إحياء العروض - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         معنى قوله تعالى: {ليبلوكم أيُّكم أحسنُ عملاً} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          تخصيص رمضان بالعبادة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          ذكر الله دواء لضيق الصدر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          بيان فضل صيام الست من شوال وصحة الحديث بذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          صيام الست من شوال قبل صيام الواجب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          صلاة الوتر بالمسجد جماعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          قراءة القرآن بغير حفظ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          الإلحاح في الدعاء وعدم اليأس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          الفهم الخطأ للدعوة يحولها من دعوة علمية تربوية ربانية إلى دعوة انفعالية صدامية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          معالجة الآثار السلبية لمشاهد الحروب والقتل لدى الأطفال التربية النفسية للأولاد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها > ملتقى الإنشاء

ملتقى الإنشاء ملتقى يختص بتلخيص الكتب الاسلامية للحث على القراءة بصورة محببة سهلة ومختصرة بالإضافة الى عرض سير واحداث تاريخية عربية وعالمية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 09-03-2021, 03:45 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي إحياء العروض

إحياء العروض

د. محمد حسان الطيان






حكى ابنُ جِنِّي، في "الخصائص" عن الخليل: أنَّ الأصمعيَّ كان أراده على أن يعلِّمَهُ العَرُوض، فتَعَذَّر ذلكَ على الأصمعي وبعُدَ عنه، فيَئِسَ الخليل منه، فقال له يومًا: يا أبا سعيد، كيف تُقَطّع قول الشاعر:








إِذَا لَمْ تَسْتَطِعْ شَيْئًا فَدَعْهُ وَجَاوِزْهُ إِلَى مَا تَسْتَطِيعُ





قال: فعلمَ الأصمعي أنَّ الخليل قد تَأَذَّى بِبُعدِه عن علم العَرُوض، فلم يعاودْه فيه[1].

ليستْ صعوبةُ هذا الفَنِّ إذًا وليدةَ هذا العصر، ولا نتيجة من نتائج تَدَنِّي مستوى التعليم، أو ثمرةً أعقَبناها طولُ الأمد، وبُعْدُ الشُّقَّة، وتبلُّدُ الحسِّ، وتنوُّع فنون الأدب؛ وإنَّما هي مشكلة قديمة قِدَمَ هذا الفَنِّ نفسِه؛ إذ تَعُود إلى عصر الخليل واضعِ العَرُوض، وقد اصطَلَى بنارها الأصمعي، وهو مَن هو معرفةً بالشِّعر، ورواية له، ودرايةً بأساليبه وفُنُونه، ونقدًا لغُرَرِه وعيونه.

على أنَّ الخَطْبَ اليوم قد عمَّ؛ إذ سرى اعتياص هذا الفن إلى صُفُوف بعض المُدَرِّسين والمُتَخَصِّصينَ؛ بَلْهَ الطُّلاَّبِ والمُعَلِّمينَ؛ لضياع هذا العلم الجليل في زماننا، وقلَّة الاحتفال به وبأهله[2].

وبِتَّ تفتقد هذا الحسَّ العَرُوضي، لدى الكثرة الكاثرة مِن خِريجي الجامعات، ذَوي التَّخَصُّص الدَّقيق في العَرَبيَّة وآدابها، وصارَ الأمر إلى ما قاله أبو العلاء:







تَوَلَّى الخَلِيلُ إِلَى رَبِّهِ وَخَلَّى العَرُوضَ لِأَرْبَابِهَا
فَلَيْسَ بِذَاكِرِ أَوْتَادِهَا وَلاَ مُرْتَجٍ فَضْلَ أَسْبَابِهَا







أسباب صعوبة العَرُوض:



يوصَف العَرُوضُ بأنَّه: العلم الموسيقيُّ السَّهل بطبيعته، الصَّعب بطريقته، ولهذه الصُّعوبة أسباب مختلفة، يمكن أن نذكرَ منها:



1- إغفال الصِّلة بين العَرُوض من ناحية، وبين الموسيقى والنَّغَم والإيقاع من ناحية أخرى، مع أنَّ الصُّلَة بينهما قديمة، تعود إلى نشأة العَرُوض وابتكاره، ولو عُدْنا إلى أخبار هذه النَّشأة لَوَقَفْنا على حقائقَ كثيرةٍ، تجلو هذه الصلة.

