الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله - الصفحة 34 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         نظرات في رِسَالَةٌ فِي الصُّوفِيَّةِ وَالْفُقَرَاءِ (اخر مشاركة : رضا البطاوى - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4376 - عددالزوار : 826469 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3907 - عددالزوار : 374372 )           »          سحور 9 رمضان.. حواوشي البيض بالخضار لكسر الروتين والتجديد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          الأمثال في القرآن ...فى ايام وليالى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 8 - عددالزوار : 285 )           »          فقه الصيام - من كتاب المغنى-لابن قدامة المقدسى يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 8 - عددالزوار : 362 )           »          دروس شَهْر رَمضان (ثلاثون درسا)---- تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 8 - عددالزوار : 483 )           »          أسرتي الرمضانية .. كيف أرعاها ؟.....تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 8 - عددالزوار : 381 )           »          صحتك فى شهر رمضان ...........يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 8 - عددالزوار : 378 )           »          اعظم شخصيات التاريخ الاسلامي ____ يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 8 - عددالزوار : 384 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > فتاوى وأحكام منوعة

فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #331  
قديم 01-03-2023, 03:36 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 130,345
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الخامس
[كتاب القصاص]
صـــــ 179 الى صـــــــــ203

الحلقة (285)


مبحث البغاة والمحاربين
التفسير : الأصل في هذا الباب ما روي عن انس بن مالك رضي الله عنه أن ناسا من عرينة قدما المدينة فاجتووها فبعهم رسول الله صلى الله عليه و سلم في إبل الصدقة وامرهم أن يشربوا من أبوالها وألبانها ففعلوا فصحوا فارتدوا عن الإسلام وقتلوا الراعي وساقوا الإبل فأرسل رسول الله صلى الله عليه و سلم في آثارهم فجيء بهم فقطع أيديهم وأرجلهم من خلافن وسمر أعينهم والقاهم في الحرة قال أنس : فلقد رأيت أحدهم يكدم الأرض بفيه عطشا حتى ماتوا ) فنزل قوله تعالى : { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وارجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض . وذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم } آية 33 من سورة المائدة روي عن عكرمة والحسن البصري . وعبد الله بن عباس رضي تعالى عنهم أن هذه الآية نزلت في المشركين وقال أبن عباس : كان قوم من أهل الكتاب بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه و سلم عهد وميثاق فنقضوا العهد والفسدوا في الرض فخير الله رسول إن شاء أن يقتل وإن شاء أن تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف رواه أبن جرير
والصحيح أن هذه الآية عامة في المشركين وغيرهم ممن ارتكب هذه الصفات الذميمة كما رواه البخاري ومسلم من حديث أبي قلابة واسمه عبد الله بن زيد الجرمي البصري عن أنس بن مالك ( أن نفرا من عكل ثمانية قدموا على رسول الله صلى الله عليه و سلم فبايعوه على الإسلام فاستوخموا المدينة وسقمت أجسادهم فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم ذلك فقال : ( ألا تخرجون مع راعينا في إبله فتصيبوا من أبوالها وألبانها ) فقالوا : بل فخرجوا فشربوا من أبوالها وألبانها فصحوا فقتلوا الراعي وطردوا الإبل فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم فبعث في آثارهم فأدركوا فجيء بهم فأمر بهم فقطعت أيديهم وأرجلهم . وسمرت أعينهم ثم نبذوا في الشمس حتى ماتوا ) واللفظ لمسلم . وتسمى هذه الآية آية المحاربة وهي المضادة والمخالفة وهي صادقة على الكفر وعلى قطع الطريق وإخافة السبيل
وكذا الإفساد في الأرض يطلق على أنواع من الشر حتى قال كثير من السلف منهم سعيد بن المسيب : إن قبض الدراهم والدنانير من الافساد في الرض وقد قال الله تعالى : { وإذا تولى سعى في الرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يجب المفسدين } آية 205 من سورة البقرة
{ ذلك لهم خزي في الدنيا } أي هذا الذي ذكرته من قتلهم ومن صلبهم وقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ونفيهم من الرض خزي لهم بين الناس وشر وعار ونكال وذلة وعقوبة في عاجل الدنيا مع ما ادخر الله لهم من العذاب العظيم يوم القيامة وهذا يؤيد قول من قال : إن الآية نزلت في المشركين فأما أهل الإسلام ففي صحيح مسلم عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال : ( أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه و سلم كما أخذ على النساء ألا نشرك بالله شيئا ولا نسرق ولا نزني ولا نقتل اولادنا ولا يعضه بعضنا بعضا فمن وفى منكم فأجره على الله تعالى ومن اصاب من ذلك شيئا فعوقب به فهو كفارة له ومن ستره الله فأمره إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه )
وعن علي رضي الله عنه ( قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( من أذنب ذنبا في الدنيا فعوقب به فالله أعدل من أن يثني عقوبته على عبده ومن أذنب ذنبا في الدنيا فستره الله عليه وعفا عنه فالله أكرم من أن يعود عليه في شيء عفا عنه ( رواه الإمام أحمد والترمذي وأبن ماجة وقال الترمذي حسن غريبن وسئل الحافظ الدارقطني عن هذا الحديث فقال : روي مرفوعا وموقوفا قال : ورفعه صحيح
قال تعالى : { إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم } أية 34 من سورة المائدة أما على رأي من قال : إن الآية في أهل الشرك فظاهر وأما المحاربون المسلمون فإن تابوا قبل المقدرة عليهم فإنه يسقط عنهم أحكام القتل والصلب وقطع الرجل وهل يسقط قطع اليد أم لا ؟ فيه قولان للعلماء وظاهر الآية يقتضي سقوط الجميع وعليه عمل الصحابة
روي عن عامر الشعبي قال : ( جاء رجل من مراد إلى أبي موسى وهو على الكوفة في إمارة عثمان رضي الله تعالى عنه بعد ما صلى المكتوبة فقال : يا أبا موسى هذا مقام العائد بك أنا فلان بن فلان المرادي إني كنت حاربت الله ورسوله وسعيت في الأرض فسادا وإني تبت من قبل أن تقدروا علي فقام أبو موسى فقال : إن هذا فلان بن فلان وغنه كان حارب الله ورسوله وسعى في الأرض فسادا وغنه تاب من قبل أن نقدر عليه فمن لقيه فلا يعرض له إلا بخير فإن يك صادقا فسبيل من صدق وإن يك كاذبا تدركه ذنوبه فأقام الرجل ما شاء الله ثم أنه خرج فأدركه الله الله تعالى بذنوبه فقتله )
الحنفية والشافعية قالوا : تجوز الصلاة عليه بعد القتل وإذا صلب وقتل يصلى عليه خلف الخشبة
وقال بعضهم لا يصلى عليه تنكيلا به وقالوا : لا يبقى على الخشبة أكثر من ثلاثة أيام حتى لا يؤذي الناس بريحه
قبول شهادة من تاب
المالكية والشافعية قالوا : إن من تاب من المحاربة ولم يظهر عليه صلاح العمل لا تقبل شهادته حتى يظهر صلاح العمل للأخذ بالاحتياط لأموال الناس وأبضاعهم فإن من لم يظهر عليه صلاح العمل بعد التوبة كانه لم يتبن فلا يخرجه عن التهمة في شهادته إلا اصلاح العمل والمشي على طريق كل المؤمنين قال تعالى : { فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح } وقال تعالى : { إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا } ونحوهما من الآيات
الحنفية والحنابلة قالوا : تقبل شهادة من تاب من المحاربين وإن لم يظهر عليه صلاح العمل لأن رد الشهادة ليس من تمام الحد وإنما هو للفسق وقد ارتفع بالتوبة . وللعمل بظاهر الأحاديث مثل قوله صلى الله عليه و سلم : ( واتبع السيئة الحسنة تمحها ) فشرط في محوها اتباع الحسنة لها
إذا قتل المحارب من لا يكافئه
الحنفية والحنابلة قالوا : إن المحارب إذا كان في المحاربة من لا يكافئه في الدين كالكافر :
والعبد والولد وعبد نفسه فقتله في حالة الإغارة وقطع الطريق فلا يقتل به بعد القبض عليه بل تجب الدية لأولياء الدم أو قيمة العبد لأن القصاص سقط عنه
المالكية والشافعية في إحدى روايتهم قالوا : إن المحارب يقتل إذا قتل من لا يكافئة أو قتل ولده أو قتل عبدا ولو عبد نفسه والله تعالى أعلم
اجتماع عقوبات في غير قاطع الطريق
الشافعية - قالوا : من لزمه قصاص في نفس وقطع لطرف آدمي وحد قذف لآخرن وطالبوه بذلك جلد اولا للقذف ثم قطع لقصاص الطرف ثم قتل لقصاص النفس لأن ذلك أقرب إلى استيفاء الجميع فإن اجتمع مع ذلك تعزير لآدمي بدئ به ويبادر بقتله بعد قطعه لا قطعه بعد جلده إن غاب مستحق قتله جزما وكذا إن حضر وقال : عجلوا القطع وانا أبادر بالقتل بعده ولو أخر مستحق النفس حقه جلد للقذف اولان فإذا برئ قطع للطرف ولو أخر متسحق طرف حقه جلد ووجب على مستحق القصاص الصبر بحقه حتى يستوفى الطرف فإن بادرفقتله فلمستحق الطرف دية في تركة المقتول ولو أخر مستحق الجلد فالقياس صبر الآخرين
ولو اجتمعت حدود الله تعالى قدم وجوبا الأخف فالأخف أو اجتمعت عقوبات لله تعالى والآدميين قدم حد قذف على زنا والأصح تقديمه على حد شرب وإن القصاص قتلا وقطعا يعدم على حد الزنا ولو اجتمع قتل قصاص في غير محاربة وقتل محاربة قدم السابق منهما ورجع الآخر إلى الدية ومن زنى مرات أو سرقن أو شرب كذلك أجزأه عن كل جنس حد واحد
مبحث شروط الإمامة
اتفق الأئمة رحمهم الله تعالى على : أن الإمامة فرض وأنه لا بد للمسليمن من إمام يقيم شعائر الدين وينصف المظلومين من الظالمين وعلى أنه لا يجوز أن يكون على المسلمين في وقت واحد في جميع الدنيا إمامان لا متفقان ولا مفترقان وعلى أن الأئمة من قريش وأنه يجوز للإمام أن يستخلف
واتفقوا : على أن الإمام يشترط فيه : أولا أن يكون مسلما ليراعي مصلحة الإسلام والمسلمين فلا تصح تولية كافر على المسلمين
ثانيا - أن يكون مكلفا ليلي أمر الناس فلا تصح إمامة صبي ولا مجنون بالإجماع وقد ورد في الحديث الشريف ( نعوذ بالله من إمارة الصبيان ) رواه الإمام أحمد رحمه الله
ثالثا - أن يكون حرا ليفرغ للخدمة ويهاب بخلاف العبد حيث أنه مشغول بخدمة سيده ولا هيبة له وأما ما رواه الإمام مسلم من قوله صلى الله عليه و سلم من قوله : ( اسمعوا وأطيعوا وإن أمر عليكم عبد حبشي ) فمحمول على غير الإمامة العظمى
رابعا - أن يكون الإمام : ذاكرا ليتفرغ ويتمكن من مخالكة الرجال فلا يصح ولاية امرأة لما ورد في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ) ولا تصح ولاية خنثى
خامسا - أن يكون : قرشيا لما رواه النسائي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( الأئمة من قريش ) وبه أخذ الصحابة رضوان الله عليهم ومن جاء بعدهم إذا وجد قرشي جامع لشروط فإن عدم فمنتسب إلى كنانة فإن عدم فرجل من ولد سيدنا إسماعيل صلى الله عليه و سلم فإن لم يوجد فرجل من جرهم فإن عدم فرجل من ولد إسحاق ولا يشترط فيه كونه هاشميا باتفاق فإن الصديق وعمر وعثمان رضي الله تعالى عنهم لم يكونوا من بني هاشم
سادسا - أن يكون عدلا قال الشيخ عز الدين : إذا تعذرت العدالة في الأئمة والحكام قدمنا أقلهم فسقا
سابعا - أن يكون : عالما مجتهدا ليعرف الأحكام ويتفقه في الدين فيعلم الناس ولا يحتاج إلى استفتاء غيره
ثامنا - أن يكون : شجاعا وهي قوة القلب عند البأس لينفرد بنفسه ويدبر الجيوش ويقهر الأعداء ويفتح الحصون ويفق أما أحداث الأيام وما يحجث له من فتن وما يجد في عهده من أزمات
تاسعا - أن يكون : ذا رأي صائب حتى يتمكن من سياسة الرعية وتدبير المصالح الدنيوية
عاشرا - أن يكون : سليم السمع والبصر والنكق ليتأتى منه فصل الأمور ومباشرة أحوال الرعية
واتفق الأئمة - على أن الإمامة تنعقد ببيعة أهل الحل والعقد من العلماء والرؤساء ووجوه الناس الذين يتيسر اجتماعهم من غير شرط عدد محدد ويشترط في المبايعين للإمام صفة الشهود من عدالة وغيرها وكذلك تنعقد الإمامة باستخلاف الإمام شخصا عينه في حياته ليكون خليفته على المسلمين بعده كما عهد سيدنا أبو بكر إلى سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنهما بقوله : ( بسم الله الرحمن الرحيم : هذا ما عهد أبو بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه و سلم عند آخر عهده من الدنيا وأول عهده بالآخرة في الحالة التي يؤمن فيها لكافر ويتقي فيها الفاجر غني استعملت عليكم عمر بن الخطاب فإن بر وعدل فذاك علمي به وعلمي فيه وإن جار وبدل فلا علم لي بالغيب والخير أردت ولكل امرئ ما اكتسب ( وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ) وانعقد إجماع الأمة على جوازه

