قراءة القرآن فى رمضان ___متجدد - الصفحة 2 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         الأمثال في القرآن ...فى ايام وليالى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 650 )           »          فقه الصيام - من كتاب المغنى-لابن قدامة المقدسى يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 915 )           »          دروس شَهْر رَمضان (ثلاثون درسا)---- تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 1078 )           »          أسرتي الرمضانية .. كيف أرعاها ؟.....تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 844 )           »          صحتك فى شهر رمضان ...........يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 828 )           »          اعظم شخصيات التاريخ الاسلامي ____ يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 909 )           »          فتاوى رمضانية ***متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 564 - عددالزوار : 92746 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 11935 - عددالزوار : 190975 )           »          مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 114 - عددالزوار : 56909 )           »          مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 78 - عددالزوار : 26181 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #11  
قديم 17-05-2019, 12:22 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,607
الدولة : Egypt
افتراضي رد: قراءة القرآن فى رمضان ___متجدد



شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن

د ناصر العمر
(11)

استحباب ختم القرآن الكريم في شهر رمضان!

حديث شريف عظيم!
عن أوس بن حذيفة -رضي الله عنه- قال: قدمنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلّم - في وفد ثقيف، فنزلت الأحلافُ على المغيرة بن شعبة، وأنزلَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بني مالك في قبّة له، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلّم - كل ليلةٍ يأتينا بعد العشاء يحدّثنا قائماً على رجليه حتى يراوح بين رجليه من طول القيام، فأكثر ما يحدثنا ما لقيَ من قومه قريش، ثم يقول: لا سواءٌ، وكنّا مستضعفين مستذلين بمكة، فلما خرجنا إلى المدينة كانت سجالُ الحربِ بينناوبينهم، نُدال عليهم ويدالون علينا؛ فلما كانت ليلة أبطأ عن الوقت الذي كان يأتينا فيه، فقلنا: لقد أبطأتَ عنّا الليلة! قال: "إنّه طرأ عليَّ حزبي من القرآن، فكرهت أن أجيء حتى أتمّه" قال أوس: سألت أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: كيف تحزبون القرآن؟ فقالوا: ثلاثٌ، وخمسٌ، وسبعٌ، وتسعٌ، وإحدى عشرة، وثلاث عشرة، وحزبُ المفصَّل وحده. الحديث أخرجه أحمد في المسند، وأبو داود، وابن ماجه، وغيرهم.
وهو حديثٌ شريفٌ عظيمٌ، له وقعٌ في النفوس وخفقٌ في الجوانح، جعلهُ أهلُ العلم أصلاً في "تحزيب القرآن" و"تجزئة المصاحف" وبوّبَ الإمام أبو داود في سننه: "بابُ تحزيب القرآن" - 2/ 237 ط عوّامة - فأورد هذا الحديثَ ونظائره لبيان طريقةِ النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه في قراءة القرآن العظيم والمداومة على ترتيله وتجويده بنظام مشيد محكم ينتظم اليوم والليلة دائباً متصلاً.


والله يعلمُ كم يأخذني هذا الحديثُ بجلالة وقعهِ وحُسن عرضهِ وسلسبيل لفظه إلى عوالم أخرى من السكينةِ والتعظيمِ والتوقيرِ للنبيِّ - صلّى الله عليه وسلّم - تفوق الوصف وتجتاز التقديرَ، وهو يفدُ - صلى الله عليه وسلّم - في لهفٍ إلى هؤلاءِ القوم الذين قدموا عليه من أقاصي البلاد يحدوهم الشوقُ المبرّح للقائهِ ورؤية وجههِ الشريف، فيستعذبُ في سبيل تعليمهم الوَصَبَ ويستطيبُ النَّصَبَ، ويحنو عليهم حنوَّ الوالدِ على ولدهِ ويخاطبهم بأرق العبارات وأنداها، ويراوح بين قدميه الشريفتين من طول القيام في جنب الله ناصحاً مذكّراً قائماً بحق الدعوة وتبليغ شرعِ الله، ويغمرني الحنين والشوق إلى ذيّاك المجلسِ الآنس ببثِّ الحبيبِ المُحب صلّى الله عليه وسلّم إلى أولائه من صالحي المؤمنين وهو يستعبرُ ذاكراًَ ما جرى له من الأذى في ذاتِ الله، فتخضعُ جوانحي وتغشاني المهابة وأنا أقرأ همهماتهِ الأسيفة على قومٍ جاءهم كالنسيم العليل ليأخذ بحجزهم عن النّار ويحميهم من سعيرها ولهيبها البئيس، فيأبون إلا الوقيعة فيها مرتكبين أشنع الجرائم بإيذاء حبيبِ الله وخليلهِ محمدٍ صلّى الله عليه وسلّم.


ثم اقرأ معي - بسكينةٍ وخضوع - شوقَ أولئكَ الوافدين على حضرتهِ، وهم يعدّون مستكثرين ساعاتِ الوقتِ ويحسبون أجزاءهُ
في انتظار طلعتهِ البهيّة ومقدمهِ المهيبِ، فوالله إنّه ليتملّكني العجبُ كيف بقيتْ قلوبهم في الصدور ولم تنخلع منها فرحاً وتعظيماً لرؤيتهِ بعد أن خنقهم الوقتُ وأطبق على أنفاسهم في ترقّبِ ذلك القادم من عالم الغيبِ لينقذهم الله به من أسفل السافلين إلى أعلى العليين.
فإذ بالحبيبِ الشفيق صلى الله عليه وسلم يمسحُ عنهم شعثَ الشوقِ وسفحَ سوائمهِ بعذبِ خطابه قائلاً: "إنّهُ طرأ عليَّ
جزئي من القرآن، فكرهت أجيءُ حتى أتمّه" يالله ما أرقهُ من عذرٍ يبديهِ هذا النبيُّ العظيمُ صلى الله عليم وسلّم، وكأنّهُ يستلطفُ قلوبهم التي ناءت بثقل أحمال الشوق والجوى بأنّهُ كان في لقاءٍ - وأيُّ لقاءٍ! - لا يقبلُ التأجيل ولا التسويفَ مع كلامِ الله وتلاوةِ آياتهِ، ومن ذا الذي تسمحُ نفسهُ وتطيبُ بتركِ الاستلذاذ بالقرآن والتنعّمِ بآياته مستقبلاً أمراً آخر كائناً ما كان الأمرُ!
إنَّ هذا لدرسُ الأولوياتِ في الدعوةِ والتعليمِ يا أرباب السلوكِ والتربيّةِ! أما واللهِ إنّهُ لا يعلو على تزكيةِ الروح وتطهيرها بكلام الله والتنعّم بالنظر في كتابهِ والتلذّذِ بتلاوة آياتهِ وسكبِ العبراتِ بين يدي تدبّر معاني القرآن شيءٌ.


إنّه القرآن، كلام ربّك، تنزيلٌ من حكيم حميدٍ، حين يهزّك الحنين والشوقُ إلى التبتّل في محرابِ التدبّر والتفكّر مسبلاً دمعاتِ
الندم والأسف واللهفةِ والإجلال، فتغدو معها مباهج الحياة ومغانيها أحقرَ من ذرّة رملٍ في فلاة أبيّةٍ على الإحاطة.
ما الدّنيا؟ ما أموالها؟ ما مفاتنها؟ ما مغانيها؟ ما ملاعبُها؟ ما حطامها الزائلُ؟ ما القصورُ ما الدورُ؟ إنّها لتغدو قاعاً صفصفاً أمام ترنيم العبدِ وتغنّيه بكلام ربّهِ، فتغشاه سكينةُ الصالحين وتعلوه وضاءةُ الذاكرين ويذكرهُ ملك الملوك فيمن عنده، فإذا بالدنيا ريشةٌ تتقاذفها أعاصير الثقة بوعد الله والأنس بنعيمه.
هذا الحديثُ أصلٌ في مسألةِ تحزيب القرآن، والتحزيبُ للقرآن أن يُجعلَ على أجزاءٍ متسقةٍ تقرأ ورداً متصلاً في مدةٍ معلومةٍ، والتحزيبُ من سنن الصالحينَ وطرائقِ المنيبينَ وهدْي المُخبتينَ، وهو دأبٌ درجَ عليه السالكون طريق العبوديّة فما قصّروا عنتلاوة القرآن آناء الليل وأطراف النّهارِ، فكان لكلٍّ منهم زمنهُ المعروفُ يختم فيه تلاوة القرآنِ على مدى حياتهِ، وما بدّلوا تبديلاً.
وقد فهم ذلك أوسُ بن حذيفة - رضي الله عنهُ - راوي الحديثِ، فقاس الغائبَ - وهم الصحابة - على الحاضر - وهو النبيُّ
صلى الله عليه وسلّم -، فأيقن أنهم على دربه في تجزيء القرآن وتحزيبه سائرون ولهديه في ذلك مقتفونَ، ولهذا بادر بسؤال أصحابِ النبيِّ صلّى الله عليه وسلّمَ عن تحزيبهم للقرآن حتى يستنَّ بهم ويهتدي بهديهم، فأخبروه أنهم يجعلون القرآن أحزاباً كل حزبٍ يشتملُ على عددٍ من السورِ التامّةِ.
وظاهر هذا الحديثِ، إذا قرنت إليه إرشاد النبي صلى الله عليه وسلّم لعبدالله بن عمر - رضي الله عنهما - كما في الصحيح
بقوله: "واقرأ القرآن في كل سبع ليال مرة" يقضي بأنَّ المعمولَ به لدى الصحابةِ - رضوان الله عليهم جميعاً - هو ختمُ القرآن في سبعة أيام، وأنَّ هذا هو مقتضى السنّة في ذلك.


وقد بسط شيخ الإسلام ابن تيمية الكلام في موضوع تحزيب القرآن في مجموع الفتاوى، ولخّص مهمّاتِ الكلام عليها، ومن
أهمِّ ما بيّنه الشيخُ في ذلك أنَّ طريقةَ الصحابةِ في تقسيم الأحزاب القرآنيّة كانت على السورِ التامة، فلم يكن الصحابة يحزّبون القرآن بحسب عددِ الأجزاءِ وأحزابها المعروفةِ في المصاحفِ الآن، فإن هذه وُضعتْ في زمن الحجاج بن يوسف بحسب عدِّ الآي والحروف ونحوها فيجعلون الحزب قدراً متسقاً من الحروف دون النظر إلى مطالع السور وخواتيمها أو الاعتبار للمعاني وتمامها، وأمّا الصحابةُ فإنهم كانوا يحزّبون القرآن بحسب السور التامة وهو ما يكونُ أعونَ على تدبّر كلام اللهِ تعالى إذ تتضمّن السورُ المعاني متصلة تامّةً فيستوفي القارئ للسور النظرَ في مجموع الآيات الواردة ويُحكمُ تدبّرها وفهمها دون أن ينقطع المعنى أو يقفَ على كلامٍ يتصلُ بما بعدهُ، فيفتتحون القراءة بما فتح الله به السور من المطالع العظيمة التي تأخذ بمجامع القلوب فتزلزلها هيبة وخضوعاً، ويختتمون بما ختم به من الخواتيم المحرّكة للأرواح.
وللحديث بقية إن شاء الله


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #12  
قديم 17-05-2019, 07:53 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,607
الدولة : Egypt
افتراضي رد: قراءة القرآن فى رمضان ___متجدد



شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن

د ناصر العمر
(12)

ثمَّ إن كان التحزيبُ في مدةٍ تصلُ إلى الشهر فإنَّ القارئ يحتاجُ إلى فصلِ بعض السور كسورةِ البقرة فحينئذٍ يفصلُ للحاجةِ إلى ذلك على أن يكونُ تحزيبُ السورةِ بالوقوفِ عند المعاني التامةِ المستوفاة فيجعل سورة البقرة حزبين وهكذا.


وذهب بعض السلف إلى تحزيب القرآن على أسباعٍ لا تُراعي خواتيم السور، كما روى ابن أبي داود عن قتادة أنه جعل القرآن أسباعاً ينتهي السبع الأول عند الآية 76 من النساء، والثاني عند الآية 36 من الأنفال .. إلخ ما رواه ابن أبي داود في كتاب "المصاحف" 1/ 466، ولا ريب أنَّ طريقة الصحابة أقوم وأصوب.
وقد كان من عاداتِ بعض السادات من أهل العلم أن يجعلوا ختم القرآن في يومي الاثنين والخميس حتى يوافق ذلك ارتفاع
الأعمال وعرضها على الله تعالى، فمن أراد أن يختم في كل أسبوعٍ محزّباً القرآن على طريقةِ الصحابةِ رضي الله عنهم فإنَّ عليه أن يبدأ القراءة يوم الجمعة حتى يختم يوم الخميس فيصيب فضل ارتفاع العمل حال ختم القرآن العظيم.
وإذا عرضنا للتحزيبِ المسبّع بحسب طريقة الصحابة التي أوردها أوس بن حذيفة - رضي الله عنه - في حديثهِ، وهي أيضاً
طريقة أكثر السلف كما نقل ذلك عنهم النووي في كتابه "التبيان في آداب حملة القرآن" ص 61 فإنّهُ سوف يكون على النحو الآتي:
- اليوم الأول: 3 سور هي: البقرة وآل عمران والنساء.
- اليوم الثاني: 5 سور هي: المائدة والأنعام والأعراف والأنفال والتوبة.

