عمرك.. وكيف تحياه؟ - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4418 - عددالزوار : 854827 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3949 - عددالزوار : 389708 )           »          معنى قوله تعالى: {ليبلوكم أيُّكم أحسنُ عملاً} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 48 )           »          تخصيص رمضان بالعبادة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 37 )           »          ذكر الله دواء لضيق الصدر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          بيان فضل صيام الست من شوال وصحة الحديث بذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 40 )           »          صيام الست من شوال قبل صيام الواجب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          صلاة الوتر بالمسجد جماعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          قراءة القرآن بغير حفظ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »          الإلحاح في الدعاء وعدم اليأس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العام > ملتقى الحوارات والنقاشات العامة

ملتقى الحوارات والنقاشات العامة قسم يتناول النقاشات العامة الهادفة والبناءة ويعالج المشاكل الشبابية الأسرية والزوجية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10-08-2020, 03:08 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي عمرك.. وكيف تحياه؟

عمرك.. وكيف تحياه؟


صدقي البيك





خلق الله الزَّمنَ ليكون هو البعد الرابع للأشياء، خاصة الأشياء الحية، بعد الأبعادِ الثلاثة من طولٍ وعرض وعمق، وليكونَ هو الظرفُ الثاني للأشياءِ في وجودها بعد المكان.

والزمنُ هو الذي ترتبطُ به حياة الأحياء، في ولادتِها ونموها وتطورها، ثم وفاتها، ولولا الزمنُ ما كان لهذه الأحياء ما يميزها من الجمادات.

وحياةُ الإنسان مرتبطةٌ في وجودِها بهذا الزمن الذي يمكن أن نطلقَ عليه أيضًا اسم (الوقت).

ومنذ خلقَ الله الجماداتِ ومن بعد ذلك الأحياء، جعل حركةَ الجمادات مقياسًا للزمن، وقد سخَّر الله تعالى للإنسانِ هذه المخلوقات الضخمة ليستطيع - بما هداه الله وبما يراه من حركتِها المنتظمة - أن يقيسَ الزمن.

وعندما يسأل بعضُ الناس محمدًا - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن حركةِ بعض أجرام السماء تجيئه الإجابةُ لافتة نظره إلى أهميتِها في قياس الزمن: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ﴾ [البقرة : 189]، وكذلك الشمس والقمر، والليل والنهار (آلات) يقيس بها الإنسانُ وقتَه، كما في قوله - تعالى -: ﴿ فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ﴾ [الأنعام : 96]، ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ [يونس : 5].

خصائص الوقت:
وللوقتِ خصائصُ ومميزات تجعله فريدًا أمام كثير من مخلوقات الله التي سخَّرها للإنسان.

وأول هذه الميزات أنه يسيرُ دائمًا إلى الأمام، وبانتظام، ولا يستطيعُ الإنسان ولا أي مخلوق آخر أن يوقفَ الزمن، ولا أن يسرعَه أو يبطئه، ولا أن يرجعَه إلى الوراء، ولعلَّ من أكبر أمنيات الإنسان وأحلامه أن يتجولَ عبر الزمان تقدمًا ورجوعًا، أو أن يسافرَ إلى الماضي أو المستقبل كما يفعل عبر المكان.

وقد عبَّر أحدُ فلاسفة الغرب وكتَّابه الكبار في أواخرِ القرن الماضي، وهو "هـ.ج.ويلز" عن هذه الأحلامِ بقصةٍ من الخيال العلمي وهي "آلة الزمن Time Machine" ليحقِّقَ في أحلامِه القصصية أمنيةً مستحيلة، فيمخر بآلته عبر الزمانِ رجوعًا إلى الماضي، وتقدمًا نحو المستقبلِ المجهول يرتاده ويرى أحداثه.

ولكن هيهات ذلك للإنسان، فأنَّى له ذلك وقد جعلَهُ الله - تعالى - خاضعًا لمسيرةِ الزمن المنتظمة، لا مُخضعًا لها، وإذا كان جسد الإنسان خاضعًا لمسيرةِ الزمن، سائرًا في ركابِه، غير قادر على التقدمِ أو التأخر أو الانفلات منه، وغير قادر على تسريعِه أو تبطيئه، فهل روحُه كذلك؟ هل يطويها الزمنُ تحت جناحيه؟ أو أنها تمتطيه أو تستطيع الانفلات من قيودِه المفروضة على الأجسام المادية؟

هل يمكن أن نرى في قدرةِ روح الإنسان على التذكر عودة إلى الماضي؟ وهل يمكن أن نرى في رؤاه - مناماته - سياحة للروحِ في عالم الزَّمان مستقبلاً؟

كل هذه أسئلة تتعلَّقُ بالروح، وجوابها قول الله - تعالى -: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [الإسراء : 85]، والإنسانُ يقسم الزمن إلى ثلاثةِ أقسام:

ماض لا يعرفُ الإنسانُ بدايتَه، ويجهل معظمَ أحداثه.

