الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة - الصفحة 8 - ملتقى الشفاء الإسلامي
 
اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12535 - عددالزوار : 215324 )           »          مشكلات أخي المصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          المكملات الغذائية وإبر العضلات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          أنا متعلق بشخص خارج إرادتي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          مشكلة كثرة الخوف من الموت والتفكير به (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          أعاني من الاكتئاب والقلق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          اضطراباتي النفسية دمرتني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          زوجي مصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 182 - عددالزوار : 61192 )           »          مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 123 - عددالزوار : 29177 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى حراس الفضيلة

ملتقى حراس الفضيلة قسم يهتم ببناء القيم والفضيلة بمجتمعنا الاسلامي بين الشباب المسلم , معاً لإزالة الصدأ عن القلوب ولننعم بعيشة هنية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #71  
قديم اليوم, 10:52 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة

الحكمـة ضالـة المؤمن (75)


{وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} (2-2)


قال بعض المؤرخين: من الممكن أن نجد مدنا بلا أسوار ولا ملوك ولا ثروة ولا آداب، ولكن لم ير إنسان قط مدينة بلا معبد، أو لا يمارس أهلها العبادة. فالعبادة من ضروريات حياة الإنسان، فهي ليست أمرا تكميليا، وليست ترفا فكريا، وإنما هي حاجة فطرية أساسية ومطلب قلبي ملح، يقول شيخ الإسلام: القلب فقير بالذات إلى الله من وجهين، من جهة العبادة - وهي العلة الغائية - ومن جهة الاستعانة والتوكل، وهي العلة الفاعلة، فالقلب لا يصلح، ولا يفلح، ولا ينعم، ولا يسر، ولا يلتذ، ولا يطيب، ولا يسكن، ولا يطمئن، إلا بعبادة ربه وحبه والإنابة.
ولو حصل له كل ما يلتذ به من المخلوقات، لم يطمئن، ولم يسكن؛ إذ فيه فقر ذاتي إلى ربه، من حيث هو معبوده ومحبوبه ومطلوبه، وبذلك يحصل له الفرح والسرور واللذة والنعمة والسكون والطمأنينة، وهذا لا يحصل له إلا بإعانة الله له، فإنه لا يقدر على تحصيل ذلك له إلا الله، فهو دائما مفتقر إلى حقيقة {إياك نعبد وإياك نستعين}؛ فإنه لو أعين على حصول كل ما يحبه ويطلبه ويشتهيه ويريده، ولم يحصل له عبادة الله، فلن يحصل إلا على الألم والحسرة والعذاب، ولن يخلص من آلام الدنيا ونكد عيشها إلا بإخلاص الحب لله، بحيث يكون الله هو غاية مراده، ونهاية مقصوده.
والعبادة وإن كانت مطلوبا شرعيا، وحقا إلهيا، إلا إن لها ثمرات طيبة، وفوائد مباركة ترجع على العباد في الدنيا والآخرة، وقد اجتهد العلماء في الوصول إلى بعض وظائف العبادة والثمرات التي تحققها في الفرد والمجتمع، ومن تلك الوظائف:
أولا: تحقيق العبودية لله تعالى والتقرب منه:
خلق الله تعالى الإنس والجن لعبادته، فقيام الإنسان بالشعائر التعبدية هو مظهر من مظاهر طاعة الله تعالى، ودليل على صدق عبودية المكلف؛ لأن الدعاوى إذا لم تؤيدها البراهين كانت أقوالا كاذبة، قال ابن القيم: وإذا كانت المحبة له هي حقيقة عبوديته وسرها، فهي إنما تتحقق باتباع أمره واجتناب نهيه، فعند اتباع الأمر واجتناب النهي تتبين حقيقة العبودية والمحبة؛ ولهذا جعل تعالى اتباع الرسول علما عليها وشاهدا لمن ادعاها، فقال تعالى:{قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله}، وهذا معنى قول الحسن: ليس الإيمان بالتمنى ولا بالتحلي، ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل.
ثانيا: العبادة تحرير للإنسان:
تحقيق العبادة لله تعالى وحده تحرير للإنسان من كل عبودية أخرى، وذلك أن الإنسان لا ينفك عن وصف العبودية؛ لأن له قلبا إما أن يكون عبدا لله، وإلا استعبدته حاجاته ومطامعه وأهواؤه، ويؤكد شيخ الإسلام هذا المعنى فيقول: فالعبد لا بد له من رزق، وهو محتاج إلى ذلك، فإذا طلب رزقه من الله صار عبدا لله، فقيرا إليه، وإذا طلبه من مخلوق صار عبدا لذلك المخلوق فقيرا إليه.
