الشفاعة لمن؟ - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         وما أدراك ما ناشئة الليل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          كف الأذى عن المسلمين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          انشراح الصدر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          فضل آية الكرسي وتفسيرها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          المسارعة في الخيرات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          أمة الأخلاق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          الصحبة وآدابها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          البلاغة والفصاحة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          مختارات من كتاب " الكامل في التاريخ " لابن الأثير (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          ماذا لو حضرت الأخلاق؟ وماذا لو غابت ؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 15-08-2020, 03:18 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي الشفاعة لمن؟

الشفاعة لمن؟


أحمد الجوهري عبد الجواد






إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.





حمدًا لمن نبيه قد بَعثا

فدوَّخت بُعوثه مَن قد عثى



ثم الصلاة والسلام ما حكت

حمائم حمائمًا إذا بكت



وهزَّت الغصونَ أنفاسُ الصبا

فهيَّج صبابة لمن صبا



وَلَمَعَ البرق إذا الغيث وكف

وطاف بالبيت منيب واعتكف



على أجلِّ مُرْسَلٍ وآله

وصحبه وتابعي مِنواله






أما بعد أيها الإخوة!

من الموضوعات المهمة التي يجب علينا تدارسها وتطارحها بين الحين والآخر موضوع الشفاعة، لنتفهم هذا الموضوع الذي يكثر اللجاج حوله بين الإثبات والإنكار، أو الإيمان بأنه دافع للتوكل، أو داع للتواكل، فتعالوا بنا - أيها الإخوة - في هذه الدقائق نلم بطرف من هذا الموضوع الجليل المهم.



وكما تعودنا فسوف ننظم سلك هذا الموضوع الجليل في العناصر المحددة التالية:

أولًا: ما معنى الشفاعة؟

ثانيًا: أقسام الشفاعة.

ثالثًا: شفاعات وشفعاء.

رابعًا: أسعد الناس بالشفاعة الموحدون.



فأعيروني القلوب والأسماع - أيها الإخوة - أسأل الله تعالى أن يستخرج منا ما يرضيه في هذا الموضوع الخطير.



أولًا: ما معنى الشفاعة؟

- أيها الإخوة - الشفاعة في اللغة من الشفع وهو ضد الوتر، ولذا جمع الله بينهما فقال: ﴿ وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ ﴾ [الفجر: 1 - 3]، قال العلماء: الله - عز وجل - هو الوتر الذي ليس له ثان، والشفع خلقه - عز وجل - خلقهم أزواجًا ذكورًا وإناثًا فخلق السماء والأرض وخلق البر والبحر وخلق الجن والإنس وخلق الشمس والقمر وخلق الذكر والأنثى فكل شيء في الوجود منه الذكر والأنثى سوى الله فلا إله إلا هو الواحد الأحد فكل زوج قيل له شفع وكل مفرد قيل له وتر، ولذلك قيل ليوم عرفة: الوتر لأنه يوم التاسع وهو عدد فردي وقيل ليوم النحر: الشفع، لأنه يوم العاشر وهو عدد زوجي.



وهذا قاله ابن عباس وعكرمة والضحاك في قوله تعالى: ﴿ وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ ﴾ [الفجر: 3] أي يوم النحر ويوم عرفة.



فالشفع إذا الزوج ولذلك لما كان فاعل الذنب أو طالب المصلحة واحدًا فجاء بغيره ليطلب له صارت شفاعة لأنه شفعه فصارا شفعًا بعدما كان المذنب وحده وترًا.



فالشفاعة إذاً هي الطلب مع الغير سواء في تحصيل الخير له أو التجاوز عنه من ذنب أو غيره، قال ابن الأثير في "النهاية": قد تكرر ذكر الشّفاعة في الحديث فيما يتعلق بأمور الدنيا والآخرة، وهي: السؤال في التجاوز عن الذنوب والجرائم بينهم، يقال: شفع يشفع شفاعةً فهو شافع وشفيع، والمشفّع: الّذي يقبل الشّفاعة، والمشفّع: الّذي تقبل شفاعته. اهـ



هذا هو معنى الشفاعة - أيها الإخوة - وهي تنقسم إلى أقسام وهذا هو عنصرنا الثاني من عناصر اللقاء: أقسام الشفاعة.



