صفحات مضيئة من حياة الفاروق رضي الله عنه - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12547 - عددالزوار : 216142 )           »          معارج البيان القرآني ـــــــــــــ متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 10 - عددالزوار : 7834 )           »          انشودة يا أهل غزة كبروا لفريق الوعد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 62 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4421 - عددالزوار : 859695 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3953 - عددالزوار : 394036 )           »          مشكلات أخي المصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 88 )           »          المكملات الغذائية وإبر العضلات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 66 )           »          أنا متعلق بشخص خارج إرادتي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 64 )           »          مشكلة كثرة الخوف من الموت والتفكير به (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 69 )           »          أعاني من الاكتئاب والقلق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 62 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث > ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم قسم يختص بالمقاطعة والرد على اى شبهة موجهة الى الاسلام والمسلمين

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 12-01-2024, 12:05 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي صفحات مضيئة من حياة الفاروق رضي الله عنه





صفحات مضيئة من حياة الفاروق رضي الله عنه

فاطمة الأمير



كثيرًا ما كان يتردد على مسامعي كلمات رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( «خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فَقُهُوا» ))؛ رواه البخاري ومسلم، كنت في سن صغيرة وكنت أتساءل عن معنى هذا الحديث وأتعجب منه! كيف يكون من الأخيار في الجاهلية ويكون هو نفسه من الأخيار في الإسلام؟
حتى فهمت معناها يوم قرأت في سيرة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وأنَّ أكرم الناس من حيث النسب والمعادن والأصول، هم الخيار في الجاهلية، لكن بشرط أن يفقهوا في دين الله، وأن يتعلموا أحكامه، فإن لم يحصل لهم الفقه في الدين، فإنَّ شَرَف النَّسب لا يشفع لصاحبه، حتى وإن عَلا نسبُه وكان من خيار العرب نسبًا ومعدنًا؛ فاستشعرت حلاوة الإسلام الذي يجعل المسلم يحتفظ بتلك الخيرية بعد إسلامه، ولكنها خيرية ممزوجة بحلاوة الإسلام، فعمر بن الخطاب انقلب حاله ما بين ليلة وضحاها لم يأخذ وقتًا في التفكير، فما إن سمع القرآن حتى تلألأ نور الإيمان في قلبه، إنه الإسلام الذي إن وقر في القلب تبدلت القلوب في أقل من طرفة عين، وما ذلك على الله بعزيز.
إنه الإسلام الذي يستطيع أن يعيد برمجة تلك القلوب المعادية له، فبالأمس كان عمر بن الخطاب من أشدِّ الناس عداوة للإسلام والمسلمين، فما إن أصابته سهام دعوات الرسول صلى الله عليه وسلم حتى امتلأ قلبه بنور الإسلام، فشتان بين عمر في الجاهلية وبين عمر بعد الإسلام، نسبه وصفاته كما هي ولكنه أعاد توظيفها لخدمة الإسلام والمسلمين، فالإسلام لا يلغي الطبائع وإنما يُهذِّبها، ولا يهدم الصفات إنما يعيد استخدامها من جديد؛ فأصبحت قوة عمر وحزم عمر ورقة عمر ولين عمر وعدل عمر وحكمة عمر، كلها تحيا وتزداد لخدمة الإسلام والمسلمين منذ لحظة إعلانه للشهادة، فكأن عمر بن الخطاب شخص ولد من جديد، وبطل ليت الأمة الإسلامية لو أنجبت منه الكثير، هكذا كان عمر من خيارهم في الجاهلية وخيارهم في الإسلام.
فهيا نتعرف على عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، وإن كانت الكلمات حقًّا لا تصفه ولا تعطيه قدره.
اسمه: عُمر بن الخطَّاب بن نُفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبدالله بن قُرط بن رَزاح بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي العَدويّ.
وأمه حنتمة بنت هاشم بن المغيرة بن عمرو بن مخزوم.
يَجتمع نسبه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في كعب بن لؤي بن غالب.
كنيته: أبو حفص، وهي كُنية، وليس له ولد بهذا الاسم.
لقبه: الفاروق، ولُقِّب به؛ لأنه أظهر الإسلام بمكَّة، ففرَّق الله به بين الحق والباطل.
مولده: وُلِد عمر رضي الله عنه بعد عام الفيل بثلاث عشرة سنة.
حياته قبل الإسلام:
تعَلَّم القراءة والكتابة في الجاهلية، فقد كان من القلة القلائل الذين يقرأون ويكتبون في مكة، وتحَمَّل المسؤولية صغيرًا، ونشأ نشأة بها غلظة وشدة، فلم يعرف حياة الترف يومًا، فلقد دفعه أبوه الخطاب إلى المراعي ليرعى له إبله، ثم اشتغل بالتجارة حتى أصبح من أغنياء مكة، وكانت له مكانة بارزة في مكة بين رؤسائها؛ قال ابن الجوزي: "كانت إليه السفارة في الجاهلية، وذلك إذا وقعت بين قريش وغيرهم حرب بعثوه سفيرًا، أو إن نَافَرَهم حيٌّ المفاخرة بعثوه مُفاخِرًا، ورَضُوا به".
فماذا عن عمر ومعتقداته؟
إن لكل إنسان منا حياةً أخرى قبل الالتزام وبدء التوبة، حياة قد تكون مليئة بالكبائر والصغائر من الذنوب، مليئة باللهو وحب الدنيا، فإذا بالناظر ييأس من هداية هؤلاء الأشخاص، ولكن هيهات هيهات فها هو سيدنا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- شتان بين حياته قبل الإسلام وبعده، شتان بين حياة الكفر واللهو، وحياة الإسلام.
اعتنق عمر بن الخطاب الوثنية سبعًا وعشرين سنة قبل الإسلام، وحتى بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم أظهر عمر العداء للإسلام، فكان شديد العداوة للرسول صلى الله عليه وسلم، وقام باضطهاد المسلمين بكل ما أوتي من قوة، بل امتدَّ إيذاؤه إلى أقرب الناس له رحمًا، وكان شاربًا للخمر، فقد روي عنه أنه قال: "وإني كنت لأشْرَبَ الناسِ لها في الجاهلية"؛ رواه البيهقي في السنن الكبرى.
هكذا كان عمر في الجاهلية، فلشدة انغماسه في بعض رذائل الجاهلية يخيل إلى الكثيرين أنه من المستحيل أن يتغيَّر حاله، ولكن هذه رسالة من الله -عز وجل- يقول لنا فيها إنه لا يعجزه هداية أحد، يقول لنا مهما بلغت من الذنوب مبلغك فلك فرصة أن تعود إلى الله بقلب جديد، ولنا في قصة الفاروق وغيره من الصحابة رضوان الله عليهم ما يطمئن القلوب الحائرة، عندما تحدث نفسها، هل لي من توبة، أيقبلني الله بعد كل شذراتي؟
نعم يقبل ويغفر ويمحي ما مضى، ويعطي على ما هو آتٍ من بعد التوبة، فإن شككت ولو للحظة واحدة في قرع الباب فتذكَّر كيف كان عمر بالأمس واليوم.
فإن كان لك نصيب من التوبة والعودة بقلب جديد مثل عمر بن الخطاب فلتهرول باغتنام ما بقي من عمرك ما دمت حيًّا تُرزَق.
هذه قطفة يسيرة من سيرة الفاروق قبل إسلامه.
فاطمة الأمير.







