خطبة عن أحكام الصيام - ملتقى الشفاء الإسلامي
 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4421 - عددالزوار : 858717 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3953 - عددالزوار : 393108 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12535 - عددالزوار : 215562 )           »          مشكلات أخي المصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 59 )           »          المكملات الغذائية وإبر العضلات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 47 )           »          أنا متعلق بشخص خارج إرادتي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 48 )           »          مشكلة كثرة الخوف من الموت والتفكير به (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 50 )           »          أعاني من الاكتئاب والقلق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 48 )           »          اضطراباتي النفسية دمرتني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 51 )           »          زوجي مصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 47 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 20-03-2024, 12:54 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي خطبة عن أحكام الصيام

خطبة عن أحكام الصيام

د. محمد بن علي بن جميل المطري

ما ينبغي فعله وتركه في رمضان



الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.



﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].



﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].



﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]، أما بعد:

فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أيها المسلمون الكرام،بارك الله لكم شهر رمضان، وبارك الله لكم أول جمعتكم من شهر القرآن والغفران، وبارك الله للمسلمين جميعًا في مشارق الأرض ومغاربها في أول ساعات هذا الشهر الكريم، ودخول هذا الموسم العظيم.

أيها المسلمون الصائمون، لا أدري بما أتكلم معكم في هذه اللحظات، ولا أدري ما أختار لأُعبِّر عن فرحي من الكلمات والعبارات، بشهر الرحمات، والبركات.

شهر رمضان ما شهر رمضان! شهر الخيرات، والبركات، شهر الاعتكاف، والليالي المباركات، شهر القيام والصيام والدعوات، شهر تُعمر فيه المساجد، والناس فيه ما بين راكع وساجد، شهر الأنفس فيه سخية، والأعمال فيه زاكية وتقية. فيا مرحبًا مرحبًا بك يا رمضان، ونشهد الله على حبك يا شهر القرآن، والغفران.

أيها الصائمون،لقد فتح الله لنا قبل ساعات أبواب جنانه، وأغلق أبواب نيرانه، وصفد المردة من الشياطين؛ لنستعين بذلك على طاعته، ونيل رضوانه، فقد روى البخاري ومسلم رحمهما الله عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة، وغُلِّقت أبواب النيران، وصفدت الشياطين»[1].

إن رمضان أيها الناس محطة تغييرية، ومرحلة انتقالية إيمانية، إن رمضان فرصة لكل مسرف على نفسه بالسيئات، ولكل مقصر في الطاعات، والواجبات، لكل من هجر المساجد، وترك الصلوات، لكل من ابتعد عن القرآن والقربات، لكل من أراد أن يتوب، أو يؤوب وما وجد من يعينه، ها هو رمضان قد جاءك فأقبل إليه، وعض عليه بالنواجذ قبل أن ينسلخ منك فتندم عليه.

أيها المسلمون،ونحن نعيش في أول أيام شهرنا، والأيام ما زالت بين أيدينا نقول: إن رمضان قد أقبل علينا فلنقبل عليه، وقد جاء إلينا فلنأتِ إليه.

إن رمضان أيها الصائمون ليس شهر النوم والكسل، وليس شهر الفتور والملل، إن رمضان ليس شهر المباريات والأمسيات، وليس شهر القنوات والمسلسلات، إن شهر رمضان ليس شهر التجول في الأسواق والمحلات، وليس هو شهر التفنن في الأكلات والطبخات، إن رمضان شهر الصيام والقيام، شهر الغفران وتلاوة القرآن، شهر الجود والكرم، شهر البكاء والندم، شهر لا يُحرمه إلا محروم، ومن أدركه ولم يغفر له فرغم أنفه، ثم رغم أنفه، ثم رغم أنفه؛ كما قال الصادق المعصوم صلى الله عليه وسلم.

عباد الله،لقد جاءنا رمضان ونحن بأمن وأمان، وصحة واطمئنان، فلنشمر ولنجتهد في أيامه، وأوقاته، ونحن ما زلنا في أول ساعاته ولحظاته، قبل التحسُّر على ذهابه وفواته، فما هو إلا كما قال الله تعالى: ﴿ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ ﴾ [البقرة: 184].