حكم الخارجين على الإمام
واتفق الأئمة على : أن الإمام الكامل تجب طاعته في كل ما يأمر به ما لم يكن معصية . وعلى أن أحكام الإمام وأحكام نائبه ومن ولاه نافذة وعلى أنه إذا خرج على إمام المسلمين أو عن طاعته طائفة ذات شوكة وإن كان لهم تأويل مشتبه ومطاع فيهم فإنه يباح للإمام قتالهم حتى يفيثوا إلى أمر الله تعالى فإن فاؤوا كف عنهم
والأصل في جواز قتالهم قوله تعالى : { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصلحوا بينهما } الآية 9 من سورة الحجرات وإن لم يذكرفيها الخوج على الإمام لكنها تشمله لعمومها أو تقتضيه لأنه إذا طلب القتال لبغي طائفة على طائفة فللبغي على الإمام أولى والإجماع منعقد على جواز قتال البغاة من غير مخالف وللأحاديث الواردة في ذلك
قال الشافعي رضي الله تعالى عنه : أخذت السيرة في قتال المشركين من رسول الله صلى الله عليه و سلم . وفي قتال المرتدين من أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وفي قتال البغاة من الإمام على رضي الله تعالى عنه
وتحصل مخالفة غلامام بأحد أمرين إما بخروج عليه نفسه وإما بسبب ترك الانقياد له أو لا بهذين المرين بل بخروج عن طاعته بسبب منع حق مالي لله تعالى أو حق لآمي كقصاص أو حد توجه عليهم لأن أبا بكر الصديق رضي الله تعالى عنه قاتل مانعي الزكاة بسبب منعهم إخراج الزكاة ولم يخرجوا عليه وإنما منعوا الحق المتوجه عليهم
قالوا : وإنما يكون مخالفو الإمام بغاة بشرط حصول شوكة لهم بكثرة أو قوة بحيث يمكن مقاومة الإمام ويشترط تأويل يعقتدون به جواز الخروج عليه أو منع الحق المتوجه عليهم
ويشترط أن يكون لهم مطاع فيهم يحصل به قوة لشوكتهم وإن لم يكن إماما منصوبا لأن الامام علي رضي الله تعالى عنه قالتل أهل الجمل ولا إمام لهم وقالتل أهل صفين قبل نصب إمامهم
الحنفية قالوا : إن الخارجين عن طاعة الإمام الحق أربعة اصناف
أحدها الخارجون بلا تأويل بمنعة وبلا منعة يأخذون أموال الناس ويقتلونهم ويخيفون الطريق وهم قطاع الطريق
الثاني قوم كذلك إلا أنهم لا منعة لهم لكن لهم تأويل فحكمهم حكم قطاع الطريق إن قتلوا قتلوا . . . الخ
الثالث قوم لهم منعة وحمية خرجوا عليه بتأويل يرون أنه على باطل كفر أو معصية توجب قتالهم بتأويلهم وهؤلاء يسمون بالخوارج يستحلون دماء المسلمين وأموالهم ويسبون نساءهم ويكفرون أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم وحكمهم عند جمهور الفقهاء وجمهور أهل الحديث حكم البغاة
المالكية قالوا : يستتابون فإن تابوا وإلا قتلوا دفعا لفسادهم لا لكفرهم لأنهم فسقة وليسوا كفارافي الراجح من قول العلماء المجتهدين وذهب بعض أهل الحديث إلى أنهم مرتدون لهم حكم المرتدين
الرابع قوم مسلمون خرجوا على الإمام العدل ولم يستبيحوا ما استباحه الخوارج من دماء المسلمين وسبي ذراريهم وهم البغاة . لأنهم غنما خالفوا بتأويل جائز باعتقادهم لكنهم مخطئون فيه فهم فسقة والأحاديث الواردة فيما يقتضي ذمهم كحديث ( من حمل علينا السلاح فليس منا ) وحديث ( من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فميتته جاهلية ) فهو من خرج بلا تأويل
قالوا : لو أظهر قوم رأي الخوراج المبتدعة الذين يكفرون من ارتكب كبيرة ويطعنون بذلك على الأئمة ولا يحضرون معهم الجمعة والجماعة . فهؤلاء يتركون ولا نكفرهم ولا نتعرض لهم إذا لم يخرجوا عن طاعة الإمام ولم يقاتلوا أحدا لأن اعتقاد الخوراج أن من أتى كبيرة كفر وحبط عمله وخلد في النار وإن جار الإمام صارت بظهور الكبائر فيها دار كفر وإباحة فطعنوا في الأئمة لأن الإمام على كرم الله وجهه سمع رجلا من الخوارج في المسجد يقول : لا حكم إلا لله وسلوه وعرض بتخطئته في الحكم . فقال : كلمة حق أريد بها باطل لكم علينا ثلاث : لا نمنعكم مساحجد الله أن تذكروا فيها اسم الله ولا نمنعكم الفيء ما دامت أيديكم معنا ولا نبدؤكم بقتال . فجعل حكمهم حكم أهل العدل فإن قاتلونا فحكمهم إن لم نكفرهم كحكم قطاع طريق فإن قتلوا أحدا ممن يكافئهم أقتص منهم كغيرهم
المالكية قالوا : يمتاز قتال البغاة عن قتال الكفار بأحد عشر وجها
- 1 - أن يقصد الإمام بالقتال ردعهم لا قتلهم
- 2 - وأن يكف عن مدبرهم
- 3 - ولا يجهز على جريحهم
- 4 - ولا تقتل أسراهم
- 5 - ولا تغنم أموالهم
- 6 - ولا تسبى ذراريهم
- 7 - ولا يتعان عليهم بمشرك
- 8 - ولا يوادعهم على مال
- 9 - ولا تنصب عليهم الردعات
- 10 - ولا تحرق مساكنهم
- 11 - ولا يقطع شجرهم
قالوا : لو خرج جماعة على الإمام ومنعوا حقا لله أو لآدمي أو ابوا طاعته يرديون عزله لو كان جائرا إذ لا يجوز عزل الإمام بعد انعقاد إمامته وإنما يجب وعظه على من له قدرة من المسلمين
فيجب على الإمام أن ينذر هؤلاء البغاة ويدعوهم لطاعته فإن هم عادوا إلى الجماعة تركهم وإن لم يجوز عزل الإمام بعد انعقاد إمامته وإنما يجب وعظه على لم يطيعوا أمره قالتهم بالسيف والرمح والنبل والتفريق وقطع الميرة والماء عنهم ورميهم بالأحجار والنار إذا لم يكن فيهم نسوة وذرية وحرم سبي ذراريهم لانهم مسلمون وحرم إتلاف أموالهم وأخذه بدون احتياج له وحرم رفع رؤوسهم بعد قتلهم لأنه مثلة بالمسلمين ويستعان على قتالهم بما لهم من سلاح وخيل إن احتيج للاستعانة به عليهم وبعد الاستغناء عنه يرد إليهم كغيره من الأموال فإن حصل الأمان للإمام بالظهور عليهم تركوا ولا يسترقوا ولا يجهز على جريحهم ولا يتبع منهزمهم فإن لم يؤمنوا أجهز على جريحهم واتبع منهزمهم جوازا وكره قتل جده أو ابنه إن قتله ورثه وإن كان عمدا لكنه غير عدوان . والمرأة أن قالتلت بسلاح قتلت وإلا فلا
الحنفية قالوا : إذا تغلب قوم من المسلمين على بلد وخرجوا عن طاعة الإمام يستحب للإمام أن يدعوهم إلى العود إلى الجماعة ويكشف عن شبهتهم التي أوجبت خورجهم لأن الإمام عليا رضي الله عنه فعل ذلك بأهل حرورا وليس ذلك بواجب بل مستحب لأنهم كمن بلغتهم الدعوة الإسلامية لا تجب دعوتهم ثانيا
وقالوا : ولا يبدأ بقتال البغاة حتى يبدؤوه قاتلهم حتى يفرق جمعهم . وقيل : يجوز لنا أن نبدأ بقتالهم إذا تعسكروا واجتمعوا لأن الحكم يدار على الدليل وهو الاجتماع على قصد القتال والامتناع عن طاعته . لأنه لو انتظر حقيقة قتالهم ربما لا يمكنه الدفع لتقوى شوكتهم وتكثر جمعهم خصوصا والفتنة يسرع أليها أهل الفساد وهم الأكثر فيدار على الدليل ضرورة لدفع شرهم ويحدثوا توبة دفعا للشر بقدر الإمكان والمروي عن أبي حنيفة رضي الله عنه من لزوم البيت من قوله : الفتنة إذا وقعت بين المسلمين فالواجب على كل مسلم أن يعتزل الفتنة ويقعد في بيته لقول الرسول صلى الله عليه و سلم : ( من فر من الفتنة أعتق الله رقبته من النار ) وقال صلى الله عليه و سلم لواحد من الصحابة : ( كن حلسا من أحلاس بيتك ) رواه عنه الحسن بن زياد فهو محمول على ما إذا لم يكن لهم إمام وما روي عن جماعة من الصحابة أنهم قعدوا في الفتنة محمول على أنه لم يكن لهم قدرة ولاغناء أما إعانة الإمام العادل الحق فمن الواجب عند الغناء والقدرةز لقوله تعالى : { فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله } الآية
قالوا : فإن كانت لهم فئة أجهز على جريحهم واتبع موليهم دفعا لشرهم كي لا يلحقوا بهم . وإن لم يكن لهم فئة لهم يجهز على جريحهمن ولم يتبع موليهم لاندفاع الشر بدون ذلك وهو المطلوب
الشافعية والمالكية والحنابلة - قالوا : لا يجوز للإمام أن يبدأ بقتال أهل البغي حتى يبدؤوا هم بالقتال إذا تركوه بالتولية والجراحة المعجزة عنه لم يبق قتلهم دفعا ولما روى أبن أبي شيبة عن عبد خير عن علي رضي الله عنه أنه قال يوم الجمل : ( لاتتبعوا مدبرا ولا تجهزوا على جريح ومن القى سلاحه فهو آمن ) واسند أيضا ( ولا يقتل أسير ) ولا يقاتل الإمام البغاة حتى يبعث إليهم أمينا فطنا ناصحا يسألهم ما ينقمون فإن ذكروا مظلمة أو شبهة أزالها فإن اصروا نصحهم وخوفهم سوء عاقبة البغي ثم يعلمهم بالقتال
حكم المال والأسرى
الحنفية والمالكية قالوا : لا يجوز أن يسبى للبغاة ذرية لآنهم مسلمون ولا يقسم لهم مال لعدم الاستغنام فيها لقول الإمام علي رضي الله عنه يوم الجمل : ( ولا يقتل أسير ولا يكشف ستر ولا يؤخذ مال ) وهو القدوة لنا في هذا الباب ولأنهم مسلمون والإسلام يعصم النفس والمال ولا بأس بأنيقاتلوا بسلاحهم إن احتاج المسلمون إليه لأن الإمام عليا رضي الله عنه قسم السلاح فيما بين أصحابه بالبصرة وكانت قسمته للحاجة لا للتملك ولآن للإمام أن يفعل ذلك في مال الرجل العادل عند الحاجة ففي مال الباغي أولى ن والمعنى فيه إلحاق الضرر الأدنى لدفع الضرر الأعلى . ولما رواه الحاكم في المستدرك والبزاز في مسنده من حديث كوثر بن حكيم عن نافع عن أبن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( هل تدري يا ابن أم عبد كيف حكم الله فيمن بغي من هذه الأمة ؟ قال : الله ورسوله أعلم . قال : لا يجهز على جريحها ولا يقتل أسيرها ولا يطلب هاربها ولا يقسم فيئها )
قال الإمام محمد : وبلغنا أن الإمام عليا رضي الله عنه ألقى ما أصاب من عسكر أهل النهروان في الرحبة فمن عرف شيئا أخذه حتى كان آخره قدر حديد لإنسان فأخذه
وروى أبن أبي شيبة أن عليا كرم الله وجهه لما هزم طلحة واصحابه أمر مناديه فنادى أن لا يقتل مقبل ولا مدبر يعني بعد الهزيمة ولا يفتح باب ولا يستحل فرج ولامال
وأما الأسير فللإمام الخيار فيه فيحكم نظره فيما هو أحسن المرين في كسر الشوكة من قتله وحبسه ويختلف ذلك بحسب الحال لا بهوى النفس والتشفي
وإذا أخذت المرأة من أهل البغي وكانت تقاتل حبست ولا تقتل إلا في حال مقاتلتها دفعا عن النفس وإنما تحبس للمعصية ولمنعها من الشر والفتنة لما روي عن سيدنا علي رضي الله عنه أنه قال يوم الجمل : وإياكم والنساء وإن شتمن أعراضكم وسببن امراءكم ولقد رأيتنا في الجاهلية وإن الرجل ليتناول المرأة بالجريدة أو بالهراوة فيعبر بها هو وعقبه من بعده )
الشافعية - قالوا : إذا طلب أهل البغي من الإمام الامهال اجتهد فيه وفي عدمه وفعل ما رآه صوابا فإن ظهر أن استمالهم للتأمل في إزالة الشبهة أمهلهم ليتضه لهم الحق وإن ظهر أنهم يحتالون لاجتماع عساكرهم لم يمهلهم فإذا وقع القتال بينهم فلا يجوز قتل مدبرهم ولا من ألقى سلاحه ولا جريحهم ولا أسيرهم إذا كان الإمام يرى رأيا فيهم لقوله تعالى { حتى تفيء } والفيء الرجوع عن القتال بالهزيمة ولأن قتالهم شرع للدفع عن منع الطاعة وقد زال ويحبس أسيرهم
إن كان صبيا أو امرأة أو عبدا حتى تنقضي الحرب ويفرق جمعهم
وقالوا : إذا انقضت الحرب يجب على الإمام أن يرد إلى البغاة سلاحهم وخيلهم وغيرها ويحرم استعمال شيء من سلاحهم وخيلهم وغيرها من أموالهم إلا لضرورة كما إذا خيف انهزام أهل العدل ولم يجدوا غير خيولهم فيجوز لهم ركوبها واستعمال أسلحتهم لعموم قوله صلى الله عليه و سلم : ( لا يحل مال أمرئ مسلم إلا بطيب نفس منه ) ولا يقاتلون بشيء فظيع كالنار والنجنيق إلا للضرورة ولا يستعان عليهم بكافر ولا بمن يرى قتلهم مدبرين
الحنفية قالوا : ويحبس الإمام أموال البغاة فلا يردها عليهم ولا يقسمها حتى يتوبوا فيردها عليهم أما عدم القسمة فلأنها ليست غنائم وأما الحبس فالدفع شرهم بكسر شوكتهم ولهذا يحبسها عنهم وإن كان لا يحتاج إليها إلا أنه يبيع الكراع لأن حبس الثمن أنظر وأيسر وما جباه أهل البغي من البلاد التي غلبوا عليها من الخراج والعشر لم يأخذه الإمام ثانيا لأنه لم يحمهم
مبحث حكم المرتد - تعريف المرتد
الردة - والعياذ بالله تعالى - كفر مسلم تقرر إسلامه بالشهادتين مختارا بعد الوقوف على الدعائم والتزامه أحكام الإسلام ويكون ذلك بصريح القول كقوله : أشرك بالله أو قول يقتضي الكفر كقوله : إن الله جسم كالأجسام أو بفعل يستلزم الكفر لزما بينا كإلقاء مصحق أو بعضه ولو كلمة أو حرقه استخفافا لا صونا أو علاجا لمريض ومثل إلقائه وتركه في مكان قذر ولو طاهرا كبساق أو تلطيخه به نحو تقليب ورق بالبصاق ومثل المصحق الحديث وأسماء الله الحسنى وكتب الحديث وكذا كتب الفقه إذا كان علي وجه الاستخفاف بالشريعة الإسلامية وأحكامها أو تحقيرها وكذا أسماء النبياء . وشد الزنار ميلا للكفر أما لو لبسه لعبا فهو حرام . مع دخول الكنائس . أو سجوده لصنم . وكذلك يكفر بتعلم السحر والعمل به لأنه كلام يعظم غير الله تعالى وتنسب إليه المقادير وكذلك يكفر بقوله : إن القالم قديم وهو ما سوى الله تعالى لأنه يستلزم عدم وجود الصانع أو يقول : إن العالم باق على الدوام فلا يفنى لأنه يستلزم إنكار القيامة ولو أعتقد حدوثه وهو تكذيب للقرآن الكريم وكذلك الشك في قدم العالم أو بقائه أو أنكر وجود الله تعالى ويكفر كذلك من قال : بتناسخ الرواح أي أن من مات تنتقل روحه إلى غيره لأن فيه إنكار البعث ويكفر إذا أنكر حكما أجمعت ألامة عليه كوجوب الصلاة أو تحريم الزنا أو إنكار الصوم ويكفر إذا أنكر بقوله بجواز اكتساب النبوة وتحصيلها بسبب الرياضة لأنه يستلزم جواز وقوعها بعد النبي أو سب نبي أجمعت الأمة على نبوته أو سب ملكا من الملائكة يجمع على ملكيته ويكفر أن عرض في كلامه بسب نبي أو ملك بأن قال عند ذكره أما أنا فلست بزان أو بساحر أو ألحق بنبي أو ملك نقصاص ولو ببدنه كعرج وشلل أو طعن في وفور علمه إذ كل نبي أعلم أهل زمانه وسيدهم صلى الله عليه و سلم أعلم الخلق أجمعين أو طعن في أخلاق نبي او في دينه ويكفر إذا ذكر الملائكة بالأوصاف القبيحة أو طعن في وفور زهد نبي من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام
قال الأئمة : لا بد في إثبات الردة من شهادة رجلين عدلين ولا بد من اتحاد المشهود به فإذا شهدا بأنه كفر قال القاضي لهما باي شيء ؟ فيقول الشاهد : يقول كذا اويفعل كذا
واتفق الأئمة الأربعة عليهم رحمه الله تعالى : على أن من ثبت ارتداده عن الإسلام والعياذ بالله وجب قتله وأهدر دمه وعلى أن قتل الزنديق واجب وهو الذي يضمر الكفر ويتظاهر

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #332  
قديم 01-03-2023, 03:37 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 130,345
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الخامس
[كتاب القصاص]
صـــــ 179 الى صـــــــــ203

الحلقة (286)




استتابة المرتد
الحنفية قالوا : إذا ارتد المسلم عن الإسلام - والعياذ بالله تعالى - عرض عليه الإسلام فإن كانت له شبهة أبدها كشفت عنه لأنه عساه اعترضته شبهة في الدين فتزاح عنه لأن فيه وقع شره بأحسن الأمرين وهما القتل والإسلام إلا أن عرض الإسلام عليه مستحب غير واجب لأن الدعوة قد بلغته وعرض الإسلام هو الدعوة إليه ودعوة من بلغته الدعوة غير واجبة بل هي مستحبة فإذا طلب الامهال يستحب أن يؤجله القاضي ثلاثة ايام ويحبس ثلاثة أيام فإن اسلم بعدها وإلا قتل لقول تعالى : { قاقتلوا المشركين } من غير قيد الامهال وكذلك قوله صلى الله عليه و سلم : ( من بدل دينه فاقتلوه ) ولم يذكر التأجيل ولأن المرتد كافر حربي لا محالة فليس بمستأمن لأنه لم يطلب الأمان ولا ذمي لأنه ولم يذكر التأجيل ولأن المرتد كافر حربي لا محالة فليس بمستأمن لأنه لم يطلب الأمان ولا ذمي لأنه لم تقبل منه الجزية فيجب قتله في الحال من غير استمهال ولا يجوز تأخير الواجب لأمر موهوم لأن دلائل الإسلام ظاهرة غير خفية فإذا استمهل فإن الإسلام حينئذ لا يكون موهوما فيستحب تأخيره
قالوا : لا قرق في وجوب قتل المرتدين كونه حرا أو عبدا لإطلاق الدلائل
الشافعية - قالوا : إذا ارتد المسلم والعياذ بالله تعالى فإنه يجب على الإمام أن يؤجله ثلاثة أيام ولا يحل له أن يقتله قبل ذلك لأن ارتداد المسلم عن دينه يكون عن شبهة غالبا فلا بد من مدة يمكنه التأمل فيها ليتبين له الحق وقدرناها بثلاثة أيام طلب ذلك أو لم يطلب وقصة سيدنا موسى صلى الله عليه و سلم مع العبد الصالح : { إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني } فلما كانت الثالثة قال له : { قد بلغت من لدني عذرا }
وروي عن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أن رجلا أتاه من قبل أبي موسى الشعري فقال له : ( هل من معربة خير ؟ فقال : نعم رجل ارتد عن الإسلام فقتلناه فقال له : هلا حبستموه في بيت ثلاثة أيام وأطعمتموه في كل يوم رغيفا لعله يتوب ؟ ثم قال : اللهم إني لم أحضر ولم آمر ولم أرض ) أخرجه الإمام مالك رحمه اللهن في كتابه الموطأ فتبري سيدنا عمر من فعلهم يقتضي وجوب الإمهال ثلاثة أيام قبل موت المرتد فإن تاب ونطق بالشهادتين أو كلمة التوحيد خلي سبيله وإن لم يتب وجب قتله بالسيف فورا . ولا يؤخر كسائر الحدود السابقة لأن الردة أفحش الكفر وأغلظه حكما وهي محبطة للعمل إن اتصلت بالموت قال تعالى : { ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر } الآية وإن عاد إلى الإسلام لم يجب عليه أن يعيد حجه لأن الردة أبطلت أعماله
المالكية قالوا : يجب على الإمام أن يمهل المرتد ثلاثة أيام بلياليها وابتداء الثلاثة من يوم ثبوت الردة عليه لا من يوم الكفر ولا من يوم الرفع إلى الحاكم ولا يلفق الثلاثة أيام فيلغي يوم الثبوت إن سبق بالفجر ويطعم في أيام الحبس ويسقى من ماله ولا ينفق على ولده وزوجته منه فإن لم يكن له ماله فينفق عليه من بيت المال سواء وعج بالتوبة أو لم يعد ولا يعاقب في السجن بضرب ولو أصر على عدم الرجوع وإنما يستتاب المرتد وجوبا ذلك القدر صونا للدماء ودرأ للحدود بالشبهات ويعرض عليه الإسلام عدة مرات وتزال الشبهة التي تعرش له ويهمل للتفكير عسى أن يرجع ويتوب في هذه المدة فلو حكم القاضي بقتله قبل المدة مضى حكمه لأنه حكم بمختلف فيه فإن تاب بعد الأيام الثلاثة تركن وإن أصر على الكفر قتل بغروب الثالث ولا يغسل ولا يكفن ولا يدفن في مقابر المسلمين ولا في مقابر الكفارن لأنه ليس منهم حيث إسلامه وإنما يلقى حتى يكون عبرة لغيره
الحنابلة قالوا : في إحدى روايتيهم أنه يجب الاستتابة ثلاثة أيام مثل المالكيةن والشافعية . وفي رواية أخرى عنهم : إنه لا تجب الاستتابة بل يعرض عليه الإسلام فإن قبل ترك وإلا يتحتم قتله حالا
حكم المرأة المرتدة
الشافعية والمالكية والحنابلة - قالوا : إن المرأة المرتدة حكمها حكم المرتد من الرجال فيجب أن تستتاب قبل قتلها ثلاثة أيام ويعرض عليها الإسلام : لأن دمها كان محترما بالإسلام وربما عرضت لها شبهة من فاسق فيسعى في إزالتها . وقد ثبت وجوب الاستتابة عن سيدنا عمر رضي الله عنه
وروى الدارقطني عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن امرأة يقال لها أم ( رومان ) ارتدت فأمر النبي صلى الله عليه و سلم ( أن يعرض عليها الإسلام فإن تابت وإلا قتلت ) لأنها بالردة اصبحت مثل الحربية فيجوز قتلها حدا بل إن ذنبها أشنع من الحربيات حيث أنها سبق لها الإسلام . ولقوله صلى الله عليه و سلم : ( من بدل دينه فاقتلوه ) وهي كلمة تعم الرجال والنساء ولأن ردة الرجل مبيحة للقتل بالإجماع من أن الردة جناية متغلظة فتناط بها عقوبة متغلظة وردة المرأة تشاركها فيها فتشاركها في موجبها وهو القتل
المالكية قالوا : إن المرأة المرتدة إذا كانت مرضعا يؤخر قتلها لتمام رضاع طفلها إن لم يوجد مرضع أو وجد ولم يقبلها الولد وتؤخر ذات الزوج وكذلك المطلقة طلقة رجعية أما البائن فإن ارتدت بعد حيض بعد طلاق فلا تؤخر وإلا أخرت لحيضة إن كانت من ذوات الحيض ولو كانت عادتها في كل خمس سنين مرة وإن كانت ممن لا تحيض لضعف وإياس مشكوك فيه استرئت ثلاثة أهر إن كانت ممن يتوقع حملها وإن كانت ممن لا يتوقع حملها قتلت بعد الاستتابة وإن لم يكن لها زوج لم تستبرأ
الحنفية قالوا : إن المرأة المرتدة لا يجب قتلها فإن قتلها رجل لم يضمن شيئا حرة كانت أو عبدة لأن النبي صلى الله عليه و سلم نهى عن قتل النساء ولأن الأصل تأخير الأجزية إلى دار الآخرة إذ تعجيلها يخل بمعنى الابتلاء وإنما عدل عنه دفعا لسر ناجز وهو الحراب ولا يتوجه ذلك من النساء لعدم صلاحية البنية بخلاف الرجال فصارت المرتدة كالأصلية وكل جزاء شرع في الدار ماهو ألا لمصالح تعود إلينا في هذه الدنيا كالقصاص وحد القذف والشرب والزنا والسرقة فشرعت لحفظ النفوس والأعراض والعقول والأنساب والأموال فكذا يجب في القتل بالردة أن يكون لدفع شر حدا به لا جزاء على فعل الكفر لأن جزاءه أعظم من ذلك عند الله تعالى فيختص لمن يأتي منه الحراب وهو الرجل ولهذا نهى النبي صلى الله عليه و سلم عن قتل النساء وعلله بأنها لم تكن تقاتل على ما صح من الحديث فيما تقدم
وما قيل : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قتل مرتدة فقد قيل : إنه عليه الصلاة و السلام لم يقتلها بمجرد الردة بل لأنها كانت ساحرة شاعرة تهجو رسول الله صلى الله عليه و سلم وكان لها ثلاثون ابنا وهي تحرضهم على قتال رسول الله صلى الله عليه و سلم فأمر بقتلها لهذه الأسباب . ولكن يجب حبسها أبدا حتى تسلم أو تمت وتضرب كل يوم تسعة وثلاثين سوطا . وهذا قتل معنى لأن موالاة الضرب تفضي إليه وإنما يجب حبسها لأنها امتنعت عن إيفاء حق الله تعالى بعد الإقرار فتجبر على إيفاء بالحبس كما في حقوق العباد
وفي الجامع الصير : تجبر المرأة على الإسلام حرة كانت أو أمة والأمة يجبرها مولاها لما فيه من الجمع بين الحقين يعني حق الله تعالى وحق السيد ولا تسترق الحرة المرتدة ما دامت في دار الإسلام وإنما تضرب كل يوم مبالغة في الحمل على اعتناق الإسلام وكسبها لورثتها لأنه لا حراب منها ويرثها زوجها المسلم
وقد روى أبو يوسف عن أبي حنيفة عن عاصيم بن أبي النجود عن أبي رزين عن أبن عباس رضي الله عنهم قال : ( لا تقتل النساء إذا هن ارتدن عن الإسلام ولكن يحبسن . ويدعين إلى الإسلام ويجبرن عليه )
عن أبن عمر أن امرأة وجدت في بعض مغازي النبي مقتولة فأنكر رسول الله صلى الله عليه و سلم قتل النساء والصبيان ( وفي بلاغات محمد قال : بلغنا عن أبن عباس رضي الله عنهما أنه قال : إذا ارتدت المرأة عن الإسلام حبست ) ومثل هذا لا يقال عن اجتهاد
وروي عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال له حين بعثه إلى اليمن : ( أيما رجل ارتد عن الإسلام فادعه فإن تاب فاقبل منه وإن لم يتب فاضرب عنقه وأيما امرأة ارتدت عن الإسلام فادعها فإن تابت فاقبل منها وإن أبت فاستتبها ) الخ الحديث
وأخرج الدارقطني رحمه الله في صحيحه عن الإمام علي رضي الله تعالى عنه أنه قال : المرتدة تستتاب ولا تقتل وهذه أدلة على مذهب الحنفية الذين قالوا : إنه لا يجب قتلها بل تحبس وتضرب
مبحث أملاك المرتد

