أنا خير منه!

[ابوالوليد المسلم]

أنا خير منه!



بعض الناس يرى أنه خير من غيره من البشر بسبب شرف عائلته أو رفعة قبيلته أو كثرة ماله أو علوّ منصبه أو تميز شهادته العلمية..
تصادف من هؤلاء في العمل.. وفي المسجد.. وفي الحي.. يجمعهم قول واحد يرددونه في أنفسهم: «أنا خير منه».
كنت وصاحبي نتمشى بعد صلاة العشاء بعد أن أديناها جماعة في مسجد قريب من البحر.
- عندما أمر الله إبليس أن يسجد لآدم.. رفض.. (استكبارا).. وبالطبع لا يقر أي متكبر باستكباره فأراد أن يسوّغ الرفض بعلة.. فقال: {أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين} (الأعراف:12).
- كلما أتذكر هذا الموقف أشعر أن إبليس كان في قمة الغباء.. أضحكني تعبير صاحبي.. تابع حديثه.
- نعم.. والله لا أشك أنه كان في قمة الغباء.. لقد كان في الملكوت مع الملائكة ويعرف أن الله الخالق الرازق المدبر.. قاطعته.
- هذا هو الكفر.. مع العلم.. والعياذ بالله.. عندما يتقدم هوى النفس على العلم.. وعندما لا يورث العلم إيمانا في القلب وخضوعا في الجوارح.. لا ينفع صاحبه شيئا.
تابعت.
- إبليس.. قدم القياس على النص.. وهذا يفسد القياس.. وفي الواقع ما هذا إلا تسوّيغ للمعصية.. هو لم يرد أن يسجد.. فلم يجد تسويغاً إلا أنه خير من آدم.. وتمادى في معصيته.. وانظر إلى الفرق بين معصية آدم.. ومعصية إبليس.. عندما نبه الله آدم إلى معصيته قال: {ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين}(23)، ولم يكن يعرف ما يقول ولكنه أراد الرجوع عن المعصية.. فتلقى هذه الكلمات من ربه.. فقالها صادقا.. وتاب الله عليه.. أما إبليس فتمادى في المعصية رغم أن الله سلبه كبرياءه وأذله: {قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين} (الأعراف:23)، وقال عز وجل: {قال اخرج منها مذؤوما مدحورا} (الأعراف:18).
أخذت وصاحبي مجلسا على كرسي قبالة البحر.. تابعت.
- وشعر إبليس بالذل والهوان والصغار.. ولكنه أصر على معصيته، قال: {أنظرني إلى يوم يبعثون..}، وذلك لأنه على يقين أن الله قادر على أن يبقيه إلى {يوم يبعثون}.. لأنه يعرف قدرة الله عز وجل ولماذا طلب الإنظار؟ حتى يسوّغ لنفسه أن سبب معصيته هو هذا المخلوق(آدم).. ولا يريد أن يقرر أن سبب معصيته هو (تكبره) عن أمر الله.. فطلب الإمهال حتى ينتقم من ذرية آدم.. في صراع أبدي إلى يوم القيامة.. ومع ذلك يعلم أنه لا يملك أن يضل أحدا إلا إذا خلّى الله بينه وبين بني آدم.. واستجاب له من يريد أن يضله.. اسمع قول الله تعالى: {قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين} (ص:82)، وقوله عز وجل: {وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إن الظالمين لهم عذاب آليم} (إبراهيم:22).
فتركه الله.. ابتلاء لبني آدم مع أنه من اعتصم بالله فإن إبليس وجميع جنده لا يستطيع أن يضله قيد أنملة: {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين} (الحجر:42).
فالذي يضل عن سبيل الله.. ويعتذر بأن الشيطان أغواه عذره غير مقبول.. لأن الشيطان في ساعة الحقيقة.. يقول: {لا تلوموني ولوموا أنفسكم}.. ولو أراد هذا العبد الرجوع إلى الله بصدق لما كان للشيطان عليه سلطان.. ولكنه هو الذي لم يرد.. فاتخذ الشيطان عذرا.. كما أن الشيطان عندما لم يرد أن يسجد.. قال: «أنا خير منه».


اعداد: د. أمير الحداد