أيها المسلمون عباد الله، لقد فرض الله على عباده فرائض وواجبات، وجعل فيها ما جعل من الحِكَم والآيات، علمها من علم، وجهلها من جهل، ومن ذلك فريضة الصيام، التي فيها ما فيها من الفوائد العظام، فمن ذلك وأهم ذلك:
تقوى الله تعالى، قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183]، وختم الله تعالى آيات الصيام أيضًا بذكر التقوى، فقال تعالى: ﴿ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 187].

ومن ذلك: كسر النفس، وتواضعها؛ فإن الشبع -غالبًا- ما يحملها على كبريائها وأشرها، ويدعوها إلى مخالفة ما أمرها الله ونهاها.

ومنها: تخلي القلب لذكر الله وتفكره بعظمته؛ فإن خلو البطن من الطعام والشراب ينور القلب، ويجلب رقته، ويشغله بالذكر، ويزيل قسوته.

ومنها: أن الصيام يضيق مجاري دم الإنسان التي هي مجاري الشيطان، فتسكن بالصيام وساوس الشيطان، ومن خلاله يهدأ الغضب، وتنكسر شهوة الإنسان؛ ولهذا جعل النبي صلى الله عليه وسلم الصوم وِجَاءً؛ لقطعه عن شهوة النكاح.

ومنها: أن الغني يعرف قدر نعمة الله عليه حين يشعر، ويحس أثناء صيامه ما يعانيه أخوه الفقير من الجوع طوال عامه.

ومن فوائد صيام رمضان: أن فيه إظهارًا لعبادة الله تعالى عند أمة الإسلام بأجمعها، حين تتوحَّد بعبادة الصيام لخالقها، وتعلن الانقياد التام لربِّها، لتظهر جمال دينها، وتغيظ بذلك أعداءها.

ومما يذكره المتخصصون من فوائد الصوم الطبية:أنه يقي - بإذن الله تعالى- من كثير من الأمراض، يقول أحد الباحثين: إن في فرنسا مراكز مخصصة لدراسة أمراض التغذية والعلاج لها، وقد تبنت لمرضاها الصيام الكامل الدوري، ووسمته (بالعلاج الرمضاني) بعد ما تأكد لها جدوى هذه الطريقة من الصيام وفوائده على أعضاء الجسم كلها، ونذكر أمثلة على ذلك:
القلب: ينتظم خفقانه، وينعم بفترة راحة من الناحية الوظائفية المرهقة الناجمة عن عملية الهضم.

الدم: تنتفي منه الزوائد من الشحوم والدهون والحموضات.

الكبد: هذا المعمل الكبير المتعدد الخصائص يقوم بوظائف دونما إجهاد، فيصنع للجسم المواد الحيوية، دونما إرهاق بوجود المعوقات الهضمية وسمومها.

المعدة: إن الصوم لبضعة أيام متوالية يدفع بالغدد الهضمية إلى أن تقلل من إفرازاتها، وهذا مما يحميها وأغشيتها من زيادة الإفرازات التي هي من أهم أسباب التقرح في المستقبل.

والصوم يحمي الإنسان من البدانة، ومرض السكري، والروماتيزم الناجم عن ترسيب الأملاح البولية في الأنسجة والمفاصل، والحصى الكُلوية، وحصى المرارة الدهنية والكلسية، وارتفاع الضغط الشرياني ومضاعفاته على الرأس والدماغ والعين والقلب والكُلى.

فسبحان اللطيف القدير، الذي لا يأمر بشيء ولا ينهى عن شيء إلا وهو به خبير بصير.

أيها المسلمون،وبعد عرض بعض فوائد هذه الشعيرة العظيمة، ومقاصد هذه العبادة الجليلة؛ دعونا نذكر أنفسنا بأعظم مقاصد الصيام التي صرح الله بها في القرآن، ألا وهي التقوى لأمة الإسلام، ووسيلة تحقيق ذلك في هذه الأيام المباركات، يكمن في المحافظة على الأوقات، فأول ما ينبغي أن يُعتنى به في بداية هذه الأيام المباركات؛ المحافظة على الأوقات، نعم وقتك هو حياتك - يا عبد الله- ومادة عمرك، وكل يوم يمر عليك منه يدنيك من أجلك، ويقربك من قبرك.

