معنى التأويل وكيفيته - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 171 - عددالزوار : 59781 )           »          شرح كتاب فضائل القرآن من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 7 - عددالزوار : 162 )           »          مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 112 - عددالزوار : 28257 )           »          الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 64 - عددالزوار : 795 )           »          طرق تساعد على تنمية ذكاء الطفل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 43 )           »          السلفيون ومراعاة المصالح والمفاسد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 44 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 25 - عددالزوار : 686 )           »          العمل التطوعي.. أسسه ومهاراته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 7 - عددالزوار : 100 )           »          الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 64 - عددالزوار : 16036 )           »          افتراءات وشبهات حول دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 5 - عددالزوار : 65 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 08-01-2006, 02:04 PM
يانورالنور يانورالنور غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Jan 2006
مكان الإقامة: لبنان - جبل عامل - عربصاليم
الجنس :
المشاركات: 24
افتراضي معنى التأويل وكيفيته

إن كلمة ( تأويل ) ، قد علَّمنا الله تبارك وتعالى ، معانيها كفاية في كتابه الكريم . لذلك سنفهم ( التأويل ) إن شاء الله ، كما علمنا سبحانه في آياته البينات ، عارضين بحثنا هذا تحت ثلاثة عناوين :

أ ) ـ تأويل الرُّؤَى في سورة يوسف (ع) .

ب) ـ تأويل الوقائع الأربع مع موسى وصاحبه (ع) .

ت) ـ معنى تأويل القرآن .
أ‌)تأويل الرُّؤى في سورة يوسف (ع)



في هذه السورة الكريمة ، نجد معنى كلمة ( تأويل ) التي وردت في هذه السورة ثماني مرات في ثماني آيات يكاد يكون محصوراً في تفسير الرؤى الأربع التي ورد ذكرها في السورة المباركة .

ومعلوم أن الرؤيا الأولى فيها وهي رؤيا يوسف عليه السلام :

{ يـاــأبَتِ إنِّي رَأيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً والشَّمْسَ والقَمَرَ رأيتُهُمْ لِي سـاــاجِدِينَ } (1)

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)سورة يوسف الآية 4 .

وقع تأويلها هكذا :

{ وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى العَرْش ِ وخَرُّوا لَهُ سُجَّداً وقَالَ يا أَبَتِ هـاـذا تأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَـلَهَا رَبّي حَقّاً } (1) .

ثم قوله تعالى : { وَدَخَلَ مَعَهُ السـِّجْنَ فَتَيان ِ قَالَ أَحَدُهُمَا إنِّي أراني أَعْصِرُ خَمْراً وقال الآخر إنِّي أَراني أَحْمِلُ فَوقَ رأْسي خُبْزاً تَأكُلُ الطَّيرُ مِنْهُ نبِّئْنَا بِتأوِيلِهِ إنَّــا نَرَاكَ مِنَ المُحْسنِين. قَالَ لا يَأتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إلاَّ نَبَّأتُكُمَا بِتَأويلِهِ قَبْلَ أنْ يَأتِيكُمَا ذالكما مِمَّا عَلَّمَني رَبِّي . إنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْم لا يُؤْمِنُونَ باللهِ وَهُمْ بالآخِرَةِ هُمْ كـاـفِرُونَ . واتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائي إبْرَاهِيمَ وإسْحَـاــقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أنْ نُشْرِك باللهِ مِنْ شَيْء ٍ ...}(2) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) سورة يوسف الآية : 100 .

(2)سورة يوسف الآيات : 36 ـ 38 .

فقوله : " لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما ": معناه أنه لا يأتيكما في الرؤيا ، أو في خبر حول طعام ، قُدِّرَ لكما أن ترزقاه إلا نبأتكما بمعاني رموزه إذا كان في رؤيا ، أو أسبابه ومتعلقاته إذا كان في خبر ، وذلك قبل أن يتحقق الوجود المادي الحقيقي لهذا الطعام أو لما يَعْنيه .

