الذكاء الإيماني - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         كيفية التعامل مع الأعداء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 35 - عددالزوار : 1155 )           »          التربية على الإيجابية ودورها في نهضة الأمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          زخرفة المساجد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 70 - عددالزوار : 16825 )           »          لماذا نحن هنا؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          يغيب الصالحون وتبقى آثارهم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          الهواتف الذكية تحترف سرقة الأوقات الممتعة في حياة الزوجين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          استشراف المستقبل من المنظور الشرعي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 13 )           »          من شبهات اليهود وأباطيلهم «أن تحويل القبلة أنهى مكانـة المسـجد الأقصى عند المسلمين»!! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > الملتقى العلمي والثقافي

الملتقى العلمي والثقافي قسم يختص بكل النظريات والدراسات الاعجازية والثقافية والعلمية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 13-08-2020, 04:24 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,992
الدولة : Egypt
افتراضي الذكاء الإيماني

الذكاء الإيماني


أ. حنافي جواد




ستكتشف في هذا المقال:
أن الذكاء في الاصطلاح الشرعي - من منظور إيماني تعبُّدي - يختلف اختلافًا كليًّا وجزئيًّا عن تعاريف أغلب الباحثين والدارسين، المُتخصِّصين في علم الذكاء والعلوم المرتبطة به، فقد أغفَل هؤلاء الذكاء الإيماني، بل أهْمَلوه واهتمُّوا - في مقابل ذلك - بالموضوع من حيث هو بحثٌ نظري مجرَّد عن الشريعة ومقاصدها العالميَّة.

فقسَّموا الذكاء إلى أقسام، ولوَّنوه بألوانٍ، وصنَّفوه أصنافًا وأصنافًا[1]، ولَم يهتمُّوا بالملامح الإيمانيَّة والتعبُّدية للمصطلح[2]، وفيه معانٍ تعبُّديَّة عميقةٌ وعريقة، لا يُدركها إلا الأذكياء.

وليس غريبًا أمرُ هؤلاء، ما دامت هنالك هَيْمنة وإعجاب بلَغ حدَّ الهوس، بالبحوث الغربية والشرقية المُستغربة، الطافية على الساحة التربويَّة والنفسيَّة والاجتماعيَّة.

فتأثَّر الكُتَّاب والباحثون بنظريات الغربيين والمُستغربين، تلك النظريات التي من أبرز فلسفتها الفصْل بين الدين والحياة، والجسد والرُّوح، فنقَلوا لنا نصوصهم وترجَموها كما ورَدت عند أصحابها، ولَم يُكلِّفوا أنفسهم عناءَ تنقيحها ونقْدها، أو تنزيلها وتكيُّفها لتُناسب البيئة المسلمة، بل تنزَّلوها تنزيلاً، وألْصَقوها بالمجتمع إلصاقًا، فغدَت الصورة نشازًا.

فانقلَبت المفاهيم وتسمَّمت الأفكار، وتلوَّثت القلوب، فاعوجَّ السلوك، وعَسُر على المصلحين تَدارُك الداء؛ لاستِفحاله.

الذكاء في اللغة - لغة الباحثين واصطلاحاتهم - هو:
قُدرة الفرد على التكيُّف العقلي مع الحياة وظروفها.
القدرة على الاستفادة من الخِبرات والموارد في حلِّ المشكلات الجديدة.
القدرة على التفكير المجرَّد.
القدرة الكليَّة على التصرُّف الهادف، والتفكير المنطقي، والتعامُل المجرَّد مع البيئة.
القدرة على التعامل والتكيُّف مع المشكلات.
وقال ابن منظور: الذكاءُ: شدَّةُ وَهَجِ النار، والذكاء، ممدودٌ: حِدَّةُ الفؤاد، والذكاء: سرعة الفِطْنة، والذكاء في الفَهْم: أن يكون فَهْمًا تامًّا، سريعَ القَبول.

1- ما لا يَعلمه كثير:
رُبَّما لا يعلم كثير أنَّ أذكى الأذكياء على الإطلاق، هو الذي يَلتزم بالإسلام عقيدة وشريعةً، ومنهاجَ حياة، وغيرهم - للأسف الشديد - أغبياء، وإن كانوا على زِنة أذكياء، فهم الأذكياء لغةً، الأغبياء شرعًا.

