جنة الخلد - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         همسة في آذان الشباب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          من آداب الدعاء... إثبـــات الحمـــد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          واحة الفرقان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 13 - عددالزوار : 3015 )           »          الاستعمار وأساليبه في تمكين الاستشراق الحلقة الرابعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 17 - عددالزوار : 609 )           »          قواعد عقاب الطفل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          العمل التطوعي.. أسسه ومهاراته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 45 )           »          الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 55 - عددالزوار : 15795 )           »          توجيهات منهجية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          القاعدة الأوفى في الأسماء الحسنى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 24-02-2020, 10:18 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,333
الدولة : Egypt
افتراضي جنة الخلد

جنة الخلد (1)








الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل








الحمد لله الغني الكريم؛ جعل جنَّة الخُلْد جزاء للمؤمنين، ورفع فيها درجات المقرَّبين، ورغَّب فيها البشر أجمعين، فمن أطاعه فبرحمته يستحقُّها، ومن كفر به أُبعِد عنها، نحمده على ما خلق وهدى، ونشكره على ما أعطى واجتبى.





وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ﴿ لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا ﴾ [الفرقان: 2]، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله؛ دعا إلى الإيمان والعمل الصالح؛ ليُنقِذ الناس من النار ويدخلهم الجنة إلاَّ مَن أبى، فمن أطاعه دخل الجنة، ومن عصاه فقد أبى، صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدِّين.





أمَّا بعد:


فاتقوا الله - تعالى - وأطيعوه؛ فإنَّ جزاء ذلك جنَّةٌ عَرْضُها السَّموات والأرض ﴿ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ﴾ [آل عمران: 15].





أيها الناس:


حين جعل الله - تعالى - الدنيا دار ابتلاء وعمل، وحفَّها بالشهوات المُشاهَدة المحسوسة، وجعل الآخرة دار جزاء وقرار، وهي غيْبٌ أخبرنا عنه؛ فإنَّما ذلك لِيظهر مَن يؤمن بالغيب الموعود، ويقدِّمه على المشاهَد المحسوس، فيخاف وعيد الله - تعالى - في الآخرة، ويرجو وعده، ويعيش دنياه على وفق ذلك.





إنَّ مَن آمن بالحياة الباقية، وعَمِل للآجلة، وجعل غايته الدَّار الآخرة، ولم يستعجل اللَّذَّة العابرة، والشهوة الزائلة، ولا اغترَّ بالحياة الفانية؛ فإنَّ جزاءه جنَّة عرضها السَّماء والأرض، فيها ما لا عيْنٌ رأَت، ولا أذُن سَمِعت، ولا خطَر على قلب بشر، لا تَبْلى ثيابُهم، ولا يَفْنى شبابُهم، يَنْعمون فيها فلا يَبْأسون، ويصحُّون فلا يمرضون، ويخلدون فلا يموتون.





والكلام عن الجنَّة وما فيها من النعيم، تَطْرب له قلوبُ المؤمنين، وتشتاق له أسماع المُوقنين، فيشمِّرون عن سواعد الجدِّ والعمل في الباقيات الصالحات؛ لتحصيل أعلى المنازل والدَّرجات ﴿ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ ﴾ [القمر: 55].





والقرآن والسُّنَّة مليئان بالحديث عن الجنَّة؛ لِزَرْع اليقين في قلوب المؤمنين بحقيقتها، وتَشْنيف أسماعهم بذِكْرها، وتشويقهم لأنواع نعيمها، وحفزهم للمسابقة في أعلى درجاتها.





والحديث عن الجنَّة ونعيمها لا تفيه حقَّه الساعةُ والساعتان، ولا الخطبة والخطبتان؛ إذْ هي دار الكريم المنَّان، وجزاء الرحيم الرحمن، وهبَها للمؤمنين برحمته، وجعل الإيمان والعمل الصالح سببًا يوصل إليها، وليس ثمنًا لها، ﴿ تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا ﴾ [مريم: 63]، ﴿ وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾[الزخرف: 72]، ﴿ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى ﴾ [طه: 76].





ومن نعيم الجَنَّة ما فيها من أنهار تَجْري، وعيون تتفجَّر، وأنهار الدُّنيا وعيونها مع كثرتها، وعذوبة مائها، وطيب هوائها - ليست شيئًا يُذْكَر عند أنهار الجنة وعيونها، ومع ذلك فإنَّ أنهار الدُّنيا وعيونها قد سلَبَت الألبابَ بِجَمالها، وأشعلت الحروب لحيازتها، وعمرت بالسَّاكنين جنباتها، وأثمن ما في الأرض ما كان على حافة نهرٍ، أو نبعت فيه عين، وأغلى ما يُكترى من المنتجعات ما كان على شواطئ البحار وحواف الأنهار؛ لأَسْر منظرها، وجمال مَشْهدها، وطيب هوائها، وراحة النَّفْس فيها، وما زال الناس قديمًا وحديثًا يستجمُّون في سواحل البحار والأنهار، وإذا هطل المطر وحلَّ الربيع في الأراضي الصحراوية، خرج الناس لرؤية الوديان والشِّعاب وهي تجري بالماء، وخيَّموا حول الغدران والقيعان للتمتُّع بمنظر الخضرة والماء.