وكلمة ( تُرْزَقَانِه) تشير إلى عمق الحَدَث ِ ، كلِّ حدث ، لأن الرزق أو أي أمر من الأمور ، حـدث مخطط لـه في علم الله سبحانه مروراً بالمشيئة ثم التقدير وإلى هنا يبقى الحدث ضمن الصورة الرمزية ( الرؤيا) أو ضمن الخبر ( الكلمات ) فإذا وقع القضاء فيه أو عليه ، أصبح حقيقة وواقعاً ، وعند ذلك يتم تأويلُه .

ولهذا أردف مؤكداً على هذه المعاني بقوله : { إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله ... واتبعت ملة آبائي ... مَا كانَ لَنَا أنْ نُشْرِكَ باللهِ مِنْ شَيْء ٍ ) والعبارة الأخيرة ، هي الهدف الذي رمى إليه ، وهي أن الله سبحانه " هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم (1) ".

وغير هذا الذي وفقنا الله إليه ، يبقى كل كلام حول تفسير هذه الآية دون طائل .

ثم أوَّلَ يوسف رؤيا كل واحد من صاحبيه :

{ يـاـصَاحَبَيْ السِّجْن ِ أمَّا أحَدُكُمَا فَيَسْقي رَبَّهُ خَمْراً ، وأمَّا الآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رأسِهِ قُضِيَ الأمْرُ الذي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ } (2) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) سورة الحديد الاية : 3 .

(2) سورة يوسف الآية : 41 .



ونقارن بين رؤيا يوسف عليه السلام وتأويلها :

الرؤيا : { .. إنِّي رَأيْتُ أحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقمَرَ رَأيْتُهُمْ لِي سَـاـجدِينَ } .

وتأويلها : { فَلمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوىَ إليهِ أَبَوَيْهِ .. وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلى العَرش ِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَقَالَ يـاـأبَتِ هَذَا تَأوِيلُ رُؤْيَـاـىَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها ربِّي حَقّاً .. }

ونقارن بين رؤيا أحد صاحبيه وتأويلها :

الرؤيا : { إنِّي أرَانـِىَ أعْصِرُ خَمْرًا } وتأويلها ، أنه { يَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا } وبين رؤيا الآخر وتأويلها :

{ إنِّي أرَانـِيَ أحْمِلُ فوْقَ رَأسِي خُبْزاً تَأكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ } . وتأويلها أنه { يُصْلبُ فتَأكُلُ الطَّيْرُ مِن رَّأسِهِ }.

والملاحظة السريعة هنا تكاد تقول ، أنه لا يوجد أي رابط بين رموز هذه الرؤى الثلاث وبين تحققاتها .

إلا أن المتعامل مع اللغة العربية بشكل خاص ، واللغة الكونية بشكل عام يجد الروابط التامة المقصودة ، إذا تعلم اللغة الكونية من جانب واللغة العربية بمجازاتها وحقائقها من جانب آخر.

وهنا نختصر موضوعنا كله في أمرين :

الأول : هو التشابه بين رموز الرُّؤَى وبين تَحَقُّقَاتِها .

الثاني : هو ردّ الصور الرمزية إلى أصولها ، أو ردّ المثاني إلى الأوائل ، وذلك معنى التأويل في اللغة وبالتالي معنـاهأو بعض معـانيه ـ كمـا سنرى ـ في القرآن الكريم .

وهذه الآيات المتعلقات بالرؤى المذكورة ، هي من الآيات المتشابهات من وجه ، ومن المثاني من وجه آخر ، والتشابه فيها هو تشابه الرمز مع الواقع ، والمجاز مع الحقيقة ، أما أوائلها أو أصولها ، فهي حقائقها التي أوِّلت إلى وقائع محسوسة في عالم الحضور والزمان والمكان ، بعد أن كانت مشاريع مرموزة أو أخباراً في عالم الغيب والمشيئة (1) .

فمعاني ( أوّل ) و ( تأوّل ) و ( التأويل ) في قوامس اللغة كما يلي وباختصار : أَوَلَ : الأوْل : الرجوع . وأوَّلَ إليه الشيء: رجَّعه ـ وأَوَّلَ الكـلام وتأوَّلَهُ : دبَّرهُ وقدَّره وفسَّره . ـ والتأويل : عبارة الرؤيا .