ألَم يقل الله - عز وجل - في مُحكم تنزيله: ﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴾ [الأعراف: 179]؟!

فالذكاء الإيماني ضرورة من ضرورات الحياة، وأساس من أُسس الوجود، ولن تَستقيم الحياة ما لَم تتحصَّن بالذكاءِ الخليقةُ، حصانةً تَمنعها من الضلالات والزَّيغ والانحرافات.

فهو حصانة:
للإنسان؛ لأنه سببٌ في دخوله الجنةَ، وسعادته في الدار الدنيا.
والحيوان؛ لأنه يُحمى من خلال وَعْي المسلمين بالضوابط الشرعيَّة المُنظِّمة لعلاقة الإنسان بالحيوان.
والبيئة والكون؛ لأنَّ المؤمن المُدرك لمكانته في هذا الوجود، الفاهم لقانون التسخير والاستخلاف - لا يُلوِّث ولا يُدمِّر، بل يُصلح ويَصون ويَحمي؛ قال كولن كلارك c clark، وهو عالِم رياضي في جامعة بريتش كولومبيا: "معظم التقدُّم الاقتصادي البادي، قد يكون في واقع الأمر وَهْمًا خادعًا، قائمًا على الإخفاق في تفسير تناقُص رأس المال الطبيعي"[3].

ذلك الذكاء هو الذي يقود صاحبه إلى فِعل ما تَقتضيه الشريعة الإسلاميَّة.

ذلك الذكاء هو الذي يدفع صاحبه ليَفعل لله، ويَكتب لله، ويتزوَّج لله، ويمشي لله، ويحب لله، ويُبغض لله، كلُّ أمره لله - سبحانه وتعالى.

ذلك الذكاء هو الذي يَمنع صاحبه من فِعل المُحرَّمات والمنكرات.

وعن عمرو بن عَبَسَة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما تستقلُّ الشمس، فيبقى شيءٌ من خَلْق الله، إلاَّ سبَّح الله، إلاَّ ما كان من الشياطين وأغبياء بني آدمَ))[4].

2- لماذا حُكِم عليهم بالغباء؟
لأنهم لا ينظرون إلى مآلات الدار الآخرة، ويَنخدعون بزينةٍ في الدنيا فانية.
لأنهم لَم يَستوعبوا السر المكشوف عنه في القرآن والسُّنة المُطهَّرة.
لأنهم لَم يَستمعوا إلى أصوات الفطرة؛ قال تعالى: ﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الروم: 30].
لأنهم ضحايا جهْلهم وأُمِّيَّتهم الشرعيَّة - الدينيَّة.
ولأن في بعضهم عنادًا ونُكرانًا وعِصيانًا، فيستمعون الحقَّ، فلا يتَّبعونه؛ جاء في البردة للبوصيري:
قَدْ تُنْكِرُ الْعَيِنُ ضَوْءَ الشَّمْسِ مِنْ رَمَدٍ
وَيُنْكِرُ الْفَمُ طَعْمَ الْمَاءِ مِنْ سَقَمِ



3- قد لا يتَّفقون معك:
وقد لا يتَّفق بعضهم على هذا التحليل، وما يَقتضيه من تمييزٍ بين الأذكياء حقيقةً والأغبياء، فيستدلُّون على خلافه بأدلة كثيرة، فيَسردون لائحة من العباقرة والمُفكِّرين والأذكياء من غير المسلمين، فيقولون مُستغربين مُستهجنين مُتحدِّين: وهل تصفون هؤلاء المُفكِّرين والعباقرة من أمثال فلان وعلان بالأغبياء؟!
ومنهم مَن أضاء الظلام.
ومنهم مَن أركَب الناس البحر.
ومنهم من أركب الناس السماء.
ومنهم مَن أوصَل إلى القمر.
ومنهم... ومنهم...

وسيقولون:
وبفضْل هؤلاء الأذكياء تَكتبون ما تكتبون.
وتَنشرون ما تنشرون.
وتَركبون ما تركبون.
فهل تُنكرون الجميل، أو أنَّكم تتجاهلون؟!

