حق علبة التونة.


[6]
عندما تمد لك زوجتك يدها بكوب شاي في الحقل الذي تكدان فيه، وتنظر في صلابة كفها ، لا تفكِّر في أنك مهضوم برفقة هذه المرأة الخشنة، وأنك صبور على عشرة امرأة ليست للزينة، بل فكِّر في أنها صرفت شبابها في تربية أبنائك، فكِّر في أن هذه اليد تشققت وتصلبت في فلاحة الأرض معك جنبًا إلى جنب، ولا يليق بك اليوم أن تفضل عليها يدًا أخرى طرية، تأخذ منك ولا تعطيك. إن هذه اليد التي ضاعت أنوثتها في عصمتك وفي خدمتك، تستحق منك اليوم أن تربت عليها من باب العرفان.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 25-10-2020, 12:46 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,641
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كن جميلا

كن جميلا (5)


أ. محمود توفيق حسين





[1]
عندما تعود زوجتك ومعها حقيبتها الضخمة على رأسها، وتضعها على الأرض وقد غلبها الإنهاك، وتكلمها طالبًا طعامك، فترد عليك بلهجة عملية ليس بها الرقة التي كان تتكلم بها في أول الزواج ولا ذات النعومة، بدون أن تنظر في وجهك كما كانت تفعل، ثم تضع لك طعامك الساخن، لا تفكِّر في أن هذه المرأة أضاعت أنوثتها، وهضمت حقك في امرأة جاذبة، بل فكِّر في أنها ضحت بأنوثتها، ونزلت للعمل كدلَّالة تطرق أبواب البيوت لتبيع الملابس بالقسط، لتعينك على النفقة وقد شعرت بقلة دخلك فتغيرت طباعها رغمًا عنها كما تتغير طباع من يعمل بالبيع؛ فكِّر في أن وفاء المرأة لزوجها وبيتها هو قمة الأنوثة، فكِّر في أن امرأة مما تشتهي في التلفزيون لا تتحمل عثة فراشك ولا رائحة فمك لليلة واحدة.

[2]
عندما تجد قزمًا واقفًا في الشارع، لا تكثر من الالتفات إليه كأنك تنظر إلى مجرد شيء، لا تفكِّر بأن روحه ونفسه منقوصتان كما نقص طوله، ولن يتأذى كما يتأذى البشر الأسوياء القامة، لا تفكِّر بأنه مسخ أقرب للكارتون منه للبشر، وقد خُلِق للمشاهدة، بل فكِّر في أنه إنسان مثلك يحب أن يحيا حياته بدون أن يكون مجرد أعجوبة تنشغل بها الأبصار، وأنه يتأذى من تندر السفهاء به في الطريق، فكِّر في أن القزم الحقيقي ليس هو الذي قصر طوله أن يبلغه عتبة الحافلة بغير مساعدة، بل هو ذلك الذي قصر جهده وعزمه على أن يبلِّغاه أهدافه.

[3]
عندما يصل إليك فجأة خبر موت قريب أو جار، وأنت تستعد لحفل عرس بهيج قريباً، وقد قمت بإبلاغ الأهل والأحباب، وعشت في الأماني الطيبات، لا تلف وتدور حول نفسك من إحساسك بالقهر والتنغيص، وتضرب كفًا بكف من (سوء الطالع)، بل بادر بتعزية أسرته، واستئذانهم إن لم تستطع التأجيل، لا تفكِّر في أن موته هو مجرد إفساد لأمرك، بل فكِّر في أن موته شيء جليل له، وكذلك لأهله، أجلّ كثيرًا من أن تنظر إليه كمشاغبة وسوء توقيت، فكِّر في أن موعد حفلك هو اختيارك، وأن موعد موته هو اختيار الله.

[4]
عندما تقرر أن تنفق بعض الوقت في السوق، كما اعتدت، إلى أن يحين موعد ما، وليس لديك أي نية للشراء، وتقف عند بائع يرجو من ربه البيع، وقليلة هي الأرجل التي تمر على عتبته، وقد هش بقدومك وتفاءل، وانفرجت أساريره، وبدا وكأنه يريد أن يحملك من أعلى الأرض، لا تطل في تأميله والمساومة، وتمارس ضغوطًا عليه، وأنت تتقمص شخصية زبون على وشك الشراء، لتعطيه ظهرك من بعد ذلك وتمضي وقد تركته حاسرا، وهو ينادي عليك من خلفك لكي تقسما البلد نصفين؛ لا تفكِّر بأنك غير ملزم بالشراء، بل فكِّر بأنك ملزم باحترام مشاعر الآخرين وبالحرص على عدم مغازلة مطامحهم وعشمهم على سبيل التسلية، لا تفكِّر بأن هذه إحدى أمتع الوسائل لديك لتضييع الوقت، بل فكِّر في أن الأمر بالنسبة للبائع المسكين الذي شغلته وحرَّكت آماله لم يكن ممتعًا على الإطلاق.

[5]
عندما تزور محل عملك الذي تركته، ويجتمع حولك الزملاء، لا تقدم لهم تلك المقولة الممضوغة في كثير من أماكن العمل بأنه لا يوجد أحد خرج من هذه الشركة البائسة إلَّا وتحسنت أحواله وزاد رزقه، ولا تقل إن هذا أسوأ مكان يمكن العمل به على الإطلاق، لا تفكِّر بأنك تقدم لهم نصيحة وتحثهم على البحث عن حياة أفضل، لا تخدع نفسك، بل فكِّر في أن حديثك ربما يعبر عن سخط من الشركة التي استغنت عن خدماتك، ربما يعبر عن كراهة داخلك لأن تشعر باستقرار الناس في مكانٍ استغنى عنك، فكِّر بأنك تنغَّص على الزملاء السابقين الذين أحسنوا استقبالك، وتفسد عليهم رضاهم، فكِّر بأنك مثل الملايين حول العالم الذي حلموا بانهيار الشركات التي عملوا بها بعد أن تركوها، وقلما تحققت أحلامهم، وقد كان أجدر بهم أن لا يضيعوا الوقت في النظر خلفهم، فكِّر بأنك استمررت في هذا المكان فترة طويلة تنفق من راتبك منه على بيتك، وتعلمت فيه الكثير مما حسَّن سيرتك الذاتية وأعطاك مجالًا أوسع للبحث عن عمل، ومنحك أيضًا هذه الصحبة الطيبة التي تحيط بك.