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 08-02-2024, 07:52 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: صفحات مضيئة من حياة الفاروق رضي الله عنه





صفحات مضيئة من حياة الفاروق رضي الله عنه: وأسْلَمَ عُمَرُ (2)

فاطمة الأمير



كم مرةٍ دثَّرتنا دعواتُ مَن نُحبُّ فكانت سببًا في بداية حياة جديدة لنا، بدايةٍ لم نكن نحلُم أن نرتقي لها، فكيف إذا كان من يدعو لك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فهنيئًا لمن خصَّه النبي بدعائه.
لقد كانت بداية إسلام عمرَ دعوةً صادقة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين دعا ربه أن يُعِزَّ الإسلام بعمر بن الخطاب؛ فعـن عبـدالله بن عباس رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اللـهـم أعِزَّ الإسلام بأحبِّ هذين الرجلين إليك: بأبي جهل، أو بعمر بن الخطاب، قال: وكان أحبها إليه عمرُ» [رواه الترمذي وصححه الألباني].
وكان هـذا في أول الأمر، ثم خُصَّ عُمرُ بالدعاء؛ فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم أعزَّ الإسلام بعمرَ بن الخطاب خاصة» [رواه ابن حبان، وصححه الحاكم والذهبي].
وكان أول مرة يسمع فيها عمر بن الخطاب عن دعوة النبي له قبل يوم من إسلامه من عبدالله بن مسعود؛ إذ ضرب أبو جهل عبدَالله بن مسعود وطرحه أرضًا، فرقَّ له قلب عمر بن الخطاب، ومدَّ إليه يده ليساعده على النهوض، فقال له: " «والله إنك خير الرجلين، ما أظن دعاء الرسول يُخطئك» ".
وها هي دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تحققت، وأسلم عمر بن الخطاب، مع أن كثيرًا من الناس كان يائسًا من إسلام عمرَ، فيروي لنا عبدالله بن عامر بن ربيعة، عن أمه ليلى، قالت: "كان عمر بن الخطاب من أشد الناس علينا في إسلامنا، فلما تهيأنا للخروج إلى أرض الحبشة، فأتى عمر بن الخطاب وأنا على بعيري وأنا أريد أن أتوجَّه، فقال: أين يا أم عبدِالله؟ فقلت: آذيتمونا في ديننا، فنذهب في أرض الله لا نُؤذَى في عبادة الله، فقال: صحِبكم الله.
ثم ذهب فجاء زوجي عامر بن ربيعة، فأخبرته بما رأيت من رقة عمر، فقال: تَرْجِين أن يُسلِم؟! فقلت: نعم، فقال: والله لا يسلم حتى يسلم حمار الخطاب"؛ [رواه الطبراني].
هكذا طمع بعض المسلمين في إسلام عمر بن الخطاب، فلله في خلقه تدابيرُ خفِيَّة إن أراد بهم خيرًا اختصهم، فكانوا ممن صدق فيهم قول الله عز وجل: {﴿ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾} [القصص: 56].
قال أهل السير: وكان دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له يوم الأربعاء، فأسلم يوم الخميس، فقد كان إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه فتحًا عظيمًا أعزَّ الله به الإسلام والمسلمين، وكان إسلامه في ذي الحجة سنة ستٍّ من النبوة، بعد ثلاثة أيام من إسلام حمزة رضي الله عنه.
كان هذا الدعاء من أجمل وأنفع الدعوات التي دعاها رسولنا الحبيب صلى الله عليه وسلم إلى ربه في علاه، واستجاب له ربه ورزقه بإسلام "الفاروق"، اللقب الذي أطلقه عليه النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله فرَّق به بين الحق والباطل.
وقيل: إنه أسلم مع النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثةٌ وثلاثون رجلًا وستُّ نسوةٍ، ثمَّ أسلم عمر رضي الله عنه؛ فنزلت هذه الآية: {﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾} [الأنفال: 64]، والمعنى: يكفيك الله، ويكفي من اتَّبعك من المؤمنين.
لقد أضاف إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه للمسلمين قوةً ونصرًا، لقد أعزَّنا الله بعمر بن الخطاب رضي الله عنه، فكم تمنيت مع كل حدثٍ مؤلم يُصيب المسلمين أن يكون عمر بن الخطاب بيننا!
بقلم/ فاطمة الأمير








__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 16-02-2024, 10:25 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: صفحات مضيئة من حياة الفاروق رضي الله عنه





صفحات مضيئة من حياة الفاروق رضي الله عنه:على خطى الحبيب وصاحبه (3)

فاطمة الأمير



عاش عمر بن الخطاب في رحاب الإسلام، فها هي العداوة تنقلب إلى محبة؛ بل تنقلب إلى صحبة وأي صحبة، إنها صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقربَّه النبي صلى الله عليه وسلم منه، وجعله وزيره ومستشاره، وولَّاه الكثير من الأعمال، كان جابيًا للصدقات، وأمينًا على بيت المال، وكاتبًا للوحي، الكثير من الأمور التي جعلت لعمر منزلة رفيعة عند النبي صلى الله عليه وسلم، وتكلَّلت تلك الصداقة والمحبة بزيادة الرابطة بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم بزواج النبي صلى الله عليه وسلم من ابنته السيدة حفصة بنت عمر بن الخطاب أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ العَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «"أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَعَثَهُ عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السَّلاسِلِ، فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: ((عَائِشَةُ))، فَقُلْتُ: مِنَ الرِّجَالِ؟ فَقَالَ: ((أَبُوهَا))، قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ((ثُمَّ عُمَرُ بْنُ الخَطَّاب)، فَعَدَّ رِجَالًا"» ؛ [رواه البخاري ومسلم] .
ثم تولَّى عمر بن الخطاب رضي الله عنه الخلافة بعد أبي بكر الصديق، سنة ثلاث عشرة من الهجرة، فكان امتدادًا لصاحبه أبي بكر الصديق رضي الله عنه، يسير كلاهما على خُطى الحبيب صلى الله عليه وسلم؛ فحينما دخل عمر رضي الله عنه بيت المقدس، وسلموا له مفاتيحه صَلَّى في بيت المقدس حيث صَلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ روى الإمام أحمد من طريق أبي سلمة، قال: حدثني أبو سنان عن عبيد بن آدم قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول لكعب: أين ترى أن أصلي؟ فقال: إن أخذت عني صَليتَ خلف الصخرة، فكانت القدس كلها بين يديك؛ فقال عمر رضي الله عنه: ضاهيتَ اليهودية، لا؛ ولكن أُصَلِّي حيث صَلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتقدم إلى القِبْلة فصَلَّى، ثم جاء، فبسط رداءه، فكنس الكناسة في ردائه، وكنس الناس.
فلا يستطيع أحد أن يقول عنه إلا أنه اتبع حقًّا نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنصت حقًّا إلى وصية صاحبه أبي بكر الصديق رضي الله عنه في آخر أيامه، حينما أوصى عمر بن الخطاب وقال له: أوصيك بتقوى الله يا عمر.
ما أعظمها من وصية! فالصاحب الحق هو من يعطي النصيحة لصاحبه حتى لو كان صاحبه ممن يتقي الله، لقد علم أبو بكر الصديق أن السلطة فتنة لصاحبها، ففيها يمتلك القوة والمال والنفوذ، فنادرًا ما يملك ولاة الأمور هؤلاء ولا يطغوا، فأراد أبو بكر أن يذكر عمر بن الخطاب بتقوى الله في المعاملات، وألا يطغى على الضعفاء؛ فكانت خير وصية من خير صاحب.
فأين الآن تلك الوصايا بين أصحاب القوة والسلطة والجاه؟! فرحم الله صاحبي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهو أول من سُمِّي بأمير المؤمنين، وكان تقيًّا ورعًا زاهدًا، لا تأخذه في الله لومة لائم، وقد كثرت الفتوحات في عهده، وسقطت دولتَي فارس والروم، وكانت هذه من أعظم الإنجازات في عهده، وأصيب الناس في إحدى سنوات عهده بمجاعة شديدة، أجدبت الأرض، وانقطع المطر، وسُمِّي ذلك العام عام الرمادة، فكان يأكل الخبز والزيت، ويقول: لن أشبع حتى يشبع أطفال المسلمين، ما أعظمك يا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورفيق دربه!
وكان يقول: لو أن بغلة عثرت في طريق العراق لخشيت أن يسألني الله عنها يوم القيامة.
وفي صحيح البخاري من حديث عمرو بن ميمون الأنصاري أنه قال: "شهدت عمر قبل موته بأيام، وهو يقول: لئن سلمني الله لأجعلن أرامل العراق لا يحتجن إلى رجل بعدي أبدًا، فما أتت عليه رابعة إلا وأصيب".
فليتك كنت بيننا اليوم يا عمر.
بقلم/ فاطمة الأمير







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 21-02-2024, 01:21 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: صفحات مضيئة من حياة الفاروق رضي الله عنه

صفحات مضيئة من حياة الفاروق رضي الله عنه إذا ذُكِرَ عُمَرُ ذُكِرَ العدلُ (٤)