وحاضر قصير قصير، يلهثُ لاقتناصِه.

ومستقبل طويل لا يعرفُ نهايتَه، ويجهل كل مجرياته.

والسمة الثانية التي يمتازُ بها الوقت - خاصة الحاضر منه - هي سرعة انقضائه، فلا يكادُ المرء يدركُ الوقتَ الذي هو فيه حتى يطير من بين يديه، وزد على ذلك أن الوقتَ الماضي كله - على طوله - يراه الإنسانُ قصيرًا، فإذا سئل عنه أحسَّ بقصرِه، فعندما تساءل أهلُ الكهف عن الزمنِ الذي لبثوه وهو يزيدُ على ثلاثمائة سنة قدَّروه بيومٍ أو بعض يوم: ﴿ وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ ﴾ [الكهف : 19]، وليس هذا الإحساس بقصرِ الماضي وقفًا على الوقت المستغرق في النوم، فوقت اليقظة أيضًا يدخلُ في هذا الإحساس، وهذا ما يدركُه كلُّ واحد منا، وقد عبر عنه الشاعر العربي بقوله:

مَرَّتْ سِنُونٌ بِالْوِصَالِ وَبِالْهَنَا
فَكَأَنَّهَا مِنْ قِصْرِهَا أَيَّامُ


ثُمَّ انْقَضَتْ تِلْكَ السِّنُونُ وَأَهْلُهَا
فَكَأَنَّهَا وَكَأَنَّهُمْ أَحْلاَمُ


ولا بد من التنبيهِ إلى أنَّ ميزانَ الإنسان الداخلي لقياس الزمن يتأثَّرُ بحالته النفسية، فهو إذا كان سعيدًا مسرورًا أحسَّ بسرعة انقضاء حاضره، وإذا كان كئيبًا تطاول عليه الزمنُ وضاق به ذرعًا، فهذا الشاعرُ ابن خفاجة، ومثله كثير من الشعراءِ يصور إحساسَه بطولِ ليله الكئيب:

تَطَاوَلَ حَتَّى قُلْتُ لَيْسَ بِمُنَقَضٍ
وَلَيْسَ الَّذِي يَرْعَى النُّجُومَ بِآيِبِ


ويكفينا أن نذكرَ كلمةً تحكى عن نوح - عليه السلام - وقد لبث في قومِه ألف سنة إلا خمسين عامًا، فعندما سئل: كيف وجدت الدنيا؟ أجاب: كدارٍ لها بابان؛ دخلتُ من أحدِهما وخرجتُ من الآخر!

وهذا الزمن الذي لا يسيرُ إلا إلى الأمام لا يستطيعُ أحد من البشرِ أن يعودَ به إلى الوراء، فما مرَّ منه فقد انقضى ولا عودة، وما ضاع منه فلا يُستعاد، ولذلك يردُّ الله - تعالى - على من يتمنَّى استرجاعَ ماضيه بالرَّفض: ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ [المؤمنون : 99 ، 100]، وفي الآخرةِ ترى الذين أضاعوا حياتَهم الدنيا يتمنون أن يعيدَهم الله إلى الدنيا؛ للتعويضِ عمَّا فاتهم، فلا يُجابون إلى ما يطلبون؛ ﴿ وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ ﴾ [السجدة : 12]، وهذا أبو العلاء المعري يصوِّرُ عجزَ الإنسانِ عن استرجاع أقرب يوم إلى حاضرنا وهو اليوم السابق ليومنا:

أَمْسُ الَّذِي مَرَّ عَلَى قُرْبِهِ
يَعْجِزُ أَهْلُ الْأَرْضِ عَنْ رَدِّهِ


ويعد الوقتُ أغلى شيء وضعه الله تحتَ تصرفِ الإنسان، وقد جاء هذا الغلاء من كونه لا يرجعُ إذا مضى، ولا يُعوَّضُ إذا ضاع، بينما يستطيعُ الإنسانُ أن يعوضَ كلَّ شيء آخر بما يغني عنه، ولذلك عبر أصحابُ الحكمةِ عن هذا الغلاء فقالوا: "الوقتُ من ذهب"، فقرنوه بأغلى شيء مادي يعرفه البشر، ولا يعرفُ قيمةَ هذا الوقت وغلاءه إلا الذين فقدوه وأضاعوه، ولات ساعة معرفة، وذلك عند الموت، وهم يعرفون أنه لا عودةَ للماضي، فيتمنون أن ينسأ لهم في أجلِهم ويمد لهم في عمرِهم؛ يقول الله - تعالى -: ﴿ وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [المنافقون : 10]، وبسبب هذه الخصائص كان للوقتِ أهمية عظيمة لا بدَّ للإنسان أن ينظرَ إليها باهتمام، ويحسب لها حسابًا شديدًا وهو يعملُ في نطاقِ الزمن.