الحنفية قالوا : يزول ملك المرتد عن أمواله بردته زوالا موقوفا إلى أن يتبين حاله فإن أسلم عادت أمواله على حالها الأول لأنه حربي مقهور تحت أيدينا حتى يقتل ولا قتل إلا بالحراب وهذا يوجب زوال ملكه ومالكيته غير أنه مدعو إلى الإسلام بالإجبار عليه ويرجى عوده إليه فتوقفنا في أمره فإن أسلم جعل العارض كأن لم يكن في حق هذا الحكم وصار كأن لم يزل مسلماص ولم يعمل السبب وإن مات أو قتل على ردته أو لحق بدار الحرب وحكم بلحاقه استقر كفره فيعمل السبب عمله ويزول ملكه والإجماع على أنه إن عاد وماله قائم كان هو أحق به ووجب أن يعمل بهما فيقول : بالردة يزول ثم بالعود يعود شرعا
وقال الصاحبان : لا يزوال ملك المرتد عن أمواله لأنه مكلف محتاج فإلى أن يقتل يبقى ملكه كالمحكوم عليه بارجم والقصاص لأن كلا منهم مكلف مباح الدم
قال الإمام أبو حنيفة : وإن مات أو قتل على ردته انتقل ما اكتسبه في إسلامه إلى ورثته المسلمين وكان ما أكتسبه في حال ردته فيئا لجماعة المسلمين يوضع في بيت المال
وقال الصاحبان : كلا الكسبين يقسم على ورثة المسلمين لأن ملكه في الكسبين بعد الردة باق لأنه ملكف محتاج فينتقل بالموت إلى ورثته ويستند إلى ما قبل ردته إذ الردة سبب الموت فيكون توريث المسلم من المسلم ويجعل كأنه اكتسبه في حال الإسلام
والمرتد إذا مات أو قتل على ردته ترثه امرأته المسلمة وهي في العدة لأنه يصير فارا وإن كان صحيحا وقت الردة لأنها سبب الموت
المالكية والشافعية والحنابلة - قالوا : إن ما اكتسبه المرتد في إسلامه وما اكتسبه في حال ردته يكون فيئا لأنه مات كافرا والمسلم لا يرث الكافر إجماعا ثم هو مال حربي لا أمان له لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب فيكون فيئا
الشافعية - قالوا : في زوال ملك المرتد عن ماله الحاصل قبل الردة أو فيها بالردة أقوال : أظهرها الوقوف كبضعزوجته سواء ألحق بدرا الحرب أم لا فإن هلك مرتدا بأن زاوله بالردة فما ملكه فيء وما تملكه من احتطاب ونحوه باق على الإباحة وإن أسلم بأن أنه لم يزل لأن بطلان أعماله تتوفق على هلاكه على الردة فكذا زوال ملك
وقيل : يزول ملكه عن ماله بنفس الردة لزوال العصمة بردته فماله اولى
وقيل : لا يزول ملكه بالردة لأن الكفر لا ينافي الملك كالكافر الأصلي
ويتفرع على هذه الأقوال أنه يقضي من مال المرتد دين لزمه قبلها بإتلاف أو غيره لأنا إن قلنا ببقاء ملكه أو إنه موقوف فواضح وإن قلنا بزواله فهي لا تزيد على الموت والدين يقدم على حق الورثة فكذا على حق الفيء ا ه
حكم الزنديق
المالكية والحنابلة قالوا : ويجب قتل الزنديق بعد الاطلاع عليه بلا طلب توبة منه وهو الذي يسر الكفر ويظهر الإسلام وهو الذي كان يسمى منافقا في زمن النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه رضوان الله عليهم أجمعين ولا بد من قتله وإن تاب لكن إن تاب قتل حدا لا كفرا فيحكم له بالإسلام ويغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين ويترك أمره إلى الله عز و جل أما إذا جاء قبل الاطلاع على أمره فلا يقتل وله أحوال خمسة ثلاثة يكون ماله لورثته وهي ما إذا جاء تائبا أو تاب بعد الاطلاع عليه أو لم تثبت زندقته إلا بعد موته وحالان يكون ماله فيها لبيت المال وهي ما إذا اطلعنا عليه قبل الموت وقتلناه بغير توبة أو مات بغير توبة ومثله الذي سب نبيا أجمعت الأمة على نبوته فإنه بدون اسابة ولا تقبل توبته ثم إن تاب قتل حدا ولا يعذر الساب بجهل لأنه لا يعذر أحد في الكفر بالجهل ولا يعذر بسكر حرام أو تهور أو غيظ بل يقتل والساب الكافر اصلا إذا اعتنق الإسلام ولو كان إسلامه خوفا من القتل فإنه لا يجب قتله لأن الإسلام يجب ما قبله
أما المسلم إذا ارتد بغير السب ثم سب زمن الردة ثم أسلم ثانية فلا يسقط عنه قتل السب لأنه حد من حدود الله تعالى وجب عليه
وقيل : تقبل توبته إذا رجع إلى الإسلام كما هو مذهب الشافعي حتى في سب الملائكة والأنبياء والفرق بين سب الله تعالى فتقبل التوبة فيه وبين سب الأنبياء والملائكة فلا يقبل أن الله تعالى لما كان منزها عن لحوق النقص له عقلا قبل من العبد التوبة بخلاف خواص عباده المؤنين به لأن استحاله النقص عليهم من اخبار الله تعالى لا من ذواتهم فشدد فيهم فردت توبته ويقتل
وأسقط الإسلام الثاني ما عليه من صلاة وصوم وزكاة إن كانت عليه فلا يطلب منه فعلها بعد رجوعه إلى الإسلام إلا أن يسلم قبل خروج وقت الصلاة وذلك لقوله تعالى : { قل للذين كفروا أن يتنهوا يغفر لهم ما قد سلف } ويحبط ثواب عمله السابق بردته لقوله تعالى : { لئن اشركت ليحبطن عملك } ويجب عليه الوضوء لا الغسل إلا بموجب له ويجب عليه إعادة الحج لبقاء وقته وهو العمر ويسقط عنه النذر وكفارة الايمان وكذلك العتق والظهار والطلاق كأن قال لزوجته إن دخلت الدار فأنت طالق ثم دخل الدار بعد ردته أو توبته ويبطل إحصانه أما الطلاق الذي صدر منه قبل الردة فإذا طلق ثلاثا ثم ارتد ثم رجع للإسلام فلا تحل له إلا بعد زوج ما لم يرتدا معا ثم يرجع للإسلام
الحنفية والشافعية قالوا : إن الزنديق إذا تاب . وأظهر الإسلام تقبل توبته ويستتاب ولا يقتل ويلحق بالكافر الأصلي إذا اعتنق الإسلام فإنه يقبل منه ويترك
وفي قول للشافعية : أنه لا يصح إسلامه إن ارتد إلى كفرخفي أو إلى كفر باطنية وهم القائلون بأن للقرآن باطنا وأنه الراد منه دون الظاهر أو ارتد إلى دين يزعم أن محمدا مبعوث إلى العرب خاصة أو ارتد إلى دين يقول : إن رسالة محمد حق لكنه لم يظهر بعد أو إذا جحد فرضا أو تحريما فإنه لا يصح إسلامه ويجب قتله حدا وكذلك الفلاسفة الذين يزعمون أن الله خلق شيئا ثم خلق منه شيئا آخر يدير العالم وسموا الأول العقل والثاني النفس فإنه كفر ظاهر وكذلك الطبائعي القائل بنسبة الحياة والموت إلى الطبيعة ومن قذف رسول الله صلى الله عليه و سلم أو سبه أو سب واحدا من الرسل الكرام الذين ورد ذكرهم في القرآن الكريم أو كذب رسول الله صلى الله عليه و سلم في دعوته فإنه يقتل حدا ولا يسقط عنه الحد بالتوبة
وقيل : لا يقتل بعد التوبة : بل يجلد ثمانين جلدة ن لأن الردة ارتفعت بإسلامه وبقي الجلد عليه
الحنفية قالوا : كل من أبغض رسول الله صلى الله عليه و سلم بقلبه كان مرتدا فالسب بطريق أولى فيقتل حدا ولا تقبل توبته في إسقاط القتل عنه
الحنفية والمالكية قالوا : لا يجوز أن يسبى للبغاة ذرية لآنهم مسلمون ولا يقسم لهم مال لعدم الاستغنام فيها لقول الإمام علي رضي الله عنه يوم الجمل : ( ولا يقتل أسير ولا يكشف ستر ولا يؤخذ مال ) وهو القدوة لنا في هذا الباب ولأنهم مسلمون والإسلام يعصم النفس والمال ولا بأس بأنيقاتلوا بسلاحهم إن احتاج المسلمون إليه لأن الإمام عليا رضي الله عنه قسم السلاح فيما بين أصحابه بالبصرة وكانت قسمته للحاجة لا للتملك ولآن للإمام أن يفعل ذلك في مال الرجل العادل عند الحاجة ففي مال الباغي أولى ن والمعنى فيه إلحاق الضرر الأدنى لدفع الضرر الأعلى . ولما رواه الحاكم في المستدرك والبزاز في مسنده من حديث كوثر بن حكيم عن نافع عن أبن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( هل تدري يا ابن أم عبد كيف حكم الله فيمن بغي من هذه الأمة ؟ قال : الله ورسوله أعلم . قال : لا يجهز على جريحها ولا يقتل أسيرها ولا يطلب هاربها ولا يقسم فيئها )
مبحث لحوق المرتد بدار الحرب
الحنفية قالوا : إذا لحق المرتدر بدار الحرب وحكم القاضي بلحاقه عتق مدبروه وأمهات أولاده وحلت الديون التي عليه ونقل ما اكتسبه في حال الإسلام إلى ورثته من المسلمين لأنه باللحاق صار من أهل الحرب وهم أموات في حق أحكام الإسلام لانقطاع ولاية الإلزام كما هي منقطعة عن الموتى فصار كالموت إلا أنه لا يستقر لحاقه إلا بقضاء القاضي بذلك لاحتمال العود إلينا فلا بد من القضاء وإذا تقرر موته الحكمي ثبتت الحكام المتعلقة به وهي ما ذكرناها من عتق مدبريه وغير ذلك كما يحصل في حالة الموت الحقيقي ثم يعتبر كونه وارثا عند لحاقه في قول الإمام محمد لأن اللحاق هو السبب والقضاء لتقرره يقطع الاحتمال
وقال أبو يوسف : يعتبر كونه وارثا وقت القضاء لأنه يصير موتا بحكم القضاء والمرتدة إذا لحقت بدار الحرب فهي على هذا الخلاف المذكور في المذهب
قالوا : وتقضى الديون التي لزمته في حال الإسلام مما اكتسبه من المال في حال الاسلام وما لزمه في حقال ردته من الديون يقضى مما اكتسبه في حال ردته
قالوا : وتقضى الديون التي لزمته في حال الإسلام وإن لم يف بذلك يقضى من كسب الردة لأن المستحق بالسببن مختلف وحصول كل واحد من الكسبين باعتبار السبب الذي وجب به الدين فيقضى كل دين من المكسب المكتسب في تلك الحلة ليكون الغرم بالغنم وقيل . بل يبدأ بالقضاء من كسب الردة لأن كسب الإسلام ملكه حتى يخلفه الوارث فيه ومن شرط هذه الخلافة الفراغ عن حق المورث فيقدم الدين عليه أما كسب الردة فليس ببملوك له لبطلان أهلية الملك بالردة . فلا يقضى منه إلا إذا تعذر قضاؤه من محل آخر فينئذ يفضى منه كالذمي إذا مات ولا وارث له يكون ماله لبيت المال ولو كان عليه دين يقضى منه كذلك ههنا وجه الثالث أن كسب الإسلام حق الورثة وكسب الردة خالص حقه فكان قضاء الدين منه أولى إلا إذا تعذر بأن لم يف به فيحنئذ يقضى من كسب الإسلام تقديما لحقه
أبو يوسف ومحمد قالا : تقضى ديوان المرتد إذا لحق بدار من الكسبين لانهما جيمعا ملكه حتى يجري الأرث فيهما والله أعلم
الشافعية - قالوا : إن مال المرتد إذا الحق بدار الحرب موقوف . فتقضى منه الديون التي لزمته قبل الردة بإتلاف أو غيره لأنا إن قلنا : ببقاء مكه أو أنه موقوف فواضح وإن قلنا : بزواله ملكه فالرجة لا تزيد على الموت والدين مقدم على حق الورثة فكذا على حق الفيء وإذا مات على الردة وعليه دين وفي ثم إن بقي من ماله شيء بعد سداد ديونه صرف لبيت مال المسلمين
قالوا : ويصير محجورا على المرتد بعدم التصرف بنفس الردة وقيل : يحجر عليه بحكم القاضي . ويكون الحجر عليه كحجر الفلس وقيل كحجر السفه وقيل : كحجر المرض وينفق على المرتد زمن استتابته من ماله وتجعل حاجته للنفقة كحاجة الميت إلى التجهيز بعد زوال الملك بالموت
والأصح في المذهب أن المرتد يلزمه غرم إتلافه مال غيره في زمن الردة حتى لو ارتد جمع من الناس واستعصوا على الإمام وخرجوا عن طاعته ولم يصل غليهم إلا بقتل وجها فما اتلفوه من المال في أثناء القتال إذا أسلموا ضمنوه على الأظهر
والأصح أنه يلزمه نفقة زوجات وقف نكاحهن وكذلك نفقة قريب ملزم بالإنفاق عليه لأنها حقوق متعلقة بالمرتد فيلتزم بها لقاء ملكيته
وقيل : لا يلزمه شيء من النفقات لأنه لامال له . لزوال مكليته على الأموال وعلى القول بوقوف ملكه والحجر عليه : فإن تصرفه الواقع منه في وقت ردته إن احتمل الوقف لا يضره وأما إذا كان التصرف لا يقبل الوقف كالبيع والهبة والرهن والكتابة ونحوها مما لا يقبل الوقف فتكون تصرفاته فيها باطلة بناء على بطلان وقف العقود وفي القديم : هي موقوفة بناء على صحة وفق العقود فإن أسلم حكم بصحتها وإلا فلا
وبناء على هذه الأقوال : فإنه يجب أن يجعل ماله عند رجل عدل يحفظه وتجعل أمته عند امرأة ثقة أو عند ردل يحل له الخلوة بها من المحارم احتياطا لتعلق حق المسلمين به . اه
المالكية قالوا : إن الردة لا تسقط إحلال محلل . فإذا ارتد المحلل للمبتوتة فلا يبطل إلاحلاله بل تحل لمن بتها بخلاف حل المرأة فإنه يبطله ردتها فإذا حللها شخص ثم ارتدت ورجعت للإسلام . لا تحل لمن بتها حتى تنكح زوجها لأنها أبطلت النكاح الذي أحلها كما أبطلت الي صيرها محصنة
والعتق غير المعلق بجميع أنواعه لا تبطله الردة عاد للإسلام أو قتل على ردته أو التحق بدار الكفر وكذلك الطلاق ينفذ ولا تبطله الردة أما الهبة والوقف فإذا احيزا قبل الردة فإنه ينفذ عاد إلى الإسلام أو مات عليه وأما إذا تأخر الحوز حتى ارتد ومات على ردته أو التحق بدار الكفر فلا ينفذ وينتظر هل يعود إلى الإسلام وهل يحكم بالبطلان أو بعدمه ؟
قالوا : والكافر الذي بدل دينه إلى كفر آخر كنصراني انتقل لليهودية أو المجوسية فأننا لا نتعرض له . وقبل عذر من اسلم من الكفار ثم رجع للكفر وقال : معترا حين اراد القاضي قتله لعدم التوب : ( أسلمت عن ضيق من خوف على نفس أو مال ) فإن ظهر عذره بقريته صدق وترك لأمره وإن ظهر كذبه فإنه يكم فيح حكم المرتد . فإن تاب ترك وإن لم يتب قتل كافرا
وأما من نطق بالشهادتين ولم يلتزم أركان الإسلام فإنه يؤدب وعزر حسب ما يراه الحاكم فإذا رجع لا يكون حكلمه حكم المرتد لكن هذا في غير من بين أظهرنا ويعلم أن علينا صلاة وصوما وكازة وإلا فهو مرتد لأنه خالطنا وعلم أحكام ديننا فيؤدب فإن أنكر فرائض الإسلام حكم بردته
وكذلك يؤدب الساحر الذي سحر مسلما ولم يدخل بسحره ضررا عليه فإن أدخل ضررا على مسلم كان ناقضا للعهد يفعل فيه الإمام القتل أو الاسترقاق ما لم يسلم فإن أدخل ضررا على أهل الكتاب أدب ما لم يقتل منهم أحدا وإلا قتل ويشدد بالضرب الشديد والسجن على من سب من لم يجمع على نبوته كالخضر ولقمان والسيدة مريم بغير الزنا أو سب احدا من ذريته عليه الصلاة و السلام فإنه يشدد عليه في التأديب بالضرب إن علم أنه من آله صلى الله عليه و سلم وإن لم يكن من آل بيت النبوة وادعى صراحة أو أحتمالا أنه من ذريته صلى الله عليه و سلم كلبس عمامة خضراء ونحو ذلك . فلا يبالغ في تقريره وتأديبه لقوله صلى الله عليه و سلم : ( لعن الله الداخل فينا بغير نسب والخارج منا بغير سبب ) وقال الإمام مالك رضي الله هنه : من ادعى الشرف كاذبا ضرب ضربا شديدا شهرا وميحبس مدة طويلة حتى تظهر لنا توبته لأن ذلك استخفاف بحقه صلوات الله وسلامه عليه
قالوا : ومن سب صحابيا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فإنه يعزر ويحبس ولا يحد ومثل السب تكفير بعضهم ولو كان من الخلفاء الأربعة رضوان الله عليهم فإنه لا يكفر ولكن يؤدب أما من كفر جميع الصحابة فإنه يكفر باتفاق لأنه أنكر معلوما من الدين بالضرورة وكذب الله ورسوله وإذا شهد عليه عدل فقط أو جماعة من الناس غير مقبولين بأنه سب نبيا مجمعا على نبوته فإنه يعزر بالضرب . أو قال : لقيت من شدة المشقة في مرضي هذا ما لو قتلت أبا بكر ما استوجبته أما لو قصد الاعتراض على الله فهو مرتد بدون خلاف
مبحث تصرفات المرتد
الحنفية قالوا : إن تصرفات المرتد على أقسام :
- 1 - نافذ بالاتفاق : كالاستيلاد والطلاق لأنه لا يفتقر إلى حقيقة الملك وتمام الولاية وإن كانت الفرقة تقع بين الزوجين بمجرد الارتداد
- 2 - باطل بالاتفاق : كالنكاح والذبيحة لأن كل واحج منهما يعتمد الملة والمرتد لا ملة له لأنه ترك ما كان عليه ولا يقر على ما جخل فيه لوجوب قتله بالردة
- 3 - موقوف بالاتفاق : كالمفاوضة كأن فاوض المرتد توفق فإن أسلم نفذت المفاوضة وإن مات أو قتل أو قضى بلحاقه بدار الحرب بطلت بالاتفاق لأن المفاوضة تعتمد المساواة بين الطرفين ولا مساواة بين المسلم والمرتد مالم يسلم
- 4 - مختلف في توقفه : وهو البيع والشراء والعتق والهية والرهن والتصرف في أمواله في حال ردته فأبو حنيفة رحمه الله قال : إن هذه التصرفات المذكورة تتوفق فإن أسلم صحت عقوده . وإن مات أو قتل أو لحق بدار الحرب بطلت . لأنه حربي متهور تحت أيدينا كما قررناه في توفق الملك وتوقف التصرفات بناء على توفق الملك وصار كالحربي يدخل دارنا بغير أمان فيؤخذ ويقهر وتتوقف تصرفاته لتوقف حاله فكذا المرتد ولأنه يستحق القتل لبطلان سبب العصمة فأوجب خللا في الأهلية . بخلاف الزاني المحصن وقاتل العمد لأن الاستحقاق فيهما جزاء على الجناية مع بقاء سبب العصمة وهو الإسلام فيبقى مالكا حقيقة وبخلاف المرأة المرتدة لأنها ليست حربية ولهذا لا تقتل بعد الردة أما المرتد فقد زال ملكه عن أمواله بردته كما ذكرنا
أبو يوسف ومحمد قالا : يجوز ما صنع المرتد وتنفذ عقوده التي عقدها قبل الردة وبعدها لأن الصحة تعتمد الأهلية والنفاذ يعتمد الملك ولا خفاء في وجود الأهلية لكونه مخاطبا وكذلك الملك لقيامه قبل موته وعدم زواله بالردة لأنه مكلف محتاج ولا يتمكن من إقامة موجب التكليف إلا بالملك فيبقى ملكه إلى أن يقتل ولهذا لو ولد له ولد بعد الردة لستة أشهر من امرأة مسلمة يرثه بعد موته
قالوا : فإن عاد المرتد بعد الحكم بلحاقه بدار الحرب إلى دار الإسلام مسلما فما وجوده في يد ورثته من ماله بعينه أخذه لأن الوارث إنما يخلف فيه لاستغنائه عنه بالموت المحكوم به بدخوله دار الحرب . وإذا عاد مسلما احتاج إليه فيقدم على الوارثن بخلاف ما إذا أزاله الوارث عن ملكه وبخلاف أمها اولاده ومدبريه لأن القضاء قد صح بدليل مصحح فلا ينقض ولو جاء مسلما قبل أن يقضي القاضي بذلك فكأنه لم يزل مسلما فأمواله على حالها وما كان عليه من الديون فهو إلى أجله ويصح تصرفه
مبحث ردة الصبي والمجنون
الحنفية قالوا : إن ارتداد الصبي الذي يعقل ارتداد تام فيجري عليه أحكام المرتد فيبطل نكاحه ويحرم من الميراث ويجبر على الإسلام ولا يقتل وإن أدرك كافرا يحبس كالمرأة وإسلام الصبي المميز إسلام لأن عليا رضي الله عنه أسلم في صباه وهو أبن خمس سنين وصحح النبي صلى الله عليه و سلم إسلامه وافتخر سيدنا علي بذلك
فقال :
سبقتكمو إلى الإسلام طرا ... غلاما ما بلغت أوان حلمي
ولأنه أتى بحقيقة الإسلام وهي التصديق والإقرار معه والتصديق الباطني يحكم به للإقرار الدال عليه على ما عرف من تعليق الحكام المتعلقة بالباطن به ولأن الإقرار عن طوع دليل على الاعتقاد ولأن النبي صلى الله عليه و سلم عرض الإسلام على أبن صياد وهو غلام لم يبلغ الحلم
قيل : ومن أقبح القبائح أن لا يسمى مسلما مع اشتغله بتعلم القرآن وتعليمه والنطق بالشهادتين والصلاة
قالوا : والحقائق لا ترد . وما يتعلق به سعادة أبدية ونجاة عقبى وهي من أجل المنافع وهو الحكم الأصلي ثم يبتنى عليه غيرها فلا يبالى بشوبه للضررولانه تقبل صلاته وصومه ويثاب عليهما عند الله تعالى
وقالوا : إن الردة موجودة حقيقة ولا مرد للحقيقة كما قلنا في الإسلام فإن رد الردة يكون بالعفو عنها وذلك قبيح إلا أنه يجبر على الإسلام لما فيه من النفع له ولا يقتل لأنه عقوبة والعقوبات موضوعة عن الصبيان مرحمة عليهم وهذا في الصبي الذي يعقل ومن لا يعقل من الصبيان لا يصح ارتداده فإنه لا يدل على تغير العقيدة . وكذا لا يصح إسلامه لأنه غير مكلف وقد رفع القلم عنه بنص الحديث الشريف
وقال أبو يوسف : ارتداد الصبي الذي يعقل ليس بارتداد وإسلامه إسلام
الشافعية - قالوا : إن ارتداد الصبي الذي يعقل ليس بارتداد وإسلامه كذلك ليس بإسلام لأنه تبع لأبويه في الإسلام فلا يجعل أصلا ولأنه يلزمه أحكام تشوبها المضرة فلا يؤهل لها . والردة مضرة محضة فلا تعتبر لأنه غير مكلف وغير مختار وكذلك المجنون لا تصح ردته لعدم تكليفه ولا اعتداد بقولهما واعتقادهما فلا يترتب عليها حكم الردة وكذلك لا تصح ردة المكره . إذا كان قبله مطبئنا بالإيمان كمانصف عليه القرآن الكريم فإن رضي بقلبه عن الكفر فهو مرتد فيقتل قال تعالى : { من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله . ولهم عذاب عظيم } آية 106 من سورة النحل
وأما المجنون فإذا ارتد ولم يستتب فجن لم يقتل في جنونه لأنه قد يعقل ويعود إلى الإسلام فإن قتل مجنونا لم يجب على قاتله شيء ولكن يعزر بخلاف ما لو ثبت بنيته أو أقر بقذف أو قصاص ثم جن فإنه يستوفى منه في ضوئه
مبحث حكم الصبي إذا بلغ مرتدا
الحنفية رحمهم الله قالوا : أربع مسائل لا يقتل فيها المرتد
الأولى : الصبي الذي كان إسلامه تبعا لأبويه إذا بلغ مرتدا . فلا يقتل وإنما يحبس حتى يتوب لأن إسلامه لماكان تبعا لغيره صار شبهة في إسقاط القتل عنه وبه قال الحنابلة ويجبر على الإسلام بالضرب والحبس لا بالقتل
الشافعية والمالكية - قالوا : إن الصبي يعتبر مرتدا ولو كان تابعا لأبويه فإنه يستتاب فإن تاب من ردته ورجع إلى الإسلام قبل منه ويترك وإلا فيجب قتله مثل المرتد
الثانية : إذا أسلم الصبي في صغره ثم بلغ مرتدا فإن يقتل مرتدا وتطبق عليه أحكام المرتد
الثالثة : إذا ارتد في صغره فإنه لا يقتلز لقيام الشبهة بسبب اختلاف العلماء في صحة إسلامه في الصغر . وبه قال الشافعية وإذا قتله إنسان قبل أن يسلم لا يلزمه شيء في هذه الأحوال ولو مات له قريب مسلم بعد ردته فلا يرث منه
المالكية والحنابلة - قالوا : إذا أسلم في صغره ثم بلغ مرتداص فإنه يقتل مرتدا وتطبق عليه أحكام المرتد
الثالثة : إذا ارتد في صغره فإنه لا يقبل ارتداده ولا يتعتد به ولكن يحبس ويضرب حتى يتوب لأن الإسلام أنفع له فيجبر عليه ويشتد عليه في الضرب حتى يرجع ويتوب لأن الإسلام أنفع ه فيجبر عليه ويشتد عليه في الضرب حتى يرجع ويتوب وتحسن توبته
الرابعة : المكره على الإسلام إذا ارتد لا يقتل لأن الحكم بإسلامه من حيث الظاهر لأن قيام السيف على رأسه ظاهر في عدم الاعتقاد بقلبه فيصير شبهة في إسقاط القتل وبه قال الشافعية لعدم التكليف ( وما استكرهوا عليه ) فقد رفع عنه المؤاخذة