من ذلك ما رواه أبو الحسن الأَخْفَش، عن الحسن بن يزيد، أنه قال:




سألتُ الخليلَ بن أحمدَ عن العَرُوض، فقلتُ له: هَلاَّ عَرَفتَ لها أصلاً؟ قال: نعم، مررتُ بالمدينة حاجًّا، فبينما أنا في بعض طُرُقاتها، إذ بصُرت بشيخٍ على بابٍ يعلِّم غلامًا، وهو يقول له قل:






نعم لا نعم لا لا نعم لا نعم نعم نعم لا نعم لا لا نعم لا نعم لا لا







قال الخليل: فَدَنَوتُ منه، فسَلَّمتُ عليه، وقُلتُ له: أيُّها الشيخ، ما الذي تقوله لهذا الصَّبي؟ فذكر أنَّ هذا العلم شيء يَتَوَارثه هؤلاءِ الصِّبية عن سَلَفِهم، وهو علم عندهم يُسَمَّى "التَّنعيمَ"؛ لقولهم فيه: نعم.



قال الخليلُ: فَحَجَجْتُ، ثمَّ رجعتُ إلى المدينة، فأحكمتُها[3].

ومِن ذلكَ ما يُروَى: أنَّ الخليلَ كان يُقَطِّع بيتًا، فرآه ولده في تلك الحالة، فخَرَجَ إلى الناس يقول: إنَّ أبي قد جُنَّ، فدَخَلَ النَّاس عليه وهو يُقَطِّع البيتَ، فأخبروه بما قال ابنه، فقال له:







لَوْ كُنْتَ تَعْلَمُ مَا أَقُولُ عَذَرْتَنِي أَوْ كُنْتَ تَعْلَمُ مَا تَقُولُ عَذَلْتُكَا
لَكِنْ جَهِلْتَ مَقَالَتِي فَعَذَلْتَنِي وَعَلِمْتُ أَنَّكَ جَاهِلٌ فَعَذَرْتُكَا



وقيل: إنَّ الخليل مَرَّ بالصَّفَّارين، فأخذ العَرُوضَ من وقع مِطْرَقَةٍ على طسْتٍ[4]، ولا ريب أن الخليل كان على علم جمٍّ بالموسيقى؛ بل إنَّ بعضهم ينسب إليه اختراع علم الموسيقى العَرَبيَّة، وتكاد مصادر ترجمته تُجْمع على أنَّه صَنَّف كتابًا في الإيقاع وآخرَ في النَّغَم[5]، قال عنه السيوطي: "وكذلك ألَّف كتاب "الموسيقى" فَزَمَّ - أي ربط - فيه أصناف النَّغَم، وحصر به أنواع اللُّحُون، وحدَّد ذلك كله، ولخَّصه، وذكر مبالغ أقسامه، ونهايات أعداده، فصار الكتاب عِبْرةً للمُعتبرينَ، وآيةً للمُتَوسِّمينَ"[6].
فالصِّلَة إذًا بين العَرُوض والمُوسيقى قديمةٌ ثابتةٌ، وإغفالها يُؤَدِّي إلى فَصْم عُرًى وثيقةٍ فَصْمًا يخلُّ بفَهم العَرُوض، وإتقانه، وتطبيقه.

2- التَّوَسُّل لتقطيع الأبيات، بوضع الإشارات المختلفة، التي تمثِّل المُتَحَرِّك والسَّاكن (/، O، أو -، .) ولا تفيد شيئًا في معرفة وزن البيتِ أوِ الكَشْف عن مَواطِن كسرِه، وما قد يكون فيه من خَلَل؛ بل هي وسيلةٌ يَتَحَوَّل فيها هذا الفَنّ السَّماعي المُعتمِد على الذَّوقِ إلى رموزٍ مكتوبةٍ، لا طائل منها، وأذكر أنَّ عَلاَّمة الشام، أستاذَنا النّفَّاخ - رحمه الله - كان يَنْهانا عن سلوك هذا المسلك - أي عن استعمال هذه الإشارات التي لا تُغْنِي عن المُقَطِّع شيئًا، وكان أن اعترضَ عليه أحدُ الطَّلَبة بأنَّه لا يَقْوى على التَّقطيعِ إلاَّ بهذه الوسيلة، فأجابه الأستاذ على التوِّ: {قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا} [سورة مريم: 75].