إنا لنفرح بالأيام نقطعها
وكل يوم مضى يدني من الأجل
كل يوم مضى يُذهب بعضي
يورث القلب حسرة ثم يمضي

وما من يوم يمر على ابن آدم إلا وهو ينادي: يا بن آدم، أنا يوم جديد، وعلى عملك شهيد؛ فاغتنمني، فإذا غربت شمسي فلا أعود إلى يوم القيامة.

إن ما مر وما سيمر من هذه الأيام المباركات لن يعود إلينا، وما مضى منه سيكون شاهدًا لنا أو علينا، فيا من أنت في زمن الاختبار والمهلة، اغتنم مواسم الخيرات والطاعات قبل أن تؤخذ روحك منك فلتة، يا من متعك الله بصحتك، وحياتك، اغتنم نعم الله عليك واحرص على أوقاتك.

فالبدار البدار أيها الصائمون باغتنام هذا الشهر قبل أن نتحسر ونندم على أيامه، فها نحن ما زلنا في بدايته وأوائل ساعاته.

إنك والله لتعجب من حال كثير من الناس في رمضان، سهر في الليل على المقايل والقنوات، ثم النوم في النهار من سبع إلى عشر ساعات، ثم ما بقي في النهار من ساعات ففي الأسواق والمحلات لشراء المأكولات والمشروبات.

والمرأة كذلك ليلها على القنوات، وجُلَّ نهارها في مطبخها من أجل أن تتفنن في الطبخات والأكلات.

فيا عباد الله،إن الله ما منعكم من الطعام والشراب إلا لتكونوا من المتقين، ولتغنموا تلك الرحمات والنفحات في هذا الشهر الكريم، فإياكم أن تهملوا مقصود الصيام فتكونوا فيه من الغافلين، وحذار ثم حذار من ضياع أوقات هذا الشهر؛ فتكونوا من الخاسرين.

عباد الله، إن من أعظم ما تصرف له الأوقات في شهر رمضان هو قراءة القرآن، القرآن ما القرآن يا أمة القرآن! كلام الله المنزل على عبده، الذي أعجز البلغاء والفصحاء في بيانه وفصاحته، ومعجزاته، القرآن الذي أنزله الله هدى وشفاء، الذي لو أنزل على جبل لرأيته من خشية الله خاشعًا متصدعًا.

القرآن القرآن أيها الناس، فأنتم في شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن.

فقد كان كثير من العلماء إذا أقبل رمضان تركوا مجالس الحديث وأقبلوا على القرآن؛ ويقولون هذا شهر القرآن، فاقرأ القرآن يا صائم إن أردت الكرامة، وأدم تلاوته إن أردت منه الشفاعة في يوم القيامة، فقد روى الإمام مسلم عن أبي أمامة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اقرؤا القرآن؛ فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه»[2].

وروى الإمام أحمد في مسنده، وصححه الألباني -رحمهما الله - عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ الصِّيَامُ: أَيْ رَبِّ، مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ. وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ. قَالَ: فَيُشَفَّعَانِ»[3].

فاغتنموا -رحمكم الله- شهر رمضان بتلاوة القرآن، تنافسوا على قراءته إن أردتم الشفاعة، والغفران، إن أردتم مضاعفة الحسنات والعلو في الجنان، فمن قرأ حرفًا فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، ومن دخل الجنة كانت منزلته عند آخر آية كان يقرؤها.

فهنيئًا ثم هنيئًا لمن عاش مع القرآن في شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن، هنيئًا لمن كان مع القرآن في أغلب أوقاته، ولا تراه إلا وهو يتلو كتاب الله ويرتل آياته.