[6]
عندما ترتفع إلى منصب رهيب، وأنت تنتمي لعائلة مهضومة في خصومة مع عائلة أشد بأساً، لا تفكِّر بأنه قد حان وقت دفع الأثمان المؤجلة، وأن وضعك على مستوى القطر لا يمنعك من تشمير كمِّك لهذا الصراع المحلي في القرية، وهذا من صلة الأرحام وعمل المعروف للأهل، وتأكيدًا لوضعك المهيب، بل فكِّر في أن عملك على الصلح أرشد ويزيدك رفعة في نظر العقلاء من أهلك ومن خصومكم، فكِّر في أن السماح لأهلك باستغلال نفوذك يفسد سمعتهم بين العائلات، ويدللهم تدليلًا يبغض فيهم المحيطين، وقد يستفحل الأمر حتى يضرك أهلك ويطاح بك. فكِّر في أن ترفعك عن الأحقاد المتوارثة سيضفي عليك مسحة من البهاء، فكِّر في أن الانحياز المكشوف يسرق من رصيد الهيبة حتى ينفد، فكِّر بأن سمعة عائلة ظالمة أسوأ بالطبع من سمعة عائلة شريفة ضعيفة الشوكة.







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 25-10-2020, 12:47 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,641
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كن جميلا

كن جميلا (6)


أ. محمود توفيق حسين





[1]

عندما تجلس مع أصدقائك متباهيًا برجولتك على أهلك وكيف أنك بقية نادرة من سلالة "سي السيد"، لا تضغط على صاحبكم الذي يتصف بتهذيبه مع زوجته ولينه معها، وتجعله مسخ الجلسة، وتقضي الأمسية تنخيه لكي تنتفض رجولته عليها، وأنت تتبادل الغمزات مع الجالسين، لا تفكِّر بأن (التسخين) طريقة ظريفة ولوذعية للتسلية، بل فكِّر في أن التسخين عامة وتسخين الأزواج خاصة عبث شرير ينتج عنه أنك ترسل شخصًا إلى أهله وهو يشعر بالغبن ويرغب في الانتقام. فكِّر في أن كل بيت تحدث به كيمياء خاصة بين الزوجين حسب تكوينهما النفسي وظروفهما وبيئة كل منهما، وأن ما يصلح أمر امرأة قد يفسد أمر شقيقتها، فكِّر بأن صاحبك في جو الندّية بينه وبين زوجته يتمتع بعلاقة زوجية شفافة، لا تشعر زوجته فيها بالندم أو تسبه في غيابه أو تدعو عليه، كما تفعل المتزوجات من البقية النادرة من سلالة سيد السيد، فكِّر بالمرتبة التي عرَّضتها زوجتك للشمس من تبول أطفالك بسبب ضربك لها في الليلة الأخيرة الكئيبة، بينما قام أطفال صاحبك في ذلك الصباح في نشاط وثقة لا يعلو وجوههم الخزي والامتقاع كوجوه أطفالك.



[2]

عندما تكون في فترة الخطوبة، سعيدًا مع عروسك حسنة السمعة طيبة الأهل، ربما تختمر في ذهنك فكرة اختبارها، تأتي إليك بغير داع، بأن تتصل من نمرة أخرى على جوالها ولا ترد منتظرًا رد فعلها، هل ستغلق الخط بسرعة أم تتمهَّل؟ أو تكلَّف شابًا أنيقًا باختلاق موقف ومحاولة لفت نظرها في أي مكان. لا تستسلم لهذه الفكرة طالما أنك لا ترى طرف خيط مقلق؛ لا تفكِّر بأنك تحمي نفسك من أن تكون مغفلًا، بل فكِّر بأنك تفسد فرحك بها وثقتك فيها بغير داع مما قد يفسد الخطوبة نفسها، وهذا هو التغفيل، أن تغفل عن صيانة الذي بين يديك، لا أن تغفل عن اكتشاف ما تتوقعه. لا تفكِّر بأن عليها أن تنجح وحدها، وأنك معذور بسبب المصائب التي تسمعها في كل مكان عن الخيانات والرجال المضحوك عليهم؛ بل فكِّر في أنك قد لا تكف حتى بعد نجاحها في أول اختبار، عن اختبارها مرات عديدة، وأن الاختبارات والمراقبة قد تزداد قسوة وانكشافا، وأنها لو نجحت وعرفت أنك تختبرها، ستراك صبيًا، وقبيحًا، لأنها أخذت حتى تفكر في السجاجيد والستائر وكافة تفاصيل بيتكما باعتبارك اختيارها المحسوم، وها هي تفاجأ بأنك تتصرف كما لو كنت على البرِّ تقلِّب الأمور في رأسك؛ فكِّر بأن الرجل الحقَّ قليل التفتيش.



[3]

عندما تكون طالب علم قد قطع شوطًا طويلا، ويجلس إليك شاب متحمس ومهذب بدأ في طلب العلم منذ فترة قصيرة، ويرغب في لفت انتباهك، بحثًا عن التقدير، كما كنت تبحث، وتكتشف عنده هفوة أو خلطًا مما يحدث لدى طلاب العلم الجدد عندما يذهبون تحت تأثير الحماسة أبعد مما تأهلوا له، لا تفكِّر بأنه خفيف القلب فارغ الوعاء وأصابه العجب، فتبتسم له ابتسامة إشفاق، وتضعه تحت إبطك معبرًا عن إحساسك بصغره، أو تحدثه عن أسنانه اللبنية وأنت تناديه بلقب تدليل، فكِّر بأن كل هذا من مظاهر الودِّ الجارح، وفكِّر في أن ما فيه مما يلم بكثير من المبتدئين من رضا مبكر واستبشار يشحنهم للمضي قدما، فكِّر في أن الإنسان يصدق نفسه، ثم يشتد عوده من بعد ذلك ويضحك من تلك السطحية التي كان عليها في البدايات، ولكنه يظل مدينًا بالتكملة لهذا الشعور الأول بأنه على ما يرام، فكِّر بأن أسوأ ثمرة لعلمك أن تخفض استنادًا إليه الروح المعنوية للآخرين.