اتفق العلماء الأربعة : على أنه إذا ارتد الأبوان والعيادذ الله تعالى وارتد ابنهما الصبي تبعا لهما ثم لحقا بدرا الحرب وحكم بلحوقهما فإن الصبي يصح ارتداده من غير خلاف ويحكم بكفره وإذا أسلم الصبي فإنه يقبل ويعتبر إسلامه في نظر الشرع بالاتفاق فلا يرث أبويه الكافرين ويرث أقاربه المسلمين الذين ماتوا بعد إسلامه ولا يصح نكاح المشركة له ويحل له زواج المرأة المسلمة وتبطل مالية الخمر والحنزير بالنسبة له وإذا ارتد الرجل وامرأته والعياذ الله تعالى ولحقا بدار الحرب فحملت المرأة في دار الحرب وولدت ولدا وولد ولدهما ولدا فظهر عليهم جميعا فالوالدان فيء لأن المرتدة تسترق فيتبعها ولدها ويجبر الولد الأول على الإسلام ولا يجبر ولد الولد لأنه لا يتبع جده بل أباه لقوله صلى الله عليه و سلم : ( كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه ) الحديث
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #333  
قديم 01-03-2023, 05:18 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 130,345
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الخامس
[كتاب القصاص]
صـــــ 204 الى صـــــــــ209

الحلقة (287)



مبحث ردة السكران وإسلامه
الحنفية والمالكية والحنابلة في إحدى روايتيهم - قالوا : السكران الذي لا يعقل شيئا وفقد الإدراك والتمييز مثله كالمجنون مثله كالمجنون فلا تصح ردته ولا إسلامه لأن المجنون لا تصح ردته بالإجماع لأن الردة تبنى على تبدل الاعتقاد وتعلم أن السكران غير معتقد لما قال ووقوع طلاقه لأنه لا يغتفر إلى القصد ولذا لزم طلاق الناسي
وفي رواية للحنفية : أنه إذا كان سكره بسبب محظورن وباشره مختارا بلا إكراه فإنه تصح ردته ولا يعفى عنه
الشافعية - قالوا : تصح ردة السكران المتعدي بسكره كطلاقه وسائر تصرفاته وفي صحة استتابته حال سكره وجهان ا دهما أنه تصح كما تصح ردته وعليه الجمهور وهو المفتى به لكن يندب تأخيرها إلى الإفاقة خروجا من خلاف من قال : بعدم صحة توبته وهو الوجه الثاني القائل : بأن الشبهة لا تزول في تلك الحالة
أما السكران غير المتعدي بسكره كأن أكره على شربها فلا يحكم عليه بالارتداد كما في طلاقه وغيره
والراجح من المذهب صحة إسلام السكران عن ردته ولو ارتد صاحيا ثم أسلم معاملة لأقواله معاملة الصاحي
والاعتداد بإسلامه في السكر أنه يحتاج إلى تجديد بعد الإفاقة لكن قالوا : إذا فقاق عرضنا عليه الإسلام فإن وصفه كان مسلما من حين وصف الإسلام وإن وصف الكفر كان كافرا من الآن لأن إسلامه صح أولا فإن لم يتب قتل
قبول الشهادة بالردة . الشافعية - قالوا : تقبل الشهادة بالردة على وجه الإطلاق ويقضى بها من غير تفصيل لأن الردة لخطرها لا يقدم الشاهد بها إلا عن بصيرة ثم يقول له القاضي تلفظ بالشهادتين ولا حادة إلى السؤال عن السبب فإن امنع كان امتناعه قربته لا يحتاج معها إلى ذكر سبب الردة
وقيل : يجب التفصيل واستفسار الشاهد بها لاختلاف المذاهب في التكفير والحكم بالردة عظيم فيجب أن يحتاط له . وهو المذهب الي يجب القطع به لأنه قد يتوهم ما ليس بكفر كفرا فيسأله القاضي
المالكية قالوا : بأنه لا تقبل توبة المرتد فلا تقبل الشهادة إلا مفصلة
الحنفية قالوا : تقبل الشهادة بالردة من عدلين يشهدان على مسلم بالردة ويسألهما القاضي عن سبب ردته فربما قال شيئا ليس بكفر وهو في نظرهما كفر ولأن إنكاره توبة ورجوع إلى الإسلام ا ه
مبحث كيفية توبة المرتد

الحنفية قالوا : أنه يتبرأ عن الأديان كلها سوى دين الإسلام وهو أن يقول : ( تبت وجعت إلى دين الإسلام وأنا بريء من كل دين سوى دين الإسلام ) . والإقرار بالبعث والنشور مستحب وإنما يقول ذلك لأنه لا دين له ولو تبرأ عما انتقل إليه كفاه لحصول المقصود
قال الطحاوي سئل أبو يوسف عن الرجل كيف يسلم فقال يقول : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ويقر بما جاء به من عند الله ويتبرأ من الدين الذي انتحله وإن شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وقال : ولم أدخل في هذا الدين قط وأنا بريء من الدين الذي ارتد إليه فهي توبة وفي شرح الطحاوي : إسلام النصراني أن يقول : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ويتبرأ من النصرانية واليهودي كذلك يتبرأ من اليهودية وكذا من كل ملة وأما مجرد الشهادتين فلا يكون مسلما لأنهم يقولون بذلك غير أنهم يدعون خصوص الرسالة إلى العرب هذا فيمن بين أظهرنا منهم أما من في دار الحرب لو حمل عليه مسلم فقال : محمد رسول الله صلى الله عليه و سلم فهو مسلم أو قال : دخلت في دين الإسلام . أو دخلت في دين محمد صلى الله عليه و سلم فهو دليل إسلامه فكيف إذا أتى بالشهادتين لأن في ذلك الوقت ضيقا فيحكم بإسلامه بمجرد ذلك ويرفع عنه القتل ولو ارتد بعد ذلك قتله ولو ارتد بعد إسلامه ثانيا قبلنا توبته وكذا ثالثا ورابعا وفي كل مرة يطلب من الإمام التأجيل أجله فإن عاد إلى الكفر رابعا ثم طلب التأجيل فإنه لا يؤجله فإن أسلم وإلا قتل
وقال الكرخي في مختصره فإن تاب بعد الرابعة ضربه ضربتا وجيعا ولا يبلغ به الحد ثم يحبسه ولا يخرجه من السجن حتى يرى عليه خشوع التوبة ويرى من حاله حال إنسان قد أخلص فإذا فعل ذلك خلي سبيله فإن عاد فعل به مثل ذلك أبدا ما دام يرجع إلى الإسلام لإطلاق قوله تعالى { فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم } آية 5 من التوبة وروي عن أبن عمر وعلي رضي الله عنهما : لا تقبل توبة من كرر ردته كالزنديق : فيجب قتله
المالكية والحنابلة قالوا : لا تقبل توبة الكافر المرتد الذي تكررت ردته بل يجب قتله لقوله تعالى { إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازداودا كفرا لم يكن الله لغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا } آية 137 من النساء ولو قتله شخص قبل عودته إلى الإسلام فلا شيء عله من الدية والقصاص
الشافعية - قالوا : إنه تقبل توبة الزنديق والمرتد إذا طلب التوبة ورجع إلى الإسلام . ولو تكرر منه ذلك مرارا ما دام في كل مرة يرجع إلى الإسلام ولا يقتل إلا أن يأبى أن يسلم
الحنفية قالوا : قبول توبة الزنديق روايتان رواية تقول : لا تقبل توبته كمالك وأحمد . وفي رواية تقبل توبته إذا رجع كقول الشافعي وهذا في حق أحكام الدنيا أما فيما بينه وبين الله تعالى إذا صدق قبله سبحانه بلا خلاف . )
أحكام في المرتد
الحنفية قالوا : لو أرتد أهل بلد لم تصر دار حرب حتى يجتمع فيهما ثلاثة شروط :
الأول : ظهور أحكام الكفر
الثاني : أن لا يبقى فيهما مسلم ولا ذمي بالأمان الأصلي
والثالث : أن تكون متاخمة لدار الحرب . وأول من حارب المرتدين أبو بكر الصيق رضي الله تعالى عنه لانهم منعوا دفع الزكاة وقالوا : لاندفع الزكاة إلا لمن صلاته سكن لهم وهو النبي صلى الله عليه و سلم فأصبحوا دار حرب