ويقول: فالحرية حرية القلب، والعبودية عبودية القلب، كما أن الغنى غنى النفس، ويقول: الرق والعبودية في الحقيقة هو رق القلب وعبوديته، فما استرق القلب واستعبده، فالقلب عبده.
ويبين رحمه الله الأثر المترتب على حرية القلب ورقه فيقول: فإن أسر القلب أعظم من أسر البدن، واستعباد القلب أعظم من استعباد البدن؛ فإن من استعبد بدنه واسترق وأسر لا يبالي إذا كان قلبه مستريحا من ذلك مطمئنا، بل يمكنه الاحتيال في الخلاص.
أما إذا كان القلب الذي هو ملك الجسم رقيقا مستعبدا متيما لغير الله، فهذا هو الذل والأسر المحض، والعبودية الذليلة لما استعبد القلب.
وعبودية القلب وأسره هي التي يترتب عليها الثواب والعقاب؛ فإن المسلم لو أسره كافر أو استرقه فاجر بغير حق لم يضره ذلك، إذا كان قائما بما يقدر عليه من الواجبات، وأما من استعبد قلبه فصار عبدا لغير الله، فهذا يضره ذلك ولو كان في الظاهر ملك الناس».
ثالثاً: تزكية النفس وتطهيرها:
العبادة سبب عظيم لتهذيب النفوس البشرية من الذنوب والأمراض التي قد تطرأ عليها، والأخلاق الرديئة التي قد تنطبع بها، وهذا ما يظهر واضحا من خلال نصوص كثيرة تربط بين العبادة والتزكية مثل قوله تعالى:{وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر}، وقوله:{خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها}، وقوله:{قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى}، ونصوص كثيرة تشير إلى أثر العبادة في تزكية الإنسان وتقويمه.
رابعاً: إعداد الفرد الصالح في المجتمع:
للعبادة وظيفة اجتماعية مهمة تتمثل في تخريج أفراد صالحين بكل معاني الصلاح، فتزكية النفوس وتهذيبها بأنواع العبادات المختلفة يعود أثره على واقع المجتمع، فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، وفائدة هذا عائدة على المجتمع كما لا يخفى، الزكاة تطهير للفرد من البخل والشح، ولا شك أن أفرادا كثيرين سيستفيدون من صرف الزكاة على مستحقيها في المجتمع، وقس على ذلك سائر العبادات من الصيام والحجاب والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فالعبادة الصحيحة توجد الفرد الصالح القائم بحقوق الله وحقوق العباد.
خامسا: العبادة مظهر من مظاهر الشكر:
العبادة تعبير عملي عن شكر النعم الكثيرة التي امتن الله تعالى بها على عباده، والله تعالى يحب أن يشكر ولا يكفر، ومن صور الشكر القيام بعبادته على الوجه المشروع كما أشار إلى ذلك تعالى في قوله: {اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور}، وحقق النبي [ هذا المعنى حين كان يقوم حتى تتفطر قدماه، فلما قيل له: لم تفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال مبينا أن ذلك من موجبات الشكر و الزيادة: «أفلا أحب أن أكون عبدا شكورا» أخرجه البخاري.
سادساً: العبادة سر السعادة:
يقول شيخ الإسلام: إن القلب إذا ذاق طعم عبادة الله والإخلاص له، لم يكن عنده شيء قط أحلى من ذلك، ولا ألذ ولا أمتع ولا أطيب، فالموحد سعيد بتوحيده كما قال تعالى: {ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هل يستويان مثلا}، فهذا مثل ضربه الله للمشرك الشقي بطاعة غير الله، والموحد المخلص لله فهو سعيد مرتاح.
وأيضا فإن العابد المطيع يسعد في الدنيا بالنعم العاجلة كما قال تعالى:{ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض}، وقال تعالى:{ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم ولأدخلناهم جنات النعيم، ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم}، وقال ابن عباس مبينا الأثر العاجل للطاعة والمعصية: «إن للحسنة نورا في القلب، وزينا في الوجه، وقوة في البدن، وسعة في الرزق، ومحبة في قلوب الخلق، وإن للسيئة ظلمة في القلب، وشينا في الوجه، ووهنا في البدن، ونقصا في الرزق، وبغضة في قلوب الخلق».
نسأل الله تعالى أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، فذلك - كما يقول ابن القيم - أنفع الدعاء وهو طلب العون على مرضاته، وأفضل المواهب إسعافه بهذا المطلوب، وبهذا أوصى النبي صلى الله عليه وسلم معاذا فقال: «لا تنس أن تقول دبر كل صلاة: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك».