أعمار البشر:
يمكن تقسيمُ الوقتِ الذي يعطيه الله للإنسانِ إلى ثلاثة أقسام:
1- عمره الدنيوي: وهو الأعوام والأيام التي تمتدُّ من ولادتِه حتى وفاته.

2- عمره البرزخي: وهو الممتدُّ من لحظةِ وفاته حتى بعثِه في الآخرة.

3- حياته الأخروية: التي تمتدُّ من بعثِه إلى ما شاء الله.

وهذا القسمُ الأخير هو المستقبلُ الحقيقي والأساسي لكلِّ إنسان، وفيه يكون الجزاء على ما قدَّمَ في الدنيا، والخلود في هذا الجزاء، أما عمره الأوسط (البرزخي) فهو إرهاصٌ لما سيكون عليه مستقبله الأخروي، فكأنه تهيئةٌ وإعداد لهذا الإنسانِ للتعامل والتأقلم مع جزائه في الآخرة، وأمَّا عمره الدنيوي فهو الذي يُعطى فيه حرية التصرف والمسؤولية، وفيه يعمل، وعليه يُحاسَب، وهو الوقت الذي يمكنُ أن يكسبَ أو أن يضيع.

تنظيم الوقت:
يعد اليوم الوحدة الأساسية لقياسِ عمر الإنسان، ولا بد لكلِّ فردٍ من البشر أن ينظمَ وقته بتنظيم يومه؛ لئلا يضيع عليه شيءٌ منه سدًى، وهو بحاجةٍ إلى جزء من يومه ليعمل فيه وينتج ما يكفيه لشؤون حياتِه الجسدية؛ من مأكلٍ ومشرب وملبس ومأوى.

وقد يستغرقُ هذا الجزءُ ثلثَ يومه في الظروفِ العادية، وجسده المتعب نتيجة للجهودِ المبذولة في هذا السبيل بحاجةٍ ماسة إلى الراحةِ المطلقة، التي لا يستغني عنها الجسدُ والعقل، وهذه الراحة هي النوم الذي جعله الله للناسِ سباتًا وليسكنوا فيه؛ يقول الله - تعالى -: ﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا ﴾ [الفرقان : 47]، ويلزم للإنسان أقل من ثلثِ اليوم لنومه، ويبقى بعد ذلك ثلث اليوم، وهو الوقت الذي يمكنُ أن يكون قسمٌ كبير منه وقتَ فراغ، يصرف منه المسلمُ ساعات متفرقة على عباداته اليومية المفروضة.

وقت الفراغ:
هذا الوقتُ هو الذي يمكن أن يضيعَ في أنواعِ اللهو التي لا يليقُ بالمسلمِ أن يأتي بها، والتي نهى عنها الإسلام؛ كاللعبِ بالنرد والورق، والاستماع إلى الغناءِ الماجن وتربية الكلاب و...، كما أنَّ استنزاف الساعاتِ الكثيرة في متابعةِ الألعاب الرياضية أو مشاهدة شاشات التلفزيون يدخلُ في هذا الوقتِ الضائع، وإذا توافر للشبابِ مع هذا الفراغ شيءٌ من المال والقدرة فسدت أعمالُه كما يقولُ أبو العتاهية:

إِنَّ الشَّبَابَ وَالْفَرَاغَ وَالْجِدَهْ
مَفْسَدَةٌ لِلْمَرْءِ أَيُّ مَفْسَدَهْ


والحقيقة أنَّ كلَّ أعمال الدنيا والعلوم المادية التي لا تدع للإنسانِ وقتًا، وتشغله عن الإحاطةِ بعلوم الدين الضرورية للمسلم، وعن تأدية العبادات المفروضة عليه - تعدُّ من مُضيعاتِ الوقت.