فاطمة الأمير




لم تشهدِ الدولة الإسلامية عهدًا أعظمَ من عهده؛ ولذلك فالحديث عن عمر بن الخطاب له وَقْعٌ خاصٌّ على القلب، نسترجع معه تلك الحِقبة العظيمة من الزمن؛ ففي خلافته رضي الله عنه اتسعت الدولة الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها، وكثُرت الفتوح الإسلامية للبلاد، ففُتح في عهده الشام والعراق وإيران وأذربيجان، ومصر وليبيا، وتسلَّم عمرُ مفاتيحَ الْمَقْدِس، وكثُر في عهده الأموال، وامتلأ بيت المال، فلم تشهدِ الدولة الإسلامية عهدًا أعظم من ذلك العهد ولا خلافةً أفضل من خلافة عمر بن الخطاب.
قوة عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
ومن أجمل القصص التي رُويت لنا عن قوة عمر رضي الله عنه أن جميع المسلمين هاجروا سرًّا إلا عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه هاجر علنًا، وفي وضَحِ النهار، وأمام مرأى ومَسْمَع من المشركين.
أخرج ابن عساكر عن علي رضي الله عنه قال: "ما علمت أحدًا هاجر إلا مختفيًا، إلا عمر بن الخطاب؛ فإنه لما همَّ بالهجرة، تقلَّد سيفه، وتنكَّب قوسه - فوضعه في منكبه - وانتضى - وأخرج من كِنانتِهِ - أسهُمًا، وأتى الكعبة وأشراف قريش بفنائها، فطاف سبعًا ثم صلى ركعتين عند المقام، ثم أتى حلقهم واحدة واحدة، فقال: شاهت - وقبحت الوجوه - من أراد أن تَثْكِلَه – وتفقده - أمُّه، ويَيْتَمُ ولده، وترمَّل زوجته، فلْيَلْقَني وراء هذا الوادي"، فما تجرأ أن يتبعه أحدٌ.
وعن ابن عمر قال: "لما أسلم عمر بن الخطاب لم تعلم قريش بإسلامه، فقال: أي أهل مكة أفشى للحديث؟ فقالوا: جميل بن معمر الجمحي، فخرج إليه وأنا أتْبَعُ أثره، أعقِل ما أرى وأسمع، فأتاه فقال: يا جميل، إني قد أسلمت، فقال: فوالله ما ردَّ عليه كلمة، حتى قام عامدًا إلى المسجد، فنادى أندية قريش، فقال: يا معشر قريش، إن ابن الخطاب قد صبأ، فقال عمر: كذَب، ولكني أسلمت وآمنت بالله وصدقت رسوله، فثاوروه فقاتلهم حتى ركدت الشمس على رؤوسهم، حتى فتر عمر، وجلس فقال: افعلوا ما بدا لكم، فوالله لو كنا ثلاثمائة رجل لقد تركتموها لنا أو تركناها لكم.
فبينا هم كذلك قيام إذ جاء رجل عليه حُلَّةُ حريرٍ، وقميص موشَّى، فقال: ما لكم؟ فقالوا: إن ابن الخطاب قد صبأ، قال: فمَهْ، امرؤٌ اختار دينًا لنفسه، أتظنون أن بني عَدِيٍّ تُسلِّم إليكم صاحبهم؟ قال: فكأنما كانوا ثوبًا انكمش عنه، فقلت له بعدُ بالمدينة: يا أبتِ، مَن الرجل الذي رد عنك القوم يومئذ؟ قال: يا بني، ذاك العاص بن وائل".
الشدة واللين في قلب عمر بن الخطاب:
لعل قوة عمر كانت توحي دائمًا بشدته، لكن في الواقع لقد امتزجت شدة عمر بن الخطاب باللين امتزاجًا عجيبًا، فهو والله شخصية عظيمة؛ إذ تجعلك منجذبًا له مع كل صفة نذكرها من صفاته وأخلاقه، لما وَلِيَ عمرُ الخلافة نادى بالصلاة جامعة، ثم صعِد منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: "بلغني أن الناس هابوا شِدَّتي، وخافوا غلظتي، وقالوا: قد كان عمر يشتد علينا ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا، ثم اشتد علينا وأبو بكر والينا دونه، فكيف وقد صارت الأمور إليه؟ ومن قال ذلك، فقد صدق؛ فقد كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكنت عبده وخادمه، وكان من لا يبلغ أحدٌ صفته من اللين والرحمة، وكان كما قال الله عز وجل: {﴿ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾} [التوبة: 128]، فكنت بين يديه سيفًا مسلولًا حتى يغمِدني أو يَدَعني فأمضيَ، فلم أزَلْ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك حتى توفَّاه الله وهو عني راضٍ، والحمد لله على ذلك كثيرًا، وأنا به أسعد.
ثم وَلِيَ أمرَ المسلمين أبو بكر، فكان من لا ينكرون دَعَتَه وكرمه ولينه، فكنت خادمه وعونه، أخلط شدتي بلينه، فأكون سيفًا مسلولًا، حتى يغمِدني أو يدعني فأمضي، فلم أزل معه كذلك حتى قبضه الله عز وجل وهو عني راضٍ، والحمد لله على ذلك كثيرًا، وأنا به أسعد.
ثم إني قد وليت أموركم أيها الناس، فاعلموا أن تلك الشدة قد أُضعفت، ولكنها إنما تكون على أهل الظلم والتعدي على المسلمين، فأما أهل السلامة والدين والقصد، فأنا ألين لهم من بعضهم لبعض"؛ هذه كانت كلمات أمير المؤمنين في أول خلافته؛ وهكذا قال الله عز وجل في كتابه العزيز: { ﴿ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ﴾} [الفتح: 29]، هكذا كان عمر بين الشدة واللين، فلم ينكر عمر رضي الله عنه ما قاله الناس عن شدته، وكيف ينكر تلك الشدة وهي تُستعمل على أهل الظلم والتعدي على المسلمين؟
لا يخاف في الله لومةَ لائمٍ:
تخرَّج عمر بن الخطاب في المدرسة المحمدية، واتصف بالكثير من الصفات، آخذًا خِصالَ العدل من النبي صلى الله عليه وسلم، فقد عرَف عنه العدل، فالعدل عنده منهج رباني يسير عليه بخُطى ثابتة، فقيل عنه: إنه لا يخاف في الله لومة لائم، ويقيم الحدود على القريب والبعيد، المسلم والكافر، حتى إنه لَيُضرب به المثل في ذلك الأمر.
فإذا ذُكِرَ عُمَرُ ذُكِرَ العَدلُ، وإذا ذكر العدل ذكر عمر.
فهل رأيت شخصًا بلغ عدله أن قضى بالحق لصاحبه وإن كان يهوديًّا، فشهِدوا له بذلك؛ روى الإمام مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب "أن عمر بن الخطاب اختصم إليه مسلم ويهودي، فرأى عمر أن الحق لليهودي فقضى له، فقال له اليهودي: والله لقد قضيت بالحق".
لو كنت سمعت هذا الحديث على رجل عادي لكنت تعجبت، ولكنه حقًّا عمر بن الخطاب رضي الله عنه فلا أتعجب من عدله، فقليلٌ من هُمُ اليوم في مثل عدل الفاروق.
وها هو رسول كسرى يشهد بعدل عمر حينما قال مقولته المشهورة: "عَدَلت فأمِنتَ فنِمتَ".
قال حافظ إبراهيم:
قد راع صاحب كسرى أن رأى عمرًا
بين الرعية عطلًا وهو راعيها
وعهدُه بملوك الفرس أن لها
سورًا من الجند والأحراسِ يحميها
رآه مستغرقًا في نومه فرأى
فيه الجلالةَ في أسمى معانيها
فوق الثرى تحت ظل الدَّوح مشتملًا
ببُردةٍ كاد طولُ العهد يُبليها
فهان في عينه ما كان يكبره
من الأكاسرِ والدنيا بأيديها
وقال قولةَ حق أصبحت مثلًا
وأصبح الجيلُ بعد الجيل يرويها
أمِنتَ لما أقمتَ العدل بينهم
فنمتَ نومَ قريرِ العين هانيها

بقلم / فاطمة الأمير
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 24-02-2024, 10:44 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: صفحات مضيئة من حياة الفاروق رضي الله عنه





صفحات مضيئة من حياة الفاروق رضي الله عنه الرحمة العمرية (5)