اعداد: د.وليد خالد الربيع




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #72  
قديم اليوم, 02:08 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة

الحكمـة ضالـة المؤمن (76)


- شر الناس ذو الوجهين



يحث الإسلام أتباعه المؤمنين على الصدق في الأقوال والأفعال، والوضوح في المواقف، والثبات على المبادئ، فقال تعالى:{يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين}، ويحذر من التلون والتقلب في المواقف حسب المصالح الدنيوية والأهواء الشخصية، ويعد هذا من صفات المنافقين كما قال تعالى: {إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا}.
قال الشيخ ابن سعدي: «فهذه الأوصاف المذمومة تدل -بتنبيهها- على أن المؤمنين متصفون بضدها من الصدق والإخلاص ظاهرا وباطنا».
وللأسف تجد بعض الناس ليس له شخصية مستقلة، ولا رأي ثابت، بل هو أقرب ما يكون شبها بالسائل الشفاف يأخذ لون الإناء الذي يوضع فيه، فهذا النوع من الناس إذا جلس مع المتدينين أظهر التدين والصلاح وانتقد غير المتدينين وعابهم، وإذا جمعه المجلس مع غير المتدينين وافقهم في أخلاقهم وأقوالهم وربما استهزأ بالمتدينين وانتقصهم.
ووقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من هذا الخلق ولا سيما إذا صاحب ذلك نميمة أو غيبة أو إفساد ، فقد أخرج الشيخان عن أَبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تَجِدُونَ النَّاسَ مَعادِنَ: خِيَارُهُم في الجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ في الإسْلاَمِ إِذَا فَقُهُوا، وتَجِدُونَ خِيَارَ النَّاسِ في هَذَا الشَّأنِ أَشَدَّهُمْ كَرَاهِيَةً لَهُ، وَتَجِدُونَ شَرَّ النَّاسِ ذَا الوَجْهَينِ، الَّذِي يَأتِي هؤُلاءِ بِوَجْهٍ، وَهَؤُلاءِ بِوَجْهٍ».
ويوضح الباجي سبب وصفه بذي الوجهين فيقول: «وصف بذلك لأنه يأتي هؤلاء بوجه التودد إليهم والثناء عليهم والرضا عن قولهم وفعلهم، فإذا زال عنهم وصار مع مخالفيهم لقيهم بوجه من يكره الأولين ويسيء القول فيهم والذم لفعلهم وقولهم».
ويذهب القرطبي إلى أبعد من ذلك فيعد ذلك من أحوال المنافقين فيقول: «إنما كان ذو الوجهين شر الناس لأن حاله حال المنافق؛ إذ هو متملق بالباطل وبالكذب، مدخل للفساد بين الناس». ومثله الإمام النووي رحمه الله إذ يقول: «ذو الوجهين: هو الذي يأتي كل جماعة بما يرضيها فيظهر لها أنه منها ومخالف لضدها، وصنيعه نفاق، ومحض كذب وخداع، وتحايل على الاطلاع على أسرار الطائفتين وهي مداهنة محرمة».
ومما يؤكد خطورة هذه الخصلة الذميمة ما ورد في شأنها من وعيد شديد، فعن عمار رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان له وجهان في الدنيا كان له يوم القيامة لسانان من نار» أخرجه أبو داود وصححه الشيخ الألباني .
وظاهر أن هذا الجزاء من جنس العمل كما علله في «عون المعبود» فقال: «معناه: أنه لما كان يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه على وجه الإفساد، جُعل له لسانان من نار كما كان له في الدنيا لسان عند كل طائفة».
وهذا الحكم يستوي فيه الدخول على مجالس العامة ومجالس الوجهاء والأمراء على حد سواء، فقد قال أناس لابن عمر رضي الله عنهما: إنا ندخل على سلطاننا فنقول لهم بخلاف ما نتكلم إذا خرجنا من عندهم، فقال: «كنا نعده نفاقا». أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب الأحكام (باب ما يكره من ثناء السلطان وإذا خرج قال غير ذلك).
وذكر الحافظ أن في بعض الروايات أنهم قالوا: «إنا نجلس إلى أئمتنا هؤلاء فيتكلمون في شيء نعلم أن الحق غيره فنصدقهم، فقال ابن عمر: «كنا نعد هذا نفاقا، فلا أدري كيف هو عندكم»؟