[4]

عندما تقرأ لأحدهم رأيًا يخالف رأيك بشدة في موقع من مواقع التواصل، ويهاجم من تتحيز له بغير هوادة، لا تسبه ذلك السباب المنكر وتطعن في أمه التي لا حساب لها على الموقع ولا دخل لها فيما اختلفتم عليه؛ معتمدًا على أنه لا يملك أكثر من حظرك. امسح تعليقك ولا ترسله، لا تفكِّر في أنك إن أرسلته أسأت إليه، بل فكِّر في أنك إن أرسلته أسأت إلى نفسك. لا تفكِّر في أن هناك من يتفقون معك في الرأي ستشفي غليلهم، بل فكِّر في أن الكثيرين ممن يتفقون معك في الرأي سيمتعضون من أسلوبك، وسيشعرون أنك لا تمثلهم. لا تفكِّر في أن هناك من زادت شعبيتهم على المواقع بسبب طول ألسنتهم وفحشهم، بل فكِّر في أن شعبيتهم بسبب براعتهم ومعلوماتهم وقدرتهم على التحليل والربط وليست بسبب الشتيمة التي هي أسهل ما يتعلمه الأطفال، ولن تنقص شعبيتهم لو توقفوا عن الشتم بل ربما تزيد. فكِّر في أن المروءة تمنع الإنسان من سبِّ عرض إنسان آخر مستغلًا عدم إمكانية الملاحقة، فكِّر في أن الأمر صبيانيٌّ تمامًا كسباب المراهقين الطائشين الذين يقودون سيارة مسرعة، لشخص يقف على الرصيف لن يمكنه اللحاق بهم.



[5]

عندما تجلس إلى ابنك الذي تبث له دومًا رغبتك في أن يكون شخصية قيادية ورجلًا له وزن في المجتمع، لا تحرضه على أن يبذل قصارى جهده للتزويغ من الكمساري ليوفر على نفسه ما يدفع ثمنًا للتذكرة، لا تفكِّر في القروش القليلة التي سيدخرها أو ينفقها في شراء المرطبات والساندوتشات بدلًا من قطع التذاكر بها، بل فكِّر في كلفة ذلك على شخصيته، فكِّر في أن زميله الذي يجلس على كرسيه بكل احترام ويقطع تذكرته، وينزل في محطته بكل ثقة وتقدير للذات، سيكون مؤهلًا أكثر من ابنك الذي يتحرك في الحافلة كثعلب لئيم، وينزل أثناء حركتها هربًا من الثمن، معرضًا نفسه للخطر، ويتعرض للسباب من الكمساري من خلال النافذة قابلًا على نفسه الإهانة، سيكون مؤهلًا أكثر من ابنك للقيادة بعد عدة سنوات، سيكون إنسانًا أكثر قدرة على مواجهة استحقاقات الحياة العملية والاجتماعية أكثر من ابنك، ابنك الذي سيستمر في التهرب من الكمساري في عمله وفي بيته وفي عائلته.



[6]

عندما يأتي إلى العمل أحد الموظفين البسطاء عندك مثل عامل البوفيه، مصطحبًا طفلته التي سيستأذن ويذهب بها إلى مكان ما ثم يعود إلى العمل، احرص على أن يكون أسلوب معاملتك له أفضل من أسلوبك العملي المعتاد الذي يعبر عن الفارق بين وضعه الاجتماعي ووضعك، والفت نظر الآخرين إلى ذلك؛ ترقق له قليلًا في هذا الظرف الذي لن يطول، واجعل لهجتك أكثر ودَّا، لا تفكِّر بأن هذا وضعه المهني الذي تستوعبه طفلته، وأن الأمر لا يتطلب كل هذا القدر من الحساسية، بل فكِّر في أن هذا هو الأب قبل كل شيء، تراه الطفلة لأول مرة طائعًا مهمَّشا. لا تفكِّر بأن إحراجه قليلًا هو وسيلة معقولة لمعاقبته على جلبها معه، بل فكِّر في أن التبسم إليها وملاطفتها ورسم بسمة على شفتيها الصغيرتين سيمثل تقديرًا يرفع معنوياته ومعنوياتها، سيرد عليه بالعمل سائر اليوم بهمة وبروح الشكر، ولن يرد عليه بتكرار الزيارة. لا تفكِّر بأنه من الضروري أن لا تذهب الطفلة من هنا لتعود مرة أخرى، بل فكِّر في أن لا تذهب الطفلة من هنا بنفسية غير التي جاءت بها وقد جرحتها التجربة ورأت أباها الشائب يُنادى من شباب صغار بغير أي لقب، ويحتجون عليه لتأخره في تقديم الطلبات.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 25-10-2020, 07:44 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,641
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كن جميلا

كن جميلا (7)


أ. محمود توفيق حسين





[1]
عندما يحدث خلاف بين صديقتك المقربة وخطيبها، لا تقضي وقتك في المتابعة بينهما، والتحدث إليه عبر التليفون طويلاً. لا تفكِّري بأنك تتمتعين بقدر من الحكمة تفتقده صديقتك، بل فكِّري في أن نفسك بدأت تزيِّن لك أن تشعريه بأنك أكثر حكمة منها وأعقل، وأن العيب فيها، لا تفكِّري بأنك تكررين له دائمًا قولك: (هي طيبة)، ولكن فكِّري في أنك بدأتِ تكملينها هكذا: (هي طيبة لكن عيبها....)، لا تفكِّري بأنك إيجابية، بل فكِّري في أنه ليس من الإيجابية في شيء أن نضعف أمام كلمة تقدير مباغتة، لا تفكري بأنك فقط تستمعين إلى بوحه الطويل وعذاباته، بل فكِّري في أن طول الاستماع إلى صوته الشاكي يشد أوتار قلبك، ويجهزها لعزفه إن أراد، لا تفكِّري بأن لك أن تعتزي بدخولك هذا الأمر مرفوعة الرأس من باب الشهامة، بل فكِّري في أن عليكِ أن تخشي الخروج منه منخفضة الرأس وقد خسرتِ صاحبة عمرك.