فاطمة الأمير



ما زلنا نعيش مع شخصية عمر بن الخطاب، تلك الشخصية العجيبة، فإذا كنا تحدثنا عن قوته وشدته، فالآن نتحدث عن رحمته، فلكل إنسان خبايا من الرحمة مهما بلغت شدته أو قوته، لكنَّ رحمةَ عمرَ لم تكن من الخبايا، بل عنوانًا أصيلًا في شخصيته.
رحمته بالرعية:
وأما عن رحمة وتواضع عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فلكل إنسان خبايا من الرحمة مهما بلغت شدته أو قوته، فها هي رحمة عمر بن الخطاب تظهر في تلك المواقف، فتُعلِن عما حَوَتْهُ نفسه من رحمة عميقة بمن حوله، فمن رحمته بالرعية أنه كان يشترط في وُلاتِهِ الرحمة والشفقة على الرعية، وكم مرةٍ أمَرَ قادته في الجهاد ألَّا يُغرِّروا بالمسلمين ولا ينزلوهم منزل هَلَكَةٍ، وكتب عمر لرجل من بني أسْلَمَ كتابًا يستعمله به، فدخل الرجل على عمر وبعض أولاد عمر على حِجْرِ أبيهم يُقبِّلهم، فقال الرجل: "تفعل هذا يا أمير المؤمنين؟ فوالله ما قبَّلت ولدًا لي قط، فقال عمر: أنت والله بالناس أقل رحمة، لا تعمل لي عملًا"، وردَّه عمر فلم يستعمله؛ لقد كان لعمر بُعْدُ نظرٍ وحكمة من هذا القرار، لقد رأى أنه كيف لمن لا يمتلك رحمة في قلبه لأهل بيته أن تكون بداخله رحمة لمن سيتولى أمرهم، ويكون واليًا عليهم.
رحمة أمير المؤمنين الممزوجة بالتواضع:
ويُروى عن رحمة عمر الممزوجة بالتواضع، أنه كان من عادة الفاروق أن يخرج ليتفقد أحوال رعيته، فخرج ذات ليلة فإذا امرأة تلد وتبكي، وزوجها لا يملك حيلة، فأسرع عمر رضي الله عنه إلى بيته، فقال لامرأته أم كلثوم بنت عليِّ بن أبي طالب: هل لك في أجر ساقه الله إليك؟ ثم أخبرها الخبر، فقالت: نعم.
فحمل عمر على ظهره دقيقًا وشحمًا، وحملت أم كلثوم ما يصلح للولادة، وجاءا، فدخلت أم كلثوم على المرأة، وجلس عمر مع زوجها يحدثه ويطمئنه، ويُعِدُّ معه الطعام، فوضعت المرأة غلامًا، فقالت أم كلثوم: يا أمير المؤمنين، بشِّر صاحبك بغلام، فلما سمع الرجل قولها استعظم ذلك، وأخذ يعتذر إلى عمر، فقال عمر رضي الله عنه: لا بأس عليك، ثم أعطاه ما ينفقون وانصرف.
فأين حُكَّام اليوم ليشاهدوا حال عمر بن الخطاب وهو أمير المؤمنين، وهو يتفقد رعيته ويعمل على راحتهم؟ أين هم ليتعلموا فقه التواضع والرحمة في الإمارة والخلافة، ويُحقِّقوا الرحمة بين الرعية؟
رحمته بالدواب:
أما عن رحمته بالدواب، فلقد ارتقى قلبه لمنزلة أشد رحمة، حتى كان يقول: "لو مات جملٌ في عملي ضياعًا على شطِّ الفرات، لَخشيتُ أن يسألني الله عنه".
رحمته بالمشركين:
وأما عن رحمة عمر بن الخطاب بالمشركين، فها هو الفاروق يبثُّ نصائحه لجنوده أثناء قتالهم لنشر دين الله؛ يقول ابن عمر قال: "كتب عمر إلى أمراء الأجناد: ألَّا تقتلوا امرأةً ولا صبيًّا، وأن تقتلوا من جرت عليه المواسي"؛ [مصنف ابن أبي شيبة (33119)، بسند صحيح].
إنها حقًّا رحمة عمر التي شمِلت الصغار والكبار، والرجال والنساء، والإنسان والحيوان، والمسلم والكافر، هكذا كان يَرِقُّ قلب الفاروق، فيا ليته كان بيننا اليوم.
ولكنَّ تلك الرحمة لا يمكن أن تأتي في غير موضعها، أو تتعارض مع الحق، فقد كان شديدًا في الحق؛ فقد أشار عمر رضي الله عنه على النبي صلى الله عليه وسلم في أُسارى بدر أن يقتلهم، فقال: «((يا رسول الله، أخرجوك وكذَّبوك، قرِّبهم فاضرب أعناقهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن مَثَلَك يا عمر كَمَثَلِ نوح قال» : {﴿ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا ﴾} [نوح: 26]، وإنَّ مَثَلَك يا عمر كَمَثَلِ موسى قال: {﴿ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ ﴾} [يونس: 88]))؛ [رواه الإمام أحمد].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه: «((والذي نفسي بيده، ما لَقِيَك الشيطان قط سالكًا فَجًّا، إلا سلك فجًّا غير فَجِّـك))» ؛ [رواه البخاري ومسلم].
ترعرع عمر بن الخطاب رضي الله عنه في كَنَفِ والده، فورِث منه الصرامة والشدة والحزم، فكان لا يقبل أنصافَ الحلول، فظهر حزمه في بعض المواقف؛ يَروِي لنا سويد بن غفلة رحمه الله: "جاء يهودي إلى عمر بن الخطاب وهو بالشام يستعدي على عوف بن مالك الأشجعي أنه ضربه وشجَّه، فسأل عمرُ عوفًا عن ذلك، فقال: يا أمير المؤمنين، رأيته يسوق بامرأة مسلمة فنخس الحمار ليصرعها فلم تُصرع، ثم دفعها فجرت عن الحمار، ثم تغشَّاها، ففعلت ما ترى.
فذهب إليها عوف، وأخبرها بما قال لعمر، فذهبت لتجيء معه، فانطلق أبوها وزوجها فأخبروا عمر بذلك.
قال: فقال عمر لليهودي: والله ما على هذا عاهدناكم، فأمر به فصُلب، ثم قال: يا أيها الناس: فُوا بذمَّةِ محمدٍ، فمن فعل منهم هذا، فلا ذمة له".
بقلم/ فاطمة الأمير








__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 27-02-2024, 11:20 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: صفحات مضيئة من حياة الفاروق رضي الله عنه





صفحات مضيئة من حياة الفاروق رضي الله عنه: الفاروق وصلح الحديبية (6)