وهذا للأسف ما يفعله بعض الناس، حيث يدخل على الحكام والمسؤولين فيمدحهم ويتزلف لهم، فإذا خرج من عندهم بادر بانتقاصهم واغتيابهم وذكر مساوئهم، فيقال له: ما منعك من نصحهم سرا في مجلسهم أداء للأمانة ونصحا لأئمة المسلمين وعامتهم؟! أم إنه الجبن والتلون وموافقة الجلساء في الغيبة والخوف من مخالفتهم لأجل الحق والمبادئ؟!
وينبغي التفريق بين التلون في المواقف والتنازل عن المبادئ -وهو المداهنة- واستعمال الحكمة عند مخالطة الناس، والترفق بهم للإصلاح والتوعية -وهي المداراة- قال أبو حاتم البستي: «الواجب على العاقل أن يلزم المداراة مع من دفع إليه في العشرة من غير مقارفة المداهنة؛ إذ المداراة من المداري صدقة له، والمداهنة من المداهن تكون خطيئة عليه».
قال النووي: «فأما من يقصد بذلك الإصلاح بين الطائفتين فهو محمود»، ونقل ابن حجر عن غيره الفرق بينهما: أن المذموم من يزين لكل طائفة عملها ويقبحه عند الأخرى ويذم كل طائفة عند الأخرى، والمحمود أن يأتي لكل طائفة بكلام فيه صلاح الأخرى، ويعتذر لكل واحدة عن الأخرى، وينقل إليها ما أمكنه من الجميل ويستر القبيح».
وقال ابن القيّم مبينا الفرق بين المداراة والمداهنة: «المداراة صفة مدح، والمداهنة صفة ذمّ، والفرق بينهما أنّ المداري يتلطّف بصاحبه حتّى يستخرج منه الحقّ أو يردّه عن الباطل، والمداهن يتلطّف به ليقرّه على باطله ويتركه على هواه، فالمداراة لأهل الإيمان، والمداهنة لأهل النّفاق. وقد ضرب مثل لذلك مطابق، وهو حال رجل به قرحة قد آلمته فجاءه الطّبيب المداوي الرّفيق، فتعرّف حالها ثمّ أخذ في تليينها، حتّى إذا نضجت أخذ في بطّها برفق وسهولة، حتّى إذا أخرج ما فيها وضع على مكانها من الدّواء والمرهم ما يمنع فسادها، ثمّ تابع عليها بالمراهم الّتي تنبت اللّحم، ثمّ يذرّ عليها بعد نبات اللّحم ما ينشّف رطوبتها، ثمّ يشدّ عليها الرّباط، ثمّ لم يزل يتابع ذلك حتّى صلحت، أمّا المداهن فقال لصاحبها: لا بأس عليك منها، وهذه لا شيء، فاسترها عن العيون بخرقة، ثمّ أله عنها، فلا تزال مدّتها تقوى وتستحكم حتّى عظم فسادها».
وقال البخاري في كتاب الأدب باب المداراة مع الناس: ويذكر عن أبي الدرداء: «إنا لنكشر في وجوه أقوام وإن قلوبنا لتلعنهم»، قال ابن حجر: «والكشر بالشين المعجمة وفتح أوله: ظهور الأسنان، وأكثر ما يطلق عند الضحك».
ثم أخرج بسنده عن عروة بن الزبير أن عائشة أخبرته أنه استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال: «ائذنوا له، فبئس ابن العشيرة أو بئس أخو العشيرة». فلما دخل ألان له الكلام فقلت له: «يا رسول الله، قلت ما قلت ثم ألنت له في القول؟» فقال: «أي عائشة، إن شر الناس منزلة عند الله من تركه أو ودعه الناس اتقاء فحشه».
قال ابن بطال: «المداراة من أخلاق المؤمنين، وهي خفض الجناح للناس ولين الكلمة وترك الإغلاظ لهم في القول، وذلك من أقوى أسباب الألفة. وظن بعضهم أن المداراة هي المداهنة فغلط; لأن المدارة مندوب إليها والمداهنة محرمة، والفرق أن المداهنة من الدهان وهو الذي يظهر على الشيء ويستر باطنه، وفسرها العلماء بأنها معاشرة الفاسق، وإظهار الرضا بما هو فيه من غير إنكار عليه، والمداراة هي الرفق بالجاهل في التعليم، وبالفاسق في النهي عن فعله وترك الإغلاظ عليه حيث لا يظهر ما هو فيه، والإنكار عليه بلطف القول والفعل، ولا سيما إذا احتيج إلى تألفه ونحو ذلك».
فعلى المسلم أن يكون صادقا مع ربه ومع نفسه ومع الآخرين، ثابتا في مواقفه ومبادئه، حكيما في دعوته إلى الله تعالى، متوسطا بين الحزم والرفق، مفرقا بين الصراحة والوقاحة، وموازنا بين المصالح والمفاسد، جامعا بين العلم والعمل، والله تعالى الموفق لكل خير وسداد.