[2]
عندما تخرج مع أصدقائك خروجًا عائليًا، ويجمعكم بنسائكم جلسة واحدة بدلًا من أن ينفرد النساء بالنساء، وتشعر برغبة في الحديث عن نظام حميتك، والتمارين التي تواظب على أدائها، وقد ملأك السرور لكونك تبدو أصغر سنًا من أقرانك الجالسين، الذين سبقوك إلى المشيب، وبرزت كروشهم، لا تفكِّر في أن هذا حديث بريء، بل فكِّر في أن هوى نفسك أن تكون المقارنة لصالحك مع بقية الأزواج، لا تفكِّر في أن غاية هذا الحديث وثمرته أن تحمد زوجتك الله على أن فضَّلها على غيرها بك، بل فكِّر في أن ثمرة هذا الحديث قد تكون حسرة إحدى الجالسات على حظها وهي ترى أنها أجمل من زوجتك وكان نصيبها من الرجال أقل من نصيبها؛ لا تفكِّر بأنها طريقة ظريفة لـ (أكل الجو)، بل فكِّر في أنها ربما تكون طريقة لـ (أكل قلب أحد أصدقائك) الذي صارت امرأته تنتقد قوامه كثيرًا في الفترة الأخيرة، لا تفكِّر بأن البشر قد جبلوا على إعلان تفوقهم، بل فكِّر في أن ما يعتمل بصدرك وما تميل للتعبير عنه من تغلُّب على الذكور الآخرين أمام الإناث هو سائد وفطري، في فحول الحيوانات.

[3]
إذا شدك ابنك من يدك ناحية عربة الفيشار المتواضعة في شارعكم، التي جهزها شقي من أشقياء الجيرة، ودَّع حياة السطو وبيع البرشام منذ فترة وجيزة، وتاب إلى ربه، واكتفى بالحلال القليل، ويهرع إلى الصلاة في الجامع وقت كل صلاة، ويعود بمشية منكسرة لا تشبه مشيته القديمة المتجبرة، ويتعرض للهزء والسخرية من الأشقياء، الذين يتعجبون من السبع الذي ارتضى لنفسه أن يتكسَّب من جمع أنصاف الجنيهات من الصبيان؛ لا تقل لابنك بل سنشتري من النادي أو من أي بائع نظيف، لا تفكِّر بأنه ليس من المناسب التعامل مع رجل مثله سيء الماضي، بل فكِّر في أنه من المناسب جدًا أن يقبله مثلك تحية وإكبارًا لتوبته، كي يكون مستقبل أيامه أفضل من ماضيه، فكِّر بأن صاحب هذا الوجه الذي تعرف قريبًا إلى دموع الندم، سيكون من الصعب عليه العيش طويلًا بين محاربة المجرمين وعدم اعتراف الشرفاء، فكِّر بأن تكسر أنت الحصار عمن لجأ إلى الله، فكِّر بأن العربة التي في النادي نظيفة بالفعل، ولكن لا عربة أنظف ممن استعان بها صاحبها على التوبة.

[4]
عندما تركع في صلاة الجماعة، التي حضرتها بزينتك وعطرك، وتصدم بأن الرجل البسيط الذي دخل في الصلاة الآن وحاذاك، مقطوع الجورب، وتظهر أصابعه من الأمام، وتنشغل باستنكار عدم اهتمامه بارتداء جورب سليم طيلة ركعاتك، وبإبعاد قدمك عن قدمه، وهو يصرُّ بحسن نية على أن لا يترك فرجة، لا تفكِّر بأنه لا يحسن القدوم على المساجد مثلك، بل فكِّر في أنه ربما يحسن القدوم على الله بقلبه أكثر منك، فكِّر بأنه ربما أتى الله بجورب مقطوع ولكن بقلب سليم، فكِّر في أن الخرق الذي في جوربه لا يفسد صلاته، بينما انشغالك بهذا الخرق وتأففك منه قد يفسد صلاتك.

[5]
عندما يدعوك المدير الإقليمي المفخَّم الذي انتدبت معه لبضعة أيام في مدينة سياحية تنتشر فيها علب الليل، لسهرة في أحد المراقص، وهو يعلم جيدًا أنك لا تذهب إلى هذه الأماكن، لا تقف أمامه رخوًا ضئيلاً، فيسحبك خلفه كالمنوَّم، اعتذر عن الذهاب معه اعتذارًا واضحًا أكيدا، لا تفكِّر بأن كلمة (لا) وقحة، وأن قبولك سيقرِّب المسافة بينكما، وأن من لطفه وتبسُّطه أن قبل السهر مع موظف بسيط، وأنها سهرة وتمر بسلام، وستتركه يحتسي الخمر وتشرب مياهًا غازية، ولن تنظر للراقصة ولا نظرة واحدة، بل فكِّر في أن مديرك الإقليمي هذا لو أخطأت في عملك بعد سهركما معًا لن يضع اعتبارًا لرفقة الليلة الماجنة وسيقول لك: (الشغل شغل)، فكِّر في أن من أرضى الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس. فكِّر بأن من هوان الدين عندكم أنكم في فرع الشركة لم تنادوه لصلاة الجماعة معكم، بينما هو لا يجد بأسًا في مناداة من يرافقه منكم للسكْر والمجون.

[6]
عندما تتحدث مع صديق عمرك المفلس مثلك، عن أمنيتك في أن تدخل الأرض التي ورثتها في كردون المدينة فيرتفع ثمنها وتبيعها، لكي تقيم مشروع المطبعة الذي تحلم به، والذي تعده بأن يديره معك لأنك تثق به، وتعتمد عليه، وتحب أن يجمعكما العمل كما جمعتكما المؤازرة في الأيام الصعبة؛ وها هو حلمك يتحقق أخيراً، وتتعاقد بالفعل على الماكينات، وتبدأ في الشعور بالرغبة في الانفلات منه بحجج واهية، لا تفكِّر بأنك لم توقع عقدًا مع صاحبك، بل فكِّر في أنك وعدته، ولا يليق بك أن تعد وتخلف، لا تفكِّر بأن خير وسيلة للحفاظ على الصداقة إبعادها عن الشغل، بل فكِّر بأنك لم تذكر هذه القاعدة عندما لم تبعد الصداقة عن أحلام الشغل، فكِّر بأنك لن تحفظ عهد الصداقة بهذه الفعلة، بل تنهيه، لا تفكِّر بأن فكرك تغير ونضج عندما قبضت على المال، بل فكِّر في أنك تعريت أمام نفسك، فقد كنت تستغل صداقته في الفضفضة، ولكي يصبر على فضفضتك رشوته بالحلم، وعندما تحقق حلمك، لم تعد بحاجة إليه، لأن عهد الفضفضة قد انتهى.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 27-10-2020, 08:28 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,641
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كن جميلا

كن جميلا (8)


أ. محمود توفيق حسين





[1]

عندما تقف في محطة البنزين، بسيارتك التي بها علب مناديل كثيرة مغلقة، أخذتها من محطات أخرى ولم تستهلكها بعد، وتضع 25 لترًا، وتطلب علبة المناديل الورقية الهدية، ويتأسف لك العامل لأن المعمول به عندهم أن يقدموا الهدية لمن موَّن سيارته بـ30 لترًا أو يزيد، لا تلح على العامل، وتجادله بأنك اعتدت على الحصول على العلبة بشرائك 25 لترًا فقط، ولا تلح عليه كي يستثنيك من القاعدة المقررة، ثم تنهي حوارك معه يائسًا غاضبًا: (محطة نصابة). لا تفكِّر بأنك شخص إيجابي لا يترك حقه، بل فكِّر في أن حقك هو الـ 25 لترًا، أما هذه فهدية تسويقية بسيطة، لا يليق بك أن تتفاوض بشأنها، لا تفكِّر بأن ( الشاطر) هو من يأخذ أقصى ما يستطيع ولو من أعين الناس، بل فكِّر في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (رحم الله عبداً سمحاً إذا باع، سمحاً إذا اشترى، سمحاً إذا اقتضى)، فكِّر في أنه لا أحد تصيبه التعاسة من قلة المناديل، ولكن منازعة الناس في كل أمر حتى ولو كان المناديل تصيب الإنسان بالتعاسة.

[2]
عندما يتخذ صاحب العمل قرارًا بالاستغناء عن خدماتك، بناءً على تقارير سلبية متتالية من مديرك المباشر، ويوفقك الله لعمل آخر أفضل أجراً، ولا زلت ترسل لصاحب العمل القديم رسائل تدعو فيها عليه، ومقاطع لكبار الشيوخ عن عواقب الظلم، وتخبره أنك في العمرة دعوت عليه هناك وأنت متعلق بأستار الكعبة، لا تفكِّر بأنك تثيره ضد المدير المباشر الذي تراه ظالما، بل فكِّر في أن هذا السلوك منك بعد كل هذه المدة سيدفعه أكثر للاقتناع أكثر بوجهة نظر المدير فيك كشخص صانع للمشاكل. لا تفكِّر في حقوقك عنده، بل فكِّر في أشياء أخرى أخذتها منه بغير وجه حق لحاجتك الشخصية، كالأوراق والأقلام واستخدام هاتف العمل وسيارة العمل، وفي اغتيابك الروتيني له مع الزملاء، وكلها مما تحب أن يعفو عنك فيها يوم القيامة.

[3]
عندما تذهب للاقتراض من صاحبك التاجر الثري، فيخفض رأسه متأسفًا بحجة أنه لا نقدية معه هذه الأيام، وماله موزَّع بالسوق، وأنه يصعب عليه أن يضطر لردك بغير أن يلبي طلبك؛ ويتركك تمضي بعد أن يجبر خاطرك بالكلام ويودِّعك إلى باب متجره؛ فتعرج على الصديق التاجر الآخر المقتصد في كلامه، فيعطيك ما تريد، بعد أن يسألك عن موعد السداد وبعد أن يكتب ورقة بالدين؛ وتبيت ليلتك مهمومًا مما وقَّعت عليه، بدلًا من أن تكون سعيدًا بما اقترضت. وتنطلق في يومك التالي في طريقك لجلسة تضم بعض الأصدقاء وأنت متحفز تعضّ على شفتك، وتنوي أن تمدح (الأصيل) الذي وهبك حلو الكلام، وتسب وتلعن ذلك (الخسيس) الذي أعطاك ما تريد، راجع نفسك جيداً، وابتلع ما حزَّ بنفسك من روحه العملية؛ لا تفكِّر بأن الأول أبرّ وأحنّ من الثاني، بل فكِّر في أن منحة الجيب أصدق من منحة اللسان، لا تفكِّر بأن الطلب أسقط قناع الأخ عن وجه من أقرضك، حينما جعلك توقِّع على ورقة دين واستدعى شاهدين، بل فكِّر في أن الأول ربما لا زال يحتفظ بقناعه ونقوده وبك. لا تفكِّر بأن الإقراض كرهٌ له، بل فكِّر في أن رد القرض يوم الوفاء إن وفَّيتَ كرهٌ لك.

[4]
عندما يصرخ فيك زوجك العصبي في مشاجرة بينكما، ثم يمضي بعد أن يغلق باب البيت من ورائه بعنف، وتصيبك حالة من الغليان، وتذهبين إلى المطبخ لتوقظي الطفلة الخادمة الجديدة بقدمك، فتقوم مذعورة مما يبدو على وجهك من تغيُّر، وتسحبينها من يدها لتعيد ترتيب الملابس في الخزانة من جديد، فتفعل وهي تبلع ريقها، وتنظر إليك كل حين برهبة، ثم تمسح الشقة وأنتِ فوق رأسها غير راضية ومستمرة في توجيهها بغلظة، وهي تطيعك وتتمنى لو تعرف ماذا دها السيدة الطيبة؟! لا تفكِّري بأنها شحنة تفرِّغينها، بل فكِّري في أنها شحنة تصبِّينها فيمن لا ذنب لها؛ لا تفكِّري في أنه بعد ذلك يمكن لك إرضاؤها بسهولة، بل فكِّري في أنه لا يحق لك إصابتها بالهم بهذه السهولة، لا تفكِّري بأنها تخدمك، بل فكِّري في أنه ليس من خدمتها التنفيس.