أيها الإخوة!

تنقسم الشفاعة إلى قسمين: شفاعة منفية، وهي التي تطلب من غير الله - عز وجل - فيما لا يقدر عليه إلا الله، هذه شفاعة نفاها الله - عز وجل - في كتابه ونفاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سنته.



تدبروا - أيها الإخوة - حتى لا يقع أحدنا في سوء فهم للآيات والأحاديث فيحسب الشفاعة جملة واحدة مثبتة أو يحسبها جملة واحدة منفية فيضرب الآيات بعضها ببعض ويحسب أن كتاب ربنا يعارض بعضه بعضًا، حاشا كتاب الله من ذلك، ومن هنا وقع من وقع في نفي الشفاعة، فلنتدبر كتاب الله وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم - بفهم السلف الصالح، فالقسم الأول شفاعة منفية نفاها الله في كتابه ونفاها رسوله في سنته وهذه نوعان:

النوع الأول: الشفاعة المطلوبة لأهل الكفر والشرك.

فهذه نفاها الله تعالى كما أخبر سبحانه عن شفاعة نوح عليه السلام في ابنه أن ينجيه الله تعالى من العذاب فقال له ربه: "إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ "، وورد عن جماعة من السلف أنهم قرؤوا: ﴿ إِنَّهُ عَمِلَ غَيْرَ صَالِحٍ ﴾[1] وهو الشرك والكفر، ﴿ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ



وكما قال تعالى في إبراهيم بعدما وعد أباه بالاستغفار له قائلًا: "﴿ قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا ﴾، فلما علم كفره وشركه وإباءه أن يكون موحدًا وإعراضه عن سبيل الهدى تبرأ منه وسحب وعده ذاك بالشفاعة له قال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ ﴾.



وكما قال النبي – صلى الله عليه وسلم - لما مات أبو طالب عمه فقال: لأستغفرن لك ما لم أنه عن ذلك فأنزل الله تعالى قوله: ﴿ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ﴾ [التوبة: 113]،فترك النبي الاستغفار له؛ رفضت هذه الشفاعات كلها ونفيت عن المشفوع له ولم تقبل لدى المشفوع عنده - عز وجل -.



وهي غير نافعة على الإطلاق وهذه هي المقصودة بقول ربنا - سبحانه وتعالى -: ﴿ فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ ، وذلك في أهل الكفر والشرك والإجرام من أهل النار وبئس القرار.



قال سبحانه: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ * فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ ﴾ [المدثر: 38 - 48].



وكما قال عز من قائل: ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ ﴾.



وكما قال - جل وعلا- على لسان أهل النار: ﴿ فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ ﴾ [الشعراء: 100].



فهذا هو النوع الأول من الشفاعة المنفية وهى الشافعة المطلوب لأهل الكفر والشرك.



النوع الثاني من الشفاعة المنفية: الشفاعة المطلوبة من الله بغير إذن منه - عز وجل - ورضى.



فلابد من الإذن والرضى كما قال تعالى: ﴿ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى ﴾.



وكما قال - عز وجل -: ﴿ يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا ﴾ [طه: 109]، "وقال - جل وعلا -: ﴿ وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ ﴾ وقال عز من قائل سبحانه: ﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ﴾ وقال جل شأنه وعز سلطانه: ﴿ لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا ﴾ أي لا يملك الكافرون الشفاعة، لا يملكها إلا المؤمنون الموحدون فإنهم يملكونها بما لهم عند الله من عهد بذلك وذلك العهد هو شهادة التوحيد لا إله إلا الله محمد رسول الله - كما سنبين بعد قليل - فتبين لنا - أيها الإخوة - أن الشافع لا يشفع إلا بإذن من الله ورضًا ولا يشفع إلا لمن أذن الله فيه وارتضى: أذن للشافع ورضي عن المشفوع له.