3- ربطُ تعلُّم العَرُوض بفَهم دوائر البُحُور، وهيَ دوائر تدلُّ على عبقريَّة الخليل، وقوة إبداعه في تأليف تفعيلات البحور، وفكّها بعضها من بعض، والإشارة إلى ما استعمل من البحور وما أهمل[7]؛ لكنَّها على ما فيها من إبداع وابتكار، لا تفيد في تيسير معرفة الوزن، ولا تُقَوِّي الحسَّ العروضي؛ بل لا تكاد تُسْهِم في ذلكَ، ووقعها على المتعلم الريّض المبتدئ أشبه بوقع الطَّلاسم والمعمّيات، ومن طريف ما يُروَى أن محمد بن عبدالوهاب الثقفي لَقِيَ ابن مُناذِر الشاعر - وكان بينهما إِحْنَةٌ - في مسجد البصرة، ومعه دفترٌ فيه كتاب العَرُوض بدوائره، ولم يكن محمدٌ يعرف العَرُوض، فجعل يلحظُ الكتاب، ويقرؤه فلا يفهمه، وابن مناذر متغافلٌ عن فعله، ثم قال له: "ما في كتابك هذا؟"، فخبَّأهُ في كمِّه، وقال: "وأيُّ شيءٍ عليك مما فيه؟"، فتعلَّق به ولبّبه، فقال ابن مناذر: "يا أبا الصلت، اللهَ اللهَ في دمي، فطمع فيه وصاح: يا زنديقُ، في كمّك الزَّندَقة، فاجتمع الناس إليه، فأخرج الدَّفتر من كُمِّه، وأراهم إيَّاه، فعرفوا براءته مما قذفه به، ووثبوا على محمد بن عبدالوهاب، واستخفوا به، وانصرف بِخِزْيٍ[8]، هذا؛ وقد تناول نَفَرٌ من علماء العَرُوض المُحْدَثِينَ الاحتكام إلى هذه الدَّوائر بالنَّقد.

4 - مُوَاجَهة الطالب بحشد منَ المباحث والمُصطَلَحات العَرُوضيَّة المُتَداخلة، ينوء بحفظها، ويطول عهده بتطبيقها، أو بتوزيعها على أبحرها الخاصَّة بها، وحقُّها أن تُرْجَأَ، وتُوَزَّع على بحورها، فلا تُذْكَرُ أمام الطالب إلاَّ بعد معرفته البحر الذي ترد فيه.

5- البَدْءُ بالصَّعب منَ البُحُور، والتَّدَرُّج نحو الأسهل، مع أنَّ طبيعة الأمور تقتضي العكس، فالبدءُ بالأسهل يُعِين على فَهم الأصعب، وأعني بالأسهل ما تَأَلَّفَ من تفعيلة واحدة بسيطة أو خفيفة؛ كـ"فاعلن"، و"فعولن"؛ إذ إنَّ تَعَلُّمها، ومعرفة إيقاعها يُعينُ الطَّالبَ على تَعَلُّم التَّفعيلات الأطول، ويُمَهِّد لمعرفة تداخل التَّفعيلات المختلفَة.

إنَّ أسباب الصُّعوبة هذه - على اختلافها - جديرة بالدِّراسة والبحث، وفي تَجَنُّبها تيسير لتعليم العَرُوض، وتذليل لكثيرٍ منَ العَقَبات المُعتَرضة طريقَه، على أنَّ أهمَّها وأكثرَها تأثيرًا في تعليم العَرُوض السببُ الأَوَّل، وهو إغفال الصِّلة بين العَرُوض والموسيقى والإيقاع، ففي إعادة هذه الصلة عودٌ بالعَرُوض إلى منابِعه الأولى وموارده الصافية، وهو ما يرمي إليه هذا البحث.

علاقة العروض بالغناء والإيقاع:




يقول حسَّان بن ثابت شاعر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:





تَغَنَّ بِالشِّعْرِ إِمَّا كُنْتَ قَائِلَهُ إِنَّ الغِنَاءَ لِهَذَا الشِّعْرِ مِضْمَارُ







والعَلاقة بين الشِّعر وبين الموسيقى والنَّغَم والإيقاع عَلاقةٌ وثيقة، لا تكاد تخفى على أحد، وأمثلتها في أدبنا القديم أكثر من أن تُحصَى أو تستظهر.

