|
|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
التعريف بالإسلام
التعريف بالإسلام
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
رد: التعريف بالإسلام
التعريف بالإسلام د. أحمد مصطفى نصير التساؤل الثالث: لماذا الإسلام منهج حياة؟ بند1: لا شكَّ أنَّ هناك علاقةً حتميَّة بيْن الحِكْمة مِن خَلْق الإنسان، والحِكمة مِن إرْسال الله تعالى للرُّسل وتنزيل الشرائِع السماوية؛ ذلك أنَّ المخاطَب بتلك الشرائع هو الإنسان، وأنَّ الشريعة هي خِطابُ الخالِق لخلْقه بالأمر والنهي والطلَب، ومِن ثَمَّ كان الخطاب معنيًّا بهذا الإنسان، فكان التلازمُ بين الحِكمتين واقعًا، والاتِّساقُ بينهما لازمًا؛ إذ الإنسانُ بغير الشريعة، كالقطيعِ في الأرْض بلا راعٍ لها، فإنَّها تموج وتَمْرَح بلا نِظام ولا غاية، وتعْبَث بالزَّرْع وتُفْسِد الأرض، بل إنَّها تكون فريسةً سهلة لآكليها، فلا هي قد أفادتْ ولا هي قد استفادتْ، وقد شبَّه الله تعالَى مَن لا يلتزم بأحكامِ الشريعة بالبهائم، فقال المولى - تبارك وتعالى - في كتابه العزيز: ﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴾ [الأعراف: 179]. بند2: لكن لَمَّا كان الإنسان منوطًا به - في الأصْل - سياسة نفسِه، فلماذا أنزل الله الشرائعَ، وأرْسل الرُّسل، وأمرَنا باتِّباعهم؟ الله عزَّ وجلَّ أرْسَل الرسل، وأنْزَل الشرائع السماويَّة؛ ذلك أنَّ الإنسان على الرغم من تحلِّيه بالعقل الذي أنعم الله عليه به، وميَّزه به عن سائرِ المخلوقات، قد ضلَّ طريقَه في التعرُّف على ربِّه، والتبس عليه الأمرُ، فعَبَد الشمسَ والقمَرَ والنجوم، بل وصَل به الانحطاطُ الذِّهْني إلى درجةِ عِبادة الأصنام والأوثان، فأطلق لغرائزِه العِنان، وأهمَل إعْمال عقلِه، فانغمَس في الشرِّ، وبعُد عن الخيْر، وذلك ممَّا يُهدِّد استمرارَ بقائه، ويُسرِع في فنائه، كما أنَّه يحول دون استقامةِ أمره وهدوء نفسِه، وبهذا سار الإنسانُ في الطريق المضاد للطريق المرسوم له، والذي خُلِق من أجْله، وذلك يجعَلُه مُؤاخذًا بذنبه في الدنيا وفي الآخرة، وحتى لا يحتجَّ الإنسانُ بقصور عقلِه الذي قصَّر في استعماله أنزل الله الرسلَ والشرائع السماوية؛ لتعينَه وتبصِّرَه بحِكمة خلقه[10]، قال المولى - تبارك وتعالى -: ﴿ إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا داود زَبُورًا * وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا * رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا * لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ﴾ [النساء: 163 - 166]، وقال: ﴿ وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [القصص: 47]. ومِن ثَمَّ كانتِ الحِكمة من إرْسال الرُّسُل وتنزيل الشرائع، هي إرشادَ الإنسانية لطريقِ الحقِّ بما يُحقِّق مضمونَ الخِلافة، وتبصيرها بتبعاتها، وجوانبِ مسؤوليتها فيها، ومن أجْلِ ذلك كانتْ قواعد الدِّين، وقواعد الأخلاق الأساسية التي لا يستقيمُ شأنُ الإنسان إلاَّ برعايتها قد قرَّرتْ أحكامُ الشريعة الحمايةَ اللازمة لها؛ حتى لا يؤدِّي ترْكُها بدون تقريرِ قاعدةٍ جزائيَّة على مخالفتها إلى اجتراءِ الناس