مما يتقرب به الإنسان إلى ربه ويحرص عليه في شهر الصيام: الاجتهاد في صلاة القيام، ومناجاة الكريم الرحمن، فما أجملها! وما أعظمها من أيام! يوم يقف المصلون خلف الإمام، فيسمعون منه كلام الله خلال ليالي شهر رمضان، فقد كان سيد الأنام صلى الله عليه وسلم: «يقوم الليل حتى تتفطَّر قدماه؛ من طول القيام!»[4]


فأطل قيامك - يا عبد الله- بين يدي ربك، وتضرع إليه لعله، يقضي لك حاجتك، وينفس عنك كربك، اغتنم ليالي رمضان المباركة، احذر أن تفوتك صلاة التراويح ولو ركعة، استشعر- رحمك الله - وأنت تصلي أنك واقف بين يدي ربك، اعلم علم يقين أن كل لحظة تمر عليك وأنت في صلاتك ستجدها في صحيفة حسناتك، لا تمل ولا تتعب من صلاة الإمام ولو كانت -كما تقول- ثقيلة، لا تتنقل من مسجد إلى مسجد لتبحث عن التخفيف والأصوات الجميلة، لا تحشو بطنك بالشراب والطعام؛ لتستعين بخفة بطنك على الصلاة خلف الإمام.

فالأكل والشرب إلى أن تمتلي
فإنها مفتاح باب العلل
فيها فساد الفهم والبلادهْ
وفترة الأعضاء عن العبادهْ


وتذكر فضل الله العظيم الذي أعَدَّه للقائمين والصائمين، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِه!»[5].

وقال: «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ!»[6].

ومن عظيم الأعمال والطاعات التي ينبغي الاعتناء بها في هذه الأيام المعدودات: الإكثار من الإنفاق والصدقات.

ففي الصحيحين عن ابن عباسٍ رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجودَ الناس، وكان أجودَ ما يكونُ في رمضان حين يلقاهُ جبريلُ، فإذا لقيه جبريل كان أجودَ بالخير من الرِّيح المرسلة!»[7].

قال ابن حجر: وقوله: «أجود بالخير من الرِّيح المرسلة»؛ أي: المطلقة، يعني في الإسراع بالجود أسرع من الرِّيح، وعبَّر بالمرسلة إشارة إلى دوام هبوبها بالرَّحمة، وإلى عموم النَّفع بجوده، كما تعمُّ الرِّيح المرسلة جميع ما تهبُّ عليه»[8].

يقول ابن رجب في لطائف المعارف[9]: «وفي تضاعف جوده صلى الله عليه وسلم في رمضان بخصوصه فوائد كثيرةٌ:
منها: شرف الزمان ومضاعفةُ أجر العمل فيه.

ومنها:إعانةُ الصائمين والذاكرين على طاعتهم، فيستوجبُ المعينُ لهم مثل أجورهم، كما أنَّ من جَهَّز غازيًا فقد غزا، ومن خلفَه في أهله بخير فقد غزا.

ومنها:أنَّ الجمع بين الصيام والصَّدَقة من موجبات الجنَّة، كما في حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن في الجنة غُرفًا يُرى ظهورُها من بطونها، وبطونُها من ظهورِها». فقال أبو موسى الأشعري: لمن هي يا رسول اللّه؟ قال: «لمن طَيَّبَ الكلامَ، وأطعمَ الطعامَ، وأدامَ الصيامَ، وصلَّى بالليلِ والناسُ نيام»[10].

وكان أبو الدرداء رضي الله عنه يقول: «صلُّوا في ظلمة الليل ركعتين لظلمة القبور، وصوموا يومًا شديدًا حرُّهُ لحرِّ يوم النشور، تصدَّقوا بصدقة السرِّ لهول يوم عسير»[11].

لأن الصيام لا بدَّ أن يقع فيه خللٌ أو نقصٌ، وتكفيرُ الصيام للذنوب مشروطٌ بالتحفُّظ مما ينبغي أن يُتحفَّظَ منه، فالصَّدقةُ تجبر ما كان فيه من النَّقص والخلل؛ ولهذا وجب في آخر رمضان زكاةُ الفطر طهرة للصَّائم من اللَّغو والرفث.

فتَصَدَّقوا- رحمكم الله - واشكروا نعم الله عليكم ولا تكفروا، وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين.