[5]
عندما تقف في طابور خدمة، والموظف الجالس أمامكم شاب صغير مرتبك يبدو عليه أنه حديث التعيين ليس لديه الخبرة الكافية، ويأخذ وقتًا أكثر من المعهود في إدخال البيانات، لا تفكِّر بأن أجمل أسلوب لتمضية الوقت هو التندر عليه مع من حولك، كأن تقول (جاء ليتعلم فينا!)، بل فكِّر في أن كلمة كهذه لو نطقتم بها وسمعها ستعلِّمون فيه، علامة قاسية، لا تفكِّر بأن هذا الجالس المرتبك أضاع عليك وقتًا من أوقاتك، بل فكِّر في أنه منحك دون قصد فرصة لإمضاء هذه الدقائق في الاستغفار بدلًا من السخرية من شاب صغير يحارب من أجل أن يكتسب خبرة، ويصبر على أذى الخبراء أمثالكم؛ لا تفكِّر كم هي مستهترة هذه الشركات التي تصدِّر قليلي الخبرة، بل فكِّر كم هو قاسٍ هذا المجتمع الذي لا يصبر على من يرغبون في التعلم واكتساب الخبرة.


[6]
عندما تذهبين لحفل زواج أحد الأقارب، ويتم توزيع المرطبات وعلب بسيطة تحتوي على ساندوتشين، ويأخذ كل فرد من أسرتك نصيبه إلَّا طفل واحد، وبدا بالفعل أنه لا يوجد المزيد من العلب، حاولوا اقتسام ما معكم مع الصغير، أو فضَّليه أنتِ على نفسك، لأن الأمر بسيط جدًا، لا تفكِّري في أنه يحق لك الصعود للعريس في الكوشة لتوشوشيه حتى يتصرف، بل فكِّري في أن تتصرفي بنفسك، لا تفكِّري في أن إلقاءك هذه المشكلة على الآخرين من باب العشم، وأن الناس غالبًا ما يقابلون حرصك وإصرارك بابتسامة، بل فكِّري في أن الناس حتى ولو تبسَّموا فإنهم لا يحبون أن يزعجهم أحد بالمشاكل التافهة وهم فيما هم فيه، لا تفكِّري في أن الأمر شطارة ويقظة للحقوق، وأن رجوعك بعلبة في النهاية بعد أن يلف الآخرون ويدوروا حتى يأتوا بها لخير دليل على سلامة أسلوبك، بل فكِّري في أن هذا غالبًا ما يفوز به المزعجون: شيء بسيط دفعوا ثمنه خصمًا من رصيدهم وصورتهم.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 28-10-2020, 09:41 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,641
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كن جميلا

كن جميلا (9)

أ. محمود توفيق حسين

[1]







عندما تحدث مشاجرة بين قريبتك الشابة وزوجها، وتمر عليها عند أهلها لتستبين الأمر، وتسمع منها شكواها، لا تأخذك العنترية، ولا تجعل طفلها يسمع منك شيئًا عن أبيه يسيئه، لا تفكِّر في أن كرامة العائلة تستلزم تأديب الزوج، بل فكِّر في أن حفظ كرامة العائلة يستلزم حفظ كرامة الأصهار، لا تفكِّر بأنه ظلمها بالتأكيد، بل فكِّر في أن الناس يتكون عندهم غالبًا شعور سطحي بأن الطرف الذي يخصهم في العلاقة الزوجية على حق، فكِّر بأنه كثيرًا ما استشاط الناس غضبًا للجزء الذي استمعوا إليه من القصة، ثم اتضح لهم أنهم سمعوا قصة مبتورة. لا تفكِّر بأنها لحظة الحماسة التي ستغير حجمك العائلي، بل فكِّر في أنها لحظة الكياسة التي تغير وزنك العائلي، لا تفكِّر بأنه لا يليق بك التغابي عن تنخيتها للحاضرين: (جيبوا لي حقي يا رجالتي)، بل فكِّر في هذا الصبي الصامت المصفرّ الوجه الذي أفقدته الصدمة القدرة على المطالبة بأي شيء، واجعل له نصيبًا من نخوتك.




[2]

عندما يكون لك زميل في الإدارة يمتلك النشاط والتفاؤل والإصرار على تحقيق أهدافه رغم الصعوبات الجادة، لا تقل له إنه لا فائدة من الاستماتة على الإنجاز في هذا المكان البائس، وإنه لن يصل للترقية التي يرغب فيها في نهاية الأمر لأنهم سيفاجئونه بعد كفاحه بجلب مدير من خارج الشركة، وإنه حتى لو ذبح نفسه في العمل لن يتمكن من تحقيق المستهدف البيعي ويصرف الحوافز، لذا فعليه أن يرفق بنفسه. لا تفكِّر بأنك أكثر حنكة، وأنك تنصحه كي يفيق من سذاجته، بل فكِّر في أنك في الحقيقة تبذل جهدك في كسر معنوياته حتى لا يفضحكم بالفارق بين إنتاجيته وإنتاجيتكم، لا تفكِّر بأنك تكره فيه قلة كلامه عن حقوقه، بل فكِّر في أنك تكره فيه احترامه لواجباته، لا تفكِّر في أنك تمارس شيئًا من الفضفضة المعتادة بين أصحاب الهم الواحد، بل فكِّر في أنك بكثرة هذا الفضفضة وكثرة صموده سينمو في صدرك شيء من العدائية تجاهه وتجاه (محاولته)، فتحزن بنجاحه وتشمت بفشله، فكِّر في أن التعري الأخطر ليس بسبب الفارق بين إنجازه وإنجازك، بل التعري الأخطر هو ما ترصده داخلك من مشاعر قبيحة بدأت تنبت وقد غذتها الفضفضة.




[3]


عندما تقف في محلك لبيع وإصلاح إطارات السيارات على الطريق الصحراوي، ويعترض الزبون على السعر المبالغ فيه للإطار وتركيبه، لا تكلمه بهذا القدر من اللامبالاة وبدون أن تنظر إليه، وتقول له هذا ما عندنا، لا تفكِّر بأن اللطف سيكثر الجدل ويرفع وتيرة الاحتجاج، وأن المستغل لا بد أن يكون نافرًا حتى ينجز بغير صداع، بل فكِّر في أن اللطف سيمنع عنك أن يشتري الرجل وهو غير مسامح، سيمنع عنك الكثير من الدعاء بالمحق، لا تفكِّر بأنه لا يضايقهم إلَّا دفع مبلغ فوق المعتاد، بل فكِّر في أن ما يزيدهم انفجارًا هو شعورهم بالقهر بسبب استغلالك واستخفافك. فكِّر بأن الناس سيساعدونك على الشعور بالاقتناع حتى يقاوموا الشعور بالتعاسة، فلا تصرّ على أن تشعرهم أنهم يتعرضون للي الأذرع، فقط قل لهم إنك تبيع بزيادة عما يبيع به زملاؤك في المدينة الذين يرد إليهم زبائن أكثر، حتى يمكنك الاستمرار في خدمتهم في هذا الخلاء.