على مخالفتها، والانحراف عنها، ثم الابتعاد عنها تمامًا، وفي هذا هدْمٌ للمقصود الأصلي مِن الرسل، وهو إصلاح العقيدة؛ لذلك تكفَّلتِ الشرائع السماوية بتقريرِ العقوبات التي مِن شأنها حمايةُ العقيدة، وقواعد الأخلاق الأساسيَّة، ولم يكن تناولُها لموضوعِ العقوبات إلا علَى سبيلِ الاستثناء، وفي نِطاقٍ محدود، وهو نِطاق حِماية العقيدة، والأخلاق الأساسيَّة؛ لذا اقتصرتِ الشريعة الإسلاميَّة على بيانِ عقوبةِ الرِّدَّة لحماية العقيدة، وبيان عقوبةِ القتْل العمْد والخطأ، والضَّرْب بأن شرعتِ القصاص لذلك، والدِّيةَ في أحوال معيَّنة؛ حفاظًا علَى النفس، وشرعتْ عقوبة السُّكر للحفاظ علَى العقل الذي هو مناطُ التكليف، وحمل مسؤولية الخِلافة، كما شرعتْ عقوبة السَّرِقة والحرابة؛ حفاظًا على أموال الناس، والتي بدونها لا يستقرُّ الإنسان في العيش، كما شرعتْ عقوبة الزِّنا؛ حمايةً لأعراضهم ونَسْلِهم، وحفاظًا على الشكل الذي يعيش فيه الإنسانُ بصورة الوَحْدة الجماعية الصغيرة، وهي الأُسْرَة، فيُحقِّق الإنسان معنَى الخِلافة في تلك اللَّبِنة الأولى للمجتمع، ثم تتَّسع تلك الدائرةُ رويدًا رويدًا؛ لتعمَّ الأرض كلَّها، لهذا كانتْ مقاصد الدِّين الضرورية خمسةً، تتمثَّل في: (حِفْظ الدِّين، والنفس، والعقل، والمال، والعِرْض، والنسل)[11]. بند3: ولَمَّا كان التزامُ الإنسان بشريعةِ الله هو تحقيقَ العبودية التي خُلِق مِن أجْلها، وكان الله تعالى مستغنيًا عن الخلْق بعبادتهم، فإنَّ القول بأنَّ وضْع الشرائع يكون عبثًا باطلٌ باتفاق؛ قال تعالى: ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ﴾ [المؤمنون: 115]، وقال: ﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ ﴾ [ص: 27]؛ لذا تعيَّن أن يكونَ وضْع الشرائع لحِكمة ومصلَحَة، والمصلحة إمَّا أن تكونَ راجعةً إلى الله تعالى، أو إلى العِباد، ورُجوعها إلى الله محالٌ؛ لأنَّه غنِيٌّ ويستحيل رجوع المصالِح إليه، فلم يبقَ إلاَّ رجوعها إلى العباد. ووضْع الشريعة لمصالِح العِباد، يَقتضي أن تَكونَ تلك المصالِحُ عائدةً عليهم بحسب أمرِ الشارع، وعلى الحدِّ الذي حدَّه لا على مقتضَى أهوائهم وشهواتهم؛ لذا كانتِ التكاليف الشرعيَّة ثقيلةً على النفوس، والحِسُّ والعادة والتَّجرِبة شاهدةٌ بذلك، ومِن ثَمَّ يكون مقصدُ الخالق من وضع الشريعة للخلق ابتداءً - كما عبَّر عنه الشاطبيُّ في "الموافقات" -: "إخراج المكلَّف عن داعيةِ هواه؛حتى يكون عبدًا لله اختيارًا، كما هو عبدٌ لله اضطرارًا"، فالأوامر والنواهي مُخرِجة له عن داوعِي طبعه واسترسالِ أغراضه، حتى يأخذَها من تحت الحدِّ المشروع، وهذا هو المرادُ وهو عيْن مخالفة الأهواء والأغراض[12]. التساؤل الرابع: هل يمكن لمناهج البشر أن تضاهي منهج الإسلام؟ بند1: والإسلام منهجٌ متفرِّد لا نظيرَ له من المناهِج البشرية الوضعية، وقد يقول قائل: إذا كان الإسلامُ هو منهجَ الله للحياة البشرية، وهذا المنهج لا يتحقَّق في الأرْض، وفي دُنيا الناس إلاَّ بالجهد البشري، وفي حدودِ الطاقة البشريَّة، وفي حدود الواقِع المادي للحياة الإنسانية في البِيئات المختلِفة؛ أي: ليس هناك سبيلٌ لأن يتحقَّقَ هذا المنهج في الإنسان بأمر كان مُسلَّمًا فيكون مسلَّمًا؛ يقول سبحانه: ﴿ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ﴾ [الشورى: 8]، وقال سبحانه: ﴿ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾ [الأنعام: 35]. فإذا كان الأمرُ كذلك، فما ميزةُ المنهج الإلهي إذًا على المناهِج البشرية التي يَضعُها البشَرُ لأنفسهم، ويَبْلُغون منها ما يبلغه جهدُهم، وفي حدودِ طاقتِهم وواقعهم؟ ولماذا يجب علينا - نحن المسلمين - أن نسعَى لتحقيقِ ذلك المنهجِ الإلهي، وهو يحتاج إلى الجهْد البشري ككلِّ منهج؟ فلا يتحقَّق منه شيءٌ بمعجزةٍ خارِقة، ولا بقهْر إلهي مُلزِم؟![13]. بند2: يُجيب المولى سبحانه على هذا التساؤل بأنَّ المنهجَ الإلهي لا يُضاهيه شيءٌ من مناهِج البشَر؛ إذ يقول سبحانه: ﴿ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴾ [الإسراء: 88]، ويُنكر المفكِّر الإسلاميُّ سيِّد قطب هذه المحاولةَ من البشَر، باعتبار أنَّ كلَّ مَن ادَّعى لنفسه حقَّ وضْع منهجٍ لحياة جماعةٍ مِنَ الناس، فقد ادَّعى حقَّ الألوهية عليهم بادِّعائه أكبرَ خصائص الألوهية، وكل مَن أقرَّه منهم على هذا الادِّعاء، فقد اتَّخذه إلهًا من دون الله بالاعترافِ له بأكبرِ خصائص الألوهية... وشهادة أنَّ محمدًا رسولُ الله معناها القريب: التصديق بأنَّ هذا المنهج الذي بلَّغَه لنا من الله هو حقًّا منهجُ الله للحياة البشرية، وهو وحْدَه المنهج الذي نحن مُلْزَمون بتحقيقه في حياتِنا، وفي حياة البشَر جميعًا، ومِن ثَمَّ فنحنُ مُلْزَمون بمحاولة تحقيقِ ذلك المنهَج؛ لنثبتَ لربِّنا صفةَ الإسلام التي نَدَّعيها، وهي لا تتحقَّق إلا بشهادة أن لا إله إلا الله وأنَّ محمدًا رسولُ الله، وهذه الشهادة لا تقوم إلاَّ بإفرادِ الله بالأُلوهية، إفراده بحقِّ وضْع منهجِ الحياة، ومحاولة تحقيقِ ذلك المنهج الذي جاءَنا به محمَّدٌ - صلَّى الله عليه وسلَّم - من عندَ الله[14]. بند 3: فإذا كانتِ العِلَّةُ ظاهرة على أنَّ المنهج الإسلامي قد فاق مناهجَ البشر، وأنَّ البشرية جميعًا لن تصل إلى وضْع آية يضاهون بها آيةًً من آيات الله تعالى، فإنَّ ذلك ينقلنا إلى التساؤل التالي: ما تأثيرُ هذا المنهج على حياة البشر؛ إذ إنَّ ذلك يُقيم الأدلَّةَ القاطعة على صِدْق هذه المقدِّمة التي نُسلِّم بها؟ التساؤل الخامس: ما فاعلية هذا المنهج وتأثيره علَى حياة البشر؟ بند1: يؤكِّدُ المولَى - تبارك وتعالى - حقيقةً هامة، وهي أنه لن يأتي لنا بثمار هذا الدِّين والخير الذي جاء به إلا متَى قُمنا بتغيير أنفسنا نحن، وأصبحْنا مؤهَّلين لننالَ هذا الثواب في الدنيا، ثم في الآخِرة كذلك؛ يقول سبحانه وتعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ ﴾ [الرعد: 11]، ويقول سبحانه وتعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ * وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ ﴾ [المائدة: 65 - 66]. ويُعلِّق المفكِّر الإسلامي سيِّد قطب على هذه الحقيقة، فيقول: "إنَّ البعض ينتظر من هذا الدِّين - ما دام منزلاً من عندَ الله - أن يعملَ في حياة البشَر بطريقةٍ سحرية خارِقة غامِضة الأسباب، ودون أيِّ اعتبار