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) بحيث أن الله عز وجل إذا أراد أمراً مؤجلاً ، يبقى هذا الأمر في علمه سبحانه ويكون هذا الأمر ( أوَّلاً ) من حيث ترتيب المراحل . ثم قد يرمز إليه برؤيا أو أكثر فيكون الرمز ثانيا أو من ( المثاني ) . فإذا أوّل الأمـر إلى حقيقـة بقـي ( أولا) من حيث الترتيب ، وكذلك بقي الرمز في ( المثاني ) .



تأويل الوقائع الأربع مع موسى وصاحبه (ع)
قصة رسول الله موسى عليه السلام مع صاحبه العالم ، هي من أبلغ القصص القرآني ومن أعمقه ، من حيـث مفارقات ما بين ظواهر الأمور وبواطنها . وفي مقدماتها وأسبابها أن موسى عليه السلام سأل ربّه تبارك وتعالى بما معناه : ( ربي ، هل في الأرض رجل أعلم مني ) فأجابه الله سبحانه بالإيجاب وأرسله إلى هذا الرجل على عنوان مفتوح هو أحد السواحل البحرية ، عند ( مجمع البحرين ) ، والمرجَّع أنه في مكان ما من قناة السويس حالياً .

ولإمتاع العقل وتشريف النفس براوئع القصة ، نوردها كما وردت في القرآن الكريم ، لنجد أنها سهلة الفهم ميسورة المعاني ، يجد الإنسان المؤمن فيها لذة كما لذة حل الطلاسم والمسائل الكونية المبهمة وشبه المغلقة .

وهذه هي القصة كما جاءت بتسلسلها في القرآن الكريم :

{ وإذْ قَالَ مُوسىَ لِفَتـاــهُ لاَ أبْرَحُ حَتَّى أبْلُغَ مَجْمَعَ البَحْرَيْن ِ أوْ أمْضِيَ حُقُبَا . فَلَمَّا بَلَغَا مَجمَعَ بَيْنِهمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذّ سَبيلهُ في البَحْر ِ سَرَبا . فَلَمَّا جَاوزَا قَالَ لِفَتـاــهُ آتِنَا غَدَاءَنا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرنَا هـاــذا نَصَبَا . قَالَ أرَأيـتَ إذْ أوَيْنَا إلى الصَّخْرَةِ فإنِّي نَسِيتُ الحُوتَ وَمَا أنْسـاــنِيهُ إلاَّ الشَّيطانُ أنْ أذْكُرَهُ واتَّخَذَ سَبيلَهُ في البَحْر ِ عَجَبَا . قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغ ِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارهِمَا قَصَصَا . فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَـاــهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وعلّمْنَـاــهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمَا. قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أتَّبعُكَ عَلَى أنْ تُعَِّلمَن ِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدَا . قَالَ إنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعي صَبْرَا . وَكَيْفَ تَصْبرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بهِ خُبْرَا . قَالَ سَتَجدُني إنْ شَاءَ اللهُ صَابراً وَلاَ أعْصي لَكَ أمْرا . قَالَ فإنْ اتَّبَعْتَني فَلاَ تَسْألْني عَنْ شَيءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرَا . فَانْطَلَقَا حَتَّى إذَا رَكِبَا في السَفينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أخَرَقْتَهَا لِتُغْرقَ أهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إمْرَا . قَالَ ألَمْ أقُلْ إنَّكَ لَنْ تَسْتَطيعَ مَعيَ صَبْرَا . قَالَ لاَ تُؤَاخِذْني بمَا نَسيتُ ولاَ تُرْهِقْني مِنْ أمْري عُسْرَا . فَانْطَلَقَا حَتَّى إذا لَقِيَا غُلاَماً فَقَتَلَهُ قَالَ أقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بغَير ِنَفْس ٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْرَا . قَالَ ألَمْ أقُلْ لَكَ إنَّكَ لَنْ تَسْتَطيعَ مَعيَ صَبْرَا . قَالَ إنْ سَألْتُكَ عَنْ شَيءٍ بَعْدَهَا فَلاَ تُصـاـحِبْني قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرَا . فَانْطَلَقَا حَتَّى إذا أتَيَا أهْلَ قَرْيَةٍ استَطْعَمَا أهْلَهَا فَأبَوْا أنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُريدُ أنْ يَنْقَضَّ فَأقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَلَتَّخَذْتَ عَلَيهِ أجْرَا . قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ سَأُنَبِّئُكَ بتَأويل ِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرَا (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) سورة الكهف الآيات : 60 ـ 78 .