انظروا إلى إخوانكم الذين يحملون هَمَّ صيامهم، ولا يجدون كفايتهم عند إفطارهم، أعينوهم على صيامهم، وإراحة أجسادهم، وطاعة ربهم، ليكن عملهم في ميزان حسناتكم وحسناتهم.

فتصَدَّقوا من أموالكم، واعلموا أن المال مال الله، ولكنه أعطاكم إياه ليختبركم.
اللّه أعطاك فابذل من عَطِيَّته
فالمال عارية والعمر رحَّالُ



أسأل الله أن يرزقنا وإياكم الجود والكرم، وأن يرزقنا حب الإنفاق في سبيله قبل الحسرة والندم، حين يقول من ظلم: ﴿ وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [المنافقون: 10، 11].

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم!

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي منَّ علينا بمواسم الخيرات، وخص شهر رمضان بالفضل والتشريف والبركات، وحث فيه على عمل الطاعات والإكثار من القربات.

معاشر المسلمين والمسلمات،وبعد أن تحدثنا عن بعض ما يُحرص عليه من الأعمال الصالحات، دعونا نتكلم عن بعض ما يحذره الصائم من الأخطاء والمخالفات.

وأبرز ذلك وأخطر ما هنالك هو تضييع الأوقات التي هي مادة هذه الأيام المباركات، فترى كثيرًا من المسلمين والمسلمات لا يبالون بأوقاتهم، ولا يهتمون بساعات ليلهم ونهارهم، حتى أصبح حالهم في وقت صيامهم أسوأ من حالهم أثناء فطرهم!

وهم في تضييع أوقاتهم مختلفون، فمنهم المقلون ومنهم المكثرون، وكثير منهم يبدأون تضييع أوقاتهم من أول ليلة من ليالي رمضان، فتراهم يحيون أول ليلة من رمضان ويتكلفون فيها السمر، وتضيع هذه الليلة الأولى إلى وقت السحر، وكل ذلك حتى لا يحسوا بثقل الصيام في صباح أول يوم من رمضان، ثم يَغطُّون بنومهم إلى وقت الظهيرة، ومن هنا تبدأ الحياة الجديدة، وتتبدل برامج الحياة التي كانت منذ أشهر عديدة، ثم يتحول النهار إلى ليل، والليل إلى نهار، ثم يستيقظ الكثير من هؤلاء وقد أذهب على نفسه بركة بكور يومه، وذلك لتعبه وطول نومه، قد يتأخر عن حضور صلاته، وقد يُحرم الجماعة ويصلي في بيته وحده، ثم بعد ذلك يذهب يتجول في الأسواق والمحلات؛ ليشتري له ما يحتاج إليه من المشروبات والمأكولات، وهكذا تضيع عليه الأوقات، وينشغل عن الطاعات والقربات، ويكون حاله على ذلك إلى قرب المغرب، ثم يُجهز له ما يفطر عليه، ويظل حوله وقتًا ينظر إليه، ويتكلم مع من حواليه، ثم بعد المغرب يملأ بطنه بما قد اشتراه، وأشغل به نفسه، وأهله، وحين يفرغ من عشائه يذهب ليصلي، وقد يصلي في بيته ثم يذهب ليرمي بنفسه في أحد المقايل ليقتل فيها الأوقات، ويضيع تلك الليالي الفاضلات، ولا تسل عما يحصل في تلك الساعات من القيل والقال والتصنيفات، ومشاهدة المسلسلات والبرامج الهابطات، وغير ذلك مما يقتل به ساعات هذه الليالي المباركات، وهكذا إلى قرب الفجر، فمنهم من يغلبه النوم فينام عن صلاته، أو قد يستثقل المسجد ويصلي في بيته، ومنهم من يقاوم النوم ويأتي المسجد وهو بحالة من طول إرهاقه وسهره، ولعله يطالب المؤذن بإقامة الصلاة أو يشعره بتأفُّفه وتضجُّره، وقد يتهمه بطول صلاته وتشدده، وحين يصلي لا تسل عن صلاته الغريبة، لأنه قد أصبح بحاله عجيبة، وبعد ذلك يذهب لينام نومته العميقة، التي لا يقوم منها إلا في وقت الظهيرة، هذا إن وفُق للقيام لصلاته؛ نسأل الله السلامة والعافية!