اعداد: د.وليد خالد الربيع




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #73  
قديم اليوم, 06:24 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة

الحكمـة ضالـة المؤمن (77)


- عَـشِّ ولا تغتر



يبتلي الله تعالى عباده بالخير والشر، فتارة يبتليهم بالفقر والمرض والحروب ونحوها من المصائب، وتارة يبتليهم بالأموال وكثرة الأولاد والتمكين في الأرض وتسخير الخيرات لهم كما قال عز وجل:{ ونبلوكم بالشر والخير فتنة}، وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: « أي نبتليكم بالشر والخير فتنة: بالشدة، والرخاء، والصحة، والسقم، والغنى، والفقر، والحلال، والحرام، والطاعة، والمعصية، والهدى، والضلال»، وقال تعالى: {وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون} ونحو ذلك من الآيات.
والابتلاء بالخير أشد من الابتلاء بالشر؛ لأن الشر أمره ظاهر ويتفطن له غالب الناس، أما الابتلاء بالخير فقد يغرق الإنسان في النعم ولا يتنبه إلى أن هذا اختبار من الله تعالى له ليبلوه أيشكر أم يكفر، وتجري عليه النعم سابغة وهو غافل عن المقصود منها، وقد يغتر بها ويسوقه البطر إلى نسيان شكر المنعم، والغفلة عن القيام بحقه، والمسلم الواعي لا ينشغل بالنعم عن المنعم، ولا يغتر بالدنيا، ولا يثق بزينتها وزخرفها، ويأخذ بأوثق الأمور، ويستعد لأسوأ الاحتمالات، ويعمل بأسباب النجاة؛ فالسفر طويل، والعقبة كؤود، والناقد بصير.
وهذا المثل العربي يصور هذه الحقيقة، ويقرب ذلك المعنى بأوجز عبارة وأقصر لفظ، قال الميداني في مجمع الأمثال: «أصل المثل -فيما يُقَال- أن رجلا أراد أن يُفَوِّزَ -أي يسير في المفازة-بإبله ليلا، واتّكَل على عشب يجده هناك، فقيل له‏:‏ عّشِّ ولا تَغْتَر، إي لا تغتر بما لست منه على يقين.
ويروى أن رجلاً أتى ابن عمر وابن عباس وابن الزبير رضي الله عنهم فقال‏:‏ كما لا ينفع مع الشرك عمل، كذلك لا يضر مع الإيمان ذنب، فكلهم قَال‏:‏ «عشِّ ولا تّغْتَر»، يقولون‏:‏ لا تُفَرِّطْ في أعمال الخير وخُذْ في ذلك بأوثقَ الأمور، فإن كان الشأن على ما ترجو من الرُّخصَة والسَّعة هناك، كان ما كسبت زيادةً في الخير، وإن كان على ما تخاف كنت قد احْتَطْتَ لنفسك.
ويوضح الغزالي أهمية اليقظة وخطورة الغرور فيقول: «إن مفتاح السعادة التيقظ والفطنة، ومنبع الشقاوة الغرور والغفلة، والمغرور هو الذي لم تنفتح بصيرته ليكون بهداية نفسه كفيلا، وبقي في العمى، فاتخذ الهوى قائدا والشيطان دليلا».
ويعرف الغرور بأنه: «هو سكون النفس إلى ما يوافق الهوى ويميل إليه الطبع عن شبهة وخدعة من الشيطان، فمن اعتقد أنه على خير إما في العاجل أو في الآجل عن شبهة فاسدة فهو مغرور، وأكثر الناس يظنون بأنفسهم الخير وهم مخطئون فيه، فأكثر الناس إذاً مغرورون وإن اختلفت أصناف غرورهم».
وزيادة في الإيضاح يبين ابن القيم الفرق بين الثقة والغرور فيقول: «الفرق بينهما: أن الواثق بالله قد فعل ما أمره الله به، ووثق بالله في طلوع ثمرته وتنميتها وتزكيتها كغارس الشجرة وباذر الأرض، والمغتر العاجز قد فرط فيما أُمر به، وزعم أنه واثق بالله، والثقة إنما تصح بعد بذل المجهود».
وقال رحمه الله: «إن الثقة سكون يستند إلى أدلة وأمارات يسكن القلب إليها، فكلما قويت تلك الأمارات قويت الثقة واستحكمت ولا سيما على كثرة التجارب وصدق الفراسة.