فاطمة الأمير



موقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه من صلح الحديبية:
كان للفاروق عمر موقف من صلح الحديبية، لقد ظل الحزن مسيطرًا عليه وعلى الصحابة رضي الله عنهم، فكان مما دار بين الرسول صلى الله عليه وسلم وعمر بن الخطاب رضي الله عنه ما يعبر عن مدى الحزن والأسى في قلب عمر والصحابة رضوان الله عليهم من هذا الصلح، ففي صحيح البخاري ومسلم يقول عمر بن الخطاب، «(فقلت: ألست نبي الله؟) فالرسول عليه الصلاة والسلام بسعة صدر عجيبة وبكل هدوء قال: ((بلى))، قلت: (ألسنا على الحق وهم على الباطل؟)، فقال صلى الله عليه وسلم: ((بلى))، قلت: (فلِمَ نعطي الدنية في ديننا؟)» .
هذا كلام خرج من فم عمر لحرقة قلبه وغيرته على الإسلام؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم حشاه أن يعطي الدنية أبدًا في دينه؛ لكن هكذا صرح عمر بن الخطاب بهذه الكلمات التي كانت في قلوب كثير من الصحابة، ولكن لم يجرؤ أحد منهم على التصريح بها، فقال صلى الله عليه وسلم كلمات واضحة تنم عن معرفته بما يفعل، كلمات تحمل بداخلها الثقة بالله وأن الله سينصره، قال: «((إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري))» ، نعم إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولن يضيعه أبدًا.
وفي رواية: ((ولن يضيعني أبدًا)) يعني: أن هذا وحي من رب العالمين سبحانه وتعالى، وهو عز وجل أمرني ولن أعصيه في هذا الأمر، يقول لعمر، وكأنه قرأ من كلمات عمر ما في قلوب الصحابة وليس عمر فقط، وكأنه يقول لهم اصبروا وثقوا بي، إن هذا الأمر الذي تكرهونه سترون من ورائه خيرًا إن شاء الله.
ورغم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عمر الذي غُلف بسعة صدر النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن عمر رضي الله عنه قال: «(أولست كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به؟)» .
والله لقد شعرت من كلمات سيدنا عمر رضي الله عنه أنها تعبر عن مدى المأساة التي كان يعيشها عمر رضي الله عنه وأرضاه والصحابة أجمعين، شعرت بمدى تلك الغصة التي بداخلهم، شعرت وكأني معهم والغضب بداخلي، وصلت إلى ما وصلوا إليه، شعرت وكأن الرسول صلى الله عليه وسلم يحدثني معهم، هكذا صبر الحبيب صلى الله عليه وسلم على كلمات عمر بن الخطاب، وقال له: ((بلى))، قال: «((أفأخبرتك أنك تأتيه العام؟))» ، قال عمر: (لا) يعني: أنا أخبرتكم أننا سندخل مكة المكرمة معتمرين إن شاء الله، لكن ما ذكرت لكم أن هذا يكون في هذا العام.
وقال صلى الله عليه وسلم: (( «فإنك آتيه ومتطوف به» ))، قال رسولنا الحبيب هذا الكلام بكل يقين وثقة؛ لأن هذا وعد رب العالمين سبحانه وتعالى، فهل أُخمدت نار الغيرة على دين الله وعلى رسول الله في قلب عمر بن الخطاب؟
كلا والله، فلقد ذهب عمر بن الخطاب إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه، فقال له: (يا أبا بكر، أليس هذا نبي الله حقًّا؟) حشاه عمر أن يقولها مستنكرًا، إنما هي كلمات تحمل الكثير من الغيرة على الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى الإسلام، فما زال يتحدث مع أبي بكر، (قال أبو بكر: بلى، قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: بلى، قلت: فلم نعطي الدنية في ديننا) وها هو أبو بكر رضي الله عنه الرجل الهادئ الحكيم لما سمع هذه الكلمات انتفض وقال: (يا عمر، إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس يعصي ربه عز وجل، وهو ناصره) فكانت كلمات الصديق رضي الله عنه وأرضاه دون أن يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم تتوافق مع نفس كلمات الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا من أعظم مناقب الصديق كما يقول ابن حجر العسقلاني رحمه الله في شرح صحيح البخاري، ثم إن الصديق يعطيه نصيحة هامةً جدًّا وهي له ولعموم الأمة الإسلامية، قال: (فاستمسك بغرزه) يعني: أي خطوة يخطوها صلى الله عليه وسلم استمسك بها، تمسك بسنته، قال: (فاستمسك بغرزه حتى تموت، فو الله إنه لعلى الحق).
وما زال عمر رضي الله عنه يعترض، فقال: (أوليس كان يحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به؟)، رد عليه الصديق: (قال: بلى، ثم قال: أفأخبرك أنه يأتيه العام؟) سبحان الله! نفس كلمات الرسول صلى الله عليه وسلم: (أفأخبرك أنه يأتيه العام؟ قلت: لا، قال: فإنك آتيه ومتطوف به)، لقد كان لدى الصديق يقين تام وإيمان كامل بالله عز وجل وبرسوله الحبيب، وكيف لا يصدقه في كلماته وهو الذي صدقه وآمن به منذ حدثه عن الإسلام، وهذا يدل على أن الصديق رضي الله عنه أعظم البشر بعد الأنبياء.
يا الله، كم أحب أن أقرأ هذا الحوار بين عمر ورسول الله، وبين عمر وأبي بكر الصديق! فكلما تعاظم في نفسي حال المسلمين أتذكر هذا الحديث الراقي المغلف بحسن كلمات عمر وغيرته، وبسعة صدر الحبيب صلى الله عليه وسلم، وبثقة أبي بكر الصديق، فأتساءل: هل يوجد اليوم مثل عمر وغيرة عمر على الإسلام والمسلمين، هل يوجد مثل سيف عمر في قوته وعدله، فكم من موقف مَرَّ على المسلمين احتجنا أن نرى فيه موقفًا مثل موقف عمر من صلح الحديبية، لقد عجبت لحالنا، وكلما قرأت في سيرة الفاروق ازددت يقينًا أننا اليوم نحتاج إليه فيما بيننا.
رحم الله الفاروق عمر بن الخطاب لو كان بيننا اليوم ما تجرأ اليهود وأمثالهم على تخطي شبر واحد من أراضي المسلمين، ولا قامت لهم دولة ولم تبطش لهم يد أبدًا.
بقلم/ فاطمة الأمير








__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 05-03-2024, 11:50 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: صفحات مضيئة من حياة الفاروق رضي الله عنه





صفحات مضيئة من حياة الفاروق رضي الله عنه عمر بن الخطاب وموافقة القرآن له (7)

فاطمة الأمير



إن الحديث عن أمير المؤمنين لا ينتهي؛ فالمواقف كثيرة والفضائل عظيمة، ولعل أبرز مواقف عمر بن الخطاب هو موافقة القرآن له.
نعم، لقد وافق الفاروق نزولُ عددٍ من آيات القرآن موافقةً لرأيه، قال ابن عمر: "ما نزل بالناس أمر قط فقالوا فيه وقال فيه عمر، إلا نزل فيه القرآن على نحو ما قال عمر".
الصلاة خلف مقام إبراهيم عليه السلام:
فها هو الفاروق يحدِّثنا عن نفسه؛ فيقول: ((وافقت ربي في ثلاث: قلت: يا رسول الله، لو اتخذتَ من مقام إبراهيم مصلًّى؛ فنزلت: {﴿ وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ﴾} [البقرة: 125]...))، لم يكن المسلمون يومئذٍ يصلُّون خلف المقام، فأشار عمر رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة خلف مقام إبراهيم؛ لشدة حب عمر لسيدنا إبراهيم عليه السلام، فنزلت الآية يومئذٍ توافق رأيه، فسبحان الله! لقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما قال عن أبي ذر رضي الله عنه: ((إن الله وضع الحق على لسان عمر يقول به))؛ [سنن أبي داود].
آية الحجاب:
((وقلت: يا رسول الله، لو أمرت نساءك أن يَحْتَجِبْنَ؛ فإنه يُكلِّمهن البَرُّ والفاجر، فنزلت آية الحجاب: {﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾} [الأحزاب: 59]))، لم يكن عمرُ غيورًا على دينه فقط، بل كان غيورًا على أمهات ونساء المسلمين، لقد علِم أن في الحجاب مصالحَ جَمَّةً وحفظًا للأعراض، وحفظًا للمرأة، فإذا كان الطعام يُوضَع عليه غطاء حتى يُحفَظ لكي لا يجتمع عليه الذباب، أفلا تُغطَّى المرأة لتُصان من أعين غير المحارم؟
ولهذا علِم عمر أن المرأة أرفع شأنًا، وأن الحجاب يزيدها طهارة وتقوى للقلب، فالحمد والمنة لله أن وافق القرآن لرأي عمر بن الخطاب رضي الله عنه ونزلت آية الحجاب.
اجتماع نساء النبي صلى الله عليه وسلم في الغَيرة عليه:
((واجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم في الغَيرة عليه، فقلت لهن: عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجًا خيرًا منكن؛ فنزلت هذه الآية: {﴿ عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا ﴾} [التحريم: 5]))، لقد رقَّ قلبُ عمرَ لرسول الله صلى الله عليه وسلم حينما علِم اجتماع أمهات المؤمنين في الغَيرة على الرسول صلى الله عليه وسلم، وكيف لهم ألَّا يغاروا على مثله؟ فسمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه من الناس أن النبي صلى الله عليه وسلم طلق زوجاته، فغضب لغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما علم بغضبه، فاستأذن في الدخول على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأله عما يقول الناس، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( «لا، وإنما اعتزلتهن شهرًا، فقال له: أتأذن لي أن أخبر الناس؟ فقال له إن شئت» )).
فخرج عمر ونادى في الناس أن الرسول لم يطلق زوجاته، فنزلت الآية يومئذٍ توافق قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
ختام الآية موافقة لقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
وقال عمر: وافقت ربي أو وافقني ربي؛ ففي الحديث أن عمر رضي الله عنه، لما سمع قوله تعالى: {﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ﴾} [المؤمنون: 12 - 14]، قال عمر متعجبًا: فتبارك الله أحسن الخالقين، فتبسَّم النبي لنطق عمر، فلما سأله عمر عن سر تبسمه، قال: ((إن الله ختم الآية بما نطقت))، وقد فرح عمر بذلك وقال: وافقتُ ربي، ووافقني ربي.
موافقة القرآن لرأي عمر بن الخطاب في أسرى بدر:
ومن القضايا التي نزل فيها القرآن موافقًا لرأي عمر: قضية أسرى بدر؛ « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر: ((ما ترون في هؤلاء الأُسارى؟ فقال أبو بكر: يا نبي الله، هم بنو العم والعشيرة، أرى أن تأخذ منهم فدية فتكون لنا قوةً على الكفار، فعسى الله أن يهديهم للإسلام))، هكذا كانت رقة أبو بكر الصديق، ((فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما ترى يا بن الخطاب؟ فقال عمر: لا والله يا رسول الله، ما أرى الذي رأى أبو بكر، ولكني أرى أن تُمكِّننا فنضرب أعناقهم، فتُمكِّن عليًّا من عقيل فيضرب عنقه، وتمكِّنِّي من فلان وهو نسيب لي فأضرب عنقه؛ فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها))، وها هي شدة عمر في الحق، فهَوِيَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر، ولم يهوَ ما قال عمر، لكن القرآن نزل موافقا لرأي عمر» : {﴿ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾} [الأنفال: 67، 68])).
موافقة القرآن لقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه في تحريم الخمر:
ووافق القرآن قول عمر في مسألة تحريم الخمر؛ عن عمر رضي الله عنه قال: ((لما نزل تحريم الخمر قال عمر رضي الله عنه: اللهم بيِّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا، فنزلت الآية التي في سورة المائدة: {﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ﴾} [المائدة: 90، 91]))، لقد علِم عمر بن الخطاب رضي الله عنه في قرارة نفسه أن الخمر مُذْهِبة للعقل، والعقل هو مناط التكليف، وحينما يذهب العقل يسقط التكليف، فرأى أن في الخمر يسقط التكليف بإرادة الإنسان فيُحاسَب عليه، على غير من سقط عنه التكليف بغير رضا كمن نزل به المرض أو الجنون، فلا يحاسب على ما لا إرادة له فيه؛ فكان هذا من فطنة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وخوفه على المسلمين من تبعة شرب الخمر.
موافقة القرآن لعمر بن الخطاب رضي الله عنه في عدم الصلاة على زعيم المنافقين:
ووافق عدم الصلاة على زعيم المنافقين عبدالله بن أُبيِّ بن سلول؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه، يقول: « ((لما تُوفِّيَ عبدالله بن أُبيٍّ، دُعِيَ رسول الله صلى الله عليه وسلم للصلاة عليه، فقام إليه، فلما وقف عليه يريد الصلاة تحوَّلتُ حتى قمت في صدره، فقلت: يا رسول الله، أعَلَى عدو الله عبدِالله بن أبي القائل يوم كذا وكذا كذا وكذا؟ يعُد أيامه قال: ورسول الله صلى الله عليه وسلم يتبسم، حتى إذا أكثرت عليه قال: أخِّر عني يا عمر، إني قد خُيِّرتُ فاخترت، قد قيل لي» : {﴿ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ﴾} [التوبة: 80]، «لو أعلم أني لو زدت على السبعين غُفِرَ له، لزدتُ، قال: ثم صلى عليه ومشى معه، فقام على قبره حتى فرغ منه، قال: فعجب لي وجرأتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله ورسوله أعلم، فوالله ما كان إلا يسيرًا حتى نزلت هاتان الآيتان» : { ﴿ وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ ﴾} [التوبة: 84] إلى آخر الآية، قال: « فما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده على منافق ولا قام على قبره حتى قبضه الله» ))؛ [رواه الترمذي].
وأما نزول قوله تعالى: {﴿ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ ﴾} [البقرة: 98].
قلت: أخرجه ابن جرير وغيره من طرق عديدة وأقر بها للموافقة ما أخرجه ابن أبي حاتم عن عبدالرحمن بن أبي ليلى (( «أن يهوديًّا لقِيَ عمر فقال: إن جبريل الذي يذكره صاحبكم عدوٌّ لنا، فقال له عمر: من كان عدوًّا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين، فنزلت على لسان عمر» )).
وكل هذا من الإلهام الذي أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ((قد كان يكون في الأمم قبلكم محدَّثون، فإن يكن في أمتي منهم أحد، فإن عمر بن الخطاب منهم))؛ [رواه البخاري ومسلم].
قال ابن وهب: تفسير محدَّثون: مُلْهَمون.
وعمر رضي الله عنه هو المحدَّث الْمُلْهَم.
بقلم/ فاطمة الأمير