فنقول لهم مُستيقنين:
نِعْمَ الذكاء الذي يُدخل صاحبه الجنة.
وبِئس الذكاء الذي يُدخل صاحبه النار.
قال - سبحانه وتعالى -: ﴿ يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ ﴾ [الروم: 7].

فالظاهر يَعلمونه والحقيقة يَجهلونها، وجهْلُهم بالحقيقة يجعل علمَهم بالظواهر ترفًا ولَعِبًا، لا جدْوى منه.

فمن الناس - هداهم الله - مَن يهتمُّ بأمور دنياه، ويغفل آخرته، وقد وصَف الله الكفَّار بأنهم يعلمون ظاهرًا من الحياة الدنيا، وهم عن الآخرة غافلون، وهذا ما نراه مُتحقِّقًا في الناس اليوم؛ فالغرب مُتقدِّم في علوم الدنيا وتكنولوجيا المعلومات والصناعات، لكنَّهم وللأسف مُتخلفون غافلون عن الدار الآخرة، وقد دعاهم الله تعالى؛ ليتفكَّروا في أنفسهم وفي المخلوقات العلويَّة والسُّفليَّة لعلَّهم يؤمنون.

4- تقسيمات الذكاء:
1- ذكاء دنيوي مادي - ذكاء رياضي - ذكاء اقتصادي - ذكاء اجتماعي - ذكاء سياسي - ذكاء جمالي - ذكاء فضائي - ذكاء فلسفي - ذكاء لغوي - ذكاء ذاتي - ذكاء بيئي - ذكاء وجداني[5] - ذكاء رُوحي.

2- ذكاء أخروي - إيماني: هو الذكاء الذي يقود صاحبه إلى اتِّباع الشريعة الإسلاميَّة، والْتِزام مبادئها الربانيَّة، وعرْض أفعاله الدنيويَّة على نصوص الشريعة الإسلاميَّة.

ويُمكن تقسيم الذكاء الأخروي الإيماني إلى:
التقسيم الأول:
1 - علمي: يتجسَّد في المعتقدات التي يجب أن يؤمنَ بها المسلم.
2- عملي: يتجسَّد في التطبيقات والتشريعات التي يجب أن يَفعلها المسلم.
والنوعان وجهان لقطعة نقديَّة واحدة.

التقسيم الثاني:
1- ذكاء العلماء: فقد أُوتي العلماء والمُصنِّفون - في مختلف العلوم الإسلاميَّة والشرعيَّة - من الفَهم والذكاء، ما أهَّلهم لسَبْر أغوار الشريعة الإسلاميَّة، وفَهْم أسرار الكون والبريَّة، ومنهم مَن صنَّف في علوم العقيدة والقرآن، والحديث وأصول الفقه، واللغة والتاريخ.

2- ذكاء العباد: يتجسَّد في التطبيقات العمليَّة والتزام أحكام الشريعة والآداب والفضيلة، ويدخل ضمن هذا الإطار العلماء العاملون والمؤمنون - المسلمون المُلتزمون بالأحكام.

5- الذكاءان:
المسلم في حاجة إلى كلا الذكاءَين: الديني، والدنيوي.
فالأوَّل منهما فرضُ عينٍ على كلِّ الناس: مؤمنهم، وكافرهم؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56].
والثاني فرضُ كفاية على المسلمين ما دام أنه قد تحقَّقت فيه الكفاية.

ويجب أن يكون الذكاء الإيماني قائدًا، والدنيوي مقادًا تابعًا؛ يُوجِّهه، ويَعصمه، ويَسوسه؛ كيلا تَنحرف عن جادة الصواب، مثلاً: الذكاء السياسي - الذي لَم يتحصَّن صاحبه بالذكاء الإيماني والأخلاقي التعبُّدي - لا يُعَد في الحقيقة ذكاءً؛ ذلك لما سيترتَّب عنه من مفاسدَ وأضرار مُحقَّقة ناتجة عن المخالفة، والواقع اليومي خيرُ شاهد على الذي نقول؛ من نفاقٍ سياسي، وكذب باسم التسييس، وتضليل وتجهيل باسم الحِكمة والحكامة، ومخالفة الشريعة باسم العلم والحدَاثة، والمصادقة على ما يُخالف أصول الإسلام، وهَلُمَّ جرًّا.