وأما الغرة فهي حال المغتر الذي غرته نفسه وشيطانه وهواه وأمله الخائب الكاذب بربه حتى أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني، والغرور ثقتك بمن لا يوثق به، وسكونك إلى من لا يُسكن إليه، ورجاؤك النفع من المحل الذي لا يأتي بخير، كحال المغتر بالسراب».
وفي القرآن الكريم آيات كثيرة في ذم الغرور بأنواعه، والتحذير من آثاره الوخيمة، فمن ذلك قوله تعالى:{يأيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور}، قال سعيد بن جبير: «غرور الحياة الدنيا أن يشتغل الإنسان بنعيمها ولذاتها عن عمل الآخرة، حتى يقول: يا ليتني قدمت لحياتي».
وقال عز وجل: {يأيها الإنسان ما غرك بربك الكريم}، قال ابن سعدي: «يقول تعالى معاتبا الإنسان المقصر في حقه، المجترئ على معاصيه:{يأيها الإنسان ما غرك بربك الكريم} أتهاونا منك في حقوقه؟ أم احتقارا منك لعذابه؟ أم عدم إيمان منك بجزائه؟»، قال قتادة: «ما غر ابن آدم غير هذا العدو والشيطان».
وقال تعالى: {ذلكم بأنكم اتخذتم آيات الله هزوا وغرتكم الحياة الدنيا فاليوم لا يخرجون منها ولا هم يستعتبون}، قال ابن كثير: «أَيْ إِنَّمَا جَازَيْنَاكُمْ هَذَا الْجَزَاء لِأَنَّكُمْ اِتَّخَذْتُمْ حُجَج اللَّه عَلَيْكُمْ سِخْرِيًّا تَسْخَرُونَ وَتَسْتَهْزِئُونَ بِهَا، وَغَرَّتْكُمْ الْحَيَاة الدُّنْيَا، أَيْ خَدَعَتْكُمْ فَاطْمَأْنَنْتُمْ إِلَيْهَا فَأَصْبَحْتُمْ مِنْ الْخَاسِرِينَ».
وقال عز وجل:{وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور}، قال ابن سعدي: «هذه الآية الكريمة فيها التزهيد في الدنيا بفنائها، وعدم بقائها، وأنها متاع الغرور، تفتن بزخرفها، وتخدع بغرورها، وتغر بمحاسنها، ثم هي منتقلة، ومنتقل عنها إلى دار القرار التي توفى فيها النفوس ما عملت في هذه الدار من خير وشر».
وقال تعالى: {ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الأماني}، قال الطبري: «وقوله: {وغرتكم الأماني} يقول: وخدعتكم أماني نفوسكم، فصدتكم عن سبيل الله، وأضلتكم {حتى جاء أمر الله} يقول: حتى جاء قضاء الله بمناياكم فاجتاحتكم، وعن قتادة في قوله تعالى:{ وغرتكم الأماني حتى جاء أمر الله} كانوا على خدعة من الشيطان - والله ما زالوا عليها - حتى قذفهم الله في النار.
وقوله: {وغركم بالله الغرور} يقول: وخدعكم بالله الشيطان، فأطمعكم بالنجاة من عقوبته، والسلامة من عذابه».
وقال صلى الله عليه وسلم: «والله ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه هذه -وأشار يحيى بالسبابة- في اليم، فلينظر بما يرجع» أخرجه مسلم.
قال النووي: «ومعنى الحديث: ما الدنيا بالنسبة إلى الآخرة في قصر مدتها وفناء لذاتها، ودوام الآخرة ودوام لذاتها ونعيمها، إلا كنسبة الماء الذي يعلق بالإصبع إلى باقي البحر».
والخلاصة أن المطلوب من المسلم أن يكون متنبها إلى ما يطرأ له من ابتلاءات وفتن بالخير قبل الشر، وعليه أن يقوم بواجبه من الشكر والصبر، عدم الاغترار بالدنيا والانغماس فيها إلى درجة الاستغراق والغفلة عن الحقائق الكبرى وهي الموت والبعث والجزاء، قال الزهري: «من استطاع ألا يغتر فلا يغتر»، فليحرص كل مسلم على ما ينفعه، ويستعين بالله على طاعته وحسن عبادته، فذلك أفضل مطلوب وأعظم موهوب، وبالله التوفيق.