فإذا أخذ المصحف قرأه وهو يتململ ويتثاءب؛ وذلك من نقص النوم، وشدة الإرهاق والتعب، ثم يقلب أوراقه دقائق معدودات، ثم يرجعه إلى مكانه وكأنه قرأ إحدى الصحف والمجلات، ثم يخرج إلى السوق ليأتي بوجبة العشاء كاملة، ويشتري له تلك الشجرة القاتلة، التي تقتل أيام وليالي هذه الأيام الفاضلة؛ نسأل الله السلامة والعافية!

وهكذا حتى يأتي المغرب ثم يكون عيشه، وحاله كما سمعتم، فبالله عليكم أليس هذا حال كثير من الصائمين؟! أليس هذا حال كثير من المقصرين الغافلين؟! أهذا هو شهر رمضان يا أمة الإسلام؟! أهذه هي التقوى التي من أجلها شرع الصيام؟! أين هي عقولنا حين نقتل أعمارنا، في هذا الشهر الذي جعله الله سببًا لرحمتنا ومغفرة ذنوبنا؟!

ألا وإن من المخالفات التي تتنافى مع مشروعية الصيام، ارتكاب واقتراف ما يخل بالصوم أو يبطله، وسبب ذلك هو الجهل بأحكام الصيام وآدابه، وسبب ذلك هو إعراض بعض الناس عن تعلم أمور دينه، تعجب، وتحزن، وتتحسر على بعض الناس وهو يسمع من يقرأ، أو يدرس بعد الصلوات مسائل تتعلق بأحكام الصيام، وهو يقول: قال الله، وقال رسوله صلى الله عليه وسلم.

وترى بعض الجهلة يبادر بالقيام، وذلك على سبيل الاستمرارية والدوام، وهو يسمع مسائل وأحكامًا تتعلق بحكم ركن من أركان الإسلام، وتكاد تجزم أنه جاهل بها، ويحتاج إلى معرفتها وتعلمها، ومع ذلك ينفَض من مجلسه وكأنه سمع شيئًا يؤذيه، ويزعجه -والعياذ بالله- وقد يأتي بعض هؤلاء ليسأل، ويكثر من السؤال في مسائل كانت في الدروس التي قام منها وأعرض عن سماعها، والإصغاء إليها، والله المستعان.

فواجب على كل مسلم أن يتعلم أمور دينه؛ فإن الله يبغض كل عالم بأمر الدنيا جاهلٍ بأمر الآخرة!

كذلك من المخالفات، بل ومن المنكرات التي يقع فيها بعض الصائمين والصائمات، تغير طباعهم، وتنكر أخلاقهم حال صيامهم، فترى بعض من لا يعرفون مقاصد الصيام، وجمال وحرمة شهر رمضان، إذا جاء رمضان تغيرت أخلاقهم، وكثرت مشاكلهم، وعظُم أذاهم، وسبابهم، حتى إن الناس يخافون منهم، ومن سلاطة لسانهم في رمضان أكثر من بقية العام.

فأين هؤلاء الأقوام من قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه: «إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، ولا يجهل، فإن شاتمه أحدٌ أو قاتله فليقل: إني صائم!»[12].

وذكر الإمام ابن رجب أنَّ بعض السلف قال: «أهون الصيام ترك الشراب والطعام».

وقال جابر رضي الله عنه: «إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم، ودع أذى الجار، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك، ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء»[13].

نعم أيها الصائم، أصلح حالك، وأخلاقك، وأرِ الله أن الصيام نفعك، وأن رمضان أثَّرَ فيك وغيرك.

قال ابن القيم رحمه الله: «وللصوم تأثيرٌ عجيب في حفظ الجوارح الظاهرة والقوة الباطنة، وحمايتها عن التخليط الجالب لها المفاسدَ التي إذا استولت عليها أفسدتها، واستفراغ المواد الرديئة المانعة لها من صحتها.