[4]


عندما تستضيف زوجتك بعض صديقاتها في البيت، وتطول بهن الجلسة، وعلى غير العادة، إلى وقت عودتك من العمل، لا تضغط عليها عبر الهاتف وأنت تقاطع صوتها الهامس المحرَج المستعطِف، حتى تتصرف وتنهي الجلسة بأي طريقة قبل وصولك إلى البيت، لا تفكِّر بأن امتداد الجلسة إلى وقت رجوعك هو محاولة منها لإثبات سيطرتها عليك، بل فكِّر في أن امتدادها يعبِّر عن عدم سيطرتها على ضيفاتها وتحرجها منهن؛ لا تفكِّر في أن العلاقة بينكما صارت تحتاج إلى ضبط اتزانها، بل فكِّر في أن العلاقة بينكما تتقوى وتتزن بسعة صدرك وتفهُّمك للظروف الطارئة، لا تفكِّر فيما عليك أن تفعله لحفظ صورتك، بل فكِّر في أن الرجل تهتز صورته عند زوجته إذا هزَّ صورتها أمام الناس. قد تستطيع بشيء من الخشونة أن تثنيها عن ذلك للأبد، لكن لا تفكِّر بأن جمال السيادة في الإثناء، بل جمال السيادة في الاستثناء.



[5]

عندما تكلف شابًا رقيق الحال من بلدك بأن يبحث لك عن أرض مناسبة في البلد لتبني عليها بيتك، وتبدأ في إغرائه بأنك ستوفر له فور عودتك فرصة عمل مميزة بالبلد الخليجي الذي تعمل به، وأنت حتى ليس لديك أي تصوُّر واقعي لكيفية تنفيذ ذلك، وتسأله أسئلة عن إجادته للإنجليزية والكمبيوتر، من باب سبك الدور؛ لا تفكِّر في أن هذا سيجعله أكثر إخلاصًا وجدية في البحث، بل فكِّر في أنك لن تجزي مخلصًا على إخلاصه، وستجدد إحباطه بعد أن تعلق بكلامك وصدَّقك؛ لا تفكِّر في أن هذه طريقة رخيصة في الحصول على الأرض؛ حتى لا تتعرض للاستغلال من محترفي اللعب على الأثرياء والمغتربين، الذين ربما وفروا لك أرضًا وغالوا في سعرها وأكلوا مالك؛ بل فكِّر في أنها طريقة رخيصة لأنها قائمة على استغلال حاجة إنسان وشوقه لفرصة عيش كريمة؛ لا تفكِّر بأنه سينسى الفرصة، بل فكِّر في أنه لن ينسى الخدعة؛ لا تفكِّر بأنه من الشطارة أن توفر ما يمكن توفيره من مالك بشيء من الدهاء، بل فكِّر بأنه من العار أن يرد هذا المسكين يدك الممدودة بالسمسرة بكل عزم، رغم حاجته إليها، آملًا في اتصال قريب منك يبشِّره بفرصة السفر.



[6]

عندما تجلسين إلى زوجك الذي ضاقت به الأحوال بعد أن عشت معه أيام سعد، وتحكين له عن منجزات من حولكم، والأرض التي اشتراها زوج أختك الشاطر الذي يدبِّر أموره جيدا، وأخيه الأنيق الذي يحفظ كيانه الذي أخذ أسرته إلى شرم الشيخ، بينما أنتم غير قادرين الآن على الذهاب لأي مصيف، وابن الجيران النشيط حديث التخرج الذي اشترى سيارة حديثة بالقسط، وهي أفضل من سيارتكم التي تهالكت وكثرت أعطالها؛ لا تفكّري بأنك تدفعينه من ظهره الكسول إلى سباق التحدي، حتى يلحق بهؤلاء الذين سبقوه جميعًا وتركوه هائمًا يعرج في المؤخرة، بل فكري في أنك تدفعينه من ظهره للسخط من قضاء الله؛ لا تفكِّري في أنك تقولين هذا لأنك تريدينه الأفضل، بل فكِّري في أن الرجل تذبحه المقارنة، ولا يحب أن يصل إليه أنه لا يملأ عين زوجته؛ لا تفكري في الأشياء الرائعة التي لم يعد قادرًا على توفيرها لكم كسابق عهده، بل فكري في أن أروع الأشياء التي يقدِّمها الزوج لأسرته هي إيثاره لهم على نفسه، فكري في هذا الحذاء الرثّ الذي في قدميه، الحذاء الذي خصفه وخيَّطه بخيط أبيض غليظ، بينما اشترى لكم جميعًا أحذية جديدة؛ لا تفكري في أنه انسحب من أمامك للشرفة كي يهرب من مواجهتك وحديثك، بل فكِّري في أنه ذهب للشرفة حتى لا ترين دمع عينه.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 29-10-2020, 09:26 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,641
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كن جميلا

كن جميلا (10)


أ. محمود توفيق حسين





[1]
عندما تكون في زيارة للبلدة في موسم التمر، وتمر بطفلك في السوق العامر الذي جلب الناس من كل ناحية لشراء البلح بأنواعه، حيث تكون الكميات الوافرة والسعر الرخيص، وما يسقط من المكاتل والزنابيل الممتلئة لا يُسأل عنه، ويلتقط طفلك بلحة من بساط فلاحة ملهية في البيع؛ لا تفكِّر في أنها مجرد بلحة، بل فكِّر في أن مبتدأ الحرام من الخبزة والبيضة والتمرة؛ لا تفكِّر بأن سوق هؤلاء قام على السماح فيما يسقط وفيما يُلتقَط، بل فكِّر في أن سوق التربية يقوم على استغلال هذه الفرص لتقبيح الحرام في عين الابن، عندما يرى أباه قد سارع بأخذ التمرة من كفه بغير استهانة وأعادها إلى بساط صاحبتها، لا تفكِّر في أن إخراج التمرة من كف الصغير فيه شيء من القسوة، فرسولك صلى الله عليه وسلم أخرجها من فم حفيده وهو المبعوث رحمة للعالمين.