قال تعالى في بيان جزاء المُعرضين عن الذكر: ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾ [طه: 124].

فيَستحيل - من الناحية المنطقيَّة والأخلاقية - أن يُعَدَّ ذلك السلوك المُسبِّب للمفاسد والأضرار، يستحيل أن يعدَّ ذكاءً؛ فهو إفسادٌ وتدمير.

فالذكاء قيمة إيجابيَّة وكلمة جميلة، فلا يَليق أن تُدنَّس بالأفعال القبيحة والسلوكيات الشِّريرة.

6- وهل الذكاء الإيماني موروثٌ جينيًّا، أو مُكتسبٌ ثقافيًّا؟
قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((ما من مولودٍ إلاَّ يُولَد على الفطرة، فأبواه يُهوِّدانه، أو يُنصِّرانه، أو يُمَجِّسَانه، كما تُنتَج البهيمة بهيمةً جمعاءَ، هل تحسُّون فيها من جدعاءَ))؛ صحيح مسلم.

سُئِل شيخ الإسلام ابن تيميَّة عن معنى قوله - صلى الله عليه وسلم - : ((كلُّ مولودٍ يُولد على الفطرة))، ما معناه؟ أراد فطرة الخَلْق أم فطرة الإسلام؟

فأجاب: "الحمد لله، أمَّا قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((كلُّ مولودٍ يُولد على الفطرة، فأبواه يُهوِّدانه، أو يُنصِّرانه، أو يُمَجِّسَانه))، فالصواب أنها فطرة الله التي فطَر الناس عليها، وهي فطرة الإسلام، وهي الفطرة التي فطرَهم عليها يوم قال: ﴿ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى ﴾ [الأعراف: 172].

وهي السلامة من الاعتقادات الباطلة، والقَبول للعقائد الصحيحة؛ ولهذا ذهَب الإمام أحمد - رضي الله عنه - في المشهور عنه: إلى أنَّ الطفل متى مات أحدُ أبَويه الكافرَيْن، حُكِم بإسلامه; لزوال المُوجب للتغيير عن أصْل الفطرة.

ومَثلُ الفطرة مع الحقِّ مَثلُ ضوء العين مع الشمس، وكلُّ ذي عينٍ لو تُرِك بغير حجابٍ، لرأى الشمس، والاعتقادات الباطلة العارضة - من تهوُّدٍ، وتنصُّرٍ، وتمجُّس - مثل حجابٍ يَحول بين البصر ورؤية الشمس.

وكذلك أيضًا كلُّ ذي حسٍّ سليمٍ يحب الحُلو، إلاَّ أن يَعرض في الطبيعة فسادٌ يُحرِّفه؛ حتى يَجعل الحُلو في فمه مُرًّا، ولا يَلزم من كونهم مَولودين على الفطرة، أن يكونوا حين الولادة مُعتقدين للإسلام بالفعل؛ فإن الله أخرَجنا من بطون أُمَّهاتنا لا نعلم شيئًا، ولكنَّ سلامة القلب وقَبوله وإرادته للحقِّ الذي هو الإسلام؛ بحيث لو تُرِك من غير مُغيِّر، لَما كان إلا مُسلمًا، وهذه القوة العلميَّة العمليَّة التي تقتضي بذاتها الإسلام - ما لَم يَمنعها مانعٌ - هي فطرة الله التي فطَر الناس عليها"[6].

فالإنسان - الطفل بعد ولادته، وقبل تدخُّل عوامل التنشئة المختلفة - يكون صفحةً بيضاءَ صافية[7]، لكنَّها مُسطرة سطورًا دقيقة، يُمكن أن تكتب عليها ما شئتَ، فيمكن أن تَجعل من الطفل الصغير يهوديًّا أو نصرانيًّا أو مجوسيًّا، يمكن أن تَجعل منه أغبى الناس أو أذكاهم، فهو مادة أوليَّة قابلة للتحوُّل والتشكُّل كما أراد الصانع.