ولعلَّ من أبرز مظاهرها الحُداء، الذي كانت تُساق به الإبل، فإذا ما أسرع الحادي أسرعت الإبل، وإذا أَبْطَأ أَبْطَأَتْ، ومنه الحديثُ المشهور: ((ارْفُقْ - يَا أَنْجَشَةُ، وَيْحَكَ - بِالْقَوَارِيرِ))[9]، يريد أن يبطئ وقع الحُداء؛ لتبطئ الإبل وقع المسير.

ومن نحو هذا ما يُرْوَى عنِ النابغة، حين أَقْوَى في شِعْره، فلم ينبهه على ذلك إلا تَغَنِّي الجواري، ومَدُّهن الصوت بحركة حرف الرَّوِيِّ، وهو الدال في قوله:






زَعَمَ البَوَارِحُ أنَّ رِحْلَتَنَا غَدًا وَبِذَاكَ خَبَّرَنَا الغُرَابُ الأَسْوَدُ
لاَ مَرْحَبًا بِغَدٍ وَلاَ أَهْلاً بِهِ إِنْ كَانَ تَفْرِيقُ الأَحِبَّةِ فِي غَدِ







ولأهمية عنصر الموسيقى في الشِّعر قيل: الشِّعر موسيقى، وقال النُّقَّاد عن البُحتري: أرادَ أن يُشْعِرَ فغنَّى، ولا أدلّ على ذلكَ أيضًا من كتاب "الأغاني"، الذي رمى منه مصنفه إلى جمع أشهر أغاني عصره، فجاء سِجِلاًّ ضَخْمًا لأشعار العرب وأخبار الشعراء والمغنِّين على حدٍّ سواء.

ومِن ثمَّ؛ كان العَرُوضُ علمَ إرهاف الآذان، وإتقانِ الألحان، يَتَطَلّب أول ما يَتَطَلّب ذَوْقًا سليمًا، وأُذُنًا مرهفةً، تُمَيِّزُ الإيقاع الصحيح منَ الإيقاع المُخْتل، والنَّغَم المنضبط منَ النغم النَّشَاز.

من أجل هذا كله؛ لا بد منَ العودة إلى هذينِ العُنصرينِ في معرفة العَرُوض، وهما: النَّغَم والإيقاع، ويمكننا الإفادة منهما على النحو الآتي:




1 - النَّغَم (اللَّحن):



ولا أعني به مطلق النغم؛ وإنما المُرَاد طريقة أداء الأغنية، أو النَّشيد، أو تلحينها وغناؤها، وكنت مستطيعًا - كما قال العَلاَّمة الرَّاحل محمود شاكر -: "أن أهزِل باسم الغناء والنغم، فأستولج في كلامي ألفاظًا للتغرير والإثارة، فأقول: (السِّمْفُني)، و(الهَرْمُنِي)، وكُروبًا وراء ذلك كثيرًا؛ ولكني آثرتُ أن أدع الأمر حيث هو من القُرْب..." [10]، وأنا أوثر ما آثر الشيخ - رحمه الله - فأقول: كلُّ بحرٍ من بحور الشعر يمكن أن ينطبقَ على أغنية محفوظة أو أكثر، أو بعبارة أخرى: يمكن أن يُغَنَّى ويُنْشد كما تُغنَّى تلك الأغنية، أو ينشد ذلك النشيد، فتكون هذه الأغنية، أو النشيد بمنزلة المِفْتاح لهذا البحر، فإذا ما حاولَ الطالب أداء بيت منَ الشِّعْرِ ينتمي إلى هذا البحر، على لحن تلك الأغنية طاوَعَهُ اللَّحْنُ، وانْقاد له الغناء، وإذا ما حاول أداءَ بيت آخرَ، لا ينتمي إلى هذا البحر، على لحن تلك الأغنية تأبَّى عليه اللحن، ولم يَنْقَدْ له الغناء، ومن ثَمَّ؛ يكون قادرًا على أن يَحْكُمَ على ذلك البيت، الذي انقاد له فيه الغناء: بأنه ينتمي إلى ذلك البحر، الذي تنطبق عليه الأغنية، وأمَّا ذلك الذي لم ينقد له الغناء فيه، بتلك الأغنية، فإنه يبحث له عن أغنية أخرى؛ لكي يصل إلى تحديد بحره، ولنأخذ مثالاً على ذلك البحر المتدارك:





مُتَدَارِكُنَا نَغَمٌ عَجِلٌ فَعِلُنْ فَعِلُنْ فَعِلُنْ فَعِلُنْ







فهو ينطبق على لحن قصيدة الحصري القيرواني:





يَا لَيْلُ الصَّبُّ مَتَى غَدُهُ أَقِيَامُ السَّاعَةِ مَوْعِدُهُ
حَيْرَانُ القَلْبِ مُعَذَّبُهُ مَقْرُوحُ الجَفْنِ مُسَهَّدُهُ







وينطبق كذلك على قصيدة شوقي، التي عارض بها قصيدة القيرواني:





مُضْنَاكَ جفاهُ مَرْقَدُه وَبَكَاهُ ورحَّمَ عُوَّدُهُ



وينطبق على قصيدة:






يَا صَاحِ الصَّبْرَ وَهِي مِنِّي وَشَقِيقُ الرُّوحِ نَأَى عَنِّي







فإذا ما حاولنا تأدية أي بيت ينتمي إلى البحر المتدارك، وفق ألحان هذه الأغاني، طاوعنا الأداء وانقاد لنا اللحن، فدلَّ ذلك على صحة انتماء هذا البيت إلى البحر المتدارك، في حين لا يصحُّ ذلك في أي بيت، لا ينتمي إلى البحر المتدارك، وسنطبِّق ذلك على المثالين التاليين فننشدهما وَفْقَ الألحان السابقة:



الأول لناصح الدين الأرّجاني:






سِرْبٌ قَدْ عَنَّ بِذِي سَلَمٍ وَغَدَا بِفُؤَادِي أَغْيدُهُ







والثاني لشوقي:





النِّيلُ العَذْبُ هُوَ الكَوْثَرْ وَالجَنَّةُ شَاطِئُهُ الأَخْضَرْ







2 - الإيقاع:



كل شعر - بل كلّ كلام - يَتَأَلَّف من حروف متحركة وأخرى ساكنة، فإذا ما اقترن الحرف المتحرِّك بالحرف الساكن أَلَّفا مقطعًا واحدًا طويلاً، نحو: قا، لَمْ، في، عن... إلخ.



وإذا اقترنَ المتحرك بالمتحرك ألَّفا مقطعين قصيرين، نحو: لَهُ، بِكَ... إلخ.

ويمكن أن تُتَابِعَ الحروفَ المتحركة، فتكوِّن كلها مقاطع قصيرة، إلى أن يأتيَ حرف ساكن، فيُؤَلِّفَ مع ما قبله مقطعًا طويلاً، نحو:






كَتَبَ / كَتَبَهَا / نُوحِيهَا
تِتِتِ / تِتِتِتِكْ / تِكْ تِكْ تِكْ







3 مقاطع قصيرة /3 مقاطع قصيرة + مقطع طويل/ 3 مقاطع طويلة



والإيقاع يقتضي أن نقابل كل حرف متحرك بنقرة، وكل حرف ساكن بعدم النّقرة، فإذا تتابعت الحروف المتحركة تتابعت النقرات، وإذا جاء الساكن انقطعت، وهكذا يمكن أن تكون التفعيلةُ: (فَاعِلُنْ)، مُقَابِلَةً للنقرات: تِكْ تِتِكْ، و(فَعُولُنْ) مقابلة للنقرات: تِتِكْ تِكْ - التاء هنا تقابل الحرف المتحرك، والكاف تقابل الحرف الساكن - فإذا أخذنا المثال الآتي:





زُرْنَا يَوْمًا قَوْمًا عُرْبًا قَالُوا أَهْلًا سَهْلًا رَحْبًا




وَقَرَأناه ببطءٍ مع الإيقاع، وجدنا إيقاعه أو نَقَرَاتِهِ على النحو التالي:






زُرْنَا يَوْمًا قَوْمًا عُرْبًا

تِكْ تِكْ تِكْ تِكْ تِكْ تِكْ تِكْ تِكْ

قَالُوا أَهْلاً سَهْلاً رَحْبًا

تِكْ تِكْ تِكْ تِكْ تِكْ تِكْ تِكْ تِكْ







وهو أمر نصنعه بطبيعتنا، كلما سمعنا كلامًا مَوْزونًا أو مُلَحّنًا، فالحركة تقابلها النقرة، والسكون يقابله السكون.