لقد رأينا كما هو واضح ، في سياق هذه القصة القرآنية ، أربعة مواقف يعجز عن حملها أهل الظاهر بشكل عام : الأول ، أن نبياً من أولي العزم ومن أعلى مستويات النبوة يُبعث به ليتعلم اختصاصاً غير اختصاصه ، من رجل مغمور لا يعرف المؤرخون إسماً له ، فيُدِلُّ بما علمه ربُّه ، مُحِقاً ، على هذا النبي الكريم . ويستجيب موسى (ع) لشروط أستاذه ، ويفرح لقبوله ، ويسعد بأن يكون له تابعاً طائعاً ، حتى ومعتذراً بعد كل صدمة .

أما الموقفان الثاني والثالث ، فهما في مستوى الجريمة النكراء ، يحكم على فاعلهما بالإعدام شرعاً وعقلاً .

أما الرابع ، فموقف حرج : إنسان جائع يستطعم أهل قرية فلا يطعمونه ، يلاحظ جداراً من جدرهم ( يريد أن ينقض) على وشك أن ينهدم ، فينقضه ثم يعيد بناءه ، مع ما يقتضي ذلك من بذل الجهد ، ليس على شبع ، بل على جوع .

وكان من الطبيعي جداً ، لأي مؤمن يعاين هذه المواقف ، أن يتعامل مع كل موقف بما يناسبه من الأدب أو الغضب أو إسداء النصيحة . وكذلك كان يمكن أن يفعل موسى عليه السلام، وهو النبي ـ الإنسان ، الذي لم يكن من اختصاصه ـ أي أن الله عز وجل ما قدَّر له ـ أن يعلم بواطن هذه الأمور. لولا أنه أخذت عليه العهود والمواثيق ، وحُذر من الإعتراض وذكِّر تكراراً ، ومع ذلك ، ما سلك موسى (ع) هذه المسالك ، إلا لشدة حرصه على طاعة ربه ، ولأن ظواهر الأمور كما بدت له فساد وإفساد ، فقد بدر منه ما بدر. حتى إذا قضى الله ما قضى ، وأدرك موسى سر هذا الإختصاص ، الذي لم يكن تعليماً عظيماً له وحده ، وإنما كان للبشرية جمعاء ، إستَغْفَرَ وشَكَر ، والله حليم كريم .

ثم يأتي ( المعنى الثاني ) للتأويل ، ليحسم هذه المواقف ، ومثيلاتها وتفريعاتها كلها في تاريخ الإيمان بوحدانية الله عز وجل وهيمنته وقيوميته وعلمه وأسمائه الحسنى فكان التأويل في كتاب الله تبارك وتعالى كما ورد على لسان صاحب موسى (ع) هو هذا :

{ أمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ في البَحْرِ فَأرَدْتُ أنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وراءَهُمْ مَلِكٌ يَأخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبَا . وَأمَّا الغُلـاـــمُ فَكَانَ أبَوَاهُ مُؤْمِنَيْن ِ فَخَشِينَا أنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْرا . فأرَدْنَا أنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِنْهُ زَكَـواةً وأقْرَبَ رُحْمَا . وأمَّا الجِدَارُ فَكَانَ لِغُلـاـمَيْنِ يَتِيمَيْنِ في المَدِينَةِ وكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وكَانَ أبوهُمَا صَالِحاً فَأرَادَ رَبُكَ أنْ يَبْلُغَا أشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ ومَا فَعَلْتُهُ عَنْ أمْري ذَلِكَ تَأويلُ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيهِ صَبْرَا}(1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) سورة الكهف الآيات : 79 ــ 82 .