فالصوم يحفظ على الجوارح صحتَها، ويعيد إليها ما استلبته منها أيدي الشهوات، فهو من أكبر العون على التقوى؛ كما قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183]، وختام هذه المخالفات؛ بل هي من أعظم المنكرات والموبقات التي تحصل من بعض العصاة اللئام، الذين يجاهرون بمعصية الله بترك الصيام،

وفطر بعض أيام رمضان، وقد قال الله: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ ﴾ [البقرة: 183]»[14].


ومن أراد أن يعرف عظيم الإجرام ممن يعتدون على شهر الصيام؛ فليستمع إلى عقوبة من تعجل الفطر قبل أوانه، قبل أن يسمع عقوبة من أفطر يومًا بتمامه:
ثبت في مستدرك الحاكم وسنن البيهقي، وصححه الألباني عن أبي أمامة الباهلي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بَينا أنا نائمٌ أتاني رجلانِ، فأخذا بِضَبْعَيَّ فأتَيا بي جبلًا وعْرًا، فقالا: اصعدْ. فقلتُ: إنِّي لا أُطيقُهُ! فقالا: إنَّا سَنُسَهِّلُهُ لكَ. فصعدتُ، حتَّى إذا كنتُ في سَواءِ الجبلِ إذا بأصواتٍ شديدةٍ، قلتُ: ما هذهِ الأصواتُ؟! قالوا: هذا عُوَاءُ أهلِ النَّارِ. ثمَّ انْطُلِقَ بي، فإذا أنا بقَومٍ مُعلَّقِينَ بعراقيبِهِم، مُشَقَّقَةٌ أشداقُهُم، تسيلُ أشداقُهُم دمًا، قال: قلتُ: مَن هؤلاءِ؟! قال: الَّذينَ يُفطِرونَ قبلَ تَحلَّةِ صَومِهِم»[15]. نعوذ بالله من غضبه وعذابه! نعوذ بالله من سخط الله وعقابه!

هذا جزاء من صام - يا عباد الله- لكنه ما صبر حتى يتم الصيام، فكيف بمن تجرأ على الله وأفطر اليوم والأيام، ولم يأتمر بأمر خالقه الملك العلام، ولم يقتدِ برسوله صلى الله عليه وسلم؟!

ويقول الحافظ الذهبي رحمه الله: «وعند المؤمنين مُقَرَّرٌ أنَّ مَن تَرَكَ صوم رمضان من غير عذر أنه شرٌّ من الزاني ومدمن الخمر، بل يشكُّون في إسلامه، ويظنُّون به الزندقة والانحلال!»[16].

ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «إذا أفطر في رمضان مستحلًّا لذلك وهو عالم بتحريمه استحلالًا له، وجب قتله، وإن كان فاسقًا عوقب عن فطره في رمضان» [17].

نسأل أن يعيننا على القيام بحق رمضان أحسن قيام، وأن يوفقنا لأداء الصيام على وجه الكمال والتمام، وأن يجعلنا فيه من المرحومين المقبولين، وأن يجعل في هذا الشهر الكريم النصر والتمكين للإسلام والمسلمين.

[1] رواه البخاري (3277) ومسلم (1079).

[2] رواه مسلم (804).

[3] رواه أحمد (6626).

[4] رواه البخاري (4837).

[5] رواه البخاري (38)، ومسلم (760).

[6] رواه البخاري (37)، ومسلم (759).

[7] رواه البخاري (6)، ومسلم (2308).

[8] فتح الباري (1/ 31).

[9] لطائف المعارف (ص 166).

[10] رواه أحمد (6615).

[11] بغية الإنسان في وظائف رمضان (ص 29).

[12] رواه البخاري (1904)، ومسلم (1151).

[13] لطائف المعارف (ص 155).

[14] زاد المعاد (2/ 28).

[15] رواه الحاكم (1568)، والبيهقي (8006).

[16] نقله المناوي عن الذهبي. فيض القدير (4/ 410 - 411).

[17] مجموع الفتاوى (2/ 473).





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 72.10 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 70.44 كيلو بايت... تم توفير 1.66 كيلو بايت...بمعدل (2.30%)]