المالكية والشافعية والحنابلة - قالوا : إذا ارتد أهل بلد لا يجوز أن تغنم ذراريهم التي حدثت منهم بعد الردة ولا يسترقون بل يجبون على الإسلام إلى أن يبلغوا : فإن لم يسلموا حبسوا وضربهم الحاكم جذبا إلى الإسلام وأما ذراريهم فيسترقون
الشافعية قالوا : في أصح قوليهم إنهم لا يسترقون وقيل : تسترق ذراريهم وذراري ذراريهم
الحنابلة قالوا : تسترق ذراريهم وذراري ذراريهم لأن الذرية تبع الآباء في الكفر
روى البخاري عن أبن عباس رضي الله عنهما لما بلغه أن عليا رضي الله عنه حرق قوما بالنار فقال : لو كنت أنا لم أحرقهم لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( لا تعذبوا بعذاب الله ) ولقتلتهم كما قال النبي صلى الله عليه و سلم : ( من بدل دينه فاقتلوه ) فإن الإمام عليا قاتل الزندقة الذين ارتدوا باتباع مذهب المانوية الذين يقولون بقدم النور والظلمة وأن العالم ناشئ عنهما
أعمال المرتد
الحنفية قالوا : إن الردة محبطة لثواب جميع العمال الصالحة التب عملها قبل أن يرتد عن الإسلام . فإذا تاب وعاد إلى الإسلام إن عاد في وقت صلاة صلاها وجب عليه أداؤها ثانيا وكذلك يجب عليه الحج ثانيا إن كان سبق له حد ولا يلزم من سقوط ثواب العمل سقوط العمل بدليل أن الصلاة في الدار المغصوبة صحيحة مسقطة للقضاء مع كونها لا ثواب فيها عند أكثر العلماء
الشافعية - قالوا : إن الردة محبطة للعمل إن اتصلت بالموت قال تعالى : { ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة } الآية وقال تعالى : { ولقد أوحي إليك والى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين } وقال تعالى : { ومن يكفر بالإيمان فقط حبط عمله } وغيرها من الآيات الدالة على إحباط الأعمال وضياع ثوابها ولهذا إن عاد إلى الإسلام وجب عليه أن يعيد حجه قبل الردة )
مبحث الكبائر من الذنوب
- عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( اجتنبوا السبع الموبقات . قالوا : يا رسول الله وما هن ؟ قال : الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات ) رواه البخاري ومسلم وغيرهما
يتعلق بشرح هذا الحديث
- 1 - بيان معناه
- 2 - هل الكبائر منحصرة في السبع المذكورة ؟
- 3 - حد السحر وما يترتب عليه من الآثار
معنى الحديث
- إن معظم القضايا التي اشتمل عليها هذا الحديث الشريف معلومة من الدين بالضرورة فكل مسلم يعلم أن الشرك بالله كفر بالخالق العظيم الذي خلق الإنسان وأمده بما يحتاج إليه في هذه الحياة الدنيا من مطعم ومشرب وهواء وشمس وقمر وأرض وسماء وغير ذلك من باقي العوالم المسخرة لهذا الإنسان الضعيف الذي لا يملك لنفسه وجودا ولا عدما ولا ضرا ولا نفعا واي مسلم يخفى عليه أن الشرك بالله القاهر فوق عباده حجود ظاهر ولاعتداء صريح على مقام الألوهية المقدس فلا يصدر إلا عن سفيه جاهل بنفسه وبكل ما حوله من المظاهر الدالة دلالة واضحة على أن الله واحد لاشريك له بل أي عاقل يجحد ربه الذي خلقه من ماء مهين وجعله بشرا سويا أو يشرك معه في عبادته أحدا من خلقه عن عقيدة أو نفاق أو رياء أو يعبد ربه على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه لا ريب في أن الإنسان الذي يشرك مع الله غيره في معنى الألوهية يكون كالحيوان العجم الذي لا يشرك مع الله أحدا في الإيجاذ أو في الرزق فقد أنكر الإله الذي لا يماثله أحد من خلقه في أخص صفاته وهي كونه تعالى من منفردا بالخلق والإيجاد ( 1 )
وأي مسلم يجهل أن قتل النفس التي حرم الله جريمة من أسوأ الجرائم وأقبحها أثرا في المجتمع الإنساني . ويكفي في شناعتها واتنكارها قوله تعالى : { ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما }
وأي مسلم يخفى عليه أن أكل الربا من الكبائر المجرمة لما يترتب عليه من استذلال المحتاجين واستنزاف أموالهم وحصر الثروة في أيدي المرابين الذين يستلذون اقتناص أموال الناس وحبسها بين أيديهم بدون أن يستخدموها في مصالح المجتمع وإصلاح حال الإنسان ( 2 )
وأي مسلم يحفى عليه أن الفرار من قتال الأعداء الذين يرديون انتهاك حرمات الوطن والدين واستذلال الاحرار الأعزاء واستعمالهم استعمال الأرقاء الذين لا إرادة لهم جريمة من شر الجرائم وموبقة من أسوأ الموبقات
لا ريب في أن كل هذه الخصال كبائر تنافي الفضائل الإنسانية وتتعارض مع الحياة الكريمة وإذا فشت في أمة من الأمم اهلكتها لا محالة
أما قذف المحصنات فقد بينا آثاره الضارة فيما أسلفنا من القول في الحدود . وسنذكر لك ما يترتب على السحر من الآثار الضارة قريبا فالنبي صلى الله عليه و سلم وهو المربي الأعظم الذي لا ينظق عن الهوى قد نهى أمته نهيا جازما عن هذه الجرائم المؤقة التي يترتب عليها هلاك المرء في الدنيا والآخرة فهي من مخازي هذه الحياة الدنيا ومن شر آفاتها التي إليها الشهوة وتستلذها النفس الضعيفة ومن ورائها الخزي الدائم والعذاب الأليم
( 1 ) ( قال تعالى : { فاطر السموات والأرض جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الأنعام أزواجا يذرؤكم فيه ليس شيء وهو السميع البصير } آية ( 11 سورة الشورى )
فالله تعالى هو القادر الحكيم الذي أبدع السموات والأرض وخلقهما وما فيهما من أجرام وأجسام وماء وهواء وخلق لنا أزواجا من أنفسنا وخلق من الأنعام ثمانية ذكور الإبل والبقر والضأن والمعز وإناثها وهو الذي يخلقنا في الأرحام ويصورنا كيف يشاء لا يشابهه شيء في عظمته وكبريائه وملكوته وحسنى أسمائه وعلى صفاته لا يشابه شيئا من مخلوقاته ولا يشبه به فهو واحد في ذاته وصفاته ليس كذاته ذات ولا كاسمه اسم ولا كفعله فعلن ولا كصفته صفة إلا من جهة موافقة اللفظ وجلت الذات القديمة أن يكون لها صفة حديثة فليعتبر أولئك الملحدون الطبيعيون الذين ضلوا عن الطريق المستقيم وكفروا برب العالمين )

( 2 ) ( قال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم } آية ( 29 ) من سورة النساء والربا مما أجمعت الأديان السماوية على تحريمه وداوعي تحريمه كثيرة فهو من المور التي تعوق المجتمع عن الاشتغال بالأمور المفيدة النافعة فصاحب المال إذا سلك طريق الربا في إنما ماله وجلب الربح منه . سهل لديه أسباب العيش فيميل إلى الكسل والباطالة والخمول وترداد شراهته في جمع الأموال بغير حق والاستيلاء على حقوق الناس من غير رحمة ولا شفقة وتزداد الفوارق بين طبقات المجتمع في الفقر والغنى . والربا يؤدي إلى انتشار العداوة والبغضاء ويولد الأحقاد قرن الله تعالى النهي عن أكل أموال الناس بالباطل بقتل النفس في الآية الكريمة فقال تعالى بعد النهي عن الربا { ولا تقتلوا أنفسكم } لأن الربا يؤدي إلى قتل الأنفس وسفك الدماء من أجل الأموال
ولأن الربا أخذ مال بلا عوض وهو نوع من الظلم الذي حرمه الشارع الحكيم لأنه استيلاء على الأموال من غير الطريق المشروع وكل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه وعاقبة الربا إنما هو الخراب والهلاك والدمار قال تعالى : { يمحق الله الربا ويربي الصدقات } وقد توعد الله تعالى الذين يأكلون الربا ولا يتوبون بأشد أنواع الوعيد وهو أنه يشن عليهم حربا في الدنيا وعذابا يوم القيامة قال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فكلم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون }
فالأجرد بالمسلم أن يبحث عن مصادر تنمية أمواله عن طريق مشروع حتى تصبح معيشته واقتصادياته من طريق مستقيم لا استغلال فيه ولا بغي ولا عدوان على الفقراء والمحتاجين
وأما جناية اكل مال اليتمي فهي أفظع من التعامل بالربا واشد ضراوة منها لما يترتب عليها من الأضرار البليغة ولهذا نهى الشارع عنها ووصمها أبلغ وصم فقال تعالى . { وآتوا اليتاميى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوبا كبيرا } وقال تعالى : { وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف فإذا دفعتم اليهم أموالهم فاشهدوا عليهم وكفى بالله حسيبا }
والواجب شرعا أن يرعى الوصي مال اليتيم ويحافظ عليه وينميه ولا يبيح لنفسه شيئا منه . إلا عند الحاجة الماسة فيأخذ ما يحتاج إليه من غير إسراف ولا تبذير . فقد أجمعت الآراء على أن مال اليتيم لا يحل للوصي ولا يأخذ منه شيئا حتى تبقى صلات المحبة والمودة قائمة بين الناس . وكما تدين تدان وكما تفعل تجازى { وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا }
وبين الله عز و جل أن أكل مال اليتيم من أشنع أنواع الحرام فكأنه يأكل من جمر جهنم قال تعالى : { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا }
وأما التولي يوم الزحف فهو من أكبر الكبائر وأفحش الأمور . لأنه يدل على الجبن . والضعف والخور وافسلام يربي المسلم على الشجاعة والثبات والعزة ولأن الفرار أمام الأعداء عند اللقاء يسلب الأمة عزتها وكرامتها وشرفها ويجعل السلطة لأعداء الإسلام والدين وذلك موت أدبي للأمة فإما أن نعيش كراما أعزاء وإما أن نموت أحرارا شهداء والاستشهاد في سبيل الله والوطن حياة كريمة قال تعالى : { ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتا بل أمحياء عند ربهم يرزقون } لهذا أمرنا الله تعالى بالثبات أمام الأعداء مهما كانت عدتهم وقدرتهم ونهانا عن الفرار من الزحف وعده من أعظم الكبائر التي تجلب غضب الله تعالى وتحبط الأعمال وتودي بصاحبها في نار جهنم وبئس القرار فقال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير } وقال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون }
فأمر الله المجاهدين بالصبر والثبات أمام الأعداء لأن التولي فيه إضعاف لصفوف المسلمين وتثبيط لعزائم المقاتلين وإحداث فرقة بين صفوفهم وفي ذلك صد عن سبيل الله عز و جل وتقوية للعدو وكفى بذلك إثما وعارا في الدنيا والآخرة لذلك أمرنا بالصبر وذكر الله تعالى أنه يعاقب الفارين بأشد أنواع العذاب . وأنه يكرم الشهداء في سبيله أعظم أنواع الإكرام والعزة
وأما قذف المحصنات المؤمنات الغافلات فهو من أعظم الكبائر التي نهى عنها الشارع الحكيم
فقال تعالى : { إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم } فإن مقاصد الشرع الحكيم حفظ أعراض المسلين وصون الشرف لصاحبه والاحتفاظ بالكرامة ووضع سياج منيع لعزة النفس كان من مقتضى حكمته تبارك وتعالى أن سن التشريع الزاجر للنفوس الجامحة التي قد يدفعها الغضب إلى أن تصيب الناس في كرامتهم وتخدش شرفهم وتنكس رؤوسهم والشرف أعز عزيز لدى المؤمن الغيور فإن القتل أهون على المؤمن من ضياع شرفه وإهدار كرامته وما قيمة الحياة لإنسان بغير كرامة وعزة من أجل ذلك فرض الله تعالى حد القذف الرادع الكفيل بصيانة الأعراض وحفظ الكرامات وإنما خص القذف بالرمي بالزنى لأن فيه من العار بدناءة النفس وهتك الستر وافتضاح السوءات وانتهاك الحرمات والدلالة على عدم الغيرة الذي هو من خصائص أخس الحيوانات ما قارف به كل المربقات . فإن كان الرمي امرأة كان في من جلب العار على قومها ما يؤدي إلى سفك الدماء وقلما يغسل ذلك العار وقد رتب الشارع على قذف المحصن أو المحصنة ثلاثة أشياء الجلد ثمانين جلدة ورد الشهادة أبدا والحكم عليه بالفسق
ولقد ذكر الله في الآية الكريمة فظاعة أمر هذه الجريمة وشنع على من وقع فيها وشرح عظيم خطرها وشديد وعيدها وأي وعيد اشد من اللعنة في الدنيا والآخرة وهو الطرد من رحمة الله واستحقاق العذاب العظيمن وتقرير ذنبه بشهادة جوارحه عليه بما يخزيه ويقطع حجته ويسد عليه باب التنصل من ذنبه أمام الأشهاد يوم القيامة
ثم أردف ذلك بأنه سيوفى جزاءه الحق وليعلم الجاني إن لم يكن علم أن الله هو الحق وإن وعيده هو الحق وأن قوله هو الحق المبين وقد ذكر العلماء أن القاذف مطالب في الدنيا لتصديقه بأربعة شهداء فالقاذف يقوم في وجهه لتكذيبه خمسة شهود من جوارحه لسانه ويداه ورجلاه تنكيلا له وفضيحة لشأنه جزاء فضيحته للمحصنات المؤمنات ) وأي مسلم يخفى عليه أن أكل مال اليتيم جريمة من أرذل الجرائم وأخسها لا يأتيها إلا النذال الذين قست قلوبهم ونزعت منهم عائطفة الرحمة والإنسانية وأصبحوا كالحيوانات المتفرسة هم أضل سبيلا
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #334  
قديم 01-03-2023, 05:24 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 130,345
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الخامس
[كتاب القصاص]
صـــــ 210 الى صـــــــــ215

الحلقة (288)



الجواب عن السؤال الثاني
- إن الموبقات المذكورة في الحديث معنهاها المهلكات وهي مودبة للهلاك الدنيوي والأخروي لا محالة ولكن الحديث الذي معنا لم ينص على كل الموبقات . بل هنالك موبقات ذكرت في الأحاديث الصحيحة الأخرى وقد حصرها بعض العلماء في إحدى وعشرين منها السبع المذكورة في الحديث الشريف
الكبيرة الثامنة شهادة الزور
- ثامنها شهادة الزور : وقد ورد في الصحيح أنها أكبر الكبائر عن أبي بكر رضي الله تعالى عنه قال : ( كنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟ ( ثلاثا ) الإشراك بالله وعقوق الوالدين ألا وشهادة الزور وقول الزور وكان متكئا فجلس فما زال يكررها حتى قلنا : ليته سكت ) رواه البخاري ومسلم وغيرهما
أما كون شهادة الزور جريمة خلقية شائنة تنافي النظام العمراني وتفضي إلى الفوضى في كل نواحي الحياة فظاهر لا يخفى على أحد فهي شر مستطير يجب على الناس أن ينزهوا عنه أنفسهم تنزيها تاما ( 1 )
------------------------------
( 1 ) ( لقد ذكر العلماء أن شهادة الزور من أكبر الكبائر لأن الله تعالى أمرنا باجتنابها وقرنها بالشرك والعياذ بالله تعالى فقال عز و جل : { فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور } أي ابتعدوا عن الرجس الذي هو الأوثان وابتعدوا عن شهادة الزور فقرن الله عبادة الأصنام بشهادة الزور كقوله تعالى : { قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير حق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لاتعلمون } ومنه شهادة الزور
وروى الإمام أحمد عن أيمنبن خريم أنه قال : قام رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : ( أيها الناس عدلت شهداة الزور إشراكا بالله ثلاثا ) ثم قرأ { فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور } وقال الإمام أحمد أيضا حدثنا محمد بن عبيد حدثنا سفيان العصفري عن أبيه عن حبيب بن النعمان الأسدي عن خريم بن فاتك الأسدي قال : صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم الصبح فلما انصرف قام فائما فقال : ( عدلت شهادة الزور الإشراك بالله عز و جل ) ثم تلا هذه الآية : { فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور حنفاة لله غير مشركين به } وقال سفيان الثوري عن عاصم بن أبي النجود عن وائل بن ربيعة عن أبن مسعود أنه قال : تعدل شهادة الزور الإشراك بالله ثم قرأ هذه الآية
وفي الصحيحين عن أبي بكر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟ قلنا : بلى يا رسول الله . قال : الإشراك بالله وعقوق الوالدين وكان متكئا فجلس فقال : ألا وقول الزور وشهادة الزور فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت ) أي شفقة عليه وكراهية لما يزعجه وهذا يدل على انقسام الكبائر في عظمها إلى كبير وأكبر ولا يلزم من كون هذه أكبر الكبائر استواء رتبتها فإن الإشراك أكبر الذنوب المذكورة وجلوس النبي صلى الله عليه و سلم بعد اتكائه يشعر باهتمامه بذلك ويفيد تأكيد تحريمه وعظم قبحه وسبب الاهتمام بذلك كون شهادة الزور أسهل وقوعا على الناس والتهاون بها والحامل عليها كثير مثل العدواة والحقد والحسد وغير ذلك فاحتيج إلى الاهتمام بها وفي لاتزول قدما شاهد الزور يوم القيامة حتى تجب له النار ) وفي الأثر ( عدلت شهادة الزور ) " الإشراك بالله "
الكبيرة التاسعة اليمين الغموس
- تاسعها اليمين الغموس وهو أن يحلف على حصول شيء وهو عالم أنه لم يحصل . كأن يقول : والله ليس لك علي دين . وهو يعلم أنه له أو يحلف على أن فلانا لم يضرب فلانا وهو يعلم أنه ضربه فقد روى البخاري أن أعرابيا جاء إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال : ( يا رسول الله ما الكبائر ؟ قال : الإشراك بالله قال : ثم ماذا ؟ قال : اليمين الغموس . قلت : ما اليمين الغموس ؟ قال : يقتطع مال امرئ مسلم ) يعني بيمين هو فيها كاذب
ولا نزاع في أن هذه اليمين الفاجرة من الكبائر بشرط أن يترتب عليها قطع حق أو إيذاء من لا يستحق الإيذاء أو إدانة بريء أو نحو ذلك
أما إذا لم يترتب عليها شيء من ذلك فإنها تكون صغيرة لا كبيرة
وبعضهم يقول : إن اليمين الغموس كبيرة مطلقا لأن الحالف بها قد انتهك حرمة اسم الله تعالى فجزاؤه العذاب الأليم إلا إذا تاب توبة نصوصا
وليس لليمين الغموس كفارة إلا التوبة منها عند جمهور العلماء
الشافعية قالوا : إن لها كفارة كغيرها من الأيمان ومتى اخرج كفارتها سقط عنه إثمها ( 1 )
-----------------------------
( 1 ) ( الأيمان بفتح الهمزة جمع يمين واصل اليمين في اللغة اليد خلاف اليسار وأطلقت على الحلف لأنهم كانوا إذا تحالفوا أخذ كل بيمين صاحبه واليمين في الشرع ( توكيد المحلوف عليه بذكر اسم الله تعالى اوصفة من صفاته عز و جل ) وقد نهى اشارع عن اليمين الكاذبة وجعلها من الكبائر التي تستوجب غضب الله عز و جل وتدخل صاحبها نار جهنم إذا لم يتب منها قبل ممانه أو يكفر عنها