- اليوم الثالث: 7 سور هي: يونس وهود ويوسف والرعد وإبراهيم والحجر والنحل.
- اليوم الرابع: 9 سور هي: الإسراء والكهف ومريم وطه والأنبياء والحج والمؤمنون والنور والفرقان
- اليوم الخامس: 11 سورة: الشعراء والنمل والقصص والعنكبوت والروم ولقمان والسجدة والأحزاب وسبأ وفاطر ويس.
- اليوم السادس: 13 سورة: الصافات وص والزمر وغافر وفصّلت والشورى والزخرف والدخان والجاثية والأحقاف ومحمد والفتح
والحجرات.


- اليوم السابع: 65 سورة وهي المفصّل: من سورة ق إلى آخر المصحف الشريف.

فهذه 113 سورة من المصحف، وتبقى فاتحة الكتاب وهي داخلة ضمن قراءة الثلاث الطوال الأولى ولكن لقصرها أُسقطت في العدِّ.
قال الدكتور عبدالعزيز الحربي في كتابه "تحزيب القرآن" ص108 - 109: "ولله هذا التحزيب ما أحسنه وما أجملهُ وما أجلّه، فقد جمع بين النظائر على نسقٍ، فلم يفصل بين الأنفال والتوبة، وهما كالسورة الواحدة، وجمع بين السور المفتتحة بالحروف المقطعة المختتمة بالراء، ولا فصل بين العتاق الأول (الإسراء والكهف ومريم وطه والأنبياء)، وجمع بين الطواسين (الشعراء والنمل والقصص)، وذوات "ألم" (العنكبوت والروم ولقمان والسجدة)، ولم يفصل بين الحواميم السبع، وجعل المفصل على حدة، ثمَّ هو فوق ذلك مقسّم في أعداده أحسن تقسيم بطريقة لا كلفة لمعرفتها وترتيبها على الأوتار: ثلاث، وخمس، وسبع .. إلخ".
وأقل ما وردتْ به السنّة في الختم أن يكون في ثلاثة أيام كما ورد بذلك توجيه النبي صلى الله عليه وسلّم لعبدالله بن عمرو - رضي الله عنهما - في الصحيح فهذا غاية ما يقع من العزيمة في ختم القرآن، وغاية ما روي من التوسعة والترخيص في
ذلك مرفوعاً إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يقرأ في أربعين يوماً كما في رواية أبي داود لحديث عبدالله بن عمرو وفيه: " اقرأه في أربعين يوماً"، وهذا غايته من جهة توسيع المدة وذلك غايته من جهة التضييق، فمن قرأه في أقل ذلك لم يكد يوفّقُ إلى تدبره والتمعّن في معانيه، ومن أدّاهُ حاله إلى قراءته في مدة تزيد عن الأربعين أوشك أن يحمله ذلك على التراخي والتواني، وخيرُ الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلّم وهدي أصحابهِ - رضي الله عنهم - وهو الختم ما بين السبع إلى الشهر.


على أنَّ الإمام النووي - رحمه الله - نقل في كتاب "التبيان في آداب حملة القرآن" ص 59 عن ابن أبي داود أنه روى ختم
بعض السلف للقرآن في شهرين، فتكون غاية التوسعة في الختم أن يكون في شهرين بناءً على عمل بعض السلف، وإن كان الأكثرون على أنه لا ينبغي ترك الختم في أكثر من أربعين يوماً كما نقل ذلك الإمام أحمد رحمه الله.
وعلى هذا يكون تجزيء القرآن وتحزيبه بحسب مدة الختم، والمنقول عن السلف في ذلك تردده ودورانه بين أقصى مدته
وهي الشهران وأدناها وهي الثلاثة أيام وما بين ذلك فالمنقول عنهم ختمه كل شهر، أو كل عشر ليال، أو ثمانٍ، أو سبعٍ، أو ستٍ، أو خمسٍ، أو أربعٍ، ذكر ذلك النووي في "التبيان" ص 59، وقد تتبع الدكتور عبدالعزيز الحربي في "تحزيب القرآن" ما روي من المدد الأخرى التي يُختم فيها سواءً بحسب الوارد من النصوص أو عملاً لدى السلف فذكر الختم في كل خمسة وعشرين يوماً، أو في عشرين، أو في خمسة عشر، أو في كل أحدى عشر، أو تسعة أيام، وهذين الأخيرين لم يجد أحداً نصَّ على الختم فيه غير أنّهُ ذكر للختم في كل أحد عشر يوماً مزيّة حسنةً تُراجعُ في كتابه ص 124 - 125.
فهذه 15 مدة يُمكن ختم القرآن فيها وتحزيبه، كلُّ حزب بحسب المدّة طولاً وقصراً: شهران، 40 يوماً، شهر، 25 يوماً، 20 يوماً،
15 يوماً، 11 يوماً، 10 أيام، 9 أيام، 8 أيام، 7 أيام، 6 أيام، 5 أيام، 4 أيام، 3 أيام.
وفي كتاب "تحزيب القرآن" جدول مفصّل بالمدد وما يناسبها من أحزاب القرآن وأجزائه، ولكل قارئ أن يختار منها ما هو ألصق
بحاله وأرعى لظروفه، والكتاب جدير بالاطلاع وهو من مطبوعات دار ابن حزم.


ومن السلف من كان يختم ثمان ختمات منجّمة بين اليوم والليلة كما نقل النووي في "التبيان" ص 60 عن ابن الكاتب أنه
كان يختم بالنهار أربع ختمات وبالليل أربع ختمات، ثم علّق النووي بقوله: "وهذا أكثر ما بلغنا من اليوم والليلة".
ومن النّاس من حملهُ حبُّ القرآن والتعلّقِ به إلى أن ختمهُ قراءة في ركعة واحدةٍ، فقد ثبت ذلك عن ريحانة القرّاءِ وإمامهم
عثمان بن عفّان - رضي الله عنه - وثبت كذلك عن غيره بل قال النووي في "التبيان" ص 60: "وأما الذي يختم في ركعة فلا يُحصون لكثرتهم"، وسمعتُ من شيخنا العلامة العابد محمد بن محمد المختار الشنقيطي غير مرّة أنَّ والده ممن ختم القرآن في ركعةٍ واحدةٍ قام بها من الليل، وهذا وإن فعلهُ هؤلاء العبّاد الصالحون أصحاب المقامات العالية إلا أنه لم يكن لهم بعادة ولا طبعٍ، والأتم الأكمل هو سنّة النبي صلى الله عليه وسلّم وهديه بتوزيع القراءة على الأيام حتى يكون أعون على فهم القرآن وتدبّر آياته.
ثمَّ إنَّ هؤلاء الذين ختموا القرآن في أقل من ثلاثة أيام وإن خالفوا ظاهر الأمر النبوي بعدم قراءة القرآن في أقل من ثلاثة أيام
إلا أنَّ لبعضهم تأويلاً سائغاً في ذلك وهو ما ذكره المباركفوري في "تحفة الأحوذي" 8/ 273 بقوله: "ولو تتبعت تراجم أئمة الحديث لوجدت كثيراً منهم أنهم كانوا يقرؤون القرآن في أقل من ثلاث، فالظاهر أنَّ هؤلاء الأعلام لم يحملوا النهي عن قراءة القرآن في أقل من ثلاث على التحريم".


وقد ذكر الشيخ مازن الغامدي - عليه رحمة الله - في كتابه الذي هو قطعة أثيرةٌ من روحهِ العذبةِ الشفّافة "رحلتي إلى
النور" أنَّ الشيخ العلامة محمد بن صالح بن عثيمين - رحمه الله - كان يقرأ في شهر رمضان كل يومٍ عشرة أجزاءٍ من القرآن، فيحصّل بذلك فضيلة ختم القرآن في كل ثلاثة أيام مرّة، وممّا ذكرهُ عن الشيخ أنّهُ دخل إلى مصلّى الجمعة الذي في مقدمة جامعه أحد الأيام من رمضان فختم عشرة أجزاء وهو يمشي في المصلى ذهاباً وإياباً.
وفي كتاب "تحزيب القرآن" ص 139 أنَّ الشيخ عبدالعزيز بن باز - رحمه الله - كان يختم القرآن في قيام الليل كل شهر مرّة
يقرأ كل ليلةٍ جزءاً من القرآن في صلاته.
والهائمون بكتاب الله، المنقطعون إلى رياضهِ، المستعذبون لمعانيه وأحكامه كثرٌ، لا يزيدهم إقبال النّاس على الدنيا إلا تمسّكاً
بالكتاب العزيز، وتطوافاً بمغانيه الروحانيّة، وحياضه الإيمانيّة، وعضاً عليه بالنواجذِ، ومن أعجب من وقفت على خبره في تتبّعِ كلام الله سماعاً وإسماعاً، وحرصاً على تلقّيهِ من الشيوخ الثقاتِ بأسانيده المتصلةِ الإمام أبو القاسم يوسف بن علي بن جبارة الهذلي المغربي، فقد أخذ القرآن عن 365 شيخاً من آخر المغرب إلى باب فرغانة يميناً وشمالاً وجبلاً وبحراً، حتى قال عن نفسه: "ولو علمت أحداً يقدم علي في هذه الطريقة في جميع بلاد الإسلام لقصدته"، قال فيه الذهبي في كتابه "معرفة القراء الكبار" - ط. طيار قولاج - 2/ 819: "إنما ذكرت شيوخه وإن كان أكثرهم مجهولين، ليُعلم كيف كانت همّة الفضلاء في طلب العلم"، وانظر أيضاً "منجد المقرئين" لابن الجزري ص 188 - 189.
لله هذه الهمم الصالحة في تعظيم القرآن تلاوة وتعلّماً وسماعاً!
وللحديث بقية إن شاء الله


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #13  
قديم 18-05-2019, 05:10 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,607
الدولة : Egypt
افتراضي رد: قراءة القرآن فى رمضان ___متجدد


شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن

د ناصر العمر
(13)

يُستحبُّ ختم القرآن في رمضان، ولكن!
يستحب للمسلم أن يكثر من قراءة القرآن في رمضان ويحرص على ختمه، لكن لا يجب ذلك عليه، بمعنى أنه إن لم يختم القرآن فلا يأثم، لكنه فوت على نفسه أجوراً كثيرة.
قال النووي رحمه الله معلقاً على مسألة قدر ختمات القرآن:
" والاختيار أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص، فمن كان يظهر له بدقيق الفكر، لطائف ومعارف، فليقتصر على قدر يحصل له كمال فهم ما يقرؤه، وكذا من كان مشغولا بنشر العلم، أو غيره من مهمات الدين، ومصالح المسلمين العامة، فليقتصر على قدر لا يحصل بسببه إخلال بما هو مرصد له.
وإن لم يكن من هؤلاء المذكورين فليستكثر ما أمكنه من غير خروج إلى حد الملل والهذرمة "."التبيان" (ص76).
ومع هذا الاستحباب والتأكيد على قراءة القرآن وختمه في رمضان، يبقى ذلك في دائرة المستحبات، وليس من الضروريات
الواجبات التي يأثم المسلم بتركها.