"والصبي أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذَجة، خالية عن كلِّ نقشٍ وصورة، وهو قابل لكلِّ ما نُقِش، ومائلٌ إلى كلِّ ما يُمال به إليه، فإنَّ عُوِّد الخير وعُلِّمه، نشَأ عليه وسَعِد في الدنيا والآخرة، وشارَكه في ثوابه أبواه، وكلُّ معلِّمٍ له ومُؤدِّب، وإن عُوِّد الشرَّ وأُهْمِل إهمالَ البهائم، شَقِي وهَلَك، وكان الوِزر في رقبة القَيِّم عليه"[8].

والذكاء الإيماني مُكتسب من خلال:
التنشئة الاجتماعية وسط بيئة إسلاميَّة، وللبيئة حظُّ الأسد في التأثير.
الكتب أو الشيوخ والعلماء العاملين.
وسائل الإعلام النافعة وخُطَب الجُمَع.
القدوة الصالحة المُصلِحة.
المدارس والكليَّات والمعاهد الشرعيَّة.
هبة إلهيَّة ونعمة، فالهداية الكبرى بيد الله؛ قال الحق - سبحانه -: ﴿ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ [القصص: 56].

8 - أُسس روائز الذكاء الإيماني:
يُعرَّف الرائز في اللغة بأنه: مقياس موضوعي علمي دقيق، يَهدف لقياس سلوكٍ ما، من خلال جملة من البنود والتعليمات.

الرائز في سياق حديثنا: مسطرة شرعيَّة منهجيَّة، لها ضوابطها العلميَّة وأساليبها العمليَّة لقياس عيِّنة من تصرُّفات البريَّة؛ ليُحكمَ عليها بالموافقة أو المخالفة للشريعة الإسلاميَّة.

ومن تلك الأُسس:
الإخلاص؛ أي: درجة إخلاص النية لله - سبحانه وتعالى - قال تعالى: ﴿ هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [غافر: 65].

التطبيق؛ أي: درجة التزام الشريعة والعمل بآدابها وأحكامها؛ قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [البقرة: 82].

التطابق؛ أي: درجة التطابُق بين أحكام الشريعة الإسلاميَّة وأفعال المُكلَّفين؛ قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [آل عمران: 31].

الصلاح؛ أي: درجة صلاح الأفعال واستقامة الفاعلين؛ قال تعالى: ﴿ وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾ [آل عمران: 57].

التكامُل؛ أي: التكامُل والانسجام بين العبادات؛ قال - سبحانه وتعالى -: ﴿ اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 45]، فالصلاة تُكمل الصلاح، فتَنهى عن الفحشاء والمنكر.

العلم؛ أي: درجة فَهْم الأحكام والتعاليم الإسلاميَّة، وفهوم الملتزمين تختلف، ففَهْم العالِم غير فَهْم غيره؛ قال تعالى: ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ ﴾ [محمد: 19].

حُسن الخاتمة: فالمؤمن الذكي حريصٌ على سؤال الله حُسنَ الخاتمة.

يَتبيَّن مما سِيقَ من الأدلة النقليَّة والحُجج المنطقيَّة، والأمثلة التوضيحيَّة - أنَّ الذكاء الإيماني:
هو ذلك الذكاء الذي يقود صاحبه إلى اتِّباع الشريعة الإسلاميَّة، والتزام مبادئها الربانيَّة، وعرْض أفعاله الدنيويَّة على نصوص الشريعة الربانيَّة.
فالذكي هو الذي يفوز بالجِنان في تلك الدار، ولو عدَّه العادُّون غبيًّا.
والغبي هو الذي يُحرم من الجِنان، ويستحقُّ النيران، ولو عدَّه العالَم ذكيًّا.
فلتتأمَّل هذا، ولتَعِه؛ فإنه مُفيد - إن شاء الله.