وهناك نوع ثالث من الشفاعة المنفية المرفوضة وهو شفاعة المعبودات التي يعبدها الكافرون والمشركون من دون الله فإنها لا تشفع لعابديها قال تعالى: "ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم... الآية"، ولهذا وبخهم الله بقوله: ﴿ قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السموات وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ * وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ﴾ [سبأ: 22، 23].



فنفت هذه الآية أربعة أمور عن الأصنام والأوثان والأنداد التي يعبدها المشركون لتقربهم بزعمهم إلى الله زلفى:

الأول: أنهم ليس لهم ملك - ولو قلّ - فكيف تدعونهم وهم لا يملكون؟

الثاني: أنهم ليسوا شركاء مع المالك، فالمَالك المَلِكُ ليس له شريك.

الثالث: أنهم ليسوا ظهراء معينين للملك فإنه ليس له ظهير.

الرابع: أنهم لا يصلحون للشفاعة عنده، لأن الشفاعة ليست إلا لمن عنده الإذن والعهد بذلك وليس معهم ذلك العهد وهو التوحيد كما بينا فليس لهم إذن فلا يشفعون.



قال العلامة ابن القيم: وهكذا قطع الله الأسباب التي يتعلق بها المشركون جميعًا قطعًا يعلم من تأمله وعرفه أن من اتخذ من دون الله وليًّا فمثله كمثل العنكبوت اتخذت بيتًا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون، فالمشرك إنما يتخذ معبوده لما يحصل لديه من النفع والنفع لا يكون إلا ممن فيه خصلة من هذه الخصال الأربع.



فالشفاعة - أيها الإخوة - ملك لله تعالى وحده لا تطلب من غيره، لأنها من جنس الدعاء فلا تطلب الشفاعة من أحد على الإطلاق لا من النبي – صلى الله عليه وسلم - ولا من أحد غيره، والنصوص الواردة في الشرع عن الشفاعة إنما هي خاصة بالآخرة، نعم تطلب شفاعة المؤمنين لبعضهم البعض في الدنيا لقضاء المصالح التي تكون في استطاعة الشافع وقدرته كما قال النبي – صلى الله عليه وسلم - "اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء"[2] وهي الوساطة بالخير كما قال – صلى الله عليه وسلم -: "من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه".[3]



أما فيما سوى ذلك فلا، لا يصح من أحد أن يأتي قبر النبي- صلى الله عليه وسلم - في الدنيا ويقول: يا رسول الله اشفع لي عند ربك وإنما نسألها الله -تبارك وتعالى- فنقول: يا رب شفع فينا نبيك، هذا فضلًا عن رجل أو امرأة يأتي إلى مقابر الأولياء وأصحاب الأضرحة والمشاهد ويقول لهم: اشفعوا لي عند الله فهذا لا يجوز، هذا شرك بالله تعالى فلا يصح من المسلم أن يفعل هذا ولا أن يعتقده.



فيا - أيها الإخوة - الكرام الشفاعة الشركية يتعلق بها أقوام من المتعلقين بغير الله فيعتقدون أن الصالحين أحياءً وأمواتاً يشفعون لهم عند الله، والله يقبل شفاعتهم فيهم فتقضي حوائجهم بناء على اعتقادهم أن لهؤلاء الصالحين حقًّا عند الله به يجيب شفاعتهم وهذا خطأ، فمن قصد قبراً وقال: يا فلان ادع الله أن يشفيني، هذا أشرك، فما له لا يتوجه بالدعاء إلى الله مباشرة لماذا يتوسل بهذا العبد الفقير إلى الله؟ لماذا تجعل بينك وبين الله واسطة وشفاعة ارفع دعاءك إليه مباشرة - عز وجل -: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة: 186].