و أما حديث ابن عمرو قال قال رسول الله صلى اللهم عليه وسلم لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث * [أبو داود 1394و
الترمذي 2949وقال حديث حسن صحيح] فقد أجاب عنه الأئمة رضي الله عنهم.
قال ابن رجب: إنما ورد النهي عن قراءة القرآن في أقل من ثلاث على المداومة على ذلك فأما في الأوقات المفضلة كشهر
رمضان، خصوصا في الليالي التي يطلب فيها ليلة القدر أو الأماكن المفضلة كمكة لمن دخلها من غير أهلها فيستحب الإكثار فيها من تلاوة القرآن اغتناماً للزمان و المكان، و هو قول أحمد و إسحاق و غيرهما من الأئمة و عليه يدل عمل غيرهم كما سبق ذكره [لطائف المعارف 360]

قال الذهبي رحمه الله: و لو تلا و رتَّل في أسبوعٍ و لا زمَ ذلك لكان عملاً فاضلاً، فالدين يسر، فوالله إن ترتيل سبع القرآن في
تهجد قيام الليل مع المحافظة على النوافل الراتبة و الضحى و تحية المسجد مع الأذكار المأثورة الثابتة و القول عند النوم و اليقظة و دبر المكتوبة والسحر، مع النظر في العلم النافع و الاشتغال به مخلصا لله مع الأمر بالمعروف و إرشاد الجاهل و تفهيمه و زجر الفاسق ونحو ذلك … لشغل عظيم جسيم و لمقام أصحاب اليمين و أولياء الله المتقين، فإن سائر ذلك مطلوب فمتى تشاغل العبد بختمة في كل يوم فقد خالف الحنيفية السمحة و لم ينهض بأكثر ما ذكرناه [السير 3/ 84 - 86]
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل يجب على الصائم ختم القرآن في رمضان؟
فأجاب:



" ختم القرآن في رمضان للصائم ليس بأمر واجب، ولكن ينبغي للإنسان في رمضان أن يكثر من قراءة القرآن، كما كان ذلك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان عليه الصلاة والسلام يدارسه جبريل القرآن كل رمضان " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (20/ 516)
أيسر طريقة لختم القرآن فى رمضان
عدد صفحات المصحف = تقريباً 600 صفحة،
600 صفحه ÷ 30 يوم = 20 صفحه يومياً

20 صفحه يوميا ÷ 5 صلوات = 4 صفحات بعد كل صلاة
فقط أربع صفحات بعد كل صلاة!

والنتيجه = ختم القرآن الكريم كاملاً في الشهر!
ومن أراد أن يختم القرآن مرتين في الشهر؛

فالطريقة أيضاً سهلة جداً:
يقرأ 4 صفحات قبل كل صلاة
و 4 صفحات بعد كل صلاة
فما أعظمه من أجر ..



القرآن في رمضان: ما بين التلاوة والتّدبر!

يقع سؤال بعض الناس عن أيهما أفضل، قراءة القرآن بتدبر، أو قراءته على وجه الحدر، والاستزادة من كثرة ختمه إدراكًا لأجر
القراءة؟
وهاتان العبادتان غير متناقضتين ولا متشاحَّتين في الوقت حتى يُطلب السؤال عن الأفضل، والأمر في هذا يرجع إلى حال
القارئ، وقراء القرآن أصناف:
- الصنف الأول: العامة الذين لا يستطيعون التدبر، بل قد لا يفهمون جملة كبيرة من آياته، وهؤلاء لاشكَّ أن الأفضل في حقِّهم
كثرة القراءة.
وهذا النوع من القراءة مطلوب لذاته لتكثير الحسنات في القراءة على ما جاء في الأثر: ((لا أقول " ألم " حرف، بل ألف حرف،
ولام حرف، وميم حرف)).
-الصنف الثاني: العلماء وطلبة العلم، وهؤلاء لهم طريقان في القرآن:



الأول: كطريقة العامة؛ طلبًا لتكثير الحسنات بكثرة القراءة والخَتْمَاتِ.
الثاني: قراءته قصد مدارسة معانيه والتَّدبر والاستنباط منه، وكلٌّ بحسب تخصصه سيبرز له من الاستنباط ما لا يبرز للآخَر،
وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
وأعود فأقول: إنَّ هذين النوعين من القراءة مما يدخل تحت تنوع الأعمال في الشريعة، وهما مطلوبان معًا، وليس بينهما
مناقضة فيُطلب الأفضل، بل كلُّ نوعٍ له وقته، وهو مرتبط بحال صاحبه فيه.
ولا شكَّ أنَّ الفهم أكمل من عدم الفهم، لذا شبَّه بعض العلماء من قرأ سورة من القرآن بتدبر كان كمن قدَّم جوهرة، ومن قرأ كل القرآن بغير تدبر كان كمن قدَّم دراهم كثيرة، وهي لا تصلُ إلى حدِّ ما قدَّمه الأول.
وللحديث بقية إن شاء الله

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #14  
قديم 19-05-2019, 04:29 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,607
الدولة : Egypt
افتراضي رد: قراءة القرآن فى رمضان ___متجدد



شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن
د ناصر العمر
(14)

ومما يحسن التنبيه على أمور تتعلق بتلاوة القرآن في رمضان:
الأمر الأول:
أن يتعرف المرء على نفسه، فليس الناس ذوي حال واحدة في العبادة، لكن من الخسارة أن يمرَّ على المسلم رمضان ولم يختم فيه القرآن، وتلك سُنَّةٌ سنَّها جبريل ـ عليه السلام ـ في مراجعة القرآن في رمضان مع رسول صلى الله عليه وسلم، وهي سنة ماضية عند المسلمين منذ عصر الرسول صلى الله عليه وسلم.
والملاحظ أنَّ كثيرًا من الناس ينشطون في أول الشهر في أعمال الخير، ومنها تلاوة القرآن، لكن سرعان ما يفترون بعد أيام منه، وترى فيهم الكسل عن هذه الأعمال باديًا.
ولأجل هذا فمن اعتاد من نفسه هذا الأسلوب فإن الأَولى له أن يرتِّب قراءته، ويخصِّص لكل يومٍ جزءًا، فإنه بهذا سيختم القرآن مرَّة في هذا الشهر، ولو استمرَّ على هذا الأسلوب في كل شهور السنة لاستطاع ذلك، والأمر يرجع إلى العزيمة
والإصرار.
ولو أنَّ المسلم خصَّص لكل وقت من أوقات الصلوات الخمس أربع صفحاتٍ، فإنه سيقرأ في اليوم عشرين صفحة، وهذا ما
يعادلُ جزءًا كاملاً في المصاحف الموجَّه المكتوبة في خمسة عشر سطرًا في الصفحة؛ كمصحف المدينة النبوية.
وبهذه الطريقة يكون مداومًا على عملٍ من أعمال الخير غير منقطع عنه، و"أحبَّ الأعمال إلى الله أدومها وإن قَلَّ " كما قال
صلى الله عليه وسلم.
الأمر الثاني:

يحسن بمن يقرأ القرآن عمومًا، وبمن يقرأه في رمضان على وجه الخصوص = أن يكون معه تفسيرٌ مختصرٌ يقرأ فيه ليعلم معاني ما يقرأ، وذلك أدعى إلى تذوُّق القراءة والإحساس بطعم قراءة القرآن، وليس من يدرك المعاني ويَعلمها كمن لا
يدركها.
ومع أهمية هذا الأمر، فإنك ترى كثيرًا من قارئي القرآن يغفل عنه، ولو خَصَّصَ القارئُ لنفسه كتابَ تفسيرٍ مختصرًا يرجعُ إليه
على الدَّوام لأدرك كثيرًا من معاني القرآن.
ولقد عُني المسلمون في هذا العصر بتأليف بعض التفاسير المختصرة، تجد ذلك في بعض بلدان المسلمين، ومنها بلاد
الحرمين التي أصدرت وزارتها للشؤون الإسلامية كتاب (التفسير الميسر) وهو اسم على مسمى، وهذا التفسير مع أنَّ الغرض منه الإفادة في الترجمة، إلا أنه نافع لعامة من يريد أن يعرف المعنى الجملي للآيات، ولا يعرف فضل الجهد الذي بُذِل فيه، والقيمة العلمية التي يحتويها إلا من مارس التعامل مع اختلاف المفسرين.
والمقصود أن يحرص المسلم على أن يكون له تفسير من هذه المختصرات يقرأ فيه ويداوم عليه كما يقرأ القرآن ليجتمع له
في قراءته الأداء وفهم المعنى.


الأمر الثالث:

في حال قراءة القرآن تظهر ـ على وجه الخصوص عند طلاب العلم ـ بعض الفوائد أو بعض المشكلات، ولابدَّ من التقييد لهذه الفوائد أو المشكلات؛ لئلا تضيع.
إن هذا القرآن لا تنقضي عجائبه، ولا يخلق من كثرة الردِّ، وبما أنه قرآن كريم مجيد (أي: ذا شرف في مبناه ومعناه، وذا سعة وفضل في مبناه ومعناه)، فإن ما يتعلق به من المعاني والاستنباطات كذلك، فهي معانٍ واستنباطات شريفة لشرف ذلك الكتاب، وكثيرة متسعة لا يحدُّها حدٌّ لمجد ذلك الكتاب.
ولما كان هذا حاله، فَلَكَ أن تتصور: كم من الفوائد التي ستكون بين يدي طلاب العلم لو أن كل عالمٍ كتب ما يتحصَّل له من
التدبر أو المشكلات أثناء قراءته لكتاب الله تعالى؟!
مساعد الطيار.

فإن قلت: أيٌّ أفضل؟ أن يكثر الإنسان التلاوة أم يُقلِّلها مع التدبر و التفكر؟ قلت لك: اسمع ما قاله النووي.
قال النووي رحمه الله: و الاختيار أن ذلك يختلف بالأشخاص فمن كان من أهل الهم و تدقيق الفكر استحب له أن يقتصر
على القدر الذي لا يختل به المقصود من التدبر و استخراج المعاني و كذا من كان له شغل بالعلم و غيره من مهمات الدين و مصالح المسلمين العامة يستحب له أن يقتصر منه على القدر الذي لا يخل بما هو فيه، و من لم يكن كذلك فالأولى له الاستكثارُ ما أمكنه من غير خروجٍ إلى الملل، و لا يقرؤه هذرمة!
(عادل باناعمة).


مسارات ثلاثة:
وإذا كان هذا شأن القرآن في رمضان فما أجدر العبد المؤمن أن يقبل عليه، و يديم النظر فيه، و إني أقترح على الأخ المؤمن
الصادق أن يجعل له مع القرآن في هذا الشهر ثلاثة مسارات:
المسار الأول: مسار الإكثار من التلاوة و تكرار الختمات، فيجعل الإنسان لنفسه جدولا ينضبط به، بحيث يتمكن من ختم
القرآن مرات عديدة ينال خيراتها و ينعم ببركاتها.
المسار الثاني: مسار التأمل و التدبر، فيستفتح الإنسان في هذا الشهر الكريم ختمة طويلة المدى يأخذ منها في اليوم
صفحة أو نحوها مع مراجعة تفسيرها وتأمل معانيها، و التبصر في دلالاتها و استخراج أوامرها و نواهيها ثم العزم على تطبيق ذلك و محاسبة النفس عليه، و لا مانع أن تطول مدة هذه الختمة إلى سنة أو نحوها شريطة أن ينتظم القارئ فيها و يكثر التأمل و يأخذ نفسه بالعمل، و لعل في هذا بعض من معنى قول الصحابي الجليل: كنا نتعلم العشر آيات فلا نجاوزهن حتى نعلم ما فيهن من العلم و العمل.
المسار الثالث: مسار الحفظ و المراجعة، فيجعل لنفسه مقدارا يوميا من الحفظ و مثله من المراجعة، و إن كان قد حفظ و نسي فهي فرصة عظمى لتثبيت الحفظ و استرجاع ما ذهب، و لست بحاجة إلى التذكير بجلالة منزلة الحافظ لكتاب الله و رفيع مكانته، و حسبه أنه قد استدرج النبوة بين جنبيه إلا أنه لا يوحى له.


المتأمل في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرة أصحابه يرى حرصهم على التلاوة بتدبر وتأمل، وفهم وتذكر، أكثر من
حرصهم على كثرة القراءة وسرعتها، والإكثار من الختمات، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً (2) نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً (4)} [سورة المزمل 73/ 1 - 4]. أي اقرأه بترسل وتمهل؛ لأنه يحصل بذلك التدبر والتفكر، وتحريك القلوب به.
وهكذا كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم، كان يرتل السورة حتى تكون أطول من أطول منها، وكانت قراءته مدًا.

وقال ابن مسعود: "لا تهذوا القرآن هذَّ الشعر، ولا تنثروه نثر الدَّقَل (15)، وقفوا عند عجائبه، وحركوا به القلوب، ولا يكن هم أحدكم آخر السورة".
وقرأ علقمة على ابن مسعود، وكان حسن الصوت، فقال: رتِّل فداك أبي وأمي؛ فإنه زين القرآن.
وقال عبد الرحمن بن أبي ليلى: دخلتْ عليَّ امرأة وأنا أقرأ سورة هود، فقالت: يا عبد الرحمن! هكذا تقرأ سورة هود؟! والله
إني فيها منذ ستة أشهر وما فرغت من قراءتها.


لكن لا يعني هذا أن المسلم لا يقرأ بسرعة في بعض الأحيان؛ لكي يضبط حفظه، أو يُنهي ورده اليومي، بل إن القراءة في
حد ذاتها ولو كانت سريعة فيها أجر وثواب، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من قرأ حرفًا من كتاب الله، فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول الم حرف، ولمن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف)) (16).
ولهذا قال شعبة: حدثنا أبو جمرة، قال: قلت لابن عباس: إني رجل سريع القراءة، وربما قرأت القرآن في ليلة مرة أو مرتين، فقال ابن عباس: لأن أقرأ سورة واحدة أعجب إلي من أن أفعل ذلك الذي تفعل، فإن كنت لا بد فاعلاً فاقرأ قراءةً تُسمِعُ أُذنيك، ويعِيها قلبُك (17).
وعلى هذا يمكن أن نقول: إن ثواب قراءة الترتيل والتدبر أجل وأرفع قدرًا، وثواب كثرة القراءة أكثر عددًا؛ فالأول: كمن تصدق
بجوهرة عظيمة، أو أوقف أرضًا في مكان مهم ترتفع قيمة العقار فيه، والثاني كمن تصدق بعدد كثير من الدراهم، أو أوقف عددًا من الأراضي كثيرة، لكنها في مكان بعيد، وقيمتها زهيدة (18).
وللحديث بقية إن شاء الله


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #15  
قديم 20-05-2019, 07:06 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,607
الدولة : Egypt
افتراضي رد: قراءة القرآن فى رمضان ___متجدد


شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن
د ناصر العمر
(15)



آداب تلاوة القرآن الكريم


1 - إخلاص النية لله تعالى فيها، لأنّ تلاوة القرآن من العبادات الجليلة.
* وقد قال الله تعالى (فاعبد الله مخلصًا له الدين) (المزمل: 2).

* وقال تعالى (وما أمروا إلاّ ليعبدوا لله مخلصين له الدين حنفاء). (البينة: 5).
* وقال النبي صلى الله عليه وسلم ((اقروا القرآن وابتغوا به وجه الله عزّ وجل من قبل أن يأتي قوم يقيمونه إقامة
القدح يتعجلونه ولا يتأجّلونه)). رواه ((أحمد)).
ومعنى ((يتعجلونه)): يطلبون به أجر الدنيا.

2 - أن يقرأ بقلب حاضر، يتدبر ما يقرأ ويتفهم معانية ويخشع عند ذلك قلبه، ويستحضر أن الله يخاطبه في هذا القرآن؟ لأن القرآن كلام الله عز وجلَّ.
* ومن آدابها: أن يقرأ على طهارة؟ لأن هذا من تعظيم كلام الله عز وجل، ولا يقرأ القرآن وهو جنب حتى يغتسل إن قدر على الماء أو يتيمم إن كان عاجزًا عن استعمال الماء لمرض أو عدم وجود الماء
3 - أن لا يقرأ القرآن في الأماكن المستقذرة أو في مجمع لا ينصت فيه لقراءته، لأن قراءته في مثل ذلك إهانة له. ولا يجوز أن يقرأ القرآن في بيت الخلاء ونحوه مما أعد للتبول أو التغوّط، لأنه لا يليق بالقرآن الكريم.
4 - أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم عند إرادة القراءة:
*لقوله تعالى: (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم) ولئلا يصدَّه الشيطان عن القراءة أو كمالها.


5 - أن يحسن صوته بالقرآن ويترنم به.
• لما في ((الصحيحين)) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبيّصلى الله عليه وسلم قال: ((ما أذن الله لشيء
- أي: ما استمع لشيء - كما أذن لنبيِّ حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به)).
• و فيهما عن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال: ((سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور فما
سمعت أحدًا أحسن صوتاً أو قراءةً منه))
لكن إن كان حول القارئ أحد يتأذى بجهره في قراءته كالنائم والمصلي ونحوهما فإنه لا يجهر جهرًا يشوش عليه أو
يؤذيه.
• لأنًّ النبي صلى الله عليه وسلم خرج على الناس وهم يصلون ويجهرون بالقراءة فقال: ((كلكم يناجي ربه فلا يجهر
بعضكم على بعض في القرآن)) رواه ((مالك)) في ((الموطأ)، قال ابن عبد البر: وهو حديث صحيح.


6 - أن يرتل القرآن ترتيلاً:

• لقوله تعلى (ورتل القرآن ترتيلاً) (المزمل: 4).
فيقرأه بتمهل بدون سرعة لأنَّ ذلك أعون على تدبر معانيه وتقويم حروفه وألفاظه.

• وفي ((صحيح البخاري)): عن أنس بن مالك رضي الله عنه ((أنه سئل عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((كانت مدًّا ثم قرأ: (بسم الله الرحمن الرحيم) يمد: (بسم الله) ويمد: (الرحمن) ويمد (الرحيم))).
• وسئلت أم سلمة رضي الله عنها عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: ((كان يقطع قراءته آيةً آيةً ((بسم الله الرحمن الرحيم * الحمد لله ربِّ العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين) رواه ((أحمد)) و ((أبو داود)) و ((الترمذي)).
• وقال ابن مسعود رضي الله عنه: ((لا تنثروه نثر الرمل ولا تهذوه هذَّ الشعر، قفوا عند عجائبه وحركوا به القلوب ولا
يكن هم أحد كم آخر السورة)) ,
ولا بأس بالسرعة التي ليس فيها إخلال باللفظ بإسقاط بعض الحروف أو إدغام ما لا يصح إدغامه فإن كان فيها إخلال
باللفظ فهي حرام، لأنها تغيير للقرآن.


7 - أن يسجد إذا مر بآية سجدة وهو على وضوء في أي وقت كان من ليل أو نهار، فيكبر للسجود ويقول: ((سبحان
ربي الأعلى))، ويدعو، ثم يرفع من السجود بدون تكبير ولا سلام، لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن يكون السجود في أثناء الصلاة فإنه يكبر إذا سجد وإذا أقام.
• لحديث أبي هريرة رضي الله عنه: ((أنه كان يكبر في الصلاة كلما خفض ورفع ويحدث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك)) رواه ((مسلم)).


• وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ((رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يكبر في كل رفع وخفض وقيام وقعود)) رواه ((أحمد)) و ((النسائي)) و ((الترمذي)) وصححه.
وهذا يعم سجود الصلاة وسجود التلاوة في الصلاة.
هذه بعض آداب القراءة، فتأدبوا بها واحرصوا عليها وابتغوا بها من فضل الله.
وللحديث بقية إن شاء الله





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #16  
قديم 21-05-2019, 07:34 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,607
الدولة : Egypt
افتراضي رد: قراءة القرآن فى رمضان ___متجدد



شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن

د ناصر العمر
(16)

وسائل تدبُّر القرآن

ومن أهم الوسائل التي تعين على التدبر:
1 - تفريغ القلب من الانشغال بغير الله، والتفكر في غير كتابه، فاقرأ القرآن وقلبك فارغ من كل شيء إلا من الله، ومحبته،
والرغبة في فهم كلامه، قال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37)} [سورة ق 50/ 37].
2 - الترتيل عند قراءة القرآن، وتحسين الصوت به، وتحزينه، فإنه معين على التدبر والتأمل، ولهذا يجد الإنسان من نفسه حب سماع القرآن حين يقرأ به القارئ الماهر، ذو الصوت الحسن، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم وقف مرة يستمع
لقراءة أبي موسى، وقال إنك قد أعطيت مزمارًا من مزامير آل دواد.


ومعرفة التجويد وضبط قراءة القرآن على شيخ متقن، من أهم الأمور التي تعين على الترتيل؛ لأن التجويد هو إعطاء الحروف
حقها ومستحقها، وإنما يكون ذلك بتعلم كيفية القراءة الصحيحة.
3 - استشعار عظمة الله، وأنه يكلمك بهذا القرآن، حتى كأنك تسمعه منه الآن، قال سلْم الخواص: "قلت لنفسي: اقرئي
القرآن كأنك سمعتيه من الله حين تكلم به؛ فجاءت الحلاوة" (10). أي أنه لما استشعر هذا المعنى، وحمل نفسه على التفكر بهذا الفكر أحس بحلاوة القرآن، ولهذا روي عن علي أنه قال: "إذا أردتُ أن يكلمني الله قرأت القرآن، وإذا أردت أن أكلم الله قمت إلى الصلاة".
4 - محاولة فهم معاني القرآن، بالرجوع إلى التفاسير التي تهتم ببيان المعنى، دون دخول في دقائق اللغة والإعراب، أو
المسائل الفقهية، ومن أحسن هذه التفاسير تفسير ابن كثير، وتفسير ابن سعدي، وتفسير سيد قطب، وإن كان فيه بعض الأمور التي ينبغي أن يتنبه لها المسلم، لكنه جيد من حيث بيان المعنى، فهو يذكر أمورًا جليلة جملية.
أما إن كان الإنسان لديه همة وحرص فإنه يستطيع أن يراجع كتب التفسير الأخرى التي تفيض في بيان المعاني، وتذكر كثيرًا من الفوائد الجمة.


5 - ربط القرآن بواقعك الذي تعيش فيه، وذلك بالنظر في المواعظ التي يذكرها، والقصص التي يحكيها، وكيف أن الله أهلك أممًا كثيرة لما كذبوا وأعرضوا، وأن هذا المصير ينتظر كل من أعرض عن الله، وكفر برسله، مهما كانوا في قوة وعزة.
وأيضًا: بالعمل بالأحكام التي فيه، فمثلاً إذا قرأت قول الله تعالى: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً (36)} [سورة الإسراء 17/ 36]، فإنك تحمل نفسك على عدم الكلام إلا في شيء تعلمه، وتمتنع عن الكلام في أمر لا تعلمه.
وإذا قرأت قول الله تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18)} [سورة ق 50/ 18]، انتهيت عن الكلام الباطل، وما لا
نفع فيه؛ لأن كل كلمة تقولها فهي مرصودة.
وهكذا كان الصحابة يفعلون، فعن عطاء بن السائب أن أبا عبد الرحمن السلمي قال: أخذنا القرآن عن قوم أخبرونا أنهم كانوا
إذا تعلموا عشر آيات لم يجاوزهن إلى العشر الأخر حتى يعلموا ما فيهن، فكنا نتعلم القرآن والعمل به، وسيرث القرآن بعدنا قوم يشربونه شرب الماء، لا يجاوز تراقيهم (11).
6 - معرفة بعض الأبحاث العلمية، التي تعتمد على التجارب الحسية، والتي تسمى بالحقائق العلمية؛ ففيها فوائد جمة، وزيادة فهم لمعنى الآية، قال تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53)} [سورة فصلت 41/ 53].



ثمرات التدبر

1 - حصول اليقين في القلب، كما قال تعالى: {هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمِ يُوقِنُونَ} [سورة الجاثية 20]، فمن قرأ القرآن بتدبر وتأمل حصل له اليقين التام؛ لأن القرآن كالماء العذب، والقلب كالشجرة التي لا تستطيع أن تعيش وتنمو إلا بهذا الماء، فالقلب كلما تفكر في معاني كلام الله حصل له الري والشبع، والنمو والاستقرار، والثبات والعلو، ولَمَّا علم الله حاجة القلب إلى مثل ذلك كرر هذه المعاني الشريفة في كتابه، ونوع في بيانها، وضرب لها الأمثال، وصرف فيها من أنواع القول ما يحصل به للقلوب المتدبرة حياة لا تموت معه أبدًا.
2 - زيادة الإيمان، قال تعالى: {وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً
وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124)} [سورة التوبة 9/ 124]، وإنما ازداد المؤمنون إيمانًا بسبب فهمها، واعتقاد ما فيها، والعمل بها، والرغبة في فعل الخير، ثم مع ذلك مستبشرون، يبشر بعضهم بعضًا بهذه المنة العظيمة، من إنزال الآيات وفهمها، والعمل بها، مما يدل على أن صدورهم منشرحة، وقلوبهم مطمئنة، فيبادرون إلى العمل مع فرح واستبشار.
أما المنافقون، ومن في قلوبهم مرض؛ فبسبب إعراضهم عن الفهم والتدبر يسأل بعضهم بعضًا أيكم زادته هذه إيمانًا؟! فلا
يرون في هذه الآية زيادة إيمان، بل ربما زادتهم شكًا إلى شكهم، ومرضًا إلى مرضهم، بسبب إعراضهم عن فهمها وتدبر معانيها.
3 - حصول العلم الصحيح، ودفع الشبه عن القلب، قال تعالى: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِيّاً لَّقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ (44)} [سورة فصلت 41/ 44]، أي هذا القرآن يهدي المؤمنين إلى العلم الصحيح، الذي يثمر لهم العلم النافع، ويدفع عنهم أمراض القلوب والأبدان، فلا يكون في قلوبهم شك ولا ريب؛ لأنهم فهموا مراد الله، وعرفوا مقصوده؛ فاندفعت عنهم الأخلاق السيئة، والأعمال القبيحة.
4 - الإعراض عن الدنيا، والتعلق بالآخرة، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ (38)} [سورة التوبة 9/ 38]، وقال تعالى: {وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى (131)} [سورة طه 20/ 131]، قال الحسن: "يا ابن آدم: والله إن قرأت القرآن ثم آمنت به ليطولن في الدنيا حُزْنُك، وليشتدَّنَّ في الدنيا خوفُك، وليكثُرَنَّ في الدنيا بكاؤك".


5 - معرفة حقيقة الدنيا، وأنها ظل زائل، ما جمعت إلا لتفرق، وما أضحكت إلا لتبكي، وما أعطت إلا لتسلُب، كثيرها قليل، قال تعالى: {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ
حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24)} [سورة يونس 10/ 24]
6 - الاعتصام والاجتماع في مقابل الفرقة والتشرذم، قال تعالى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103)} [سورة آل عمران 3/ 103].
7 - الشعور بالأمن من المخاوف والعذاب والشقاء، قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ
وَهُم مُّهْتَدُونَ (82)} [سورة الأنعام 6/ 82].
8 - حصول الرهبة والخوف، ثم الرجاء والطمأنينة، قال تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ
مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (23)} [سورة الزمر 39/ 23]، فحين نسمع آيات الوعيد والتهديد، يحصل للقلوب قشعريرة وخوف، تخشى أن يقع بها هذا الوعيد؛ فإذا سَمِعتْ آيات الوعد والترغيب حصل لها اللين والاطمئنان، وهذا من هُدى الله الذي يهدي به من يشاء.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #17  
قديم 23-05-2019, 01:34 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,607
الدولة : Egypt
افتراضي رد: قراءة القرآن فى رمضان ___متجدد



شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن

قَوَاعِدُ في تَدبِّر القُرْآنِ الكَرِيم وضَوَابطُ الفَهم


الشيخ.محمد الحمود النجدي

(17)

قال الله -تعالى-: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}(الشورى: 52)؛ فالقرآن العظيم هو الروح والرحمة لهذه الأمة الإسلامية ، وهو المنَّة الكبرى التي امتن بها على عباده، والنعمة العظمى في الدنيا المتصلة بخير الآخرة، لا تفنى عجائبُه، ولا تعد ولا تُحصَى معانِيهِ وفوائدُه، فهو كلامُ اللهِ اللطيف الخبيرِ، العليم الحكيم، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيلٌ من حكيم حميد.
ولهذا حثنا اللهُ -سبحانَهُ- على قراءته وسماعه، وفهمه وتدبره؛ ففي قراءة القرآن وفهمه وتدبُّرِه، والعملِ بِه، هدايةٌ وصلاحٌ، وسعادة ونجاة، وشفاءٌ للفردِ وللمجتمع والأمة جميعا، من جميع أمراضهم الحسية والمعنوية، وتلبيةٌ لحاجاتِهِم الدنيوية والأخروية، قال -تعالى-: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا
يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَاراً}( الإسراء: 82)، والله -عزَّوجل- هو الذي خَلق عباده، وهو أعلم بما يصلحهم وينفعهم، وما يفسدهم ويضرهم، قال -تعالى-: {ألا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} (الملك : 14)، أي: كيف لا يعلم أحوالهم وهو اللطيف بهم، الخبير بأحوالهم وأعمالهم؟! والإنسان هو الإنسان؛حيثما كان، وقال الله -تعالى-: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا}(الإسراء: 9 ــ 10).


فقوله -تعالى- ذكره: إنَّ هذا القرآن الذي أنـزلناه على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، يرشد ويسدّد من اهتدى به {لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}، يقول: للسبيل التي هي أقوم من غيرها من السبل، وذلك دين الله الذي بعث به أنبياءه وهو الإسلام، فهذا القرآن يهدي عباد الله المهتدين به إلى قصد السبيل، التي ضل عنها سائر أهل الملل المكذبين به». (الطبري).
شرف عظيم
لقد أدرك الصّحابة الكرام -رضوان الله تعالى عليهم أجمعين- ومَن سار على دربهم من سلفنا الصالح -رحمهم الله تعالى- هذا الشرف العظيم، الذي امتنّ الله -تعالى- به عليهم، بتنزَل القرآن الكريم على خير الأنام، نبينا ورسولنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وهو بين أظهرهم، فأقبلوا عليه يتلقونه منه ويسمعونه ويتعلّمونه ، ثم يتلونه آناء الليل وأطراف النهار، وجعلوا منه غذاءً لأرواحهم، وقرَة لأعينهم، وطمأنينة لقلوبهم، تعلّموا حلاله وحرامه، وامتثلوا أحْكامه، وأقاموا حُدوده، وطبَقوا شرائعه؛ فكان شفاءً لأرواحهم وأجسادهم، وزَكتْ به نفوسهم، وسَمَتْ أخلاقهم، وصَلُحَتْ سرائرهم، وأعلى الله -تعالى- به شأنهم، واستحقوا أنْ يكونوا أهل القرآن الكريم «أهل الله وخاصته»، وعن عمر رضي الله عنه قال : قال رسول اللهصلى الله عليه وسلم : «إنّ اللهَ تعالى يَرفعُ بهذا الكتاب أقْواماً، ويَضعُ به آخرين». رواه مسلم .


معجزة دائمة
وقد جعل الله -تعالى- القرآن الكريم، معجزة دائمة للرسول صلى الله عليه وسلم وحجةً لأمته، على مدى الأيام، فقال -تعالى-: {وإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى
عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِين فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ}(البقرة: 23-24).
وقد تكفَّل الله -تعالى- بحفظ كتابه العظيم: كما قال -سبحانه-: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}(الحجر: 9)؛ فلا يستطيع جبَّارٌ أو مُلحد أن يبدِّله، أو يزيد فيه أو ينقص منه، وكما جاء في الحديث: «وأنزلتُ عليك كتابًا، لا يغسله الماء». رواه مسلم .
من فضل الله علينا
ومن فضل الله العظيم علينا: أنَّ القرآن الكريم، كلام الله -تعالى- الذي أنزله على خاتم رسله، محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ، قد أنزله الله بلغةِ العرب،
لسانِ النبي محمد صلى الله عليه وسلم وقومه؛ فكان تشريفاً لجميع العرب، كما قال -تعالى-: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ}(الزخرف: 44)، وحُجة عليهم؛ لأنه بلسانهم الذي يتكلمون به، ويفهمونه، ويسهل عليهم تدبره .


الأسباب الداعية إلى تدبر القرآن
ومن الأسباب الداعية إلى تدبر القرآن: أمْرُ الله -تعالى- لنا بذلك بأنْ نقفَ مع آياته الكريمة، وأنْ نفهمها ونتدبرها، وأنه ما أنزل القرآن الكريم إلاّ من أجْل أن يُتأمل
ويتدبر ليعمل به ويمتثل، كما قال -سبحانه وتعالى- مُقرّراً أنه قد أنزله مباركًا ليدبروا آياته، وليتذكر أولو العقول: {كتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ}(ص: 29)؛ فهذه (اللام) في (ليَدّبّروا) و(ليتذكر) لام الغاية والحِكمة، فمن لم يأخذ حظَّه مَن تدبر القرآن العظيم، لم يأخذ حظّه من بركته وهدايته، فعلى قدر سعيك في الفهم والتَّدبُّر والتأمل، يكون حظك من بركة هذا الكتاب العظيم، وعلمه وفضله، وهدايته ونوره.
وقد وَصَف اللهُ -جل جلاله- القرآن الكريم في مواضع بالبركة، فقال: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ
بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ}(الأنعام: 92)، وما ذكره -جل وعلا- في هذه الآية الكريمة من أنَّ هذا القرآن مبارك، أكّده في مواضع متعددة من كتابه، فقال -تعالى-: {وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ} (الأنبياء :50).


أي: هذا القرآن العظيم ذكر مبارك، أي: كثير البركات والخيرات؛ لأنَّ فيه خير الدنيا والآخرة، ثم وبَّخ من ينكرونه بقوله: {أفأنتم له منكرون}؛ أفأنتم أيها القوم لهذا الكتاب الذي أنزلناه إلى محمد منكرون، وتقولون هو {أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر فليأتنا بآية كما أرسل الأولون}، وكقوله -تعالى-: {وهذا كتابٌ أنزلناه مباركٌ فاتبعوه واتقوا لعلكم تُرحمون}(الأنعام: 155)، وقوله فيها أيضا قبله: {وهذا كتابٌ أنزلناه مباركٌ مُصدّق الذي بين يديه}(الأنعام: 92). والبركة: هي النَّماء والزيادة، والثبات والدّوام، فقرّر بهذه الكلمة نَعْتينِ عظيمين للكتاب العزيز:
1- وفْرة عطائه وكثرته .
2- دوام نفعه وتجدّده واستمراره .

قال -سبحانه-: {قلْ لو كانَ البحرُ مداداً لكلماتِ ربي لنفدَ البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مدداً}(الكهف: 109).
فنرجو الله -تعالى- السميع القريب المُجيب أنْ تغمرنا بركات هذا الكتاب العظيم المبارك، بتوفيقٍ منه -تعالى- لنا لتدبر آياته، والعمل بما فيها من الحلال والحرام،
والأوامر والنواهي، والمكارم والآداب، امتثالاً واجتناباً، إنه سميع الدعاء .
استخراج ما فيه من خيرٍ متجدّد

ولذا فقد حثّ الله -سبحانه- على تدبّر كتابه: لاستخراج ما فيه من خيرٍ متجدّد، لا يزول ولا يَحول، ولا يَغِيض ولا ينقص، فهو لا يَصْلُحُ لكلِّ زمانٍ ومكانٍ، وعصرٍ ومصرٍ فحسـب، بل هـو يُصلِح كلّ زمان ومكان، وفرد ومجتمع، ويقوّمه ويقيمه على سواء الصراط، كما قال -عز وجل-: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيرا}(الإسراء : 9).
تيسير حفظه وتدبره

وقد يسر الله حفظ وتدبّر وتلاوة كتابه للناس: قال -تعالى-: {ولقد يسَّرنا القُرآنَ للذّكرِ فهلْ من مُدَّكر}(القمر: 22).
قال السُّدي : يَسَّرنا تلاوته على الألسن، وقال الضحاك عن ابن عباس: لولا أنَّ الله يسّره على لسان الآدميين، ما اسْتطاع أحدٌ من الخَلق أنْ يتكلم بكلام الله عز
وجل.
فالله -تعالى- سهَّله لهم في الحِفظ والقراءة؛ فيمكنهم حفظه بسهولةٍ ويسر، ولم يكن شيءٌ من كتب الله -تعالى- يحفظ عن ظهر القلب ، غير القرآن، وأيضا سهّله لهم
للاتعاظ والتذكّر به؛ حيث أتى فيه بكل حكمةٍ وموعظة وعلم ورشاد وجعله؛ بحيث يعلق بالقلوب ويستلذ بسماعه، ولا يسأم من سمعه وفهمه ، ولا يقول : قد سمعته فلا أسمعه، بل كل ساعة يزداد منه لذة وعلما.
وقوله -تعالى-: {فهل من مدّكر} أي: هل من متذكرٍ بهذا القرآن، الذي قد يسّر اللهُ حفظه ومعناه؟
فسهل الله لنا لفظه، ويسر معناه، لمن أراده، ليتذكر الناس، كما قال في الآية الأخرى: {كتابٌ أنْزلناه إليك مباركٌ ليدَّبروا آياته وليتذكّر أولوا الألباب}(ص: 29)،
وقال -تعالى-: {فإنما يسَّرناه بلسانكَ لتُبشِّر به المُتقين وتُنذر به قَوماً لُدا}(مريم: 97)، يعني بيّناه بلسانك العربي، وجعلناه سَهْلاً على مَن تدبّره وتأمّله.

وقيل: أنزلناه عليك بلسان العرب، ليسهل عليهم فهمه، ولتبشِّر به المتقين، وتنذر به قوما لداً، واللّد جمع الألد، وهو شديدُ الخُصومة، ومنه قوله -تعالى-: {ألد
الخِصام}(البقرة : 204).