اعداد: د.وليد خالد الربيع




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #74  
قديم اليوم, 10:19 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة

الحكمـة ضالـة المؤمن (78)


- إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم



التغيير سنة ماضية، فطبيعة الزمان والمكان وأحوال الناس تتغير بشكل دائم ومستمر، فالمتأمل لأحوال الناس، والدارس لتاريخ البشرية يجد هذا الأمر واقعا ملموسا، وحقيقة محسوسة.
والتغيير قد يكون بالأفراد، كما قد يحدث بالمجتمعات، وقد يكون تغييرا نحو الأفضل، وأحيانا قد يصير التغيير للأسوأ.
فهناك تغيير مذموم، وهو اتباع سبيل الشيطان في تغيير فطرة الإنسان، والانحراف به عن شريعة الرحمن كما قال تعالى: {إن يدعون من دونه إلا إناثا وإن يدعون إلا شيطانا مريدا لعنه الله وقال لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيرن خلق الله ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا}.
ويبين الشيخ ابن سعدي أن من إضلال الشيطان (تحريم ما أحل الله، أو تحليل ما حرم الله)، ويلتحق بذلك الاعتقادات الفاسدة، والأحكام الجائرة، وأوضح أن تغيير خلق الله يتناول الخلقة الظاهرة؛ بالوشم، والوشر، والنمص، والتفليج للحسن، ونحو ذلك مما أغواهم به الشيطان فغيروا خلقة الرحمن، ويتناول تغيير الخلقة الباطنة، وهي الفطرة السليمة التي تقبل الحق وتنقاد له، فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن هذا الخلق الجميل ، وزينت لهم الشر والشرك والكفر والفسوق والعصيان.
وقال جماعة من أهل التفسير منهم مجاهد والضحاك وسعيد بن جبير وقتادة: المراد بالتغيير لخلق الله هو أن الله تعالى خلق الشمس والقمر والأحجار والنار وغيرها من المخلوقات، ليعتبر بها وينتفع بها، فغيـّرها الكفار بأن جعلوها آلهة معبودة، قال الزجاج: إن الله تعالى خلق الأنعام لتركب وتؤكل فحرموها على أنفسهم، وجعل الشمس والقمر والحجارة مسخرة للناس فجعلوها آلهة يعبدونها، فقد غيروا ما خلق الله.
وروي عن ابن عباس في معنى {فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} أي: دين الله، واختاره الطبري فقال: «وإذا كان ذلك معناه دخل فيه فعل كل ما نهى الله عنه من خصاء ووشم وغير ذلك من المعاصي؛ لأن الشيطان يدعو إلى جميع المعاصي، أي فليغيرن ما خلق الله في دينه».
وقال مجاهد أيضا: {فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ}: فطرة الله التي فطر الناس عليها، يعني أنهم ولدوا على الإسلام فأمرهم الشيطان بتغييره، وهو معنى قوله عليه السلام: «كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه». فيرجع معنى الخلق إلى ما أوجده فيهم يوم الذر من الايمان به في قوله تعالى: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى}.
ومن التغيير المذموم ما ورد النهي عنه في السنة المطهرة، فعن عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لعن الله الواشمات والمستوشمات، والنامصات والمتنمصات، والمتفلجات للحسن، المغيرات خلق الله» أخرجه أحمد، وهو صحيح.
فما يفعله بعض النساء من هذه الأفعال المنكرة بحجة التزين والتجمل داخل تحت هذا الوعيد، ومشمول بهذا الذم.
وقد يكون التغيير محمودا، وذلك بأن يتبع المكلف سبيل الرحمن في تزكية نفسه بالعقيدة الصحيحة، والأخلاق القويمة، والعبادات المستقيمة، ويترك ما كان عليه من عقائد منحرفة وعبادات مبتدعة وأخلاق رذيلة، وإنما يتحقق ذلك باتباع شرع الله تعالى، والاهتداء بهدي نبيه صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى : {الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون}.