جاء في صحيح مسلم: وكذلك حدَّثنا قتيبة بن سعيد وعلي بن حُجْر، قالا: حدَّثنا إسماعيل - وهو ابن جعفر - عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة، أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أتدرون مَن المُفلس؟))، قالوا: المفلس فينا مَن لا درهمَ له ولا متاع، فقال: ((إنَّ المُفلس من أُمتي يأتي يوم القيامة بصلاةٍ وصيامٍ وزكاة، ويأتي قد شتَم هذا، وقذَف هذا، وأكَل مال هذا، وسَفك دمَ هذا، وضرَب هذا، فيُعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فَنِيَت حَسناته قبل أن يُقضى ما عليه، أُخِذ من خطاياهم، فطُرِحَت عليه، ثم طُرِح في النار)).

كتَبه في مدينة الحاجب المغربية: الفقير إلى رحمة الله وفضْله أبو سارة صبيحة يوم 1/09/2011.


[1] عدَّد عالِم النفس "1983 - 1993 ( H.Gardner) "، في كتابه " Frames Of Mind " الصادر سنة 1987، وهو أستاذ في جامعة هارفارد - سبعة أنواع من الذكاء، تاركًا الباب مفتوحًا للزيادة، وعرَّف الذكاء بأنه: مجموعة من القدرات المستقلة الواحدة عن الأخرى, التي يَمتلكها الأشخاص في مجالات كثيرة.
وخلافًا لـ H.Gardner فهناك باحثون آخرون يَرون الذكاء نوعًا واحدًا، ويُركِّزون في قياسه على القدرات اللفظية والمنطقيَّة والحسابيَّة، وينتقدون؛ لأنهم قصَروا الذكاء البشري في المنطق واللغة والحساب، وأغفَلوا جوانب الشخصيَّة الأخرى.
وفي مقالنا هذا نَنقِم على كلا التوجُّهين:
1- التوجُّه الذي يتصوَّر الذكاء نوعًا واحدًا.
2- التوجُّه الذي يتصوَّر الذكاء أنواعًا أو ذكاءات؛ لأنهما لَم يهتمَّا بالمهم في الدار الدنيا والآخرة، وهو الذكاء الإيماني، وما أدراك ما هو؟!

[2] إلاَّ إذا اسْتَثْنَينا بعض الإشارات والإيماءات البعيدة جدًّا؛ منها: حديثهم عن الذكاء الروحي أو الخارجي Interpersonal intelligence، وقد جاء في سياق حديث H.Gardner 1983 - 1993" عن الذكاءات السبع: الذكاءُ الروحي الخارجي، وهو: قدرة الإنسان على وعي نفسه والعالم الذي يعيش فيه، وقُدرته على إدراك العلاقات التي تربط الأمور والظواهر المحيطة به، وهذا الوعي يقود الإنسان إلى اعتزازٍ بنفسه وتقديرها, كما يقود إلى قوة الشخصيَّة، التي تُميِّز الأنبياء والمُفكِّرين، والمُصلحين الاجتماعيين.


[3] انظر: كتاب أنثوية العلم، مجلة عالم المعرفة، العدد 306، 2004، الصفحة (290).

[4] تحقيق الألباني (حسن)، انظر: حديث رقْم (5599) في صحيح الجامع.
شرح الحديث: (ما تستقلُّ الشمس): تَرتفع وتتعالَى في السماء.
(فيبقى شيءٌ من خلْق الله إلاَّ سبَّح الله بحمده): يقول: سبحان الله وبحمده.
(إلاَّ ما كان من الشياطين وأغبياء بني آدمَ): هؤلاء الشياطين ومَن على شاكِلتهم من بني آدمَ، ممن يَغفلون عن ذِكر الله، والأغبياء جمْع غبي، والغبي: هو قليل الفِطنة.