ولله در العلامة الفوزان - أبقاه الله كريمًا عزيزًا وجعل كرامته عليه موصولة بكرامة الآخرة - إذ يقول: أمرنا الله - جل وعلا- أن نتوجه إليه مباشرة بدون أن نوسط أحدًا، أو نسأل بجاه أحد، أو بحق أحد، حتى ولو كان هذا الأحد له مكانة عند الله كالرسل والملائكة، لأن الله لم يشرع لنا أن نوسطهم في قضاء حوائجنا، بل الله قال: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ ما قال: ادعوني بواسطة فلان، أو وسّطوا فلاناً بيني وبينكم، قال: ﴿ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾، وفي الحديث: "ينزل ربنا - سبحانه وتعالى - كل ليلة إلى سماء الدنيا فيقول: هل من سائل فأعطيه؟ هل من داع فأستجيب له؟، هل من مستغفر فأغفر له؟" فالباب مفتوح بينك وبين الله - عز وجل -، لماذا هذا التعريج، وهذه الأباطيل التي تجعلها بينك وبين الله؟، اتصل بالله مباشرة، وهو سميع مجيب: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ﴾، فهذا إبطال الوسائط التي يضعونها بينهم وبين الله، ويزعمون أنها تقربهم إلى الله زلفى، فلا أصحاب القبور، ولا الأشجار، ولا الأحجار، ولا الأصنام، ولا أي مخلوق حتى ولا الأنبياء ولا الملائكة ليسوا واسطة بين الله وبين خلقه في قضاء الحاجات.[4]



هذا هو القسم الأول من أقسام الشفاعة وهي الشفاعة المنفية.



والثاني: هي الشفاعة المثبتة.

والشفاعة المثبتة - أيها الإخوة - هي التي تطلب من الله - عز وجل - يطلبها الصفوة الموحدون، للموحدين كذلك، من الواحد جل في علاه فيرضى الله تعالى عن المشفوع له بسبب توحيده ويأذن للشافع بسبب توحيده ومكانته عند الله تعالى في الإيمان والتقوى، قال علماؤنا: "ولذلك الشّفاعة المثبتة لا تقبل إلا بشروط:

1- قدرة الشافع على الشّفاعة كما قال تعالى في حق الشافع الذي يطلب منه وهو غير قادر على الشّفاعة: ﴿ وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السموات وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [يونس: 18]، وقال تعالى: ﴿ وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [الزخرف: 86]، فعلم من هذا أن طلب الشّفاعة من الأموات طلب ممن لا يملكها، قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾.



2- إسلام المشفوع له، قال الله تعالى: ﴿ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ ﴾، والمراد بالظالمين هنا: الكافرون، بدليل الأحاديث المتواترة في الشّفاعة لأهل الكبائر، وستأتي إن شاء الله في موضعها. قال الحافظ البيهقي - رحمه الله - في "الشعب": فالظالمون هاهنا هم الكافرون، ويشهد لذلك مفتتح الآية إذ هي في ذكر الكافرين. [5]



وقال الحافظ ابن كثير - رحمه الله - في تفسير الآية: أي ليس للذين ظلموا أنفسهم بالشرك بالله من قريب منهم ينفعهم، ولا شفيع يشفع فيهم، بل قد تقطعت بهم الأسباب من كل خير. اهـ



ويستثنى من المشركين أبوطالب، فإن النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يشفع له حتى يصير في ضحضاح من نار كما سيأتي إن شاء الله.



3- الإذن للشافع، كما قال تعالى: ﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ﴾ [البقرة: 255].



4- الرّضا عن المشفوع له كما قال تعالى: ﴿ وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى ﴾ [النجم: 26] وقال تعالى: ﴿ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى ﴾ [الأنبياء: 28]. [6]



و الشفاعة المثبتة أيها الحبة! أنواع كثيرة فهي في الحقيقة شفاعات لا شفاعة واحدة كما يظن كثير من الناس، وهذا هو عنصرنا الثالث من عناصر اللقاء:



ثالثًا: شفاعات وشفعاء.