ولكن هذا لا يعني أنَّ الإسلامَ يمنعُ الرياضةَ ومشاهدة التلفزيون والعلوم المادية، ولكن يعني عدم الإفراط فيها، وهو ما يؤدي إلى التفريطِ في أمور أخرى، فالأفضل ألا يكون هناك إفراطٌ ولا تفريط، والرسول- صلَّى الله عليه وسلَّم - لا يرضى الإفراطَ في العبادةِ والانقطاع إليها عن أمورِ الدنيا، فقد نهى ثلاثةً من الصَّحابةِ عن ذلك، وقال لهم: ((إنما أنا أخشاكم لله وأتقاكم، ولكني أقومُ وأنام، وأصومُ وأفطر، وأتزوَّجُ النساء، فمن رغبَ عن سنتي فليس مني))؛ رواه البخاري.

فهذا هو التوازنُ الذي يدعو إليه الإسلامُ والذي يتمثَّل في قولِ الله - تعالى -: ﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ﴾ [القصص : 77].

قتلة الوقت:
وهؤلاء الذين يقضون أوقاتَهم في اللهوِ البريء أو غير البريء، ولا يتورَّعون عن القول: "إننا نقتلُ الوقتَ ونتسلى"، هؤلاء حقيقة هم قتلة لأغلى ما يملكون وما يحتاجون إليه، إنهم يبذرون رأسَ مالِهم، ويبددون أيامَ عمرِهم، ولا يدرون أنهم بذلك يحثون الخطى إلى آجالهم:

الْمَرْءُ يَفْرَحُ بِالْأَيَّامِ يَقْطَعُهَا
وَكُلُّ يَوْمٍ مَضَى يُدْنِي مِنَ الْأَجَلِ


هؤلاء فيهم عيوبٌ يتَّصفون بها؛ منها الغفلة، بل هي مرضٌ فتَّاك إذا أصاب إنسانًا قضى على وقتِه، فصاحب الغفلة يفتقرُ إلى الإحساسِ بالأحداث ووعي الأمور، ولا يدركها إلا بعد فواتِ الأوان، ولات ساعة مندم.

ومنها التسويف، فهو يعرفُ ما يُطلب منه وما يجب عليه، ولكنه يؤجِّلُ التنفيذَ ظنًّا منه أنَّ الزمنَ بيده ومتسعٌ أمامه، وبذلك تمرُّ الساعاتُ والأيام وهو يؤجِّلُ ويؤجل حتى يفوتَه الوقت، وهو لا يدري بذلك، وقد عدَّ بعضُ المتكلمين (سوف) من جندِ إبليس، فمن يضمن للمسوفِ البقاءَ إلى المستقبل؟ وإذا عاش فمن يضمنُ له الأمنَ من المشاغلِ والمعوقات؟ حتى قال أحدُ الشعراء:

وَلاَ أُؤَخِّرُ شُغْلَ الْيَوْمِ عَنْ كَسَلٍ
إِلَى غَدٍ، إِنَّ يَوْمَ الْعَاجِزِينَ غَدُ


أولا يعلم المسوِّفُ أنَّ لكل يوم عملاً؟ فإذا أجل عملَ يومِه إلى غده لم يجد في غدِه متسعًا لعملِ يومين! وقد فطنَ إلى ذلك عمر بن عبدالعزيز عندما بدا عليه الإرهاقُ من كثرةِ العمل في أحدِ الأيام، فقيل له: أخِّرْ هذا إلى الغد، فقال: لقد أعياني عملُ يومٍ واحد، فكيف إذا اجتمع عليَّ عملُ يومين؟

ومن هذه العيوبِ أيضًا: شتم الزمان، وتحميله المسؤولية وإلقاء اللوم على الدهر، وبذلك يتجسَّدُ الدهر لدى هؤلاء كأنه عدوٌّ لهم أو حاكم ظالم يتصرَّفُ بعشوائية؛ يقول في ذلك الشَّاعرُ المتنبي:

نَعِيبُ زَمَانَنَا وَالْعَيْبُ فِينَا
وَمَا لِزَمَانِنَا عَيْبٌ سِوَانَا


وَنَهْجُو ذَا الزَّمَانَ بِغَيْرِ ذَنْبٍ
وَلَوْ نَطَقَ الزَّمَانُ بِنَا هَجَانَا


أليس مضيعو الوقتِ هؤلاء بحاجةٍ إلى هذه الأيام والساعات؟ أليس لهم مستقبلٌ أخروي ينبغي عليهم أن يبنوه ويخططوا للفوزِ فيه؟ أغرَّهم ما قدموه من خيرٍ زهيد فحسبوا أنه يكفيهم للنجاةِ في الآخرة؟ ألا يدخل هؤلاء في عدادِ السُّفهاء الذين يُحجرُ عليهم لو كان ما يملكونه شيئًا ماديًّا؟ ولكن ما الحيلة معهم؟ ليس لنا إلا أن نتوجَّهَ إليهم بالنَّصيحة، والتذكير بأنَّ الموتَ يأتي فجأة، وأنَّ الشيطان يقفُ للإنسان بالمرصاد ليزل به من حيث يدري أو لا يدري.