قال ابن كثير: «يخبر تعالى أنه يهدي من اتبع رضوانه سبل السلام، فيخرج عباده المؤمنين من ظلمات الكفر والشك والريب إلى نور الحق الواضح الجلي المبين السهل المنير، وأن الكافرين إنما أولياؤهم الشياطين تزين لهم ما هم فيه من الجهالات والضلالات، ويخرجونهم ويحيدون بهم عن طريق الحق إلى الكفر والإفك».
والله سبحانه وتعالى أخبرنا عن سنته الماضية، وقاعدته المطردة وهي أنه تبارك وتعالى يعين من تغير إلى الخير ويوفقه، ويخذل من تغير إلى الشر ويعاقبه، فقال تعالى: {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال}.
قال الشيخ ابن سعدي: «{إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ} من النعمة والإحسان ورغد العيش {حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} بأن ينتقلوا من الإيمان إلى الكفر ومن الطاعة إلى المعصية، أو من شكر نعم الله إلى البطر بها؛ فيسلبهم الله عند ذلك إياها.
وكذلك إذا غير العباد ما بأنفسهم من المعصية، فانتقلوا إلى طاعة الله، غير الله عليهم ما كانوا فيه من الشقاء إلى الخير والسرور والغبطة والرحمة، {وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا} أي: عذابا وشدة وأمرا يكرهونه، فإن إرادته لا بد أن تنفذ فيهم».
وقال تعالى: {ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيـروا ما بأنفسهم}، قال الشيخ ابن سعدي: «{ذَلِكَ} العذاب الذي أوقعه اللّه بالأمم المكذبين، وأزال عنهم ما هم فيه من النعم والنعيم؛ بسبب ذنوبهم وتغييرهم ما بأنفسهم، {بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم} من نعم الدين والدنيا، بل يبقيها ويزيدهم منها إن ازدادوا له شكرا، {حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} من الطاعة إلى المعصية، فيكفروا نعمة اللّه ويبدلوها كفرا، فيسلبهم إياها ويغيرها عليهم كما غيروا ما بأنفسهم، وللّه الحكمة في ذلك والعدل والإحسان إلى عباده، حيث لم يعاقبهم إلا بظلمهم، وحيث جذب قلوب أوليائه إليه، بما يذيق العباد من النكال إذا خالفوا أمره».
قال الشيخ ابن عاشور : «فقوله: {لم يك مغيرا} مؤذن بأنه سنة الله ومقتضى حكمته; لأن نفي الكون بصيغة المضارع يقتضي تجدد النفي ومنفيه .
والمراد بهذا التغيير (تغيير سببه) وهو الشكر بأن يبدلوه بالكفران؛ ذلك أن الأمم تكون صالحة ثم تتغير أحوالها ببطر النعمة فيعظم فسادها، فذلك تغيير ما كانوا عليه; فإذا أراد الله إصلاحهم أرسل إليهم هداة لهم، فإذا أصلحوا استمرت عليهم النعم، مثل قوم يونس وهم أهل نينوى، وإذا كذبوا وبطروا النعمة، غيـّر الله ما بهم من النعمة إلى عذاب ونقمة».
والخلاصة أن التغيير سنة ماضية، وهو وسيلة شرعية لتحصيل النعم الدينية والدنيوية والأخروية واستدامتها، إذا أخلص المسلم النية، وأحسن العمل، واستعان بربه في القيام بعبادته، وشكر نعمته، فأفضل مطلوب، وأحسن موهوب هو (الإعانة على العبادة).
والتغيير يبدأ بنية صادقة، وعزم أكيد، يحدوه علم صحيح، وعمل مستقيم كما قال تعالى: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين}وقال تعالى: {ويزيد الله الذين اهتدوا هدى} وقال عز وجل: {والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم}، وبالله التوفيق.


اعداد: د.وليد خالد الربيع




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 92.53 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 89.36 كيلو بايت... تم توفير 3.17 كيلو بايت...بمعدل (3.43%)]