أيها الإخوة!

كثير من الناس يظن أن الشفاعة لا تكون إلا للنبي – صلى الله عليه وسلم - فحسب، وأن النبي – صلى الله عليه وسلم - ليست له إلا شفاعة واحدة وهؤلاء أخطأوا من ناحيتين، فالنبي – صلى الله عليه وسلم - يشفع نعم وهو سيد الشفعاء لكن غير النبي يوم القيامة له شفاعة فهناك شفعاء مع النبي يوم القيامة، هذه ناحية.



والناحية الثانية: أن شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم القيامة ليست قاصرة على شفاعته المشهورة المعروفة ببدء الحساب وتعجيل العرض على الله يوم الفزع الأكبر، وإنما له - صلى الله عليه وسلم - بأبي هو وأمي شفاعات متعددة، فتعالوا بنا سريعًا نستعرض هذه الشفاعات ونتعرف إلى هؤلاء الشفعاء ولنبدأ بسيد شفعاء البشر وصاحب الشفاعة العظمى بأبي هو وأمي– صلى الله عليه وسلم -.



قال العلماء: ثبت لنبينا - صلى الله عليه وسلم - شفاعات عدة:

منها وهو أعظمها -الشفاعة العظمى وهي شفاعته في تعجيل الحساب لأهل الموقف وهي المقام المحمود، كما في حديث الشفاعة العظيم الجليل الذي رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة أنه قَالَ: كنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في دَعْوَةٍ، فَرُفِعَ إِلَيْهِ الذِّرَاعُ، وَكَانَتْ تُعْجِبُهُ، فَنَهَسَ مِنْهَا نَهْسَةً وقال: "أنا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ القِيَامَةِ، هَلْ تَدْرُونَ مِمَّ ذَاكَ؟ يَجْمَعُ اللهُ الأوَّلِينَ وَالآخِرِينَ في صَعِيدٍ وَاحِدٍ، فَيُبْصِرُهُمُ النَّاظِرُ، وَيُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي، وَتَدْنُو مِنْهُمُ الشَّمْسُ، فَيَبْلُغُ النَّاس مِنَ الغَمِّ وَالكَرْبِ مَا لاَ يُطِيقُونَ وَلاَ يَحْتَمِلُونَ، فَيقُولُ النَّاسُ: أَلاَّ تَرَوْنَ مَا أنْتُمْ فِيهِ إِلَى مَا بَلَغَكُمْ، ألاَ تَنْظُرُونَ مَنْ يَشْفَعُ لَكُمْ إِلَى رَبِّكُمْ؟ فَيقُولُ بَعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ: أبُوكُمْ آدَمُ، فَيَأتُونَهُ فَيقُولُونَ: يَا آدَمُ أنْتَ أَبُو البَشَرِ، خَلَقَكَ اللهُ بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ، وأمَرَ المَلاَئِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ، وأسْكَنَكَ الجَنَّةَ، ألاَ تَشْفَعُ لَنَا إِلَى رَبِّكَ؟ ألاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ وَمَا بَلَغْنَا؟ فَقَالَ: إنَّ رَبِّي غَضِبَ اليَوْمَ غَضَباً لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلا يَغْضَبُ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإنَّهُ نَهَانِي عَنِ الشَّجَرَةِ فَعَصَيْتُ، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى نُوحٍ، فَيَأتُونَ نوحاً فَيَقُولُونَ: يَا نُوحُ، أنْتَ أوَّلُ الرُّسُلِ إِلَى أهلِ الأرْضِ، وَقَدْ سَمَّاكَ اللهُ عَبْداً شَكُوراً، ألاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ، ألاَ تَرَى إِلَى مَا بَلَغْنَا، ألاَ تَشْفَعُ لَنَا إِلَى رَبِّكَ؟ فَيقُولُ: إنَّ رَبِّي غَضِبَ اليَوْمَ غَضَباً لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإنَّهُ قَدْ كَانَتْ لِي دَعْوَةٌ دَعَوْتُ بِهَا عَلَى قَوْمِي، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى إبْرَاهِيمَ، فَيَأتُونَ إبْرَاهِيمَ فَيقُولُونَ: يَا إبْرَاهِيمُ، أنْتَ نَبِيُّ اللهِ وَخَلِيلُهُ مِنْ أهْلِ الأرْضِ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، ألاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ فَيقُولُ لَهُمْ: إنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ اليَوْمَ غَضَباً لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإنَّي كُنْتُ كَذَبْتُ ثَلاثَ كَذبَاتٍ؛ نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى مُوسَى، فَيَأتُونَ مُوسَى فَيقُولُونَ: يَا مُوسَى أنَتَ رَسُولُ اللهِ، فَضَّلَكَ اللهُ بِرسَالاَتِهِ وَبِكَلاَمِهِ عَلَى النَّاسِ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، ألاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ فيقُولُ: إنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ اليَوْمَ غَضَباً لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإنَّي قَدْ قَتَلْتُ نَفْساً لَمْ أُومَرْ بِقَتْلِهَا، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي؛ اذْهَبُوا إِلَى عِيسَى. فَيَأتُونَ عِيسَى فَيَقُولُونَ: يَا عِيسَى، أنْتَ رَسُولُ الله وَكَلِمَتُهُ ألْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ، وَكَلَّمْتَ النَّاسَ في المَهْدِ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، ألاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ فيَقُولُ عِيسَى: إنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ اليَوْمَ غَضَباً لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ ذَنْباً، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -". وفي روايةٍ: "فَيَأتُونِي فَيَقُولُونَ: يَا مُحَمَّدُ أنتَ رَسُولُ اللهِ وخَاتَمُ الأنْبِياءِ، وَقَدْ غَفَرَ اللهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، ألاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ فَأنْطَلِقُ فَآتِي تَحْتَ العَرْشِ فَأَقَعُ سَاجِداً لِرَبِّي، ثُمَّ يَفْتَحُ اللهُ عَلَيَّ مِنْ مَحَامِدِهِ، وَحُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ شَيْئاً لَمْ يَفْتَحْهُ عَلَى أحَدٍ قَبْلِي، ثُمَّ يُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأسَكَ، سَلْ تُعْطَهُ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأرْفَعُ رَأْسِي، فَأقُولُ: أُمَّتِي يَا رَبِّ، أُمَّتِي يَا رَبِّ، أُمَّتِي يَا رَبِّ، فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ أدْخِلْ مِنْ أُمَّتِكَ مَنْ لاَ حِسَابَ عَلَيْهِمْ مِنَ البَابِ الأيْمَنِ مِنْ أَبْوَابِ الجَنَّةِ، وَهُمْ شُرَكَاءُ النَّاسِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الأبْوَابِ". ثُمَّ قَالَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إنَّ مَا بَيْنَ المِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الجَنَّةِ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَهَجَرَ، أَوْ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَبُصْرَى".[7]



هذه هي الشفاعة العظمى لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي أولى شفاعاته.



ثانيًا: شفاعته - صلى الله عليه وسلم - في أمته حتى يدخلهم الجنة وفي استفتاح باب الجنة لأهلها وإدخاله إياهم إليها: روى مسلم من حديث أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: آتى باب الجنة يوم القيامة فأستفتح فيقول الخازن: من أنت؟ فأقول: محمد فيقول: بل أمرت ألا أفتح لأحد قبلك. [8]