هنا ، نجد في عرض القصة ، قبل تأويلها ( بالمعنى الثاني للتأويل ) ، أننا في مواجهة وقائع أو حوادث عجيبة أو خطيرة ، أو مفجعة ، أو غريبة أطوارها ، يدركها الإنسان بأحاسيسه ويقظته ، وينفعل معها ، إلا أنه لا يدرك الأسباب والدوافع التي فرضتها فرضاً ، أو جعلتها قضاء منزلا . فإذا تعامل معها الإنسان دون أن يفهم أسبابها ودوافعها والحكمة منها ، بقيت دون تأويل . وفي ذلك الخسارة التي لا تُعوَّض وذلك شأن الجاهلين .أما إذا أحاط الإنسان بموجباتها والحكمة منها ، فقد وقع تأويلُها . وفي ذلك الهداية والتأييد من الله والفوز المبين . على أن كل ذلك إنما يقع بعلمه سبحانه ، ومشيئته ثم قضائِه . وهكذا فإن الإحاطة بالأسباب والدوافع والنتائج ، إنما تقتصر على الله عز وجل والراسخين في العلم . أي الذين اختصهم سبحانه بهذا الوجه وربما بغيره من وجوه الإختصاص ، ثم هم يظهرونها للناس بإذنه عز شأنه .

وهذا ( المعنى الثاني للتأويل ) يقرِّبنا كثيراً ، من المعنى الثالث ، الذي هو ( تأويل القرآن ) كما سنرى إن شاء الله
خطورة الحدث النافر إذا بقي دون تأويل :

أيما إنسان ، إذا ابتُليَ شخصياً ، بواحدة من مثل الوقائع المذكورة في هذه القصة ( صحبة موسى للرجل العالم ) : كتعطيل سفينة مائية أو فضائية أو سيـارة أو أيَّة آليـة . أو موت ولد عادي في الظاهر ، بلغ أو لم يبلغ رشده ، ذكراً كان أو أنثى ، أو رجل عالم من المشاهير ، أو يكون الأشهر في العالم تتناقل أخباره مؤسسات الإعلام والإتصال ، يؤمر أن يسافر من بلد إلى بلد ، متحملاً المشقـات ، قاصداً إنساناً مغموراً ، لا يكاد يتوقف أحد عند مكانته الإجتماعية . ثم إن هذا الشهير ، الجدير شرعاً بالإجلال والإكبار والإحترام ، يتأدب مع الرجل المغمور راجياً أن يصحبه ليتعلم منه ، فيقول الرجل المغمور لصاحب المنزلة العظمى عند الله :

" إنَّكَ لنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرَا " .

كذلك ما يشبه الجدار وبناءَه : رجل يعمل عملاً صالحاً مُكْلِفاً مع أناس سفهاء أشحاء ـ والشِحُّ هو بعد الكُفْر من أقبح الخصال ـ بعد إذ طلب منهم خدمةً بسيطةً ، بمقدار وجبة طعـام ، فبخلوا ورفضوا أداء هذه الخدمة ، رغم اضطراره .

مثل هذه الأخبار ، لو أنها ذكرت في القرآن الكريم ، ولم يذكر تأويلها ، لصَدَمَنا القرآن صدمة هائلة ، ولظننا به الظنون .

ومثل هذه الأخبار ، لو لم تذكر في القرآن ، هي وتأويلها ، لبقي العلماء في مثل العمى ، في هذا الحقل من حقول الإختصاص ، وأمام حكمة مقفلة أبوابها ونوافذها .

ومثل هذه الأخبار ، إذا لم يستطع بعض الناس تأويلها ، يعني إدراك أسبابها والحكمة منها ، عن طريق العلماء ، لجنحوا وتهوّروا في سلوكهم الفكري ، وبالتالي الإعتقادي ، وبالتالي العملي ، مع النفس ووسوسات الشياطين ، إلى أسفل سافلين .

وكذلك القول في رموز رؤيا يوسف (ع) ، وبعده رؤيا عزيز مصر ، ومثله رؤيا إبراهيم (ع) . لو أن الله عز وجل ذكرها ولم يقيض لها بشراً راسخين في العلم ، يؤولونها بعلمه وبإذنه سبحانه ، لكان فيها الضلال المبين .

إذن ، التأويل واجب شرعي ، فريضة واجبة ، سواء كان المؤوِّل نبياً كيوسف (ع) ، أو عالماً كصاحب موسى . ونحن أسمينـاه عـالماً بالضـرورة ، لقول الله تعـالى فيـه : { فَوَجدَدْنَا عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَـاـهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وََعلَّمْنَـاـهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمَا . سورة الكهف الآية 65 } .