روي عن أبن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( من حلف على مال امرئ مسلم بغير حق لقي الله وهو عليه غضبان ) قال عبد الله : ثم قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه و سلم مصداقة في كتاب الله عز و جل : { إن الذين ينظر يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم } رواه البخاري ومسلم
وقال صلى الله عليه و سلم : ( من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة . قالوا : وإن كان شيئا يسيرا يا رسول الله ؟ وإن كان قضيبا من أراك ) رواه مسلم وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( أكبر الكبائر الإشراك بالله وعقوق الوالدين واليمين الغموس ) رواه البخاري وسميت غموسا لأنها تغمس صاحبها في الإثم أو في النارن وعن جبير بن مطعم أنهم أنه أفتدى يمينه بعشرة آلاف درهم ثم قال : ورب الكعبة لو حلفت حلفت صادقا وإنما هو شيء افتديت به يميني رواه الطبراني )
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #335  
قديم 01-03-2023, 05:32 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 130,345
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الخامس
[كتاب القصاص]
صـــــ 216 الى صـــــــــ221

الحلقة (289)



الكبيرة العاشرة الزنا
- عاشرها : الزنا وقد سماه الله فاحشة فقال تعالى : { ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة } وأفظعه أن يزني المرء بحليلة جاره فإن في ذلك العمل المنكر جريمتين إحداهما الاعتداء الصريح على عرض إنسان غافل ثانيتهما انتهاك حرمة الجوار ولا يصدر ذلك إلا ممن قسا قلبه ونسي ربه وأصبح كالحيوان الأعجم . الذي لا هم له إلا قضاء شهوته روى أبن مسعود رضي الله عنه قال : ( سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم أي الذنب أعظم عند الله ؟ قال : أن تجعل ندا وهو خلقك قلت : إن ذلك لعظيم ثم أي ؟ قال : أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك قلت : ثم أي ؟ قال : أن تزاني حليلة جارك ) رواه البخاري ومسلم وغيرهما
وحليلة الجار هي زوجة الجار ( 1 )
--------------------------------------------
( 1 ) ( والزنا من أفحش الذنوب وأعظم الكبائر التي أجمعت على تحريمها جميع الأديان وأجمعت على مقتها العقول في جميع الأزمان والأوقات لما يترتب عليه من فساد الفرد والمجتمع
حتى أن رسول الله صلى الله عليه و سلم حكم على الزاني أنه لا يرتكب الفاحشة وهو مؤمن فقال صلى الله عليه و سلم : ( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ) وقال صلى الله عليه و سلم : ( إذا زنى العبد خرج منه الإيمان فكان كالظلة فإذا انقلع منها رجع إليه الإيمان ) وروي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : ( من زنى أو من شرب الخمر نزع الله منه الأيمان كما يخلع الإنسان القميص من رأسه ) وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم شيخ زان وملك كذاب وعالم متكبر )
وقال صلى الله عليه و سلم : " أربعة يبغضهم الله البياع الحلاف والفقير المختال والشيخ الزاني والإمام الجائر " وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : " يا رسول الله أي الذنب أعظم قال : أن تجعل لله ندا وهو خلقك قال : قلت : ثم أي ؟ قال : أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك قال : قلت : ثم أي ؟ قال : أن تزاني حليلة جارك " فأنزل الله تصديقها : { والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون }
قال ابن القيم رحمه الله : ذكر عليه الصلاة و السلام من كل أعلاه فأعظم الشرك أن يجعل لله ندا وأعظم أنواع القتل أن يقتل ولده خشية أن يشاركه في طعامه وشرابه وأعظم أنواع الزنا أن تزني بحليلة جارك فإن مفسدة الزنا تتضاعف بتضاعف ما انتهكه من الحق . فالزنا بالمرأة التي لها زوج أعظم إثما وعقوبة من التي لا زوج لها إذ فيه انتهاك حرمة الزوج وإفساد فراشه وإلحاق نسب به لم يكن منه وغير ذلك . فإن كان جارا له انضاف إلى ذلك سوء الجوار وقد ثبت عنه عليه الصلاة و السلام أنه قال : " لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه " وأي بائقة أعظم من الزنا بامرأته فإن كان الجار أخاه أو قريبا من أقاربه انضم إلى ذلك قيطعة الرحم فيتضاعف الإثم فإن كان الجار غائبا في طاعة اللع كالصلاة وطلب العلم والجهاد تضاعف الإثم فإن كانت المرأة رحما منه انضاف إلى ذلك قيطعة رحمها فإن كان الزاني محصنا كان الإثم أعظم فإن كان شيخا كان أعظم إثما فإن اقترن بذلك أن يكون في شهر حرام أو بلد حرام أو وقت معظم عند الله كأوقات الصلاة وأوقات الإجابة تضاعف الإثم والعياذ بالله روي عن المقداد بن الأسود رضي الله عنه قال : " قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لأصحابه ما ترون في الزنا ؟ قالوا : حرام حرمه الله ورسوله فهو حرام إلى يوم القيامة قال : فقال رسول الله لأن يزني الرجل بعشر نسوة أيسر عليه من أن يزني بامرأة جاره "
------------------------
الكبيرة الحادية عشرة شرب الخمر
- وشرب الخمر كبيرة من الكبائر التي لها أسوأ الأثر في حياة الإنسان الصحية والخلقية وكان بعض كبار الصحابة رضوان الله عليهم يرى أنها أكبر الكبائر فقد روي " أن أبا بكر وعمر سألا عبد الله بن عمرو عن أعظم الكبائر فقال : " شرب الخمر " رواه الكبراني بإنسان صحيح وقال الله صلى اللله عليه وسلم . " اجتنبوا الخمر فإنها مفتاح كل شر " . ( 1 )
-------------------------------------
( 1 ) ( والخمر من أكبر الكبائر التي حرمها الشارع الحكيم لما يترتب عليها من المفاسد الفردية والاجتماعية والصحية والبدنية والأخلاقية والمالية حتى قال بعضهم : إنها أم الخبائث . روي عن سالم بن عبد الله عن أبيه أن أبا بكر وعمر وناسا جلسوا بعد وفاة النبي الله صلى الله عليه و سلم . فذكروا أعظم الكبائر فلم يكن عندهم فيها علم . فأرسلوني إلى عبد الله بن عمرو اسأله فأخبرني أن أعظم الكبائر شرب الخمر فأتيتهم فأخبرتهم فأكثروا ذلك ووثبوا إليه جميعا حتى أتوه في داره فأخبرهم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم . قال : ( إن ملكا من ملوك بني إسرائيل أخذ رجلا فخيره بين أن يشرب الخمر أو يقتل نفسا أو يزني أو يأكل لحم خنزير أو يقتلوه فاختار الخمر وإنه لما شرب الخمر لم يمتنع من شيء أراده منه وأن رسول الله صلى الله عليه و سلم . قال ( ما من أحد يشربها فتقبل له صلاة أربعين ليلة ولا يموت وفي مثانته منه شيء إلا حرمت بها عليه الجنة فإن مات في أربعين ليلة مات ميتة جاهلية ) رواه الطبراني بإستاد صحيح والحاكم . وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم . يقول : ( اجتنبوا أم الخبائث ) . وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ( لما حرمت الخمر مشى أصحاب رسول الله الله صلى اللله عليه وسلم . بعضهم إلى بعض وقالوا : حرمت الخمر وجعلت عدلا للشرك ) رواه الطبراني . وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم . قال : ( من شرب الخمر خرج نور الإيمان من جوفه ) رواه الطبراني
وروي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( من شرب الخمر فسكر لم تقبل له صلاة أربعين صباحا فإن مات دخل النار فإن تاب تاب الله عليه فإن عاد فشرب فسكر لم تقبل له صلاة أربعين صباحا فإن مات دخل النار فإن مات دخل النار فأن تاب تاب الله عليه فإن عاد فشرب فسكر لم تقبل له صلاة أربعين صباحا فإن مات دخل النار فإن تاب تاب الله عليه فإن عاد في الرابعة كان حقا على الله أن يسقيه من طينة الخبال يوم القيامة قالوا : يا رسول الله وما طينة الخبال ؟ قال : ( عصارة أهل النار ) رواه ابن حبان
وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( من لقي الله مدمن خمر لقيه كعابد وثن وعن أبي موسى رضي الله عنه أنه كان يقول : ( ما أبالي شربت الخمر أو عبدت هذه السارية من دون الله ) . وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( أربعة حق على الله أن لا يدخلهم الجنة ولا يذيقهم نعيمها : مدمن الخمر وآكل الربا وآكل مال اليتيم بغير حق والعاق لوالديه ) رواه الحاكم وقال : صحيح الإسناد )
الكبيرة الثانية عشرة النميمة
- وهي من الجرائم الضارة للمجتمع الإنساني لأن النمام دائما يسعى بين الناس ليقطع ما بينهم من صلات ومودة ويجعل بعضهم لبعض أعداء وكفى بذلك شرا أما كون النميمة من الكبائر فقد صرح به حديث البخاري رحمه الله تعالى وهو ( أن رسول الله مر بقبرين يعذبان فقال : إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير بلى أنه كبير أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة وأما الآخر فكان لا يستبرىء من البول ) فهذان كان يسهل عليهما النميمة وعدم الاستبراء من البول ويظنان أنهما من الأمور الهينة وهما عند الله من أسوأ المؤبقات لما يترتب على الأول من قطع صلات المودة بين الناس ولما يترتب على الثاني من فساد العبادة ( 1 )
-------------------------------
الكبيرة الثالثة عشرة : عدم التنزه من البول
الكبيرة الرابعة عشر : اليأس من رحمة الله تعالى ( 2 )
الكبيرة الخامسة عشرة : الأمن من مكر الله تعالى ( 3 )
الكبيرة السادسة عشرة : استحلال بيت الله الحرام ( 4 )
الكبيرة السابعة عشرة : منع ابن السبيل من فضل المال
الكبيرة الثامنة عشرة : عقوق الوالدين وقد عرفت من الحديث الذي ذكرناه في شهادة الزور أن عقوق الوالدين من أكبر الكبائر بعد الشرك بالله تعالى

-------------------------------------------
( 1 ) ( أعلم أن اسم النميمة إنما يلطف على من ينم قول الغير إلى المقول فيه كما تقول : فلان كان يتكلم فيك بكذا وكذا وليست النميمة مختصة به بل حدها كشف ما يكره كشفه سواء كره المنقول عنه أو المنقول إليه أو كره ثالث وسواء كان الكشف بالقول أو بالكتابة أو بالرمز وسواي كان المنقول من الأعمال أو من الأقوال وسواء كان ذلك عيبا ونقصا في المنقول عنه أو لم يكن بل حقيقة النميمة إفشاء السر وهتك الستر عما يكره كشفه فكل ما رآه الإنسان من أحوال الناس ما يكره ينبغي أن يسكت عنه إلا ما في حكايته فائدة لمسلم أو دفع لمعصية . والنمام فاسق مردود الشهادة كما قال تعالى : { يأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة } ونهانا المولى عز و جل عن تصديق النمام وسماع قوله فقال تعالى : { ولا تطع كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم مناع للخير معتد أثيم عتل بعد ذلك زنيم } فالنميمة من الكبائر التي تحمل ذنوبا جمة وتدخل صاحبها النار وتحرمه من نعيم الجنة لأنها عنوان الدناءة والجبن والضعف الدس والكيد والملق والنفاق وهي تحبط الحسنات وتضيع ثواب الأعمال الصالحات وتزيل المحبة وتبعد المودة وتذهب التآخي والتصافي والتعارف والاتحاد . عن حذيفة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( لا يدخل الجنة نمام ) رواه البخاري . وروي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : ( النميمة والشتيمة والحمية في النار ) وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : ( الهمازون واللمازون والمشاؤون بالنميمة الباغون للبراء العنت يحشرهم الله في وجوه الكلاب ) رواه أبو الشيخ ابن حبان
( 2 ) ( القنوط واليأس من رحمة الله تعالى من الذنوب الكبائر فإنه تبارك وتعالى قال : { إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون } والمراد بالروح أو الفرج عن ابن عباس رضي الله عنهما : إن المؤمن من الله على خير يرجه في البلاء وحمده في الرخاء واليأس من رحمة الله تعالى لا يحصل إلا إذا اعتقد الإنسان أن الإله غير قادر على الكمال أو غير عالم بجمع المعلومات أو ليس بكريم بل هو بخيل عاجز . وكل واحد من هذه الثلاثة يوجب الكفر فإن اليأس والقنوط لا يحصل إلا عند حصول أحد هذه الثلاثة وكل واحد منها كفر فاليأس لا يحصل إلا لمن كان كافرا لعدم علمه بالله تعالى وصفاته أما المؤمن بالله العارف به فلا يقنط في حال من الأحوال لآن رحمة الله وسعت كل شيء )
( 3 ) ( وكذلك من الذنوب الكبائر الأمن من مكر الله تعالى والمراد به عذابه من حيث لا يشعرون فقد بين الله عز و جل أنه لا يأمن نزول عذابه على هذا الوجه إلا من خسر الدنيا الآخرة لأنه أوقع نفسه في الدنيا في الضرر وفي الآخرة في أشد العذاب قال تعالى : { أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون } أي لا يأمن بأس الله ونقمه وقرته عليهم وأخذه إياهم في حال سهوهم وغفلتهم إلا الفاجرون المجرمون ولهذا قال الحسن البصري رحمه الله : المؤمن يعمل بالطاعات وهو مشفق وجل خائف والفاجر يعمل بالمعاصي وهو آمن مصداقا لقول الله عز و جل : { والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة إنهم إلى ربهم راجعون } )
( 4 ) ( ومن الذنوب الكبائر استحلال بيت الله الحرام فإن الله تعالى جعله آمنا وحرم القتال فيه . فقال تعالى : { ومن دخله كان آمنا } فإذا دخله الخائف يأمن كل سوء وقال تعالى : { أو لم يروا أنا جعلنا حرما آمنا } وقال تعالى : { فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف } وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم فتح مكة : ( إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض فهو حرام بحرمة الله إلى القيامة وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي ولم يحل لي إلا في ساعة من نهار فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة ولا يقصد شوكهن ولا ينفر صيده ولا يلتقط لقطته إلا من عرفها ولا تختلى خلاها )
الكبيرة السابعة عشر
منع ابن السبيل من فضل المال

إن الكرم والسخاء من صفات المؤمنين المخلصين لأن الكريم من أسماء الله تعالى الحسنى والنبي صلى الله عليه و سلم كان من أجود الناس وقد أمرنا الله في كتابه بالسخاء والجود فقال تعالى : { وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء } وقال الله تعالى في صفات أهل الجنة : { ويطعمون الطعام على حبة مسكينا ويتيما وأسيرا } وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم في الحديث القدسي عن رب العزة أنه قال : ( يا بن آدم أنفق أنفق عليك ) وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( قال جبريل : قال الله عز و جل إن هذا دين ارتضيته لنفس ولا يصلحه إلا السخاء وحسن الخلف فأكرموه بهما ما استطعتم ) وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( ما جبل الله عز و جل وليا له إلا على السخاء وحسن الخلق ) . وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( إن الله جواد يحب الجواد ويحب معالي الأخلاق ويكره سفاسفها ) وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( طعام الجواد دواء وطعام البخيل داء ) . ولقد نهى النبي صلى الله عليه و سلم عن البخل وذم الشح فقد روى مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( اتقوا الظلم فإن الظلمات لمات يوم القيامة واتقوا الشح فأن الشح أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم ) وقال صلى الله عليه و سلم : ( ثلاث مهلكات شح مطاع وهوى متبع وإعجاب المرء بنفسه ) قال صلى الله عليه و سلم : ( خصلتان لا يجتمعان في مؤمن البخل وسوء الخلق )
وقال صلى الله عليه و سلم : ( لا يدخل الجنة بخيل ولا جبار ولا منان ولا سيء الملكة ) وقال صلى الله عليه و سلم : ( اللهم إني أعوذ بك من البخل ) . وابن السبيل هو المسافر المجتاز الذي قد فرغت نفقته فيعطى ما يوصله إلى وطنه وكذا الذي يريد سفرا في طاعة فيعطى ما يكفيه في ذهابه وإيابه ويدخل في ذلك الضيف كما قال على بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : ابن السبيل هو الضيف الذي بالمسلمين فمن منع ابن السبيل من فضل ماله وهو قادر على ذلك فقد أرتكب كبيرة من كبائر الذنوب وروي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه و سلم : أي الإسلام خير ؟ قال : تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف
الكبيرة الثامنة عشرة
عقوق الوالدين

قال العلماء في عقوق الوالدين أن يقسما عليه في حق فلا يبر قسمهما وأن يسألاه في حاجة فلا يعطيهما وأن يأمناه فيخونهما وأن يجوعا فيشبع ولا يطعمهما وأن يسقياه فيضربهما وهو من أكبر الذنوب التي حرمها الله تعالى لأن الله تعالى أمر عباده بعبادته أولا ثم أمرهم بعد عبادته بالإحسان إلى الوالدين وبرهما وطاعتهما
فقال تعالى : { واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا } وقال تعالى : { وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا } فكما أن الشرك بالله تعالى وترك عبادته من أكبر الكبائر كذلك ما قرن به وهو الإحسان إلى الوالدين فرض . وعقوقهما من أكبر الكبائر التي نهى الله تعالى عنها بل إن الرسول صلوات الله وسلامه عليه ذكر أن من أكبر الكبائر الشرك بالله ثم أردفه بعقوق الوالدين وقدمه على جميع الكبائر . فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " الكبائر الإشراك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس واليمين الغموس " رواه الإمام البخاري في صحيحه
وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " من الكبائر شتم الرجل والديه قالوا : يا رسول الله وهل يشتم الرجل والديه ؟ قال : نعم يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه " رواه البخاري ومسلم وروي عن رسول الله صلوات الله وسلامه عليه أنه قال : " إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات ومنعا وهات ووأد البنات وكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال " رواه البخاري ومسلم
وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " رضا الله في رضا الوالد وسخط الله في سخط الوالد " وقال صلوات الله وسلامه عليه : " الجنة تحت أقدام الأمهات " بل إن الله تعالى حرم دخول الجنة على عاق والديه أو أحدهما ثم مات قبل التوبة . أو مات والده وهما عليه غير راضيين فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " لا يدخل الجنة عاق ولا منان ولا مدمن خمر ولا مؤمن بسحر " بل إن النبي صلى الله عليه و سلم دعا على العاق لوالديه بالبعد عن رحمة الله
فقد روي عن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " احضروا المنبر فحضرنا فلما ارتقى درجة قال : آمين فلما ارتقى الدرجة الثانية قال : آمين فلما ارتقى الدرجة الثالثة قال : آمين فلما نزل قلنا : يا رسول الله لقد سمعنا منك اليوم شيئا ما كنا نسمعه ؟ قال : إن جبريل عليه السلام عرض لي فقال : بعد من أدرك رمضان فلم يغفر له قلت : آمين فلما رقيت الثانية قال : بعد من ذكرت عنده فلم يصل عليك فقلت : آمين فلما رقيت الثالثة قال : بعد من أدرك أبويه الكبر عنده أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة قلت : آمين " رواه الحاكم وقال : صحيح الإسناد
روي عن أنس رضي الله عنه قال : " ذكر عند رسول الله صلى الله عليه و سلم الكبائر فقال : الشرك بالله وعقوق الوالدين "
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #336  
قديم 01-03-2023, 05:42 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 130,345
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الخامس
[كتاب القصاص]
صـــــ 222 الى صـــــــــ226