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #18  
قديم 23-05-2019, 08:27 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,607
الدولة : Egypt
افتراضي رد: قراءة القرآن فى رمضان ___متجدد



شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن
قَوَاعِدُ في تَدبُّر القُرْآنِ الكَرِيم وضَوَابطُ الفَهم

الشيخ.محمد الحمود النجدي
(18)


قال الله -تعالى-: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}(الشورى: 52)؛ فالقرآن العظيم هو الروح والرحمة لهذه الأمة الإسلامية ، وهو المنَّة الكبرى، التي امتن بها على عباده، والنعمة العظمى في الدنيا، المتصلة بخير الآخرة، لا تفنى عجائبُه، ولا تعد ولا تُحصَى معانِيهِ وفوائدُه، فهو كلامُ اللهِ اللطيف الخبيرِ، العليم الحكيم، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيلٌ من حكيم حميد.


وقد شدَّد الله -تعالى- النَّكير على المُعرضين عن تدبر كتابه الكريم، والتفكّر في آياته المباركة، فقال -سبحانه-: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا}(النساء: 82)، قال الحافظ ابن كثير: «يقول -تعالى-: آمراً لهم بتدبر القرآن، ناهياً لهم عن الإعراض عنه، وعن تفهم معانيه المُحْكمة،
وألفاظه البليغة، ومخبراً لهم أنه لا اختلاف فيه، ولا اضطراب ولا تعارض؛ لأنه تنزيل من حكيم حميد، فهو حقٌ من حق ، ولهذا قال -تعالى-: {أفلا يتدبرون القرآنَ أم على قلوبٍ أقفالها}، ثمقال: {ولو كان مِنْ عند غير اللّه} أي: لو كان مُفتعلاً مخْتلقاً، كما يقوله مَن يقول من جهلة المشركين، والمنافقين في بواطنهم، لوجدوا فيه اختلافاً، أي: اضطراباً وتضاداً كثيراً، وهذا سالمٌ من الاختلاف، فهو من عند اللّه». انتهى .

وقال -عزّ من قائل-: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}(محمد: 24)، قال الطبري: يقول -تعالى- ذكره: أفلا يتدبر هؤلاء المنافقون مواعظ الله التي
يَعظهم بها في آي القرآن، الذي أنزله على نبيه صلى الله عليه وسلم ، ويتفكَّرون في حُججه التي بيّنها لهم في تنزيله، فيعلموا بها خطأَ ما هم عليه مقيمون؟ {أم على قلوبٍ أقفالها}، يقول: أم أقفلَ الله على قلوبهم؟ فلا يعقلون ما أنزلَ اللهُ في كتابه من المواعظ والعبر! انتهى. وقال -عز وجل-: {قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءهُم مَّا لَمْ يَأْتِ آبَاءهُمُ الْأَوَّلِينَ }(المؤمنون : 66- 68).

يقول -تعالى- ذكره: أفلم يتدبر هؤلاء المشركون تنزيل الله وكلامه ، فيعلموا ما فيه من العِبر، ويعرفوا حُجج الله التي احتجّ بها عليهم فيه؟ {أمْ جاءهم ما لم يأت
آباءَهم الأَولين}، أم جاءهم ما لم يأتِ من قبلهم من أسلافهم ، فاسْتكبروا عن ذلك وأعرضوا، فقد جاءت الرسل من قبلهم، وأنزلت معهم الكتب، فالتفكر والتدبر والوقوف مع الآيات وتأملها، أمرٌ دعتْ إليه نصوص متظاهرة، ولأجله أنزل القرآن العظيم، ونهتْ عن الإعراض عنه، والانصراف لغيره، قال الحسن -رحمه الله-: «نزلَ القرآن ليتدبر ، ويعمل به».


وقال الإمام ابن القيم في المدارج: «فليس شيءٌ أنفع للعبد في معاشه ومعاده، وأقرب إلى نجاته: من تدبّر القرآن، وإطالة التأمل، وجمع الفكر على معاني آياته؛
فإنها تُطلع العبد على معالم الخير والشر بحذافيرهما، وعلى طرقاتهما وأسبابهما وغاياتهما وثمراتهما، ومآل أهلهما، وتضع في يده مفاتيح كنوز السعادة والعلوم النافعة، وتثبت قواعد الإيمان في قلبه ، وتشيد بنيانه، وتوطّد أركانه، وتريه صورة الدنيا والآخرة، والجنة والنار في قلبه، وتحضره بين الأمم، وتريه أيام الله فيهم، وتبصره مواقع العبر، وتشهده عدل الله وفضله ، وتعرفه ذاته وأسماءه وصفاته وأفعاله وما يحبه وما يبغضه، وصراطه الموصل إليه، وما لسالكيه بعد الوصول والقدوم عليه، وقواطع الطريق وآفاتها.

وتعرّفه النفسَ وصفاتها، ومُفسدات الأعمال ومُصحّحاتها، وتعرفه طريق أهل الجنة وأهل النار ، وأعمالهم وأحوالهم وسِيماهم، ومراتب أهل السعادة وأهل الشقاوة، وأقسام الخَلْق واجتماعهم فيما يجتمعون فيه، وافتراقهم فيما يفترقون فيه، وبالجملة: تُعرّفه الرب المدعو إليه، وطريق الوصول إليه، وما له من الكرامة إذا قدم عليه. وتُعرّفه في مقابل ذلك ثلاثة أخرى: ما يدعو إليه الشيطان، والطريق الموصلة إليه، وما للمستجيب لدعوته من الإهانة والعذاب ، بعد الوصول إليه.انتهـى .

أحكام كلّ شيء

وقد جمع الله -سبحانه وتعالى- في القرآن العظيم أحكام كلّ شيء ، كما قال -تعالى-: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ}
(النحل:89)، فقوله: {ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء}، قال ابن مسعود رضي الله عنه: وقد بيّن لنا في هذا القرآن كلَّ علم ، وكلَّ شيء، وقال مجاهد: كلُّ حلالٍ وحرام، وقول ابن مسعود رضي الله عنهأعمّ وأشمل .

وقال الله تعالى-: {وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً}(النساء: 113)، قال القفّال -رحمه الله-: هذه الآية تحتمل وجهين:


- أحدهما: أنْ يكون المراد ما يتعلق بالدّين، كما قال: {ما كنتَ تَدْري ما الكتابُ ولا الإيمان}(الشورى: 52)، وعلى هذا الوجه، تقدير الآية: أنزل الله عليك الكتاب والحكمة، وأطلعك على أسرارهما، وأوقفك على حقائقهما، مع أنك ما كنت قبل ذلك عالماً بشيءٍ منهما؛ فكذلك يفعل بك في مستأنف أيامك، لا يقدر أحدٌ من المنافقين على إضلالك وإزْلالك .

- الوجه الثاني: أنْ يكون المراد: وعلّمك ما لم تكن تعلم من أخبار الأولين؛ فكذلك يعلمك من حيل المنافقين ووجوه كيدهم، ما تقدر به على الاحتراز عن وجوه
كيدهم ومكرهم، ثم قال: {وكان فضل الله عليك عظيما}، وهذا من أعظم الدلائل، على أن العلم أشرف الفضائل والمناقب. (التفسير الكبير).

كلماتٍ مذكّرة وقواعد مهمة

ولَمَّا كان كثيرٌ من المسلمين قد أعرضوا عن القرآن فهمًا وتدبرًا، وعلماً وعملاً، وكان كثير ممَّن يقرؤه لا يعرف كيف يتدبَّره! ولا كيف يفهمُه ؟! على النحو الصحيح، وعملاً بقوله -تعالى-: {وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين}(الذاريات: 55)؛ فإنني أحببتُ أنْ أجمعَ كلماتٍ مذكّرة، وقواعد مهمة ، لفهم لكتاب الله -عزّ وجل- وكيفية فهمه وتدبره، تُساعد على تدبر القرآن الكريم، وفهمه الفهم السليم، أسأل الله أنْ ينفع بها طلاب العلم جميعا، المتعلمين منهم والمعلمين، إنه سميعُ مجيب الدعاء.

تمهيد

- القواعد: جَمعُ قاعدة ، وقَواعِدُ الْبَيتِ: أَسَاسُهُ ، وَفِي التَّنْزِيل: {وإذْ يَرْفعُ إبراهيمُ القواعدَ مِنَ البَيِت وَإِسْمَاعِيل}(البقرة: 127)، وفيه: {فَأتى اللهُ بُنيانهم من
الْقَوَاعِد}(النحل: 26)، وعلى هذا: فالقاعدة: الأصلُ الذي تنبني عليه المسائلُ، والفروع . و(التدبر): أصل الكلمة اللغوي لكلمة تدبر ، هو : آخر الشيء، وخَلْفَه خلاف قبله، ويقال : دَبَّرَ الأَمْرَ وتَدَبَّرَه: نَظَر في عاقِتَبِه ، واسْتَدْبَرَه : رَأَى في عاقِبتِه، ما لَمْ يَرَ في صَدْرِه، قال البغوي: «التدبر: هو النظر في آخر الأمر، ودُبُر كل شيء آخره»؛ فالتدبر : هو تأمُّل الآيات القرآنية ، للاهتداء بما دلّت عليه علماً وعملاً .


الفرق بين التدبر والتفسير


بين التدبر والتفسير ، فرقاً من جهة المعنى؛ فالتدبر قد مرّ التعريف به، أما التفسير: فإنَّ مادة التفسير تدور على: بيان شيءٍ وإيضاحه، يقال : فَسَر الشيءَ يفسِرُه، بالكَسر، ويفْسُرُه بِالضَّمِّ، فَسْراً وفَسَّرَهُ: أَبانه، والتَّفْسيرُ مثْلُهُ، والفَسْرُ: كَشْفُ المُغَطّى، والتَّفْسير كَشف المُراد عَنِ اللَّفْظِ المُشْكل. وبهذا يتبين أنّ دائرة التدبر أوسع من التفسير ، من جهة أن التدبر هو إعمال النظر في مآلات الألفاظ والمعاني، قال الحسن البصري: العلم عِلْمان: علمٌ في القلب؛ فذاك العلم النافع، وعلمٌ على اللسان، فتلك حجّة الله على خلقه .

ففهم القرآن نوعان: النوع الأول: فهمٌ علمي معرفي، والنوع الثاني : فهمٌ قلبي إيماني .

- فالنوع الأول: يدخل فيه تفسير معاني الغريب، والعلم بمعاني الآيات، واستنباط الأحكام ، والحلال والحرام، وأنواع الدلالات، وأهل العلم يغترفون من علومه،
على قَدر ما آتاهم الله تعالى من العلم والفهم في كتابه، كما قال -تعالى-: {فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا} (الرعد : 17).

- والنوع الثاني: هو الفهم الإيماني القلبي، الذي ينتج عن تأملِ قارئ القرآن لما يمرُّ به من آياتٍ كريمة ، يعرف معانيها، ويفهم دلالاتها، فيتوقف عندها متأملاً، متفكراً متدبراً، يُحرّك بها قلبه، ويَعرض عليها نفسه وعلمه وعمله ، فإنْ كان من أهل الخير والصلاح والاستقامة، حَمِد الله على ذلك، وإنْ لم يكن من أهلها، حاسب نفسه، وتاب واستغفر واستعتب، والفهم الثاني هو الغاية، والأول إنما هو وسيلة له، ونبدأ في استعراض تلك القواعد في الحلقات القادمة إن شاء الله.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #19  
قديم 24-05-2019, 08:34 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,607
الدولة : Egypt
افتراضي رد: قراءة القرآن فى رمضان ___متجدد


شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن
قَوَاعِدُ في تَدبُّر القُرْآنِ الكَرِيم وضَوَابطُ الفَهم

الشيخ.محمد الحمود النجدي
(19)

لَمَّا كان كثيرٌ من المسلمين قد أعرضوا عن القرآن فهمًا وتدبرًا ، وعلماً وعملاً، وكان كثير ممَّن يقرؤه لا يعرف كيف يتدبَّره؟ ولا كيف يفهمُه على النحو الصحيح؟ وعملاً بقوله -تعالى-: {وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين}(الذاريات: 55)؛ فإنني أحببتُ أنْ أجمعَ كلماتٍ مذكّرة، وقواعد مهمة تُساعد على تدبر القرآن الكريم، وفهمه الفهم السليم، أسأل الله أنْ ينفع بها طلاب العلم جميعا ، المتعلمين منهم والمعلمين، واليوم مع القاعدة الأولى.


الفهم للقرآن أولاً


لابدّ لمن أراد تدبر القرآن من فهمه أولاً، والنظر في معناه، وما تدلّ عليه الآيات، من كلام أهل العلم والإيمان، وقراءة ما كتبوا في تفسير القرآن الكريم، فلا يأتي التدبر دون فهم المعاني ومعرفة الألفاظ العربية ومدلولاتها؛ فهذا مما لا يُخالف فيه أحدٌ مِن أهل العلم!

