كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله - الصفحة 13 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4413 - عددالزوار : 850961 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3944 - عددالزوار : 386958 )           »          شرح كتاب فضائل القرآن من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 10 - عددالزوار : 211 )           »          مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 117 - عددالزوار : 28455 )           »          مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 175 - عددالزوار : 60074 )           »          خطورة الوسوسة.. وعلاجها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          إني مهاجرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          الضوابط الشرعية لعمل المرأة في المجال الطبي.. والآمال المعقودة على ذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 47 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 30 - عددالزوار : 847 )           »          صناعة الإعلام وصياغة الرأي العام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > فتاوى وأحكام منوعة

فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #121  
قديم 17-05-2022, 03:52 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثالث -
كتاب البيوع
الحلقة (121)
صــــــــــ 101 الى صـــــــــــ106




( قال الشافعي ) : ومن ذهب هذا المذهب ذهب إلى أن السلف إن انتقض عرف المسلف رأس ماله ويكون معلوم الصفة بمعلوم الصفة ، ولا يكون معلوم الصفة بمعلوم الصفة عينا مجهولا ، ولا يكون معلوم [ ص: 101 ] الصفة عينا .

( قال الشافعي ) : وقد نجد خلاف من قال هذا القول مذهبا محتملا ، وإن كنا قد اخترنا ما وصفنا وذلك أن يقول قائل إن بيع الجزاف إنما جاز إذا عاينه المجازف فكان عيان المجازف مثل الصفة فيما غاب أو أكثر ، ألا ترى أنه لا يجوز أن يبتاع ثمر حائط جزافا بدين ، ولا يحل أن يكون الدين إلا موصوفا إذا كان غائبا فإن كان الثمر حاضرا جزافا كالموصوف غائبا ؟ ( قال الشافعي ) : ومن قال هذا القول الآخر انبغى أن يجيز السلف جزافا من الدنانير والدراهم وكل شيء ويقول إن انتقض السلف فالقول قول البائع ; لأنه المأخوذ منه مع يمينه كما يشتري الدار بعينها بثمر حائط فينتقض البيع فيكون القول في الثمن قول البائع ومن قال القول الأول في أن لا يجوز في السلف إلا ما كان مقبوضا موصوفا كما يوصف ما سلف فيه غائبا قال ما وصفنا ( قال ) : والقول الأول أحب القولين إلي والله أعلم . وقياس هذا القول الذي اخترت أن لا يسلف مائة دينار في مائة صاع حنطة ومائة صاع تمر موصوفين إلا أن يسمى رأس مال كل واحد منهما ; لأن الصفقة وقعت وليس ثمن كل واحد منهما معروفا .

( قال الشافعي ) : ولو سلف مائتي صاع حنطة مائة بينهما إلى شهر كذا ومائة إلى شهر مسمى بعده لم يجز في هذا القول من قبل أنه لم يسم لكل واحد منهما ثمنا على حدته وأنهما إذا أقيما كانت مائة صاع أقرب أجلا من مائة صاع أبعد أجلا منها أكثر في القيمة وانعقدت الصفقة على مائتي صاع ليست تعرف حصة كل واحد منهما من الثمن .

( قال الشافعي ) : وقد أجازه غيرنا وهو يدخل عليه ما وصفنا وأنه إن جعل كل واحد منهما بقيمة يوم يتبايعان قومه قبل أن يجب على بائعه دفعه وإنما يقوم ما وجب دفعه وهذا لم يجب دفعه فقد انعقدت الصفقة وهو غيره معلوم ( قال ) : ولا يجوز في هذا القول أن تسلف أبدا في شيئين مختلفين ، ولا أكثر إذا سميت رأس مال كل واحد من ذلك الصنف وأجله حتى يكون صفقة جمعت بيوعا مختلفة ( قال ) : فإن فعل فأسلف مائة دينار في مائتي صاع حنطة منهما مائة بستين دينارا إلى كذا وأربعون في مائة صاع تحل في شهر كذا جاز ; لأن هذه وإن كانت صفقة فإنها وقعت على بيعتين معلومتين بثمنين معلومين .

( قال الشافعي ) : وهذا مخالف لبيوع الأعيان في هذا الموضع ولو ابتاع رجل من رجل بمائة دينار مائة صاع حنطة ومائة صاع تمرا ومائة صاع جلجلان ومائة صاع بلسن جاز ، وإن لم يسم لكل صنف منه ثمنه وكان كل صنف منه بقيمته من المائة ، ولا يجوز أن يسلف في كيل فيأخذ بالكيل وزنا ، ولا في وزن فيأخذ بالوزن كيلا ; لأنك تأخذ ما ليس بحقك إما أنقص منه وإما أزيد لاختلاف الكيل والوزن عندما يدخل في المكيال وثقله فمعنى الكيل مخالف في هذا المعنى الوزن .
( قال الشافعي ) : وهكذا إن أسلم إليه في ثوبين أحدها هروي والآخر مروي موصوفين لم يجز السلف في واحد منهما حتى يسمى رأس مال كل واحد منهما وكذلك ثوبين مرويين ; لأنهما لا يستويان ليس هذا كالحنطة صنفا ، ولا كالتمر صنفا ; لأن هذا لا يتباين وأن بعضه مثل بعض ولكن لو أسلم في حنطتين سمراء ومحمولة مكيلتين لم يجز حتى يسمي رأس مال كل واحد منهما ; لأنهما يتباينان . .
باب جماع ما يجوز فيه السلف وما لا يجوز والكيل

( قال الشافعي ) : رحمه الله وأصل ما بنيت عليه في السلف وفرقت بينه داخل في نص السنة [ ص: 102 ] ودلالتها والله أعلم . لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمر بالسلف في كيل معلوم ووزن معلوم وأجل معلوم فموجود في أمره صلى الله عليه وسلم أن ما أذن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يكون علم البائع والمشتري في صفته سواء ( قال ) : وإذا وقع السلف على هذا جاز ، وإذا اختلف علم البائع والمشتري فيه أو كان مما لا يحاط بصفته : لم يجز ; لأنه خارج من معنى ما أذن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما تبايع الناس بالكيل والوزن على معنى ما وصفت بين أنه معلوم عندهم أن الميزان يؤدي ما ابتيع معلوما والمكيال معلوم كذلك أو قريب منه وأن ما كيل ثم ملأ المكيال كله ولم يتجاف فيه شيء حتى يكون يملأ المكيال ومن المكيال شيء فارغ جاز ولو جاز أن يكال ما يتجافى في المكيال حتى يكون المكيال يرى ممتلئا وبطنه غير ممتلئ لم يكن للمكيال معنى وهذا مجهول ; لأن التجافي يختلف فيها يقل ويكثر فيكون مجهولا عند البائع والمشتري والبيع في السنة والإجماع لا يجوز أن يكون مجهولا عند واحد منهما فإن لم يجز بأن يجهله أحد المتبايعين لم يجز بأن يجهلاه معا ( قال ) : وموجود في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ نهاهم عن السلف إلا بكيل ووزن وأجل معلوم كما وصفت قبل هذا وأنهم كانوا يسلفون في التمر السنة والسنتين والتمر يكون رطبا والرطب لا يكون في السنتين كلتيهما موجودا وإنما يوجد في حين من السنة دون حين وإنما أجزنا السلف في الرطب في غير حينه إذا تشارطا أخذه في حين يكون فيه موجودا ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز السلف في السنتين والثلاث موصوفا ; لأنه لم ينه أن يكون إلا بكيل ووزن وأجل ولم ينه عنه في السنتين والثلاث ومعلوم أنه في السنة والسنتين غير موجود في أكثر مدتهما ، ولا يسلف في قبضة ، ولا مد من رطب من حائط بعينه إلى يوم واحد ; لأنه قد تأتي عليه الآفة ، ولا يوجد في يوم ، وإذا لم يجز في أكثر من يوم وإنما السلف فيما كان مأمونا وسواء القليل والكثير ولو أجزت هذا في مد رطب بمد النبي صلى الله عليه وسلم من حائط بعينه أجزته في ألف صاع إذا كان يحمل مثلها ، ولا فرق بين الكثير والقليل في هذا .
باب السلف في الكيل

( قال الشافعي ) : رحمه الله أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء أنه قال لا دق ، ولا رذم ، ولا زلزلة ( قال الشافعي ) : من سلف في كيل فليس له أن يدق ما في المكيال ، ولا يزلزله ، ولا يكنف بيديه على رأسه فله ما أخذ المكيال وليس له أن يسلف في كيل شيء يختلف في المكيال مثل ما تختلف خلقته ويعظم ويصلب ; لأنه قد يبقى فيما بين لك خواء لا شيء فيه فيكون كل واحد منهما لا يدري كم أعطي وكم أخذ إنما المكيال ليملأ وما كان هكذا لم يسلف فيه إلا وزنا ، ولا يباع أيضا إذا كان هكذا كيلا بحال ; لأن هذا إذا بيع كيلا لم يستوف المكيال ، ولا بأس أن يسلف في كيل بمكيال قد عطل وترك إذا كان معرفته عامة عند أهل العدل من أهل العلم به ، فإن كان لا يوجد عدلان يعرفانه أو أراه مكيالا فقال تكيل لي به لم يجز السلف فيه وهكذا القول في الميزان ; لأنه قد يهلك ، ولا يعرف قدره ويختلفان فيه فيفسد السلف فيه ، ومن الناس من أفسد السلم في هذا وأجازه في أن يسلف الشيء جزافا ومعناهما واحد ، ولا خبر في السلف في مكيل إلا موصوفا كما وصفنا في صفات الكيل والوزن . .
. [ ص: 103 ] باب السلف في الحنطة

( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى السلف في البلدان كلها سواء ، قل طعام البلدان أو كثر ، فإذا كان الذي يسلف فيه في الوقت الذي يحل فيه لا يختلف ، ووصف الحنطة فقال محمولة أو مولدة أو بوزنجانية وجيدة أو رديئة من صرام عامها أو من صرام عام أول ويسمي سنته وصفاته جاز السلف ، وإن ترك من هذا شيئا لم يجز من قبل اختلافها وقدمها وحداثتها وصفائها ( قال الشافعي ) : ويصف الموضع الذي يقبضها فيه والأجل الذي يقبضها إليه فإن ترك من هذا شيئا لم يجز ( قال الشافعي ) : وقال غيرنا إن ترك صفة الموضع الذي يقبضها فيه فلا بأس ويقبضها حيث أسلفه ( قال الشافعي ) : وقد يسلفه في سفر في بلدة ليست بدار واحد منهما ، ولا قربها طعام فلو يكلف الحمل إليها أضر به وبالذي سلفه ويسلفه في سفر في بحر ( قال ) : وكل ما كان لحمله مؤنة من طعام وغيره لم يجز عندي أن يدع شرط الموضع الذي يوفيه إياه فيه كما قلت في الطعام وغيره لما وصفت ، وإذا سلف في حنطة بكيل فعليه أن يوفيه إياها نقية من التبن والقصل والمدر والحصى والزوان والشعير وما خالطها من غيرها ; لأنا لو قضينا عليه أن يأخذها وفيها من هذا شيء كنا لم نوفه مكيله قسطه حين خلطها بشيء من هذا ; لأن له موقعا من مكيال فكان لو أجبر على أخذ هذا أجبر على أخذ أقل من طعامه بأمر لا يعرفه ومكيلة لم يسلف فيها من هذا لا يعرفها .

( قال الشافعي ) : ولا يأخذ شيئا مما أسلف فيه متعيبا بوجه من الوجوه كسوس ، ولا ما أصابه ، ولا غيره ، ولا مما إذا رآه أهل العلم به قالوا هذا عيب فيه .
باب السلف في الذرة

( قال الشافعي ) : رحمه الله : والذرة كالحنطة توصف بجنسها ولونها وجودتها ورداءتها وجدتها وعتقها وصرام عام كذا أو عام كذا ومكيلتها وأجلها فإن ترك من هذا شيئا لم يجز ( قال الشافعي ) : وقد تدفن الذرة ، وبعض الدفن عيب لها فما كان منه لها عيبا لم يكن للبائع أن يدفعه إلى المبتاع وكذلك كل عيب لها وعليه أن يدفع إليه ذرة بريئة نقية من حشرها إذا كان الحشر عليها كما كمام الحنطة عليها .

( قال الشافعي ) : وما كان منها إلى الحمرة ما هو بالحمرة لون لأعلاه كلون أعلى التفاح والأرز وليس بقشرة عليه تطرح عنه لا كما تطرح نخالة الحنطة بعد الطحن ، فأما قبل الطحن والهرس فلا يقدر على طرحها ، وإنما قلنا لا يجوز السلف في الحنطة في أكمامها وما كان من الذرة في حشرها ; لأن الحشر والأكمام غلافان فوق القشرة التي هي من نفس الحبة التي هي إنما هي للحبة كما هي من خلقتها لا تتميز ما كانت الحبة قائمة إلا بطحن أو هرس فإذا طرحت بهرس لم يكن للحبة بقاء ; لأنها كمال خلقتها كالجلد تكمل به الخلقة لا يتميز منها والأكمام والحشر يتميز ، ويبقى الحب بحاله لا يضر به طرح ذلك عنه ( قال ) : فإن شبه على أحد بأن يقول في الجوز واللوز يكون عليه القشر : فالجوز واللوز مما له قشر لا صلاح له إذا رفع إلا بقشره ; لأنه إذا طرح عنه قشره ثم ترك عجل فساده والحب يطرح قشره الذي هو [ ص: 104 ] غير خلقته فيبقى لا يفسد ( قال الشافعي ) : والقول في الشعير كهو في الذرة تطرح عنه أكمامه وما بقي فهو كقشر حبة الحنطة المطروح عنها أكمامها فيجوز أن يدفع بقشره اللازم لخلقته كما يجوز في الحنطة ( قال الشافعي ) : ويوصف الشعير كما توصف الذرة والحنطة : إذا اختلف أجناسه ويوصف كل جنس من الحب ببلده فإن كان حبه مختلفا في جنس واحد وصف بالدقة والحدارة لاختلاف الدقة والحدارة حتى يكون صفة من صفاته إن تركت أفسدت السلف وذلك أن اسم الجودة يقع عليه وهو دقيق ويقع عليه وهو حادر ويختلف في حاليه فيكون الدقيق أقل ثمنا من الحادر .
باب العلس :

( قال الشافعي ) : رحمه الله العلس صنف من الحنطة يكون فيه حبتان في كمام فيترك كذلك ; لأنه أبقى له حتى يراد استعماله ليؤكل فيلقى في رحى خفيفة فيلقى عنه كمامه ويصير حبا صحيحا ثم يستعمل ( قال الشافعي ) : والقول فيه كالقول في الحنطة في أكمامها لا يجوز السلف فيه إلا ملقى عنه كمامه بخصلتين اختلاف الكمام وتغيب الحب فلا يعرف بصفة والقول في صفاته وأجناسه إن كانت له وحدارته ودقته كالقول في الحنطة والذرة والشعير يجوز فيه ما يجوز فيها ويرد منه ما يرد منها .
باب القطنية :

( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى لا يجوز أن يسلف في شيء من القطنية كيل في أكمامه حتى تطرح فيرى ، ولا يجوز حتى يسمى حمصا أو عدسا أو جلبانا أو ماشا وكل صنف منها على حدته ، وإن اختلف ذلك وصف كل صنف منه باسمه الذي يعرف به جنسه كما قلنا في الحنطة والشعير والذرة ويجوز فيه ما جاز فيها ويرد منه ما رد منها وهكذا كل صنف من الحبوب أرز أو دخن أو سلت أو غيره يوصف كما توصف الحنطة ويطرح عنه كمامه وما جاز في الحنطة والشعير جاز فيها وما انتقض فيها انتقض فيه ( قال الشافعي ) : وكل الحبوب صنف بما يدخلها مما يفسدها أو يجبرها ، وقشوره عليه كقشور الحنطة عليها يباع بها ; لأن القشور ليست بأكمام .
باب السلف في الرطب والتمر

( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى والقول في التمر كالقول في الحبوب لا يجوز أن يسلف في تمر حتى يصفه برنيا أو عجوة أو صيحانيا أو برديا ، فإذا اختلفت هذه الأجناس في البلدان فتباينت لم يجز أن يسلف فيها حتى يقول من بردي بلاد كذا أو من عجوة بلاد كذا ، ولا يجوز أن يسمي بلدا إلا بلدا من الدنيا ضخما واسعا كثير النبات الذي يسلم فيه يؤمن بإذن الله تعالى أن تأتي الآفة عليه كله فتنقطع ثمرته في الجديد إن اشترط جديده أو رطبه إذا سلف في رطبه ( قال ) : ويوصف فيه حادرا أو عبلا ودقيقا وجيدا ورديئا ; لأنه قد يقع اسم الجودة على ما فيه الدقة وعلى ما هو أجود منه ويقع اسم الرداءة على الحادر فمعنى رداءته غير الدقة .

( قال الشافعي ) : وإذا سلف في تمر لم يكن عليه أن يأخذه إلا جافا ; لأنه لا [ ص: 105 ] يكون تمرا حتى يجف وليس له أن يأخذ تمرا معيبا وعلامة العيب أن يراه أهل البصر به فيقولون هذا عيب فيه ، ولا عليه أن يأخذ فيه حشفة واحدة ; لأنها معيبة وهي نقص من ماله ، ولا غير ذلك من مستحشفه وما عطش وأضر به العطش منه ; لأن هذا كله عيب فيه ولو سلف فيه رطبا لم يكن عليه أن يأخذ في الرطب يسرا ، ولا مذنبا ، ولا يأخذ إلا ما أرطب كله ، ولا يأخذ مما أرطب كله مشدخا ، ولا قديما قد قارب أن يثمر ، أو يتغير ; لأن هذا إما غير الرطب وإما عيب الرطب وهكذا أصناف الرطب والتمر كله وأصناف العنب وكل ما أسلم فيه رطبا أو يابسا من الفاكهة ( قال الشافعي ) : ولا يصلح السلف في الطعام إلا في كيل أو وزن فأما في عدد فلا ، ولا بأس أن يسلف في التين يابسا وفي الفرسك يابسا وفي جميع ما ييبس من الفاكهة يابسا بكيل كما يسلف في التمر ، ولا بأس أن يسلف فيما كيل منه رطبا كما يسلم في الرطب والقول في صفاته وتسميته وأجناسه كالقول في الرطب سواء لا يختلف فإن كان فيه شيء بعض لونه خير من بعض لم يجز حتى يوصف اللون كما لا يجوز في الرقيق إلا صفة الألوان ( قال ) : وكل شيء اختلف فيه جنس من الأجناس المأكولة فتفاضل بالألوان أو بالعظم لم يجز فيه إلا أن يوصف بلونه وعظمه فإن ترك شيء من ذلك لم يجز ، وذلك أن اسم الجودة يقع على ما يدق ويعظم منه ويقع على أبيضه وأسوده وربما كان أسوده خيرا من أبيضه وأبيضه خير من أسوده وكل الكيل والوزن يجتمع في أكثر معانيه وقليل ما يباين به جملته إن شاء الله تعالى
( قال الشافعي ) : ولو أسلم رجل في جنس من التمر فأعطي أجود منه أو أردأ بطيب نفس من المتبايعين لا إبطال للشرط بينهما ، لم يكن بذلك بأس وذلك أن هذا قضاء لا بيع ولكن لو أعطي مكان التمر حنطة أو غير التمر ، لم يجز ; لأنه أعطاه من غير الصنف الذي له فهذا بيع ما لم يقبض ، بيع التمر بالحنطة .
( قال الشافعي ) : ولا خير في السلف في شيء من المأكول عددا ; لأنه لا يحاط فيه بصفة كما يحاط في الحيوان بسن وصفة وكما يحاط في الثياب بذرع وصفة ، ولا بأس أن يسلم فيه كله بصفة ووزن فيكون الوزن فيه يأتي على ما يأتي عليه الذرع في الثوب ، ولا بأس أن يسلف في صنف من الخربز بعينه ويسمي منه عظاما أو صغارا أو خربز بلد وزن كذا وكذا ، فما دخل الميزان فيه من عدد ذلك لم ينظر فيه إلى العدد إذا وقعت على ما يدخل الميزان أقل الصفة ونظر إلى الوزن كما لا ينظر في موزون من الذهب والفضة إلى عدد ، وإذا اختلفا في عظامه وصغاره فعليه أن يعطيه أقل ما يقع عليه اسم العظم وأقل ما يقع اسم صفته ثم يستوفيه منه موزونا وهكذا السفرجل والقثاء والفرسك وغيره مما يبيعه الناس عددا وجزافا في أوعيته لا يصلح السلف فيه إلا موزونا ; لأنه يختلف في المكيال وما اختلف في المكيال حتى يبقى من المكيال شيء فارغ ليس فيه شيء لم يسلف فيه كيلا ( قال ) : وإن اختلف فيه أصناف ما سلف من قثاء وخربز وغيره مما لا يكال سمي كل صنف منها على حدته وبصفته لا يجزئه غير ذلك فإن ترك ذلك فالسلف فاسد والقول في إفساده وإجازته إذا اختلفت أجناسه كالقول فيما وصفنا قبله من الحنطة والتمر وغيرهما .
باب جماع السلف في الوزن

( قال الشافعي ) : رحمه الله والميزان مخالف للمكيال في بعض معانيه والميزان أقرب من الإحاطة .

[ ص: 106 ] وأبعد من أن يختلف فيه أهل العلم من المكيال ; لأن ما يتجافى ولم يتجاف في الميزان سواء ; لأنه إنما يصار فيه كله إلى أن يوجد بوزنه والمتجافي في المكيال يتباين تباينا بينا فليس في شيء مما وزن اختلاف في الوزن يرد به السلف من قبل اختلافه في الوزن كما يكون فيما وصفنا من الكيل ، ولا يفسد شيء مما سلف فيه وزنا معلوما إلا من قبل غير الوزن ، ولا بأس أن يسلف في شيء وزنا ، وإن كان يباع كيلا ، ولا في شيء كيلا ، وإن كان يباع وزنا إذا كان مما لا يتجافى في المكيال مثل الزيت الذي هو ذائب إن كان يباع بالمدينة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعده وزنا فلا بأس أن يسلف فيه كيلا ، وإن كان يباع كيلا فلا بأس أن يسلف فيه وزنا ومثل السمن والعسل وما أشبهه من الإدام فإن قال قائل كيف كان يباع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قلنا الله أعلم أما الذي أدركنا المتبايعين به عليه فأما ما قل منه فيباع كيلا والجملة الكثيرة تباع وزنا ودلالة الأخبار على مثل ما أدركنا الناس عليه . قال عمر رضي الله عنه : لا آكل سمنا ما دام السمن يباع بالأواقي وتشبه الأواقي أن تكون كيلا ، ولا يفسد السلف الصحيح العقد في الوزن إلا من قبل الصفة فإن كانت الصفة لا تقع عليه وكان إذا اختلف صفاته تباينت جودته واختلفت أثمانه لم يجز ; لأنه مجهول عند أهل العلم به وما كان مجهولا عندهم لم يجز .
( قال الشافعي ) : وإن سلف في وزن ثم أراد إعطاءه كيلا لم يجز من قبل أن الشيء يكون خفيفا ويكون غيره من جنسه أثقل منه فإذا أعطاه إياه بالمكيال أقل أو أكثر مما سلفه فيه فكان أعطاه الطعام الواجب من الطعام الواجب متفاضلا أو مجهولا وإنما يجوز أن يعطيه معلوما فإن أعطاه حقه فذلك الذي لا يلزمه غيره ، وإن أعطاه حقه وزاده تطوعا منه على غير شيء كان في العقد فهذا نائل من قبله فإن أعطاه أقل من حقه وأبرأه المشتري مما بقي عليه فهذا شيء تطوع به المشتري فلا بأس به ، فأما أن لا يعمدا تفضلا ويتجازفا مكان الكيل يتجازفان وزنا ، فإذا جاز هذا جاز أن يعطيه أيضا جزافا ، وفاء من كيل لا عن طيب أنفس منهما عن فضل عرفه أحدهما قبل صاحبه .
الوزن من العسل

( قال الشافعي ) : رحمه الله أقل ما يجوز به السلف في العسل أن يسلف المسلف في كيل أو وزن معلوم وأجل معلوم وصفة معلومة جديدا ويقول عسل وقت كذا ، للوقت الذي يكون فيه فيكون يعرف يوم يقبضه جدته من قدمه وجنس كذا وكذا منه ( قال ) : والصفة أن يقول عسل صاف أبيض من عسل بلد كذا أو رديء ( قال ) : ولو ترك قوله في العسل صافيا جاز عندي من قبل أنه إذا كان له عسل لم يكن عليه أن يأخذ شمعا في العسل وكان له أن يأخذ عسلا والعسل الصافي ، والصافي وجهان صاف من الشمع وصاف في اللون .
( قال الشافعي ) : وإن سلف في عسل صاف فأتى بعسل قد صفي بالنار لم يلزمه ; لأن النار تغير طعمه فينقص ثمنه ولكن يصفيه له بغير نار فإن جاءه بعسل غير صافي اللون فذلك عيب فيه فلا يلزمه أخذه إذا كان عيبا فيه .
( قال الشافعي ) : فإن سلف في عسل فجاءه بعسل رقيق أريه أهل العلم بالعسل فإن قالوا هذه الرقة في هذا الجنس من هذا العسل عيب ينقص ثمنه لم يكن عليه أن يأخذه ، وإن قالوا هكذا يكون هذا العسل وقالوا رق لحر البلاد أو لعلة غير عيب في نفس العسل لزمه أخذه ( قال ) : ولو قال عسل بر ، أو قال عسل صعتر أو عسل صرو أو عسل عشر ووصف لونه وبلده فأتاه باللون والبلد وبغير الصنف الذي شرط له أدنى أو أرفع لم يكن عليه أخذه إنما يرده بأحد أمرين أحدهما .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #122  
قديم 17-05-2022, 03:55 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله




كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثالث -
كتاب البيوع
الحلقة (122)
صــــــــــ 107 الى صـــــــــــ112



نقصان عما سلف فيه والآخر أن كل جنس من هذه قد يصلح لما لا يصلح له غيره أو يجزئ فيما لا يجزئ فيه غيره أو يجمعهما ، ولا يجوز أن يعطي غير ما شرط إذا اختلفت منافعهما ( قال ) : وما وصفت من عسل بر وصعتر وغيره من كل جنس من العسل في العسل كالأجناس المختلفة في السمن لا تجزئ إلا صفته في السلف وإلا فسد السلف ألا ترى أني لو أسلمت في سمن ووصفته ولم أصف جنسه فسد من قبل أن سمن المعزى مخالف سمن الضأن ، وأن سمن الغنم كلها مخالف البقر والجواميس فإذا لم تقع الصفة على الجنس مما يختلف فسد السلف كما يفسد لو سلفته في حنطة ولم أسم جنسها فأقول مصرية أو يمانية أو شامية وهكذا لو ترك أن يصفه العسل بلونه فسد من قبل أن أثمانها تتفاضل على جودة الألوان وموقعها من الأعمال يتباين بها وهكذا لو ترك صفة بلده فسد لاختلاف أعمال البلدان كاختلاف طعام البلدان وكاختلاف ثياب البلدان من مروي وهروي ورازي وبغدادي وهكذا لو ترك أن يقول عسل حديث من عسل وقت كذا من قبل اختلاف ما قدم من العسل وحدث ، وإذا قال عسل وقت كذا فكان ذلك العسل يكون في رجب وسمي أجله رمضان فقد عرف كم مر عليه وهذا هكذا في كل من يختلف فيه قديمه وجديده من سمن أو حنطة أو غيرهما .
( قال الشافعي ) : وكل ما كان عند أهل العلم به عيب في جنس ما سلف فيه لم يلزمه السلف وكذلك كل ما خالف الصفة المشروطة منه فلو شرط عسلا من عسل الصرو وعسل بلد كذا فأتى بالصفة في اللون وعسل البلد فقيل ليس هذا صروا خالصا وهذا صرو وغيره لم يلزمه كما يكون سمن بقر لو خلطه بسمن الغنم لم يلزم من سلف واحدا من السمنين ولو قال أسلمت إليك في كذا وكذا رطلا من عسل أو في مكيال عسل بشمعه كان فاسدا لكثرة الشمع وقلته وثقله وخفته وكذا لو قال أسلم إليك في شهد بوزن أو عدد ; لأنه لا يعرف ما فيه من العسل والشمع .
باب السلف في السمن

( قال الشافعي ) : رحمه الله : والسمن كما وصفت من العسل وكل مأكول كان في معناه كما وصفت منه ويقول في السمن سمن ماعز أو سمن ضأن أو سمن بقر ، وإن كان سمن الجواميس يخالفها قال : سمن جواميس لا يجزئ غير ذلك ، وإن كان ببلد يختلف سمن الجنس منه قال سمن غنم كذا وكذا كما يقال بمكة : سمن ضأن نجدية وسمن ضأن تهامية ، وذلك أنهما يتباينان في اللون والصفة والطعم والثمن ( قال ) : والقول فيه كالقول في العسل قبله ، فما كان عيبا وخارجا من صفة السلف لم يلزم السلف ، والقديم من السمن يتبين من القديم من العسل ; لأنه أسرع تغيرا منه ، والسمن منه ما يدخن ومنه ما لا يدخن ، فلا يلزم المدخن ; لأنه عيب فيه .
السلف في الزيت

( قال الشافعي ) : رحمه الله : والزيت إذا اختلف لم يجز فيه إلا أن يوصف بصفته وجنسه ، وإن كان قدمه يغيره وصفه بالجدة أو سمي عصير عام كذا حتى يكون قد أتى عليه ما يعرفه المشتري والبائع ، والقول في عيوبه واختلافه كالقول في عيوب السمن والعسل ( قال ) : والآدام كلها التي هي أوداك السليط وغيره إن اختلف ، نسب كل واحد منها إلى جنسه ، وإن اختلف عتيقها وحديثها نسب إلى .

[ ص: 108 ] الحداثة والعتق فإن باينت العسل والسمن في هذا فكانت لا يقلبها الزمان ، ولا تغير قلت عصير سنة كذا وكذا لا يجزئه غير ذلك والقول في عيوبها كالقول في عيوب ما قبلها كل ما نسبه أهل العلم إلى العيب في جنس منها لم يلزم مشتريه إلا أن يشاء هو متطوعا .
( قال ) : ولا خير في أن يقول في شيء من الأشياء أسلم إليك في أجود ما يكون منه ; لأنه لا يوقف على حد أجود ما يكون منه أبدا فأما أردأ ما يكون منه فأكرهه ، ولا يفسد به البيع من قبل أنه إن أعطى خيرا من أردأ ما يكون منه كان متطوعا بالفضل وغير خارج من صفة الرداءة كله .
( قال ) : وما اشتري من الآدام كيلا اكتيل وما اشتري وزنا بظروفه لم يجز شراؤه بالوزن في الظروف لاختلاف الظروف وأنه لا يوقف على حد وزنها فلو اشترى جزافا وقد شرط وزنا فلم يأخذ ما عرف من الوزن المشترى إلا أن يتراضيا ، البائع والمشتري ، بعد وزن الزيت في الظروف بأن يدع ما يبقى له من الزيت ، وإن لم يتراضيا وأراد اللازم لهما وزنت الظروف قبل أن يصب فيها الإدام ثم وزنت بما يصب فيها ثم يطرح وزن الظروف ، وإن كان فيها زيت وزن ثم فرغت وزنت الظروف ثم ألقي من الزيت وما أسلف فيه من الإدام فهو له صاف من الرب والعكر وغيره مما خالف الصفاء .
السلف في الزبد

( قال الشافعي ) : رحمه الله : السلف في الزبد كهو في السمن يسمى زبد ماعز أو زبد ضأن أو زبد بقر ويقول نجدي أو تهامي لا يجزئ غيره ويشرطه مكيلا أو موزونا ويشرطه زبد يومه ; لأنه يتغير في غده بتهامة حتى يحمض ويتغير في الحر ويتغير في البرد تغيرا دون ذلك وبنجد يؤكل غير أنه لا يكون زبد يومه كزبد غده ، فإن ترك من هذا شيئا لم يجز السلف فيه وليس للمسلف أن يعطيه زبدا نجيخا وذلك أنه حينئذ ليس بزبد يومه إنما هو زبد تغير فأعيد في سقاء فيه لبن مخض ليذهب تغيره فيكون عيبا في الزبد ; لأنه جدده وهو غير جديد ومن أن الزبد يرق عن أصل خلقته ويتغير طعمه والقول فيما عرفه أهل العلم به عيبا أنه يرد به كالقول فيما وصفنا قبله .
السلف في اللبن

( قال الشافعي ) : رحمه الله : ويجوز السلف في اللبن كما يجوز في الزبد ويفسد كما يفسد في الزبد بترك أن يقول ماعز أو ضأن أو بقر ، وإن كان إبلا أن يقول لبن غواد أو أوراك أو خميصة ويقول في هذا كله لبن الراعية والمعلفة لاختلاف ألبان الرواعي والمعلفة وتفاضلها في الطعم والصحة والثمن فأي هذا سكت عنه لم يجز معه السلم ولم يجز إلا بأن يقول حليبا أو يقول لبن يومه ; لأنه يتغير في غده .

( قال الشافعي ) : والحليب ما يحلب من ساعته وكان منتهى حد صفة الحليب أن تقل حلاوته فذلك حين ينتقل إلى أن يخرج من اسم الحليب .

( قال ) : وإذا أسلف فيه بكيل : فليس له أن يكيله برغوته ; لأنها تزيد في كيله وليست بلبن تبقى بقاء اللبن ولكن إذا سلف فيه وزنا : فلا بأس عندي أن يزنه برغوته ; لأنها لا تزيد في وزنه فإن زعم أهل العلم أنها تزيد في وزنه فلا يزنه حتى تسكن كما لا يكيله حتى تسكن .
[ ص: 109 ] قال ) : ولا خير في أن يسلف في لبن مخيض ; لأنه لا يكون مخيضا إلا بإخراج زبده وزبده لا يخرج إلا بالماء ، ولا يعرف المشتري كم فيه من الماء لخفاء الماء في اللبن وقد يجهل ذلك البائع ; لأنه يصب فيه بغير كيل ويزيده مرة بعد مرة والماء غير اللبن فلا يكون على أحد أن يسلف في مد لبن فيعطي تسعة أعشار المد لبنا وعشره ماء ; لأنه لا يميز بين مائه حينئذ ولبنه ، وإذا كان الماء مجهولا كان أفسد له ; لأنه لا يدري كم أعطى من لبن وماء .
( قال ) : ولا خير في أن يسلف في لبن ويقول حامض ; لأنه قد يسمى حامضا بعد يوم ويومين وأيام وزيادة حموضته زيادة نقص فيه ليس كالحلو الذي يقال له حلو فيأخذ له أقل ما يقع عليه اسم الحلاوة مع صفة غيرها وما زاد على أقل ما يقع عليه اسم الحلاوة زيادة خير للمشتري وتطوع من البائع ، وزيادة حموضة اللبن كما وصفت نقص على المشتري ، وإذا شرط لبن يوم أو لبن يومين فإنما يعني ما حلب من يومه وما حلب من يومين فيشترط غير حامض وفي لبن الإبل غير قارص فإن كان ببلد لا يمكن فيه إلا أن يحمض في تلك المدة فلا خير في السلف فيه بهذه الصفة لما وصفت من أنه لا يوقف على حد الحموضة ، ولا حد قارص فيقال هذا أول وقت حمض فيه أو قرص فيلزمه إياه وزيادة الحموضة فيه نقص للمشتري كما وصفنا في المسألة قبله
، ولا خير في بيع اللبن في ضروع الغنم ، وإن اجتمع فيها حلبة واحدة ; لأنه لا يدرى كم هو ، ولا كيف هو ، ولا هو بيع عين ترى ، ولا شيء مضمون على صاحبه بصفة وكيل وهذا خارج مما يجوز في بيوع المسلمين ( قال الشافعي ) : أخبرنا سعيد بن سالم عن موسى عن سليمان بن يسار عن ابن عباس أنه كان يكره بيع الصوف على ظهور الغنم واللبن في ضروع الغنم إلا بكيل .
السلف في الجبن رطبا ويابسا

( قال الشافعي ) : رحمه الله والسلف في الجبن رطبا طريا كالسلف في اللبن لا يجوز إلا بأن يشرط صفة جبن يومه أو يقول جبنا رطبا طريا ; لأن الطراء منه معروف والغاب منه مفارق للطري فالطراء فيه صفة يحاط بها ، ولا خير في أن يقول غاب ; لأنه يقول إذا زايل الطراء كان غابا ، وإذا مرت له أيام كان غابا ومرور الأيام نقص له كما كثرة الحموضة نقص في اللبن لا يجوز أن يقال غاب ; لأنه لا ينفصل أول ما يدخل في الغبوب من المنزلة التي بعدها فيكون مضبوطا بصفة والجواب : فيه كالجواب في حموضة اللبن ، ولا خير في السلف فيه إلا بوزن فأما بعدد فلا خير فيه ; لأنه لا يختلف فلا يقف البائع ، ولا المشتري منه على حد معروف ويشترط فيه جبن ماعز أو جبن ضائن أو جبن بقر كما وصفنا في اللبن وهما سواء في هذا المعنى ( قال ) : والجبن الرطب لبن يطرح فيه الأنافح فيتميز ماؤه ويعزل خاثر لبنه فيعصر فإذا سلف فيه رطبا فلا أبالي ، أسمى صغارا أم كبارا ويجوز إذا وقع عليه اسم الجبن ( قال ) : ولا بأس بالسلف في الجبن اليابس وزنا وعلى ما وصفت من جبن ضائن أو بقر فأما الإبل فلا أحسبها يكون لها جبن ويسميه جبن بلد من البلدان ; لأن جبن البلدان يختلف وهو أحب إلي لو قال ما جبن منذ شهر أو منذ كذا أو جبن عامه إذا كان هذا يعرف ; لأنه قد يكون إذا دخل في حد اليبس أثقل منه إذا تطاول جفوفه ( قال ) : ولو ترك هذا لم يفسده ; لأنا نجيز مثل هذا في اللحم واللحم حين يسلخ أثقل منه بعد ساعة من جفوفه والثمر في أول ما ييبس يكاد يكون أقل نقصانا منه بعد شهر أو أكثر ، ولا يجوز إلا أن يقال جبن غير قديم فكل ما أتاه به فقال أهل العلم به ليس يقع على هذا اسم قديم أخذه ، وإن كان بعضه أطرى من بعض ; لأن .

[ ص: 110 ] السلف أقل ما يقع عليه اسم الطراءة والمسلف متطوع بما هو أكثر منه ، ولا خير في أن يقول جبن عتيق ، ولا قديم ; لأن أقل ما يقع عليه اسم العتيق والقديم غير محدود وكذلك آخره غير محدود وكل ما تقدم في اسم العتيق فازدادت الليالي مرورا عليه كان نقصا له كما وصفنا قبله في حموضة اللبن وكل ما كان عيبا في الجبن عند أهل العلم به من إفراط ملح أو حموضة طعم أو غيره ، لم يلزم المشتري .
السلف في اللبأ

( قال الشافعي ) : رحمه الله : ولا بأس بالسلف في اللبأ بوزن معلوم ، ولا خير فيه إلا موزونا ، ولا يجوز مكيلا من قبل تكبسه وتجافيه في المكيال والقول فيه كالقول في اللبن والجبن يصف ماعزا أو ضائنا أو بقرا أو طريا فيكون له أقل ما يقع عليه اسم الطراءة ويكون البائع متطوعا بما هو خير من ذلك ، ولا يصلح أن يقول غير الطري ; لأن ذلك كما وصفت غير محدود الأول والآخر والتزيد في البعد من الطراءة نقص على المشتري .
الصوف والشعر

( قال الشافعي ) : رحمه الله : ولا خير في أن يسلم في صوف غنم بأعيانها ، ولا شعرها إذا كان ذلك إلى يوم واحد فأكثر وذلك أنه قد تأتي الآفة عليه فتذهبه أو تنقصه قبل اليوم وقد يفسد من وجه غير هذا ، ولا خير في أن يسلم في ألبان غنم بأعيانها ، ولا زبدها ، ولا سمنها ، ولا لبئها ، ولا جبنها ، وإن كان ذلك بكيل معلوم ووزن معلوم من قبل أن الآفة تأتي عليها فتهلكها فينقطع ما أسلف فيه منها وتأتي عليها بغير هلاكها فتقطع ما يكون منه ما أسلم فيه منها أو تنقصه وكذلك لا خير فيه ولو حلبت لك حين تشتريها ; لأن الآفة تأتي عليها قبل الاستيفاء ( قال الشافعي ) : وذلك أنا لو أجزنا هذا فجاءت الآفة عليها بأمر يقطع ما أسلم فيه منها أو بعضه فرددناه على البائع بمثل الصفة التي أسلفه فيها كنا ظلمناه ; لأنه بائع صفة من غنم بعينها فحولناها إلى غنم غيرها وهو لو باعه عينا فهلكت لم نحوله إلى غيرها ولو لم نحوله إلى غيرها كنا أجزنا أن يشتري غير عين بعينها وغير مضمون عليه بصفة يكلف الإتيان به متى حل عليه فأجزنا في بيوع المسلمين ما ليس منها ، إنما بيوع المسلمين بيع عين بعينها يملكها المشتري على البائع أو صفة بعينها يملكها المشتري على البائع ويضمنها حتى يؤديها إلى المشتري ( قال ) : وإذا لم يجز أن يسلم الرجل إلى الرجل في ثمر حائط بعينه ، ولا في حنطة أرض بعينها لما وصفت من الآفات التي تقع في الثمرة والزرع كان لبن الماشية ونسلها كله في هذا المعنى تصيبها الآفات كما تصيب الزرع والثمر وكانت الآفات إليه في كثير من الحالات أسرع ( قال ) : وهكذا كل ما كان من سلك في عين بعينها تقطع من أيدي الناس ، ولا خير في السلف حتى يكون في الوقت الذي يشترط فيه محله موجودا في البلد الذي يشترط فيه لا يختلف فيه بحال فإن كان يختلف فلا خير فيه ; لأنه حينئذ غير موصول إلى أدائه ، فعلى هذا كل ما .

[ ص: 111 ] سلف وقياسه ، ولا بأس أن تسلف في شيء ليس في أيدي الناس حين تسلف فيه إذا شرطت محله في وقت يكون موجودا فيه بأيدي الناس .
السلف في اللحم .

( قال الشافعي ) : رحمه الله : كل لحم موجود ببلد من البلدان لا يختلف في الوقت الذي يحل فيه فالسلف فيه جائز وما كان في الوقت الذي يحل فيه يختلف فلا خير فيه ، وإن كان يكون لا يختلف في حينه الذي يحل فيه في بلد ويختلف في بلد آخر جاز السلف فيه في البلد الذي لا يختلف وفسد السلف في البلد الذي يختلف فيه إلا أن يكون مما لا يتغير في الحمل فيحمل من بلد إلى بلد مثل الثياب وما أشبهها ، فأما ما كان رطبا من المأكول وكان إذا حمل من بلد إلى بلد تغير لم يجز فيه السلف في البلد الذي يختلف فيه ، وهكذا كل سلعة من السلع إذا لم تختلف في وقتها في بلد جاز فيه السلف ، وإذا اختلفت ببلد لم يجز السلف فيه في الحين الذي تختلف فيه إذا كانت من الرطب من المأكول .
صفة اللحم وما يجوز فيه وما لا يجوز

( قال الشافعي ) : رحمه الله : من أسلف في لحم فلا يجوز فيه حتى يصفه يقول : لحم ماعز ذكر خصي أو ذكر ثني فصاعدا أو جدي رضيع أو فطيم وسمين أو منق ومن موضع كذا ويشترط الوزن أو يقول لحم ماعزة ثنية فصاعدا أو صغيرة يصف لحمها وموضعها ويقول لحم ضائن ويصفه هكذا ، ويقول في البعير خاصة بعير راع من قبل اختلاف الراعي والمعلوف وذلك أن لحمان ذكورها وإناثها وصغارها وكبارها وخصيانها وفحولها تختلف ومواضع لحمها تختلف ويختلف لحمها فإذا حد بسمانة كان للمشتري أدنى ما يقع عليه اسم السمانة ، وكان البائع متطوعا بأعلى منه إن أعطاه إياه ، وإذا حده منقيا كان له أدنى ما يقع عليه اسم الإنقاء والبائع متطوع بالذي هو أكثر منه ، وأكره أن يشترطه أعجف بحال وذلك أن الأعجف يتباين والزيادة في العجف نقص على المشتري والعجف في اللحم كما وصفت من الحموضة في اللبن ليست بمحدودة الأعلى ، ولا الأدنى ، وإذا زادت كان نقصا غير موقوف عليه الزيادة في السمانة شيء يتطوع به البائع المشتري ( قال ) : فإن شرط موضعا من اللحم وزن ذلك الموضع بما فيه من عظم ; لأن العظم لا يتميز من اللحم كما يتميز التبن والمدر والحجارة من الحنطة ، ولو ذهب بميزه أفسد اللحم على آخذه وبقي منه على العظام ما يكون فسادا واللحم أولى أن لا يميز وأن يجوز بيع عظامه معه لاختلاط اللحم بالعظم من النوى في التمر إذا اشترى وزنا ; لأن النواة تميز من التمرة غير أن التمرة إذا أخرجت نواتها لم تبق بقاءها إذا كانت نواتها فيها .

( قال الشافعي ) : { تبايع الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم التمر كيلا وفيه نواه } ولم نعلمهم تبايعوا اللحم قط إلا فيه عظامه ، فدلت السنة إذا جاز بيع التمر بالنوى على أن بيع اللحم بالعظام في معناها أو أجوز فكانت قياسا وخبرا وأثرا لم أعلم الناس اختلفوا فيه .
( قال ) : وإذا أسلف في شحم البطن أو الكلى ووصفه وزنا فهو جائز ، وإن قال شحم لم يجز لاختلاف شحم البطن وغيره ، وكذلك إن سلف في الأليات فتوزن ، وإذا سلف في شحم سمي شحما ، صغيرا أو كبيرا ، وماعزا أو ضائنا
[ ص: 112 ] لحم الوحش

( قال الشافعي ) : رحمه الله : ولحم الوحش كله كما وصفت من لحم الأنيس ، إذا كان ببلد يكون بها موجودا لا يختلف في الوقت الذي يحل فيه بحال جاز السلف فيه ، وإذا كان يختلف في حال ويوجد في أخرى لم يجز السلف فيه إلا في الحال التي لا يختلف فيها قال ، ولا أحسبه يكون موجودا ببلد أبدا إلا هكذا وذلك أن من البلدان ما لا وحش فيه ، وإن كان به منها وحش فقد يخطئ صائده ويصيبه والبلدان ، وإن كان منها ما يخطئه لحم يجوز فيه في كل يوم أو بها بعض اللحم دون بعض فإن الغنم تكاد أن تكون موجودة والإبل والبقر فيأخذ المسلف البائع بأن يذبح فيوفي صاحبه حقه ; لأن الذبح له ممكن بالشراء ، ولا يكون الصيد له ممكنا بالشراء والأخذ كما يمكنه الأنيس فإن كان ببلد يتعذر به لحم الأنيس أو شيء منه في الوقت الذي يسلف فيه لم يجز السلف فيه في الوقت الذي يتعذر فيه ، ولا يجوز السلف في لحم الوحش إذا كان موجودا ببلد إلا على ما وصفت من لحم الأنيس أن يقول لحم ظبي أو أرنب أو ثيتل أو بقر وحش أو حمر وحش أو صنف بعينه ويسميه صغيرا أو كبيرا ويوصف اللحم كما وصفت وسمينا أو منقيا كما وصفت في اللحم لا يخالفه في شيء إلا أن تدخله خصلة لا تدخل لحم الأنيس إن كان منه شيء يصاد بشيء يكون لحمه معه طيبا وآخر يصاد بشيء يكون لحمه معه غير طيب شرط صيد كذا دون صيد كذا ، فإن لم يشرط مثل أهل العلم به فإن كانوا يبينون في بعض اللحم الفساد فالفساد عيب ، ولا يلزم المشتري ، فإن كانوا يقولون ليس بفساد ولكن صيد كذا أطيب فليس هذا بفساد ، ولا يرد على البائع ويلزم المشتري وهذا يدخل الغنم فيكون بعضها أطيب لحما من بعض ، ولا يرد من لحمه إلا من فساد ( قال ) : ومتى أمكن السلف في الوحش فالقول فيه كالقول في الأنيس فإنما يجوز بصفة وسن وجنس .
ويجوز السلف في لحم الطير كله بصفة وسمانة ، وإنقاء ووزن غير أنه لا سن له وإنما يباع بصفة مكان السن بكبير وصغير وما احتمل أن يباع مبعضا بصفة موصوفة وما لم يحتمل أن يبعض لصغره وصف طائره وسمانته وأسلم فيه بوزن لا يجوز أن يسلم فيه بعدد وهو لحم إنما يجوز العدد في الحي دون المذبوح والمذبوح طعام لا يجوز إلا موزونا ، وإذا أسلم في لحم طير وزنا لم يكن عليه أن يأخذ في الوزن رأسه ، ولا رجليه من دون الفخذين ; لأن رجليه لا لحم فيهما وأن رأسه إذا قصد اللحم كان معروفا أنه لا يقع عليه اسم اللحم المقصود قصده
الحيتان

( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى : الحيتان إذا كان السلف يحل فيها في وقت لا ينقطع ما أسلف فيه من أيدي الناس بذلك البلد جاز السلف فيها ، وإذا كان الوقت الذي يحل فيه في بلد ينقطع ، ولا يوجد فيه فلا خير في السلف فيها كما قلنا في لحم الوحش والأنيس ( قال ) : وإذا أسلم فيها أسلم في مليح بوزن أو طري بوزن معلوم ، ولا يجوز السلف فيه حتى يسمى كل حوت منه بجنسه فإنه يختلف اختلاف اللحم وغيره ، ولا يجوز أن يسلف في شيء من الحيتان إلا بوزن فإن قال قائل فقد تجيز السلف في الحيوان عددا موصوفا فما فرق بينه وبين الحيتان ؟ قيل الحيوان يشترى بمعنيين أحدهما المنفعة به في الحياة وهي المنفعة العظمى فيه الجامعة والثانية ليذبح فيؤكل فأجزت شراءه حيا للمنفعة العظمى ولست أجيز .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #123  
قديم 17-05-2022, 03:58 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثالث -
كتاب البيوع
الحلقة (123)
صــــــــــ 113 الى صـــــــــــ118




شراءه مذبوحا بعدد ألا ترى أنه إن قال أبيعك لحم شاة ثنية ماعزة ولم يشترط وزنا لم أجزه ؟ ; لأنه لا يعرف قدر اللحم بالصفة ، وإنما يعرف قدره بالوزن ; ولأن الناس إنما اشتروا من كل ما يؤكل ويشرب الجزاف مما يعاينون فأما ما يضمن فليس يشترونه جزافا ( قال ) : والقياس في السلف في لحم الحيتان يوزن ، لا يلزم المشتري أن يوزن عليه الذنب من حيث يكون لا لحم فيه ويلزمه ما يقع عليه اسم ذنب مما عليه لحم ، ولا يلزمه أن يوزن عليه في الرأس ، ويلزمه ما بين ذلك إلا أن يكون من حوت كبير فيسمي وزنا من الحوت مما أسلف فيه موضعا منه لا يجوز أن يسلف فيه إلا في موضع إذا احتمل ما تحتمل الغنم من أن يكون يوجد في موضع منه ما سلف فيه ويصف لموضع الذي سلف فيه ، وإذا لم يحتمل كان كما وصفت في الطير .
الرءوس والأكارع

( قال الشافعي ) : رحمه الله : ولا يجوز عندي السلف في شيء من الرءوس من صغارها ، ولا كبارها ، ولا الأكارع ; لأنا لا نجيز السلف في شيء سوى الحيوان حتى نجده بذرع أو كيل أو وزن فأما عدد منفرد فلا وذلك أنه قد يكون يشتبه ما يقع عليه اسم الصغير وهو متباين وما يقع عليه اسم الكبير وهو متباين فإذا لم نجد فيه كما حددنا في مثله من الوزن والذرع والكيل أجزناه غير محدود وإنما نرى الناس تركوا وزن الرءوس لما فيها من سقطها الذي يطرح ، ولا يؤكل مثل الصوف والشعر عليه ومثل أطراف مشافره ومناخره وجلود خديه وما أشبه ذلك مما لا يؤكل ، ولا يعرف قدره منه غير أنه فيه غير قليل فلو وزنوه وزنوا معه غير ما يؤكل من صوف وشعر وغيره ، ولا يشبه النوى في التمر ; لأنه قد ينتفع بالنوى ، ولا القشر في الجوز ; لأنه قد ينتفع بقشر الجوز وهذا لا ينتفع به في شيء ( قال ) : ولو تحامل رجل فأجازه لم يجز عندي أن يؤمر أحد بأن يجيزه إلا موزونا . والله تعالى أعلم ، ولإجازته وجه يحتمل بعض مذاهب أهل الفقه ما هو أبعد منه .
( قال الشافعي ) : وقد وصفت في غير هذا الموضع أن البيوع ضربان : أحدهما : بيع عين قائمة فلا بأس أن تباع بنقد ودين إذا قبضت العين أو بيع شيء موصوف مضمون على بائعه يأتي به لا بد عاجلا أو إلى أجل وهذا لا يجوز حتى يدفع المشتري ثمنه قبل أن يتفرق المتبايعان وهذان مستويان إذا شرط فيه أجل أو ضمان أو يكون أحد البيعين نقدا والآخر دينا أو مضمونا قال وذلك أني إذا بعتك سلعة ودفعتها إليك وكان ثمنها إلى أجل فالسلعة نقد والثمن إلى أجل معروف .

وإذا دفعت إليه مائة دينار في طعام موصوف إلى أجل فالمائة نقد والسلعة مضمونة يأتي بها صاحبها لا بد ، ولا خير في دين بدين ولو اشترى رجل ثلاثين رطلا لحما بدينار ودفعه يأخذ كل يوم رطلا فكان أول محلها حين دفع وآخره إلى شهر وكانت صفقة واحدة كانت فاسدة ورد مثل اللحم الذي أخذ أو قيمته إن لم يكن له مثل وذلك أن هذا دين بدين ولو اشترى رطلا منفردا وتسعة وعشرين بعده في صفقة غير صفقته كان الرطل جائزا والتسعة والعشرون منتقضة وليس أخذه أولها إذا لم يأخذها في مقام واحد بالذي يخرجه من أن يكون دينا .

ألا ترى أنه ليس له أنه أن يأخذ رطلا بعد الأول إلا بمدة تأتي عليه ؟ ، ولا يشبه هذا الرجل يشتري الطعام بدين ويأخذ في اكتياله ; لأن محله واحد وله أخذه كله في مقامه إلا أنه لا يقدر على أخذه إلا هكذا لا أجل له ، ولو جاز هذا ، جاز أن يشتري بدينار ثلاثين صاعا حنطة يأخذ كل يوم صاعا .

( قال ) : وهذا هكذا في الرطب والفاكهة وغيرها كل شيء لم يكن له قبضه ساعة يتبايعانه معا [ ص: 114 ] ولم يكن لبائعه دفعه عن شيء منه حين يشرع في قبضه كله لم يجز أن يكون دينا ( قال ) : ولو جاز هذا في اللحم جاز في كل شيء من ثياب وطعام وغيره ( قال الشافعي ) : ولو قال قائل هذا في اللحم جائز وقال هذا مثل الدار يتكاراها الرجل إلى أجل فيجب عليه من كرائها بقدر ما سكن .

( قال ) : وهذا في الدار وليس كما قال ، ولو كان كما قال أن يقيس اللحم بالطعام أولى به من أن يقيسه بالسكن لبعد السكن من الطعام في الأصل والفرع فإن قال : فما فرق بينهما في الفرع ؟ قيل أرأيتك إذا أكريتك دارا شهرا ودفعتها إليك فلم تسكنها أيجب عليك الكراء ؟ قال نعم قلت ودفعتها إليك طرفة عين إذا مرت المدة التي اكتريتها إليها أيجب عليك كراؤها ؟ قال نعم قلت أفرأيت إذا بعتك ثلاثين رطلا لحما إلى أجل ودفعت إليك رطلا ثم مرت ثلاثون يوما ولم تقبض غير الرطل الأول أبرأ من ثلاثين رطلا كما برئت من سكن ثلاثين يوما ؟ .

فإن قال لا قيل ; لأنه يحتاج في كل يوم إلى أن يبرأ من رطل لحم يدفعه إليك لا يبرئه ما قبله ولا المدة منه إلا بدفعه قال نعم ويقال له : ليس هكذا الدار فإذا قال لا قيل أفما تراهما مفترقين في الأصل والفرع والاسم ؟ فكيف تركت أن تقيس اللحم بالمأكول الذي هو في مثل معناه من الربا والوزن والكيل وقسته بما لا يشبهه ؟ أو رأيت إذا أكريتك تلك الدار بعينها فانهدمت أيلزمني أن أعطيك دارا بصفتها ؟ .

فإن قال لا : قيل فإذا باعك لحما بصفة وله ماشية فماتت ماشيته أيلزمه أن يعطيك لحما بالصفة ؟ فإذا قال نعم قيل أفتراهما مفترقين في كل أمرهما ؟ فكيف تقيس أحدهما بالآخر ؟ .

وإذا أسلف من موضع في اللحم الماعز بعينه بوزن أعطي من ذلك الموضع من شاة واحدة فإن عجز ذلك الموضع عن مبلغ صفة السلم أعطاه من شاة غيرها مثل صفتها ولو أسلفه في طعام غيره فأعطاه بعض طعامه أجود من شرطه لم يكن له عليه أن يعطيه ما بقي منه أجود من شرطه إذا أوفاه شرطه وليس عليه أكثر منه . .
باب السلف في العطر وزنا

( قال الشافعي ) : رحمه الله : وكل ما لا ينقطع من أيدي الناس من العطر وكانت له صفة يعرف بها ووزن جاز السلف فيه فإذا كان الاسم منه يجمع أشياء مختلفة الجودة لم يجز حتى يسمي ما أسلف فيه منها كما يجمع التمر اسم التمر ويفرق بها أسماء تتباين فلا يجوز السلف فيها إلا بأن يسمي الصنف الذي أسلم فيه ويسمي جيدا منه ورديئا فعلى هذا أصل السلف في العطر وقياسه فالعنبر منه الأشهب والأخضر والأبيض وغيره .

ولا يجوز السلف فيه حتى يسمى أشهب أو أخضر جيدا ورديئا وقطعا صحاحا وزن كذا ، وإن كنت تريده أبيض سميت أبيض ، وإن كنت تريده قطعة واحدة سميته قطعة واحدة ، وإن لم تسم هكذا أو سميت قطعا صحاحا لم يكن لك ذلك مفتتا وذلك أنه متباين في الثمن ويخرج من أن يكون بالصفة التي سلف ، وإن سميت عنبرا ووصفت لونه وجودته كان لك عنبر في ذلك اللون والجودة صغارا أعطاه أو كبارا ، وإن كان في العنبر شيء مختلف بالبلدان ويعرف ببلدانه أنه لم يجز حتى يسمى عنبر بلد كذا كما لا يجوز في الثياب حتى يقول مرويا أو هرويا .

( قال ) : وقد زعم بعض أهل العلم بالمسك أنه سرة دابة كالظبي تلقيه في وقت من الأوقات وكأنه ذهب إلى أنه دم يجمع فكأنه يذهب إلى أن لا يحل التطيب به لما وصفت ( قال ) : كيف جاز لك أن تجيز التطيب بشيء وقد أخبرك أهل العلم أنه ألقي من حي وما ألقي من حي كان عندك في معنى الميتة فلم تأكله ؟ ( قال ) : فقلت له قلت به خبرا وإجماعا [ ص: 115 ] وقياسا قال فاذكر فيه القياس قلت الخبر أولى بك قال سأسألك عنه فاذكر فيه القياس قلت قال الله تبارك وتعالى { وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين } فأحل شيئا يخرج من حي إذا كان من حي يجمع معنيي الطيب ، وأن ليس بعضو منه ينقصه خروجه منه حتى لا يعود مكانه مثله وحرم الدم من مذبوح وحي فلم يحل لأحد أن يأكل دما مسفوحا من ذبح أو غيره فلو كنا حرمنا الدم ; لأنه يخرج من حي أحللناه من المذبوح ولكنا حرمناه لنجاسته ونص الكتاب به مثل البول والرجيع من قبل أنه ليس من الطيبات قياسا على ما وجب غسله مما يخرج من الحي من الدم وكان في البول والرجيع يدخل به طيبا ويخرج خبيثا ووجدت الولد يخرج من حي حلالا ووجدت البيضة تخرج من بائضتها حية فتكون حلالا بأن هذا من الطيبات .

فكيف أنكرت في المسك الذي هو غاية من الطيبات ، إذا خرج من حي أن يكون حلالا ؟ وذهبت إلى أن تشبهه بعضو قطع من حي والعضو الذي قطع من حي لا يعود فيه أبدا ويبين فيه نقصا وهذا يعود زعمت بحاله قبل أن يسقط منه أفهو باللبن والبيضة والولد أشبه أم هو بالدم والبول والرجيع أشبه ؟ فقال بل باللبن والبيضة والولد أشبه إذا كانت تعود بحالها أشبه منه بالعضو يقطع منها ، وإن كان أطيب من اللبن والبيضة والولد يحل وما دونه في الطيب من اللبن والبيض يحل ; لأنه طيب كان هو أحل ; لأنه أعلى في الطيب ، ولا يشبه الرجيع الخبيث ( قال ) : فما الخبر ؟ قلت ( أخبرنا ) الزنجي عن موسى بن عقبة { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدى للنجاشي أواقي مسك فقال لأم سلمة إني قد أهديت للنجاشي أواقي مسك ، ولا أراه إلا قد مات قبل أن يصل إليه فإن جاءتنا وهبت لك كذا فجاءته فوهب لها ولغيرها منه } ( قال ) : وسئل ابن عمر عن المسك أحنوط هو ؟ فقال أوليس من أطيب طيبكم ؟ وتطيب سعد بالمسك والذريرة وفيه المسك وابن عباس بالغالية قبل أن يحرم وفيها المسك ولم أر الناس عندنا اختلفوا في إباحته ( قال ) : فقال لي قائل خبرت أن العنبر شيء ينبذه حوت من جوفه فكيف أحللت ثمنه ؟ قلت أخبرني عدد ممن أثق به أن العنبر نبات يخلقه الله تعالى في حشاف في البحر فقال لي منهم نفر حجبتنا الريح إلى جزيرة فأقمنا بها ونحن ننظر من فوقها إلى حشفة ; خارجة من الماء منها عليها عنبرة أصلها مستطيل كعنق الشاة والعنبرة ممدودة في فرعها ثم كنا نتعاهدها فنراها تعظم فأخرنا أخذها رجاء أن تزيد عظما فهبت ريح فحركت البحر فقطعتها فخرجت مع الموج ولم يختلف على أهل العلم بأنه كما وصفوا وإنما غلط من قال : إنه يجده حوت أو طير فيأكله للينه وطيب ريحه وقد زعم بعض أهل العلم أنه لا تأكله دابة إلا قتلها فيموت الحوت الذي يأكله فينبذه البحر فيؤخذ فيشق بطنه فيستخرج منه .

قال فما تقول فيما استخرج من بطنه ؟ قلت يغسل عنه شيء أصابه من أذاه ويكون حلالا أن يباع ويتطيب به من قبل أنه مستجسد غليظ غير منفر لا يخالطه شيء أصابه فيذهب فيه كله إنما يصيب ما ظهر منه كما يصيب ما ظهر من الجلد فيغسل فيطهر ويصيب الشيء من الذهب والفضة والنحاس والرصاص والحديد فيغسل فيطهر والأديم ( قال ) : فهل في العنبر خبر ؟ قلت لا أعلم أحدا من أهل العلم خالف في أنه لا بأس ببيع العنبر ، ولا أحد من أهل العلم بالعنبر قال في العنبر إلا ما قلت لك من أنه نبات والنبات لا يحرم منه شيء ( قال ) : فهل فيه أثر ؟ .

قلت نعم ( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان .

[ ص: 116 ] عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس سئل عن العنبر فقال إن كان فيه شيء ففيه الخمس .

( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن أذينة أن ابن عباس قال ليس في العنبر زكاة إنما هو شيء دسره البحر .

( قال الشافعي ) : ولا يجوز بيع المسك وزنا في فارة ; لأن المسك مغيب ، ولا يدرى كم وزنه من وزن جلوده والعود يتفاضل تفاضلا كثيرا فلا يجوز حتى يوصف كل صنف منه وبلده وسمته الذي يميزه به بينه وبين غيره كما لا يجوز في الثياب إلا ما وصفت من تسمية أجناسه وهو أشد تباينا من التمر وربما رأيت المنا منة بمائتي دينار والمنا من صنف غيره بخمسة دنانير وكلاهما ينسب إلى الجودة من صنفه وهكذا القول في كل متاع العطارين مما يتباين منه ببلد أو لون أو عظم لم يجز السلف فيه حتى يسمى ذلك وما لا يتباين بشيء من هذا وصف بالجودة والرداءة وجماع الاسم والوزن .

ولا يجوز السلف في شيء منه يخلطه عنبرا لا خليا من العنبر أو الغش ، الشك من الربيع فإن شرط شيئا بترابه أو شيئا بقشوره وزنا إن كانت قشوره ليست مما تنفعه أو شيئا يختلط به غيره منه لا يعرف قدر هذا من قدر هذا لم يجز السلف فيه ( قال ) : وفي الفأر إن كان من صيد البحر مما يعيش في البحر فلا بأس بها ، وإن كانت تعيش في البر وكانت فأرا لم يجز بيعها وشراؤها إذا لم تدبغ ، وإن دبغت فالدباغ لها طهور فلا بأس ببيعها وشرائها وقال في كل جلد على عطر وكل ما خفي عليه من عطر ودواء الصيادلة وغيره مثل هذا القول إلا أنه لا يحل بيع جلد من كلب ، ولا خنزير ، وإن دبغ ، ولا غير مدبوغ ، ولا شيء منهما ، ولا من واحد منهما .
باب متاع الصيادلة

( قال الشافعي ) : رحمه الله : ومتاع الصيادلة كله من الأدوية كمتاع العطارين : لا يختلف فما يتباين بجنس أو لون أو غير ذلك يسمى ذلك الجنس وما يتباين ويسمى وزنا وجديدا وعتيقا فإنه إذا تغير لم يعمل عمله جديدا وما اختلط منه بغيره لم يجز كما قلت في متاع العطارين ، ولا يجوز أن يسلف في شيء منه إلا وحده أو معه غيره كل واحد منهما معروف الوزن ويأخذهما متميزين فأما أن يسلف منه في صنفين مخلوطين أو أصناف مثل الأدوية المحببة أو المجموعة بعضها إلى بعض بغير عجن ، ولا تحبيب فلا يجوز ذلك ; لأنه لا يوقف على حده ، ولا يعرف وزن كل واحد منه ، ولا جودته ، ولا رداءته إذا اختلط .

( قال الشافعي ) : وما يوزن مما لا يؤكل ، ولا يشرب إذا كان هكذا قياسا على ما وصفت لا يختلف ، وإذا اختلف سمي أجناسه ، وإذا اختلف في ألوانه سمي ألوانه ، وإذا تقارب سمي وزنه فعلى هذا ، هذا الباب وقياسه ( قال ) : وما خفيت معرفته من متاع الصيادلة وغيره مما لا يخلص من الجنس الذي يخالفه وما لم يكن منها إذا رئي عمت معرفته عند أهل العلم العدول من المسلمين لم يجز السلف فيه ولو كانت معرفته عامة عند الأطباء غير المسلمين والصيادلة غير المسلمين أو عبيد المسلمين أو غير عدول لم أجز السلف فيه وإنما أجيزه فيما أجد معرفته عامة عند عدول من المسلمين من أهل العلم به وأقل ذلك أن أجد عليه عدلين يشهدان على تمييزه وما كان من متاع الصيادلة من شيء محرم : لم يحل بيعه ، ولا شراؤه وما لم يحل شراؤه لم [ ص: 117 ] يجز السلف فيه ; لأن السلف بيع من البيوع ، ولا يحل أكله ، ولا شربه وما كان منها مثل الشجر الذي ليس فيه تحريم إلا من جهة أن يكون مضرا فكان سما لم يحل شراء السم ليؤكل ، ولا يشرب فإن كان يعالج به من ظاهر شيء لا يصل إلى جوف ويكون إذا كان طاهرا مأمونا لا ضرر فيه على أحد موجود المنفعة في داء فلا بأس بشرائه ، ولا خير في شراء شيء يخالطه لحوم الحيات الترياق وغيره ; لأن الحيات محرمات ; لأنهن من غير الطيبات ; ولأنه مخالطه ميتة ، ولا لبن ما لا يؤكل لحمه من غير الآدميين ، ولا بول ما لا يؤكل لحمه ، ولا غيره والأبوال كلها نجسة لا تحل إلا في ضرورة فعلى ما وصفت هذا الباب كله وقياسه ( قال ) : وجماع ما يحرم أكله في ذوات الأرواح خاصة إلا ما حرم من المسكر ، ولا في شيء من الأرض والنبات حرام إلا من جهة أن يضر كالسم وما أشبهه فما دخل في الدواء من ذوات الأرواح فكان محرم المأكول فلا يحل وما لم يكن محرم المأكول فلا بأس .
باب السلف في اللؤلؤ وغيره من متاع أصحاب الجوهر .

( قال الشافعي ) : رحمه الله : ولا يجوز عندي السلف في اللؤلؤ ، ولا في الزبرجد ، ولا في الياقوت ، ولا في شيء من الحجارة التي تكون حليا من قبل أني لو قلت سلفت في لؤلؤة مدحرجة صافية وزنها كذا وكذا وصفتها مستطيلة ووزنها كذا كان الوزن في اللؤلؤة مع هذه الصفة تستوي صفاته وتتباين ; لأن منه ما يكون أثقل من غيره فيتفاضل بالثقل والجودة وكذلك الياقوت وغيره فإذا كان هكذا فيما يوزن كان اختلافه لو لم يوزن في اسم الصغير والكبير أشد اختلافا ولو لم أفسده من قبل للصفاء ، وإن تباين وأعطيته أقل ما يقع عليه اسم الصفاء أفسد من حيث وصفت ; لأن بعضه أثقل من بعض فتكون الثقيلة الوزن بينا وهي صغيرة وأخرى أخف منها وزنا بمثل وزنها وهي كبيرة فيتباينان في الثمن تباينا متفاوتا ، ولا أضبط أن أصفها بالعظم أبدا إذا لم توزن ; لأن اسم العظم لا يضبط إذا لم يكن معه وزن فلما تباين اختلافهما بالوزن كان اختلافهما غير موزونين أشد تباينا . والله تعالى أعلم .
باب السلف في التبر غير الذهب والفضة .

( قال الشافعي ) : رحمه الله : ولا بأس أن يسلف ذهبا أو فضة أو عرضا من العروض ما كان في تبر نحاس أو حديد أو آنك بوزن معلوم وصفة معلومة والقول فيه كله كالقول فيما وصفت من الإسلاف فيه إن كان في الجنس منه شيء يتباين في ألوانه فيكون صنف أبيض وآخر أحمر وصف اللون الذي سلف فيه وكذلك إن كان يتباين في اللون في أجناسه وكذلك إن كان يتباين في لينه وقسوته وكذلك إن كان يتباين في خلاصه وغير خلاصه لم يجز أن يترك من هذه الصفة شيئا إلا وصفه فإن ترك منه شيئا واحدا فسد السلف وكذلك إن ترك أن يقول جيدا أو رديئا فسد السلف وهكذا ، هذا في الحديد والرصاص والآنك والزاووق فإن الزاووق يختلف مع هذا في رقته وثخانته يوصف ذلك وكل صنف منه اختلف في شيء في غيره وصف حيث يختلف كما قلنا في الأمر الأول وهكذا هذا في الزرنيخ وغيره وجميع ما يوزن مما يقع عليه اسم الصنف من الشب والكبريت وحجارة الأكحال وغيرها القول فيها قول واحد كالقول في السلف فيما قبلها وبعدها
[ ص: 118 ] باب السلف في صمغ الشجر

( قال الشافعي ) : رحمه الله : وهكذا السلف في اللبان والمصطكى والغراء وصمغ الشجر كله ما كان منه من شجرة واحدة كاللبان وصف بالبياض وأنه غير ذكر فإن كان منه شيء يعرفه أهل العلم به يقولون له ذكر إذا مضغ فسد وما كان منه من شجر شتى مثل الغراء وصف شجره وما تباين منه ، وإن كان من شجرة واحدة وصف كما وصفت في اللبان وليس في صغير هذا وكبيره تباين يوصف بالوزن وليس على صاحبه أن يوزن له فيه قرفة أو في شجرة مقلوعة مع الصمغة لا توزن له الصمغة إلا محضة .
باب الطين الأرمني وطين البحيرة والمختوم :

( قال الشافعي ) : رحمه الله : وقد رأيت طينا يزعم أهل العلم به أنه طين أرمني ومن موضع منها معروف وطين يقال له طين البحيرة والمختوم ويدخلان معا في الأدوية وسمعت من يدعي العلم بهما يزعم أنهما يغشان بطين غيرهما لا ينفع منفعتهما ، ولا يقع موقعهما ، ولا يسوي مائة رطل منه رطلا من واحد منهما طينا عندنا بالحجاز من طين الحجاز يشبه الطين الذي رأيتهم يقولون : إنه أرمني .

( قال الشافعي ) : فإن كان مما رأيت ما يختلط على المخلص بينه وبين ما سمعت ممن يدعي من أهل العلم به فلا يخلص فلا يجوز السلف فيه بحال ، وإن كان يوجد عدلان من المسلمين يخلصان معرفته بشيء يبين لهما جاز السلف فيه وكان كما وصفنا مما يسلف فيه من الأدوية والقول فيه كالقول في غيره إن تباين بلون أو جنس أو بلد لم يجز السلف فيه حتى يوصف لونه وجنسه ويوصف بوزن معلوم .
باب بيع الحيوان والسلف فيه

( قال الشافعي ) : رحمه الله : أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي رافع { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استسلف بكرا فجاءته إبل من الصدقة فقال أبو رافع فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقضي الرجل بكره فقلت يا رسول الله إني لم أجد في الإبل إلا جملا خيارا رباعيا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطه إياه فإن خيار الناس أحسنهم قضاء } ( قال الشافعي ) : أخبرنا الثقة عن سفيان الثوري عن سلمة بن كهل عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل معناه ( قال الشافعي ) : فهذا الحديث الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وبه آخذ وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضمن بعيرا بصفة وفي هذا ما دل على أنه يجوز أنه يضمن الحيوان كله بصفة في السلف وفي بيع بعضه ببعض وكل أمر لزم فيه الحيوان بصفة وجنس وسن فكالدنانير بصفة وضرب ووزن وكالطعام بصفة وكيل وفيه دليل على أنه لا بأس أن يقضي أفضل مما عليه متطوعا من غير شرط وفيه أحاديث سوى هذا ( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا الثقة يحيى بن حسان عن الليث بن سعد عن أبي الزبير عن جابر قال { جاء عبد فبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الهجرة ولم يسمع أنه عبد فجاء سيده يريده فقال النبي صلى الله عليه وسلم بعه فاشتراه بعبدين أسودين ثم لم يبايع أحدا بعده حتى يسأله : أعبد هو أم حر } ( قال ) : وبهذا نأخذ وهو إجازة عبد بعبدين وإجازة أن .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #124  
قديم 17-05-2022, 04:00 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله




كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثالث -
كتاب البيوع
الحلقة (124)
صــــــــــ 119 الى صـــــــــــ124


يدفع ثمن شيء في يده فيكون كقبضه ( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أن عبد الكريم الجزري أخبره أن زياد بن أبي مريم مولى عثمان بن عفان أخبره { أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث مصدقا له فجاءه بظهر مسان فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم قال هلكت وأهلكت فقال يا رسول الله : إني كنت أبيع البكرين والثلاثة بالبعير المسن يدا بيد وعلمت من حاجة النبي صلى الله عليه وسلم إلى الظهر فقال النبي صلى الله عليه وسلم فذاك إذن } ( قال الشافعي ) : وهذا منقطع لا يثبت مثله وإنما كتبناه أن الثقة أخبرنا عن عبد الله بن عمر بن حفص أو أخبرنيه عبد الله بن عمر بن حفص .

( قال الشافعي ) : قول النبي صلى الله عليه وسلم { إن كان قال هلكت وأهلكت أثمت وأهلكت أموال الناس } يعني أخذت منهم ما ليس عليهم وقوله { عرفت حاجة النبي صلى الله عليه وسلم إلى الظهر } يعني ما يعطيه أهل الصدقة في سبيل الله ويعطى ابن السبيل منهم وغيرهم من أهل السهمان عند نزول الحاجة بهم إليها والله تعالى أعلم .

( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن عيينة عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس أنه سئل عن بعير ببعيرين فقال قد يكون بعير خيرا من بعيرين .

( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن صالح بن كيسان عن الحسن بن محمد بن علي أن علي بن أبي طالب باع جملا له يدعى عصيفير بعشرين بعيرا إلى أجل .

( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه اشترى راحلة بأربعة أبعرة مضمونة عليه يوفيها صاحبها بالربذة .

( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك أنه سأل ابن شهاب عن بيع الحيوان اثنين بواحد إلى أجل ؟ فقال لا بأس به ( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أنه قال لا ربا في الحيوان وإنما نهي من الحيوان عن ثلاث عن المضامين والملاقيح وحبل الحبلة والمضامين ما في ظهور الجمال والملاقيح ما في بطون الإناث وحبل الحبلة بيع كان أهل الجاهلية يتبايعونه كان الرجل يبتاع الجزور إلى أن تنتج الناقة ثم ينتج ما في بطنها .

( قال الشافعي ) : وما نهي عنه من هذا كما نهي عنه والله أعلم وهذا لا بيع عين ، ولا صفة ومن بيوع الغرر ، ولا يحل وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه { نهى عن بيع حبل الحبلة } وهو موضوع في غير هذا الموضع ( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء أنه قال وليبتع البعير بالبعيرين يدا بيد وعلى أحدهما زيادة ورق والورق نسيئة قال وبهذا كله أقول ، ولا بأس أن يسلف الرجل في الإبل وجميع الحيوان بسن وصفة وأجل كما يسلف في الطعام ، ولا بأس أن يبيع الرجل البعير بالبعيرين مثله أو أكثر يدا بيد وإلى أجل وبعيرا ببعيرين وزيادة دراهم يدا بيد ونسيئة إذا كانت إحدى البيعتين كلها نقدا أو كلها نسيئة .

ولا يكون في الصفقة نقد ونسيئة لا أبالي أي ذلك كان نقدا ، ولا أنه كان نسيئة ، ولا يقارب البعير ، ولا يباعده ; لأنه ربا في حيوان بحيوان استدلالا بأنه مما أبيح من البيوع ولم يحرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه خارج من معنى ما حرم مخصوص فيه بالتحليل ومن بعده ممن ذكرنا وسكتنا عن ذكره ( قال ) : وإنما كرهت في التسليم أن تكون إحدى البيعتين مبعضة بعضها نقد وبعضها نسيئة ; لأني لو أسلفت بعيرين أحدا للذين أسلفت نقدا والآخر نسيئة في بعيرين نسيئة كان في البيعة دين بدين ولو أسلفت بعيرين نقدا في بعيرين نسيئة إلى أجلين . [ ص: 120 ] مختلفين

كانت قيمة البعيرين المختلفين إلى الأجل مجهولة من قيمة البعيرين النقد ; لأنهما لو كانا على صفة واحدة كان المستأخر منهما أقل قيمة من المتقدم قبله فوقعت البيعة المؤخرة لا تعرف حصة ما لكل واحد من البعيرين منهما وهكذا لا يسلم دنانير في شيء إلى أجلين في صفقة واحدة وكذلك بعير بعشرين بعيرا يدا بيد ونسيئة لا ربا في الحيوان ، ولا بأس أن يصدق الحيوان ويصالح عليه ويكاتب عليه والحيوان بصفة وسن كالدنانير والدراهم والطعام لا يخالفه كل ما جاز ثمنا من هذا بصفة أو كيل أو وزن جاز الحيوان فيه بصفة وسن ويسلف الحيوان في الكيل والوزن والدنانير والدراهم ، والعروض كلها من الحيوان من صنفه وغير صنفه إلى أجل معلوم ويباع بها يدا بيد لا ربا فيها كلها ، ولا ينهى من بيعه عن شيء بعقد صحيح إلا بيع اللحم بالحيوان اتباعا دون ما سواه .

( قال ) : وكل ما لم يكن في التبايع به ربا في زيادته في عاجل أو آجل فلا بأس أن يسلف بعضه في بعض من جنس وأجناس وفي غيره مما تحل فيه الزيادة . والله أعلم .
باب صفات الحيوان إذا كانت دينا

( قال الشافعي ) : رحمه الله : إذا سلف رجل في بعير لم يجز السلف فيه إلا بأن يقول : من نعم بني فلان كما يقول ثوب مروي وتمر بردي وحنطة مصرية لاختلاف أجناس البلاد واختلاف الثياب والتمر والحنطة ويقول رباعي أو سداسي أو بازل أو أي سن أسلف فيها فيكون السن إذا كان من حيوان معروفا فيما يسمى من الحيوان كالذرع فيما يذرع من الثياب والكيل فيما يكال من الطعام ; لأن هذا أقرب الأشياء من أن يحاط به فيه كما الكيل والذرع أقرب الأشياء في الطعام والثوب من أن يحاط به فيه ويقول لونه كذا ; لأنها تتفاضل في الألوان وصفة الألوان في الحيوان كصفة وشي الثوب ولون الخز والقز والحرير وكل يوصف بما أمكن فيه من أقرب الأشياء بالإحاطة به فيه ويقول ذكر أو أنثى لاختلاف الذكر والأنثى فإن ترك واحدا من هذا فسد السلف في الحيوان .

( قال ) : وأحب إلي أن يقول نقي من العيوب ، وإن لم يقله لم يكن له عيب وأن يقول جسيما فيكون له أقل ما يقع عليه اسم صفة الجسيم ، وإن لم يقله لم يكن له مودن ; لأن الإيدان عيب وليس له مرض ، ولا عيب ، وإن لم يشترطه ( قال ) : وإن اختلف نعم بني فلان كان له أقل ما يقع عليه صفة من أي نعمهم شاء فإن زادوه فهم متطوعون بالفضل وقد قيل إذا تباين نعمهم فسد السلف إلا بأن يوصف جنس من نعمهم ( قال ) : والحيوان كله مثل الإبل لا يجزئ في شيء منه إلا ما أجزأ في الإبل ( قال ) : وإن كان السلف في خيل أجزأ فيها ما أجزأ في الإبل وأحب إن كان السلف في الفرس أن يصف شيته مع لونه فإن لم يفعل فله اللون بهيما ، وإن كان له شية فهو بالخيار في أخذها وتركها والبائع بالخيار في تسليمها وإعطائه اللون بهيما .

( قال الشافعي ) : رحمه الله : وهكذا . هذا في ألوان الغنم إن وصف لونها وصفتها غرا أو كدرا وبما يعرف به اللون الذي يريد من الغنم ، وإن تركه فله اللون الذي يصف جملته بهيما وهكذا جميع الماشية حمرها وبغالها وبراذينها وغيرها مما يباع فعلى هذا ، هذا الباب كله وقياسه وهكذا ، هذا في العبيد والإماء يصف أسنانهن بالسنين وألوانهن وأجناسهن وتحليتهن بالجعودة والسبوطة .

( قال ) : وإن أتى على السن واللون والجنس أجزأه ، وإن ترك واحدا من هذا فسد السلف والقول في هذا وفي الجواري والعبيد كالقول فيما قبله والتحلية أحب إلي ، وإن لم يفعل فليس له عيب كما لا يكون له في البيع عيب إلا أنهما يختلفان في خصلة إن جعدت له .

[ ص: 121 ] وقد اشتراها نقدا بغير صفة كان بالخيار في ردها إذا علم أنها سبطة ; لأنه اشتراها على أنه يرى أنها جعدة والجعدة أكثر ثمنا من السبطة ولو اشتراها سبطة ثم جعدت ثم دفعت إلى المسلف لم يكن له ردها ; لأنها تلزمه سبطة ; لأن السبوطة ليست بعيب ترد منه إنما في تقصير عن حسن أقل من تقصيرها بخلاف الحسن عن الحسن والحلاوة عن الحلاوة .

( قال ) : ولا خير في أن يسلم في جارية بصفة على أن يوفاها وهي حبلى ، ولا في ذات رحم من الحيوان على ذلك من قبل أن الحمل ما لا يعلمه إلا الله وأنه شرط فيها ليس فيها وهو شراء ما لا يعرف وشراؤه في بطن أمه لا يجوز ; لأنه لا يعرف ، ولا يدري أيكون أم لا ، ولا خير في أن يسلف في ناقة بصفة ومعها ولدها موصوفا ، ولا في وليدة ، ولا في ذات رحم من حيوان كذلك ( قال ) : ولكن إن أسلف في وليدة أو ناقة أو ذات رحم من الحيوان بصفة ووصف بصفة ولم يقل ابنها أو ولد ناقة أو شاة ولم يقل ولد الشاة التي أعطاها جاز وسواء أسلفت في صغير أو كبير موصوفين بصفة وسن تجمعهما أو كبيرين كذلك ( قال ) : وإنما أجزته في أمة ووصيف يصفه لما وصفت من أنه يسلم في اثنين وكرهت أن يقال ابنها ، وإن كان موصوفا ; لأنها قد تلد ، ولا تلد وتأتي على تلك الصفة ، ولا تأتي وكرهته لو قال معها ابنها ، وإن لم يوصف ; لأنه شراء عين بغير صفة وشيء غير مضمون على صاحبه ألا ترى أني لا أجيز أن أسلف في أولادها سنة ; لأنها قد تلد ، ولا تلد ويقل ولدها ويكثر والسلف في هذا الموضع يخالف بيع الأعيان .

( قال ) : ولو سلف في ناقة موصوفة أو ماشية أو عبد موصوف على أنه خباز أو جارية موصوفة على أنها ماشطة كان السلف صحيحا وكان له أدنى ما يقع عليه اسم المشط وأدنى ما يقع عليه اسم الخبز إلا أن يكون ما وصفت غير موجود بالبلد الذي يسلف فيه بحال فلا يجوز .

( قال ) : ولو سلف في ذات در على أنها لبون كان فيها قولان أحدهما أنه جائز ، وإذا وقع عليها أنها لبون كانت له كما قلنا في المسائل قبلها ، وإن تفاضل اللبن كما يتفاضل المشي والعمل والثاني لا يجوز من قبل أنها شاة بلبن ; لأن شرطه ابتياع له واللبن يتميز منها ، ولا يكون بتصرفها إنما هو شيء يخلقه الله عز وجل فيها كما يحدث فيها البعر وغيره فإذا وقعت على هذا صفة المسلف كان فاسدا كما يفسد أن يقول أسلفك في ناقة يصفها ولبن معها غير مكيل ، ولا موصوف وكما لا يجوز أن أسلفك في وليدة حبلى وهذا أشبه القولين بالقياس والله أعلم ( قال ) : والسلف في الحيوان كله وبيعه بغيره وبعضه ببعض هكذا لا يختلف مرتفعهم وغير مرتفعهم والإبل والبقر والغنم والخيل والدواب كلها وما كان موجودا من الوحش منها في أيدي الناس مما يحل بيعه سواء كله ويسلف كله بصفة إلا الإناث من النساء فإنا نكره سلفهن دون ما سواهن من الحيوان .

ولا نكره أن يسلف فيهن إنما نكره أن يسلفن وإلا الكلب والخنزير فإنهما لا يباعان بدين ، ولا عين .

( قال ) : وما لم ينفع من السباع فهو مكتوب في غير هذا الموضع وكل ما لم يحل بيعه لا يحل السلف فيه والسلف بيع ( قال ) : وكل ما أسلفت من حيوان وغيره وشرطت معه غيره فإن كان المشروط معه موصوفا يحل فيه السلف على الانفراد جاز فكنت إنما أسلفت فيه وفي الموصوف معه ، وإن لم يكن يجوز السلف فيه على الانفراد فسد السلف ، ولا يجوز أن يسلف في حيوان موصوف من حيوان رجل بعينه أو بلد بعينه ولإنتاج ماشية رجل بعينه ، ولا يجوز أن يسلف فيه إلا فيما لا ينقطع من أيدي الناس كما قلنا في الطعام وغيره .

( قال الربيع ) : ( قال الشافعي ) : ولا يجوز أن أقرضك جارية ويجوز أن أقرضك كل .

[ ص: 122 ] شيء سواها من دراهم ودنانير ; لأن الفروج تحاط بأكثر مما يحاط به غيرها فلما كنت إذا أسلفتك جارية كان لي نزعها منك لأني لم آخذ منك فيها عوضا لم يكن لك أن تطأ جارية لي نزعها منك . والله أعلم .
باب الاختلاف في أن يكون الحيوان نسيئة أو يصلح منه اثنان بواحد

( قال الشافعي ) : رحمه الله فخالفنا بعض الناس في الحيوان فقال لا يجوز أن يكون الحيوان نسيئة أبدا قال وكيف أجزتم أن جعلتم الحيوان دينا وهو غير مكيل ، ولا موزون والصفة تقع على العبدين وبينهما دنانير وعلى البعيرين وبينهما تفاوت في الثمن ؟ قال نقلناه قلنا بأولى الأمور بنا أن نقول به بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في استسلافه بعيرا وقضائه إياه والقياس على ما سواها من سنته ولم يختلف أهل العلم فيه ( قال ) : فاذكر ذلك قلت أما السنة النص ، فإنه استسلف بعيرا وأما السنة التي استدللنا بها فإنه قضى بالدية مائة من الإبل ولم أعلم المسلمين اختلفوا أنها بأسنان معروفة وفي مضي ثلاث سنين وأنه صلى الله عليه وسلم افتدى كل من لم يطب عنه نفسا من قسم له من سبي هوازن بإبل سماها ست أو خمس إلى أجل .

( قال ) : أما هذا فلا أعرفه قلنا : فما أكثر ما لا تعرفه من العلم ، قال : أفثابت ؟ قلت نعم ولم يحضرني إسناده قال ولم أعرف الدية من السنة قلت وتعرف مما لا تخالفنا فيه أن يكاتب الرجل على الوصفاء بصفة وأن يصدق الرجل المرأة العبيد والإبل بصفة ؟ قال نعم وقال : ولكن الدية تلزم بغير أعيانها .

قلت وكذلك الدية من الذهب تلزم بغير أعيانها ولكن نقد البلاد ووزن معلوم غير مردود فكذلك تلزم الإبل إبل العاقلة وسن معلومة وغير معيبة ولو أراد أن ينقص من أسنانها سنا لم تجز فلا أراك إلا حكمت بها مؤقتة وأجزت فيها أن تكون دينا وكذلك أجزت في صداق النساء لوقت وصفة وفي الكتابة لوقت وصفة ولو لم يكن روينا فيه شيئا إلا ما جامعتنا عليه من أن الحيوان يكون دينا في هذه المواضع الثلاث أما كنت محجوجا بقولك لا يكون الحيوان دينا وكانت علتك فيه زائلة ؟ .

( قال ) : وإن النكاح يكون بغير مهر ؟ قلت له فلم تجعل فيه مهر مثل المرأة إذا أصيبت وتجعل الإصابة كالاستهلاك في السلعة في البيع الفاسد تجعل فيه قيمته ؟ قال فإنما كرهنا السلم في الحيوان ; لأن ابن مسعود كرهه قلنا يخالف السلم سلفه أو البيع به أم هما شيء واحد ؟ .

قال بل كل ذلك واحد إذا جاز أن يكون دينا في حال جاز أن يكون دينا في كل حال قلت قد جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم دينا في السلف والدية ولم تخالفنا في أنه يكون في موضعين آخرين دينا في الصداق والكتابة فإن قلت ليس بين العبد وسيده ربا قلت أيجوز أن يكاتبه على حكم السيد وعلى أن يعطيه ثمرة لم يبد صلاحها وعلى أن يعطيه ابنه المولود معه في كتابته كما يجوز لو كان عبدا له ويكون للسيد يأخذ ماله ؟ قال ما حكمه حكم العبيد قلنا فقلما نراك تحتج بشيء إلا تركته والله المستعان وما نراك أجزت في الكتابة إلا ما أجزت في البيوع فكيف أجزت في الكتابة أن يكون الحيوان نسيئة ولم تجزه في السلف فيه ؟ أرأيت لو كان ثابتا عن ابن مسعود أنه كره السلم في الحيوان غير مختلف عنه فيه والسلم عندك إذا كان دينا كما وصفنا من إسلافه وغير ذلك أكان يكون في أحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجماع الناس حجة ؟ قال لا قلت فقد جعلته حجة على ذلك متظاهرا متأكدا في غير موضع وأنت تزعم في أصل قولك أنه ليس بثابت عنه قال ومن أين ؟ قلت وهو منقطع عنه ويزعم الشعبي الذي هو أكبر من الذي روي عنه كراهته أنه إنما أسلف .

[ ص: 123 ] له في لقاح فحل إبل بعينه وهذا مكروه عندنا وعند كل أحد هذا بيع الملاقيح والمضامين أو هما وقلت لمحمد بن الحسن أنت أخبرتني عن أبي يوسف عن عطاء بن السائب عن أبي البحتري أن بني عم لعثمان أتوا واديا فصنعوا شيئا في إبل رجل قطعوا به لبن إبله وقتلوا فصالها فأتى عثمان وعنده ابن مسعود فرضي بحكم ابن مسعود فحكم أن يعطي بواديه إبلا مثل إبله وفصالا مثل فصاله فأنفذ ذلك عثمان فيروى عن ابن مسعود أنه يقضي في حيوان بحيوان مثله دينا ; لأنه إذا قضي به بالمدينة وأعطيه بواديه كان دينا ويزيد أن يروي عن عثمان أنه يقول بقوله وأنتم تروون عن المسعودي عن القاسم بن عبد الرحمن قال أسلم لعبد الله بن مسعود في وصفاء أحدهم أبو زائدة مولانا فلو اختلف قول ابن مسعود فيه عندك فأخذ رجل ببعضه دون بعض ألم يكن له ؟ قال بلى قلت ولو لم يكن فيه غير اختلاف قول ابن مسعود ؟ قال نعم قلت فلم خالفت ابن مسعود ومعه عثمان ومعنى السنة والإجماع ؟ قال فقال منهم قائل فلو زعمت أنه لا يجوز السلم فيه ويجوز إسلامه وأن يكون دية وكتابة ومهرا وبعيرا ببعيرين نسيئة قلت فقله إن شئت قال فإن قلته ؟ قلت يكون أصل قولك لا يكون الحيوان دينا خطأ بحاله قال فإن انتقلت عنه ؟ قلت فأنتم تروون عن ابن عباس أنه أجاز السلم في الحيوان وعن رجل آخر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال إنا لنرويه قلت فإن ذهب رجل إلى قولهما أو قول أحدهما دون قول ابن مسعود أيجوز له ؟ قال نعم قلت فإن كان مع قولهما أو قول أحدهما القياس على السنة والإجماع ؟ قال فذلك أولى أن يقال به قلت أفتجد مع من أجاز السلم في الحيوان القياس فيما وصفت ؟ قال نعم وما دريت لأي معنى تركه أصحابنا قلت أفترجع إلى إجازته ؟ قال أقف فيه قلت فيعذر غيرك في الوقف عما بان له ؟ ( قال ) : ورجع بعضهم ممن كان يقول قولهم من أهل الآثار إلى إجازته وقد كان يبطله ( قال الشافعي ) : قال محمد بن الحسن فإن صاحبنا قال إنه يدخل عليكم خصلة تتركون فيها أصل قولكم إنكم لم تجيزوا استسلاف الولائد خاصة وأجزتم بيعهن بدين والسلف فيهن قال قلت أرأيت لو تركنا قولنا في خصلة واحدة ولزمناه في كل شيء أكنا معذورين ؟ قال لا قلت ; لأن ذلك خطأ ؟ قال نعم قلت فمن أخطأ قليلا أمثل حالا أم أخطأ كثيرا ؟ قال بل من أخطأ قليلا ، ولا عذر له قلت فأنت تقر بخطأ كثير وتأبى أن تنتقل عنه ونحن لم نخطئ أصل قولنا إنما فرقنا بينه بما تتفرق الأحكام عندنا وعندك بأقل منه قال فاذكره قلت أرأيت إذا اشتريت منك جارية موصوفة بدين أملكت عليك إلا الصفة ؟ ولو كانت عندك مائة من تلك الصفة لم تكن في واحدة منهن بعينها وكان لك أن تعطي أيتهن شئت فإذا فعلت فقد ملكتها حينئذ ؟ قال نعم قلت ، ولا يكون لك أخذها مني كما لا يكون لك أخذها لو بعتها مكانك وانتقدت ثمنها ؟ قال نعم وكل بيع بيع بثمن ملك هكذا قال : نعم قلت : أفرأيت إذا أسلفتك جارية إلى أخذها منك بعدما قبضتها من ساعتي وفي كل ساعة ؟ قال نعم قلت فلك أن تطأ جارية متى شئت أخذتها أو استبرأتها ووطئتها ؟ قال فما فرق بينها وبين غيرها ؟ قلت الوطء قال فإن فيها لمعنى في الوطء ما هو في رجل ، ولا في شيء من البهائم قلت فبذلك المعنى فرقت بينهما ؟ قال فلم لم يجز له أن يسلفها فإن وطئها لم يردها ورد مثلها ؟ قلت أيجوز أن أسلفك شيئا ثم يكون لك أن تمنعني منه ولم يفت قال لا قلت فكيف تجيز إن وطئها أن لا يكون لي عليها سبيل وهي غير فائتة ، ولو جاز لم يصح فيه قول ؟ قال وكيف إن أجزته لا يصح فيه قول ؟ قلت : لأني إذا سلطته على إسلافها فقد أبحت فرجها للذي سلفها فإن لم يطأها حتى يأخذها السيد أبحته للسيد فكان الفرج حلالا لرجل ثم حرم عليه بلا إخراج له من ملكه ، ولا تمليكه رقبة الجارية غيره ، ولا طلاق ( أخبرنا الربيع ) : قال .

( قال الشافعي ) : وكل فرج حل فإنما يحرم بطلاق أو إخراج ما ملكه إلى [ ص: 124 ] ملك غيره أو أمور ليس المستسلف في واحد منها قال أفتوضحه بغير هذا مما نعرفه ؟ قلت نعم قياسا على أن السنة فرقت بينه قال فاذكره قلت أرأيت المرأة نهيت أن تسافر إلا مع ذي رحم محرم ونهيت أن يخلو بها رجل وليس معها ذو محرم ونهيت عن الحلال لها من التزويج إلا بولي ؟ قال نعم قلت أفتعرف في هذا معنى نهيت له إلا ما خلق في الآدميين من الشهوة للنساء وفي الآدميات من الشهوة للرجال فحيط في ذلك لئلا ينسب إلى المحرم منه ، ثم حيط في الحلال منه لئلا ينسب إلى ترك الحظ فيه أو الدلسة ؟ قال ما فيه معنى إلا هذا أو في معناه قلت أفتجد إناث البهائم في شيء من هذه المعاني أو ذكور الرجال أو البهائم من الحيوان ؟ قال لا قلت فبان لك فرق الكتاب والسنة بينهن وأنه إنما نهي عنه للحياطة لما خلق فيهن من الشهوة لهن ؟ قال نعم قلت فبهذا فرقنا وغيره مما في هذا كفاية منه إن شاء الله تعالى ، قال أفتقول بالذريعة ؟ قلت لا ، ولا معنى في الذريعة إنما المعنى في الاستدلال بالخبر اللازم أو القياس عليه أو المعقول .
باب السلف في الثياب

( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي ، قال أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أنه سئل ابن شهاب عن ثوب بثوبين نسيئة فقال لا بأس به ولم أعلم أحدا يكرهه ( قال الشافعي ) : وما حكيت من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل على أهل نجران ثيابا معروفة عند أهل العلم بمكة ونجران ، ولا أعلم خلافا في أنه يحل أن يسلم في الثياب بصفة ، قال والصفات في الثياب التي لا يستغنى عنها ، ولا يجوز السلف حتى تجمع أن يقول لك الرجل أسلم إليك في ثوب مروي أو هروي أو رازي أو بلخي أو بغدادي طوله كذا وعرضه كذا صفيقا دقيقا أو رقيقا فإذا جاء به على أدنى ما تلزمه هذه الصفة لزمه وهو متطوع بالفضل في الجودة إذا لزمتها الصفة وإنما قلت دقيقا ; لأن أقل ما يقع عليه اسم الدقة غير متباين الخلاف في أدق منه وأدق منه زيادة في فضل الثوب ولم أقل صفيقا مرسلة ; لأن اسم الصفاقة قد يقع على الثوب الدقيق والغليظ فيكون إن أعطاه غليظا أعطاه شرا من دقيق ، وإن أعطاه دقيقا أعطاه شرا من غليظ وكلاهما يلزمه اسم الصفاقة قال وهو كما وصفت في الأبواب قبله إذا ألزم أدنى ما يقع عليه الاسم من الشرط شيئا وكان يقع الاسم على شيء مخالف له هو خير منه لزم المشتري ; لأن الخير زيادة يتطوع بها البائع ، وإذا كان يقع على ما هو شر منه لم يلزمه ; لأن الشر نقص لا يرضى به المشتري ( قال ) : فإن شرطه صفيقا ثخينا لم يكن له أن يعطيه دقيقا ، وإن كان خيرا منه ; لأن في الثياب علة أن الصفيق الثخين يكون أدفأ في البرد وأكن في الحر وربما كان أبقى فهذه علة تنقصه ، وإن كان ثمن الأدق أكثر فهو غير الذي أسلف فيه وشرط لحاجته ( أخبرنا الربيع ) : قال ( قال الشافعي ) : وإن أسلم في ثياب بلد بها ثياب مختلفة الغزل والعمل يعرف كلها باسم سوى اسم صاحبه لم يجز السلف حتى يصف فيه ما وصفت قبل ويقول ثوب كذا وكذا من ثياب بلد كذا ومتى ترك من هذا شيئا لم يجز السلف ; لأنه بيع مغيب غير موصوف كما لا يجوز في التمر حتى يسمى جنسه ( قال ) : وكل ما أسلم فيه من أجناس الثياب هكذا كله إن كان وشيا نسبه يوسفيا أو نجرانيا أو فارعا أو باسمه الذي يعرف به ، وإن كان غير وشي من العصب والحبرات وما أشبهه ، وصفه ثوب حبرة من عمل بلد كذا دقيق البيوت ، أو متركا مسلسلا أو صفته أو جنسه الذي هو جنسه وبلده فإن اختلف عمل ذلك البلد قال من عمل كذا للعمل الذي .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #125  
قديم 17-05-2022, 04:03 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثالث -
كتاب البيوع
الحلقة (125)
صــــــــــ 125 الى صـــــــــــ130



يعرف به لا يجزئ في السلم دونه وكذلك في ثياب القطن كما وصفت في العصب قبلها وكذلك البياض والحرير والطيالسة والصوف كله والإبريسم وإذا عمل الثوب من قز أو من كتان أو من قطن وصفه ، وإن لم يصف غزله إذا عمل من غزول مختلفة أو من كرسف مروي أو من كرسف خشن لم يصح ، وإن كان إنما يعمل من صنف واحد ببلده الذي سلف فيه لم يضره أن لا يصف غزله إذا وصف الدقة والعمل والذرع وقال في كل ما يسلم فيه جيد أو رديء ولزمه كل ما يقع عليه اسم الجودة أو الرداءة أو الصفة التي يشترط قال ، وإن سلف في وشي لم يجز حتى يكون للوشي صفة يعرفها أهل العدل من أهل العلم ، ولا خير في أن يريه خرقة ويتواضعانها على يد عدل يوفيه الوشي عليها إذا لم يكن الوشي معروفا كما وصفت ; لأن الخرقة قد تهلك فلا يعرف الوشي . .
باب السلف في الأهب والجلود

( قال الشافعي ) : رحمه الله : ولا يجوز السلف في جلود الإبل ، ولا البقر ، ولا أهب الغنم ، ولا جلد ، ولا إهاب من رق ، ولا غيره ، ولا يباع إلا منظورا إليه قال وذلك أنه لم يجز لنا أن نقيسه على الثياب ; لأنا لو قسناه عليها لم يحل إلا مذروعا مع صفته وليس يمكن فيه الذرع لاختلاف خلقته عن أن يضبط بذرع بحال ولو ذهبنا نقيسه على ما أجزنا من الحيوان بصفة لم يصح لنا وذلك أنا إنما نجيز السلف في بعير من نعم بني فلان ثني أو جذع موصوف فيكون هذا فيه كالذرع في الثوب ويقول رباع وبازل وهو في كل سن من هذه الأسنان أعظم منه في السن قبله حتى يتناهى عظمه وذلك معروف مضبوط كما يضبط الذرع وهذا لا يمكن في الجلود لا يقدر على أن يقال جلد بقرة ثنية أو رباع ، ولا شاة كذلك ، ولا يتميز فيقال بقرة من نتاج بلد كذا ; لأن النتاج يختلف في العظم فلما لم يكن الجلد يوقع على معرفته كما يوقع على معرفة ما كان قائما من الحيوان فيعرف بصفة نتاج بلده عظمه من صغره خالفت الجلود الحيوان في هذا وفي أن من الحيوان ما يكون السن منه أصغر من السن مثله والأصغر خير عند التجار فيكون أمشى وأحمل ما كانت فيه الحياة فيشتري البعير بعشرين بعيرا أو أكثر كلها أعظم منه لفضل التجار للمشي ويدرك بذلك صفته وجنسه وليس هذا في الجلود هكذا الجلود لا حياة فيها وإنما تفاضلها في ثخانتها وسعتها وصلابتها ومواضع منها فلما لم نجد خبرا نتبعه ، ولا قياسا على شيء مما أجزنا السلف فيه لم يجز أن نجيز السلف فيه والله تعالى أعلم . ورأيناه لما لم يوقف على حده فيها رددنا السلم فيه ولم نجزه نسيئة وذلك أن ما بيع نسيئة لم يجز إلا معلوما وهذا لا يكون معلوما بصفة بحال .
باب السلف في القراطيس

( قال الشافعي ) : رحمه الله : إن كانت القراطيس - تعرف بصفة كما تعرف الثياب بصفة وذرع وطول وعرض وجودة ورقة وغلظ واستواء صنعة أسلف فيها على هذه الصفة ، ولا يجوز حتى تستجمع هذه الصفات كلها ، وإن كانت تختلف في قرى أو رساتيق لم يجز حتى يقال صنعة قرية كذا أو كورة كذا أو رستاق كذا فإن ترك من هذا شيئا لم يجز السلف فيه والقول فيها كالقول فيما أجزنا فيه السلف غيرها ، وإن .

[ ص: 126 ] كانت لا تضبط بهذا فلا خير في السلف فيها ، ولا أحسبها بهذا إلا مضبوطة أو ضبطها أصح من ضبط الثياب أو مثله .
باب السلف في الخشب ذرعا

( قال الشافعي ) : رحمه الله : من سلف في خشب الساج فقال ساج سمح طول الخشبة منه كذا وغلظها كذا وكذا ولونها كذا فهذا جائز ، وإن ترك من هذا شيئا لم يجز وإنما أجزنا هذا لاستواء نبتته وأن طرفيه لا يقربان وسطه ، ولا جميع ما بين طرفيه من نبتته ، وإن اختلف طرفاه تقاربا ، وإذا شرط له غلظا فجاءه بأحد الطرفين على الغلظ والآخر أكثر فهو متطوع بالفضل ، ولزم المشتري أخذه ، فإن جاء به ناقصا من طول ، أو ناقص أحد الطرفين من غلظ لم يلزمه ; لأن هذا نقص من حقه ( قال ) : وكل ما استوت نبتته حتى يكون ما بين طرفيه منه ليس بأدق من طرفيه وأحدهما من السمح أو تربع رأسه فأمكن الذرع فيه أو تدور تدورا مستويا فأمكن الذرع فيه وشرط فيه ما وصفت في الساج جاز السلف فيه وسمى جنسه فإن كان منه جنس يختلف فيكون بعضه خيرا من بعض مثل الدوم فإن الخشبة منه تكون خيرا من الخشب مثلها للحسن لم يستغن عن أن يسمى جنسه كما لا يستغنى أن يسمى جنس الثياب فإن ترك تسمية جنسه فسد السلف فيه وما لم يختلف أجزنا السلف فيه بالصفة والذرع على نحو ما وصفت قال وما كان منه طرفاه أو أحدهما أجل من الآخر ونقص ما بين طرفيه أو مما بينهما لم يجز السلف فيه ; لأنه حينئذ غير موصوف العرض كما لا يجوز أن يسلف في ثوب موصوف الطول غير موصوف العرض قال فعلى هذا السلف في الخشب الذي يباع ذرعا كله وقياسه لا يجوز حتى تكون كل خشبة منه موصوفة محدودة كما وصفت وهكذا خشب الموائد يوصف طولها وعرضها وجنسها ولونها ( قال ) : ولا بأس بإسلام الخشب في الخشب ، ولا ربا فيما عدا الكيل والوزن من المأكول والمشروب كله والذهب والورق وما عدا هذا فلا بأس بالفضل في بعضه على بعض يدا بيد ونسيئة سلما وغير سلم كيف كان إذا كان معلوما .
باب السلم في الخشب وزنا

( قال الربيع ) : ( قال الشافعي ) : وما صغر من الخشب لم يجز السلف فيه عددا ، ولا حزما ، ولا يجوز حتى يسمى الجنس منه فيقول ساسما أسود أو آبنوسا يصف لونه بنسبته إلى الغلظ من ذلك الصنف أو إلى أن يكون منه دقيقا أما إذا اشتريت جملة قلت دقاقا أو أوساطا أو غلاظا وزن كذا وكذا وأما إذا اشتريته مختلفا قلت كذا وكذا رطلا غليظا وكذا وكذا وسطا وكذا وكذا رقيقا لا يجوز فيه غير هذا فإن تركت من هذا شيئا فسد السلف وأحب لو قلت سمحا فإن لم تقله فليس لك فيه عقد ; لأن العقد تمنعه السماح وهي عيب فيه تنقصه وكل ما كان فيه عيب ينقصه لما يراد له لم يلزم المشتري وهكذا كل ما اشتري للتجارة على ما وصفت لك لا يجوز إلا مذروعا معلوما أو موزونا معلوما بما وصفت ( قال ) : وما اشتري منه حطبا يوقد به وصف حطب سمر أو سلم أو حمض أو أراك أو قرظ أو عرعر ووصف بالغلظ والوسط والدقة وموزونا فإن ترك من هذا شيئا لم يجز ، ولا يجوز أن يسلف عددا ، ولا حزما ، ولا غير موصوف [ ص: 127 ] موزون بحال ، ولا موزون غير موصوف بغلظه ودقته وجنسه فإن ترك من هذا شيئا فسد السلف ( قال ) : فأما عيدان القسي فلا يجوز السلف فيها إلا بأمر قلما يكون فيها موجودا فإذا كان فيها موجودا جاز ، وذلك أن يقول عود شوحطة جذل من نبات أرض كذا السهل منها أو الجبل أو دقيق أو وسط طوله كذا وعرضه كذا وعرض رأسه كذا ويكون مستوى النبتة وما بين الطرفين من الغلظ فكل ما أمكنت فيه هذه الصفة منه جاز وما لم يمكن لم يجز وذلك أن عيدان الأرض تختلف فتباين والسهل والجبل منها يتباين والوسط والدقيق يتباين وكل ما فيه هذه الصفة من شريان أو نبع أو غيره من أصناف عيدان القسي جاز وقال فيه خوطا أو فلقة والفلقة أقدم نباتا من الخوط والخوط الشاب ، ولا خير في السلفة في قداح النبل شوحطا كانت أو قنا أو غير ذلك ; لأن الصفة لا تقع عليها وإنما تفاضل في الثخانة وتباين فيها فلا يقدر على ذرع ثخانتها ، ولا يتقارب فنجيز أقل ما تقع عليه الثخانة كما نجيزه في الثياب .
باب السلف في الصوف

( قال الشافعي ) : رحمه الله : لا يجوز السلف في الصوف حتى يسمى صوف ضأن بلد كذا لاختلاف أصواف الضأن بالبلدان ويسمى لون الصوف لاختلاف ألوان الأصواف ويسمى جيدا ونقيا ومغسولا لما يعلق به مما يثقل وزنه ويسمى طوالا أو قصارا من الصوف لاختلاف قصاره وطواله ويكون بوزن معلوم فإن ترك من هذا شيئا واحدا فسد السلف فيه ، وإذا جاء بأقل مما يقع عليه اسم الطول من الصوف وأقل ما يقع عليه اسم الجودة وأقل ما يقع عليه اسم البياض وأقل ما يقع عليه اسم النقاء وجاء به من صوف ضأن البلد الذي سمى لزم المشتري قال ولو اختلف صوف الإناث والكباش ثم كان يعرف بعد الجزاز لم يجز حتى يسمى صوف فحول أو إناث ، وإن لم يتباين ولم يكن يتميز فيعرف بعد الجزاز فوصفه بالطول وما وصفت جاز السلف فيه ، ولا يجوز أن يسلف في صوف غنم رجل بعينها ; لأنها قد تتلف وتأتي الآفة على صوفها ، ولا يسلف إلا في شيء موصوف مضمون موجود في وقته لا يخطئ ، ولا يجوز في صوف غنم رجل بعينها ; لأنه يخطئ ويأتي على غير الصفة ولو كان الأجل فيها ساعة من النهار ; لأن الآفة قد تأتي عليها أو على بعضها في تلك الساعة وكذلك كل سلف مضمون لا خير في أن يكون في شيء بعينه ; لأنه يخطئ ، ولا خير في أن يسلفه في صوف بلا صفة ويريه صوفا فيقول أستوفيه منك على بياض هذا ونقائه وطوله ; لأن هذا قد يهلك فلا يدري كيف صفته فيصير السلف في شيء مجهول قال ، وإن أسلم في وبر الإبل أو شعر المعزى لم يجز إلا كما وصفت في الصوف ويبطل منه ما يبطل منه في الصوف لا يختلف .
باب السلف في الكرسف

( قال الشافعي ) : رحمه الله : لا خير في السلف في كرسف بجوزه ; لأنه ليس مما صلاحه في أن يكون مع جوزه إنما جوزه قشرة تطرح عنه ساعة يصلح ، ولا خير فيه حتى يسمى كرسف بلد كذا وكذا ويسمى جيدا أو رديئا ويسمى أبيض نقيا أو أسمر وبوزن معلوم وأجل معلوم فإن ترك من هذا شيئا واحدا لم يجز السلف فيه وذلك أن كرسف البلدان يختلف فيلين ويخشن ويطول شعره ويقصر ويسمى ألوانها .

[ ص: 128 ] ولا خير في السلم في كرسف أرض رجل بعينها كما وصفنا قبله ولكن يسلم في صفة مأمونة في أيدي الناس ، وإن اختلف قديم الكرسف وجديده سماه قديما أو جديدا من كرسف سنة أو سنتين ، وإن كان يكون نديا سماه جافا لا يجزئ فيه غير ذلك ولو أسلم فيه منقى من حبه كان أحب إلي ، ولا أرى بأسا أن يسلم فيه بحبه وهو كالنوى في التمر .
باب السلف في القز والكتان

( قال الشافعي ) : رحمه الله : وإذا ضبط القز بأن يقال قز بلد كذا ويوصف لونه وصفاؤه ونقاؤه وسلامته من العيب ووزنه فلا بأس بالسلف فيه ، ولا خير في أن يترك من هذا شيئا واحدا فإن لم يجز فيه السلف ، وإن كان لا يضبط هذا فيه لم يجز فيه السلف ، وهكذا الكتان ، ولا خير في أن يسلف منه في شيء على عين يأخذها عنده ; لأن العين تهلك وتتغير ، ولا يجوز السلف في هذا وما كان في معناه إلا بصفة تضبط ، وإن اختلف طول القز والكتان فتباين طوله سمي طوله ، وإن لم يختلف جاء الوزن عليه وأجزأه إن شاء الله تعالى وما سلف فيه كيلا لم يستوف وزنا لاختلاف الوزن والكيل وكذلك ما سلف فيه وزنا لم يستوف كيلا .
باب السلف في الحجارة والأرحية وغيرها من الحجارة

( قال الشافعي ) : رحمه الله : ولا بأس بالسلف في حجارة البنيان والحجارة تفاضل بالألوان والأجناس والعظم فلا يجوز السلف فيها حتى يسمى منها أخضر أو أبيض أو زنبريا أو سبلانيا باسمه الذي يعرف به وينسبه إلى الصلابة وأن لا يكون فيه عرق ، ولا كلا والكلا حجارة محلوقة مدورة صلاب لا تجيب الحديد إذا ضربت تكسرت من حيث لا يريد الضارب ، ولا تكون في البنيان إلا غشا ( قال ) : ويصف كبرها بأن يقول ما يحمل البعير منها حجرين أو ثلاثة أو أربعة أو ستة بوزن معلوم وذلك أن الأحمال تختلف وأن الحجرين يكونان على بعير فلا يعتدلان حتى يجعل مع أحدهما حجر صغير وكذلك ما هو أكثر من حجرين فلا يجوز السلف في هذا إلا بوزن أو أن يشتري وهو يرى فيكون من بيوع الجزاف التي ترى ، قال وكذلك لا يجوز السلف في النقل والنقل حجارة صغار إلا بأن يصف صغارا من النقل أو حشوا أو دواخل فيعرف هذا عند أهل العلم به ، ولا يجوز إلا موزونا ; لأنه لا يكال لتجافيه ، ولا تحيط به صفة كما تحيط بالثوب والحيوان وغيره مما يباع عددا ، ولا يجوز حتى يقال صلاب ، وإذا قال صلاب فليس له رخو ، ولا كذان ، ولا متفتت قال ، ولا بأس بشراء الرخام ويصف كل رخامة منه بطول وعرض وثخانة وصفاء وجودة ، وإن كانت تكون لها تساريع مختلفة يتباين فضلها منها وصف تساريع ، وإن لم يكن اكتفى بما وصفت فإن جاءه بها فاختلف فيها أريها أهل البصر فإن قالوا يقع عليها اسم [ ص: 129 ] الجودة والصفاء وكانت بالطول والعرض والثخانة التي شرط لزمته ، وإن نقص واحد من هذه لم تلزمه قال : ولا بأس بالسلف في حجارة المرمر بعظم ووزن كما وصفت في الحجارة قبله وبصفاء فإن كانت له أجناس تختلف وألوان وصفه بأجناسه وألوانه ، قال ، ولا بأس أن يشتري آنية من مرمر بصفة طول وعرض وعمق وثخانة وصنعة إن كانت تختلف فيه الصنعة وصف صنعتها ولو وزن مع هذا كان أحب إلي ، وإن ترك وزنه لم يفسده إن شاء الله تعالى ، وإن كان من الأرحاء شيء يختلف بلده فتكون حجارة بلد خيرا من حجارة بلد لم يجز حتى يسمي حجارة بلد ويصفها وكذلك إن اختلفت حجارة بلد وصف جنس الحجارة .
باب السلف في القصة والنورة

( قال الشافعي ) : رحمه الله : ولا بأس بالسلف في القصة والنورة ومتاع البنيان فإن كانت تختلف اختلافا شديدا فلا يجوز السلف فيها حتى يسمى نورة أرض كذا أو قصة أرض كذا ويشترط جودة أو رداءة أو يشترط بياضا أو سمرة أو أي لون كان إذا تفاضلت في ألوان ويشترطها بكيل معلوم ووزن معلوم وأجل معلوم ، ولا خير في السلف فيها أحمالا ، ولا مكايل ; لأنها تختلف ( قال الشافعي ) : ولا بأس أن يشتريها أحمالا ومكايل وجزافا في غير أحمال ، ولا مكايل إذا كان المبتاع حاضرا والمتبايعان حاضرين قال وهكذا المدر لا بأس بالسلف فيه كيلا معلوما ، ولا خير فيه أحمالا ، ولا مكايل ، ولا جزافا ، ولا يجوز إلا بكيل وصفة جيد أو رديء ومدر موضع كذا فإن اختلفت ألوان المدر في ذلك الموضع وكان لبعضها على بعض فضل وصف المدر أخضر أو أشهب أو أسود قال ، وإذا وصفه جيدا أتت الجودة على البراءة من كل ما خالفها فإن كان فيه سبخ أو كذان أو حجارة أو بطحاء لم يكن له ; لأن هذا مخالف للجودة وكذلك إن كانت النورة أو القصة هي المسلف فيها لم يصلح إلا كما وصفت بصفة قال ، وإن كانت القصة والنورة مطيرتين لم يلزم المشتري ; لأن المطير عيب فيهما وكذلك إن قدمتا قدما يضر بهما لم يلزم المشتري ; لأن هذا عيب والمطر لا يكون فسادا للمدر إذا عاد جافا بحاله .
باب السلف في العدد

( أخبرنا الربيع ) : قال قال الشافعي رحمه الله : لا يجوز السلف في شيء عددا إلا ما وصفت من الحيوان الذي يضبط سنه وصفته وجنسه والثياب التي تضبط بجنسها وحليتها وذرعها والخشب الذي يضبط بجنسه وصفته وذرعه وما كان في معناه لا يجوز السلف في البطيخ ، ولا القثاء ، ولا الخيار ، ولا الرمان ، ولا السفرجل ، ولا الفرسك ، ولا الموز ، ولا الجوز ، ولا البيض أي بيض كان دجاج أو حمام أو غيره وكذلك ما سواه مما يتبايعه الناس عددا غير ما استثنيت وما كان في معناه لاختلاف العدد ، ولا شيء يضبط من صفة أو بيع عدد فيكون مجهولا إلا أن يقدر على أن يكال أو يوزن فيضبط بالكيل والوزن .
[ ص: 130 ] باب السلم في المأكول كيلا أو وزنا .

( قال الشافعي ) : رحمه الله : أصل السلف فيما يتبايعه الناس أصلان فما كان منه يصغر وتستوي خلقته فيحتمله المكيال ، ولا يكون إذا كيل تجافى في المكيال فتكون الواحدة منه بائنة في المكيال عريضة الأسفل دقيقة الرأس أو عريضة الأسفل والرأس دقيقة الوسط فإذا وقع شيء إلى جنبها منعه عرض أسفلها من أن يلصق بها ووقع في المكيال وما بينها وبينه متجاف ثم كانت الطبقة التي فوقه منه هكذا لم يجز أن يكال واستدللنا على أن الناس إنما تركوا كيله لهذا المعنى ، ولا يجوز أن يسلف فيه كيلا وفي نسبته بهذا المعنى ما عظم واشتد فصار يقع في المكيال منه الشيء ثم يقع فوقه منه شيء معترضا وما بين القائم تحته متجاف فيسد المعترض الذي فوقه الفرجة التي تحته ويقع عليه فوقه غيره فيكون من المكيال شيء فارغ بين الفراغ وذلك مثل الرمان والسفرجل والخيار والباذنجان وما أشبهه مما كان في المعنى الذي وصفت ، ولا يجوز السلف في هذا كيلا ولو تراضى عليه المتبايعان سلفا وما صغر وكان يكون في المكيال فيمتلئ به المكيال ، ولا يتجافى التجافي البين مثل التمر وأصغر منه مما لا تختلف خلقته اختلافا متباينا مثل السمسم وما أشبهه أسلم فيه كيلا ( قال ) : وكل ما وصفت لا يجوز السلم فيه كيلا فلا بأس بالسلم فيه وزنا وأن يسمى كل صنف منه اختلف باسمه الذي يعرف به ، وإن شرط فيه عظيما أو صغيرا فإذا أتى به أقل ما يقع عليه اسم العظم ووزنه جاز على المشتري فأما الصغير فأصغره يقع عليه اسم الصغر ، ولا أحتاج إلى المسألة عنه ( قال ) : وذلك مثل أن يقول : أسلم إليك في خربز خراساني أو بطيخ شامي أو رمان إمليسي أو رمان حراني ، ولا يستغنى في الرمان عن أن يصف طعمه حلوا أو مرا أو حامضا فأما البطيخ فليس في طعمه ألوان ويقول عظام أو صغار ويقول في القثاء هكذا فيقول قثاء طوال وقثاء مدحرج وخيار يصفه بالعظم والصغر والوزن ، ولا خير في أن يقول قثاء عظام أو صغار ; لأنه لا يدري كم العظام والصغار منه ، إلا أن يقول كذا وكذا رطلا منه صغارا وكذا وكذا رطلا منه كبارا وهكذا الدباء وما أشبهه فعلى هذا ، هذا الباب كله وقياسه .

( قال الشافعي ) : ولا بأس بالسلف في البقول كلها إذا سمي كل جنس منها وقال هندبا أو جرجيرا أو كراثا أو خسا وأي صنف ما أسلف فيه منها وزنا معلوما لا يجوز إلا موزونا فإن ترك تسمية الصنف منه أو الوزن لم يجز السلف ( قال الشافعي ) : وإن كان منه شيء يختلف صغاره وكباره لم يجز إلا أن يسمى صغيرا أو كبيرا كالقنبيط تختلف صغاره وكباره وكالفجل وكالجزر وما اختلف صغاره وكباره في الطعم والثمن ( قال ) : ويسلف في الجوز وزنا ، وإن كان لا يتجافى في المكيال كما وصفت أسلم فيه كيلا والوزن أحب إلي وأصح فيه قال وقصب السكر : إذا شرط محله في وقت لا ينقطع من أيدي الناس في ذلك البلد فلا بأس بالسلف فيه وزنا ، ولا يجوز السلف فيه وزنا حتى يشترط صفة القصب إن كان يتباين ، وإن كان أعلاه مما لا حلاوة فيه ، ولا منفعة فلا يتبايع إلا أن يشترط أن يقطع أعلاه الذي هو بهذه المنزلة ، وإن كان يتبايع ويطرح ما عليه من القشر ويقطع مجامع عروقه من أسفله قال ، ولا يجوز أن يسلف فيه حزما ، ولا عددا ; لأنه لا يوقف على حده بذلك وقد رآه ونظر إليه قال : ولا خير في أن يشتري قصبا ، ولا بقلا ، ولا غيره مما يشبهه بأن يقول : أشتري منك زرع كذا وكذا .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #126  
قديم 10-06-2022, 06:47 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثالث -
كتاب البيوع
الحلقة (126)
صــــــــــ 131 الى صـــــــــــ137




فدانا ، ولا كذا وكذا حزما من بقل إلى وقت كذا وكذا ; لأن زرع ذلك يختلف فيقل ويكثر ويحسن ويقبح وأفسدناه لاختلافه في القلة والكثرة لما وصفت من أنه غير مكيل ، ولا موزون ، ولا معروف القلة والكثرة ، ولا يجوز أن يشتري هذا إلا منظورا إليه وكذلك القصب والقرط وكل ما أنبتت الأرض لا يجوز السلف فيه إلا وزنا أو كيلا بصفة مضمونة لا من أرض بعينها فإن أسلف فيه من أرض بعينها فالسلف فيه منتقض ( قال ) : وكذلك لا يجوز في قصب ، ولا قرط ، ولا قصيل ، ولا غيره بحزم ، ولا أحمال ، ولا يجوز فيه إلا موزونا موصوفا وكذلك التين وغيره لا يجوز إلا مكيلا أو موزونا ومن جنس معروف إذا اختلفت أجناسه فإن ترك من هذا شيئا لم يجز السلف فيه والله أعلم .
باب بيع القصب والقرط

أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء أنه قال في القصب لا يباع إلا جزة أو قال صرمة ( قال الشافعي ) : وبهذا نقول لا يجوز أن يباع القرط إلا جزة واحدة عند بلوغ الجزاز ويأخذ صاحبه في جزازه عند ابتياعه فلا يؤخره مدة أكثر من قدر ما يمكنه جزازه فيه من يومه .

( قال الشافعي ) : فإن اشتراه ثابتا على أن يدعه أياما ليطول أو يغلظ أو غير ذلك فكان يزيد في تلك الأيام فلا خير في الشراء والشراء مفسوخ ; لأن أصله للبائع وفرعه الظاهر للمشتري فإذا كان يطول فيخرج من مال البائع إلى مال المشتري منه شيء لم تقع عليه صفقة البيع فيملكه كنت قد أعطيت المشتري ما لم يشتر وأخذت من البائع ما لم يبع ثم أعطيته منه شيئا مجهولا لا يرى بعين ، ولا يضبط بصفة ، ولا يتميز فيعرف ما للبائع فيه مما للمشتري فيفسد من وجوه ( قال ) : ولو اشتراه ليقطعه فتركه وقطعه ممكن له مدة يطول في مثلها كان البيع فيه مفسوخا إذا كان على ما شرط في أصل البيع أن يدعه لما وصفت مما اختلط به من مال البائع مما لا يتميز كما لو اشترى حنطة جزافا وشرط له أنها إن انهالت عليها حنطة له فهي داخلة في البيع فانهالت عليها حنطة للبائع لم يبتعها انفسخ البيع فيها ; لأن ما اشترى لا يتميز ، ولا يعرف قدره مما لم يشتر فيعطى ما اشترى ويمنع ما لم يشتر ، وهو في هذا كله بائع شيء قد كان وشيء لم يكن غير مضمون . على أنه إن كان دخل في البيع ، وإن لم يكن لم يدخل معه وهذا البيع مما لا يختلف المسلمون في فساده ; لأن رجلا لو قال أبيعك شيئا إن نبت في أرضي بكذا فإن لم ينبت أو نبت قليلا لزمك الثمن كان مفسوخا ، وكذلك لو قال أبيعك شيئا إن جاءني من تجارتي بكذا ، وإن لم يأت لزمك الثمن قال ولكنه لو اشتراه كما وصفت وتركه بغير شرط أياما وقطعه يمكنه في أقل منها كان المشتري منه بالخيار في أن يدع له الفضل الذي له بلا ثمن أو ينقض البيع قال : كما يكون إذا باعه حنطة جزافا فانهالت عليها حنطة له فالبائع بالخيار في أن يسلم ما باعه وما زاد في حنطته أو يرد البيع لاختلاط ما باع بما لم يبع قال وما أفسدت فيه البيع فأصاب القصب فيه آفة تتلفه في يدي المشتري فعلى المشتري ضمانه بقيمته وما أصابته آفة تنقصه فعلى المشتري ضمان ما نقصه والزرع لبائعه .

[ ص: 132 ] وعلى كل مشتر شراء فاسدا أن يرده كما أخذه أو خيرا مما أخذه وضمانه إن تلف وضمان نقصه إن نقص في كل شيء .
باب السلف في الشيء المصلح لغيره


( قال الشافعي ) رحمه الله : كل صنف حل السلف فيه وحده فخلط منه شيء بشيء غير جنسه مما يبقى فيه فلا يزايله بحال سوى الماء وكان الذي يختلط به قائما فيه وكان مما يصلح فيه السلف وكانا مختلطين لا يتميزان فلا خير في السلف فيهما من قبل أنهما إذا اختلطا فلم يتميز أحدهما من الآخر لم أدر كم قبضت من هذا وهذا ؟ فكنت قد أسلفت في شيء مجهول وذلك مثل أن أسلم في عشرة أرطال سويق لوز فليس يتميز السكر من دهن اللوز ، ولا اللوز إذا خلط به أحدهما فيعرف القابض المبتاع كم قبض من السكر ودهن اللوز واللوز فلما كان هكذا كان بيعا مجهولا وهكذا إن أسلم إليه في سويق ملتوت مكيل ; لأني لا أعرف قدر السويق من الزيت والسويق يزيد كيله باللتات ولو كان لا يزيد كان فاسدا من قبل أني ابتعت سويقا وزيتا والزيت مجهول ، وإن كان السويق معروفا .

( قال الشافعي ) : في أكثر من هذا المعنى الأولى أن لا يجوز إن أسلم إليك في فالوذج ولو قلت ظاهر الحلاوة أو ظاهر الدسم لم يجز لأني لا أعرف قدر النشاستج من العسل والسكر والدهن الذي فيه سمن أو غيره ، ولا أعرف حلاوته أمن عسل نحل كان أو غيره ، ولا من أي عسل وكذلك دسمه فهو لو كان يعرف ويعرف السويق الكثير اللتات كان كما يخالط صاحبه فلا يتميز غير معروف وفي هذا المعنى لو أسلم إليه في أرطال حيس ; لأنه لا يعرف قدر التمر من الأقط والسمن ( قال ) : وفي مثل هذا المعنى اللحم المطبوخ بالأبزار والملح والخل وفي مثله الدجاج المحشو بالدقيق والأبزار أو الدقيق وحده أو غيره ; لأن المشتري لا يعرف قدر ما يدخل من الأبزار ، ولا الدجاج من الحشو لاختلاف أجوافها والحشو فيها ولو كان يضبط ذلك بوزن لم يجز ; لأنه إن ضبط وزن الجملة لم يضبط وزن ما يدخله ، ولا كيله ( قال ) : وفيه معنى يفسده سوى هذا وذلك أنه إذا اشترط نشاستجا جيدا أو عسلا جيدا لم يعرف جودة النشاستج معمولا ، ولا العسل معمولا لقلب النار له واختلاط أحدهما بالآخر فلا يوقف على حده أنه من شرطه هو أم لا ( قال ) : ولو سلف في لحم مشوي بوزن أو مطبوخ لم يجز ; لأنه لا يجوز أن يسلف في اللحم إلا موصوفا بسمانة وقد تخفى مشويا إذا لم تكن سمانة فاخرة وقد يكون أعجف فلا يخلص أعجفه من سمينه ، ولا منقيه من سمينه إذا تقارب ، وإذا كان مطبوخا فهو أبعد أن يعرف أبدا سمينه ; لأنه قد يطرح أعجفه مع سمينه ويكون مواضع من سمينه لا يكون فيها شحم ، وإذا كان موضع مقطوع من اللحم كانت في بعضه دلالة على سمينه ومنقيه وأعجفه فكل ما اتصل به منه مثله ( قال ) : ولا خير في أن يسلم في عين على أنها تدفع إليه مغيرة بحال ; لأنه لا يستدل على أنها تلك العين اختلف كيلها أو لم يختلف وذلك مثل أن يسلفه في صاع حنطة على أن يوفيه إياها دقيقا اشترط كيل الدقيق أو لم يشترطه وذلك أنه إذا وصف جنسا من حنطة وجودة فصارت دقيقا أشكل الدقيق من معنيين : أحدهما أن تكون الحنطة المشروطة مائية فتطحن حنطة تقاربها من حنطة الشام وهو .

[ ص: 133 ] غير المائي ، ولا يخلص هذا ، والآخر أنه لا يعرف مكيلة الدقيق ; لأنه قد يكثر إذا طحن ويقل وأن المشتري لم يستوف كيل الحنطة وإنما يقبل فيه قول البائع ( قال ) : وقد يفسده غيرنا من وجه آخر من أن يقول لطحنه إجارة لها قيمة لم تسم في أصل السلف فإذا كانت له إجازة فليس يعرف ثمن الحنطة من قيمة الإجارة فيكون سلفا مجهولا ( قال الشافعي ) : وهذا وجه آخر يجده من أفسده فيه مذهبا والله تعالى أعلم .

( قال ) : وليس هذا كما يسلفه في دقيق موصوف ; لأنه لا يضمن له حنطة موصوفة وشرط عليه فيها عملا بحال إنما ضمن له دقيقا موصوفا وكذلك لو أسلفه في ثوب موصوف بذرع يوصف به الثياب جاز ، وإن أسلفه في غزل موصوف على أن يعمله له ثوبا لم يجز من قبل أن صفة الغزل لا تعرف في الثوب ، ولا تعرف حصة الغزل من حصة العمل ، وإذا كان الثوب موصوفا عرفت صفته ( قال ) : وكل ما أسلم فيه وكان يصلح بشيء منه لا بغيره فشرطه مصلحا فلا بأس به كما يسلم إليه في ثوب وشي أو مسير أو غيرهما من صبغ الغزل وذلك أن الصبغ فيه كأصل لون الثوب في السمرة والبياض وأن الصبغ لا يغير صفة الثوب في دقة ، ولا صفاقة ، ولا غيرهما كما يتغير السويق والدقيق باللتات ، ولا يعرف لونهما وقد يشتريان عليه ، ولا طعمهما وأكثر ما يشتريان عليه ، ولا خير في أن يسلم إليه في ثوب موصوف على أن يصبغه مضرجا من قبل أنه لا يوقف على حد التضريج وأن من الثياب ما يأخذ من التضريج أكثر مما يأخذ مثله في الذرع وأن الصفقة وقعت على شيئين متفرقين أحدهما ثوب والآخر صبغ فكان الثوب ، وإن عرف مصبوغا بجنسه قد عرفه فالصبغ غير معروف قدره وهو مشترى ، ولا خير في مشترى إلى أجل غير معروف وليس هذا كما يسلم في ثوب عصب ; لأن الصبغ زينة له وأنه لم يشتر الثوب إلا وهذا الصبغ قائم فيه قيام العمل من النسج ولون الغزل فيه قائم لا يغيره عن صفته فإذا كان هكذا جاز ، وإذا كان الثوب مشترى بلا صبغ ثم أدخل الصبغ قبل أن يستوفي الثوب ويعرف الصبغ لم يجز لما وصفت من أنه لا يعرف غزل الثوب ، ولا قدر الصبغ .

( قال الشافعي ) : ولا بأس أن يسلفه في ثوب موصوف يوفيه إياه مقصورا قصارة معروفة أو مغسولا غسلا نقيا من دقيقه الذي ينسج به ، ولا خير في أن يسلم إليه في ثوب قد لبس أو غسل غسلة من قبل أنه يغسله غسلة بعدما ينهكه وقبل فلا يوقف على حد هذا ، ولا خير في أن يسلم في حنطة مبلولة ; لأن الابتلال لا يوقف على حد ما يريد في الحنطة وقد تغير الحنطة حتى لا يوقف على حد صفتها كما يوقف عليها يابسة ، ولا خير في السلف في مجمر مطرى ولو وصف وزن للتطرية ; لأنه لا يقدر على أن يزن التطرية فيخلص وزنها من وزن العود ، ولا يضبط ; لأنه قد يدخله الغير بما يمنع له الدلالة التطرية له على جودة العود وكذلك لا خير في السلف في الغالية ، ولا شيء من الأدهان التي فيها الأثقال ; لأنه لا يوقف على صفته ، ولا قدر ما يدخل فيه ، ولا يتميز ما يدخل فيه ( قال ) : ولا بأس بالسلف في دهن حب البان قبل أن ينش بشيء وزنا وأكرهه منشوشا ; لأنه لا يعرف قدر النش منه ولو وصفه بريح كرهته من قبل أنه لا يوقف على حد الريح قال وأكرهه في كل دهن طيب قبل أن يستوفى وكذلك لو سلفه في دهن مطيب أو ثوب مطيب ; لأنه لا يوقف على حد الطيب كما لا يوقف على الألوان وغيرها مما ذكرت فيه أن أدهان البلدان تتفاضل في بقاء طيف الريح على الماء والعرق والقدم في الحنو وغيره ولو شرط دهن بلد كان قد نسبه فلا يخلص كما تخلص الثياب فتعرف ببلدانها المجسية واللون وغير ذلك قال : ولا بأس أن يسلفه في طست أو تور من نحاس أحمر أو أبيض أو شبه أو رصاص أو حديد ويشترطه بسعة معروفة ومضروبا أو مفرغا وبصنعة معروفة ويصفه بالثخانة أو الرقة ويضرب له أجلا كهو في الثياب ، وإذا جاء به على ما يقع عليه اسم الصفة والشرط لزمه ولم يكن له رده ( قال ) : وكذلك كل .

[ ص: 134 ] إناء من جنس واحد ضبطت صفته فهو كالطست والقمقم قال : ولو كان يضبط أن يكون مع شرط السعة وزن كان أصح ، وإن لم يشترط وزنا صح إذا اشترط سعة كما يصح أن يبتاع ثوبا بصنعة وشيء وغيره بصفة وسعة ، ولا يجوز فيه إلا أن يدفع ثمنه وهذا شراء صفة مضمونة فلا يجوز فيها إلا أن يدفع ثمنها وتكون على ما وصفت ( قال ) : ولو شرط أن يعمل له طستا من نحاس وحديد أو نحاس ورصاص لم يجز ; لأنهما لا يخلصان فيعرف قدر كل واحد منهما وليس هذا كالصبغ في الثوب ; لأن الصبغ في ثوبه زينة لا يغيره أن تضبط صفته وهذا زيادة في نفس الشيء المصنوع قال وهكذا كل ما استصنع ، ولا خير في أن يسلف في قلنسوة محشوة وذلك أنه لا يضبط وزن حشوها ، ولا صفته ، ولا يوقف على حد بطانتها ، ولا تشترى هذه إلا يدا بيد ، ولا خير في أن يسلفه في خفين ، ولا نعلين مخروزين وذلك أنهما لا يوصفان بطول ، ولا عرض ، ولا تضبط جلودهما ، ولا ما يدخل فيهما وإنما يجوز في هذا أن يبتاع النعلين والشراكين ويستأجر على الحذو وعلى خراز الخفين ، ولا بأس أن يبتاع منه صحافا أو قداحا من نحو معروف وبصفة معروفة وقدر معروف من الكبر والصغر والعمق والضيق ويشترط أي عمل ، ولا بأس إن كانت من قوارير ويشترط جنس قواريرها ورقته وثخانته ولو كانت القوارير بوزن مع الصفة كان أحب إلي وأصح للسلف وكذلك كل ما عمل فلم يخلط بغيره والذي يخلط بغيره النبل فيها ريش ونصال وعقب ورومة والنصال لا يوقف على حده فأكره السلف فيه ، ولا أجيزه قال ، ولا بأس أن يبتاع آجرا بطول وعرض وثخانة ويشترط من طين معروف وثخانة معروفة ولو شرط موزونا كان أحب إلي ، وإن تركه فلا بأس إن شاء الله تعالى وذلك أنه إنما هو بيع صفة وليس يخلط بالطين غيره مما يكون الطين غير معروف القدر منه إنما هو يخلطه الماء والماء مستهلك فيه والنار شيء ليس منه ، ولا قائم فيه إنما لها فيه أثر صلاح وإنما باعه بصفة ، ولا خير في أن يبتاع منه لبنا على أن يطبخه فيوفيه إياه آجرا وذلك أنه لا يعرف قدر ما يذهب في طبخه من الحطب وأنه قد يتلهوج ويفسد فإن أبطلناه على المشتري كنا ، قد أبطلنا شيئا استوجبه ، وإن ألزمناه إياه ألزمناه بغير ما شرط لنفسه
باب السلف يحل فيأخذ المسلف بعض رأس ماله وبعض سلفه .

( قال الشافعي ) رحمه الله : من سلف ذهبا في طعام موصوف فحل السلف قائما له طعام في ذمة بائعه فإن شاء أخذه به كله حتى يوفيه إياه ، وإن شاء تركه كما يترك سائر حقوقه إذا شاء ، وإن شاء أخذ بعضه وأنظره ببعض ، وإن شاء أقاله منه كله ، وإذا كان له أن يقيله من كله إذا اجتمعا على الإقالة كان له إذا اجتمعا أن يقيله من بعضه فيكون ما أقاله منه كما لم يتبايعا فيه ، وما لم يقله منه كما كان لازما له بصفته فإن شاء أخذه ، وإن شاء تركه ، ولا فرق بين السلف في هذا وبين طعام له عليه من وجه غير السلف ، وقال ولكن إن حل له طعام فقال أعطيك مكان ما لك من الطعام علي طعاما غيره أو عرضا من العروض لم يجز ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { من ابتاع طعاما فلا يبيعه حتى يستوفيه } .

، وإنما لهذا المسلف طعام فإذا أخذ غيره به فقد باعه قبل أن يستوفيه ، وإذا أقاله منه أو من بعضه فالإقالة ليست ببيع إنما هي نقض بيع تراضيا بنقض العقدة الأولى التي وجبت لكل واحد منهما على صاحبه فإن قال قائل ما الحجة في هذا ؟ فالقياس لمعقول مكتفى به فيه فإن قال فهل فيه أثر عن أحد من أصحاب رسول الله [ ص: 135 ] صلى الله عليه وسلم ؟ قيل روي عن ابن عباس وعن عطاء وعمرو بن دينار ( أخبرنا الربيع ) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أن عطاء كان لا يرى بأسا أن يقبل رأس ماله منه أو ينظره أو يأخذ بعض السلعة وينظره بما بقي ( أخبرنا الربيع ) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد بن سالم القداح عن ابن جريج أنه قال لعطاء أسلفت دينارا في عشرة أفراق فحلت أفأقبض منه إن شئت خمسة أفراق وأكتب نصف الدينار عليه دينا ؟ فقال : نعم .

( قال الشافعي ) ; لأنه إذا أقاله منه فله عليه رأس مال ما أقاله منه وسواء انتقده أو تركه ; لأنه لو كان عليه مال حال جاز أن يأخذه وأن ينظره به متى شاء ( أخبرنا الربيع ) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عمرو بن دينار أنه كان لا يرى بأسا أن يأخذ بعض رأس ماله وبعضا طعاما أو يأخذ بعضا طعاما ويكتب ما بقي من رأس المال ( أخبرنا الربيع ) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن سلمة بن موسى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال ذلك المعروف أن يأخذ بعضه طعاما وبعضه دنانير .

( أخبرنا الربيع ) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه قال لعطاء رجل أسلف بزا في طعام فدعا إلى ثمن البز يومئذ فقال لا إلا رأس ماله أو بزه ( قال الشافعي ) : قول عطاء في البز أن لا يباع البز أيضا حتى يستوفى فكأنه يذهب مذهب الطعام ( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه قال لعطاء طعام أسلفت فيه فحل فدعاني إلى طعام غيره فرق بفرق ليس للذي يعطيني على الذي كان لي عليه فضل قال : لا بأس بذلك ليس ذلك ببيع إنما ذلك قضاء ( قال الشافعي ) : هذا كما قال عطاء إن شاء الله - تعالى - .

وذلك أنه سلفه في صفة ليست بعين فإذا جاءه بصفته فإنما قضاه حقه قال سعيد بن سالم : ولو أسلفه في بر الشام فأخذ منه برا غيره فلا بأس به وهذا كتجاوزه في ذهبه ( قال الشافعي ) : وهذا إن شاء الله كما قال سعيد قال ولكن لو حلت له مائة فرق اشتراها بمائة دينار فأعطاه بها ألف درهم لم يجز ، ولم يجز فيه إلا إقالته فإذا أقاله صار له عليه رأس ماله فإذا برئ من الطعام ، وصارت له عليه ذهب تبايعا بعد بالذهب ما شاء أو تقابضا قبل أن يتفرقا من عرض أو غيره .
باب صرف السلف إلى غيره

( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي قال : روي عن ابن عمر وأبي سعيد أنهما قالا من سلف في بيع فلا يصرفه إلى غيره ، ولا يبيعه حتى يقبضه قال : وهذا كما روي عنهما إن شاء الله - تعالى - وفيه دلالة على أن لا يباع شيء ابتيع حتى يقبض ، وهو موافق قولنا في كل بيع أنه لا يباع حتى يستوفى ( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء أنه سئل عن رجل ابتاع سلعة غائبة ونقد ثمنها فلما رآها لم يرضها فأرادا أن يحولا بيعهما في سلعة غيرها قبل أن يقبض منه الثمن قال لا يصلح قال كأنه جاءه بها على غير الصفة وتحويلهما بيعهما في سلعة غيرها بيع للسلعة قبل أن تقبض .

قال ولو سلف رجل رجلا دراهم في مائة صاع حنطة وأسلفه صاحبه دراهم في مائة صاع حنطة وصفة الحنطتين واحدة ، ومحلهما واحد أو مختلف لم يكن بذلك بأس وكان لكل واحد منهما على صاحبه مائة صاع بتلك الصفة ، وإلى ذلك الأجل ، ولا يكون واحد منهما قصاصا من الآخر من قبل أني لو جعلت الحنطة بالحنطة قصاصا كان بيع الطعام قبل أن يقبض وبيع الدراهم بالدراهم ; لأن دفعهما في يومين مختلفين نسيئة ، ومن أسلف في طعام بكيل أو وزن فحل السلف فقال الذي له السلف : كل طعامي [ ص: 136 ] زنه واعزله عندك حتى آتيك فأنقله ففعل فسرق الطعام فهو من ضمان البائع ، ولا يكون هذا قبضا من رب الطعام ، ولو كاله البائع للمشتري بأمره حتى يقبض أو يقبضه وكيل له فيبرأ البائع من ضمانه حينئذ .
باب الخيار في السلف .

( قال الشافعي ) : رحمه الله : ولا يجوز الخيار في السلف لو قال رجل لرجل أبتاع منك بمائة دينار أنقدكها مائة صاع تمرا إلى شهر على أني بالخيار بعد تفرقنا من مقامنا الذي تبايعنا فيه أو أنت بالخيار أو كلانا بالخيار لم يجز فيه البيع كما يجوز أن يتشارطا الخيار ثلاثا في بيوع الأعيان .

وكذلك لو قال أبتاع منك مائة صاع تمرا بمائة دينار على أني بالخيار يوما إن رضيت أعطيتك الدنانير ، وإن لم أرض فالبيع بيني وبينك مفسوخ لم يجز ; لأن هذا بيع موصوف والبيع الموصوف لا يجوز إلا بأن يقبض صاحبه ثمنه قبل أن يتفرقا ; لأن قبضه ما سلف فيه قبض ملك ، وهو لو قبض مال الرجل على أنه بالخيار لم يكن قبضه قبض ملك ، ولا يجوز أن يكون الخيار لواحد منهما ; لأنه إن كان للمشتري فلم يملك البائع ما دفع إليه ، وإن كان للبائع فلم يملكه البائع ما باعه ; لأنه عسى أن ينتفع بماله ثم يرده إليه فلا يجوز البيع فيه إلا مقطوعا بلا خيار .

وكذلك لا يجوز أن يسلف رجل رجلا مائة دينار على أن يدفع إليه مائة صاع موصوف إلى أجل كذا فإذا حل الأجل فالذي عليه الطعام بالخيار في أن يعطه ما أسلفه أو يرد إليه رأس ماله حتى يكون البيع مقطوعا بينهما ، ولا يجوز أن يقول : فإن حبستني عن رأس مالي فلي زيادة كذا . فلا يجوز شرطان حتى يكون الشرط فيهما واحدا معروفا .
باب ما يجب للمسلف على المسلف من شرطه

( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى إذا أحضر المسلف السلعة التي أسلف فكانت طعاما فاختلفا فيه دعا له أهل العلم به فإن كان شرط المشتري طعاما جيدا جديدا قيل هذا جيد جديد ؟ فإن قالوا نعم قيل ويقع عليه اسم الجودة ؟ فإن قالوا نعم لزم المسلف أخذ أقل ما يقع عليه اسم الصفة من الجودة وغيرها ويبرأ المسلف ويلزم المسلف أخذه .

وهكذا هذا في الثياب يقال هذا ثوب من وشي صنعاء والوشي الذي يقال له يوسفي وبطول كذا وبعرض كذا ودقيق أو صفيق أو جيد أو هما ويقع عليه اسم الجودة ؟ فإذا قالوا نعم فأقل ما يقع عليه اسم الجودة يبرأ منه الذي سلف فيه ويلزم المسلف ويقال في الدقيق من الثياب وكل شيء هكذا إذا ألزمه في كل صنف منه صفة وجودة فأدنى ما يقع عليه اسم الصفة من دقة وغيرها واسم الجودة يبرئه منه . وكذلك إن شرطه رديئا فالرديء يلزمه .

( قال الشافعي ) : أخبرنا سعيد بن سالم القداح عن ابن جريج عن عطاء قال إذا أسلفت فإياك إذا حل حقك بالذي سلفت فيه كما اشترطت ونقدت فليس لك خيار إذا أوفيت شرطك وبيعك ( قال الشافعي ) : وإن جاء به على غاية من الجودة أكثر من أقل ما يقع عليه اسم الجودة فهو متطوع بالفضل ويلزم المشتري ; لأن الزيادة فيما يقع عليه اسم الجودة خير له إلا في موضع سأصف لك منه إن شاء الله - تعالى - .
باب اختلاف المتبايعين بالسلف إذا رآه المسلف


( قال الشافعي ) رحمه الله : لو أن رجلا سلف رجلا ذهبا في طعام موصوف حنطة أو زبيب أو تمر أو شعير أو غيره فكان أسلفه في صنف من التمر رديء فأتاه بخير من الرديء أو جيد فأتاه بخير مما يلزمه اسم الجيد بعد أن لا يخرج من جنس ما سلفه فيه إن كان عجوة أو صيحانيا أو غيره لزم المسلف أن يأخذه ; لأن الرديء لا يغني غناء إلا أغناه الجيد وكان فيه فضل عنه ، وكذلك إذا ألزمناه أدنى ما يقع عليه اسم الجودة فأعطاه أعلى منها فالأعلى يغني أكثر من غناء الأسفل فقد أعطي خيرا مما لزمه ، ولم يخرج له مما يلزمه اسم الجيد فيكون أخرجه من شرطه إلى غير شرطه فإذا فارق الاسم أو الجنس لم يجبر عليه ، وكان مخيرا في تركه وقبضه .

( قال الشافعي ) : وهكذا القول في كل صنف من الزبيب والطعام المعروف كيله قال وبيان هذا القول أنه لو أسلفه في عجوة فأعطاه برديا ، وهو خير منها أضعافا لم أجبره على أخذه ; لأنه غير الجنس الذي أسلفه فيه قد يريد العجوة لأمر لا يصلح له البردي ، وهكذا الطعام كله إذا اختلفت أجناسه ; لأن هذا أعطاه غير شرطه ، ولو كان خيرا منه ( قال الشافعي ) : وهكذا العسل ، ولا يستغنى في العسل عن أن يصفه ببياض أو صفرة أو خضرة ; لأنه يتباين في ألوانه في القيمة ، وهكذا كل ما له لون يتباين به ما خالف لونه من حيوان وغيره . قال : ولو سلف رجل رجلا عرضا في فضة بيضاء جيدة فجاء بفضة بيضاء أكثر مما يقع عليه أدنى اسم الجودة أو سلفه عرضا في ذهب أحمر جيد فجاء بذهب أحمر أكثر من أدنى ما يقع عليه أدنى اسم الجودة لزمه ، وكذا لو سلفه في صفر أحمر جيد فجاءه بأحمر بأكثر مما يقع عليه أقل اسم الجودة لزمه .

ولكن لو سلفه في صفر أحمر فأعطاه أبيض والأبيض يصلح لما لا يصلح له الأحمر لم يلزمه إذا اختلف اللونان فيما يصلح له أحد اللونين ، ولا يصلح له الآخر لم يلزمه المشترى إلا ما يلزمه اسم الصفة ، وكذلك إذا اختلفا فيما تتباين فيه الأثمان بالألوان لم يلزم المشتري إلا ما يلزمه بصفة ما سلف فيه فأما ما لا تتباين فيه بالألوان مما لا يصلح له المشترى فلا يكون أحدهما أغنى فيه من الآخر ، ولا أكثر ثمنا ، وإنما يفترقان لاسمه فلا أنظر فيه إلى الألوان .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #127  
قديم 10-06-2022, 06:52 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثالث -
كتاب البيوع
الحلقة (127)
صــــــــــ 138 الى صـــــــــــ144





باب ما يلزم في السلف مما يخالف الصفة .

( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى ولو سلفه في ثوب مروي ثخين فجاء برقيق أكثر ثمنا من ثخين لم ألزمه إياه ; لأن الثخين يدفئ أكثر مما يدفئ الرقيق وربما كان أكثر بقاء من الرقيق ; ولأنه مخالف لصفته خارج منها قال : وكذلك لو سلفه في عبد بصفة ، وقال وضيء فجاءه بأكثر من صفته إلا أنه غير وضيء لم ألزمه إياه ; لمباينته من أنه ليس بوضيء وخروجه من الصفة ، وكذلك لو سلفه في عبد بصفة فقال غليظ شديد الخلق فجاء بوضيء ليس بشديد الخلق أكثر منه ثمنا لم يلزمه ; لأن الشديد يغني غير غناء الوضيء وللوضيء ثمن أكثر منه ، ولا ألزمه أبدا خيرا من شرطه حتى يكون منتظما لصفته زائدا عليها . فأما إذا زاد [ ص: 138 ] عليها في القيمة ، وقصر عنها في بعض المنفعة أو كان هذا خارجا منها بالصفة فلا ألزمه إلا ما شرط فعلى هذا هذا الباب كله وقياسه .
باب ما يجوز فيه السلف ، وما لا يجوز .

( قال الشافعي ) : رحمه الله ولا يجوز السلف في حنطة أرض رجل بعينها بصفة ; لأن الآفة قد تصيبها في الوقت الذي يحل فيه السلف فلا يلزم البائع أن يعطيه صفته من غيرها ; لأن البيع ، وقع عليها ويكون قد انتفع بماله في أمر لا يلزمه والبيع ضربان لا ثالث لهما بيع عين إلى غير أجل وبيع صفة إلى أجل أو غير أجل فتكون مضمونة على البائع فإذا باعه صفة من عرض بحال فله أن يأخذ منها من حيث شاء قال : وإذا كان خارجا من البيوع التي أجزت كان بيع ما لا يعرف أولى أن يبطل .

( قال الشافعي ) : وهكذا ثمر حائط رجل بعينه ونتاج رجل بعينه ، وقرية بعينها غير مأمونة ونسل ماشية بعينها فإذا شرط المسلف من ذلك ما يكون مأمونا أن ينقطع أصله لا يختلف في الوقت الذي يحل فيه جاز ، وإذا شرط الشيء الذي الأغلب منه أن لا يؤمن انقطاع أصله لم يجز . قال : وهكذا لو أسلفه في لبن ماشية رجل بعينه وبكيل معلوم وصفة لم يجز ، وإن أخذ في كيله وحلبه من ساعته ; لأن الآفة قد تأتي عليه قبل أن يفرغ من جميع ما أسلف فيه ، ولا نجيز في شيء من هذا إلا كما وصفت لك في أن يكون بيع عين لا يضمن صاحبها شيئا غيرها إن هلكت انتقض البيع أو بيع صفة مأمونة أن تنقطع من أيدي الناس في حين محله .

فأما ما كان قد ينقطع من أيدي الناس فالسلف فيه فاسد ( قال الشافعي ) : وإن أسلف سلفا فاسدا ، وقبضه رده ، وإن استهلكه رد مثله إن كان له مثل أو قيمته إن لم يكن له مثل ورجع برأس ماله فعلى هذا هذا الباب كله وقياسه .
باب اختلاف المسلف والمسلف في السلم .

( قال الشافعي ) : رحمه الله ولو اختلف المسلف والمسلف في السلم فقال المشتري أسلفتك مائة دينار في مائتي صاع حنطة ، وقال البائع أسلفتني مائة دينار في مائة صاع حنطة أحلف البائع بالله ما باعه بالمائة التي قبض منه إلا مائة صاع فإذا حلف قيل للمشتري إن شئت فلك عليه المائة الصاع التي أقر بها ، وإن شئت فاحلف ما ابتعت منه مائة صاع ، وقد كان بيعك مائتي صاع ; لأنه مدع عليك أنه ملك عليك المائة الدينار بالمائة الصاع وأنت منكر ؟ فإن حلف تفاسخا البيع .

( قال الشافعي ) : وكذلك لو اختلفا فيما اشترى منه فقال : أسلفتك مائتي دينار في مائة صاع تمرا ، وقال : بل أسلفتني في مائة صاع ذرة أو قال أسلفتك في مائة صاع برديا ، وقال بل أسلفتني في مائة صاع عجوة أو قال أسلفتك في سلعة موصوفة ، وقال الآخر بل أسلفتني في سلعة غير موصوفة كان القول فيه كما وصفت لك يحلف البائع ثم يخير المبتاع بين أن يأخذ بما أقر له البائع بلا يمين أو يحلف فيبرأ من دعوى البائع ويتفاسخان .

( قال الربيع ) : إن أخذه المبتاع ، وقد ناكره البائع فإن أقر المبتاع ثم قال البائع : حل له أن يأخذها ، وإلا فلا [ ص: 139 ] يحل له إذا أنكره ، والسلف ينفسخ بعد أن يتصالحا .

( قال الشافعي ) : وكذلك لو تصادقا في السلعة واختلفا في الأجل فقال المسلف هو إلى سنة ، وقال البائع هو إلى سنتين حلف البائع وخير المشتري فإن رضي ، وإلا حلف وتفاسخا فإن كان الثمن في هذا كله دنانير أو دراهم رد مثلها أو طعاما رد مثله فإن لم يوجد رد قيمته .

وكذلك لو كان سلفه سلعة غير مكيلة ، ولا موزونة ففاتت رد قيمتها قال : وهكذا القول في بيوع الأعيان إذا اختلفا في الثمن أو في الأجل أو اختلفا في السلعة المبيعة فقال البائع بعتك عبدا بألف واستهلكت العبد ، وقال المشتري اشتريته منك بخمسمائة ، وقد هلك العبد تحالفا ورد قيمة العبد ، وإن كانت أقل من الخمسمائة أو أكثر من ألف ( قال الشافعي ) : وهكذا كل ما اختلفا فيه من كيل وجودة وأجل قال ، ولو تصادقا على البيع والأجل فقال البائع لم يمض من الأجل شيء أو قال مضى منه شيء يسير ، وقال المشتري بل قد مضى كله أو لم يبق منه إلا شيء يسير كان القول قول البائع مع يمينه وعلى المشتري البينة .

( قال الشافعي ) رحمه الله : ولا ينفسخ بيعهما في هذا من قبل تصادقهما على الثمن والمشترى والأجل فأما ما يختلفان فيه في أصل العقد فيقول المشتري اشتريت إلى شهر ويقول البائع بعتك إلى شهرين فإنهما يتحالفان ويترادان من قبل اختلافهما فيما يفسخ العقدة والأولان لم يختلفا .

( قال الشافعي ) : وكرجل استأجر رجلا سنة بعشرة دنانير فقال الأجير : قد مضت ، وقال المستأجر : لم تمض فالقول قول المستأجر وعلى الأجير البينة ; لأنه مقر بشيء يدعي المخرج منه .
باب السلف في السلعة بعينها حاضرة أو غائبة .

( قال الشافعي ) : رحمه الله ولو سلف رجل رجلا مائة دينار في سلعة بعينها على أن يقبض السلعة بعد يوم أو أكثر كان السلف فاسدا ، ولا تجوز بيوع الأعيان على أنها مضمونة على بائعها بكل حال ; لأنه لا يمتنع من فوتها ، ولا بأن لا يكون لصاحبها السبيل على أخذها متى شاء هو لا يحول بائعها دونها إذا دفع إليه ثمنها ، وكان إلى أجل ; لأنها قد تتلف في ذلك الوقت ، وإن قل فيكون المشتري قد اشترى غير مضمون على البائع بصفة موجودة بكل حال يكلفها بائعها ، ولا ملكه البائع شيئا بعينه يتسلط على قبضه حين وجب له ، وقدر على قبضه .

( قال الشافعي ) : وكذلك لا يتكارى منه راحلة بعينها معجلة الكراء على أن يركبها بعد يوم أو أكثر ; لأنها قد تتلف ويصيبها ما لا يكون فيها ركوب معه ، ولكن يسلفه على أن يضمن له حمولة معروفة وبيوع الأعيان لا تصلح إلى أجل إنما المؤجل ما ضمن من البيوع بصفة ، وكذلك لا يجوز أن يقول أبيعك جاريتي هذه بعبدك هذا على أن تدفع إلي عبدك بعد شهر ; لأنه قد يهرب ويتلف وينقص إلى شهر .

( قال الشافعي ) : وفساد هذا خروجه من بيع المسلمين ، وما وصفت وأن الثمن فيه غير معلوم ; لأن المعلوم ما قبضه المشتري أو ترك قبضه ، وليس للبائع أن يحول دونه قال : ولا بأس أن أبيعك عبدي هذا أو أدفعه إليك بعبد موصوف أو عبدين أو بعير أو بعيرين أو خشبة أو خشبتين إذا كان ذلك موصوفا مضمونا ; لأن حقي في صفة مضمونة على المشتري لا في عين تتلف أو تنقص أو تفوت فلا تكون مضمونة عليه .
باب امتناع ذي الحق من أخذ حقه .

( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى وإذا حل حق المسلم وحقه حال بوجه من الوجوه فدعا الذي [ ص: 140 ] عليه الحق الذي له الحق إلى أخذ حقه فامتنع الذي له الحق فعلى الوالي جبره على أخذ حقه ليبرأ ذو الدين من دينه ويؤدي إليه ما له عليه غير منتقص له بالأداء شيئا ، ولا مدخل عليه ضررا إلا أن يشاء رب الحق أن يبرئه من حقه بغير شيء يأخذه منه فيبرأ بإبرائه إياه ( قال الشافعي ) : فإن دعاه إلى أخذه قبل محله ، وكان حقه ذهبا أو فضة أو نحاسا أو تبرا أو عرضا غير مأكول ، ولا مشروب ، ولا ذي روح يحتاج إلى العلف أو النفقة جبرته على أخذ حقه منه إلا أن يبرئه ; لأنه قد جاءه بحقه وزيادة تعجيله قبل محله ، ولست أنظر في هذا إلى تغير قيمته فإن كان يكون في وقته أكثر قيمة أو أقل قلت للذي له الحق : إن شئت حبسته ، وقد يكون في وقت أجله أكثر منه حين يدفعه وأقل .

( قال الشافعي ) : فإن قال قائل ما دل على ما وصفت ؟ قلت أخبرنا أن أنس بن مالك كاتب غلاما له على نجوم إلى أجل فأراد المكاتب تعجيلها ليعتق فامتنع أنس من قبولها ، وقال لا آخذها إلا عند محلها فأتى المكاتب عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فذكر ذلك له فقال عمر إن أنسا يريد الميراث فكان في الحديث فأمره عمر بأخذها منه وأعتقه .

( قال الشافعي ) : وهو يشبه القياس ( قال ) : وإن كان ما سلف فيه مأكولا أو مشروبا لا يجبر على أخذه ; لأنه قد يريد أكله وشربه جديدا في وقته الذي سلف إليه فإن عجله ترك أكله وشربه وأكله وشربه متغير بالقدم في غير الوقت الذي أراد أكله أو شربه فيه .

( قال الشافعي ) : وإن كان حيوانا لا غناء به عن العلف أو الرعي لم يجبر على أخذه قبل محله ; لأنه يلزمه فيه مؤنة العلف أو الرعي إلى أن ينتهي إلى وقته فدخل عليه بعض مؤنة ، وأما ما سوى هذا من الذهب والفضة والتبر كله ، والثياب والخشب والحجارة ، وغير ذلك فإذا دفعه برئ منه وجبر المدفوع إليه على أخذه من الذي هو له عليه .

( قال الشافعي ) فعلى هذا هذا الباب كله وقياسه لا أعلمه يجوز فيه غير ما وصفت أو أن يقال لا يجبر أحد على أخذ شيء هو له حتى يحل له فلا يجبر على دينار ، ولا درهم حتى يحل له وذلك أنه قد يكون لا حرز له ، ويكون متلفا لما صار في يديه فيختار أن يكون مضمونا على مليء من أن يصير إليه فيتلف من يديه بوجوه منها ما ذكرت . ومنها أن يتقاضاه ذو دين أو يسأله ذو رحم لو لم يعلم ما صار إليه لم يتقاضاه ، ولم يسأله فإنما منعنا من هذا أنا لم نر أحدا خالف في أن الرجل يكون له الدين على الرجل فيموت الذي عليه الدين فيدفعون ماله إلى غرمائه ، وإن لم يريدوه لئلا يحبسوا ميراث الورثة ووصية الموصي لهم ويجبرونهم على أخذه ; لأنه خير لهم والسلف يخالف دين الميت في بعض هذا .
باب السلف في الرطب فينفد .

( قال الشافعي ) : رحمه الله إذا سلف رجل رجلا في رطب أو عنب إلى أجل يطيبان له فهو جائز فإن نفد الرطب أو العنب حتى لا يبقى منه شيء بالبلد الذي سلفه فيه فقد قيل المسلف بالخيار فإن شاء رجع بما بقي من سلفه كأن سلف مائة درهم في مائة مد فأخذ خمسين فيرجع بخمسين ، وإن شاء أخذ ذلك إلى رطب قابل ثم أخذ بيعه بمثل صفة رطبه ، وكيله ، وكذلك العنب وكل فاكهة رطبة تنفد في وقت من الأوقات ، وهذا وجه . قال : وقد قيل إن سلفه مائة درهم في عشرة آصع من رطب فأخذ [ ص: 141 ] خمسة آصع ثم نفذ الرطب كانت له الخمسة آصع بخمسين درهما ; لأنها حصتها من الثمن فانفسخ البيع فيما بقي من الرطب فرد إليه خمسين درهما .

( قال الشافعي ) : وهذا مذهب والله - تعالى - أعلم . ولو سلفه في رطب لم يكن عليه أن يأخذ فيه بسرا ، ولا مختلفا ، وكان له أن يأخذ رطبا كله ، ولم يكن عليه أن يأخذه إلا صحاحا غير منشدخ ، ولا معيب بعفن ، ولا عطش ، ولا غيره ، وكذلك العنب لا يأخذه إلا نضيجا غير معيب ، وكذلك كل شيء من الفاكهة الرطبة يسلف فيها فلا يأخذ إلا صفته غير معيبة .

قال : وهكذا كل شيء أسلفه فيه لم يأخذه معيبا إن أسلف في لبن مخيض لم يأخذه رائبا ، ولا مخيضا وفي المخيض ماء لا يعرف قدره والماء غير اللبن .

( قال الشافعي ) : ولو أسلفه في شيء فأعطاه إياه معيبا والعيب مما قد يخفى فأكل نصفه أو أتلفه وبقي نصفه كأن كان رطبا فأكل نصفه أو أتلفه وبقي نصفه يأخذ النصف بنصف الثمن ويرجع عليه بنقصان ما بين الرطب معيبا وغير معيب ، وإن اختلفا في العيب والمشترى قائم في يد المشتري ، ولم يستهلكه فقال : دفعته إليك بريئا من العيب ، وقال المشتري : بل دفعته معيبا فالقول قول البائع إلا أن يكون ما قال عيب لا يحدث مثله ، وإن كان أتلفه فقال البائع ما أتلفت منه غير معيب ، وما بقي معيب فالقول قوله إلا أن يكون شيئا واحدا لا يفسد منه شيء إلا بفساده كله كبطيخة واحدة أو دباءة واحدة . وكل ما قلت القول فيه قوله فعليه فيه اليمين .
كتاب الرهن الكبير - إباحة الرهن .

( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي قال قال الله - تبارك وتعالى - { يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل } ، وقال - عز وجل - { وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة } ( قال الشافعي ) : فكان بينا في الآية الأمر بالكتاب في الحضر والسفر ، وذكر الله - تبارك اسمه - الرهن إذا كانوا مسافرين ، ولم يجدوا كاتبا فكان معقولا - والله أعلم - فيها : أنهم أمروا بالكتاب والرهن احتياطا لمالك الحق بالوثيقة والمملوك عليه بأن لا ينسى ويذكر لا أنه فرض عليهم أن يكتبوا ، ولا أن يأخذوا رهنا ; لقول الله - عز وجل - { فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته } فكان معقولا أن الوثيقة في الحق في السفر والإعواز غير محرمة - والله أعلم - في الحضر وغير الإعواز ، ولا بأس بالرهن في الحق الحال والدين في الحضر والسفر ، وما قلت من هذا مما لا أعلم فيه خلافا .

وقد روي { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رهن درعه في الحضر عند أبي الشحم اليهودي } وقيل في سلف والسلف حال ( قال [ ص: 142 ] الشافعي ) : أخبرنا الدراوردي عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام قال { رهن رسول الله صلى الله عليه وسلم درعه عند أبي الشحم اليهودي } ( قال الشافعي ) : وروى الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة { أن النبي صلى الله عليه وسلم مات ودرعه مرهونة } .

( قال الشافعي ) فأذن الله - جل ثناؤه - بالرهن في الدين ، والدين حق لازم فكل حق مما يملك أو لزم بوجه من الوجوه جاز الرهن فيه ، ولا يجوز الرهن فيما لا يلزم .

فلو ادعى رجل على رجل حقا فأنكره وصالحه ورهنه به رهنا كان الرهن مفسوخا ; لأنه لا يلزم الصلح على الإنكار ، ولو قال أرهنك داري على شيء إذا داينتني به أو بايعتني ثم داينه أو بايعه لم يكن رهنا ; لأن الرهن كان ، ولم يكن للمرتهن حق ، وإذن الله - عز وجل - به فيما كان للمرتهن من الحق دلالة على أن لا يجوز إلا بعد لزوم الحق أو معه فأما قبله فإذا لم يكن حق فلا رهن .
باب ما يتم به الرهن من القبض . قال الله - عز وجل - { فرهان مقبوضة } ( قال الشافعي ) : فلما كان معقولا أن الرهن غير مملوك الرقبة للمرتهن ملك البيع ، ولا مملوك المنفعة له ملك الإجارة لم يجز أن يكون رهنا إلا بما أجازه الله - عز وجل - به من أن يكون مقبوضا ، وإذا لم يجز فللراهن ما لم يقبضه المرتهن منه منعه منه ، وكذلك لو أذن له في قبضه فلم يقبضه المرتهن حتى رجع الراهن في الرهن كان ذلك له ; لما وصفت من أنه لا يكون رهنا إلا بأن يكون مقبوضا ، وكذلك كل ما لم يتم إلا بأمرين فليس يتم بأحدهما دون الآخر مثل الهبات التي لا تجوز إلا مقبوضة ، وما في معناها .

ولو مات الراهن قبل أن يقبض المرتهن الرهن لم يكن للمرتهن قبض الرهن ، وكان هو والغرماء فيه أسوة سواء ، ولو لم يمت الراهن ، ولكنه أفلس قبل أن يقبض المرتهن الرهن كان المرتهن والغرماء فيه أسوة ; لأنه لا يتم له ، ولو خرس الراهن أو ذهب عقله قبل أن يقبض المرتهن الرهن ، ولا سلطه على قبضه لم يكن للمرتهن قبض الرهن ، ولو أقبضه الراهن إياه في حال ذهاب عقله لم يكن له قبضه ، ولا يكون له قبض حتى يكون جائز الأمر في ماله يوم رهنه ويوم يقبضه الراهن إياه .

ولو رهنه إياه ، وهو محجور ثم أقبضه إياه ، وقد فك الحجر عنه فالرهن الأول لم يكن رهنا إلا بأن يجدد له رهنا ويقبضه إياه بعد أن يفك الحجر عنه ، وكذلك لو رهنه ، وهو غير محجور فلم يقبضه حتى حجر عليه لم يكن له قبضه منه . ولو رهنه عبدا فلم يقبضه حتى هرب العبد وسلطه على قبضه فإن لم يقدر عليه حتى يموت الراهن أو يفلس فليس برهن ، وإن لم يقدر على قبضه حتى رجع الراهن في الرهن لم يكن للمرتهن له قبضه ، ولو رهنه عبدا فارتد العبد عن الإسلام فأقبضه إياه مرتدا أو أقبضه إياه غير مرتد فارتد فالعبد رهن بحاله إن تاب فهو رهن ، وإن قتل على الردة قتل بحق لزمه وخرج من ملك الراهن والمرتهن .

ولو رهنه عبدا ، ولم يقبضه حتى رهنه من غيره وأقبضه إياه كان الرهن للثاني الذي أقبضه صحيحا ، والرهن الذي لم يقبض كما لم يكن . وكذلك لو رهنه إياه فلم يقبضه حتى أعتقه كان حرا خارجا من الرهن .

وكذلك لو رهنه إياه فلم يقبضه حتى كاتبه كان خارجا من الرهن . وكذلك لو وهبه أو أصدقه امرأة أو أقر به لرجل أو دبره كان خارجا من الرهن في هذا كله ( قال الربيع ) وفيه قول آخر أنه لو رهنه فلم يقبضه المرتهن حتى دبره أنه لا يكون خارجا من الرهن بالتدبير ; لأنه لو رهنه بعدما دبره كان الرهن جائزا ; لأن له أن يبيعه بعدما دبره فلما كان له بيعه كان له أن يرهنه .

( قال الشافعي ) : ولو رهن رجل رجلا عبدا ، ومات [ ص: 143 ] المرتهن قبل أن يقبضه كان لرب الرهن منعه من ورثته فإن شاء سلمه لهم رهنا ، ولو لم يمت المرتهن ، ولكنه غلب على عقله فولى الحاكم ماله رجلا فإن شاء الراهن منعه الرجل المولى ; لأنه كان له منعه المرتهن ، وإن شاء سلمه له بالرهن الأول كما كان له أن يسلمه للمرتهن ويمنعه إياه . ولو رهن رجل رجلا جارية فلم يقبضه إياها حتى وطئها ثم أقبضه إياها بعد الوطء فظهر بها حمل أقر به الراهن كانت خارجة من الرهن ; لأنها لم تقبض حتى حبلت فلم يكن له أن يرهنها حبلى منه .

وهكذا لو وطئها قبل الرهن ثم ظهر بها حمل فأقر به خرجت من الرهن ، وإن كانت قبضت ; لأنه رهنها حاملا ، ولو رهنه إياها غير ذات زوج فلم يقبضها حتى زوجها السيد ثم أقبضه إياها فالتزويج جائز ، وهي رهن بحالها ، ولا يمنع زوجها من وطئها بحال ، وإذا رهن الرجل الرجل الجارية فليس له أن يزوجها دون المرتهن ; لأن ذلك ينقص ثمنها ويمنع إذا كانت حاملا وحل الحق بيعها ، وكذلك المرتهن فأيهما زوج فالنكاح مفسوخ حتى يجتمعا عليه ، ولو رهن رجل رجلا عبدا وسلطه على قبضه فآجره المرتهن قبل أن يقبضه من الراهن أو غيره لم يكن مقبوضا .

( قال الشافعي ) : أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أنه قال لعطاء ارتهنت عبدا فآجرته قبل أن أقبضه قال ليس بمقبوض ( قال الشافعي ) ليس الإجارة بقبض ، وليس برهن حتى يقبض ، وإذا قبض المرتهن الرهن لنفسه أو قبضه له أحد بأمره فهو قبض كقبض وكيله له .

( قال الشافعي ) : أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عمرو بن دينار أنه قال : إذا ارتهنت عبدا فوضعته على يد غيرك فهو قبض .

( قال الشافعي ) : وإذا ارتهن ولي المحجور له أو الحاكم للمحجور فقبض الحاكم ، وقبض ولي المحجور للمحجور كقبض غير المحجور لنفسه ، وكذلك قبض الحاكم له ، وكذلك إن وكل الحاكم من قبض للمحجور أو ، وكل ولي المحجور من يقبض له فقبضه له كقبض الرجل غير المحجور لنفسه وللراهن منع الحاكم وولي المحجور من الرهن ما لم يقبضاه ويجوز ارتهان ولي المحجور عليه له ورهنهما عليه في النظر له .

وذلك أن يبيع لهما فيفضل ويرتهن . فأما أن يسلف مالهما ويرتهن فلا يجوز عليهما ، وهو ضامن ; لأنه لا فضل لهما في السلف ، ولا يجوز رهن المحجور لنفسه ، وإن كان نظرا له كما لا يجوز بيعه ، ولا شراؤه لنفسه ، وإن كان نظرا له .
قبض الرهن ، وما يكون بعد قبضه مما يخرجه من الرهن ، وما لا يخرجه .


( قال الشافعي ) : رحمه الله قال الله - تعالى - { فرهان مقبوضة } ( قال الشافعي ) إذا قبض الرهن مرة واحدة فقد تم وصار المرتهن أولى به من غرماء الراهن ، ولم يكن للراهن إخراجه من الرهن حتى يبرأ مما في الرهن من الحق كما يكون المبيع مضمونا من البائع فإذا قبضه المشتري مرة صار في ضمانه فإن رده إلى البائع بإجارة أو وديعة فهو من مال المبتاع ، ولا ينفسخ ضمانه بالبيع ، وكما تكون الهبات ، وما في معناها غير تامة فإذا قبضها الموهوب له مرة ثم أعارها إلى الواهب أو أكراها منه أو من غيره لم يخرجها من الهبة .

وسواء إذا قبض المرتهن الرهن مرة ، ورده على الراهن بإجارة أو عارية أو غير ذلك ما لم يفسخ الراهن الرهن أو كان في يده ; لما وصفت ( قال الشافعي ) : أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أنه قال لعطاء ارتهنت رهنا فقبضته ثم آجرته منه قال نعم هو عندك إلا أنك آجرته منه قال ابن جريج فقلت لعطاء فأفلس فوجدته عنده ؟ قال أنت أحق به من غرمائه .

( قال الشافعي ) : يعني لما وصفت من أنك إذا قبضته مرة ثم آجرته من راهنه فهو كعبد لك آجرته منه ; لأن رده إليه بعد القبض لا يخرجه من الرهن [ ص: 144 ] قال : ولا يكون الرهن مقبوضا إلا أن يقبضه المرتهن أو أحد غير الراهن بأمر المرتهن فيكون وكيله في قبضه فإن ارتهن رجل من رجل رهنا ووكل المرتهن الراهن أن يقبضه له من نفسه فقبضه له من نفسه لم يكن قبضا ، ولا يكون وكيلا على نفسه لغيره في قبض كما لو كان له عليه حق فوكله بأن يقبضه له من نفسه ففعل فهلك لم يكن بريئا من الحق كما يبرأ منه لو قبضه وكيل غيره ، ولا يكون وكيلا على نفسه في حال إلا الحال التي يكون فيها وليا لمن قبض له وذلك أن يكون له ابن صغير فيشتري له من نفسه ويقبض له أو يهب له شيئا ويقبضه فيكون قبضه من نفسه قبضا لابنه ; لأنه يقوم مقام ابنه .

وكذلك إذا رهن ابنه رهنا فقبضه له من نفسه فإن كان ابنه بالغا غير محجور لم يجز من هذا شيء إلا أن يقبضه ابنه لنفسه أو وكيل لابنه غير أبيه .

وإذا كان للرجل عبد في يد رجل وديعة أو دار أو متاع فرهنه إياه وأذن له بقبضه فجاءت عليه مدة يمكنه فيها أن يقبضه ، وهو في يده فهو قبض فإذا أقر الراهن أن المرتهن قد قبض الرهن فصدقه المرتهن أو ادعى قبضه فالرهن مقبوض ، وإن لم يره الشهود . وسواء كان الرهن غائبا أو حاضرا وذلك أن الرهن قد يقبضه المرتهن بالبلد الذي هو به فيكون ذلك قبضا إلا في خصلة أن يتصادقا على أمر لا يمكن أن يكون مثله مقبوضا في ذلك الوقت وذلك أن يقول اشهدوا أني قد رهنته اليوم داري التي بمصر ، وهما بمكة ، وقبضها فيعلم أن الرهن إن كان اليوم لم يمكن أن يقبض له بمكة من يومه هذا ، وما في هذا المعنى .

ولو كانت الدار في يده بكراء أو وديعة كانت كهي لو لم تكن في يده لا يكون قبضا حتى تأتي عليها مدة يمكن أن تكون في يده بالرهن دون الكراء أو الوديعة أو الرهن معهما أو مع أحدهما ، وكينونتها في يده بغير الرهن غير كينونتها في يده بالرهن فأما إذا لم يؤقت وقتا وأقر بأنه رهنه داره بمكة ، وقبضها ثم قال الراهن إنما رهنته اليوم ، وقال المرتهن بل رهنتنيها في وقت يمكن في مثله أن يكون قبضها قابض بأمره وعلم القبض فالقول قول المرتهن أبدا حتى يصدق الراهن بما وصفت من أنه لم يكن مقبوضا . ولو أراد الراهن أن أحلف له المرتهن على دعواه بأنه أقر له بالقبض ، ولم يقبض منه فعلت ; لأنه لا يكون رهنا حتى يقبضه . والله - سبحانه وتعالى - أعلم .
ما يكون قبضا في الرهن ، ولا يكون ، ، وما يجوز أن يكون رهنا .

( قال الشافعي ) : رحمه الله كل ما كان قبضا في البيوع كان قبضا في الرهن والهبات والصدقات لا يختلف ذلك فيجوز رهن الدابة والعبد والدنانير والدراهم والأرضين وغير ذلك ويجوز رهن الشقص من الدار والشقص من العبد ، ومن السيف ، ومن اللؤلؤة ، ومن الثوب كما يجوز أن يباع هذا كله والقبض فيه أن يسلم إلى مرتهنه لا حائل دونه كما يكون القبض في البيع قبض العبد والثوب ، وما يجوز أن يأخذه مرتهنه من يد راهنه .

وقبض ما لا يحول من أرض ودار وغراس أن يسلم لا حائل دونه ، وقبض الشقص مما لا يحول كقبض الكل أن يسلم لا حائل دونه ، وقبض الشقص مما يحول مثل السيف واللؤلؤة ، وما أشبههما أن يسلم للمرتهن فيها حقه حتى يضعها المرتهن والراهن على يد عدل أو في يد الشريك فيها الذي ليس براهن أو يد المرتهن ، فإذا كان بعض هذا فهو قبض ، وإن صيرها المرتهن إلى الراهن أو إلى غيره بعد القبض فليس بإخراج لها من الرهن كما وصفت لا يخرجها إلا فسخ الرهن أو البراءة من الحق الذي به الرهن .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #128  
قديم 10-06-2022, 06:55 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثالث -
كتاب البيوع
الحلقة (128)
صــــــــــ 145 الى صـــــــــــ151





وإذا أقر الراهن أن المرتهن قد قبض الرهن وادعى ذلك المرتهن حكم له بأن الرهن تام بإقرار الراهن ودعوى المرتهن ، ولو كان الرهن في الشقص غائبا فأقر الراهن أن المرتهن قد قبض الرهن وادعى ذلك [ ص: 145 ] المرتهن أجزت الإقرار ; لأنه قد يقبض له ، وهو غائب عنه فيكون قد قبضه بقبض من أمره بقبضه له .

ولو كان لرجل عبد في يدي رجل بإجارة أو وديعة فرهنه إياه وأمره بقبضه كان هذا رهنا إذا جاءت عليه ساعة بعد ارتهانه إياه ، وهو في يده ; لأنه مقبوض في يده بعد الرهن ، ولو كان العبد الرهن غائبا عن المرتهن لم يكن قبضا حتى يحضره فإذا أحضره بعدما أذن له بقبضه فهو مقبوض كما يبيعه إياه ، وهو في يديه ويأمره بقبضه فيقبضه بأنه في يديه فيكون البيع تاما ، ولو مات مات من مال المشتري ، ولو كان غائبا لم يكن مقبوضا حتى يحضر المشتري بعد البيع فيكون مقبوضا بعد حضوره ، وهو في يديه . ولو كانت له عنده ثياب أو شيء مما لا يزول بنفسه وديعة أو عارية أو بإجارة فرهنه إياها ، وأذن له في قبضها قبل القبض ، وهي غير غائبة عن منزله كان هذا قبضا ، وإن كانت غائبة عن منزله لم يكن قبضا حتى يحدث لها قبضا ، وإن كان رهنه إياها في سوق أو مسجد ، وهي في منزله وأذن له في قبضها لم يكن قبضا حتى يصير إلى منزله ، وهي فيه فيكون لها حينئذ قابضا ; لأنها قد تخرج من منزله بخلافه إلى سيدها وغيره ، ولا يكون القبض إلا ما حضره المرتهن لا حائل دونه أو حضره وكيله كذلك .

ولو كان الرهن أرضا أو دارا غائبة عن المرتهن ، وهي وديعة في يديه ، وقد وكل بها فأذن له في قبضها لم يكن مقبوضا حتى يحضرها المرتهن أو وكيله بعد الرهن مسلمة لا حائل دونها ; لأنها إذا كانت غائبة عنه فقد يحدث لها مانع منه فلا تكون مقبوضة أبدا إلا بأن يحضرها المرتهن أو وكيله لا حائل دونها ، ولو جاءت عليه في هذه المسائل مدة يمكنه أن يبعث رسولا إلى الرهن حيث كان يقبضه فادعى المرتهن أنه قبضه كان مقبوضا ; لأنه يقبض له ، وهو غائب عنه .

وإذا رهن الرجل رهنا وتراضى الراهن والمرتهن بعدل يضعانه على يديه فقال العدل قد قبضته لك ثم اختلف الراهن والمرتهن فقال الراهن : لم يقبضه لك العدل ، وقال المرتهن قد قبضه لي فالقول قول الراهن وعلى المرتهن البينة أن العدل قد قبضه له ; لأنه وكيل له فيه ، ولا أقبل فيه شهادته ; لأنه يشهد على فعل نفسه ، ولا يضمن المأمور بقبض الرهن بغروره المرتهن شيئا من حقه ، وكذا لو أفلس غريمه أو هلك الرهن الذي ارتهنه فقال قبضته ، ولم يقبضه ; لأنه لم يضمن له شيئا ، وقد أساء في كذبه .

ولو كان كل ما ذكرت من الرهن في يدي المرتهن بغصب الراهن فرهنه إياه قبل أن يقبضه منه وأذن له في قبضه فقبضه كان رهنا ، وكان مضمونا على الغاصب بالغصب حتى يدفعه إلى المغصوب فيبرأ أو يبرئه المغصوب من ضمان الغصب ، ولا يكون أمره له بالقبض لنفسه براءة من ضمان الغصب ، وكذلك لو كان في يديه بشراء فاسد ; لأنه لا يكون وكيلا لرب المال في شيء على نفسه ألا ترى أنه لو أمره أن يقبض لنفسه من نفسه حقا فقبضه ، وهلك لم يبرأ منه ، ولكنه لو رهنه إياه وتواضعاه على يدي عدل كان الغاصب والمشتري شراء فاسدا بريئين من الضمان بإقرار وكيل رب العبد أنه قد قبضه بأمر رب العبد ، وكان كإقرار رب العبد أنه قد قبضه ، وكان رهنا مقبوضا ؟ .

ولو قال الموضوع على يديه الرهن بعد قوله قد قبضته : لم أقبضه لم يصدق على الغاصب ، ولا المشتري شراء فاسدا ، وكان بريئا من الضمان كما يبرأ لو قال رب العبد : قد قبضته منه ، وكان مقبوضا بإقرار الموضوع على يديه الرهن أنه قبضه . ولو رهن رجل رجلا عبدين أو عبدا وطعاما أو عبدا ودارا أو دارين فقبض أحدهما ، ولم يقبض الآخر كان الذي قبض رهنا بجميع الحق ، وكان الذي لم يقبض خارجا من الرهن حتى يقبضه إياه الراهن ، ولا يفسد الذي قبض بأن لم يقبض [ ص: 146 ] الذي معه في عقدة الرهن ، وليس كالبيوع في هذا .

وكذلك لو قبض أحدهما ، ومات الآخر أو قبض أحدهما ، ومنعه الآخر كان الذي قبض رهنا والذي لم يقبض خارجا من الرهن ، وكذلك لو وهب له دارين أو عبدين أو دارا وعبدا فأقبضه أحدهما ، ومنعه الآخر كان له الذي قبض ، ولم يكن له الذي منعه ، وكذلك لو لم يمنعه ، ولكنه غاب عنه أحدهما لم تكن الهبة في الغائب تامة حتى يسلطه على قبضه فيقبضه بأمره . وإذا رهنه رهنا فأصاب الرهن عيب إما كان عبدا فاعور أو قطع أو أي عيب أصابه فأقبضه إياه فهو رهن بحاله فإن قبضه ثم أصابه ذلك العيب عند المرتهن فهو رهن بحاله ، وهكذا لو كانت دارا فانهدمت أو حائطا فتقعر نخله وشجره وانهدمت عينه كان رهنا بحاله ، وكان للمرتهن منع الراهن من بيع خشب نخله وبيع بناء الدار ; لأن ذلك كله داخل في الرهن .

إلا أن يكون ارتهن الأرض دون البناء والشجر فلا يكون له منع ما لم يدخل في رهنه ، ولو رهنه أرض الدار ، ولم يسم له البناء في الرهن أو حائطا ، ولم يسم له الغراس في الرهن كانت الأرض له رهنا دون البناء والغراس ، ولا يدخل في الرهن إلا ما سمي داخلا فيه ، ولو قال رهنتك بناء الدار كانت الدار له رهنا دون أرضها ، ولا يكون له الأرض والبناء حتى يقول رهنتك أرض الدار وبناءها وجميع عمارتها . ولو قال : رهنتك نخلي كانت النخل رهنا ، ولم يكن ما سواها من الأرض ، ولا البناء عليها رهنا حتى يكتب : رهنتك حائطي بحدوده أرضه وغراسه وبنائه وكل حق له فيكون جميع ذلك رهنا .

ولو قال رهنتك بعض داري أو رهنتك شقصا أو جزءا من داري لم يكن هذا رهنا ، ولو أقبضه جميع الدار حتى يسمي كم ذلك البعض أو الشقص أو الجزء ربعا أو أقل أو أكثر منه كما لا يكون بيعا ، وكذلك لو أقبضه الدار ، ولو قال : رهنتكها إلا ما شئت أنا وأنت منها أو إلا جزءا منها لم يكن رهنا .
ما يكون إخراجا للرهن من يدي المرتهن ، وما لا يكون .

( قال الشافعي ) رحمه الله : وجماع ما يخرج الرهن من يدي المرتهن أن يبرأ الراهن من الحق الذي عليه الرهن بدفع أو إبراء من المرتهن له أو يسقط الحق الذي به الرهن بوجه من الوجوه فيكون الرهن خارجا من يدي المرتهن عائدا إلى ملك راهنه كما كان قبل أن يرهن أو بقول المرتهن قد فسخت الرهن أو أبطلته أو أبطلت حقي فيه ، ولو رهن رجل رجلا أشياء مثل دقيق ، وإبل وغنم وعروض ودراهم ودنانير بألف درهم أو ألف درهم ، ومائة دينار أو ألف درهم ، ومائتي دينار أو بعيرا وطعاما فدفع الراهن إلى المرتهن جميع ماله في الرهون كلها إلا درهما واحدا أو أقل منه أو ويبة حنطة أو أقل منها كانت الرهون كلها بالباقي .

وإن قل لا سبيل للراهن على شيء منها ، ولا لغرمائه ، ولا لورثته لو مات حتى يستوفي المرتهن كل ماله فيها ; لأن الرهون صفقة واحدة لا يفك بعضها قبل بعض . ولو رهن رجل رجلا جارية فقبضها المرتهن ثم أذن للراهن في عتقها فلم يعتقها أو أذن له في وطئها فلم يطأها أو وطئها فلم تحمل فهي رهن بحالها لا يخرجها من الرهن إلا بأن يأذن له فيما وصفت كما لو أمره أن يعتق عبدا لنفسه فأعتقه عتق [ ص: 147 ] وإن لم يعتقه فهو على ملكه بحاله ، وكذلك لو ردها المرتهن إلى الراهن بعد قبضه إياها بالرهن مرة واحدة فقال استمتع من وطئها وخدمتها كانت مرهونة بحالها لا تخرج من الرهن فإن حملت الجارية من الوطء فولدت أو أسقطت سقطا قد بان من خلقه شيء فهي أم ولد لسيدها الراهن وخارجة من الرهن ، وليس على الراهن أن يأتيه برهن غيرها ; لأنه لم يتعد في الوطء .

، وهكذا لو أذن له في أن يضربها فضربها فماتت لم يكن له عليه أن يأتيه ببدل منها يكون رهنا مكانها ; لأنه لم يتعد عليه في الضرب . وإذا رهن الرجل الرجل أمة فآجره إياها فوطئها الراهن أو اغتصبها الراهن نفسها فوطئها فإن لم تلد فهي رهن بحالها ، ولا عقر للمرتهن على الراهن ; لأنها أمة الراهن ، ولو كانت بكرا فنقصها الوطء كان للمرتهن أخذ الراهن بما نقصها يكون رهنا معها أو قصاصا من الحق إن شاء الراهن كما تكون جنايته عليها ، وهكذا لو كانت ثيبا فأفضاها أو نقصها نقصا له قيمة ، وإن لم ينقصها الوطء فلا شيء للمرتهن على الراهن في الوطء ، وهي رهن كما هي .

وإن حبلت وولدت ، ولم يأذن له في الوطء ، ولا مال له غيرها ففيها قولان . أحدهما : أنها لا تباع ما كانت حبلى ، فإذا ولدت بيعت ، ولم يبع ولدها ، وإن نقصتها الولادة شيئا فعلى الراهن ما نقصتها الولادة ، وإن ماتت من الولادة فعلى الراهن أن يأتي بقيمتها صحيحة تكون رهنا مكانها أو قصاصا متى قدر عليها ، ولا يكون إحباله إياها أكبر من أن يكون رهنها ثم أعتقها ، ولا مال له غيرها فأبطل العتق وتباع بالحق ، وإن كانت تسوى ألفا ، وإنما هي مرهونة بمائة بيع منها بقدر المائة وبقي ما بقي رقيقا لسيدها ليس له أن يطأها وتعتق بموته في قول من أعتق أم الولد بموت سيدها ، ولا تعتق قبل موته ، ولو كان رهنه إياها ثم أعتقها ، ولم تلد ، ولا مال له بيع منها بقدر الدين وعتق ما بقي مكانه . وإن كان عليه دين يحيط بما له عتق ما بقي ، ولم يبع لأهل الدين .

والقول الثاني : أنه إذا أعتقها فهي حرة أو أولدها فهي أم ولد له لا تباع في واحدة من الحالين ; لأنه مالك ، وقد ظلم نفسه ، ولا يسعى في شيء من قيمتها ، وهكذا القول فيما رهن من الرقيق كلهم ذكورهم ، وإناثهم ، وإذا بيعت أم الولد في الرهن بما وصفت فملكها السيد فهي أم ولد له بذلك الولد ، ووطؤه إياها ، وعتقه بغير إذن المرتهن مخالف له بإذن المرتهن .

ولو اختلفا في الوطء والعتق فقال الراهن : وطئتها أو أعتقتها بإذنك ، وقال المرتهن : ما أذنت لك فالقول قول المرتهن مع يمينه فإن نكل المرتهن حلف الراهن لقد أذن له ثم كانت خارجة من الرهن ، وإن لم يحلف الراهن أحلفت الجارية فقد أذن له بعتقها أو وطئها ، وكانت حرة أو أم ولد ، وإن لم تحلف هي ، ولا السيد كانت رهنا بحالها .

ولو مات المرتهن فادعى الراهن عليه أنه أذن له في عتقها أو وطئها ، وقد ولدت منه أو أعتقها كانت عليه البينة فإن لم يقم بينة فهي رهن بحالها ، وإن أراد أن يحلف له ورثة الميت أحلفوا ما علموا أباهم أذن له لم يزادوا على ذلك في اليمين ، ولو مات الراهن فادعى ورثة هذا أحلف لهم المرتهن ما أذن للراهن في الوطء والعتق كما وصفت أولا .

وهذا كله إذا كان مفلسا فأما إذا كان الراهن موسرا فتؤخذ قيمة الجارية منه في العتق والإيلاد ثم يخير بين أن تكون قيمتها رهنا مكانها ، وإن كان أكثر من الحق أن قصاصا من الحق فإن اختار أن يكون قصاصا من الحق ، وكان فيه فضل عن الحق رد ما فضل عن الحق عليه . وإذا أقر المرتهن أنه أذن للراهن في وطء أمته ثم قال : هذا الحبل ليس منك هو من زوج زوجتها إياه أو من عبد فادعاه الراهن فهو ابنه ، ولا يمين عليه ; لأن النسب لاحق به ، وهي أم ولد له بإقراره ، ولا يصدق المرتهن على نفي الولد عنه ، وإنما منعني من إحلافه أنه لو أقر بعد دعوته الولد أنه ليس منه ألحقت الولد به وجعلت الجارية أم ولد فلا معنى ليمينه إذا حكمت بإخراج أم الولد من الرهن .

ولو اختلف الراهن والمرتهن فقال الراهن : أذنت لي في وطئها فولدت لي ، وقال المرتهن : ما أذنت لك ، كان [ ص: 148 ] القول قول المرتهن فإن كان الراهن معسرا والجارية حبلى لم تبع حتى تلد ثم تباع ، ولا يباع ، ولدها ، ولو قامت بينة أن المرتهن أذن للراهن منذ مدة ذكروها في وطء أمته وجاءت بولد يمكن أن يكون من السيد في مثل تلك المدة فادعاه فهو ولده ، وإن لم يمكن أن يكون من السيد بحال ، وقال المرتهن هو من غيره بيعت الأمة ، ولا يباع الولد بحال ، ولا يكون الولد رهنا مع الأمة ، وإذا رهن رجل رجلا أمة ذات زوج أو زوجها بعد الرهن بإذن المرتهن لم يمنع زوجها من وطئها والبناء بها ، فإن ولدت فالولد خارج من الرهن ، وإن حبلت ففيها قولان . أحدهما : لا تباع حتى تضع حملها ثم تكون الجارية رهنا والولد خارجا من الرهن ، ومن قال هذا قال : إنما يمنعني من بيعها حبلى وولدها مملوك أن الولد لا يملك بما تملك به الأم إذا بيعت في الرهن ، فإن سأل الراهن أن تباع ويسلم الثمن كله للمرتهن فذلك له .

والقول الثاني : أنها تباع حبلى ، وحكم الولد حكم الأم حتى يفارقها فإذا فارقها فهو خارج من الرهن ، وإذا رهن الرجل الرجل جارية فليس له أن يزوجها دون المرتهن ; لأن ذلك ينقص ثمنها ويمنع إذا كانت حاملا وحل الحق من بيعها ، وكذلك ليس للمرتهن أن يزوجها ; لأنه لا يملكها ، وكذلك العبد الرهن ، وأيهما زوج العبد أو الأمة فالنكاح مفسوخ حتى يجتمعا على التزويج قبل عقدة النكاح .

وإذا رهن الرجل الرجل رهنا إلى أجل فاستأذن الراهن المرتهن في بيع الرهن فأذن له فيه فباعه فالبيع جائز ، وليس للمرتهن أن يأخذ من ثمنه شيئا ، ولا أن يأخذ الراهن برهن مكانه ، وله ما لم يبعه أن يرجع في إذنه له بالبيع فإن رجع فباعه بعد رجوعه في الإذن له فالبيع مفسوخ ، وإن لم يرجع ، وقال : إنما أذنت له في أن يبيعه على أن يعطيني ثمنه ، وإن كنت لم أقل له أنفذت البيع ، ولم يكن له أن يعطيه من ثمنه شيئا ، ولا أن يجعل له رهنا مكانه ، ولو اختلفا فقال : أذنت له وشرطت أن يعطيني ثمنه ، وقال الراهن : أذن لي ، ولم يشترط حتى يجعلها رهنا مكانه ، ولو تصادقا على أنه أذن له ببيعه على أن يعطيه ثمنه لم يكن له أن يبيعه ; لأنه لم يأذن له في بيعه إلا على أن يعجل له حقه قبل محله .

ولو قامت بينة على أنه أذن له أن يبيعه ويعطيه ثمنه فباعه على ذلك فسخت البيع من قبل فساد الشرط في دفعه حقه قبل محله بأخذ الرهن فإن فات العبد في يدي المشتري بموت فعلى المشتري قيمته ; لأن البيع فيه كان مردودا وتوضع قيمته رهنا إلى الأجل الذي إليه الحق إلا أن يتطوع الذي عليه الحق بتعجيله قبل محله تطوعا مستأنفا لا على الشرط الأول .

ولو أذن له أن يبيعه على أن يكون المال رهنا لم يجز البيع ، وكان كالمسألة قبلها التي أذن له فيها أن يبيعه على أن يقبضه ثمنه في رد البيع فكان فيه غير ما في المسألة الأولى أنه أذن له أن يبيعه على أن يرهنه ثمنه وثمنه شيء غيره غير معلوم ، ولو كان الرهن بحق حال فأذن الراهن للمرتهن أن يبيع الرهن على أن يعطيه حقه فالبيع جائز وعليه أن يدفع إليه ثمن الرهن ، ولا يحبس عنه منه شيئا ، فإن هلك في يده أخذه بجميع الحق في ماله كان أقل أو أكثر من ثمن الرهن ، وإنما أجزناه ها هنا ; لأنه كان عليه ما شرط عليه من بيعه ، وإيفائه حقه قبل شرط ذلك عليه .

ولو كانت المسألة بحالها فأذن له في بيع الرهن ، ولم يشترط عليه أن يعطيه ثمنه كان عليه أن يعطيه ثمنه إلا أن يكون الحق أقل من ثمنه فيعطيه الحق ، ولو أذن المرتهن للراهن في بيع الرهن ، ولم يحل كان له الرجوع في إذنه له ما لم يبعه فإذا باعه وتم البيع ، ولم يقبض ثمنه أو قبضه فأراد المرتهن أخذ ثمنه منه على أصل الرهن لم يكن ذلك له ; لأنه أذن له في البيع ، وليس له البيع ، وقبض الثمن لنفسه فباع فكان كمن أعطي عطاء ، وقبضه أو كمن أذن له في فسخ الرهن ففسخه ، وكان ثمن العبد مالا من مال الراهن يكون المرتهن فيه وغيره من غرمائه أسوة .

ولو أذن له في بيعه فهو على الراهن ، وله الرجوع في الإذن له إلا أن يكون قال قد فسخت فيه الرهن أو أبطلته ، فإذا [ ص: 149 ] قاله لم يكن له الرجوع في الرهن ، وكان في الرهن كغريم غيره ، وإذا رهن الرجل الرجل الجارية ، ثم وطئها المرتهن أقيم عليه الحد فإن ولدت فولده رقيق ، ولا يثبت نسبهم ، وإن كان أكرهها فعليه المهر ، وإن لم يكرها فلا مهر عليه ، وإن ادعى جهالة لم يعذر بها إلا أن يكون ممن أسلم حديثا أو كان ببادية نائية أو ما أشبهه .

ولو كان رب الجارية أذن له ، وكان يجهل درئ عنه الحد ، ولحق الولد وعليه قيمتهم يوم سقطوا ، وهم أحرار ، وفي المهر قولان . أحدهما : أن عليه مهر مثلها . والآخر : لا مهر عليه ; لأنه أباحها ، ومتى ملكها لم تكن له أم ولد وتباع الجارية ويؤدب هو والسيد للإذن .

( قال الربيع ) : إن ملكها يوما ما كانت أم ولد له بإقراره أنه أولدها ، وهو يملكها .

( قال الشافعي ) : ولو ادعى أن الراهن المالك ، وهبها له قبل الوطء أو باعه إياها أو أعمره إياها أو تصدق بها عليه أو اقتصه كانت أم ولد له وخارجة من الرهن إذا صدقه الراهن أو قامت عليه بينة بذلك كان الراهن حيا أو ميتا ، وإن لم تقم له بينة بدعواه فالجارية وولدها رقيق إذا عرف ملكها للراهن لم تخرج من ملكه إلا ببينة تقوم عليه .

وإذا أراد المرتهن أحلف له ورثة الراهن على علمهم فيما ادعى من خروجها من ملك الراهن إليه ( قال الربيع ) : وله في ولده قول آخر إنه حر بالقيمة ويدرأ عنه الحد ويغرم صداق مثلها .
جواز شرط الرهن .

( قال الشافعي ) رحمه الله : أذن الله - تبارك وتعالى - في الرهن مع الدين ، وكان الدين يكون من بيع وسلف وغيره من وجوه الحقوق ، وكان الرهن جائزا مع كل الحقوق شرط في عقدة الحقوق أو ارتهن بعد ثبوت الحقوق ، وكان معقولا أن الرهن زيادة وثيقة من الحق لصاحب الحق مع الحق مأذون فيها حلال ، وأنه ليس بالحق نفسه ، ولا جزء من عدده فلو أن رجلا باع رجلا شيئا بألف على أن يرهنه شيئا من ماله يعرفه الراهن والمرتهن كان البيع جائزا ، ولم يكن الرهن تاما حتى يقبضه الراهن المرتهن أو من يتراضيان به معا ، ومتى ما أقبضاه إياه قبل أن يرفعا إلى الحاكم فالبيع لازم له ، وكذلك إن سلمه ; ليقبضه فتركه البائع كان البيع تاما .

( قال الشافعي ) : وإن ارتفعا إلى الحاكم وامتنع الراهن من أن يقبضه المرتهن لم يجبره الحاكم على أن يدفعه إليه ; لأنه لا يكون رهنا إلا بأن يقبضه إياه .

وكذلك لو وهب رجل لرجل هبة فلم يدفعها إليه لم يجبره الحاكم على دفعها إليه ; لأنها لا تتم له إلا بالقبض ، وإذا باع الرجل الرجل على أن يرهنه رهنا فلم يدفع الراهن الرهن إلى البائع المشترط له فللبائع الخيار في إتمام البيع بلا رهن أو رد البيع ; لأنه لم يرض بذمة المشتري دون الرهن ، وكذلك لو رهنه رهونا فأقبضه بعضها ، ومنعه بعضها ، وهكذا لو باعه على أن يعطيه حميلا بعينه فلم يحمل له بها الرجل الذي اشترط حمالته حتى مات كان له الخيار في إتمام البيع بلا حميل أو فسخه ; لأنه لم يرض بذمته دون الحميل .

ولو كانت المسألة بحالها فأراد المشتري فسخ البيع فمنعه الرهن أو الحميل لم يكن ذلك له ; لأنه لم يدخل عليه هو نقص يكون له به الخيار ; لأن البيع كان في ذمته وزيادة رهن أو ذمة غيره فيسقط ذلك عنه فلم يزد عليه في ذمته شيء لم يكن عليه ، ولم يكن في هذا فساد للبيع ; لأنه لم ينتقص من الثمن شيء يفسد به البيع إنما انتقص شيء غير الثمن وثيقة للمرتهن لا ملك ، ولم يشترط شيئا فاسدا فيفسد به البيع .

وهكذا هذا في كل حق كان لرجل على رجل فشرط له فيه رهنا أو حميلا فإن كان الحق بعوض أعطاه إياه فهو كالبيع ، وله الخيار في أخذ [ ص: 150 ] العوض كما كان له في البيع . ، وإن كان الرهن في أن أسلفه سلفا بلا بيع أو كان له عليه حق قبل أن يرهنه بلا رهن ثم رهنه شيئا فلم يقبضه إياه فالحق بحاله ، وله في السلف أخذه متى شاء به ، وفي حقه غير السلف أخذه متى شاء إن كان حالا .

ولو باعه شيئا بألف على أن يرهنه رهنا يرضيه حميلا ثقة أو يعطيه رضاه من رهن وحميل أو ما شاء المشتري والبائع أو ما شاء أحدهما من رهن وحميل بغير تسمية شيء بعينه كان البيع فاسدا لجهالة البائع والمشتري أو أحدهما بما تشارطا . ألا ترى أنه لو جاءه بحميل أو رهن فقال لا أرضاه لم يكن عليه حجة بأنه رضي رهنا بعينه أو حميلا بعينه فأعطاه ، ولو كان باعه بيعا بألف على أن يعطيه عبدا له يعرفانه رهنا له فأعطاه إياه رهنا فلم يقبله لم يكن له نقض البيع ; لأنه لم ينقصه شيئا من شرطه الذي عرفا معا . وهكذا لو باعه بيعا بألف على أن يرهنه ما أفاد في يومه أو من قدم عليه من غيبته من رقيقه أو ما أشبه هذا كان البيع مفسوخا بمثل معنى المسألة قبلها أو أكثر .

وإذا اشترى منه شيئا على أن يرهنه شيئا بعينه ثم مات المشتري قبل أن يدفع الرهن إلى المرتهن لم يكن الرهن رهنا ، ولم يكن على ورثته دفعه إليه ، وإن تطوعوا ، ولا وارث معهم ، ولا صاحب وصية فدفعوه إليه فهو رهن ، وله بيعه مكانه ; لأن دينه قد حل ، وإن لم يفعلوا فالبائع بالخيار في نقض البيع أو إتمامه ، ولو كان البائع المشترط الرهن هو الميت كان دينه إلى أجله إن كان مؤجلا أو حالا إن كان حالا ، وقام ورثته مقامه فإن دفع المشتري إليهم الرهن فالبيع تام ، وإن لم يدفعه إليهم فلهم الخيار في نقض البيع كما كان لأبيهم فيه أو إتمامه إذا كان الرهن فائتا .

( قال الشافعي ) : إذا كان الرهن فائتا أو السلعة المشتراة فائتة جعلت له الخيار بين أن يتمه فيأخذ ثمنه أو ينقضه فيأخذ قيمته كما أجعله له لو باعه عبدا فمات فقال المشتري اشتريته بخمسمائة ، وقال البائع بعته بألف وجعلت له إن شاء أن يأخذ ما أقر له به المشتري ، وإن شاء أن يأخذ قيمته بعد أن يحلف على ما ادعى المشتري ، ولا أحلفه ها هنا ; لأنه لا يدعي عليه المشتري براءة من شيء كما ادعى هناك المشتري براءة مما زاد على خمسمائة .

( قال الشافعي ) : ولو باع رجل رجلا بيعا بثمن حال أو إلى أجل أو كان له عليه حق فلم يكن له رهن في واحد منهما ، ولا شرط الرهن عند عقده واحدا منهما ثم تطوع له المشتري بأن يرهنه شيئا بعينه فرهنه إياه فقبضه ثم أراد الراهن إخراج الرهن من الرهن ; لأنه كان متطوعا به لم يكن له ذلك إلا أن يشاء المرتهن كما لا يكون له لو كان الرهن بشرط ، وكذا لو كان رهنه بشرط فأقبضه إياه ثم زاده رهنا آخر معه أو رهونا فأقبضه إياها ثم أراد إخراجها أو إخراج بعضها لم يكن ذلك له ، ولو كانت الرهون تسوى أضعاف ما هي مرهونة به ، ولو زاده رهونا أو رهنه رهونا مرة واحدة فأقبضه بعضها ، ولم يقبضه بعضها كان ما أقبضه رهنا ، وما لم يقبضه غير رهن ، ولم ينتقض ما أقبضه بما لم يقبضه .

وإذا باع الرجل الرجل البيع على أن يكون المبيع نفسه رهنا للبائع فالبيع مفسوخ من قبل أنه لم يملكه السلعة إلا بأن تكون محتبسة عن المشتري ، وليس هذا كالسلعة لنفسه برهنه إياها ألا ترى أنه لو وهب له سلعة لنفسه جاز ، وهو لو اشترى منه شيئا على أن يهبه له لم يجز وسواء تشارطا وضع الرهن على يدي البائع أو عدل غيره ، وإذا مات المرتهن فالرهن بحاله فلورثته فيه ما كان له ، وإذا مات الراهن فالرهن بحاله لا ينتقض بموته ، ولا موتهما ، ولا بموت واحد منهما قال ولورثة الراهن إذا مات فيه ما للراهن من أن يؤدوا ما فيه ويخرج من الرهن أو يباع عليهم بأن دين أبيهم قد حل ، ولهم أن يأخذوا المرتهن ببيعه ويمنعوه من حبسه عن البيع ; لأنه قد يتغير في حبسه ويتلف فلا تبرأ ذمة أبيهم ، وقد يكون فيه الفضل عما رهن به فيكون ذلك لهم .

ولو كان المرتهن غائبا أقام الحاكم من يبيع الرهن ويجعل حقه على يدي عدل إن لم يكن له وكيل يقوم بذلك . وإذا كان للرجل على الرجل الحق بلا رهن ثم رهنه رهنا فالرهن جائز [ ص: 151 ] كان الحق حالا أو إلى أجل فإن كان الحق حالا أو إلى أجل فقال الراهن : أرهنك على أن تزيدني في الأجل ففعل فالرهن مفسوخ والحق الحال كما كان والمؤجل إلى أجله الأول بحاله والأجل الآخر باطل وغرماء الراهن في الرهن الفاسد أسوة المرتهن ، وكذلك لو لم يشترط عليه تأخير الأجل وشرط عليه أن يبيعه شيئا أو يسلفه إياه أو يعمله له بثمن على أن يرهنه ، ولم يرهنه لم يجز الرهن ، ولا يجوز الرهن في حق واجب قبله حتى يتطوع به الراهن بلا زيادة شيء على المرتهن ، ولو قال له : بعني عبدك بمائة على أن أرهنك بالمائة وحقك الذي قبلها رهنا كان الرهن والبيع مفسوخا كله ، ولو هلك العبد في يدي المشتري كان ضامنا لقيمته ، ولو أقر المرتهن أن الموضوع على يديه الرهن قبضه جعلته رهنا ، ولم أقبل قول العدل : لم أقبضه إذا قال المرتهن قد قبضه العدل .
اختلاف المرهون والحق الذي يكون به الرهن . ( قال الشافعي ) : رحمه الله : وإذا كانت الدار أو العبد أو العرض في يدي رجل فقال رهنيه فلان على كذا ، وقال فلان ما رهنتكه ، ولكني أودعتك إياه أو وكلتك به أو غصبتنيه فالقول قول رب الدار والعرض والعبد ; لأن الذي في يده يقر له بملكه ويدعي عليه فيه حقا فلا يكون فيه بدعواه إلا ببينة ، وكذلك لو قال الذي هو في يديه رهنتنيه بألف ، وقال المدعى عليه لك علي ألف ، ولم أرهنك به ما زعمت كان القول قوله وعليه ألف بلا رهن كما أقر ، ولو كانت في يدي رجل داران فقال : رهننيهما فلان بألف ، وقال فلان : رهنتك إحداهما وسماها بعينها بألف كان القول قول رب الدار الذي زعم أنها ليست برهن غير رهن .

، وكذلك لو قال له رهنتك إحداهما بمائة لم يكن رهنا إلا بمائة ، ولو قال الذي هما في يديه : رهنتنيهما بألف ، وقال رب الدارين : بل رهنتك إحداهما بغير عينها بألف لم تكن واحدة منهما رهنا ، وكانت عليه ألف بإقراره بلا رهن ; لأنه لا يجوز في الأصل أن يقول رجل لرجل : أرهنك إحدى داري هاتين ، ولا يسميها ، ولا أحد عبدي هذين ، ولا أحد ثوبي هذين ، ولا يجوز الرهن حتى يكون مسمى بعينه .

ولو كانت دار في يدي رجل فقال رهنيها فلان بألف ودفعها إلي ، وقال فلان رهنته إياها بألف ، ولم أدفعها إليه فعدا عليها فغصبها أو تكاراها مني رجل فأنزله فيها أو تكاراها مني هو فنزلها ، ولم أدفعها إليه قبضا بالرهن فالقول قول رب الدار ، ولا تكون رهنا إذا كان يقول ليست برهن فيكون القول قوله ، وهو إذا أقر بالرهن ، ولم يقبضه المرتهن فليس برهن ، ولو كانت الدار في يدي رجل فقال : رهنيها فلان بألف دينار وأقبضنيها . وقال فلان : رهنته إياها بألف درهم أو ألف فلس وأقبضته إياها كان القول قول رب الدار ، ولو كان في يدي رجل عبد فقال : رهنيه فلان بمائة وصدقه العبد . وقال رب العبد : ما رهنته إياه بشيء . فالقول قول رب العبد ، ولا قول للعبد ، ولو كانت المسألة بحالها فقال ما رهنتكه بمائة ، ولكني بعتكه بمائة لم يكن العبد رهنا ، ولا بيعا إذا اختلف كل واحد منهما على دعوى صاحبه .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #129  
قديم 10-06-2022, 06:58 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثالث -
كتاب البيوع
الحلقة (129)
صــــــــــ 152 الى صـــــــــــ158






ولو أن عبدا بين رجلين فقال رجل : رهنتمانيه بمائة ، وقبضته فصدقه أحدهما . وقال الآخر : ما رهنتكه بشيء كان نصفه رهنا بخمسين ونصفه خارجا من الرهن فإن شهد شريك صاحب العبد عليه بدعوى المرتهن ، وكان عدلا عليه أحلف المرتهن معه ، وكان نصيبه منه رهنا بخمسين ، ولا شيء في شهادة صاحب الرهن يجر بها إلى نفسه ، ولا يدفع بها عنه فأرد بها [ ص: 152 ] شهادته ، ولا أرد شهادته لرجل له عليه شيء لو شهد له على غيره .

ولو كان العبد بين اثنين ، وكان في يدي اثنين وادعيا أنهما ارتهناه معا بمائة فأقر الرجلان لأحدهما أنه رهن له وحده بخمسين وأنكرا دعوى الآخر لزمهما ما أقرا به ، ولم يلزمهما ما أنكرا من دعوى الآخر ، ولو أقرا لهما معا بأنه لهما رهن ، وقالا : هو رهن بخمسين وادعيا مائة لم يلزمهما إلا ما أقرا به . ولو قال أحد الراهنين لأحد المرتهنين رهناكه أنت بخمسين ، وقال الآخر للآخر المرتهن رهناكه أنت بخمسين كان نصف حق كل واحد منهما من العبد ، وهو ربع العبد رهنا للذي أقر له بخمسة وعشرين تجيز إقراره على نفسه ، ولا تجيز إقراره على غيره ، ولو كانا ممن تجوز شهادته فشهد كل واحد منهما على صاحبه ونفسه أجزت شهادتهما وجعلت على كل واحد منهما خمسة وعشرين دينارا بإقراره وخمسة وعشرين أخرى بشهادة صاحبه إذا حلف المدعي مع شاهده .

وإذا كانت في يدي رجل ألف دينار فقال : رهنيها بمائة دينار أو بألف درهم ، وقال الراهن رهنتكها بدينار واحد أو بعشرة دراهم فالقول قول الراهن ; لأن المرتهن مقر له بملك الألف دينار ، ومدع عليه حقا فالقول قوله فيما ادعى عليه من الدنانير إذا كان القول قول رب الرهن المدعى عليه الحق في أنه ليس برهن بشيء كان إقراره بأنه رهن بشيء أولى أن يكون القول قوله فيه . وإذا اختلف الراهن والمرتهن فقال المرتهن رهنتني عبدك سالما بمائة ، وقال الراهن بل رهنتك عبدي موفقا بعشرة حلف الراهن ، ولم يكن سالم رهنا بشيء ، وكان لصاحب الحق عليه عشرة دنانير إن صدقه بأن موفقا رهن بها فهو رهن . وإن كذبه ، وقال : بل سالم رهن بها لم يكن موفق ، ولا سالم رهنا ; لأنه يبرئه من أن يكون موفق رهنا .

ولو قال : رهنتك داري بألف ، وقال : الذي يخالفه بل اشتريتها منك بألف وتصادقا على قبض الألف تحالفا ، وكانت الألف على الذي أخذها بلا رهن ، ولا بيع ، وهكذا لو قال : لو رهنتك داري بألف أخذتها منك . وقال : المقر له بالرهن بل اشتريت منك عبدك بهذه الألف تحالفا ، ولم تكن الدار رهنا ، ولا العبد بيعا ، وكانت له عليه ألف بلا رهن ، ولا بيع ، ولو قال : رهنتك داري بألف ، وقبضت الدار ، ولم أقبض الألف منك ، وقال : المقر له بالرهن ، وهو المرتهن بل قبضت الألف فالقول قول الراهن بأنه لم يقر بأن عليه ألفا فتلزمه ويحلف ما أخذ الألف ثم تكون الدار خارجة من الرهن ; لأنه لم يأخذ ما يكون به رهنا ، ولو كانت لرجل على رجل ألف درهم فرهنه بها دارا فقال الراهن رهنتك هذه الدار بألف درهم إلى سنة ، وقال : المرتهن بل ألف درهم حالة كان القول قول الراهن وعلى المرتهن البينة .

وكذلك لو قال : رهنتكها بألف درهم ، وقال المرتهن : بل بألف دينار فالقول قول الراهن وكل ما لم أثبته عليه إلا بقوله جعلت القول فيه قوله ; لأنه لو قال : لم أرهنكها كان القول قوله ، وإذا كان لرجل على رجل ألفان أحدهما برهن والآخر بغير رهن فقضاه ألفا ثم اختلفا فقال القاضي قضيتك الألف التي بالرهن ، وقال : المقتضي بل الألف التي بلا رهن فالقول قول الراهن القاضي . ألا ترى أنه لو جاءه بألف فقال هذه الألف التي رهنتك بها فقبضها كان عليه استلام رهنه ، ولم يكن له حبسه عنه بأن يقول لي عليك ألف أخرى ، ولو حبسه عنه بعد قبضه كان متعديا بالحبس . وإن هلك الرهن في يديه ضمن قيمته فإذا كان هذا هكذا لم يجز أن يكون القول إلا قول دافع المال . والله أعلم .
جماع ما يجوز رهنه .

( قال : الشافعي ) : رحمه الله كل من جاز بيعه من بالغ حر غير محجور عليه جاز رهنه ، ومن جاز له [ ص: 153 ] أن يرهن أو يرتهن من الأحرار البالغين غير المحجور عليهم جاز له أن يرتهن على النظر وغير النظر ; لأنه يجوز له بيع ماله ، وهبته بكل حال فإذا جازت هبته في ماله كان له رهنه بلا نظر ، ولا يجوز أن يرتهن الأب لابنه ، ولا ولي اليتيم له إلا بما فيه فضل لهما فأما أن يسلف مالهما برهن فلا يجوز له وأيهما فعل فهو ضامن لما أسلف من ماله ويجوز للمكاتب والمأذون له في التجارة أن يرتهنا إذا كان ذلك صلاحا لمالهما وازديادا فيه فأما أن يسلفا ويرتهنا فلا يجوز ذلك لهما ، ولكن يبيعان فيفضلان ويرتهنان ، ومن قلت لا يجوز ارتهانه إلا فيما يفضل لنفسه أو يتيمه أو ابنه من أب ولد وولي يتيم ، ومكاتب وعبد مأذون له فلا يجوز أن يرهن شيئا ; لأن الرهن أمانة والدين لازم فالرهن بكل حال نقص عليهم ، ولا يجوز أن يرهنوا إلا حيث يجوز أن يودعوا أموالهم من الضرورة بالخوف إلى تحويل أموالهم ، وما أشبه ذلك ، ولا نجيز رهن من سميت لا يجوز رهنه إلا في قول من زعم أن الرهن مضمون كله فأما ما لا يضمن منه فرهنه غير نظر ; لأنه قد يتلف ، ولا يبرأ الراهن من الحق والذكر والأنثى والمسلم والكافر من جميع ما وصفنا يجوز رهنه ، ولا يجوز سواء ويجوز أن يرهن المسلم الكافر والكافر المسلم ، ولا أكره من ذلك شيئا إلا أن يرهن المسلم الكافر مصحفا فإن فعل لم أفسخه ووضعناه له على يدي عدل مسلم وجبرت على ذلك الكافر إن امتنع .

وأكره أن يرهن من الكافر العبد المسلم صغيرا أو كبيرا لئلا يذل المسلم بكينونته عنده بسبب يتسلط عليه الكافر ولئلا يطعم الكافر المسلم خنزيرا أو يسقيه خمرا فإن فعل فرهنه منه لم أفسخ الرهن قال : وأكره رهن الأمة البالغة أو المقاربة البلوغ التي يشتهى مثلها من مسلم إلا على أن يقبضها المرتهن ويقرها في يدي مالكها أو يضعها على يدي امرأة أو محرم للجارية فإن رهنها مالكها من رجل ، وأقبضها إياه لم أفسخ الرهن ، وهكذا لو رهنها من كافر غير أني أجبر الكافر على أن يضعها على يدي عدل مسلم وتكون امرأة أحب إلي ، ولو لم تكن امرأة وضعت على يدي رجل عدل معه امرأة عدل ، وإن رضي الراهن والمرتهن على أن يضعا الجارية على يدي رجل غير مأمون عليها جبرتهما أن يرضيا بعدل توضع على يديه فإن لم يفعلا اخترت لهما عدلا إلا أن يتراضيا أن تكون على يدي مالكها أو المرتهن فأما ما سوى بني آدم فلا أكره رهنه من مسلم ، ولا كافر حيوان ، ولا غيره .

وقد { رهن النبي صلى الله عليه وسلم درعه عند أبي الشحم اليهودي } ، وإن كانت المرأة بالغة رشيدة بكرا أو ثيبا جاز بيعها ورهنها ، وإن كانت ذات زوج جاز رهنها وبيعها بغير إذن زوجها ، وهبتها له ولها من مالها إذا كانت رشيدة ما لزوجها من ماله ، وإن كانت المرأة أو رجل مسلم أو كافر حر أو عبد محجورين لم يجز رهن واحد منهما كما لا يجوز بيعه ، وإذا رهن من لا يجوز رهنه فرهنه مفسوخ ، وما عليه ، وما رهن كما لم يرهن من ماله لا سبيل للمرتهن عليه .

وإذا رهن المحجور عليه رهنا فلم يقبضه هو ، ولا وليه من المرتهن ، ولم يرفع إلى الحاكم فيفسخه حتى يفك عنه الحجر فرضي أن يكون رهنا بالرهن الأول لم يكن رهنا حتى يبتدئ رهنا بعد فك الحجر ويقبضه المرتهن فإذا فعل فالرهن جائز . وإذا رهن الرجل الرهن ، وقبضه المرتهن ، وهو غير محجور ثم حجر عليه فالرهن بحاله وصاحب الرهن أحق به حتى يستوفي حقه ويجوز رهن الرجل الكثير الدين حتى يقف السلطان ماله كما يجوز بيعه حتى يقف السلطان ماله ، وإذا رهن الرجل غير المحجور عليه الرجل المحجور عليه الرهن فإن كان من بيع فالبيع مفسوخ وعلى الراهن رده بعينه إن وجد أو قيمته إن لم يوجد ، والرهن مفسوخ إذا انفسخ الحق الذي به الرهن كان الرهن مفسوخا بكل حال وهكذا إن أكراه دارا أو أرضا أو دابة ورهن المكتري المكرى المحجور عليه بذلك رهنا فالرهن مفسوخ والكراء مفسوخ ، وإن سكن أو ركب أو عمل له فعليه أجر مثله وكراء مثل الدابة والدار بالغا ما بلغ ، وهكذا لو أسلفه المحجور مالا ورهنه غير المحجور رهنا كان الرهن مفسوخا ; لأن السلف [ ص: 154 ] باطل وعليه رد السلف بعينه ، وليس له إنفاق شيء منه فإن أنفقه فعليه مثله إن كان له مثل أو قيمته إن لم يكن له مثل وأي رهن فسخته من جهة الشرط في الرهن أو فساد الرهن أو فساد البيع الذي ، وقع به الرهن لم أكلف الراهن أن يأتي برهن غيره بحال ، وكذلك إن كان الشرط في الرهن والبيع صحيحا واستحق الرهن لم أكلف الراهن أن يأتي برهن غيره قال : وإذا تبايع الرجلان غير المحجورين البيع الفاسد ورهن أحدهما به صاحبه رهنا فالبيع مفسوخ ، والرهن مفسوخ وجماع علم هذا أن ينظر كل حق كان صحيح الأصل فيجوز به الرهن وكل بيع كان غير ثابت فيفسد فيه الرهن إذا لم يملك المشتري ، ولا المكتري ما بيع أو أكرى لم يملك المرتهن الحق في الرهن إنما يثبت الرهن للراهن بما يثبت به عليه ما أعطاه به فإذا بطل ما أعطاه به بطل الرهن .

وإذا بادل رجل رجلا عبدا بعبد أو دارا بدار أو عرضا ما كان بعرض ما كان وزاد أحدهما الآخر دنانير آجلة على أن يرهنه الزائد بالدنانير رهنا معلوما فالبيع والرهن جائز إذا قبض . وإذا ارتهن الرجل من الرجل الرهن ، وقبضه لنفسه أو قبضه له غيره بأمره وأمر صاحب الرهن فالرهن جائز ، وإن كان القابض ابن الراهن أو امرأته أو أباه أو من كان من قرابته ، وكذلك لو كان ابن المرتهن أو واحدا ممن سميت أو عبد المرتهن فالرهن جائز فأما عبد الراهن فلا يجوز قبضه للمرتهن ; لأن قبض عبده عنه كقبضه عن نفسه . وإذا رهن الرجل الرجل عبدا فأنفق عليه المرتهن بغير أمر الراهن كان متطوعا . وإن رهنه أرضا من أرض الخراج فالرهن مفسوخ ; لأنها غير مملوكة فإن كان فيها غراس أو بناء للراهن فالغراس والبناء رهن ، وإن أدى عنها الخراج فهو متطوع بأداء الخراج عنها لا يرجع به على الراهن إلا أن يكون دفعه بأمره فيرجع به عليه ، ومثل هذا الرجل يتكارى الأرض من الرجل قد تكاراها فيدفع المكتري الأرض كراءها عن المكتري الأول فإن دفعه بإذنه رجع به عليه ، وإن دفعه بغير إذنه فهو متطوع به ، ولا يرجع به عليه ويجوز الرهن بكل حق لزم صداق أو غيره وبين الذمي والحربي المستأمن والمستأمن والمسلم كما يجوز بين المسلمين لا يختلف ، وإذا كان الرهن بصداق فطلق قبل الدخول بطل نصف الحق والرهن بحاله كما يبطل الحق الذي في الرهن إلا قليلا والرهن بحاله . وإذا ارتهن الرجل من الرجل رهنا بتمر أو حنطة فحل الحق فباع الموضوع على يديه الرهن بتمر أو حنطة فالبيع مردود ، فلا يجوز بيعه إلا بالدنانير أو الدراهم ثم يشترى بها قمح أو تمر فيقضاه صاحب الحق ، ولا يجوز رهن المقارض ; لأن الرهن غير مضمون إلا أن يأذن رب المال للمقارض أن يرهن بدين له معروف ، وكذلك لا يجوز ارتهانه إلا أن يأذن له رب المال أن يبيع بالدين فإذا باع بالدين فالرهن ازدياد له ، ولا يجوز ارتهانه إلا في مال صاحب المال فإن رهن عن غيره فهو ضامن ، ولا يجوز الرهن .
العيب في الرهن .

( قال : الشافعي ) : رحمه الله تعالى : الرهن رهنان فرهن في أصل الحق لا يجب الحق إلا بشرطه وذلك أن يبيع الرجل الرجل البيع على أن يرهنه الرهن يسميانه فإذا كان هكذا فكان بالرهن عيب في بدنه أو عيب في فعله ينقص ثمنه وعلم المرتهن العيب قبل الارتهان فلا خيار له والرهن والبيع ثابتان ، وإن لم يعلمه المرتهن فعلمه بعد البيع فالمرتهن بالخيار بين فسخ البيع ، وإثباته ، وإثبات الرهن للنقص عليه في الرهن كما يكون هذا في البيوع . والعيب الذي يكون له به الخيار كل ما نقص ثمنه من شيء قل أو كثر حتى الأثر الذي لا يضر بعمله والفعل فإذا كان قد علمه فلا خيار له . ولو كان قتل أو ارتد وعلم ذلك [ ص: 155 ] المرتهن ثم ارتهنه كان الرهن ثابتا فإن قتل في يديه فالبيع ثابت ، وقد خرج الرهن من يديه ، وإن لم يقتل فهو رهن بحاله ، وكذلك لو سرق فقطع في يديه كان رهنا بحاله ، ولو كان المرتهن لم يعلم بارتداده ، ولا قتله ، ولا سرقته فارتهنه ثم قتل في يده أو قطع كان له فسخ البيع .

ولو لم يكن الراهن دلس للمرتهن فيه بعيب ودفعه إليه سالما فجنى في يديه جناية أو أصابه عيب في يديه كان على الرهن بحاله ، ولو أنه دلس له فيه بعيب ، وقبضه فمات في يديه موتا قبل أن يختار فسخ البيع لم يكن له أن يختار فسخه لما فات من الرهن ، وليس هذا كما يقتل بحق في يديه أو يقطع في يديه ، وهكذا كل عيب في رهن ما كان حيوان أو غيره . ولو اختلف الراهن والمرتهن في العيب فقال الراهن : رهنتك الرهن ، وهو بريء من العيب ، وقال : المرتهن ما رهنتنيه إلا معيبا فالقول قول الراهن مع يمينه إذا كان العيب مما يحدث مثله ، وعلى المرتهن البينة فإن أقامها فللمرتهن الخيار كما وصفت .

وإذا رهن الرجل الرجل العبد أو غيره على أن يسلفه سلفا فوجد بالرهن عيبا أو لم يجده فسواء ، وله الخيار في أخذ سلفه حالا ، وإن كان سماه مؤجلا ، وليس السلف كالبيع ورهن يتطوع به الراهن وذلك أن يبيع الرجل الرجل البيع إلى أجل بغير شرط رهن فإذا وجب بينهما البيع وتفرقا ثم رهنه الرجل فالرجل متطوع بالرهن فليس للمرتهن إن كان بالرهن عيب ما كان أن يفسخ البيع ; لأن البيع كان تاما بلا رهن ، وله إن شاء أن يفسخ الرهن ، وكذلك له إن شاء لو كان في أصل البيع أن يفسخه ; لأنه كان حقا له فتركه ويجوز رهن العبد المرتد والقاتل والمصيب للحد ; لأن ذلك لا يزيل عنه الرق فإذا قتل فقد خرج من الرهن فإذا ارتد الرجل عن الإسلام ثم رهن عبدا له فمن أجاز بيع المرتد أجاز رهنه ، ومن رد بيعه رد رهنه .

( قال الربيع ) : كان الشافعي يجيز رهن المرتد كما يجوز بيعه .
الرهن يجمع الشيئين المختلفين من ثياب وأرض وبناء وغيره .

( قال : الشافعي ) : رحمه الله تعالى إذا رهن الرجل الرجل أرضه ، ولم يقل ببنائها فالأرض رهن دون البناء ، وكذلك إن رهنه أرضه ، ولم يقل بشجرها فكان فيها شجر مبدد أو غير مبدد فالأرض رهن دون الشجر ، وكذلك لو رهنه شجرا وبين الشجر بياض فالشجر رهن دون البياض ، ولا يدخل في الرهن إلا ما سمي ، وإذا رهنه ثمرا قد خرج من نخلة قبل أن يحل بيعه ونخله معه فقد رهنه نخلا وثمرا معها فهما رهن جائز من قبل أنه يجوز له لو مات الراهن أو كان الحق حالا أن يبيعهما من ساعته . وكذلك لو كان إلى أجل ; لأن الراهن يتطوع ببيعه قبل أن يحل أو يموت فيحل الحق . وإذا كان الحق في هذا الرهن جائزا إلى أجل فبلغت الثمرة وبيعت خير الراهن بين أن يكون ثمنها قصاصا من الحق أو مرهونا مع النخل حتى يحل الحق .

ولو حل الحق فأراد بيع الثمرة قبل أن يبدو صلاحها دون النخل لم يكن له . وكذلك لو أراد قطعها وبيعها لم يكن له إذا لم يأذن له الراهن في ذلك ، ولو رهنه الثمرة دون النخل طلعا أو مؤبرة أو في أي حال قبل أن يبدو صلاحها لم يجز الرهن كان الدين حالا أو مؤجلا إلا أن يتشارطا أن للمرتهن إذا حل حقه قطعها أو بيعها فيجوز الرهن ، وذلك أن المعروف من الثمرة أنها تترك إلى أن تصلح .

ألا ترى { أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمر حتى يبدو صلاحه } ; لمعرفة الناس أنه يترك حتى يبدو صلاحه ، وأن حلالا أن تباع الثمرة على أن تقطع قبل أن يبدو صلاحها ; لأنه ليس المعنى الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم وهكذا كل ثمرة وزرع رهن قبل أن يبدو صلاحه ما لم يجز بيعه فلا يجوز رهنه إلا [ ص: 156 ] على أن يقطع إذا حل الحق فيباع مقطوعا بحاله . وإذا حل بيع الثمر حل رهنه إلى أجل كان الحق أو حالا ، وإذا بلغ ، ولم يحل الحق لم يكن للراهن بيعه إذا كان يبس إلا برضا المرتهن فإذا رضي قيمته رهن إلا أن يتطوع الراهن فيجعله قصاصا ، ولا أجعل دينا إلى أجل حالا أبدا إلا أن يتطوع به صاحب الدين ، وإذا رهنه ثمرة فزيادتها في عظمها وطيبها رهن له ، كما أن زيادة الرهن في يديه رهن له ، فإن كان من الثمن شيء يخرج فرهنه إياه ، وكان يخرج بعده غيره منه فلا يتميز الخارج عن الأول المرهون لم يجز الرهن في الأول ، ولا في الخارج ; لأن الرهن حينئذ ليس بمعروف ، ولا يجوز الرهن فيه حتى يقطع مكانه أو يشترط أنه يقطع في مدة قبل أن تخرج الثمرة التي تخرج بعده أو بعدما تخرج قبل أن يشكل أهي من الرهن الأول أم لا ، فإذا كان هذا جاز .

وإن ترك حتى تخرج بعده ثمرة لا يتميز حتى تعرف ، ففيها قولان . أحدهما : أنه يفسد الرهن كما يفسد البيع ; لأني لا أعرف الرهن من غير الرهن . والثاني : أن الرهن لا يفسد ، والقول قول الراهن في قدر الثمرة المرهونة من المختلطة بها كما لو رهنه حنطة أو تمرا فاختلطت بحنطة للراهن ، أو تمر كان القول قوله في قدر الحنطة التي رهن مع يمينه .

( قال الربيع ) : وللشافعي قول آخر في البيع إنه إذا باعه ثمرا فلم يقبضه حتى حدثت ثمرة أخرى في شجرها لا تتميز الحادثة من المبيع قبلها كان البائع بالخيار بين أن يسلم له الثمرة الحادثة مع المبيع الأول فيكون قد زاده خيرا أو ينقض البيع ; لأنه لا يدري كم باع مما حدث من الثمرة .

والرهن عندي مثله فإن رضي أن يسلم ما زاد مع الرهن الأول لم يفسخ الرهن ، وإذا رهنه زرعا على أن يحصده إذا حل الحق بأي حال ما كان فيبيعه فإن كان الزرع يزيد بأن ينبت منه ما لم يكن نابتا في يده إذا تركه لم يجز الرهن ; لأنه لا يعرف الرهن منه الخارج دون ما يخرج بعده . فإن قال : قائل ما الفرق بين الثمرة تكون طلعا وبلحا صغارا ، ثم تصير رطبا عظاما وبين الزرع ؟ قيل : الثمرة واحدة ، إلا أنها تعظم كما يكبر العبد المرهون بعد الصغر ويسمن بعد الهزال .

وإذا قطعت لم يبق منها شيء يستخلف والزرع يقطع أعلاه ، ويستخلف أسفله ويباع منه شيء قصلة بعد قصلة فالخارج منه غير الرهن ، والزائد في الثمرة من الثمرة ، ولا يجوز أن يباع منه ما يقصل إلا أن يقصل مكانه قصلة ، ثم تباع القصلة الأخرى بيعة أخرى ، وكذلك لا يجوز رهنه إلا كما يجوز بيعه . وإذا رهنه ثمرة فعلى الراهن سقيها وصلاحها وجدادها وتشميسها كما يكون عليه نفقة العبد . وإذا أراد الراهن أن يقطعها قبل أوان قطعها أو أراد المرتهن ذلك منع كل واحد منهما ذلك حتى يجتمعا عليه ، وإذا بلغت إبانها جبر الراهن على قطعها ; لأن ذلك من صلاحها ، وكذلك لو أبى المرتهن جبر ، فإذا صارت تمرا وضعت على يدي الموضوع على يديه الرهن أو غيره فإن أبى العدل الموضوع على يديه بأن يتطوع أن يضعها في منزله إلا بكراء قيل للراهن عليك لها منزل تحرز فيه ; لأن ذلك من صلاحها فإن جئت به ، وإلا يكتري عليك منها .

ولا يجوز أن يرتهن الرجل شيئا لا يحل بيعه حين يرهنه إياه ، وإن كان يأتي عليه مدة يحل بعدها ، وهو مثل أن يرهنه جنين الأمة قبل أن يولد على أنها إذا ولدته كان رهنا ، ومثل أن يرهنه ما ولدت أمته أو ماشيته أو ما أخرجت نخله على أن يقطعه مكانه ، ولا يجوز أن يرهنه ما ليس ملكه له بتام . وذلك مثل أن يرهنه ثمرة قد بدا صلاحها لا يملكها بشراء ، ولا أصول نخلها . وذلك مثل أن يتصدق عليه وعلى قوم بصفاتهم بثمرة نخل ، وذلك أنه قد يحدث في الصدقة معه من ينقص حقه ، ولا يدري كم رهنه .

ولا يجوز أن يرهن الرجل الرجل جلود ميتة لم تدبغ ; لأن ثمنها لا يحل ما لم تدبغ ويجوز أن يرهنه إياها إذا دبغت ; لأن ثمنها بعد دباغها يحل ، ولا يرهنه إياها قبل الدباغ ، ولو رهنه إياها قبل الدباغ ثم دبغها الراهن كانت خارجة من الرهن ; لأن عقدة رهنها كان وبيعها لا يحل .

وإذا [ ص: 157 ] وهب للرجل هبة أو تصدق عليه بصدقة غير محرمة فرهنها قبل أن يقبضها ، ثم قبضها فهي خارجة من الرهن ; لأنه رهنها قبل أن يتم له ملكها فإذا أحدث فيها رهنا بعد القبض جازت ، قال : وإذا أوصى له بعبد بعينه فمات الموصي فرهنه قبل أن تدفعه إليه الورثة فإن كان يخرج من الثلث فالرهن جائز ; لأنه ليس للورثة منعه إياه إذا خرج من الثلث والقبض وغير القبض فيه سواء . وللواهب والمتصدق منعه من الصدقة ما لم يقبض .

وإذا ورث من رجل عبدا ، ولا وارث له غيره فرهنه فالرهن جائز ; لأنه مالك للعبد بالميراث ، وكذلك لو اشتراه فنقد ثمنه ثم رهنه قبل أن يقبضه . وإذا رهن الرجل مكاتبا له فعجز المكاتب قبل الحكم بفسخ الرهن فالرهن مفسوخ ; لأني إنما أنظر إلى عقد الرهن لا إلى الحكم ، وإن اشترى الرجل عبدا على أنه بالخيار ثلاثا فرهنه فالرهن جائز ، وهو قطع لخياره ، وإيجاب للبيع في العبد ، وإذا كان الخيار للبائع أو للبائع والمشتري فرهنه قبل مضي الثلاث ، وقبل اختيار البائع إنفاذ البيع ثم مضت الثلاث أو اختار المشتري إنفاذ البيع فالرهن مفسوخ ; لأنه انعقد ، وملكه على العبد غير تام .

ولو أن رجلين ورثا رجلا ثلاثة أعبد فلم يقتسماهم حتى رهن أحدهما عبدا من العبيد الثلاثة أو عبدين ، ثم قاسم شريكه واستخلص منه العبد الذي رهن أو العبدين ، كانت أنصافهما مرهونة له ; لأن ذلك الذي كان يملك منهما وأنصافهما التي ملك بعد الرهن خارجة من الرهن إلا أن يجدد فيهما رهنا ، ولو استحق صاحب وصية منهما شيئا خرج ما استحق منهما من الرهن وبقي ما لم يستحق من أنصافهما مرهونا ( قال : الربيع ) وفيه قول آخر إنه إذا رهن شيئا له بعضه ولغيره بعضه فالرهن كله مفسوخ ; لأن صفقة الرهن جمعت شيئين ما يملك ، وما لا يملك فلما جمعتهما الصفقة بطلت كلها ، وكذلك في البيع ( قال ) وهذا أشبه بجملة قول الشافعي : ولو أن رجلا له أخ هو وارثه فمات أخوه فرهن داره ، وهو لا يعلم أنه مات ثم قامت البينة بأنه كان ميتا قبل رهن الدار كان الرهن باطلا .

ولا يجوز الرهن حتى يرهنه ، وهو مالك له ويعلم الراهن أنه مالك ، وكذلك لو قال : قد وكلت بشراء هذا العبد فقد رهنتكه إن كان اشتري لي فوجد قد اشتري له لم يكن رهنا ، قال : فإن ارتهن قد علم أنه قد صار له بميراث أو شراء قبل أن يرهنه أحلف الراهن فإن حلف فسخ الرهن ، وإن نكل فحلف المرتهن على ما ادعى ثبت الرهن .

وكذلك لو رأى شخصا لا يثبته فقال إن كان هذا فلانا فقد رهنتكه لم يكن رهنا ، وإن قبضه حتى يجدد له مع القبض أو قبله أو بعده رهنا ، وهكذا إن رأى صندوقا فقال : قد كانت فيه ثياب كذا . الثياب يعرفها الراهن والمرتهن فإن كانت فيه فهي لك رهن فلا تكون رهنا ، وإن كانت فيه ، وكذلك لو كان الصندوق في يدي المرتهن وديعة وفيه ثياب فقال : قد كنت جعلت ثيابي التي كذا في هذا الصندوق فهي رهن ، وإن كانت فيه ثياب غيرها أو ثياب معها فليس برهن فكانت فيه الثياب التي قال : إنها رهن لا غيرها فليست برهن .

وهكذا لو قال : قد رهنتك ما في جرابي وأقبضه إياه والراهن لا يعرفه لم يكن رهنا ، وهكذا إن كان الراهن يعرفه والمرتهن لا يعرفه ، ولا يكون الرهن أبدا إلا ما عرفه الراهن والمرتهن وعلم الراهن أنه ملك له يحل بيعه .

ولا يجوز أن يرهنه ذكر حق له على رجل ; لأن ذكر الحق ليس بشيء يملك إنما هو شهادة على رجل بشيء في ذمته والشيء الذي في ذمته ليس بعين قائمة يجوز رهنها إنما ترهن الأعيان القائمة ثم لا يجوز حتى تكون معلومة عند الراهن والمرتهن مقبوضة . ولو أن رجلا جاءته بضاعة أو ميراث كان غائبا عنه لا يعرف قدره فقبضه له رجل بأمره أو بغير أمره ثم رهنه المالك القابض والمالك لا يعرف قدره لم يجز الرهن ، وإن قبضه المرتهن حتى يكون عالما بما رهنه علم المرتهن . والله أعلم .
الزيادة في الرهن والشرط فيه .

( قال الشافعي ) : رحمه الله وإذا رهن رجل رجلا رهنا ، وقبضه المرتهن ثم أراد أن يرهن ذلك الرهن من غير المرتهن أو فضل ذلك الرهن لم يكن ذلك له ، وإن فعل لم يجز الرهن الآخر ; لأن المرتهن الأول صار يملك أن يمنع رقبته حتى تباع فيستوفي حقه ، ولو رهنه إياه بألف ثم سأل الراهن المرتهن أن يزيده ألفا ويجعل الرهن الأول رهنا بها مع الألف الأولى ففعل لم يجز الرهن الآخر ، وكان مرهونا بالألف الأولى وغير مرهون بالألف الآخرة ; لأنه كان رهنا بكماله بالألف الأولى فلم يستحق بالألف الآخرة من منع رقبته على سيده ، ولا غرمائه إلا ما استحق أولا ، ولا يشبه هذا الرجل يتكارى المنزل سنة بعشرة ثم يتكاراه السنة التي تليها بعشرين ; لأن السنة الأولى غير السنة الآخرة ، ولو انهدم بعد السنة الأولى رجع بالعشرين التي هي حظ السنة الآخرة ، وهذا رهن واحد لا يجوز الرهنان فيه إلا معا لا مفترقين ، ولا أن يرهن مرتين بشيئين مختلفين قبل أن يفسخ كما لا يجوز مرتين أن يتكارى الرجل دارا سنة بعشرة ثم يتكاراها تلك السنة بعينها بعشرين إلا أن يفسخ الكراء الأول ، ولا يبتاعها بمائة ثم يبتاعها بمائتين إلا أن يفسخ البيع الأول ويجدد بيعا فإن أراد أن يصح له الرهن الآخر مع الأول فسخ الرهن الأول وجعل الرهن بألفين .

ولو لم يفسخ الرهن وأشهد المرتهن أن هذا الرهن بيده بألفين جازت الشهادة ، وكان الرهن بألفين إذا لم يعرف كيف كان ذلك فإذا تصادقا بأن هذا رهن ثان بعد الرهن الأول لم يفسخ لما وصفت ، وكان رهنا بالألف ، وكانت الألف الأخرى بغير رهن ، ولو كانت لرجل على رجل ألف درهم فرهنه بها بعد شيئا جاز الرهن ; لأنها كانت غير واجبة عليه ، وكذلك لو زاده ألفا أخرى ورهنه بهما رهنا كان الرهن جائزا ، ولو أعطاه ألفا ورهنه بها ثم قال : له بعد الرهن اجعل لي الألف التي قبل هذا رهنا معها ففعل لم يجز إلا بما وصفت من فسخ الرهن وتجديد رهن بهما معا . ولو كانت لرجل على رجل ألف درهم بلا رهن ثم قال : له زدني ألفا على أن أرهنك بهما معا رهنا يعرفانه ففعل كان الرهن مفسوخا ; لأنه أسلفه الآخرة على زيادة رهن في الأولى ، ولو كان قال : بعني عبدا بألف على أن أعطيك بها وبالألف التي لك علي بلا رهن داري رهنا ففعل كان البيع مفسوخا ، وإذا شرط في الرهن هذا الشرط لم يجز ; لأنها زيادة في سلف أو حصة من بيع مجهولة ، ولو أن رجلا ارتهن من رجل رهنا بألف ، وقبضه ثم زاده رهنا آخر مع رهنه بتلك الألف كان الرهن الأول والآخر جائزا ; لأن الرهن الأول بكماله بالألف والرهن الآخر زيادة معه ، لم تكن للمرتهن حتى جعلها له الراهن فكان جائزا كما جاز أن يكون له حق بلا رهن ثم برهنه به شيئا فيجوز .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #130  
قديم 10-06-2022, 07:15 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثالث -
كتاب البيوع
الحلقة (130)
صــــــــــ 159 الى صـــــــــــ165



باب ما يفسد الرهن من الشرط .

( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى يروى عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه { الرهن مركوب ومحلوب } ، وهذا لا يجوز فيه إلا أن يكون الركوب والحلب لمالكه الراهن لا للمرتهن ; لأنه إنما يملك الركوب والحلب من ملك الرقبة والرقبة غير المنفعة التي هي الركوب والحلب ، وإذا رهن الرجل الرجل عبدا أو دارا أو غير ذلك فسكنى الدار ، وإجارة العبد وخدمته للراهن ، وكذلك منافع الرهن للراهن ليس للمرتهن منها شيء فإن شرط المرتهن على الراهن أن له سكنى الدار أو خدمة العبد أو منفعة الرهن أو [ ص: 159 ] شيئا من منفعة الرهن ما كانت أو من أي الرهن كانت دارا أو حيوانا أو غيره فالشرط باطل ، وإن كان أسلفه ألفا على أن يرهنه بها رهنا وشرط المرتهن لنفسه منفعة الرهن فالشرط باطل ; لأن ذلك زيادة في السلف ، وإن كان باعه بيعا بألف وشرط البائع للمشتري أن يرهنه بألفه رهنا وأن للمرتهن منفعة الرهن فالشرط فاسد والبيع فاسد ; لأن لزيادة منفعة الرهن حصة من الثمن غير معروفة والبيع لا يجوز إلا بما يعرف .

ألا ترى أنه لو رهنه دارا على أن للمرتهن سكناها حتى يقضيه حقه كان له أن يقضيه حقه من الغد وبعد سنين ، ولا يعرف كم ثمن السكن وحصته من البيع وحصة البيع لا تجوز إلا معروفة مع فساده من أنه بيع وإجارة ، ولو جعل ذلك معروفا فقال : أرهنك داري سنة على أن لك سكناها في تلك السنة كان البيع والرهن فاسدا من قبل أن هذا بيع ، وإجارة لا أعرف حصة الإجارة . ألا ترى أن الإجارة لو انتقضت بأن يستحق المسكن أو ينهدم فلو قلت تقوم السكنى وتقوم السلعة المبيعة بالألف فتطرح عنه حصة السكنى من الألف وأجعل الألف بيعا بهما ، ولا أجعل للمشتري خيارا دخل عليك أن شيئين ملكا بألف فاستحق أحدهما فلم تجعل للمشتري خيارا في هذا الباقي ، وهو لم يشتره إلا مع غيره . أولا ترى أنك لو قلت بل أجعل له الخيار دخل عليك أن ينقص بيع الرقبة بأن يستحق معها كراء ليس هو ملك رقبة ؟ .

ألا ترى أن المسكن إذا انهدم في أول السنة فإن قومت كراء السنة في أولها لم يعرف قيمة كراء آخرها ; لأنه قد يغلو ويرخص ؟ ، وإنما يقوم كل شيء بسوق يومه ، ولا يقوم ما لم يكن له سوق معلوم ؟ فإن قلت بل أقوم كل وقت مضى وأترك ما بقي حتى يحضر فأقومه ، قيل لك : أفتجعل مال هذا محتبسا في يد هذا إلى أجل ، وهو لم يؤجله ؟ قال : فإن شبه على أحد بأن يقول قد تجيز هذا في الكراء إذا كان منفردا فيكتري منه المنزل سنة ثم ينهدم المنزل بعد شهر فيرده عليه بما بقي ؟ .

قيل نعم ، ولكن حصة الشهر الذي أخذه معروفة ; لأنا لا نقومه إلا بعد ما يعرف بأن يمضي ، وليس معها بيع ، وهي إجارة كلها ، ولو رهن رجل رجلا رهنا على أنه ليس للمرتهن بيعه عند محل الحق إلا بكذا ، أو ليس له بيعه إلا بعد أن يبلغ كذا أو يزيد عليه أو ليس له بيعه إن كان رب الرهن غائبا أو ليس له بيعه إلا أن يأذن له فلان أو يقدم فلان ، أو ليس له بيعه إلا بما رضي الراهن أو ليس له بيعه إن هلك الراهن قبل الأجل أو ليس له بيعه بعد ما يحل الحق إلا بشهر كان هذا الرهن في هذا كله فاسدا لا يجوز ، حتى لا يكون دون بيعه حائل عند محل الحق .

( قال الشافعي ) : ولو رهنه عبدا على أن الحق إن حل والرهن مريض لم يبعه حتى يصح أو أعجف لم يبعه حتى يسمن أو ما أشبه هذا كان الرهن في هذا كله مفسوخا . ولو رهنه حائطا على أن ما أثمر الحائط فهو داخل في الرهن أو أرضا على أن ما زرع في الأرض فهو داخل في الرهن أو ماشية على أن ما نتجت فهو داخل في الرهن كان الرهن المعروف بعينه من الحائط والأرض والماشية رهنا ، ولم يدخل معه ثمر الحائط ، ولا زرع الأرض ، ولا نتاج الماشية إذا كان الرهن بحق واجب قبل الرهن .

( قال : الربيع ) وفيه قول آخر إذا رهنه حائطا على أن ما أثمر الحائط فهو داخل في الرهن أو أرضا على أن ما زرع في الأرض فهو داخل في الرهن فالرهن مفسوخ كله من قبل أنه رهنه ما يعرف ، وما لا يعرف ، وما يكون ، وما لا يكون ، ولا إذا كان يعرف قدر ما يكون فلما كان هكذا كان الرهن مفسوخا .

( قال الربيع ) : الفسخ أولى به ( قال الشافعي ) : وهذا كرجل رهن دارا على أن يزيده معها دارا مثلها أو عبدا قيمته كذا غير أن البيع إن وقع على شرط هذا الرهن فسخ الرهن ، وكان للبائع الخيار ; لأنه لم يتم له ما اشترط ، ولو رهنه ماشية على أن لربها لبنها ونتاجها أو حائطا على أن لربه ثمره أو عبدا على أن لسيده خراجه أو دارا على أن لمالكها كراءها كان الرهن جائزا ; لأن هذا لسيده ، وإن لم يشترطه .

( قال الشافعي ) : كل شرط [ ص: 160 ] اشترطه المشتري على البائع هو للمشتري لو لم يشترطه كان الشرط جائزا كهذا الشرط وذلك أنه له لو لم يشترطه .
جماع ما يجوز أن يكون مرهونا ، وما لا يجوز .

( قال الشافعي ) : رحمه الله الرهن المقبوض ممن يجوز رهنه ، ومن يجوز ارتهانه ؟ ثلاث أصناف صحيح وآخر معلول وآخر فاسد . فأما الصحيح منه : فكل ما كان ملكه تاما لراهنه ، ولم يكن الرهن جنى في عنق نفسه جناية ويكون المجني عليه أحق برقبته من مالكه حتى يستوفي ، ولم يكن الملك أوجب فيه حقا لغير مالكه من رهن ، ولا إجارة ، ولا بيع ، ولا كتابة ، ولا جارية أولدها أو دبرها ، ولا حقا لغيره يكون أحق به من سيده حتى تنقضي تلك المدة ، فإذا رهن المالك هذا رجلا ، وقبضه المرتهن فهذا الرهن الصحيح الذي لا علة فيه .

وأما المعلول : فالرجل يملك العبد أو الأمة أو الدار فيجني العبد أو الأمة على آدمي جناية عمدا أو خطأ أو يجنيان على مال آدمي فلا يقوم المجني عليه ، ولا ولي الجناية عليهما حتى يرهنهما مالكيهما ويقبضها المرتهن فإذا ثبتت البينة على الجناية قبل الرهن أو أقر بها الراهن والمرتهن فالرهن باطل مفسوخ ، وكذلك لو أبطل رب الجناية الجناية عن العبد أو الأمة أو صالحه سيدهما منهما على شيء كان الرهن مفسوخا ; لأن ولي الجناية كان أولى بحق في رقابهما من مالكهما حتى يستوفي حقه في رقابهما أرش جنايته أو قيمة ماله فإذا كان أولى بثمن رقابهما من مالكهما حتى يستوفي حقه في رقابهما لم يجز لمالكهما رهنهما .

ولو كانت الجناية تسوى دينارا ، وهما يسويان ألوفا لم يكن ما فضل منهما رهنا ، وهذا أكثر من أن يكون مالكهما رهنهما بشيء ثم رهنهما بعد الرهن بغيره فلا يجوز الرهن الثاني ; لأنه يحول دون بيعهما ، وإدخال حق على حق صاحبهما المرتهن الأول الذي هو أحق به من مالكهما . وسواء ارتهنهما المرتهن بعد علمه بالجناية أو قبل علمه بها ، أو قال : أرتهن منك ما يفضل عن الجناية ، أو لم يقله فلا يجوز الرهن ، وفي رقابهما جناية بحال ، وكذلك لا يجوز ارتهانهما وفي رقابهما رهن بحال ، ولا فضل من رهن بحال .

ولو رهن رجل رجلا عبدا أو دارا بمائة فقضاه إياها إلا درهما ثم رهنها غيره لم تكن رهنا للآخر ; لأن الدار والعبد قد ينقص ، ولا يدري كم انتقاصه يقل أو يكثر ، ولو رهن رجل رجلا عبدا أو أمة فقبضهما المرتهن ثم أقر الراهن أنهما جنيا قبل الرهن جناية وادعى ذلك ولي الجناية ففيها قولان ، أحدهما أن القول للراهن ; لأنه يقر بحق في عنق عبده ، ولا تبرأ ذمته من دين المرتهن وقيل يحلف المرتهن ما علم الجناية قبل رهنه فإذا حلف وأنكر المرتهن أو لم يقر بالجناية قبل رهنه كان القول في إقرار الراهن بأن عبده جنى قبل أن يرهنه واحدا من قولين . أحدهما : أن العبد رهن ، ولا يؤخذ من ماله شيء ، وإن كان موسرا ; لأنه إنما أقر في شيء واحد بحقين لرجلين أحدهما من قبل الجناية والآخر من قبل الرهن ، وإذا فك من الرهن ، وهو له فالجناية في رقبته بإقرار سيده إن كانت خطأ أو عمدا لا قصاص فيها ، وإن كانت عمدا فيها قصاص لم يقبل قوله على العبد إذا لم يقر بها .

والقول الثاني : إنه إن كان موسرا أخذ من السيد الأقل من قيمة العبد أو الجناية فدفع إلى المجني عليه ; لأنه يقر بأن في عنق عبده حقا أتلفه على المجني عليه برهنه إياه ، وكان كمن أعتق عبده ، وقد جنى ، وهو موسر وقيل يضمن الأقل من قيمته أو الجناية ، وهو رهن بحاله ، ولا يجوز أن يخرج من الرهن ، وهو غير مصدق على المرتهن ، وإنما أتلف على المجني عليه لا على [ ص: 161 ] المرتهن ، وإن كان معسرا فهو رهن بحاله ، ومتى خرج من الرهن ، وهو في ملكه فالجناية في عنقه ، وإن خرج من الرهن ببيع ففي ذمة سيده الأقل من قيمته أو الجناية .

ولو شهد شاهد على جنايتهما قبل الرهن والرهن عبدان حلف ولي المجني عليه مع شاهده ، وكانت الجناية أولى بهما من الرهن حتى يستوفي المجني عليه جنايته ثم يكون ما فضل من ثمنهما رهنا مكانهما ، ولو أراد الراهن أن يحلف لقد جنيا لم يكن ذلك له ; لأن الحق بالجناية في رقابهما لغيره ، ولا يحلف على حق غيره ، ولو رهن رجل رجلا عبدا فلم يقبضه حتى أقر بعتقه أو بجناية لرجل أو برهن فيه قبل الرهن فإقراره جائز ; لأن العبد لم يكن مرهونا تام الرهن إنما يتم الرهن فيه إذا قبض . ولو رهنه ، وقبضه المرتهن ثم أقر الراهن بأنه أعتقه كان أكثر من إقراره بأنه جنى جناية فإن كان موسرا أخذت منه قيمته فجعلت رهنا ، وإن كان معسرا وأنكر المرتهن بيع له منه بقدر حقه ، فإن فضل فضل عتق الفضل منه ، وإن برئ العبد من الرهن في ملك المقر بالعتق عتق ، وإن بيع فملكه سيده بأي وجه ملكه عتق عليه ; لأنه مقر أنه حر .

ولو رهنه جارية ، وقبضها ثم أقر بوطئها قبل الرهن فإن لم تأت بولد فهي رهن بحالها ، وكذلك لو قامت بينة على وطئه إياها قبل الرهن لم تخرج من الرهن حتى تأتي بولد فإذا جاءت بولد ، وقد قامت بينة على إقراره بوطئه إياها قبل الرهن خرجت من الرهن ، وإن أقر بوطئها قبل الرهن وجاءت بولد لأقل من ستة أشهر من يوم كان الرهن فهو ابنه ، وهي خارجة من الرهن .

( قال الربيع ) : قال أبو يعقوب البويطي ، وكذلك عندي إن جاءت بولد لأكثر ما تلد له النساء وذلك لأربع سنين ألحق به الولد ، وإن كان إقراره بالوطء قبل الرهن قال الربيع : وهو قولي أيضا .

( قال الشافعي ) : وإن جاءت بولد لستة أشهر من يوم كان الرهن أو أكثر فأقر الراهن بالوطء كان كإقرار سيدها بعتقها أو أضعف ، وهي رهن بحالها ، ولا تباع حتى تلد وولدها ولد حر بإقراره ، ومتى ملكها فهي أم ولد له ، ولو لم يقر المرتهن في جميع المسائل ، ولم ينكر قيل إن أنكرت وحلفت جعلنا الرهن رهنك ، وإن لم تحلف أحلفنا الراهن ، لكان ما قال : قبل رهنك وأخرجنا الرهن من الرهن بالعتق والجارية بأنها أم ولد له ، وكذلك إن أقر فيها بجناية فلم يحلف المرتهن على علمه كان المجني عليه أولى بها منه إذا حلف المجني عليه أو وليه ، ولو اشترى أمة فرهنها وقبضت ثم قال : هو أو البائع : إنك اشتريتها مني على شرط فذكر أنه كان الشراء على ذلك الشرط فاسدا كان فيها قولان . أحدهما : أن الرهن مفسوخ ; لأنه لا يرهن إلا ما يملك ، وهو لم يملك ما رهن ، وهكذا لو رهنها ثم أقر أنه غصبها من رجل أو باعه إياها قبل الرهن وعلى الراهن اليمين بما ذكر للمرتهن ، وليس على المقر له يمين .

والقول الثاني : أن الرهن جائز بحاله ، ولا يصدق على إفساد الرهن . وفيما أقر به قولان . أحدهما : أن يغرم للذي أقر له بأنه غصبها منه قيمتها فإن رجعت إليه دفعت إلى الذي أقر له بها إن شاء ويرد القيمة ، وكانت إذا رجعت إليه بيعا للذي أقر أنه باعها إياه ، ومردودة على الذي أقر أنه اشتراها منه شراء فاسدا قال الربيع ، وهذا أصح القولين ( قال الشافعي ) : ولو رهن رجل رجلا عبدا أو أمة قد ارتدا عن الإسلام وأقبضهما المرتهن كان الرهن فيهما صحيحا ويستتابان فإن تابا ، وإلا قتلا على الردة ، وهكذا لو كانا قطعا الطريق قتلا إن قتلا ، وهكذا لو كانا سرقا قطعا ، وهكذا لو كان عليهما حد أقيم ، وهما على الرهن ، في هذا كله لا يختلفان سقط عنهما الحد أو عطل بحال ; لأن هذا حق لله - تعالى - عليهما ليس بحق لآدمي في رقابهم ، وهكذا لو أتيا شيئا مما ذكرت بعد الرهن لم يخرجا من الرهن بحال ، ولو رهنهما ، وقد جنيا جناية كان صاحب الجناية أولى بهما من السيد الراهن فإن أعفاهما أو فداهما سيدهما أو كانت الجناية قليلة فبيع فيها أحدهما فليس برهن من قبل أن صاحب الجناية كان أحق بهما من المرتهن حين كان الرهن ، ولو كانا رهنا ، وقبضا ثم جنيا بعد الرهن ثم برئا من الجناية بعفو من المجني [ ص: 162 ] عليه أو وليه أو صلح أو أي وجه برئا من البيع فيهما كانا على الرهن بحالهما ; لأن أصل الرهن كان صحيحا وأن الحق في رقابهما قد سقط عنهما .

ولو أن رجلا دبر عبده ثم رهنه كان الرهن مفسوخا ; لأنه قد أثبت للعبد عتقا قد يقع بحال قبل حلول الرهن فلا يسقط العتق والرهن غير جائز فإن قال : قد رجعت في التدبير أو أبطلت التدبير ثم رهنه ففيها قولان . أحدهما : أن يكون الرهن جائزا ، وكذلك لو قال : بعد الرهن قد رجعت في التدبير قبل أن أرهنه كان الرهن جائزا ، ولو قال : بعد الرهن قد رجعت في التدبير وأثبت الرهن لم يثبت إلا بأن يجدد رهنا بعد الرجوع في التدبير .

والقول الثاني : أن الرهن غير جائز ، وليس له أن يرجع في التدبير إلا بأن يخرج العبد من ملكه ببيع أو غيره فيبطل التدبير ، وإن ملكه ثانية فرهنه ، جاز رهنه ; لأنه ملكه بغير الملك الأول ويكون هذا كعتق إلى غاية لا يبطل إلا بأن يخرج العبد من ملكه قبل أن يقع ، وهكذا المعتق إلى وقت من الأوقات . ولو قال : إن دخلت الدار فأنت حر ثم رهنه كان هكذا ، ولو كان رهنه عبدا ثم دبره بعد الرهن كان التدبير موقوفا حتى يحل الحق ثم يقال إن أردت إثبات التدبير فاقض الرجل حقه أو أعطه قيمة العبد المدبر قضاء من حقه ، وإن لم ترده فارجع في التدبير بأن تبيعه فإن أثبت الرجوع في التدبير بعد محل الحق أخذنا منك قيمته فدفعناها إليه فإن لم نجدها بيع العبد المدبر حتى يقضي الرجل حقه ، وإنما يمنعني أن آخذ القيمة منه قبل محل الحق أن الحق كان إلى أجل لو كان العبد سالما من التدبير لم يكن للمرتهن بيعه ، ولم يكن التدبير عتقا واقعا ساعته تلك ، وكان يمكن أن يبطل فتركت أخذ القيمة منه حتى يحل الحق فيكون الحكم حينئذ .

ولو رهن رجل عبده ثم دبره ثم مات الراهن المدبر فإن كان له وفاء يقضي صاحب الحق حقه منه عتق المدبر من الثلث ، وإن لم يكن له ما يقضي حقه منه ، ولم يدع مالا إلا المدبر بيع من المدبر بقدر الحق فإن فضل منه فضل عتق ثلث ما بقي من المدبر بعد قضاء صاحب الحق حقه ، وإن كان له ما يقضي صاحب الحق بعض حقه قضيته وبيع له من العبد الرهن المدبر بقدر ما يبقى من دينه وعتق ما يبقى منه في الثلث .

( قال الشافعي ) : ولو رهن رجل رجلا عبدا له قد أعتقه إلى سنة أو أكثر من سنة كان الرهن مفسوخا للعتق الذي فيه ، وهذا في حال المدبر أو أكثر حالا منه لا يجوز الرهن فيه بحال ، ولو رهنه ثم أعتقه إلى سنة أو أكثر من سنة كان القول فيه كالقول في العبد يرهنه ثم يدبره ، وإذا رهنه عبدا اشتراه شراء فاسدا فالرهن باطل ; لأنه لم يملك ما رهنه ، ولو لم يرفع الراهن الحكم إلى الحاكم حتى يملك العبد بعد فأراد إقراره على الرهن الأول لم يكن ذلك لهما حتى يجددا فيه رهنا مستقبلا بعد الملك الصحيح ، ولو أن رجلا رهن رجلا عبدا لرجل غائب حي أو لرجل ميت ، وقبضه المرتهن ثم علم بعد ذلك أن الميت أوصى به للراهن فالرهن مفسوخ ; لأنه رهنه ، ولا يملكه ، ولو قبله الراهن كان الرهن مفسوخا لا يجوز حتى يرهنه ، وهو يملكه ، ولو لم تقم بينة وادعى المرتهن أن الراهن رهنه إياه ، وهو يملكه كان رهنا وعلى المرتهن اليمين ما رهنه منه إلا وهو يملكه فإن نكل عن اليمين حلف الراهن ما رهنه ، وهو يملكه ثم كان الرهن مفسوخا . ولو رهن رجل رجلا عصيرا حلوا كان الرهن جائزا ما بقي عصيرا بحاله فإن حال إلى أن يكون خلا أو مزا أو شيئا لا يسكر كثيره فالرهن بحاله ، وهذا كعبد رهنه ثم دخله عيب أو رهنه معيبا فذهب عنه العيب أو مريضا فصح فالرهن بحاله لا يتغير بتغير حاله ; لأن بدن الرهن بعينه ، وإن حال إلى أن يصير مسكرا لا يحل بيعه فالرهن مفسوخ ; لأنه حال إلى أن يصير حراما لا يصح بيعه كهو لو رهنه عبدا فمات العبد .

ولو رهنه عصيرا فصب فيه الراهن خلا أو ملحا أو ماء فصار خلا كان رهنا بحاله ، ولو صار خمرا ثم صب فيه الراهن خلا أو ملحا أو ماء فصار خلا خرج من الرهن حين صار خمرا ، ولم يحل لمالكه ، ولا تحل الخمر عندي والله - تعالى - أعلم [ ص: 163 ] أبدا إذا فسدت بعمل آدمي فإن صار العصير خمرا ثم صار خلا من غير صنعة آدمي فهو رهن بحاله ، ولا أحسبه يعود خمرا ثم يعود خلا بغير صنعة آدمي إلا بأن يكون في الأصل خلا فلا ينظر إلى تصرفه فيما بين أن كان عصيرا إلى أن كان خلا ويكون انقلابه عن الحلاوة والحموضة منزلة انقلب عنها كما انقلب عن الحلاوة الأولى إلى غيرها ثم يكون حكمه حكم مصيره إذا كان بغير صنعة آدمي . ولو تبايعا الراهن والمرتهن على أن يرهنه عصيرا بعينه فرهنه إياه ، وقبضه ثم صار في يديه خمرا خرج من أن يكون رهنا ، ولم يكن للبائع أن يفسخ البيع لفساد الرهن كما لو رهنه عبدا فمات لم يكن له أن يفسخه بموت العبد .

ولو تبايعا على أن يرهنه هذا العصير فرهنه إياه ، فإذا هو من ساعته خمر كان له الخيار ; لأنه لم يتم له الرهن . ولو اختلفا في العصير فقال الراهن رهنتكه عصيرا ثم عاد في يديك خمرا ، وقال : المرتهن بل رهنتنيه خمرا ففيها قولان . أحدهما : أن القول قول الراهن ; لأن هذا يحدث كما لو باعه عبدا فوجد به عيبا يحدث مثله فقال المشتري : بعتنيه وبه العيب ، وقال البائع : حدث عندك كان القول قوله مع يمينه ، ومن قال هذا القول قال : يهراق الخمر ، ولا رهن له والبيع لازم .

والقول الثاني : أن القول قول المرتهن ; لأنه لم يقر له أنه قبض منه شيئا يحل ارتهانه بحال ; لأن الخمر محرم بكل حال ، وليس هذا كالعيب الذي يحل ملك العبد ، وهو به والمرتهن بالخيار في أن يكون حقه ثابتا بلا رهن أو يفسخ البيع ، وإذا رهن الرجل الرجل الرهن على أن ينتفع المرتهن بالرهن إن كانت دارا سكنها أو دابة ركبها فالشرط في الرهن باطل ، ولو كان اشترى منه على هذا فالبائع بالخيار في فسخ البيع أو إقراره بالرهن ، ولا شرط له فيه ، ولا يفسد هذا الرهن إن شاء المرتهن ; لأنه شرط زيادة مع الرهن بطلت لا الرهن .

( قال الربيع ) : وفيها قول آخر : إن البيع إذا كان على هذا الشرط فالبيع منتقض بكل حال ، وهو أصحهما . ( قال الشافعي ) : ولا بأس أن يرهن الرجل الرجل الأمة ، ولها ولد صغير ; لأن هذا ليس بتفرقة منه .
الرهن الفاسد ( قال الشافعي ) : رحمه الله والرهن الفاسد أن يرتهن الرجل من الرجل مكاتبه قبل أن يعجز ، ولو عجز لم يكن على الرهن حتى يجدد له رهنا يقبضه بعد عجزه ، ولو ارتهن منه أم ولده كان الرهن فاسدا في قول من لا يبيع أم الولد أو يرتهن من الرجل ما لا يحل له بيعه مثل الخمر والميتة والخنزير أو يرتهن منه ما لا يملك فيقول أرهنك هذه الدار التي أنا فيها ساكن ويقبضه إياها ، أو هذا العبد الذي هو في يدي عارية أو بإجارة ويقبضه إياه على أني اشتريته ثم يشتريه فلا يكون رهنا ، ولا يكون شيء رهنا حتى ينعقد الرهن والقبض فيه والراهن مالك لا يجوز بيعه قبل الرهن وبيعه معه ، ولو عقد الرهن ، وهو لا يجوز له رهنه ثم أقبضه إياه ، وهو يجوز رهنه لم يكن رهنا حتى يجتمع الأمران معا ، وذلك مثل أن يرهنه الدار ، وهي رهن ثم ينفسخ الرهن فيها فيقبضه إياها ، وهي خارجة من الرهن الأول فلا يجوز الرهن فيها حتى يحدث له رهنا يقبضها به ، وهي خارجة من أن تكون رهنا لرجل أو ملكا لغير الراهن ، ولا يجوز أن يرهن رجل رجلا ذكر حق له على رجل ، قبل ذلك الذي عليه ، ذكر الحق أو لم يقبله ; لأن إذكار الحقوق ليست بعين قائمة للراهن فيرهنها المرتهن ، وإنما هي شهادة بحق في ذمة الذي عليه الحق فالشهادة ليست ملكا والذمة بعينها ليست ملكا فلا يجوز والله - تعالى - أعلم أن يجوز الرهن فيها في قول من أجاز بيع الدين [ ص: 164 ] ومن لم يجزه .

أرأيت إن قضى الذي عليه ذكر الحق المرهون صاحب الحق حقه أما يبرأ من الدين ؟ فإذا برئ منه انفسخ المرتهن للدين بغير فسخه له ، ولا اقتضائه لحقه ، ولا إبرائه منه ، ولا يجوز أن يكون رهن إلى الراهن فسخه بغير أمر المرتهن فإن قيل فيتحول رهنه فيما اقتضى منه قيل فهو إذا رهنه مرة كتابا ، ومالا والرهن لا يجوز إلا معلوما ، وهو إذا كان له مال غائب فقال : أرهنك مالي الغائب لم يجز حتى يقبض والمال كان غير مقبوض حين رهنه إياه ، وهو فاسد من جميع جهاته . ولو ارتهن رجل من رجل عبدا ، وقبضه ثم إن المرتهن رهن رجلا أجنبيا العبد الذي ارتهن أو قال : حقي في العبد الذي ارتهنت لك رهن ، وأقبضه إياه لم يجز الرهن فيه ; لأنه لا يملك العبد الذي ارتهن ، وإنما له شيء في ذمة مالكه جعل هذا الرهن وثيقة منه إذا أداه المالك انفسخ من عنق هذا . أو رأيت إن أدى الراهن الأول الحق أو أبرأه منه المرتهن أما ينفسخ الرهن ؟ .

( قال ) فإن قال قائل فيكون الحق الذي كان فيه رهنا إذا قبضه مكانه ، قيل فهذا إذا مع أنه رهن عبدا لا يملكه رهن مرة في عبد وأخرى في دنانير بلا رضا المرتهن الآخر . أرأيت لو رهن رجل رجلا عبدا لنفسه ثم أراد أن يعطي المرتهن مكان العبد خيرا منه وأكثر ثمنا أكان ذلك له ؟ فإن قال : ليس هذا له فإذا كان هذا هكذا لم يجز أن يرهن عبدا لغيره ، وإن كان رهنا له ; لأنه إذا اقتضاه ما فيه خرج من الرهن ، وإن لم يقبض ارتهنه ما له فيه . وإن قال : رجل لرجل قد رهنتك أول عبد لي يطلع علي أو على عبد وجدته في داري فطلع عليه عبد له أو وجد عبدا في دار فأقبضه إياه فالرهن مفسوخ لا يجوز الرهن حتى ينعقد على شيء بعينه ، وكذلك ما خرج من صدفي من اللؤلؤ ، وكذلك ما خرج من حائطي من الثمر ، وهو لا ثمر فيه ، فالرهن في هذا كله مفسوخ حتى يجدد له رهنا بعدما يكون عينا تقبض .

ولو قال : رهنتك أي دوري شئت أو أي عبيدي شئت فشاء بعضهم وأقبضه إياها لم يكن رهنا بالقول الأول حتى يجدد فيه رهنا ، ولو رهن رجل رجلا سكنى دار له معروفة وأقبضه إياها لم يكن رهنا ; لأن السكنى ليست بعين قائمة محتبسة وأنه لو حبس المسكن لم يكن فيه منفعة للحابس ، وكان فيه ضرر على الرهن . ولو قال : رهنتك سكنى منزلي يعني يكريه ويأخذ كراءه كان إنما رهنه شيئا لا يعرفه يقل ويكثر ويكون ، ولا يكون ، ولو قال : أرهنك سكنى منزلي يعني يسكنه لم يكن هذا كراء جائزا ، ولا رهنا ; لأن الرهن ما لم ينتفع المرتهن منه إلا بثمنه فإن سكن على هذا الشرط فعليه كراء مثل السكنى الذي سكن .

ولو كان لرجل عبد فرهنه من رجل ثم قال : لرجل آخر قد رهنتك من عبدي الذي رهنت فلانا ما فضل عن حقه ورضي بذلك المرتهن الأول وسلم العبد فقبضه المرتهن الآخر أو لم يرض ، وقد قبض المرتهن الآخر الرهن أو لم يقبضه فالرهن منتقض ; لأنه لم يرهنه ثلثا ، ولا ربعا ، ولا جزءا معلوما من عبد ، وإنما رهنه ما لا يدري كم هو من العبد ، ولا كم هو من الثمن ، ولا يجوز الرهن على هذا ، وهو رهن للمرتهن الأول ، ولو رهن رجل رجلا عبدا بمائة ثم زاده مائة ، وقال : اجعل لي الفضل عن المائة الأولى رهنا بالمائة الآخرة ففعل كان العبد مرهونا بالمائة الأولى ، ولا يكون مرهونا بالمائة الأخرى ، وهي كالمسألة قبلها ، ولو أقر الراهن أن العبد ارتهن بالمائتين معا في صفقة واحدة وادعى ذلك المرتهن أو أن هذين الرجلين ارتهنا العبد معا بحقيهما وسمياه وادعيا ذلك معا أجزت ذلك فإذا أقر بأنه رهنه رهنا بعد رهن لم يقبل ، ولم يجز الرهن قال : ولو كانت لرجل على رجل مائة فرهنه بها دارا ثم سأله أن يزيده رهنا فزاده رهنا غير الدار وأقبضه إياه فالرهن جائز ، وهذا كرجل كان له على رجل حتى بلا رهن ثم رهنه به رهنا وأقبضه إياه فالرهن جائز ، وهو خلاف المسألتين قبلها .

ولو أن رجلا رهن رجلا دارا بألف فأقر المرتهن لرجل غيره أن هذا الدار رهن بينه وبينه بألفين هذه الألف وألف سواها فأقر الراهن بألف لهذا المدعي الرهن المقر له المرتهن بلا رهن [ ص: 165 ] وأنكر الراهن فالقول قول رب الرهن ، والألف التي لم يقر فيها بالرهن عليه بلا رهن في هذا الرهن والأولى بالرهن الذي أقر به ، ولو كان المرتهن أقر أن هذه الدار بينه وبين رجل ونسب ذلك إلى أن الألف التي باسمه بينه وبين الذي أقر له لزمه إقراره ، وكانت الألف بينهما نصفين ، وهو كرجل له على رجل حق فأقر أن ذلك الحق لرجل غيره فذلك الحق لرجل غيره على ما أقر به .

ولو دفع رجل إلى رجل حقا فقال قد رهنتكه بما فيه ، وقبضه المرتهن ورضي كان الرهن بما فيه إن كان فيه شيء منفسخا من قبل أن المرتهن لا يدري ما فيه أرأيت لو لم يكن فيه شيء أو كان فيه شيء لا قيمة له فقال المرتهن : قبلته وأنا أرى أن فيه شيئا ذا ثمن ألم يكن ارتهن ما لم يعلم والرهن لا يجوز إلا معلوما ، وكذلك جراب بما فيه وخريطة بما فيها وبيت بما فيه من المتاع ، ولو رهنه في هذا كله الحق دون ما فيه أو قال الحق ، ولم يسم شيئا كان الحق رهنا ، وكذلك البيت دون ما فيه ، وكذلك كل ما سمي دون ما فيه ، وكان المرتهن بالخيار في فسخ الرهن والبيع إن كان عليه أو ارتهان الحق دون ما فيه ، وهذا في أحد القولين .

والقول الثاني : أن البيع إن كان عليه مفسوخ بكل حال فأما الخريطة فلا يجوز الرهن فيها إلا بأن يقول دون ما فيها ; لأن الظاهر من الحق والبيت أن لهما قيمة والظاهر من الخريطة أن لا قيمة لها ، وإنما يراد بالرهن ما فيها قال : ولو رهن رجل من رجل نخلا مثمرا ، ولم يسم الثمر فالثمر خارج من الرهن كان طلعا أو بسرا أو كيف كان فإن كان قد خرج طلعا كان أو غيره فاشترطه المرتهن مع النخل فهو جائز ، وهو رهن مع النخل ; لأنه عين ترى ، وكذلك لو ارتهن الثمر بعدما خرج ورئي جاز الرهن ، وله تركه في نخله حتى يبلغ وعلى الراهن سقيه والقيام بما لا بد له منه مما لا يثبت إلا به ويصلح في شجره إلا به كما يكون عليه نفقة عبده إذا رهنه ، ولو رهن رجل رجلا نخلا لا ثمرة فيها على أن ما خرج من ثمرها رهن أو ماشية لا نتاج معها على أن ما نتجت رهن كان الرهن في الثمرة والنتاج فاسدا ; لأنه ارتهن شيئا معلوما وشيئا مجهولا .

ومن أجاز هذا في الثمرة لزمه - والله أعلم - أن يجيز أن يرهن الرجل الرجل ما أخرجت نخله العام ، وما نتجت ماشيته العام ، ولزمه أن يقول : أرهنك ما حدث لي من نخل أو ماشية أو ثمرة نخل أو أولاد ماشية وكل هذا لا يجوز فإن ارتهنه على هذا فالرهن فاسد ، وإن أخذ من الثمرة شيئا فهو مضمون عليه حتى يرد مثله ، وكذلك ولد الماشية أو قيمته إن لم يكن له مثل ، ولا يفسد الرهن في النخل والماشية التي هي بأعيانها بفساد ما شرط معها في قول من أجاز أن يرهنه عبدين فيجد أحدهما حرا أو عبدا أو زق خمر فيجيز الجائز ويرد المردود معه .

وفيها قول آخر : إن الرهن كله يفسد في هذا كما يفسد في البيوع لا يختلف فإذا جمعت صفقة الرهن شيئين أحدهما جائز والآخر غير جائز فسدا معا وبه أخذ الربيع ، وقال : هو أصح القولين .

( قال الشافعي ) : وإذا رهن الرجل رجلا كلبا لم يجز ; لأنه لا ثمن له ، وكذلك كل ما لا يحل بيعه لا يجوز رهنه ، ولو رهنه جلود ميتة لم تدبغ لم يجز الرهن ، ولو دبغت بعد لم يجز فإن رهنه إياها بعدما دبغت جاز الرهن ; لأن بيعها في تلك الحال يحل .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 429.25 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 423.14 كيلو بايت... تم توفير 6.10 كيلو بايت...بمعدل (1.42%)]