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 10-03-2024, 09:49 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: صفحات مضيئة من حياة الفاروق رضي الله عنه





صفحات مضيئة من حياة الفاروق رضي الله عنه ليس كل البيوت تُبنى على الحب (8)

فاطمة الأمير




"إني لا أحبها"؛ هكذا عبَّر الرجل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه أن نور الحب قد انطفأ بينه وبين زوجته ويريد أن يطلقها، ولَمَّا استوضحه عن السبب قال: "إنِّي لا أحبُّها"، فقال عمر: "ويحَكَ، أوَ لَمْ تُبْنَ البيوتُ إلا على الحبِّ؟ فأين الرِّعاية والذمم؟".
كلمات قليلة تدفَّقت من ثَغْرِ الفارق ليس إلى قلب الرجل فحسب، وإنما كانت منهجًا ينير بيوت المسلمين رجالًا ونساءً، علَّمنا بها الفاروق كيف تُبنى البيوت، وكأنه يعطي للأجيال القادمة درسًا في تعلم فن إدارة الحياة الزوجية، وكيف أنه في بداية الزواج يكون كل زوج وزوجة محبًّا للآخر، بينهما لهفة شديدة يريدان بناء أسرة سليمة مملوءة بالسعادة، ولكن كما هو الحال في أي علاقة قد يتسلل الفُتُور إليها، وأحيانًا لا يعرف الزوجين سبيلًا إلى مداواة تلك الحالة؛ فيزداد البعد ويتسرَّب الحب من حياتهما شيئًا فشيئًا.
ولكن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي يتبع نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطينا درسًا أن البيوت تُبنى على التقوى والعشرة بالمعروف، فإن ذَهَبَ الحبُّ، تبقى حسن العشرة.
يقول الله عز وجل: {﴿ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾} [النساء: 19]، هذه الآية الكريمة تقول: عليك بالصبر، فكم من زوج كرِه زوجته، وهدم البيت بسبب تلك المشاعر، ولو أنه تريث قليلًا، وبحث عن صفات وأخلاق زوجته، لارتضى منها غيرَ الذي يكرهه فيها!
فتأمل نهاية الآية جيدًا: {﴿ وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾} [النساء: 19]، ليس خيرًا فقط بل "كثيرًا"، لا تُطِعْ مشاعر الكراهية التي شعرت بها فتفقد أشياء أخرى جميلة، كان مقدَّرًا لك الخير بين طيَّاتها؛ لعلها زوجه صالحة تعينك على أمور دينك ودنياك، فعَلَام التفريط فيها؟
نصائح الفاروق كانت لكل زوجة تبحث عن سراب المثالية، فليس كل البيوت تُبنى على الحب، فإذا أبغضتِ خُلُقًا من زوجك، فابحثي عن خُلُقٍ آخر، قد تجدين نفسكِ فجأة تبغضينه، قد تجدين بعد الزواج عالمًا آخرَ غيرَ الذي رسمتِهِ في خيالكِ، قد تجدين زوجكِ عقلانيًّا وأنتِ عاطفية، فالعقلاني لا يحب الإفصاح عن مشاعره، فتكونان مثل الأقطاب المتنافرة، كل هذا ليس معناه أن زوجكِ لا يحبكِ، أو أنه سبب لهدم البيت وطلب الطلاق، وتشريد الأبناء، وإنما قد تجدين صفاته وأخلاقه طيبة، قد يكون حَسَنَ الْمَعْشَرِ، أو أبًا حنونًا، أو أنه يعينكِ على أمور دينكِ، فلا تُهَرْولي وراء سراب المثالية.
وهناك أزواج وزوجات يسترِقون النظر إلى حياة غيرهم ممن حولهم، قد تجدين زوجًا يغدِق على زوجته بكلمات الحب، تظهر حياتهم كأنها بلا مشاكل، ولكن ما خَفِيَ كان أعظم؛ فقد يكون زوجها سيئ الخُلُق، أو تاركًا للصلاة، أو يعاملها في الخفاء بقسوة، أو يكون بخيلًا في الإنفاق عليها، أو بخيلًا في معاملتها بلطف ولين، فاحمَدي الله على زوجكِ، وارتضي منه ما هو حسن وطيب.
قد تجد صديقًا يمدح في أهل بيته، وقد تدخل بيتًا تشعر فيه بالدفء، تلك هي الصورة الظاهرة، ولكن ما خفي كان أعظم.
ولأن الحب لا يكتمل إلا بالوفاء والعشرة الطيبة، فقليل من يجمع بينهما، فإن انطفأت شعلة الحب، أنيروا حياتكم بحسن العشرة، فليس كل البيوت تُبنى على الحب، رحِمَك الله يا عمر، أحسنت قولًا، وأرحت قلوبًا، وحَميتَ بيوتًا من الهدم بتلك المقولة العظيمة.
وإذا كان الإسلام أباح الكذب في التعبير عن المشاعر حتى تستمر الحياة بين كل زوج وزوجة، أليس هذا أدعى أن نتغاضى عن بعض الصفات التي لا نريدها في شريك حياتنا؟ لقد جاء في الأثر عنه رضي الله عنه في رواية أخرى أن امرأة سألها زوجها: هل تبغضه؟ وناشدها بالله أن تصدُقَه، فقالت له: أما إنك ناشدتني الله، فلا أحبك، فهمَّ الزوج بطلاقها، وشكاها إلى عمر بن الخطاب، فأرسل عمر في طلبها، وأنَّبها على ما بدر منها لزوجها، فقالت له: يا أمير المؤمنين أتريد مني أن أكذب عليه؟ فقال لها عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "فَلْتَكذب إحداكن ولتتجمل، فليس كل البيوت تُبنى على الحب، ولكن معاشرة على الأحساب والإسلام"، ولأن الحقيقة تكسِر لبَّ القلب؛ فقد أباح الشرع الكذب للزوجة والتجمل في القول لزوجها حفاظًا على الحياة الزوجية، والمراد إظهار الود والمحبة واللين في القول؛ مما يساعد على استقرار العلاقة الزوجية، ومن المعلوم كما ورد في الحديث عن أم كلثوم بنت عقبة قالت: «لم أسمَعْ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ يرخَّصُ في شيءٍ مِمَّا يقولُ النَّاسُ: إنَّه كذِبٌ، إلَّا في ثلاثٍ: الرَّجلُ يُصلِحُ بينَ النَّاسِ، والرَّجُلُ يكذِبُ لامرأتِهِ، والكذِبُ في الحَربِ» [صحيح الجامع].
بعض الحب يُصاغ ويتجلى في كلمة أو اثنتين بطريقة عذبة، فليس الحب شعارًا وكلماتٍ مُزيَّنة بلا روح، الحب فيض ومعاملات متعددة الأقدار، فأحيانًا تُبنى الحياة الزوجية بطريقة خاصة، طريقة غير اعتيادية تشتمل على فن التعامل؛ فها هو سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يرشدنا مرة أخرى إلى فن التعامل مع الزوجة، وهو بداخل بيته ينادي زوجته أم كلثوم بنت السيدة فاطمة الزهراء وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، يقول لها: "يا بنت الأكرمين"؛ فهلَّا ناديتَ زوجتك بأحب الأسماء والألقاب إلى قلبها، أم تخجل أن تُظهر لها شيئًا بسيطًا من المعاملة الطيبة؟
ليس عمر بن الخطاب فقط هو من كان ينادي زوجته هكذا، وإنما عمر هو صحابي سار على خُطى الحبيب صلى الله عليه وسلم، أليس رسولنا الكريم كان ينادي السيدة عائشة رضي الله عنها بـ"عائش"؟
فالحياة كاحلة، وإذا لم نعالجها بأبسط الأشياء من حسن العشرة، والمعاملة الحسنة، والكلمة الطيبة اللينة، سيصيبنا داء الفتور، فتتفتت البيوت دون أن نشعر.
الآن باتت أنفسنا تفهم معاني أخرى للحب، بعد أن كاد الفتور يغزو القلوب، فليس الحب رموزًا يصعب فكُّها، الحب هو فن التعامل، فإذا ما أعدتَ صياغته، نِلْتَ عبقرية الحب وحسن المعاشرة معًا.
فيا ليت كل الأزواج تتعلم أن ليس كل البيوت تُبنى على الحب.