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في فتاويه: «وتدبّر الكلامِ بدون فهم معانيه، لا يُمْكن». فتاوى ابن تيمية (13/ 331-332)، وقال أيضًا -رحمه الله- في مقدمة أصول التفسير: «يجب أنْ يُعْلم أنّ النبي صلى الله عليه وسلم بيّن لأصحابه معاني القرآن، كما بيَّن لهم ألفاظه، كقوله -تعالى-: {لتُبين للناسِ ما نُزِّل إليهم}(النحل: 44)، يتناول هذا وهذا «.

ويقول الإمام الزركشي -رحمه الله تعالى-: «التفسير علمٌ يُفهَم به كتاب الله المنزَّل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، وبيان معانيه، واستخراج أحكامه وحِكَمه
، واستمداد ذلك من علم اللغة والنحو والتصريف، وعلم البيان، وأصول الفقه، والقراءات، ويحتاج لمعرفة أسباب النزول، والناسخ والمنسوخ» البرهان في علوم القرآن ( 1/ 13) .

وقال أيضاً: «ينقسم القرآن العظيم إلى: ما هو بين بنفسه بلفظ لا يحتاج إلى بيان منه، ولا من غيره، وهو كثير، ومنه قوله -تعالى-: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ...}(التوبة : 112). وقوله: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ...} (الأحزاب: 35).

والثاني: ككثير من أحكام الطهارة، والصلاة، والزكاة، والصيام، والحج والمعاملات والأنكحة والجنايات، وغير ذلك كقوله -تعالى-: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ}(الأنعام: 141)، ولم يَذكر كيفية الزكاة ، ولا نِصابها ولا أوْقاتها، ولا شروطها ولا أحوالها، ولا مَنْ تجب عليه ممن لا تجب عليه، وكذا لم يُبيّن عدد الصلاة ولا أوقاتها.

أحسن طرق التفسير


فإنْ قال قائل: فما أحسن طرق التفسير؟

نقول: قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- كما في مجموع الفتاوى (363/13) في الجواب عن ذلك -: «-إنَّ أصحّ الطرق في ذلك -: أن يُفَسَّر القرآن بالقرآن؛
فما أُجْمِل في مكان، فإنه قد فُسِّر في موضع آخر، فإنْ أعياك ذلك، فعليك بالسُّنة؛ فإنها شارحةٌ للقرآن وموضّحةٌ له، بل قد قال الإمام أبوعبد الله محمد بن إدريس الشافعي -رحمه الله-: كل ما حَكم به رسولُ الله[؛ فهو مما فهمه من القرآن، قال الله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا}(النساء: 105)، وقال -تعالى-: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}(النحل: 44)، وقال -تعالى-: {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}(النحل: 64)؛ ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ألا إني أوتيتُ القُرآنَ، ومثلُه معه« (رواه أحمد وأبو داود). يعني: السُّنة .

والسُّنة أيضًا تنزل عليه بالوحي، كما ينزل القرآن؛ إلا أنها لا تُتلى كما يتلى القرآن، وقد استدل الإمام الشافعي -رحمه الله- وغيره من الأئمة على ذلك بأدلةٍ كثيرة،
ليس هذا موضع ذلك، والغرض : أنك تطلب تفسيرَ القرآن منه، فإنْ لم تجدْه فمن السُّنة .


الرجوع على أقوال الصحابة


وحينئذ، إذا لم نجد التفسير في القرآن ولا في السنة، رجعنا في ذلك إلى أقوال الصحابة؛ فإنهم أدْرى بذلك؛ لما شاهدوا من القرائن والأحوال التي اختصُّوا بها؛ ولما لهم من الفهم التام، والعلم الصحيح، والعمل الصالح، ولاسيما علماؤهم وكبراؤهم، كالأئمة الأربعة والخلفاء الراشدين ، والأئمة المهديين ، وعبد الله بن
مسعود -رضي الله عنه-.

قال الإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري: عن مسروق قال: قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : «والذي لا إله غيره، ما نزلت آية من كتاب الله، إلا وأنا
أعلم فيمن نزلت ، وأين نزلت، ولو أعلمُ مكانَ أحدٍ أعلم بكتاب الله مني، تناله المَطايا، لأتيته».

وعن أبي وائل عن ابن مسعود أيضاً قال: كان الرجل منَّا إذا تعلم عشر آياتٍ، لم يُجاوزهن حتى يعرف معانيهن، والعمل بهن، ومنهم الحَبر البحر : عبد الله بن
عباس -رضي الله عنهما- ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وترجمان القرآن، ببركة دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم له؛ حيث قال: «اللهم فقِّهه في الدِّينِ، وعلّمه التأويل». متفق عليه .

وروى ابن جرير: عن مسروق قال: قال عبد الله يعني ابن مسعود: «نِعمَ ترجمان القرآن ابن عباس»، وقد مات ابن مسعود في سنة ثلاث وثلاثين على الصحيح، وعُمِّر بعده ابن عباس ستا وثلاثين سنة، فما ظنك بما كَسَبه من العلوم بعد ابن مسعود؟!

وقال الأعمش عن أبي وائل: اسْتَخلَف عليٌ رضي الله عنه عبد الله بن عباس على الموسم، فخطب الناس، فقرأ في خطبته سورة البقرة - وفي رواية: سورة النور - ففسرها تفسيرًا لو سمعته الروم والترك والديلم؛ لأسْلموا.

وكما جاء في حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه عندما سأله سائل، فقال له: «هل خصَّكم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بشيء ؟» -أي: أنتم وأهل بيته - فقال: «لا والذي برأ النَّسَمة، وفلقَ الحبَّة، ما خصَّنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيءٍ ، إلا ما في هذه الصَّحيفة، وأخْرجها فإذا فيها أسْنان الإبل، وفهماً في كتاب اللهِ، يؤتيه الله مَن يشاء». متفق عليه.

وكذلك ما ورد عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه ، وأُبَي بن كعب رضي الله عنه، وغيرهم، ولا يزال هذا الفهم في الأمة، ما بقي القرآن والإيمان .


قال شيخ الإسلام: إذا لم تجدْ التفسير في القرآن ، ولا في السُّنة ، ولا وجدته عن الصحابة ، فقد رجع كثيرٌ من الأئمة في ذلك إلى أقوال التابعين، كمجاهد بن جبر؛ فإنه كان آية في التفسير، كما قال عن (نفسه): عرضتُ المصحف على ابن عباس ثلاثَ عرضات، من فاتحته إلى خاتمته، أُوقفه عند كل آية منه، وأسأله عنها،
وروى الترمذي: عن قتادة قال: ما في القرآن آية، إلا وقد سمعتُ فيها شيئًا، وكسعيد بن جبير ، وعكرمة مولى ابن عباس، وعطاء بن أبي رباح، والحسن البصري، ومسروق بن الأجدع، وسعيد بن المسيب، وأبي العالية، والربيع بن أنس، وقتادة، والضحاك بن مزاحم، وغيرهم من التابعين وتابعيهم، ومن بعدهم ، فتذكر أقوالهم في الآية، فيقع في عباراتهم تباين في الألفاظ، يحسبها من لا علمَ عنده اختلافًا، فيحكيها أقوالاً، وليس كذلك.

فإنَّ منهم من يعبّر عن الشيء بلازمه أو نظيره، ومنهم من ينصّ على الشيء بعينه، والكلُّ بمعنى واحد في كثير من الأماكن، فليتفطّن اللبيب لذلك، والله الهادي ..
« انتهى بتصرف وزيادة يسيرة.

ففهمُ آيات القرآن وَفْق تفسير السلف الصالح، من الصحابة والتابعين وأتباعهم، لا مَحِيد عنه؛ لمَن أراد أن يفهم عن اللهِ -سبحانه وتعالى- كلامه، فإنَّ هؤلاء
عاصروا التنزيل ، وكانوا أعلمَ الناس بكلام العرب، وشاهدوا كيفية تطبيق القرآن والعمل به.


تنبيه مهم

لا يجوز الخروج عن منهج السلف في فهم القرآن الكريم: فمنهجهم ـ في جملته ـ معصومٌ عن الخطأ، وإذا أجمعوا على تفسير فلا يكون الصواب في خلافه، ويبقى جهد من بعدهم في التأمل فيه، وتنويع الأمثلة التي تقاس عليه، أو تدخل تحته، لحديث النبي صلى الله عليه وسلم : «لا تَجتمع أُمتي على ضَلالة». رواه ابن ماجة والطبراني وغيرهما .

ومعناه: أن أمة النبي صلى الله عليه وسلم التي آمنتْ به، لا تجتمع وتتفق على حكم شرعي، ثم يكون ذلك الحكم ضلالة؛ بل إذا اجتمعت على حكم ؛ فإنّ اجتماعها
عليه دليل على أنه حقٌ ، فهي لا تجتمع ولا تتفق على ضلالة، بل على الحق، قال السندي في شرحه: قوله: «إِنَّ أُمَّتِي لا تَجْتَمِع على ضَلَالَة» أَيْ: الكُفْر، أَو الفِسْق، أَو الخَطَأ في الاجْتِهاد. اهـ .

وليس المراد بذلك أفراد الألفاظ التي نُقلت عنهم ، فقد تختلف فيها الروايات، بل المقصود منهجهم وطريقتهم، فمن عدل عنها فقد أخطأ بلا ريب؛ لأنَّ إحداث طريقة في التفسير تخالف طريقتهم، هو طعنٌ في علمهم، وهذا ضلال مبين .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «فإنَّ الصحابة والتابعين والأئمة، إذا كان لهم في تفسير الآية قولٌ، وجاء قوم فسروا الآية بقولٍ آخر، لأجل مذهبٍ اعتقدوه ، وذلك المذهب ليس من مذاهب الصحابة والتابعين لهم بإحسان، صاروا مشاركين للمعتزلة وغيرهم من أهل البدع في مثل هذا». وفي الجملة من عَدَل عن مذاهب الصحابة والتابعين وتفسيرهم إلى ما يخالف ذلك كان مخطئًا في ذلك، بل مبتدعًا، وإنْ كان مجتهدًا مغفورًا له خطؤه؛ فالمقصود بيان طرق العلم وأدلته ، وطرق الصواب.

أعلم الناس بالقرآن

ونحن نعلم أن القرآن قرأه الصحابة والتابعون وتابعوهم، وأنهم كانوا أعلم بتفسيره ومعانيه، كما أنهم أعلمُ بالحقّ الذي بعث اللّه به رسوله؛ فمن خالف قولهم وفسّر
القرآن بخلاف تفسيرهم، فقد أخطأ في الدليل والمدلول جميعاً، ومعلوم أن كل مَن خالف قولهم له شبهة يذكرها، إما عقلية وإما سمعية، كما هو مبسوط في موضعه». مقدمة في أصول التفسير لابن تيمية.


فالواجب إذاً: على مَنْ أراد فهم كتاب الله -تعالى- الرجوع إلى كتب التفسير ، التي جمعت كلام السلف من أهل الفقه والفهم في كتاب الله، ويبدأ بالمختصر منها ، قبل المطوّل؛ فالمختصر ككتب غريب القرآن، لابن قتيبة والهروي وغيرهما، وزبدة التفسير للأشقر، والتفسير الميَسَّر لنُخْبَة من العلماء، والهدى والبيان في كلماتِ القرآن، لكاتبه.

والمتوسط كتفسير السعدي، وأيسر التفاسير للجزائري، والمطول كتفسير الطبري والبَغَوي والسمعاني وابن كثير وغيرها، والتفسير المختصر يبين معاني القرآن
الكريم، بعِبارةٍ وجيزة، وألفاظٍ قليلة .

فدراسة تفاسير أهل العلم، والإكثار من النظر والقراءة فيها، سبيلٌ إلى التدبّر الصحيح لكتاب الله عز وجل ، وهم الذين فهموا القرآن وَفْق الأصول السابقة، وآتاهم اللهُ فهمًا في القرآن، والقرآن لا تزال عجائبه تظهر، وإنَّ الفهمَ فيه يظلُّ أبداً ما دام القرآن في الأرض.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #20  
قديم 25-05-2019, 11:44 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,607
الدولة : Egypt
افتراضي رد: قراءة القرآن فى رمضان ___متجدد




شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن
قَوَاعِدُ في تَدبُّر القُرْآنِ الكَرِيم وضَوَابطُ الفَهم



الشيخ.محمد الحمود النجدي

(20)


لَمَّا كان كثيرٌ من المسلمين قد أعرضوا عن القرآن فهمًا وتدبرًا ، وعلماً وعملاً، وكان كثير ممَّن يقرؤه لا يعرف كيف يتدبَّره؟ ولا كيف يفهمُه على النحو الصحيح؟ وعملاً بقوله -تعالى-: {وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين}(الذاريات: 55)؛ فإنني أحببتُ أنْ أجمعَ كلماتٍ مذكّرة، وقواعد مهمة تُساعد على تدبر القرآن
الكريم، وفهمه الفهم السليم، أسأل الله أنْ ينفع بها طلاب العلم جميعا، المتعلمين منهم والمعلمين، واليوم نستكمل باقي القواعد.