وروى أحمد عن أنس قال حدّثني نبيّ الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: "إنّي لقائم أنتظر أمّتي تعبر على الصّراط إذ جاءني عيسى فقال: هذه الأنبياء قد جاءتك يا محمّد يشتكون - أو قال: يجتمعون - إليك ويدعون الله - عز وجل - أن يفرّق جمع الأمم إلى حيث يشاء الله لغمّ ما هم فيه، والخلق ملجمون في العرق وأمّا المؤمن فهو عليه كالزّكمة، وأمّا الكافر فيتغشّاه الموت، قال: يا عيسى انتظر حتّى أرجع إليك. قال: فذهب نبيّ الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم حتّى قام تحت العرش، فلقي ما لم يلق ملك مصطفًى ولا نبيّ مرسل فأوحى الله - عز وجل - إلى جبريل: اذهب إلى محمّد، فقل: له ارفعْ رأسك سلْ تعط، واشفعْ تشفّع. قال: فشفّعت في أمّتي إلى أن أخرج من كلّ تسعة وتسعين إنسانًا واحدًا. قال: فما زلت أتردّد على ربّي - عز وجل - فلا أقوم مقامًا إلاّ شفّعت، حتّى أعطاني الله - عز وجل - من ذلك أن قال: يا محمّد أدخل من أمّتك من خلق الله - عز وجل - من شهد أنّه لا إله إلاّ الله يومًا واحدًا مخلصًا ومات على ذلك". [9]



ثالثًا: شفاعته - صلى الله عليه وسلم - في دخول أقوام الجنة بلا حساب:

روى الآجري في الشريعة بسند صحيح كما في الصحيحة من حديث أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: سألت الله - عز وجل - الشفاعة لأمتي فقال: لك سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب".[10]



وقد مرت معنا البشارة بالزيادة على هذا العدد في لقاء "إلى الجنة بغير حساب"، حيث وصل إلى ما يزيد عن خمسة ملايين عددًا، وثلاث حثيات بيد ربنا كرمًا وفضلًا ومددًا.



وروى الترمذي عن أبي أمامة قال: سمعْت رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يقول: "وعدني ربّي أنْ يدخل الجنّة من أمّتي سبعين ألفًا لا حساب عليهم ولا عذاب مع كلّ ألف سبعون ألفًا وثلاث حثيات من حثياته". [11]



رابعًا: الشفاعة في رفع درجات بعض من يدخل الجنة فوق ما كان يقتضيه عمله.

روى البخاري ومسلم عن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: لمّا فرغ النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم من حنين بعث أبا عامر على جيش إلى أوطاس فلقي دريد بن الصّمّة، فقتل دريد وهزم الله أصحابه، قال أبوموسى: وبعثني مع أبي عامر فرمي أبوعامر في ركبته رماه جشميّ بسهم فأثبته في ركبته، فانتهيت إليه فقلت: يا عمّ من رماك. فأشار إلى أبي موسى فقال: ذاك قاتلي الّذي رماني. فقصدت له فلحقته فلمّا رآني ولّى فاتّبعته وجعلت أقول له: ألا تستحيي ألا تثبت. فكفّ فاختلفنا ضربتين بالسّيف فقتلته، ثمّ قلت لأبي عامر: قتل الله صاحبك. قال: فانزعْ هذا السّهم. فنزعته فنزا منه الماء قال: يا ابن أخي أقرئ النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم السّلام وقل له: استغفر لي. واستخلفني أبوعامر على النّاس فمكث يسيرًا ثمّ مات، فرجعت فدخلت على النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم في بيته على سرير مرمّل، وعليه فراش قد أثّر رمال السّرير بظهره وجنبه، فأخبرته بخبرنا وخبر أبي عامر وقال: قل له: استغفر لي. فدعا بماء فتوضّأ ثمّ رفع يديه فقال: "اللّهمّ اغفر لعبيد أبي عامر" ورأيت بياض إبطيه ثمّ قال: "اللّهمّ اجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك من النّاس" فقلت: ولي فاستغفر. فقال: "اللهمّ اغفر لعبدالله بن قيس ذنبه، وأدخله يوم القيامة مدخلاً كريمًا" قال أبوبردة: إحداهما لأبي عامر والأخرى لأبي موسى.[12]


يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 165.52 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 163.75 كيلو بايت... تم توفير 1.77 كيلو بايت...بمعدل (1.07%)]