[5] ويُقال في تعريف الذكاء الوجداني: مجموعة من الصفات الشخصيَّة والمهارات الاجتماعيَّة، والخِبرات النفسيَّة المُؤهِّلة لتفهُّم مشاعر وانفعالات وأحاسيس الآخرين، وصاحب الذكاء الوجداني يكون أكثرَ قُدرةً على ترشيد حياته النفسيَّة والاجتماعيَّة.
ألَّف: د. ياسر العيتي كتاب "ما فوق الذكاء العاطفي: حلاوة الإيمان"، يتناوَل ولادة مصطلح جديد علمي باسم الذكاء العاطفي؛ أي: قُدرة الإنسان على التعامل الإيجابي مع ذاته ومع الآخرين؛ ليُحقِّق أكبر قدرٍ من السعادة لنفسه ولِمَن حوله، ويُوضِّح عناصر كلٍّ من الذكاءَين: العقلي والعاطفي، ويُبيِّن تنمية الإسلام عند الصحابة والتابعين مهارات الذكاء العاطفي، وكيف يشعر الإنسان بحلاوة الإيمان عند تَحلِّيه بتلك المهارات، ويَربطها بربِّه ودينه وآخرته، ولماذا لَم يَعُد الإسلام مؤثِّرًا في معظم المسلمين اليوم، ولماذا اختارَ الله تعالى العرب من بين الأُمم للنهوض برسالة الإسلام؟
ويوضِّح الكتاب - عندما تكون الحياة لله - كيف يُدرك الإنسان ذاته وغايته في الوجود ومبادئه وقِيَمه، ويَصف أحبَّاء الله، ويَشرح كيف يتحكَّم الإنسان في المشاعر السلبيَّة؛ كالخوف، والقلق، والغضب، وكيف يتخلَّص منها، ويتجاوز المِحن والأزمات، وتُصبح النفس مُطمئنَّة بالإسلام.
ويَصِف الكتاب الصدِّيقين، وكيف أعلى الله درجاتهم، ويتكلَّم على القادة الليِّنين، واتِّصاف قيادتهم الحقيقيَّة باحترام الإنسان ومُحاورته وإقناعه، ويدعو إلى عدم التفرُّق وقَبول الاختلاف البنَّاء، وعدم إلغاء الآخر، وتحمُّل المسلم مسؤوليَّاته بإيمانه وحرَكته، ومُبادرته وإيجابيَّته، واقتحامه الظروفَ، ويَصِف الكتاب حياة المسلم المؤمن المتمتِّع بالذكاء العاطفي، وكيف يعيش لله حياة مُتوهِّجة بالحب والعزم والأمل، مَليئة بالمشاعر والعواطف الإنسانيَّة".http://www.fikr.com/index.php.
[6] مجموع فتاوى ابن تيميَّة، تقي الدين ابن تيميَّة، مجمع الملك فهد، سنة النشر: 1416هـ - 1995م http://www.islamweb.net/ .

[7] هذا من الناحية الثقافيَّة والاجتماعيَّة؛ لأنه لَم يتعلَّم اللغة، ولَم يتعلَّم قواعد المجتمع، وأساليبه، وأنماط التفاعلات، وهذا هو ما نَقصده من قولنا: إنه صفحة بيضاء.
أمَّا من الناحية النمائيَّة، "فيُولَد مزوَّدًا بقدرات فطريَّة على الإتيان بمنعكسات كثيرة، فيُغمض عينيه إذا ظهَر ضوء قوي مفاجئ؛ حفاظًا على شبكيَّة العين من التَّلف، ويَسعل إذا دخَلت قطرات الحليب إلى قصبته الهوائيَّة، ويَعطس إذا صَعِدت القطرات إلى أنفه، ويُطبق بقبضة يده على كلِّ ما يُلامس راحة يده؛ ليُنشِّط الدورة الدموية في تلك المناطق المتطرِّفة من جسمه، ويَفعل ما يُشبه ذلك في أَخمَص قَدميه، وكل تلك الحركات غير الإراديَّة يأتي بها فورَ ولادته، دون أن يتعلَّم من أحدٍ، كما يُولد مزوَّدًا بالقدرة على مصِّ الحليب من الثدي، ثم بَلْعه، وهذان فعلان منفصلان تَشترك فيهما عضلات كثيرة دون سابق تعلُّم؛ الأستاذ الدكتور علي نبيل محمود؛ ما يقوله علم النفس عن سنوات الطفولة عن موقع http://www.feedo.net/ بتصرُّف.

[8] موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين؛ الشيخ محمد جمال الدين القاسمي، دار الكتب العلمية، سنة النشر: 1415 هـ - 1995م، ص: (185).





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 84.18 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 82.29 كيلو بايت... تم توفير 1.89 كيلو بايت...بمعدل (2.25%)]