بقلم/ فاطمة الأمير








__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 14-03-2024, 11:27 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: صفحات مضيئة من حياة الفاروق رضي الله عنه





صفحات مضيئة من حياة الفاروق رضي الله عنه: مناقب الفاروق (9)

فاطمة الأمير




لقد كان للفاروق رضي الله عنه مناقبُ كثيرةٌ في الإسلام؛ لهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو كان من بعدي نبيٌّ، لكان عمر بن الخطاب» [رواه الترمذي]؛ ومن هذه المناقب:
بشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم له بالجنة:
لقد بشَّره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة؛ فعن جابر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( «دخلت الجنة فرأيت فيها دارًا أو قصرًا، فقلت: لمن هذا؟ فقالوا: لعمر بن الخطاب، فأردت أن أدخل، فذكرت غَيرتك، فبكى عمر، وقال: أَيْ رسول الله، أو عليك يُغار؟» ))؛ [صحيح البخاري].
وقيل: كان له خطان أسودان من البكاء، وإذا ذُكِرَ الزهد والإيثار، قيل: لم يكن يأكل حتى يشبع المسلمون، وإذا ذُكِرَت الشدة في الحق، قيل: هو الذي كان إبليس يفرَق من ظلِّه، والشياطين تسلك فجًّا غير فجِّه.
موقفه وحسن تصرفه يوم مبايعة أبي بكر الصديق رضي الله عنه للخلافة:
ومن مناقب الفاروق التي تدل على حسن تصرفه وحكمته، أنه بايع أبا بكر الصديق رضي الله عنه؛ فلما قُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت الأنصار: منا أمير ومنكم أمير، فأتاهم عمر فقال: يا معشر الأنصار، ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر أبا بكر أن يؤمَّ الناس؟ فأيُّكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر؟
فقالت الأنصار: نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر؛ [رواه النسائي عن إسحاق بن راهويه، وهناد بن السري، عن حسين بن علي الجعفي، عن زائدة به، السيرة النبوية لابن كثير (4 / 490)].
فضائل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
وما زالت فضائل الفاروق رضي الله عنه تتابع؛ فمن أكثر أعماله رضي الله عنه أنه شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدرًا وأُحَدًا، والمشاهد كلها، وهو أول خليفة دُعِيَ بأمير المؤمنين، وأول من اقترح أن الهجرة تكون بداية التاريخ الهجري للمسلمين، وأول من جمع القرآن في المصحف، فدخل على أبي بكر بعد عامين من خلافته، فقال: إن أصحاب رسول الله يتهافتون في المعارك تهافُتَ الفَراش على النار، وإني أخشى أن تأتي عليهم وهم حَمَلَة القرآن، ويضيع منه كثير، فلو جمعته؟! وأمر أبو بكر زيد بن ثابت أن يكتب القرآن، فكتب، وبقِيَ عند أبي بكر، ثم عمر، ثم حفصة بنت عمر.
وهو أول من جمع الناس على صلاة التراويح، وأول من طاف بالليل يتفقد أحوال المسلمين، حمل الدِّرَّة فأدَّب بها، وفتح الفتوح، ووضع الخراج، ومصَّر الأمصار، ودوَّن الديوان، وفرض الأُعْطِيَة، واستقضى القضاة فعمر رضي الله عنه سنَّ سُنَنًا للقضاء صارت دستورًا: منها أن القاضي لا يحكم بعلمه، ولا يقبل هدية، ولا يعمل بالتجارة.
وعمر مؤسس ديوان الوقف الخيري؛ أنشأ عمر بيت الدقيق لإغاثة الجياع الذين لا يجدون الطعام، وأصاب قبل خلافته أرضًا بخيبر، فاستشار النبي صلى الله عليه وسلم فيها، فاستحسن له أن يحبس أصلها، ويتصدق برَيعها، فجعلها عمرُ صدقةً، لا تُباع ولا تُوهَب ولا تُورَث، ويُنفَق منها على الفقراء والغُزاة.
مرتبته من أعلى مراتب الصحابة:
لقد كانت مرتبته من أعلى مراتب الصحابة؛ ولذلك لما سُئِل رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( «أي الناس أحب إليك؟ قال: عائشة، قال عمرو بن العاص: فقلت: من الرجال؟ فقال: أبوها، قلت: ثم من؟ قال: عمر بن الخطاب، فعدَّ رجالًا» ))؛ [رواه البخاري ومسلم].
مهما خطَّ القلم ومهما تحدثنا عن عمر بن الخطاب، فلن تُعطِيَ الحروف والكلمات حقَّه، فمن حُسْنِ سيرته في الإسلام تحدَّث عنه الصحابة رضوان الله عليهم، وهذه بعض أقوال الصحابة في عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
قال حذيفة رضي الله عنه: "لما أسلم عمرُ، كان الإسلام كالرجل المقبل لا يزداد إلا قربًا، فلما قُتِل عمر كان الإسلام كالرجل المدبر لا يزداد إلا بُعْدًا".
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "ما زِلْنا أعزَّة منذ أسلم عمر".
ويقول ابن مسعود رضي الله عنه: "كان إسلام عمر فتحًا، وكانت هجرته نصرًا، وكانت إمامته رحمة، ولقد رأيتُنا وما نستطيع أن نصلي إلى البيت حتى أسلم عمر، فلما أسلم عمر قاتلهم حتى تركونا فصلينا".
وعن صهيب قال: "لما أسلم عمر رضي الله عنه، أظهر الإسلام ودعا إليه علانية، وجلسنا حول البيت حلقات، وطُفْنا بالبيت، وانتصفنا ممن غلظ علينا، ورددنا عليه بعضًا مما يأتي به، وكان عُمْرُه رضي الله عنه حينذاك سبعًا وعشرين سنة، وقيل: ستًّا وعشرين سنة.
وقال ابن عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «(بينما أنا نائم أُوتيتُ بقَدَحٍ من لبن، فشربت منه حتى إني لَأرَى الرِّيَّ يجري في أظفاري، ثم أعطيتُ فضلي عمرَ، قالوا: فما أوَّلت ذلك؟ قال: العلم» .
رحِمَ الله عمرَ، جُمِعت له الدنيا فأعرض عنها، وكان شديد الزهد فيها، قال معاوية: "أما أبو بكر فلم يُرِدِ الدنيا ولم تُرِدْه، وأما عمر فأرادته الدنيا ولم يُرِدْها"، قال قتادة: "كان عمر يلبَس وهو خليفة جبةً من صوف مرقوعًا بعضها".
يقول عنه العقاد: "ونَدَرَ في الدولة الإسلامية من نظام، لم تكن له أولية فيه، فافتتح تاريخًا، واستهل حضارة، وأنشأ حكومة، ورتَّب لها الدواوين، ونظَّم فيها أصول القضاء والإدارة، واتخذ لها بيت مال، ووصل بين أجزائها بالبريد، وحمى ثغورها بالمرابطين، وصنع كل شيء في الوقت الذي ينبغي أن يُصنَع فيه، وعلى الوجه الذي يحسُن به الابتداء".
بقلم/ فاطمة الأمير