وجوب تعلم لغة العرب التي نزل بها القرآن


القاعدة الثانية هي وجوب تعلُّم لغة العرب، ومعرفة معاني ألفاظ الكلمات العربية، ومفردات اللغة، فلابد أنْ يُعرف المقصود من الأسماء الشرعية، كالإيمان والإسلام ، والكفر والنفاق، والبر والتقوى ، والعلم واليقين ، والصلاة والزكاة، والصوم، والحج والعمرة، والجهاد والرباط، والولاء والبراء، وغيرها من الأسماء
الشرعية، وكذا سائر كلامِ العرب الذي نزلَ به القرآن الكريم.

وكذلك معرفة طرائق العرب في التعبير، وأساليبهم في الخطابة والبيان؛ فإنَّ القرآن عربي، وقد نزل بهذه اللغة، ووَفْق أساليب العرب في الكلام والبيان، واشتمل
على معظم بلاغة العرب في كلامهم المنظوم والمنثور، فاستخدم التشبيه، وضرب الأمثال، والمدح والذم، والإغراء والتنفير، والتقديم والتأخير للأغراض البيانية، وكذلك الحذف والإيجاز والإطناب في مواضعه، والالتفات من الخِطاب إلى الغَيبة والعكس، والتعريف والتنكير، وغيرها من الأساليب البيانية، فمَن لا يَعرف طرائق العرب في البيان، فإنه لا يستطيع أن يفرِّق مثلا: بين {إِيَّاكَ نَعْبُد} و: نعبدك {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} و: نستعين بك.


التحدِّي والإعجاز


وانظر إلى التحدِّي والإعجاز في قوله: {وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا وَلَن تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ}(البقرة: 23- 24)، {فإنْ لم تفعلوا} إنْ لم تأتوا بسورة من مثله, وقد تظاهرتم أنتم وشركاؤكم
عليه وأعوانكم، فتبين لكم بامتحانكم واختباركم، عجزكم وعَجزُ جميع الخلق عنه, وعلمتم أنه من عند الله, ثم أقمتم على التكذيب به! وقوله: {ولن تفعلوا} أي : لنْ تأتوا بسورة من مثله أبدًا، يشمل الحاضر والمستقبل، القريب والبعيد، وهكذا كان، قال قتادة: لا تقدرون على ذلك، ولا تُطيقونه، وكذلك في قوله -سبحانه-: {قل لئنْ اجتمعت الإنسُ والجن على أنْ يأتوا بمثلِ هذا القرآن لا يأتونَ بمثله ولو كان بعضُهم لبعض ظهيراً}(الإسراء: 88).

فالخلاصة: يجب معرفة كلام العرب في معاني مفرداته، وقواعدهم في الخطاب، وأساليبهم في البيان، وهذا ما تتضمَّنه اليوم معاجم اللغة، وكتب غريب القرآن،
وعلم النَّحو والصَّرف، وعلم البلاغة.

فيجبُ على المسلم المُرِيد تدبُّر القرآن، أن يكون على قدرٍ من هذه العلوم، وإلا جَهِل الأساس الذي يُفهم به القرآن الكريم .


دراسة سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم العطرة

القاعدة الثالثة هي دراسة سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ، ومعرفة حياته وأحواله، وأخلاقه وشمائله، وجهاده وعباداته ومعاملاته، والإلمام بأقواله وأفعاله؛
فهذا مما يعين على فهم القرآن وتدبره، وذلك أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم قد فسَّر القرآن بقوله، وأقامه بعمله، وبينه بخُلقه[، كما أمره الله -تعالى- فقال -سبحانه-: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نُزل إليهم ولعلهم يتفكرون}(النحل: 44)؛ فيقول الله -تعالى- له: وأنزلنا إليك - يا محمد - هذا القرآن تذكيراً للناس، وعظةً لهم {لتبين للناس}، يقول: لتعرّفهم ما أُنزل إليهم من ذلك {ولعلهم يتفكرون}، أي: وليتذكروا بما فيه، ويعتبروا به ، أي : بما أنزلنا إليك.

فمعرفةُ السُّنن القولية والعملية التي بيَّن الرسول صلى الله عليه وسلم بها الكتاب العزيز، يُعين بلا شك على فهم الكتاب وتدبره، فإنَّ القرآن قد جعل الله بيانه
لرسوله صلى الله عليه وسلم، كما سبق في قوله -تعالى-: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُون} (النحل: 44)؛ فالطهارة، والصلاة، والزكاة، والصوم، والحج والعمرة، وسائر العبادات المأمور بها في القرآن، لا يمكن معرفة أحكامها وحدودها ، وشروطها وأركانها ، ومواقيتها الزمانية والمكانية ، وغير ذلك ، إلا ببيان الرسول[ لها ، والرجوع إلى سُنته.

المِثال الكامل للأمة الإسلامية


وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم هو المِثال الكامل للأمة الإسلامية، المثال الذي يحبُّه الله -تعالى- ويريد من كلِّ مؤمن ومؤمنة أن يكون مقتدياً به، متبعاً له، كما قال تعالى-: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (الأحزاب : 21).

قال الحافظ ابن كثير: هذه الآية الكريمة أصلٌ كبيرٌ في التأسي برسول الله[ في أقواله وأفعاله وأحواله; ولهذا أمر الناس بالتأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب، في صبره ومُصابرته ومرابطته ومجاهدته، وانتظاره الفرج من ربه -عز وجل- صلوات الله وسلامه عليه- دائما إلى يوم الدين; ولهذا قال -تعالى- للذين تقلقوا وتضجروا، وتزلزلوا واضطربوا في أمرهم يوم الأحزاب: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة}، أي: هلا اقتديتم به وتأسيتم بشمائله ؟ ولهذا قال : {لمنْ كانَ يَرجو اللهَ واليومَ الآخر وذكرَ الله كثيراً}. انتهى. ولمَّا سُئِلت عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- عن خُلُق الرسول صلى الله عليه وسلم، قالت : «كان خُلُقه القرآنَ». رواه مسلم .

قال النووي -رحمه الله تعالى- في (شرح مسلم) (3/268): «معناه: العمل به، والوقوف عند حدوده، والتأدب بآدابه، والاعتبار بأمثاله وقصصه، وتدبره، وحسن
تلاوته». انتهى. وقال ابن رجب في (جامع العلوم والحكم) (1/148) : «يعني أنه كان يتأدَّب بآدابه، ويتخلق بأخلاقه، فما مَدَحه القرآن كان فيه رضاه، وما ذمه القرآن كان فيه سخطه، وجاء في رواية عنها قالت: «كَانَ خُلُقُهُ القُرآنُ، يَرضَى لِرِضَاه، وَيَسخَطُ لِسَخَطِهِ» انتهى.

ولذلك فمحاولةُ تدبُّر القرآن الكريم بعيدًا عن دراسة سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، ستكون محاولة ناقصة؛ لأنّ الرسول صلى الله عليه وسلم هو المثل العملي والواقعي القائم بكتاب الله -سبحانه وتعالى- والمهتدي به، والمتَّبع له، قال -تعالى-: { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ}(الشورى : 52 - 53).

معرفةُ أسبابِ النزول


القاعدة الرابعةً: هي معرفة أسباب النزول؛ مما يعين على فهم القرآن، ثم تدبره، وذلك أن القرآن نزل منجَّمًا بحسب الوقائع والأحداث في ثلاثٍ وعشرين سنة ، كما هو معلوم .

ويعد علم أسباب النزول من علوم القرآن المهمة، التي لا يمكن الاستغناء عنها في تفسير كلام الله -جل في علاه- وذاك؛ لأنّ العلم بالسبب يُورث العلم بالمسبب، كما قال شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- في مقدمة أصول التفسير.


وهو من الشروط المفروضة، والعلوم المطلوبة، لمن رام تفسير القرآن، كما بيَّنه غيرُ واحد من الأعلام، كالعلامة الزركشي في البرهان، والحافظ السيوطي في الإتقان، ويقول العلامة أبو الحسن الواحدي كما نقل عنه السيوطي في الإتقان: «لا يمكن تفسير الآية، دون الوقوف على قصتها ، وبيان نزولها»، وقال الحافظ ابن دقيق العيد: «بيان سبب النزول ، طريقٌ قويٌ في فهم معاني القرآن». الإتقان (1/ 88) .

ولأهمية هذا العلم؛ فقد كان محطَّ اهتمام وتأليف منذ القدم عند العلماء، من المحدثين والمفسرين، يقول الحافظ السيوطي -رحمه الله تعالى-: أفرده بالتصنيف
جماعة، أقدمهم علي بن المَدِينِي شيخ البخاري، ومن أشهرها كتاب الواحدي ، على ما فيه من إعواز، وقد اختصره الجعبري؛ فحذف أسانيده، ولم يزد عليه شيئًا، وألَّف شيخ الإسلام أبو الفضل بن حجر كتابًا مات عنه مُسْوَدَّةً ، فلم نقف عليه كاملاً، وقد ألفْتُ فيه كتابًا موجزًا محرَّرًا، لم يؤلَّف مثله في هذا النوع، سميته: «لباب النُّقول في أسباب النزول». انتهى. الإتقان في علوم القرآن ( 1/ 87).

إجابةً عن سؤال


وأسباب النزول جاء بعضها إجابةً عن سؤال، كآيات {ويسألونك عن..}، أو تنبيهاً على خطأ حصل، كقول الله: {ما كان لنبيٍ أن يكون له أسْرى حتى يُثخنَ في الأرض...}(الأنفال: 67 )، وكقوله: {ما كان للنبي والذين آمنوا أنْ يَسْتغفروا للمشركين ... }(التوبة : 113).

ردًّاً لشبهة

أو ردًّاً لشبهة قِيلت ؛ كالردود على شُبه مُنكري التوحيد والبعث والقيامة والرسالات وغيرها، كما قال -تعالى-: {وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ
تَفْسِيرًا}(الفرقان : 33).


بياناً وتعليقًا

وجاءت أسباب النزول كذلك: بياناً وتعليقًا على وقائع وأحداث ؛ فالآيات النازلة في بدرٍ وأُحُد والخندق ، وسائر الغزوات التي نزل فيها قرآن، لا تفهم فهمًا سليمًا إلا بمعرفة وقائع هذه الغزوات، وإلا فكيف يَفهَم قارئٌ فهمًا صحيحًا قولَه -تعالى-: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ}(آل عمران: 139، 140)، إلا إذا عَرَف ما أُصِيب به المسلمون يوم أُحُد من القتل والجراح، ووقوف أبي سفيان شامخًا على رأس المسلمين بعد نهاية المعركة، يقول: اعلُ هُبَل! لنا العُزَّى ولا عُزَّى لكم! وقوله: أفيكم محمد؟ أفيكم أبو بكر؟ أفيكم عمر؟ أما هؤلاء؛ فقد قُتِلوا ... الحديث ، رواه أحمد والبخاري، وكذلك لا تُفهم آيات سورة (النور) في شأن الإفك، إلا بمعرفة سبب نزول هذه الآيات، وما قاله المنافقون في شأن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها. ومن الأمثلة كذلك: قوله -تعالى- في صدر سورة المجادلة: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا} (المجادلة: 1)، فقد جاء أنها نزلت في خولة بنت حكيم -رضي الله عنها- جاءت تشتكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم زوجها أوس بن الصامت رضي الله عنه الذي ظاهَرَها.

فالحُكم الذي ذكره الله -تعالى- في صدر هذه السورة، ليس خاصاً بخولة وأوس ابن الصامت -رضي الله عنهما- كما هو معلوم، بل هي أحكام للأمة جميعا؛ فالعبرة
بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب، كما قرره أهل الأصول، وهكذا قول الله: {يا أيها النبيُّ إذا طلقتم النساءَ فطلقوهن لعدّتهن وأحْصوا العدة ...}(الطلاق: 1)، وقوله: {يا أيها النبيُّ لم تُحرّم ما أحلَّ اللهُ لك تبتغي مرضاتَ أزواجك..}(التحريم: 1)، فهي أحكام للأمة جمعاء للتدبّر الصحيح لكتاب الله عز وجل.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 188.20 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 182.13 كيلو بايت... تم توفير 6.06 كيلو بايت...بمعدل (3.22%)]