لطبيعة البشَر، ولطاقاتهم الفِطرية، ولواقعِهم المادي، في أيِّ مرحلة مِن مراحل نموِّهم، وفي أيَّة بيئة من بيئاتهم، إنَّ هذا الدِّين منهج إلهي للحياةِ البشرية يتمُّ تحقيقُه في حياةِ البشَر بجهد البشَر أنفسهم في حدودِ طاقتِهم البشريَّة؛ وفي حدودِ الواقِع المادي حينما يتسلَّم مقاليدهم. ويسير بهم إلى نهايةِ الطريقِ في حدودِ طاقتهم البشريَّة، وبقَدْر ما يبذلونه من هذه الطاقة، إنَّ الله قادر - طبعًا - على تبديلِ فِطرة الإنسان عن طريقِ هذا الدِّينِ، أو عن غيرِ طريقه، ولكنَّه - سبحانه - شاء أن يَخلُقَ الإنسان بهذه الفِطرة لحِكمة يعلمها، وشاء أن يتمَّ تحقيق منهجِه الإلهي للحياةِ البشريَّة عن طريقِ الجهدِ البشري، وفي حدودِ الطاقة البشريَّة: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الرعد: 11]. بند2: والجهْد البشري المطلوب لتغييرِ الواقِعِ بهذا الدِّين هو الدعوةُ الإسلامية، تلك التي هي رُكنٌ أصيل من فروضِ هذا الدِّين؛ إذ قال سبحانه: ﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 104]. والأمَرُ بالدعوةِ جاء هنا على الكفايةِ من الأمَّة المسلِمة، ولم يُحرِّضِ الأمَّة كلَّها له نظرًا لما يتطلَّبه أمْرُ الدعوة من تدريب الدُّعاةِ على العمل الشاق؛ حتى يكونوا مؤهَّلِين له، وقد تختلف قُدراتهم في ذلك، بيْد أنَّ الأمر بالتبليغ الذي يُمثِّل الحدَّ الأدنى من العمل الدعوي هو أمرٌ متعين على كلِّ مكلف؛ لقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((بَلِّغُوا عنِّي ولو آية))، كما بيَّن سبحانه كيْفَ تكون الخيرية والأفضلية لهذه الأمَّة بهذا العمل الشاق، الذي قام به الأنبياءُ وأتباعُ الأنبياء مِن قبلها؛ إذ يقول سبحانه وتعالى: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [آل عمران: 110]. بند3: فإذا ما استجابتِ الأمَّة أفرادًا وجماعاتٍ، فتحرَّكتْ بواجبِ الدعوة للإسلام، فإنَّ عليها أن تجتهدَ لهذا الأمر دونما انتظارٍ لنتيجة، أو استعجالٍ لثمرة، فليس بمُستغرَب أن يجد نبيُّ الله يونس قومَه مؤمنين بعدَ أن أَيِسَ منهم وتَرَكهم فالْتقَمه الحوت؛ إذ آمنوا لَمَّا ترَكَهم، الأمر الذي يُفيدنا أنَّ دور الداعية مقصورٌ على البلاغ فحسب، فليس هو بمسيطر على المدْعوِّ، ولا بوكيل ولا بحفيظ؛ يقول المولى سبحانه وتعالى: ﴿ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ ﴾ [الأنعام: 107]، ويقول: ﴿ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ ﴾ [الأنعام: 104]، ويقول: ﴿ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ ﴾ [الغاشية: 22]. إذًا؛ ثمرةُ الداعية تأتي بالبلاغِ فحسب، فالله سَوْف يأجرُه على ما بلَّغ، إذ يأتي النبي يومَ القيامة ومعه الرهط والرهيط، ومعه الرجل والرجلان، ويأتي النبيُّ وليس معه أحد[15]، فهل ينقصُه الله من أجْرِه شيئًا؟ حاشا لله أن يَفعلَ ذلك، فالله جازٍ كلَّ مؤمن مصلِح بقَدْر نيته في هذا الإصلاح، والجهد الذي بذلَه، حتى لو لم يستجبْ له أحد. بند4: فإذا كان الأمرُ كذلك فما الذي يعود على البشرية مِن أمرِ هذا الدِّين؟ أفْصَحَ القرآن عن الأثرِ النفسي للدخول في الإسلام، وأنَّ هذا الأمرَ يشرَحُ صدرَه؛ إذ يستشعر المسلِمُ دائمًا السعادة في دُنياه، فلا يهتمُّ لضرٍّ أصابَه، ولا يزداد فرحًا لنصرٍِ ناله، إنَّه سعيد برِضا مولاه عليه، رضِيَ عنهم فأرْضاهم، فسعِدوا بدِينهم ودُنياهم؛ يقول النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((عجبًا لأمرِ المؤمن! إنَّ أمرَه كلَّه خيرٌ، وليس ذاك لأحدٍ إلاَّ للمؤمن، إنْ أصابتْه سرَّاءُ شَكَر، فكان خيرًا له، وإنْ أصابتْه ضرَّاءُ صَبَر فكان خيرًا له))[16]، يقول المولى سبحانه وتعالى: ﴿ فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ * وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ ﴾ [الأنعام: 125 - 126]. انظر كيف عبَّر المولَى سبحانه وتعالى عن ذلك الذي يَضِلُّ عن الإسلام، فلا يهتدي إليه، هذا الشَّقِي التعيس، إنه مهما جمَع من مادياتِ الحياة وزُخْرف الدُّنيا، ومهما وصَل منَ العظمة والكبرياء، والسُّلطة والقوَّة، لم يزددْ إلا ضيقًا في نفسه، حتى إنه ليشنق نفسَه بحبل حولَ رقبته، تأمَّل قول الحق سبحانه وتعالى: ﴿ مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ ﴾ [الحج: 15]. إنَّ الإسلام يعني الاستسلامَ لله تعالى، وتفويضَ الأمر له، مع الأخْذِ بالأسباب التي شرَعَها؛ لكي يحقَّ الحقُّ ويبطلَ الباطِل، وعندَما يُسلِم المسلِم عقلَه وقلْبَه وجوارحه لله، ينظر للأمور نظرةً مختلفة، فلا يسعد ولا يَحْزن لمادة أصابتْه أو فاتتْه، وإنما فرَحُه وحزنُه عندما يُحاسِب نفسه، فيجد نفسه مجتهدًا في طاعة، أو مقصرًا فيها، مجتنبًا للمعاصي أم واقعًا فيها، فهو دائمُ الاستغفار والذِّكْر والدعاء لربِّه، يُبيِّن القرآن ذلك فيُخبِرُنا الله سبحانه عن دعاءِ المؤمنين، كما في قول الحقِّ عزَّ وجلَّ: ﴿ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ﴾ [آل عمران: 8]، وقوله سبحانه: ﴿ رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ * رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ * فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ ﴾ [آل عمران: 193 - 195]. [1] القاموس المحيط (1/ 1448). [2] لسان العرب (12/ 289). [3] رواه مسلم (1/ 134) رقم (153). [4] الأستاذ سيد قطب "المستقبل لهذا الدين" (ص: 1- 10) دار الشروق. [5] رواه البخاري (3/ 1300)، رقم (3341). [6] الأستاذ سعيد حوى "الإسلام"، دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع. [7] القرطبي (4/ 43). [8] القرطبي (6/ 211). [9] يراجع في هذا المعنى رسالة ابن تيمية توحُّد الملة وتعدد الشرائع، (19/ 106). [10] أساس حق العقاب في الفكر الإسلامي (ص: 374 وما بعدها)، مكتبة كلية الحقوق جامعة القاهرة. [11] روضة الناظر لابن قدامة (ص: 170). [12] الموافقات للشاطبي. [13] الأستاذ/ سيد قطب - هذا الدين ص 1 - 10 دار الشروق. [14] الأستاذ/ سيد قطب - هذا الدين ص 1 - 10 دار الشروق. [15] رواه مسلم (1/ 199)، رقم (220). [16] رواه مسلم (4/ 2295)، رقم (2999).
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
رد: التعريف بالإسلام
لا اله الا الله
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |