عادة العربي وأثرها في التفسير القرآني - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         توجيهات منهجية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 17 )           »          الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 56 - عددالزوار : 15810 )           »          المطلوب.. أداء الفرائض وترك الكبائر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          همسة في آذان الشباب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          من آداب الدعاء... إثبـــات الحمـــد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          واحة الفرقان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 13 - عددالزوار : 3015 )           »          الاستعمار وأساليبه في تمكين الاستشراق الحلقة الرابعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 17 - عددالزوار : 609 )           »          قواعد عقاب الطفل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          العمل التطوعي.. أسسه ومهاراته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 46 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 03-12-2021, 05:53 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,336
الدولة : Egypt
افتراضي عادة العربي وأثرها في التفسير القرآني

عادة العربي وأثرها في التفسير القرآني
محمد السيد حسن محمد



كانت ضرورة معرفة عادات العرب لتعد منهجًا معتبرًا من مناهج المفسرين، وعلى رأسهم الصحابة الكرام رضي الله تعالى عنهم، ولأن القرآن الحكيم قد تنزل، وهم إذ بين يدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وإذ هم - إذًا - أعلم يومها بمآلات قرآنهم، وما تدلي به نصوصه على أسماعهم وقلوبهم.

ولما كانت هذه الضرورة، وذلك لما لها من أثر بالغ في فهم نصوص التنزيل الحكيم، والذكر المبين، وهي ضرورة من ضرورات إعمال النصوص حسبما توارد عليه القوم من عادات؛ إذ إن القرآن الكريم نفسه إنما نزل مراعيًا أحوال القوم؛ ومنه مسألة التدرج في تحريم الخمر، وكما قال: "وتحريم الخمر كان بتدريج ونوازل كثيرة، فإنهم كانوا مُولَعين بشربِها"[1]، ومنه مسألة التدرج في مسألة الحجاب أيضًا على قول بذلك، وآخر بخلافه[2]، وعلى تفصيل لكلٍّ، ليس ذلكم هو موضعه، مما كان ينزل من القرآن حسب أقضية الناس وحاجياتهم، كيما يتوافق كونه قرآنًا سماويًّا، مع كونه نظامًا اجتماعيًّا؛ ليحبك الناس من ثَمَّ نظامهم متوافقًا مع نظام القرآن الكريم، الذي نزل أول ما نزل مصطحبًا معه كلية التيسير، وقاعدة رفع الحرج عن العباد؛ وهو من مقتضى قوله تعالى: ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ [البقرة: 185]، وقوله تعالى: ﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ﴾ [الحج: 78]، والقول بغير ذلك ينتج فصامًا نكدًا بين القوم وقرآنهم، ولم يكن القرآن حاملًا لواءه، ولم يكن الفرقان ممتطيًا جواده؛ تيسيرًا على العباد، للحاضر منهم والباد.

ولقد بلغ أئمة البيان عن الله تعالى شأوًا بالغًا في هذا الجانب؛ وذلك لأنهم كانوا محيطين بعادات العرب وأعرافهم، ومنه فقد راعوا هذه المسألة في أوسع أبوابها، بل إن القرآن العظيم نفسه قد أحاط بذلكم نبأً، وقد أفرد لذلكم خبرًا وذكرًا، وفي مساحة واسعة من آياته البينات.

وليس يقال من ذلكم: إن القرآن المجيد قد تنزل محابيًا! وقول بذلك هو من التجني على كتاب جاء هادمًا أصنام الشرك في القلوب، بمعاوله الكريمة، عندما صدح أول ما صدح به: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 1 - 4]، وغيره مما حفل به القرآن الكريم، في إعلان عام أن لا معبود بحق إلا الله تعالى، والله تعالى لا يقبل من العمل، ولو كان صالحًا صوابًا، وفق الكتاب والسنة، إلا ما كان له تعالى خالصًا وحده، ومجابهًا بذلك شرك البشرية المقيت في ربها الرحمن سبحانه، ومواجهًا بعقيدة صلبة في الله تعالى لا تقبل ضيمًا، ولا ترضى إلا عزًّا وكرامة وإباءً وشكيمة، أعزت بها أهلها، وأكرمت بها تابعيها، على مدار الزمان كله، يوم أن كان الاستمساك بحبل الله تعالى معتصمًا به أوحدَ، والله تعالى لا يقبل من العمل الصالح إلا ما كان له خالصًا وحده سبحانه، وهذا هو مقتضى ما جهر به القرآن المبين، ختمًا لسورة كان أبناؤها الكرام البررة - أهل الكهف - مثالًا للتوحيد، ومنارة للإخلاص؛ وإذ يقول الله تعالى ربنا سبحانه: ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 110].

والقول بذلك شيء، والقول بمراعاة عادات الناس الاجتماعية الموروثة والتدرج بهم إلى أن ينتقلوا من الجاهلية كلها إلى الإسلام كله شيء آخر تمامًا، ومن ثم تكون أفئدتهم قد هيئت لتلقي أمر الله تعالى كله، في دقيق أو جليل، أو خفي أو جلي، وأن ذلكم قد أصبح أمرًا ميسورًا.

وهذا فضلًا عن أن كل عادات القوم لم تكن كلها في تصادم مع الدين الجديد، وإعطاؤها قدرًا من الاهتمام والرعاية هو الحق، ومن دونه الباطل؛ ذلك لأن الإسلام لم يجئ لكي ينقض كل ما كان قائمًا، وإنما جاء لينقض كل ما كان مخالفًا، ولمنهج الله تعالى في أرضه مباينًا.


﴿ صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ [البقرة: 138].

علاوة على أنه جاء بصبغة ربانية حميدة، وذلك حين أسند كلًّا إلى السلطة الكبرى، وهي سلطان الله تعالى وحده؛ كيما تتوحد سلطة الأمر والنهي، ولا يكون الناس رهائن لبعضهم بعضًا، لتختلف الأوامر والنواهي باختلاف الحالة الكامنة في صدور كل واحد على حدة، ومن ثم فيحل الخلاف محل الاتفاق، ولتحل الفوضى محل الأمن، وليحل السلم محل الحرب، وليحل الهدوء محل الاضطراب، ولتحل الدعة محل الفزع.


مفارقة بين عمل المسلم وبين عمل المشرك:
هذا فضلًا عما يكتسبه العبد حين يفعل فعله، وهو إذ تكون نيته مصوبة نحو مولاه الحق المبين، وأنه إذ قد فعل ذلك، فإنما كان فعله ﴿ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 207]، عبودية لربه، واستكانة إلى مولاه تعالى الحق المبين سبحانه، وهذا الجانب هو جد فصل بين المسلم وما سواه؛ إذ يتوجه في عمله، وسائر قوله إلى الله تعالى العلي الأعلى سبحانه، وهو اعتراف منه بأن السلطان القويم لله تعالى ليعلو كل سلطان، وإذ إنه ليجد في ذلك سعادته ورضاه، ولما قد قام بذلك عبودية لله تعالى سبحانه.

وهو ما يفرق مسلم عن غيره أيضًا، وحين مسيرته في الكون، عبدًا مهتديًا بهدي مولاه تعالى؛ لينال بذلك حظه الموفور، جزاء سعيه المشكور، من التوفيق في الدنيا، ومن الأجر الجميل؛ ليجده منتظرًا إياه، يوم لقاء ربه سبحانه ومولاه، ولتجده وقد فاز بذلك توفيقه تعالى وهداه، وذلك حين قد شمر عبيد لربه عن سواعد الهمة والنشاط والدأب، سعيًا حثيثًا إلى مراضيه تعالى، مدبرًا بكليته عن باطل زهوق، ومقبلًا بكليته أيضًا على كل حق كريم آصر.

تاريخ المسألة:
وقول باعتبار عرف القوم هو ما يتماشى مع تاريخ البشرية الطويل، ومع ما تعارفت عليه، أو انتسبت إليه، فطرة سوية كان قد تبقى منها الشيء الكثير منهجًا معمولًا به في مجتمعات العرب خاصة؛ ذلك لأنهم كانوا على اتصال ببقايا من ملة نبي الله تعالى إبراهيم عليه السلام، ﴿ قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [النحل: 120]، وكذا وجود أهل الكتاب بين ظهرانيهم، وكان فيهم بقايا مما فطر الله تعالى الناس عليها.

دليل وبرهان:
ولا ننسى في ذلكم أيضًا أن أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها قد أشارت إلى أنواع النكاح التي كانت موجودة، ومعمولًا بها في عصر الجاهلية قبل الإسلام، وكان منها النكاح الشرعي في الإسلام، فطرة وبقية مما توارثه القوم كما سبق من حنيفية إبراهيم، أو من بقايا أهل الكتاب، وهي أيضًا ذات صلة بـ﴿ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [النحل: 123].

وأولًا: وانظر حديث عروة بن الزبير فعنه ((أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته أن النكاح في الجاهلية كان على أربعة أنحاء: فنكاح منها نكاح الناس اليوم يخطب الرجل إلى الرجل وليته أو ابنته، فيصدقها، ثم ينكحها، ونكاح آخر كان الرجل يقول لامرأته إذا طهرت من طمثها: أرسلي إلى فلان، فاستبضعي منه ويعتزلها زوجها ولا يمسها أبدًا؛ حتى يتبين حملها من ذلك الرجل الذي تستبضع منه، فإذا تبين حملها أصابها زوجها إذا أحب، وإنما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد؛ فكان هذا النكاح نكاح الاستبضاع، ونكاح آخر يجتمع الرهط ما دون العشرة فيدخلون على المرأة كلهم يصيبها، فإذا حملت ووضعت ومر عليها ليالٍ، بعد أن تضع حملها أرسلت إليهم، فلم يستطع رجل منهم أن يمتنع حتى يجتمعوا عندها، تقول لهم: قد عرفتم الذي كان من أمركم، وقد ولدت، فهو ابنك يا فلان، تسمي من أحبت باسمه، فيلحق به ولدها، لا يستطيع أن يمتنع به الرجل، ونكاح الرابع: يجتمع الناس الكثير، فيدخلون على المرأة لا تمتنع ممن جاءها، وهن البغايا، كن ينصبن على أبوابهن رايات تكون علمًا، فمن أرادهن دخل عليهن، فإذا حملت إحداهن ووضعت حملها، جمعوا لها ودعوا لهم القافة، ثم ألحقوا ولدها بالذي يرون، فالتاط به، ودُعِيَ ابنه، لا يمتنع من ذلك، فلما بُعِثَ محمد صلى الله عليه وسلم بالحق، هدم نكاح الجاهلية كله، إلا نكاح الناس اليوم))[3].

والشاهد قولها: ((فَنِكَاحٌ مِنْهَا نِكَاحُ النَّاسِ الْيَوْمَ يَخْطُبُ الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ وَلِيَّتَهُ أَوْ ابْنَتَهُ فَيُصْدِقُهَا ثُمَّ يَنْكِحُهَا)) دلالة على اعتبار ما كان متوافقًا مع فطرة الله تعالى التي فطر الناس عليها، وهو ما يحسب لهذا الدين القويم الجميل؛ إذ إنه - وكما قلت آنفًا - لم يأتِ لكي ينقض كل ما كان قائمًا، وإنما جاء لينقض كل ما كان مخالفًا، ثم ليثبت مكانه ما كان حقًّا ناصعًا طاهرًا نقيًّا، ثلجًا بردًا، حنيفيًّا سمحًا، زكيًّا سلسًا يسرًا، تسعد به البلاد، ويعم خيره العباد، ثم يصبغه بصبغة الاحتساب والنية الحسنة لله تعالى ربنا الرحمن سبحانه.

فهم الأولين وعمل السابقين:
وبداهة، لم تكن هذه الحقائق وغيرها غائبة عن عموم المتصدرين لتأويل كلام الله تعالى، ولا سيما أهل القرون المفضلة الثلاثة الأولى، ومنه كان علمهم بأعراف الناس غير المتصادمة مع دين الله تعالى الإسلام أمرًا هو لدين الله تعالى نفسه، كيما يحدث توافق نفسي وعقدي مع القرآن في آن.

وثانيًا: ومن ذلك أيضًا ما يتعلق بقوله تعالى: ﴿ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [البقرة: 189]؛ حيث أمر الله تعالى بإتيان البيوت من الأبواب، وترك الإتيان للبيوت من ظهورها، وذلكم لا يتأتى معرفته إلا بالرجوع إلى عادات القوم في هذا الشأن، معرفة بتاريخهم، وإدراكًا لحالهم في ذلك، ومنه نعلم معنى هذه الآية إسقاطًا لا يتنافر مع ما ليس فيه حرام أو حلال.

أنواع العادات وموقف القرآن الكريم منها:
هذا، ولقد كانت هنالك عادات عربية أقرها القرآن الكريم، كالجوار، وتـولي توثيق العهود ونقضها، وتعظيم حرمـة البيـت، والحجابـة، والسقاية، وغيرها، ولقد كان منها عادات عربية هذبها القرآن الكـريم أيضًا، كعادة المساواة بين الفأل والطيرة، والتفاخر بالآباء، ورفع الصوت، والتحية، والحرمان من الميراث، والتعدد في الزواج، والإيلاء، والظهـار، والطلاق، والتهذيب بالعدة، والإحداد، وغيرها، ثم كانت هنالك عادات عربية أبطلها القرآن الكريم، كنسبة نزول المطر إلى الأنواء، والاستعاذة بالجن، والدخول على الغير دون إذن، والتبرج، والاختلاط، والتعري حين كانوا يطوفون بالبيت عرايا، وكانت المرأة تتخذ ما يستر به سوأتها، ومنه تحريم الحلال، وتحليل الحرام، وأكل أموال الناس بالباطل كالربا، وكذا عبادة الأوثان[4].


المقصود بالعادة:
ولما كانت العادة هي الأحوال السلوكية السائدة، وهي فيما يخص الجانب العربي هي تلكم الأحوال التي كانت سائدة لدى العرب في مجموعهم وقت نزول القرآن الكريم، وإنها وفق ما ذكره علماء الاجتماع، من أن العادة هي "الإلف والطبيعة"[5]، فإنه لا "ريب أن التشريع الإسلامي استبقى المحمود من عادات العرب وأقره، ولا شك أنه قضى قـضاء مبرمًا على أكثر ما هو ممقوت منها، وسلك بباقيها سنة التدرج حتى ذهب ريحه، وتلك هي الطريقة المثلى، وسنة كل تشريع حكيم يراعى الصالح فيما يقرره من الأحكام"[6].

علاقة العادة بأسباب النزول:
بيد أني أشير إلى أن معرفة العادة العربية يعتبر لصيق الصلة - ولو من وجه - بمسألة أسباب النزول لهذه الآية، وتلك هي الأخرى من قريناتها المتضامة المتضامنة المتآلفة، والمؤلف منها مجموعها ذلكم الكتاب العزيز الذي نراه بين أيدينا، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه؛ لأنه ﴿ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾ [فصلت: 42]، ناصعًا بياضه، بعيدًا سحيقًا عميقًا ممتدًا مدى نوره، وأفق سلطانه، في القلوب والأفئدة والضمائر والسلوك والوجدان؛ وذلك لأنها "أوفى ما يجب الوقوف عليها، وأولى ما تصرف العناية إليها، لامتنـاع معرفة تفسير الآية وقصد سبيلها، دون الوقوف على قصتها وبيان سبب نزولها، ولا يحل القول في أسباب نزول الكتاب، إلا بالرواية والسماع ممن شاهدوا التنزيل ووقفوا على الأسباب، وبحثوا عن علمها وجدوا في الطِّلاب، وقد ورد الـشرع بالوعيد للجاهل ذي العثار في هذا العلم بالنار"[7].

ومهما يكن من أمر، فإن "معرفـة سبب النزول يعين على فهم الآية؛ لأن "العلم بالسبب يورث العلم بالمسبب"[8]، بل إنه ليعد سببًا قويًّا لفهم مراده تعالى من كلامه؛ لأن "بيان سبب النزول طريق قوي في فهم معاني القرآن"[9].

مناط العادة في التفسير وأثرها في الاستنباط:
ولما كانت العادة ضابطة في مجال التفسير القرآني، ولما كانت تمثل مناطًا حسنًا لفهم المقصود من كلام الله تعالى ربنا الرحمن سبحانه، إلا أنها أيضًا لتمثل معينًا غدقًا، يعيننا على القدرة على استنباط فقه الآية الكريمة، وما يمكن أن يكون دليلًا حلًّا مجيبًا على أقضيتنا المتعددة المتزاحمة في حياتنا المتشعبة في حاجاتها ومطلوباتها أبدًا؛ إذ إنه "ولما كان القرآن الكريم مقصد المفسرين على اخـتلاف تنـوعهم، أضحى للعادة عند المفسرين الفقهاء - الذين عنوا بأحكام القرآن الكريم - أهمية كبرى لتقاسمها الوحي النازل بالأحكام الفقهية"[10].

أقسام الأحكام من حيث أثر العادة وعدمه:
وحيث إن ما نزل به الوحي من الأحكام الفقهية ينقسم إلى قسمين:
أما أحدهما: "فذلكم الذي لا يتأثر تأثرًا كثيرًا باختلاف البيئات والأقاليم والأعراف والعادات، وتجدد الأحداث وتقلب الظروف، وهذا قد قررت أصول مسائله، وفصلت أحكامه تفصيلًا وافيًا، ومع هذا كان تفصيلًا يفسح الطريـق للاجتهاد إذا دعا داعيه"[11]، وذلك من مثل ما ذهب إليه الفاروق رضي الله تعالى عنه في حكم السرقة في عام الرمادة، وتأخيره الصدقة.

وأما ثانيهما: "فهو ما كان من حقه تأثره تأثرًا ملحوظًا بالعوامل المـذكورة سابقًا، وهذا كانت له القواعد الكلية المرنة التي تصلح لكل زمان ومكان وبيئة، وتتسع لحاجات الناس، وتفتح للاجتهاد في أحداثها بابًا واسـعًا، وهـذه الأحكام بنوعيها إنما شرعها الله سبحانه لمصالح العباد تفضلًا منه، وتقوم على تحقيق سعادتهم في الدارين"[12].

حدود أثر العادة في الحكم:
ومنه، فإن معرفة العادة مـن أهـم ضرورات المفسر الفقيه، كغيره من المفسرين، بل إن العادة قد تنفرد بـالحكم عند عدم وجود نص، وأما عند ورود النص حاكمًا ضابطًا، ولأن أحكامه تعالى مقدمة على قول أو فعل آخر، وإذ جاءت أحكامه تعالى ناسخة لما بطل، وإذ رأينا قوله تعالى قاطعًا لكل قول، وكما قطعت جهيزة قول كل خطيب، وقد كان قوله تعالى قاطعًا لقول جهيزة، وكما قطعت هي قول كل خطيب، وكان أدعى وأقوم قول ربنا وحكمه، وأمره ونهيه، وشرعه وبيانه، وقرآنه سبحانه.

وإذا كانت العادة تلك حدودها، منبتة عن تنزيل حكيم، ومقطوعة عن قول رسول كريم، فإنها "إنما تجعل حكمًا لإثبات الحكم الشرعي، إذا لم يرد نص في ذلك الحكم المراد إثباته، فإذا ورد النص عمل بموجبه، ولا يجوز ترك النص والعمل بالعادة، لأنه ليس للعباد حق تغيير النصوص، والنص أقوى من العرف، لأن العرف قد يكون مستندًا على باطل"[13].

وأقول: إنه ليس من حق العباد المساكين الغر الميامين أن يغيروا نصًّا، أو يبدلوه أو يعطلوه أو يهملوه، أو يغمضوا طرفهم عنه، أو يشقوا عصا الطاعة له، أو يستدبروه، أو يهجروه، أو يتأولوه، لا على وجه التعبد والانصياع والمتابعة والسعي الحثيث لإعماله، والنهوض به نظامًا محكمًا لسعادتهم، دنياهم وعاجلهم وآجلهم، طاعة لربهم واستمطارًا لرحمته وتوفيقه، وعطائه ومنحه، ونعمه وأفضاله سبحانه، وكشفًا لهمومهم، ودرءًا لمفاسدهم، وتفريجًا لكرباتهم، ودفعًا لأحزانهم وغمومهم، ولا حتى أن يعملوه، لا على أنه من عند ربهم، وإنما هو من عند أنفسهم، فإنما الأمر أمره، وإنما النهي نهيه، وإنما القول قوله، وإنما الفصل فصله سبحانه.

مزلق خطر!
ويكأنه قد قيل: إنه "إذا تعارض النص والعرف ينظر فيما إذا كان النص مبنيًّا على العرف والعادة أم لا؟ فإذا كان النص مبنيًّا على العرف والعادة ترجح العادة ويترك النص، وإذا كان النص غير مستند إلى عرف وعادة يعمل بالنص ولا عبرة بالعادة"[14]، وهذا قول إذا أخذ بظاهره كان خطرًا، ومنه فقد حسن تأويله بتأويل سائغ للنص لا أكثر، ومن حيث إن النص بدلالته أقوى قبولًا وأقوم قيلًا، وهذا هو من حسن التأويل عن القوم السابقين من أولي العلم والفقه والدين.

العادة قرينة العرف:
هذا وثمة علاقة واسعة بين ما تعارفت عليه الأمم، وما قد أسمي عادة من مظانهم، ولأن خيطًا بينهما رابط، ولأن إحكامًا بينهما ضابط.

والعرف عرفان: أحدهما عام، والآخر خاص: فالعرف العام: "هو عرف هيئة غير مخصوص بطبقة من طبقاتها، وواضعه غير متعين، وهو العرف الجاري منذ عهد الصحابة حتى زماننا، والذي قبله المجتهدون وعملوا به، ولو كان مخالفًا للقياس؛ مثال ذلك: إذا حلف شخص قائلًا والله لا أضع قدمي في دار فلان يحنث، سواء دخل تلك الدار ماشيًا أو راكبًا، أما لو وضع قدمه في الدار دون أن يدخلها، لا يحنث لأن وضع القدم في العرف العام بمعنى الدخول.

أما العرف الخاص: فهو اصطلاح طائفة مخصوصة على شيء، كاستعمال علماء النحو لفظة الرفع، وعلماء الأدب كلمة النقد"[15].

ولما كان "العرف ما استقرت النفوس عليه بشهادة العقـول وتلقته الطبائع بالقبول وهو حجة - أيضًا لكنه أسرع إلى الفهم، والعادة هي ما استمر الناس عليـه على حكم العقول وعادوا إليه مرة أخرى"[16]، فإنه والحال كذلك قد ساغ اعتبارهما - ومن ثم - مناطًا لفهم قرآن ربنا، وسبيلًا إلى تفسير كلام خالقنا ورازقنا سبحانه، والحال أيضًا أن كلًّا منهما ليس يشاقق نصًّا، وليس يضاد دليلًا، وتلك كلية بدهية.

وذلك لأنه "لا ريب أن في التشريع الإسـلامي امتدادًا لما قبله من الشرائع السماوية الحقة، التي تكون دينًا واحـدًا سـاير الإنسانية في نموها وتطورها، حتى إذا بلغت أشدها كانت الخاتمة الملائمة هي ما استقر عليه التشريع الإسلامي، وتم به دين الله، والكتاب الكريم ينطق بهذا في مواطن كثيرة، فلا غضاضة على هذا التشريع إنْ هو أقر عـادات محمـودة صالحة للبقاء، أو كانت فيه آثار الشرائع الإلهية السابقة، فذلك من كمالـه، ومن أفضل محاسنه"[17].

قرائن وأحوال:
ودلك على أهمية العرف والعادة أيضًا ما جاء عند تفسير قوله تعالى: ﴿ وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا ﴾ [الجن: 6]، "كما كان عادة العرب في جاهليتها، يعوذون بعظيم ذلك المكان من الجان، أن يصيبهم بشيء يسوؤهم، كما كان أحدهم يدخل بلاد أعدائه في جوار رجل كبير وذمامه وخفارته"[18]، وذلك بقطع النظر عن صحة مذاهبهم في ذلك أو بطلانها؛ لأن المقصود هو بيان ما للعادة وما للعرف من أهمية عند النظر في كتاب الله تعالى تفسيرًا وتأويلًا.

ودلك عليه أيضًا ما كان معروفًا لدى العرب من عادة الحجابة، وجعلها مناطًا لتأويل بعضهم قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ﴾ [النساء: 58]، فقد "أخرج ابن مردويه من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، قال: ((لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة دعا عثمان بن أبي طلحة فلما أتاه، قال: أرني المفتاح فأتاه به، فلما بسط يده إليه قام العباس، فقال: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، اجعله لي مع السقاية، فكف عثمان يده، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرني المفتاح يا عثمان، فبسط يده يعطيه، فقال العباس مثل كلمته الأولى فكف عثمان يده، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عثمان، إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر، فهاتني المفتاح، فقال: هاك بأمانة الله تعالى فقام ففتح الكعبة فوجد فيها تمثال إبراهيم عليه السلام معه قداح يستقسم بها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما للمشركين قاتلهم الله تعالى وما شأن إبراهيم عليه السلام وشأن القداح؟ وأزال ذلك، وأخرج مقام إبراهيم عليه السلام وكان في الكعبة، ثم قال: أيها الناس، هذه القبلة، ثم خرج فطاف بالبيت، ثم نزل عليه جبريل عليه السلام - فيما ذكر لنا - برد المفتاح، فدعا عثمان بن أبي طلحة، فأعطاه المفتاح ثم قال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ ﴾؛ الآية))[19].

والقصة بسندها السابق فيها كلام؛ وبسبب أن فيه الكلبي، وفيه كلام عند أولي العلم بأصول الجرح والتعديل، لسلسلة رواة أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فـ"محمد بن السائب أبو النضر الكوفي - الكلبي - النسابة المفسر متهم بالكذب، ورمي بالرفض"[20].

وقد أوردها الإمام الطبري رحمه الله تعالى هكذا: ((حدثني القاسم، حدثنا الحسين، عن حجاج، عن ابن جريج، قوله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ﴾ [النساء: 58]، قال: نزلت في عثمان بن طلحة قبض منه النبي صلى الله عليه وسلم مفتاح الكعبة، فدخل به البيت يوم الفتح، فخرج وهو يتلو هذه فدعا عثمان إليه، فدفع إليه المفتاح، قال: وقال عمر بن الخطاب لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكعبة، وهو يتلو هذه الآية: فداه أبي وأمي، ما سمعته يتلوها قبل ذلك))[21].

وعلى أية حال فإن تأويلها على وجهها السالف إن هو إلا وجه من وجوه، ليس هذا مجال تفصيلها، أو ترجيح بعضها.

خاتمة وبرهان:
ودلك على أن مراعاة العرف والعادة عند الأخذ في تفسير كلام الله تعالى، وإنما يكون إعمالها وكما قد سبق من ذكرها آنفًا، أو تعديلها، أو نسخًا لبعضها، وحين مخالفتها لأصول العدل والقسطاس المستقيم، ما جاء "عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنْهمَا، قالَ: كانَ المَالُ لِلْوَلَدِ، وكَانَتِ الوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ، فَنَسَخَ اللَّهُ مِن ذلكَ ما أحَبَّ، فَجَعَلَ: لِلذَّكَرِ مِثْلَ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ، وجَعَلَ لِلْأَبَوَيْنِ لِكُلِّ واحِدٍ منهما السُّدُسَ، والثُّلُثَ، وجَعَلَ لِلْمَرْأَةِ الثُّمُنَ والرُّبُعَ، وللزَّوْجِ الشَّطْرَ والرُّبُعَ"[22].




[1] تفسير القرطبي، القرطبي: ج: ٦/ ٢٨٦.

[2] كتاب الحجاب في الشرع والفطرة، عبدالعزيز الطريفي: 20 ،21.

[3] صحيح البخاري، حديث رقم: 4834.

[4] عادات عربية في ضوء القرآن الكريم، عبدالفتاح محمد أحمد خضر: 78.

[5] مقدمة ابن خلدون: .٣٧.

[6] موسوعة الفقه الإسلامي: ج: 1/ 4.

[7] أسباب النزول، الواحدي: ٤.

[8] مجموع الفتاوى، ابن تيمية: 13/ 339.

[9] الإتقان، ابن دقيق العيد: 1/ 190، 191.

[10] عادات عربية في ضوء القرآن الكريم، عبدالفتاح محمد أحمد خضر: 76.

[11] نهاية المطلب في دراية المذهب في فروع المذهب الشافعي، لأبي المعالي عبدالملك/ ابن يوسف الجويني: ج: 1/ 30.

[12] نهاية المطلب في دراية المذهب في فروع المذهب الشافعي، لأبي المعالي عبدالملك/ ابن يوسف الجويني: ج: 1/ 30.

[13] درر الحكام شرح مجلة الأحكام، علي حيدر: ج: 1/ 145.

[14] درر الحكام شرح مجلة الأحكام، علي حيدر: ج: 1/ 44.


[15] درر الحكام في شرح مجلة الأحكام، علي حيدر (1/ 66).

[16] التعريفات، الجرجاني :١/ ١٩3.

[17] موسوعة الفقه الإسلامي: 1/ 4.

[18] تفسير ابن كثير: ج: 4/ 370.

[19] تفسير الآلوسي: ج: ٥/ ٦٣.


[20] تقريب التهذيب، ابن حجر العسقلاني: ج: 1/ ص: 479.

[21] تفسير الطبري، 4/ 148، رقم: 9846.

[22] صحيح البخاري، باب ميراث الزوج مع الولد وغيره، حديث رقم: 6739.








__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 73.49 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 71.61 كيلو بايت... تم توفير 1.88 كيلو بايت...بمعدل (2.56%)]