الحلقة (290)



الكبيرة التاسعة عشرة الغلول في الحرب
- لقد عد العلماء من الكبائر إخفاء بعض غنائم ويقال له غلول . فمن كان في ميدان القتال وغنم من الأعداء شيئا أخفاه عمن معه فقد ارتكب كبيرة من الكبائر ( 1 )
وقد عد بعضهم السرقة من الكبائر والواقع أن السرقة من شر الجرائم ولكن الشارع لم ينص على أنها كبيرة وإن ذكر أنها أسوأ من هذه الكبائر في الدنيا والآخرة . فقد نفى الإيمان عن السارق فقال : ( لا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ) وفي بعض الروايات ( فإن سرق فقد خلع ربقة الإيمان من عنقه ) . وقد جعل الشارع لها عقوبة شديدة تتناسب مع فظاعتها كما بيناه فيما سلف على أن الغرض إنما هو عد الكبائر التي نص في الأحاديث على أنها كبائر فليس الغرض حصر الجرائم الدينية في هذه الأشياء ( 2 )
( 1 ) ( الغلول هو إخفاء بعض غنائم الحرب وهو من الذنوب الكبائر روي أن المسلمين فقدوا قطيفة حمراء يوم بدر فقال بعض الناس : لعل رسول الله أخذها . فأنزل الله تبارك وتعالى : { ما كان لنبي أن يغل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة } قال ابن عباس : وما يبغي لنبي أن يخون ويخص نفسه بشيء ثم قال تعالى : { ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون } وهو تهديد شديد ووعيد أكيد وقد وردت السنة بالنهي عن هذه الكبيرة قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( لأعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل شاة لها ثغاء ينادي : يا محمد يا محمد فأقول : لا أملك لك من الله شيئا قد بلغتك ولأعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل جملا له رغاء يقول : يا محمد يا محمد فأقول : لا أملك لك من الله شيئا قد بلغتك ولأعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل فرسا له حمحمة يناديك يا محمد يا محمد فأقول : لا أملك لك من الله شيئا قد بلغتك ولأعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل قسما من أدم ينادي : يا محمد يا محمد فأقول : لا أملك لك من الله شيئا قد بلغتك ) . عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يأخذ الوبرة من ظهر البعير من المغنم ثم يقول : ( ما لي فيه إلا مثل ما لأحدكم إياكم والغلول فإن الغلول خزي على صاحبه يوم القيامة أدوا الخيط والمخيط وما فوق ذلك وجاهدوا في سبيل الله القريب والبعيد في الحضر والسفر فإن الجهاد باب من أبواب الجنة إنه لينجي الله به من الهم والغم وأقيموا حدود الله في القريب والبعيد ولا تأخذكم في الله لومة لائم ) . وروي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : ( ردوا الخياط والمخيط فإن الغلول عار ونار ونار على أهله يوم القيامة وروي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : ( إن الحجر يرمى في جهنم فيهوي سبعين خريفا ما يبلغ يوم القيامة )
الحنفية والمالكية والشافعية قالوا : عقوبة الغال الذي وجد مال من الغنائم في متاعه يعزره الإمام . الحنابلة قالوا : عقوبة الغال أن يخرج رحله فيحرق بما فيه ويجلد دون حد المملوك ويحرم نصيبه من الغنائم لما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه . أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( من وجدتم في متاعه غلولا فأحرقوه قال : وأحسبه قال : واضربوه ) . وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : لما كان يوم خيبر اقبل نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالوا : فلان شهيد وفلان شهيد حتى أتوا على رجل فقالوا : فلان شهيد فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " كلا إني رأيته في النار في بردة غلها أو عباءة " )
الكبيرة العشرون ترك الصلاة متعمدا
إن الشارع الحكيم قد أمر المؤمنين بإقامة الصلاة وأدائها والمحافظة عليها والاهتمام بها فقال تعالى : { إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا } وقال تعالى : { الذين يقيمون الصلاة } والسنة كذلك . روي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( أربع فرضهن الله في الإسلام فمن أتى بثلاث لم يغنين عنه شيئا حتى يأتي بهن جميعا الصلاة والزكاة وصيام رمضان وحج البيت ) رواه أحمد . وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( من ترك الصلاة متعمدا احب الله عمله وبرئت منه ذمة الله حتى يراجع الله عز و جل توبة ) رواه الأصفهاني . وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ( من ترك الصلاة فقد كفر ) وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : ( من ترك الصلاة فلا دين له ) وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : ( من لم يصل فهو كافر ) . وقد صح عن النبي صلى الله عليه و سلم : أن تارك الصلاة كافر وكذلك كان رأي أهل العلم من لدن النبي صلى الله عليه و سلم : أن تارك الصلاة عمدا من غير عذر حتى يذهب وقتها كافر لأنه تهجم على ترك أمره تعالى وقد وري عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : ( بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة )
المالكية والشافعية قالوا : انه لا يكفر بل يفسق ويستتاب فإن تاب وإلا قتلناه حدا كالزاني المحصن ولكن يقتل بالسيف
الحنفية والمزني صاحب الشافعي قالوا : إنه لا يكفر ولا يقتل بل يعزر ويحبس حتى يصلي . وذلك لقول النبي صلى الله عليه و سلم : ( لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث ) وليس فيه ترك الصلاة فهو مؤمن عاص
الحنابلة وعبد الله بن المبارك وإسحاق بن راهويه وبعض أصحاب الشافعي ومروي عن الإمام على كرم الله وجهه . قالوا : إن تارك الصلاة عمدا من غير عذر يكفر واحتجوا على قتله بقوله تعالى : { فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم } وقوله صلى الله عليه و سلم : ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولا لا إله إلا الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم ) . وتأولوا قوله صلى الله عليه و سلم : ( بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة ) على معنى أنه يستحق بترك الصلاة عقوبة الكافر وهي القتل أو أنه محمول على المستحل أو أنه يؤول إلى الكفر وأن فعله الكفار والله أعلم . وبعد الموت حكمه حكم المسلم تارك الصلاة : انه لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين وطمس قره إهانة له . وتطلق زوجته . والعياذ بالله تعالى )
( 2 ) ( اختلف العلماء من الصحابة والتابعين في الكبائر من أربع إلى سبع إلى تسع إلى إحدى عشرة فما فوق ذلك فكان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول : هن أربع وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقول : الكبائر سبع وقال عبد الله بن عباس إذا بلغه قول ابن عمر : إن الكبائر سبع يقول : هي إلى سبعين اقرب منها إلى سبع وقال مرة : كل ما نهى الله تعالى عنه فهو من الكبائر وقال هو وغيره من الصحابة : كل ما توعد الله تعالى عليه بالنار فهو من الكبائر . وقال بعض السلف : كل ما أوجب الحد في الدنيا فهو كبير' والصغائر عندهم من اللمم وهو ما لأحد فيه وما لم يتهدد بالنار عليه فقد روي هذا عن أبي هريرة وغيره . وكان عبد الرزاق رضي الله عنه يقول : الكبائر إحدى عشرة وهذا أكثر ما قيل في جملة عددها مجملا وقيل : إنها مبهمة لا يعرف حقيقة عددها كإبهام ليلة القدر وساعة يوم الجمعة والصلاة الوسطى ليكون الناس على خوف ورجاء فلا يقطعون بشيء ولا يسكنون إلى شيء . وقد قال ابن مسعود رضي الله عنه فيها قولا حسنا من طريق الاستنباط . وقد سئل عن الكبائر فقال : اقرأ من أول سورة النساء إلى رأس ثلاثين آية منها عند قوله تعالى : { إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم } فكل ما نهى عنه من أول السورة إلى ها هنا فهو من الكبائر . فأشبه هذا استدلالا قول ابن عباس في استنباط ليلة القدر إنها ليلة سبع وعشرين أنه عد كلم سورة القدر حتى انتهى إلى قول ( هي ) فكان سبعا وعشرين كلمة والله أعلم بحقيقة هذين القولين . قال أبو طالب المكي : والذي عندي في جملة ذلك مجتمعا من المفرق سبع عشرة تفصيلها : أربعة من أعمال القلوب وهن الشرك بالله تعالى والإصرار على معصية الله تعالى والقنوط من رحمة الله تعالى والأمن من مكر الله تعالى وأربعة في اللسان وهن شهادة الزور وقذف المحصن واليمين الغموس والسحر - وثلاثة في البطن وهي شرب الخمر والسكر من الأشربة وأكل مال اليتيم ظلما وأكل الربا وهو يعلم واثنتان في الفرج وأن يعمل عمل قوم لوط في الأدبار واثنتان في اليدين . وهما القتل والسرقة وواحدة في الرجلين وهي الفرار من الزحف الواحد من اثنين وواحدة في جميع البدن وهي عقوق الوالدين فهذه الكبائر الموبقات التي من أجتنبها كفرت عنه السيئات وثبتت له النوافل من الفرائض الخمس التي هي أبنية الإسلام قال تعالى : { أن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم } )
مبحث السحر
- وأما السحر الوارد في الحديث فإن المراد به الأقوال والأفعال التي تنافي أصول الدين وتتعارض مع الأخلاق الشرقية ولهذا عرفه الفقهاء : بأنه كلام مؤلف يعظم به غير الله تعالى وتنسب إليه مقادير الكائنات ولا ريب في أنه بهذا المعنى كبيرة من أفظع الكبائر بل قد يكون ردة ظاهرة بصرف النظر عما يترتب عليه من الآثار . لأن الذي يعظم غير الله بما هو مختص بالله وحده كافر
وقد نقل عن بعض فاسدي الخلاق الذين يحترفون السحر أنه يسب الإله ويسجد لما يسميه قرينة ومنهم من يضع المصحف الشريف تحت قدمه ومنهم من يهين الملائكة بالسب ومنهم من يصف الإله بما لا يليق به وكل ذلك ردة صريحة وكفر شنيع بلا نزاع . وهو من أكبر الجرائم سواء ترتب عليه الأثر المطلوب أولا
وقد فسر بعض الفقهاء السحر بأنه أمر خارق للعادة ينشأ عن سبب معتاد ثم إن هذا السبب إن كان هو العبارات الفاحشة التي أشرنا إليها كان ردة وإن كان بالعبارات الخالية من ذلك كالأسماء الإلهية أو استعمال معاني الأحرف التي لا تنافي الدين فإنه ينظر فيما يترتب عليه من الآثار . فإن ترتب عليه ضرر لمظلوم غافل أو إساءة إلى بريء في نفس أو مال فإنه يكون محرما ( 1 )
وحاصله أنه إذا كان أقوالا وأفعالا تنافي الدين وتوجب تكفير صاحبها كان كفرا بصرف النظر عما يترتب عليه من الآثار وإن كانت هذه الأقوال أو الأفعال محرمة كان حراما أما إن كانت جائزة فإنه ينظر لما يترتب عليها من الآثار . فإن كانت محرمة كان حراما وإلا فلا
هذا هو حكم كثير من العلماء في حقيقة السحر . فقال بعضهم : أنه تخيل لا حقيقة له والى هذا الرأي ذهب كثير من العلماء ومنهم الاستراباذي من الشافعية وأبو بكر الرازي من الحنفية وأبن حزم وكثير من العلماء غير هؤلاء
فهذه الفئة تجزم بأن السحر هو من باب الخيال كاللعاب السيمائية التي يقوم بها مهارة الهواة ومن على شاكلتهم ولكن جمهور العلماء يقولون : إن للسحر حقيقة وقد تترتب عليه آثار حقيقية وهؤلاء فريقان : فريق قال : إن الآثار المترتبة عليه محدودة فقد ينقلب بالسحر الحيوان إنسانا وبالعكس ولكن قائل هذا لم يعول عليه . والرأي المعتمد هو الأول . وقد ذكر بعض المحققين : أن السحر صناعة من الصناعات التي يستخدمها الإنسان في إظهار الأمور على غير ما هي عليه في الواقع وقد يكون لبعض أنواع السحر تأثيرها ما على بعض النفوس أو الأبدان
هذا هو رأي المحققين من العلماء . على أن الباحث في هذه المسألة يجب عليه أن ينظر إلى الواقع ويجعل للنظر الصحيح قيمته في حكمه فهل هناك أدلة واقعية تثبت أن السحر قد ترتبت عليه آثار صحيحة وهل هناك أدلة من الكتاب أو السنة الصحيحة تدل على ذلك ( 2 )
والواقع أن الذين قد شهروا بإتقان السحر هم قدماء المصريين وهؤلاء قد تحدث عنهم القرآن الكريم فقد اخبرنا بأن فرعون قد جمع من قومه كل سحار عليم وجاء بهم مجتمعين فماذا كان من أمرهم ؟ إنهم لم يأتوا إلا بخيال لا حقيقة له كما قال تعالى : { يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى } فهذا صريح في أن سحرة فرعون وهم أمهر السحرة لم يأتوا إلا بخيال لا حقيقة له ولو كان للسحر اثر حقيقي لجاؤوا به في هذا الوقت العصيب وليس من المعقول أبدا أن يأتي فرعون بكل سحار عنيد في مقام الانتصار لعز شيء عندهم ثم يكون قصار أمرهم أن يأتوا بخيال لا حقيقة له وهم عالمون بغيره والواقع أن هذه الآية تدل دلالة واضحة على أن قصاري أمر السحر هو ذلك الخيال الذي جاء به سحرة فرعون
فهذه هي حجة الذين يرون أن السحر خيال لا حقيقة له
أما الفريق الثاني فإنه يحتج بقصة هاروت وماروت الواردة في القرآن الكريم قال تعال : { وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحرن وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت }
ولكن الواقع أن هذه الآية الكريمة لا تصلح حجة لأنها لم تتعرض لحقيقة السحر فقد يكون نوعا من أنواع الفتنة أو الحيلة التي يسعى بها بعض النمامين للتفريق بين الزوجين ولهذا حدثت الآية عن الآثار المترتبة على أعمال هؤلاء فقد قال تعالى : { فيتعلمون منهما ما يقرفون به بين المرء وزوجه } فكل ما كان يترتب على فعلهم من الآثار هو الفرقة بين المرء وزوجه وهذه مسألة قد تقع بغير السحر الخارق للعادة ولنا من الواقع ما يؤيد هذا فإن كثيرا من النمامين قد أحدثوا فتنة تفق بين الزوجين فليس في الآية الكريمة حدة على أن السحر له أثر حقيقي ولم يبق للقائلين بأن السحر له أثر حقيقي إلا ألاستدلال بحديث البخاري الذي رواه عن السيدة عائشة من أن النبي صلى الله عليه و سلم قد سحر وأنه كان يخيل إليه أن يفعل الشيء ولم يفعل ( 3 ) وهذا حديث صحيح لم يتعرض أحد للقدح في أحد من رواته وليس من الحسن أن يقال : إن مثل هذه الأحاديث . تجزئ في المسائل الفرعية لا في المسائل الاعتقادية . فإن العقائد لا تبنى إلا على الأدلة اليقينية والأحاديث مهما كانت صحيحة فهي أحاديث آحاد لا تفيد إلا الطن لأن الأحاديث الصحيحة يجب أن يكون لها قيمتها في الإثبات فهي معضدة للبراهين العقلية
وإنما يجب أن نفهم الحديث على وجه يطابق أصول الدين ويوافق ما يقضي به الفعل السليم وإلا فلا يصح لنا أن نحتج به على عقيدة من العقائد
فهذا الحديث الذي رواه البخاري فيه شيء يجب أن ننزه عنه رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو قول عائشة رضي الله عنها : " أنه كان يخيل إليه يفعل الشيء ولم يفعل " لأنه إذا أخذ على ظاهره كان قدحا في رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو المصون المنزه في تفكيره وإدراكه عن كل شائبة من شوائب النقص ولهذا يجب أن نفهم هذه الجملة على وجه معقول واضح :
إن هذه الجملة نطقت بها السيدة عائشة تريد بها أنه كان يخيل إليه أن يأتيها فلم يستطع وبالتالي أنه كان يجد في نفسه رقبة في جماعها فإذا هم بها عجز عن الفعل ونظرا لكون هذا متعلقا بها عبرت عنه بهذه العبارة حياء ويدل على ذلك ما رواه عبد الرزاق عن أبن المسيب وعروة بن الزبير رضي الله عنهما من أن النبي صلى الله عليه و سلم سحر في هذا المعنى فقط وأن السحر لم يحدث في قواه الباطنة أي أثر بل حبسه عن اتيان زوجه عائشة وهذا هو النوع مالمعروف بين الناس لعصمة النبي صلى الله عليه و سلم عن التأثر في أي ناحية من نواحي الإدراك بأي ناحية من نواحي الإدراك بأي أثر ولو مؤقتا
ولقد قال في فتح الباري : إن بعض العلماء قال : أن تأثير السحر منحصر في التفريق بين المرء وزوجه أو نحو ذلك فإذا فهمنا هذا الحديث على هذا الوجه لم يكن فيه ذلك الضرر الذي حول به بعضهم وأنكر من أجله الحديث فلا مانع حينئذ من أن يكون للسحر بعض التأثير الحقيقي في بعض الأحيان على أن هذا الحديث لا يدل دلالة قاطعة طبعا لأنه لا يفيد إلا الظن ولهذا قال المنكرون للسحر : إن مثل هذا الحديث الصحيح يصح الاحتجاج به في الأحكام الفقهية الفرعية أما في إثبات عقيدة فلا . لأن اعتقاد أن السحر له تأثير حقيقي لا يمكن إثباته إلا بالدليل العقلي الذي يؤيده الواقع ولم يوجد في الخارج إلا حوادث أحادية ينقلها أناس غير تقاة ولو كان له حقيقة لقصها علينا كتاب الله تعالى في مسألة سحر فرعون
----------------------------------------
( 1 ) ( المالكية قالوا : إن مباشرة السحر كفر وارتداد عن الإسلام سواء كانت المباشرة من جهة تعلمه أو تعليمنه أو المل به لأن لسحر كلام يعظم به غير الله تعالى وتنسب إليه المقادير . ثم إن تجاهر به فيقتل أن لم يتب وإن اسره فحكم الزنجيق يقتل بدون ستتابة . وشرط بعضهم عدم الاستتابة مطلقا أسره أو أظهره وحكم الزنديق على حال أن جاء تائبا قبل الإطلاع عليه قبل وإلا فلا
الشافعية والحنابلة - قالوا : إن السحر له حقيقة مؤثرة وقد يموت المسحور بسبب السحر أو يتغير طبعه وعادته وأن لم يباشره وإن الساحر يقوى على قهر الخصوم من غير ممارسة الحروب والقتال
وقيل : إن الساحر قد يصير بحيث تخبره الأرواح بالحوادث التي ستقع قبل وقوعها ليمكنه الاحتراز عنها
وقد اختلف العلماء في تعريفه فقال صاحب إرشاد المقاصد : هو علم يستفاد منه حصول ملكة نفسانية يقتدر بها على أفعال غريبة بأسباب خفية وعرفه أبن العربي بقوله : هو كلام مؤلف يعظم فيه غير الله عز و جل وتنسب إليه الكائنات والمقاردير وعرفه بعضهمك هو علم يغير الطبع ويقلب الشيء عن حقيقته . ولا نزاع في تحريم العمل به وتعلمهن وهو على قسمين حقيقي وغير حقيقي ويسمى السيماء وسحرة فرعون برعوا في النوعي قال تعالى : { واسترهبوهم وجاؤوا بسحر عظيم } )
( 2 ) ( قالوا : للسحر حقيقة وتأثير في إيلام الأجسام خلا من منع ذلك . وقال : إنما هو تخيل
قالوا : وتعليم السحر حرام بلا خلاف عندهم واعتقاد إباحته كفر