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 27-03-2024, 09:48 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: صفحات مضيئة من حياة الفاروق رضي الله عنه





صفحات مضيئة من حياة الفاروق رضي الله عنه وداعا عمر بن الخطاب رضي الله عنه (10)

فاطمة الأمير




بقلم/ فاطمة الأمير
وها نحن نصل إلى ختام رحلتنا، فقد عِشْنا مع الفاروق مقتطفاتٍ يسيرةً من سِيرته العَطِرة، وكما هو حال الدنيا، فالأيام تمضي والأعمار تنتقص، والمؤمن الصادق يُختَم له بحسن الخاتمة، فكم تمنَّاها سيدنا عمر بن الخطاب ودعا ربه أن ينال الشهادة وحسن الخاتمة! فحجَّ في العام الذي قُتِلَ فيه، وسأل الله في حجَّتِه حسن الختام؛ فعن سعيد بن المسيب رحمه الله تعالى: "أن عمر لما أفاض من مِنًى، أناخ بالأبْطَحِ، فكوَّم كومةً من بطحاء، وطرح عليها طرف ثوبه، ثم استلقى عليها، ورفع يديه إلى السماء وقال: اللهم كبِرَت سِنِّي، وضعُفت قوتي، وانتشرت رعيتي؛ فاقبضني إليك غير مُضيِّعٍ ولا مُفرِّطٍ، قال سعيد: فما انسلخ ذو الحجة حتى طُعِن"؛ [حلية الأولياء (1/ 54)].
فلما كان فجر يوم الأربعاء، قبل نهاية شهر ذي الحجة بأربعة أيام كَمَنَ أبو لؤلؤة المجوسي في المسجد، ومعه سكين ذات طرفين مسمومة، فوقف عمر يعدل الصفوف للصلاة، فلما كبَّر يصلي بالناس، طعنه العبد في كتفه وفي خاصرته؛ فقال عمر: {﴿ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا ﴾} [الأحزاب: 38]؛ [الطبقات (3/ 265)، والفتح (7/ 78)].
بكاء الصحابة وهم ينعَون عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
توقفتُ عند هذه الكارثة وأنا أقرأ في سيرته، فتألمت بشدة، فلقد كان مقتل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فاجعةً ليست ككل الفواجع؛ لأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان حصن الإسلام، ودرع الأمة، وبابًا وسدًّا منيعًا ضد الفتن، لكنه كُسِر بقتله؛ فخرجت الفتن على أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، هكذا كنت أبكي وأنا أقرأ كلمات الصحابة وهي تَنْعَى عمر بن الخطاب ببكاء مرير، وكيف لا نبكي على صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ كيف لا نبكي على رجل اتصف بالعدل والرحمة واللين والشدة؟ كيف لا نبكي على من سار مهتديًا ومقتديًا برسول الله صلى الله عليه وسلم وبصاحبه؟
لقد بكى سعيد بن زيد رضي الله عنه وقال: "على الإسلام أبكي، إن موت عمر ثَلَمَ الإسلام ثُلْمَةً لا تُرْتَقُ إلى يوم القيامة".
وقالت أم أيمن رضي الله عنها يوم أُصيب عمر: "اليوم وَهَى الإسلام".
وقال زيد بن وهب رحمه الله تعالى: "أتينا ابن مسعود، فذكر عمر، فبكى حتى ابتلَّ الحصى من دموعه، وقال: إن كان عمر حصنًا حصينًا للإسلام، يدخلون فيه ولا يخرجون منه، فلما مات عمر انْثَلَم الحصن؛ فالناس يخرجون من الإسلام".
وقال حذيفة رضي الله عنه أمينُ سرِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما كان مَثَلُ الإسلام أيام عمر مثل امرئ مُقْبِل، لم يَزَلْ في إقبال، فلما قُتِلَ أدْبَرَ، فلم يَزَلْ في إدبار".
وقال أنس رضي الله عنه: "ما من أهل بيت من العرب حاضر وبادٍ، إلا قد دخل عليهم بقتل عمر نقص".
يستأذن عمر بن الخطاب عائشة رضي الله عنها أن يُدفَنَ مع صاحبيه:
أرسل عمر بن الخطاب رضي الله عنه ابنه عبدالله إلى عائشة رضي الله عنها، قال: "انطلق إلى عائشة أم المؤمنين، فقل: يقرأ عليكِ عمرُ السلامَ، ولا تقل: أمير المؤمنين، فإني لست اليوم للمؤمنين أميرًا، وقل: يستأذن عمر بن الخطاب أن يُدفَن مع صاحبيه".
ما أعظم صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم! فإنما قال ذلك لئلا تفهم عائشة أنه أمر، وهو الإمام وخليفة المسلمين، والإمام طاعته تكون واجبة، فترك لها الخيار، وطلب منها على سبيل الرجاء، وليس على سبيل الأمر.
فسلَّم عبدالله بن عمر واستأذن على عائشة، فوجدها قاعدةً تبكي، فقال: "يقرأ عليكِ عمر بن الخطاب السلام، ويستأذن أن يُدفَن مع صاحبيه، فقالت: كنت أريده لنفسي، ولأُوثِرَنَّه به اليوم على نفسي، فلما أقبل قيل: هذا عبدالله بن عمر قد جاء، قال: ارفعوني، فأسنده ابن عباس إليه، فقال: ما لديك؟ قال: الذي تحب يا أمير المؤمنين، أذِنَتْ، قال: الحمد لله، ما كان من شيء أهم إليَّ من ذلك، فإذا أنا قضيتُ فاحملوني، ثم سلِّم فقُل: يستأذن عمر بن الخطاب، فإن أذِنت لي فأدخلوني، وإن ردَّتني ردُّوني إلى مقابر المسلمين".
هكذا كانت لحظاته الأخيرة التي تمنَّى فيها أن يجمعه الله بصاحبيه في الآخرة، كما كانوا معًا في الدنيا.
الآن بعد أن قرأنا قبسًا يسيرًا من سيرة الفاروق رضي الله عنه، أعتقد أن كلنا لدينا نفس السؤال، ماذا لو كان بيننا اليوم الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه؟ كيف ستكون حال الدولة الإسلامية الآن وهو خليفة المسلمين؟!
فهل عجزت الأمة أن تُنجب لنا رجلًا على شاكلته؟!
إن الحديث عن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ماتعٌ شيِّق كالمطر الذي نزل على أرض جدباء، فأصبحت جنة خضراء، ولو طال بنا الحديث أكثر عن الفاروق ما شعرنا بملل أبدًا، فالحديث عنه يزيدنا رغبة في معرفته أكثر، يزيدنا رغبة أن ننعم بقربه.
فوالله كلما قرأنا سيرته، تمنَّينا أن يكون لكل أم وأب ابن بطل ورجل مثل عمر؛ فاللهم أعزَّ الإسلام بمن هم مثل عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
بقلم/ فاطمة الأمير








__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 149.59 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 143.69 كيلو بايت... تم توفير 5.90 كيلو بايت...بمعدل (3.95%)]