رمضان شهر الجود والإحسان - ملتقى الشفاء الإسلامي
 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4421 - عددالزوار : 858737 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3953 - عددالزوار : 393133 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12535 - عددالزوار : 215572 )           »          مشكلات أخي المصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 59 )           »          المكملات الغذائية وإبر العضلات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 47 )           »          أنا متعلق بشخص خارج إرادتي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 48 )           »          مشكلة كثرة الخوف من الموت والتفكير به (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 50 )           »          أعاني من الاكتئاب والقلق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 48 )           »          اضطراباتي النفسية دمرتني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 51 )           »          زوجي مصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 47 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18-03-2024, 01:46 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رمضان شهر الجود والإحسان

رمضان شهر الجود والإحسان
الشيخ عبدالله محمد الطوالة

إنَّ الْحَمْدُ للهِ، نَحْمَدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا، ومن سيئاتِ أعمالِنا، مَن يَهْدِهِ اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضْلِلْ فلا هادِيَ له، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُه ورسولُه.. ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء:1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70].

أما بعد: فإنَّ خيرَ الحديثِ كتابُ اللهِ، وخيرَ الهَديِ هَديُ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ مُحدثاتُها، وكلَّ مُحدَثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ في النَّارِ.

معاشر الصائمين الكرام: المسلمُ حينَ يبذلُ قُصارى جَهدِه ليجمعَ المالَ من حلال، ثم يعمدُ بعد ذلك ليُنفقهُ بطيب نفسٍ في سبيل الله، فيعطيَهُ لفقيرٍ مُحتاج، أو يبذلَهُ في وجهٍ من وجوه الخير، فإنه في الحقيقةِ لم يفعل ذلك، إلا لأنّ رضا اللهِ جلّ وعلا أغلى عِنده من المال، ولذا قال المصطفى صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "والصدقةُ بُرهانٌ"، أي: برهانٌ على صِدقِ الإيمانِ..

إخوة الإيمان: لا شكّ أنّ بذلَ الصدقات، من أعظم وأجلِّ العبادات، ومن أحبّ الطّاعاتِ والقربات، إلى فاطر الأرضِ والسموات، ففي الحديث الصحيح: قال صلى الله عليه وسلم: "أَحَبُّ النَّاسِ إلى اللهِ أنفعُهم للنّاسِ، وأَحَبُّ الأعمالِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ سرورٌ تُدخِلُه على مُسلمٍ، أو تَكشِفُ عنه كُربةً، أو تقضِيَ عنه دَيْنًا، أو تَطرُدُ عنه جوعًا"..

ولقد أمرَ اللهُ تعالى عبادَهُ بالصدقة وَرَغَّبهم فيها كثيراً، ووعدَهم أن يُخلِفَ عليهم أضعافَ ما أنفقوا، فقال تعالى: ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة:261].. وقال سبحانه: ﴿ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾ [سبأ:39]، وقال جلّ وعلا: ﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً ﴾ [البقرة:245].. وفي الحديث الصحيح، قال صلى الله عليه وسلم: "من أنفقَ نفقةً في سبيل الله كُتبت له بسبعمائة ضِعف".. بل جاء في الحديث الصحيح: "إِنَّ العبدَ إذا تَصَدَّقَ من طَيِّبٍ تَقَبَّلَها اللهُ مِنْهُ، وأَخَذَها بِيَمِينِهِ فَرَبَّاها، كما يُربِّي أحدُكُمْ مُهْرَهُ أوْ فَصِيلهُ، وإِنَّ الرجلَ لَيَتَصَدَّقُ بِاللُّقْمَةِ، فَتَرْبُو في يَدِ اللهِ أوْ قال: في كَفِّ اللهِ حتى تَكُونَ مِثْلَ الجَبَلِ، فَتَصَدَّقُوا".

هذا يا عباد الله: فضلُ الصّدقةِ في الأوقات العادية، أمَّا في رمضان: فالصَّدقةُ لها شأنٌ آخر ومنزلةٌ خاصةٌ، ففي صحيح البخاري من حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ فَلَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ).

ثمَّ اعلموا يا عباد الله: أنَّ البذلَ والإنفاقَ في سبيل الله، تزكيةٌ للأخلاق، وتربيةٌ للنفوس، وتطهيرٌ للمال وبركةٌ ونماء، قال تعالى: ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [التوبة:103].. وفي البذل والإنفاقِ، سلامةٌ من البخل الممقوت، ووقايةُ من الشُحّ المذموم، قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الحشر:9].. وفي الصّدقةُ نجاةٌ وأمانٌ من العذاب يومَ القيامة، قال تعالى: ﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً * وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً * مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأرَائِكِ لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً ﴾ [الإنسان:8].

كما أنَّ الصّدقةَ شِفاءٌ ودواء، ففي الحديث الحسن، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "داوُوا مَرْضاكم بالصَّدَقةِ"، وفي الحديث الصحيح: "صنائعُ المعروفِ تقي مصارعَ السوءِ والآفاتِ والهلكاتِ"، وفي حديثٍ آخر صحيح: "صدقةُ السرِّ تُطفئ غضبَ الرَّب، وتدفعُ ميتةَ السوء".. وقال ابن القيم رحمه الله: للصدقة تأثيرٌ عجيبٌ في دفع أنواعِ البلاءِ والشرور، ولو كانت من فاجرٍ أو من ظالمٍ بل ولو كانت من كافر، فإنَّ الله تعالى يدفعُ بها عنه أنواعاً من البلاء والشرور، وهذا أمرٌ معلومٌ عند الناسِ خاصتهم وعامتهم، وأهلُ الأرضِ كُلهم مُقرونَ به لأنهم جرّبوه..

ومن مميزات الصدقةِ العجيبة، أنّ المتصدِقَ يكونُ في ظلِ صدقتهِ يومَ القيامة، ففي الحديث المشهور، قال صلى الله عليه وسلم: "سبعةٌ يُظِلُّهم اللهُ في ظِلِّه يومَ لا ظلَّ إلَّا ظلُّه، (وذكَر منهم) ورجُلٌ تصَدَّقَ بصَدَقةٍ فأَخفاها حتى لا تعلَمَ شِمالُه ما تُنفِقُ يَمينُه"، وفي الحديث الحسن، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الصَّدقةَ لتُطفيءُ عَن أهلِها حرَّ القُبورِ، وإنَّما يَستَظلُّ المؤمِنُ يومَ القيامةِ في ظلِّ صدقتِهِ"..

فبادر أخي المسلم بالبذل والإنفاق في سبيل الله، وسابق إلى الخيرات، وسارع في المكرمات، وقدم لآخرتك ما دُمت في زمن الامكان: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ * وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاء أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [المنافقون:9].. وتأمّلوا أحبتي في الله، وتساءلوا معي، لماذا الصَّدَقةُ بالذات، ومن بين كل الأعمالِ الصّالحة، هيَ ما يتمنى الميتُ أن يرجِعَ ليفعله، والجوابُ والعلمُ عند الله: لأنهُ رأي جميلَ أثرها، وعِظمَ أجورها، وربما لأنهُ تيقنَ من انتقال مُلكهِ إلى غيره، فأرادَ أن يتداركَ نفسهُ: ﴿ وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاء أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [المنافقون:11]..

ولنا أيّها الكرامُ في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوةٌ حسنة، وقدوةٌ متبعة.. فقد كان أجودَ النّاسِ وكانَ أجودَ ما يكونُ في رمضان، حيثُ شرفُ الزمان، ومُضاعفةُ الأجور، وإعانةٌ للفقراء الصائمين على الطاعة، فيحصّلُ الـمُعِينُ لهم على مِثل أُجورِهم، ففي الحديث الصحيح: "ومن فطّرَ صائماً فلهُ مِثلَ أجرهِ من غير أن ينقُصَ من أجر الصّائمِ شيء"، وإذا كان اللهُ جلّ وعلا يجودُ على عباده في كل ليلةٍ من ليالي رمضان، ويتكرمُ عليهم برحمته ومغفرتهِ والعتقِ من النيران، فإنَّ أولى من يستحقُ هذا الجود هم أهلُ البذلِ والجود، الذين يرحمونَ عباد الله.. ففي الحديث المتفق عليه: قال صلى الله عليه وسلم: "إنما يرحمُ اللهُ من عباده الرُّحماء".. وينضمُ إلى هذا الفضل العظيم، فضلٌ أعظم، وهو أنّ الجمَعَ بين الصّيامِ والصّدقةِ يوصلُ بفضل الله إلى منازلَ خاصةٍ في الجنة، ففي الحديث الصحيح، قال عليه الصلاة والسلام: "إنّ في الجنةِ غرفًا، يُرى ظاهرُها من باطنِها، وباطنُها من ظاهرِها؛ أعدَّها اللهُ لمن ألانَ الكلامَ، وأطعمَ الطعامَ، وتابعَ الصيامَ، وصلى بالليلِ والنّاسُ نيامٌ".. فمن بركةِ هذا الشهرِ الكريم، أن يجتمعَ فيه للمؤمن الصّيامُ والقِيامُ والصّدقةُ وطيبُ الكلام..

فيا من وسّعَ الله عليكم في الرزق، وسعوا على إخوانكم المحتاجين، فيومَ القيامةِ سيأتي العِالمُ بعلمه، ويأتي المجاهِدُ بجهاده، ويأتي المصلي بصلاته، ويأتي الصّائمُ بصومه، ويأتي الحاجّ بحجه، ويأتي المتصدِقُ بها جميعاً.. كيفَ ذلك.؟. لأنَّ المتصدِقَ هو الذي يطبعُ كُتبَ العالم، وهو الذي يُجهّزُ المجاهِد، وهو الذي يبني المسجد، وهو الذي يُفطّرُ الصّائمين، وهو الذي يتكفّلُ بنفقة الحاجّ، فيحصلُ له مثلَ أجورهم وأكثر، وذلك فضلُ الله يؤتيهِ من يشاء، واللهُ ذو الفضلِ العظيم: ﴿ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أجرا ﴾ [المزمل:20]..

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: ﴿ إِنْ تُقْرِضُوا اللهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ * عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [التغابن:17]..
أقول ما تسمعون...

الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى، وصلاة وسلاماً على عباده الذين اصطفى..
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، اتقوا الله واعلموا أنَّ الله برحمتهِ الواسعة، وعظيم توفيقه، حين خلقَ المعروف، خلقَ له أهلاً، وحبَّبَ إليهم فِعله، وجعلَ قضاءَ حوائجِ النّاسِ على أيديهم، أولئك الموفقون.. في الحديث الحسن، قال عليه الصلاة والسلام: "إنّ للهِ أقواماً اختصّهم بالنّعم لمنافع عبادهِ، يُقرُّها فيهم ما بذلوها، فإذا منعوها نزعها منهم وحولها إلى غيرهم".. وفي الحديث الصحيح قال صلى الله عليه وسلم: "من نفَّسَ عن مؤمنٍ كُربةً من كُرب الدّنيا، نفّسَ اللهُ عنه كُربةً من كُرب يومِ القيامة، ومن يسَّرَ على مُعسرٍ يَسرَ اللهُ عليهِ في الدنيا والآخرة، ومن سترَ مُسلماً سترهُ اللهُ في الدنيا والآخرة، واللهُ في عون العبدِ ما كان العبدُ في عون أخيه".. وقال بعضُ الحكماء: أعظمُ المصائبِ أن تقدِرَ على المعروف ثمّ لا توفق لفعله.. والمالُ إن لم تصنعَ به معروفاً، أو تقضي به حاجةً، أو تُحصِّل به أجراً، فما هو إلا لوارثٍ أو حادث..

ودروبُ الخيرِ أيها المسلمون كثيرةٌ، وحوائجُ النَّاسِ أكثر؛ إطعامُ الجائعين، وكِسوةُ المُحتاجين، وعيادةُ المريض، وتعليمُ الجاهل، وإنظارُ الـمُعسر، وإعانةُ العاجز، وإسعافُ المنقطع.. أو تطردَ عن أخيك همّاً، وتزيلَ عنهُ غمّاً.. أو تكفُلَ يتيماً، أو تواسي أرملةً.. أو تسعى في شفاعةٍ حسنة.. فإنْ كُنت لا تملك هذا ولا ذاك، فتبسمك في وجه أخيك صدقة، والكلمةُ الطيبةُ صدقة، وإرشاد الضّالِ صدقة، وإماطةُ الأذى عن الطريق صدقة، وكلُّ معروفٍ صدقة، وأن تكُفَّ أذاكَ عن النَاس، فتلك صدقةٌ منك على نفسك.. وأهلُ المعروفِ في الدّنيا، هم أهلُ المعروفِ في الآخرة..

واعلموا أيها الكرام: أنَّ صفوَ العيشِ لا يدوم، وأنَّ متاعبَ الحياةِ ومصائِبها ليست لقومٍ دون قوم، وأنّ حسابَ الآخرةِ عسير، وأنَّ خذلانَ المسلمِ لأخيه المسلم عواقبهُ وخيمة، والمسلمون إنما هانوا حينما ضعُفت فيهم أواصرُ الأخوةِ والتّكافل، ووهنت فيهم حِبالُ المودة والتّواصل.. فاتقوا الله رحمكم الله وأصلحوا ذات بينكم، ولتكن النفوسُ بالخير سخيّة، والأيدي بالعطاء نديّة، واستمسكوا بعرى السّماحةِ واستبقوا الخيرات، فمن بذلَ اليومَ قليلاً، فسيلقاهُ غداً بإذن اللهِ مُضاعفاً كثيراً.. تجارةً مع الله رابحة، وقرضاً للهِ حسن، يسترده يوم القيامة أضعافاً مُضاعفة.. فالكريم سبحانه يقول: ﴿ إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ ﴾ [الحديد:18]..

ومن وفِق لبذل المعروفِ فليكن ذلك بوجهٍ طلق، ونفسٍ سمحة، ومظهرٍ بشوش، وليحرص على الكتمان قدر الإمكان، تمحيصاً للإخلاص، وحِفاظاً على كرامة أخيهِ المسلم.. فإنّ مِن السبعةِ الذين يُظلهم اللهُ في ظله يومَ لا ظلَّ إلا ظله: (رَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ).. وتحروا صاحبَ الحاجة، وبادروهُ بالصّدقة قبلَ أن يسألها.. واختاروا الصّدقةَ من أطيبِ أموالكم؛ لتنالوا البرَّ من ربكم، ففي محكم التنزيل: ﴿ لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾ [آل عمران:92]..

وطيبوا بصدقاتكم نفساً.. فإنّ اللهَ طيبٌ لا يقبلُ إلا طيباً، واجعلوا عملكم ديمة، فإنَّ أحبَّ العملِ إلى الله أدومهُ وإن قلَّ.. وفقني اللهُ وإياكم لهداه، وجعلَ عملنا كلهُ في رضاه، ووقانا شُح َّأنفسنا، ﴿ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الحشر:9].. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: ﴿ وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِين * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين ﴾ [آل عمران:133]..

ويا ابن آدم عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، البر لا يبلى والذنب لا ينسى، والديان لا يموت، وكما تدين تدان..
اللهم صل على محمد....

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 59.10 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 57.44 كيلو بايت... تم توفير 1.66 كيلو بايت...بمعدل (2.81%)]