فالتزم يا أخي المسلم بقولِ رسولنا الكريم - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((اغتنم خمسًا قبل خمس: حياتَك قبل موتك، وصحتَك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هَرَمِك، وغناك قبل فقرِك))؛ رواه أحمد والنسائي والبيهقي والحاكم.

تنظيم الإسلام للوقت والفراغ:
لقد علَّمنا الإسلامُ في كلِّ العبادات كيف ننظم الوقتَ وكيف ننتبه إليه فلا نفاجأ بانقضائه، فالحجُّ والزكاة تنظيم سنوي للوقت، والصيام تنظيم يومي لمدةِ شهر، وفيه تتعلق العيونُ بظهورِ الهلال وبزوغ الفجر وغروب الشمس أو تنصِتُ الآذانُ لصوتِ المؤذن، ليبدأ المسلمون عملاً أو يتوقفوا عن عمل، وهم يحسبون الوقتَ بالدقائق والثواني، ولا يفرطون في القليل منه تأخيرًا ولا تقديمًا، والصلاة هي المنظِّمُ الأساسي للوقتِ يوميًّا وعلى امتدادِ ساعاته من الفجرِ إلى غسق الليل، مرورًا بطلوعِ الشمس وزوالها وغروبها، فهذه المفاصل الزمنيَّة تحدد لهم بداياتِ وقت الصلاة أو نهايته، ويلتزمون بذلك بدقةٍ فلا يتقدَّمون ولا يتأخرون، فكلُّ وقت عندهم بمقدار.

وهكذا؛ فلا يكادُ المسلم يسهو أو يشرد ذهنُه في زحمةِ الأعمال حتى يأتيه صوتُ المؤذِّنِ ينبهه إلى أنَّ جزءًا من اليومِ انقضى، فلا تضيع الباقي وأدِّ ما عليك فقد آن الأوان.

هذا من حيث تنظيم الوقت، فكيف ينظِّمُ المسلمُ فراغَه؟
في الحقيقة إنَّ الأمور الخمس التي أمرنا الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - باغتنامها؛ ومنها الفراغ، هي نعمٌ أنعم الله بها على الإنسان، والفراغ - وهو ما زاد من الوقت عن الحاجةِ لمتطلبات العيش والنوم - لا يبقى فراغًا أبدًا، فالإنسان يملؤه إمَّا بالخيرِ وإمَّا بالشر، والفراغ ليس شرًّا كاملاً ولا هو خير كامل، إنما هو سلاح ذو حدين: إذا ساءت فيه نيةُ المرء وانحرف سلوكُه وفسدت أعماله كان شرًّا عليه، وإذا كان المرء سليم دواعي الصدر صالحًا خلوقًا استغلَّ فراغَه في الخيرِ له ولغيره، ويرى بعضُ العلماء أنَّ الحضارةَ والمكتشفات والمخترعات ما كان يمكنُ الوصول إليها لولا توفر الفراغ.

وأعمالُ الخير والنفع التي يمكن أن يملأ بها الإنسانُ فراغه كثيرةٌ لا تحصى؛ من أدعيةٍ وأذكار إلى صلاة نافلة إلى زيارات للأهل والأصدقاء إلى المطالعة الحرة ودراسة الكتب النافعة، ولا مانع من أن يستمتعَ الإنسانُ بشكلٍ من أشكالِ اللهو المباح الذي لا ينسيه واجباتِه الدينية ولا واجباته المعيشية، فيقوم ببعضِ الألعاب الرياضية، أو يمزح فيما لا كذبَ فيه ولا فحش ولا أذًى يجرح مشاعرَ الناس، فقد شاهدَ الرسولُ - عليه السلام - الأحباشَ وأراها عائشة - رضي الله تعالى عنها - كما سابقها وسبقته ثم سبقها، ومزح مع المرأةِ العجوز ومع امرأةٍ أخرى طلبت منه أن يحملَها على بعيرٍ فقال لها: أحملكم على ولد النَّاقة.


فلنوفر لأنفسِنا فراغًا بتنظيمِ أوقاتنا، ولنحرص على شغل هذا الفراغ بما ينفعُ ويمتع، ولنحسن استغلالَه بالقول الطيب وفعل الخير بالترويحِ عن القلوب ساعة، فإنها إذا عملت كلَّت.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 73.30 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 71.41 كيلو بايت... تم توفير 1.89 كيلو بايت...بمعدل (2.58%)]