[2]
عندما تسهر لساعة متأخرة من الليل قبل سفرك بالطائرة، وتستيقظ متأخرًا وترتدي ملابسك بسرعة وتندفع للمطار، ويضطر موظف الصالة لمنعك من الدخول إلى نقطة الجوازات، وتندفع فيه لاعنًا إياه، ولاعنًا غباء النظم التي تعطِّل رجل أعمال نافذًا مثلك، حتى يرتبك الموظف وقد أصابته رهبة من تهمك ومن الاتصالات التي يمكنك إجراؤها؛ ثم تسافر من بعدها إلى سويسرا، وتتأخر دقيقة واحدة عند الرجوع عن موعد غلق البوابة، ويردك الموظف الأشقر الأنيق بلطف وحسم، و تتحجج إليه بحجة كاذبة لتثير شفقته، وتحاول أن تتعذر إليه بكل استعطاف بأنها دقيقة لا غير، فيقول لك بثبات : (لا يا عزيزي، حتى ولو كانت دقيقة، الدقيقة هي التي صنَعت سويسرا)، وينكسر وجهك حياءً، ولا تجرؤ على رفع صوتك عليه، وتعود في رحلة اليوم التالي لتحكي بفخر عن النظام والدقة والدقيقة التي صنعت سويسرا؛ لا تفكِّر في الفرق بين الموظفين، بل فكِّر في الفرق بينك مسافرًا عبر مطار محلي وبينك مسافرًا عبر مطار جنيف، فكِّر في أنك تساعد على تكوين موظف متهاون ومهزوز في المطار المحلي يمرر قدر الإمكان، ولا مانع من أن يأخذ في يده ورقة نقدية، وتساعد على أن يظل الآخر نزيهًا واثقًا معتزًّا بالساعة.

[3]
عندما تقف في متجرك العامر بأصناف البقالة والتموينات، ويدخل عليك مندوب شركة السجائر عارضًا عليك تنزيل بضاعته عندك، لا تفكِّر في أن لديك 1000 صنف لن يفسد ربحها الدخان البسيط، بل فكِّر في أن ربح 1000 صنف حلال تغنيك تمامًا عن كسب الدخان المحرم؛ لا تفكِّر بأن المسألة بالنسبة لك أنه يعزّ عليك أن يدخل عندك زبون ويسأل عن شيء ولا يجده، بل فكِّر في أن يعزّ عليك أن يجد الله عندك ما لم يحل لك بيعه؛ فكِّر في أن الزبائن لا يدعون على البائع الذي لم يجدوا عنده علبة السجائر، بل يدعون في سعالهم وعند إجرائهم لكشف الأشعة على من علمهم تدخينها.

[4]
عندما تتقدم لخطبة فتاة، ولا زالت وأهلها في مرحلة التباحث والتشاور، وإن كان من الواضح أن الأمور تسير على ما يرام، وتحدثك نفسك بأن تؤجل إعلانها أمر مرضك الوراثي إلى أن تصل فتاتك إلى مرحلة التعلق بك؛ لا تطع ما تسوِّل لك نفسك؛ لا تفكِّر بأنك تبحث عن الوقت المناسب، بل فكِّر في أن أسوأ ما يقال عن العريس عند فشل خطوبة هو أنه كذب، ثم يليها في السوء أنه أخفى؛ الوقت المناسب هو أن تصارحها قبل أن تعرف من طرف آخر؛ الوقت المناسب هو أن تعرف منك قبل أن تأخذ قرارها لا بعده؛ لا تفكِّر في أنها لو عرفت منك ستتردد، بل فكِّر في أنها لو عرفت من غيرك سترفضك بغير أي تردد؛ لا تفكِّر في تلك الصورة التي تتخيلها فيها ترفضك وهي خجلَى بسبب مرضك الذي لا دخل لك به، بل فكِّر في تلك الصورة الأصعب عليك عندما تعلن فسخ الخطوبة بغير خجل، بسبب عدم مصارحتك الذي رفع عنها الشعور بالخجل.

[5]
عندما تكون على موقع من مواقع التواصل، وتصل إليك صورة واضحة لأحد الأشخاص من أي مصدر، يحرض على قتله باعتباره مجرمًا، ويطلب من الآخرين تداول الصورة وبيانات صاحب الصورة، لا تأخذك الحماسة وتبادر بنشرها، لا تفكِّر في أنك تلاحق مجرمًا، بل فكِّر في أنك تتعاون مع الآخرين في الاستهانة بحرمة الدم، لا تفكِّر في أن بعض البشر لا يتورعون عن فعل هذه الجرائم، بل فكِّر في أن هناك بعض البشر لا يتورعون عن صنع الأخبار الكيدية، وأن هناك الكثير من البشر لا يتورعون عن التحدث بكل ما يسمعون بدون تثبت.

[6]

عندما تتحدث معك زوجتك بشأن همز صديقة لها في جلسة نسوية بالأمس، وتقدم لها رأيك بأن لا تفاتحها في الأمر ولا تعاتبها وأن ترقى فوق هذه الأمور، وستعود لها صاحبتها بروح متعذرة، ولكن زوجتك لم تقدر على ذلك وفاتحت صديقتها، وصفا الجو بينهما؛ لا تفكِّر في أنها ضربت برأيك عرض الحائط، بل فكِّر في أنها تمتعت بالأمس بالبوح لك في شأن يخصها وسعدت بحسن استماعك؛ لا تفكِّر بأنها هوائية سطحية مندفعة، بل فكِّر في أنك أيضًا ككل البشر تستشير وتستمع لآراء ناضجة ثم يحدث أن تندفع في فعل ما تميل إليه بدون أن تضمر استخفافًا بمن استشرته؛ لا تفكِّر بأن تتعصَّب عليها لأنها لم تستمع إليك وفعلت ما كانت متحرقة لفعله، بل فكِّر في أن عصبيتك عليها لعدم انصياعها سيجعلها تتوقف عن استشارتك في تفاصيلها الصغيرة، لتفقد فيك الصديق؛ فكِّر في أن سكنها إليك لا يعتمد على صحة رأيك في التفاصيل التي تسمعها منها بقدر ما يعتمد على صحة تفاعلك واستيعابك.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 158.21 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 152.14 كيلو بايت... تم توفير 6.07 كيلو بايت...بمعدل (3.84%)]