وهل كان هذا الرجل فريدَ عصره ؟ هذه قضية لا يجوز فيها الحسم . ولعل الحقيقة خلاف ذلك ، فالله سبحـانه وتعـالى قال :

{ وَللهِ جُنُودُ السَمَـاـوَاتِ وَالأرْضِ وَكَانَ اللهُ عَزيزاً حَكِيماً . سورة الفتح الآية 7 } .

لذلك وبثقة عالية ، واطمئنان كبير ، ندّعي أن ما قاله سبحانه عن صاحب موسى ، هو عينه يقوله عز شأنه ، عن عشرات ، بل ومئات من عباده ، ممن يؤتيهم رحمة من عنده ويعلمهم من لدنه علما ، وينشرهم في الأرض والأقوام ، على تعدد أجناسهم ولغاتهم ، وفي العصر الواحد والزمن الواحد . مع نسبة أعلميتهم . إذ لا بد بينهم من أعلم ، يكون موجهاً ، ومصححاً ، ومبلّغاً . وربما يكون مغموراً في مقابل المشاهير ، حتى يأذن الله تعالى بإظهاره ، وإظهار فضله سبحانه عليه . ومع ذلك ينسحب قوله تعالى على كل واحد من هؤلاء ، بمختلف درجاتهم ، إذا كان الله تعالى اختصه برحمة من عنده ، وبنوع اختصاص ، أو بأكثر ، من أنواع الإختصاص . سواء كان في العلوم الإلـاـهية الدينية ، وهي أشرف العلوم على الإطلاق ، أو كان في حقل من حقول الفكر ، أو المهن ، أو الصناعات المختلفة وعلومها التي تراوح بين الذرَّة والمجرة .

التتمة في موقع العقل الاسلامي www.islamicbrain.com
كتبه --الحكمة الاسلامية ---التأويل

__________________
سماحة العلامة الشيخ عبد الكريم آل شمس الدين

لبنان - جبل عامل - عربصاليم

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 08-01-2006, 05:04 PM
الصورة الرمزية فتاة الاسلام
فتاة الاسلام فتاة الاسلام غير متصل
مشرفة ملتقى الفوتوشوب والرسم
 
تاريخ التسجيل: Dec 2005
مكان الإقامة: ** في دنيـــا الله الواسعة **
الجنس :
المشاركات: 7,124
افتراضي

جزااك الله خيراا
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 08-01-2006, 05:45 PM
الصورة الرمزية دارين
دارين دارين غير متصل
قلم برونزي
 
تاريخ التسجيل: Dec 2005
مكان الإقامة: gaza
الجنس :
المشاركات: 1,515
الدولة : Palestine
افتراضي

بارك الله فيكى
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 09-01-2006, 07:49 PM
الصورة الرمزية سها
سها سها غير متصل
مشرفة سابقة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2005
مكان الإقامة: المغرب
الجنس :
المشاركات: 2,804
الدولة : Morocco
افتراضي

بارك الله فيك اخي
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 10-01-2006, 12:10 AM
الصورة الرمزية نورا*
نورا* نورا* غير متصل
قلم مميز ومشرفة سابقة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2006
مكان الإقامة: قطـpalestinianــــر
الجنس :
المشاركات: 8,942
الدولة : Palestine
افتراضي

**جزاك الله خيرا ووفقك**
__________________
رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
حمّل كتاب ملاك التأويل جمال الشرباتي ملتقى القرآن الكريم والتفسير 28 04-05-2009 04:20 PM
(أغني في حبك ) الريحــانة ملتقى القصة والعبرة 11 15-02-2007 06:31 PM
معنى كلمة(باي) هدايه الملتقى العام 10 03-12-2006 07:49 PM
أرجو التأويل yara ملتقى تفسير الاحلام والرؤى 0 17-09-2006 08:32 PM
ما معنى.. اهداف الملتقى العام 0 21-04-2006 08:18 PM


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 85.35 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 81.59 كيلو بايت... تم توفير 3.76 كيلو بايت...بمعدل (4.41%)]