الحنفية والمالكية والحنابلة قالوا : يكفر السارح بتعلمه السحر وفعله سواء اعتقد تحريمه أولا ويجب على الحاكم قتله وقد روي عن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهم
كما روي عن جندب بن عبد الله وحبيبب بن كعب وقيس بن سعد وعمر بن عبد العزيز رضا الله عليهم فإنهم قتلوا الساحر بدون الاستتابة وفيه حديث مرفوع رواه الشيخ أو بكر الرازي في أحكام القرآن حدثنا أبن قانع حدثنا بشر بن موسى حدثنا أبن الأصفهاني حدثنا أبو معاوية عن إسماعيل بن مسلم عن الحسن عن جندب أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : " حد الساحر ضربه بالسيف " يعني القتل . وقصة جندب في قتله الساحر بالكوفة عن الوليد بن عتبة مشهورة
الشافعية قالوا : لا يقتل الساحر ولا يكفر إلا اعتقد إباحته
أما الكاهن فقيل : هو الساحر وقيل : هو العراف وهو الذي يحدث ويتخرص وقيل : هو الذي له من لجن من يأتيه بالأخبار
الحنفية قالوا : إن الكاهن إن اعقد أن الشياطين يفعلون له ما يشاء كفر وإن اعتقد أنه تخيل لم يكفر
الشافعية - قالوا : إن الكاهن إن اعتقد ما يوجب الكفر مثل التقرب إلى الكواكب وأنها تفعل ما يلتمسه منها كفر
الحنابلة قالوا : إن الكاهن حكمه حكم الساحر فيقتل لقوله سيدنا عمر رضي الله عنه : ( اقتلوا كل ساحر وكاهن ) وفي رواية إن تاب لم يقتل ويجب أن لا يعدل عن قول الشافعية في كفر الساحر والعراف وعدمه وأما قتله فيجب ولا يستتاب إذا عرفت مزاولته لعمل السحر لسعيه بالفساد في الأرض لا بمجرد عمله إذا لم يكن في اعتقاده ما يوجب كفره قالوا : ولا تقبل توبة الساحر والزنديق وهو من لا دين له

وقد ورد الشع بذم السحر قال تعالى : { ولا يفلح الساحر حيث أتى } أي حيث كان وأين أقبل . وقال تعلاى : { ولا يفلح الساحرون } أي لا يظفرون بمطلوب ولا ينجون من مكروه
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى : عمل السحر حرام وهو من الكبائر بالإجماع وقد عده الرسول صلوات الله وسلامه عليه من الموبقات السبع ومن السحر ما يكون كفرا ومنه ما لا يكون كفرا بل معصية كبيرة فإن كان فيه قول أو فعل يقتضي الكفر فهو كفر وإلا فلا
المالكية رحمهم الله قالوا : الساحر كافر يقتل بالسحر ولا يستتاب بل يتحتم قتله كالزنديق : قال عياض : وقول مالك قال أحمد وجماعة من الصحابة والتابعين وذلك فيمن عمل به للباطل والشر
أما من تعلمه لفك المسحور ومنع الأذى عنه أو تعلمه للعلم فقط ولم يعمل به فهو جائز
وقد سئل الإمام أحمد عمن يطلق السحر عن المسحور فقال : لا بأس به وهذا هو المعتمد فحكم السحر تابع للقصد فمن فصد به الخير جاز له وإلا حرم عليه إلا أن أدى إلى الشرك وإلا كان كافرا
ولا يقتل الساحر إلا أن يقتل أحدا بسحره ويثبت عليه بإقراره وأما إذا كان ذميا وأوصل بسحره ضررا لميلم يكون قد نقض العهد ويحل قتله وإنما لم يقتل النبي صلى الله عليه و سلم لبيد بن الأعصم على سحره وقد كان ذميا لأنه صلى الله عليه و سلم كان لا ينتقم لنفسه ولأنه خشي إذا قتل لبيد بن الأعصم أن تقوم فتنة بين المسلمين في المدينة . لأنه كان من بين زريق وهم بطن من الأنصار مشهور من الخزرج وكان الناس حديثي بالإسلام
وقد تبين من هذا أن السحر حق وواقع وقد وقع لكثير من الناس ولا يزال يقع ولو أنه قد قل في هذا الزمان وقد وقع لسيدنا موسى عليه السلام كما ذكر الله تعالى ذلك في كتابه العزيز فقال تعالى : { فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى فأوجس في نفسه خيفة موسى قلنا لاتخف إنك أنت الأعلى } غير أن هذا السحر الذي وقع له لم يكن له أي تأثير في العقل ولا في الوحي ولا فيما يبلغه للناس من الأحكام بل هو كسائر الأعراض البشرية الجائزة في حق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فلا ينافي العصمة )
( يتبع . . . )
( 3 ) ( روى الإمام البخاري في صحيحه فقال : حدثني محمد بن المثنى حدثنا يحيى بن هشام قال : حدثني أبي عن عائشة رضي الله عنها : ( أن النبي صلى الله عليه و سلم سحر حتى كان يخيل إليه أنه صنع شيئا ولم يصنعه ) وفي رواية أخرى قال البخاري رحمه الله قال : حدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا عيسى بن يونس عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : ( سحر رسول الله صلى الله عليه و سلم رجل من بني زريق يقال له : لبيد بن الأعصم حتى كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يحيل إليه أنه كان يفعل الشيء وما فعله حتى إذا كان ذات يوم أو ذات ليلة وهو عندي : لكنه دعا ودعا ثم قال : يا عائشة أشعرت أن الله أفتاني فما استفتيته فيه : أتاني رجلان فقعد أحهما عند رأسي والآخر عند رجلي فقال أحدهما لساحبه : ما وجع الرجل ؟ فقال : مطبوب قال : من طبه ؟ قال : لبيد بن الأعصم قال : في أي شيء . قال : في مشط ومشاطة وجف طلغ نخلة ذكر قال : وأين هو ؟ هال : في بئر ذروان فأتاها رسول الله صلى الله عليه و سلم في ناس من أصحابه فجاء فقال : يا عائشة كأن ماءها نقاعة الحناء وكأن رؤوس نخلها رؤوس الشياطين قلت : يا رسول الله أفلا أستخرجته ؟ قال : قد عافاني الله فكرهت أن أثير على عيينة يقول : أول من حدثنا بن أبن جريج يقول : حدثني آل عروة عن عروة فسألت هشاما عنه فحدثنا عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قال : " كان رسول الله صلى الله عليه و سلم سحر حتى كان يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن قال سفيان : وهذا أشد ما يكون من السحر "
من هذه الروايات وغيرها تعلم أن السحر حق ثابت وقد وقع وحصل لأنه ثابت بنص القرآن الكريم قال تعالى : { ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر } وقال تعالى : { ما جئتم به السحر إن الله سيبطله } وقال تعالى : { ولا يقلح الساحرون } وقال تعالى : { إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى } وقال تبارك وتعالى : { إنه لكبير الذي علمكم السحر } وقال تعالى : { غنا آمنا بربنا ليغفر لنا خكايانا وما أكرهتنا عليه من السحر }
وقد ذكر العلماء الن السحر أنواع كثيرة :
- 1 - ما يقع بخداع وتمويه فيحدث تخيلات لا حقيقة لها وهو ما يفعله المشعوذون بحذق ومهارة وخفة وسرعة مع طول المران والتدريب فيصرفون الأنظار عما يتعاطونه بشعوذتهم وهو ( السيمياء ) قال تعالى : { فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاؤوا بسحر عظيم } وقال تعالى : { فإذا حبالهم وعصيهم يخيل غليه من سحرهم أنها تسعى } وهذا النوع شائع وذائع للآن خصوصا في بلاد الهند
- 2 - ما يقع بالرقى والنفث في العقد وتصوير صورة المسحور والتأثير فيه بأمور يسمعونها من تلاوة وقراءة وكتابةن ورسوم يتوصلون به إلى الأذى والشر قال تعالى : { ومن شر النفاثات في العقد } والنفاثات السواحر وهذه الرقى والعزائم التي يتلونها قد تكون مشتملة على أسما الله الحسنى أو أسماء ملائكته الكرام . وقد تكون العزيمة مشتملة على ايمان وأقسام عظيمة يلجئ الرواح إلى الطاعة لتنفيذ ما يطلبونه منها وهذه الرقى التي يقرؤها السحرة قد تكون معلومة وقد تكون غير معلومة المعنى بل هي ألفاظ مجهولة وكأنها رطانة أو كلمات سريانية كأنها اسماء للجان أو لأرواح خفية غير معلومة
- 3 - ما يقع عن الطلسمات والخواتم التي تكتب بطريقة خاصة مغايرة للكلمات العربية . أو أحرف عربية مقطعة لا صلة بينها موضوعة بطريقة خاصة وحقيقتها نفس اسماء خاصة لها تعلق بالأفلاكن وكذل الوقات التي ترجع إلى مناسبات الأعداد وجعلها على شكل مخصوص
- 4 - ما يقع بواسطة الكواكب والنجوم فإن الله تعالى خص كل واحد من الكواكب وهذه النجوم بقوة وبخاصية لأجلها يظهر منه أثر مخصوص قال تعالى : { فنظر نظرة في النجوم فقال : إني سقيم } قال أبن زيد : كان له نجم مخصوص وكلما طلع على صفة مخصوصة مرض إبراهيم عليه السلام فلما رآه ذلك الوقت طالعا على تلك الصفة المخصوصة . قال : إني سقيم أي هذا السقم واقع لا محالة وكان القوم نجامين فأفهمهم أنه قد استدل بأمارة من تلك النجوم على أنه سقيم لابد مشرف على السقم { فتولوا عنه مدبرين } خوفا من العدوى . وقد يضاف السحر إلى الآثار السماوي من الاتصالات الملكية وغيرها من أحوال الأفلاك
- 5 - ما يقع باستخدام الشياطين بضرب من التقرب إليهم والإتصال بهم وساخدامهم وتسخيرهم في قضاء المصالح أو إقاع الضرر والأذى بالخلق أو الإتيان بأخبارهم الماضية عن طريق اتصاله بالقرين . وهذا أشد انواع السحر وأخطره : قال تعالى : { ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر } وكلما كان الساحر أكفر وأخبث وأشد معاداة لله ولرسوله صلى الله عليه و سلم ولعباده المؤمنين كان سحره أقوى
انفذ وهذا الصنف من الناس هم أتباع الجن وعباده قال الله تعالى { بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم به مؤمنون } وقال تعالى : { ولبئس المولى ولبئس العشير } فالشياطين لا تسخر له ولا تقضي حوائجه إلا إذا أطاعها فيما تطلبه منه وهي خبيثة كافرة لا تطلب من المؤمن إلا الكفر والضلال
قالوا : وللسحر تأثير في المسحور فيغير مزاجه ويصيبه بأمراض عصبية وتخيلات ختلفة قود يؤثر في قوته فيضعفه وقد يصل به إلى القتلن وبالسحر يستطعيون أن يفرقوا بين المرء وزوجه ويفسدوا العلاقة الزوجية ويحولوا حياتهما إلى جحيم وقد تصل إلى الطلاق والفرقة ويوقعوا بين المحبين العداوة والبغضاء والقطيعة قال تعالى : { فيتعملون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه }
ويندفع شر السحر بالتعوذ الله تعالى والتحصن به واللجوء إليه وبتقوى الله تعالى وأداء حقوقه ومراقتبه فمن اتقى الله تعالى تولى الله حفظه ولم يكله إلى غيره . قال تعالى : { وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا }
وقال الرسول الله صلى الله عليه و سلم لسيدنا عبد الله بن عباس : ( احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك ) . ويندفع شر السحر أيضا بقوة الإيمان وصدق اليقين وثبات العيزيمة والتوكلعلى الله حق التوكل وإن السحر مهما كانت صفته فلا يضره إلا باذن الله عز و جل قال تعالى : { وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله } القادر على كل شي ء الذي إذا شاء اثر سحرهم ابتلاء منه سبحانه وتعالى أو عقابا للمسحور على عصيانه وإذا شاء تعالى أبطل سحرهم وحفظ المسحور من شرهم وعصمه من كيدهم
فلا يعبأ المؤمن القوي بالسحر ولايخافه ولا يهتم له ولا يشغل فكره ولا ينعال ذلك إلا باوثوق التام بالله تعالى والاطمئنان العظيم غليه وإن كل شيء بيده تبارك وتعالى { أن يمسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله } فلا يشغل قلبه بالساحر وما صنع وإنما يشغل قلبه بالله وطاعته وحسن عباته وافكثار من ذكره عز و جل فيفوز بحفظه ونصرته . { إن تنصروا الله نيصركم ويثبت أقدامكم } وقد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لسيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما : ( اعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك لم ينفعوك إلا بشء كتبه الله لك ولو اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ) فتوحيد الله تعالى واعتقادا أنه الضار النافع المعطي المانع ذلك هو الحصن العظم الذي من دخله كان من الآمنين قال بعض السلف . من خاف الله خافه كل شيء ومن لم يخف الله أخافه من كل شيء قال تعالى : { إن الله يدافع عن الذين آمنوا إن الله لا يجب كل خوان كفور }
ومن فضل الله تعالى أن السحر وأهله كادا ينقرضان في هذا الزمان ومن ادعى ذلك الان فإنما هو كاذب خادع يضل الناس ويسعى لكسب المال منهم بطريق النصب والاحتيال والوهم والخديعة والحوادث كثيرة تدل على انهم مدعون كاذبون لا يعرفون من السحر إلا اسمه ومن علمه إلا رسمه { ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون }
ويؤثر السحر غالبا في ضعاف النفوس كالأطفال والمرضى والنساء وفي ضعاف الدين وما حدث للرسل والأنبياء كان للابتلاء والاختبار والتشريع
وأما ما وقع لرسول الله صلى الله عليه و سلم من السحر فلم يكن له أي تأثير في عقل رسول الله صلى الله عليه و سلم ولا في الوحي الذي كان يبلغه للمة ولا في الأحكام التي كان يشرعها لقومه . وإنما هو أمر عارض للجسم كسائر الأعراض البشرية الجائزة في حق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام . فلا ينافي العصمة . وقد تدارك الله تعالى نبيه صلى الله عليه و سلم وأرسل غليه الملكين فأخبراه بمكان السحر واسم صانعه فلم ينل منه ما قصده الساحر وكيف يحصل ها والله يقول في كتابه : { والله يعصمك من الناس } وكل هذا من باب التشريع ولو شاء ربك ما فعلوه لتعلم أن المؤمن المحبوب لدى ربه بصالح عمله وجميل سعيه يدافع الله عنه ويحرسه من كيد أعدائه وشر خصومه وإن الحسنات يذهبن السيئات ويمحقن الآفات وأنه صلوات الله وسلامه عليه أمام قدرة ربه عبد يبتلى فيصبر ويرضى بقضاء الله وقدره فينجيه الله من سوء ويحفظه من كل ضر كما ابتلى الله الأنبياء من قبله فصبروا فنجاهم الله تعالى { وأيوب إذا نادى ربه انى مسني الضر وأنت أرحم الراحمين فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر } { ونوحا إذ نادى من قبل فاستجبنا له وأهله من الكرب العظيم }
ومع ثبوت هذه الأحاديث التي ذكرناها الواردة في الكتب الصحاح في وقوع السحر للرسول الله صلى الله عليه و سلم فقد أنكر بعض المبتدعة هذه الحاديث وقال بعضهم إنها أخبار آحاد فلا يعمل بها وزعموا أن السحر يحط من منصب النبوة ويشكك فيها قالوا : وكل ما أدى إلى ذلك فهو باطل
وقالوا : إن جواز السحر على الأنبياء يعدم الثقة بما شرعوه من الشرائع للعباد إذ يحتمل على هذا أن النبي صلى الله عليه و سلم يحيل إليه أن يرى جبريل وليس هو ثم وأنه يوحى إليه بشيء ولم يوح إليه بشيء وكلامهم هذا مردود من عدة وجوه
- 1 - لقد قامت البراهين من المعجزات والنصوص الصريحة من القرآن والسنة النبوية على صدقه صلى الله عليه و سلم فيما بلغه عن الله تعالى وعلى عصمته في التبليغ قال تعالى : { ما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى } وقال تعالى : { والله يعصمك من الناس } وقال تعالى : { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فاتنهوا } وقال تعالى : { ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شيء } فتلك الآيات وغيرها أدلة قاطعة على أنه صلى الله عليه و سلم الصادق المصدوق فيما قال وبلغ وإن الله عصمه من الضلال وحفظ عقله من الزلل
- 2 - وقد أجمع الرواة على أن هذا السحر لم يكن له أي أثر في عقله صلى الله عليه و سلم بل كان تأثيره في جسمه وبصره كغيره من الأمراض الجسمية وقد وقع السحر لسيدنا موسى عليه الصلاة و السلام فكان يخيل غليه في رأي العين كما قال تعالى : { فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى } فكان هذا السحر من باب المراض الجسيمة وتلك جائزة على النبياء عليهم الصلاة والسلام فإن المراض غير المنفرة جائزة في حقهم فهي من الأعراض البشرية التي لا تؤدي إلى نقص في مراتهم العلية مع عصمتهم في أمور الدين والتبليغ وحفظ الوحي الشريف
- 3 - أجمع الرواة على أن الرسول اصلوات الله وسلامه عليه لم ينطق أثناء مرضه بهذا السحر بغير الصواب والصدق والحق حتى في الأمور العادية فكان يرى ويظن كالخاطر يعرض في النفس ولا يتعداها حتى يرجع إلى الصواب والحق فينطق بهما ولم ينطق بغيرهما قط لا في مرضه هذا ولا في غيره طوال حياته صلى الله عليه و سلم
- 4 - أجمعت الأحاديث الواردة في هذا الباب على أن السحر لم ينل إلا من جسمه الشريف صلى الله عليه و سلم فكان يرى ببصره أن هذا الشيء كذا ثم يراه على صوابه بعد قليل وأنه يخيل غليه أنه قادر على إتيان زوجاته ثم لا يستطيع أما عقله الشريف فكان على أتم ما يكون طوال مدة المرض بدليل أنه فوض أمره لله تعالى في مبدأ المرص ثم تداوى ثم لما اشتدت به وطأة المرض لجأ إلى الدعاء كما روي عن السيدة عائشة رضي الله عنها أنها قالت : فدعا ثم دعا وهذه الأحوال من التفويضن ثم التداوي ثم الدعاء دليل على أن عقله صلى الله عليه و سلم محفوظ محروس وعصوم لم ينل منه السحر منالا وعنها أنه سحر حتى انكره بصره فالسحر أنما تسلط على جسده وظواهر جوارحه لا على عقله وتمييزه )
تم بفضل الله
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 191.17 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 186.94 كيلو بايت... تم توفير 4.23 كيلو بايت...بمعدل (2.21%)]