وإذا أخذنا بيتًا آخر:





شِعْرٌ نَثْرٌ عِلْمٌ أَدَبٌ قَلْبٌ فِكْرٌ نُورٌ أَرَبٌ







وقرأناه إيقاعًا، وجدنا له الإيقاع نفسه، مع اختلاف الجزء الأخير من كل شطر، وهو: (أدَبٌ، وأَرَبٌ)، فإيقاع كل منهما (تِتِتِكْ تِتِتِكْ)، خلافًا لإيقاع سائر البيت، ففي كل منهما مقطعان قصيران ومقطع طويل.

وهكذا تختلف الإيقاعات باختلاف التفعيلات، ومنَ المعلوم أنَّ التفعيلاتِ ثمانٍ: أربعٌ أصولٌ، يتفرّع عنها أربعٌ فروعٌ، وذلك بقلب الأصول على النحو التالي:










فإذا شفعناها بإيقاعاتها كانت على النحو التالي:





التفعيلة

إيقاعها

التفعلية

إيقاعها

فَعُولُنْ

تِتِكْ تِكْ

فَاعِلُنْ

تِكْ تِتِكْ

مَفَاعِيلُنْ

تِتِكْ تِكْ تِكْ

مُسْتَفْعِلُنْ

تِكْ تِكْ تِتِكْ

مُفَاعَلَتُنْ

تِتِكْ تِتِتِكْ

مُتَفَاعِلُنْ

تِتِتِكْ تِتِكْ

فَاعِلاَتُنْ

تِكْ تِتِكْ تِكْ

مَفْعُولاَتُ

تِكْ تِكْ تِكْ تِ







ولعل من نافلة القول هنا أن نشير إلى أن ما يَعْتَوِرُ التفعيلات من تغيرات بالنقصان أو الزيادة، يقابله تغير بقدره في الإيقاع، مثل: فَعُولُ يقابله: تِتِكْ تِ، ومفاعِلُن يقابلها: تِتِكْ تِتِكْ... وهكذا؛ وبذلك لا يقتصر الإيقاع على تقطيع البيت - بعد معرفة بحره غِناءً - وإنما يعين إلى ذلك على تحديد ما اعتراه من جوازات، وما أصابه من علل وزحافات.

مراجع البحث:




- إحياء العروض، عز الدين التنوخي، المطبعة الهاشمية بدمشق، 1366هـ - 1946م.



- الأغاني، الأصفهاني، دار إحياء التراث العربي.



- الخصائص، ابن جني، تحقيق محمد علي النجار، دار الهدى للطباعة والنشر، بيروت - ط2.



- سير أعلام النبلاء، الذهبي، تحقيق شعيب الأرناؤوط وزملائه، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط2، 1402هـ - 1982م.



- صحيح البخاري، بعناية د. مصطفى البغا، دار القلم، دمشق، 1981م.



- الفهرست، ابن النديم، تحقيق رضا تجدّد.



- المزهر في علوم العربية وأنواعها، السيوطي، بعناية محمد أحمد جاد المولى وزميله، دار إحياء الكتب العربية.



- المستشار في العروض وموسيقى الشعر، د. محمد هيثم غرّة، دار ابن كثير، ودار الكلم الطيب، دمشق، ط1، 1415هـ - 1995م.



- معجم الأدباء، ياقوت الحموي، دار إحياء التراث العربي، بيروت.



- نمط صعب ونمط مخيف، محمود محمد شاكر، مطبعة المدني بالقاهرة، ودار المدني بجدة، ط1، 1416هـ - 1996م.








-------------------------



[1]- "الخصائص" 1/362.



[2] - نمط صعب، ونمط مخيف ص 88 - 89.



[3] "المستشار في العَرُوض وموسيقى الشعر" ص 12.



[4] "سير أعلام النبلاء" 7/431.



[5] "معجم الأدباء" 1/74 - 75، و"المزهر" 1/41، و"الفهرست" ص 49.



[6] "المزهر" 1/81.



[7] - انظر ما كتب الأستاذ محمود شاكر في الكشف عن سرِّ هذه الدوائر في كتابه النفيس: "نمط صعب ونمط مخيف"، ص 89 وما بعدها.



[8]- "الأغاني" 18/187 - 188، (ط دار إحياء التراث العربي).



[9]- "صحيح البخاري" 5/2294، كتاب "الأدب"، الحديث رقم 5856.



[10] - "نمط صعب، ونمط مخيف" 278.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 86.49 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 84.60 كيلو بايت... تم توفير 1.90 كيلو بايت...بمعدل (2.19%)]