بل إن فرعون حين غشَّ الرعيَّة، وادَّعى الرُّبوبية؛ استدلَّ بجريان الأنهار من تحت قَصْره على سَعة مُلْكِه وقُدْرَته؛ مخادَعةً لقومه، ولولا ما في النُّفوس البشرية من محَبَّة ذلك، والاستدلال به على النَّعيم، لمَا استدل به فرعون اللئيم، الذي كفر نعمة الله - تعالى - إذْ رزقه، وهتك ستر نفسه حين ستَره؛ ﴿ وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾ [الزخرف: 51].





والله - تعالى - خالِقُ البشَر، وهو - سبحانه - يعلم جبِلَّتَهم في تمتُّعِهم برؤية الماء وجريانه؛ ولِذَا وعَدَهم على إيمانِهم وعمَلِهم الصالحِ جنَّاتٍ تجري من تحتها الأنهار في نحو من أربعين موضعًا في القرآن الكريم، ﴿ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ﴾ [البقرة: 25]، ﴿ لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ﴾ [الزمر: 20]، ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ ﴾ [القمر: 54].





والأصل أن الأنهار تجري بالماء، وماء الجنة ليس كماء الدُّنيا عذوبةً وصفاء، ولذَّة ونفعًا، وفي الجنة أنهار أخرى على غير ما عَهِدَ البشر وعرَفوا، وهي المذكورة في قول الله - تعالى -: ﴿ مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى ﴾ [محمد: 15].





فذَكَر - سبحانه - هذه الأجناس الأربعة، ونفى عن كلِّ واحد منها الآفةَ التي تَعْرض له في الدنيا؛ فآفة الماء أن يَأْسَن من طول مُكْثه، وآفة اللَّبَن أن يتغيَّر طعمه إلى الحُموضة، وآفة الخمر كراهة مَذاقِها، وآفة العسَل عدم تصفيته، وهذا من آيات الرَّبِّ - تعالى - أن تجري أنهارٌ من أجناس لم تَجْر العادة في الدنيا بإجرائها، ويُجْريها في غير أُخْدود، وينفي عنها الآفات التي تمنع كمال اللَّذَّة بها.





وهذه الأنهار الأربعة جاء ذِكْرها في حديث معاوية بن حيدة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلَّم - قال: ((إن في الْجنة بحرَ الماء، وبحْر العسل، وبحر اللبن، وبحر الخمْر، ثم تشقق الأنْهار بعْدُ))؛ رواه الترمذي وقال: حسنٌ صحيحٌ.





فتأملوا - رحمكم الله تعالى - اجتماع هذه الأنهار الأربعة، التي هي أفضل أشْرِبة الناس؛ فنَهْر الماء لشربهم وطهورهم، ونهر اللَّبَن لقوَّتهِم وغذائهم، ونهر الخمر للذَّتهِم وسرورهم، ونهر العسل لشفائهم ومنفعتهم، وثبت في الصحيح أن أنهار الجنة تتفجَّر من أعلاها، من الفردوس الأعلى من الجنة، وتنحدر إلى باقي درجاتها؛ كما قال النبي - صلى الله عليه وسلَّم - : ((إن في الجنَّة مائة درجةٍ أعدها الله للمُجاهدين في سبيله، كل درجتيْن ما بيْنهما كما بين السماء والأرْض، فإذا سألْتم الله فسَلُوه الفرْدَوْس؛ فإنه أوْسط الْجنَّة وأعْلى الْجنة، وفوْقه عرْش الرحمن، ومنْه تفَجَّرُ أنْهار الجنة))؛ رواه البخاري.





والكوثر نهر النبي - صلى الله عليه وسلَّم - أنعم الله - تعالى - به عليه؛ ﴿ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ﴾ [الكوثر: 1]، ويصبُّ في حوضه - صلى الله عليه وسلَّم - يوم القيامة، فيَسْقي منه النبيُّ - صلى الله عليه وسلَّم - مَن لم يُبدِّل ولم يغيِّر من أمته، وقد رآه النبيُّ - صلى الله عليه وسلَّم - ليلة المعراج في الجَنَّة، فوصفه قائلاً: ((بيْنما أنا أسير في الجنَّة، إذا أنا بنهرٍ حافتاه قباب الدُّر المجوف، قلتُ: ما هذا يا جبْريل؟ قال: هذا الكوْثر الذي أعْطاك ربُّك، فإذا طينه - أو طيبه - مسْكٌ أذْفر))، وفي رواية: ((شاطئاه عليه درٌّ مجوفٌ، آنيته كعدد النجوم))، وفي رواية: ((عليه قصْرٌ من لؤْلؤٍ وزبرْجدٍ، فضرب يده فإذا هو مسْكٌ أذْفر، قال: ما هذا يا جبْريل؟ قال: هذا الكوْثر الذي خبَّأ لك ربُّك))؛ رواه البخاري.





نسأل الله تعالى أن يدخلنا الجنة برحمته، وأن يُعينَنا على عمل أهلها، وأن يُجنِّبنا أسباب حرمانها، إنه سميع مُجيب.





أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا ﴾ [النساء: 57].





بارك الله لي ولكم....





الخطبة الثانية





الحمد لله حمدًا طيِّبًا كثيرًا مباركًا فيه، كما يحب ربُّنا ويرضى، نحمده، فله الحمد في الآخرة والأُولى، ونستغفره لذنوبنا، فمن يَغْفر الذُّنوب إلاَّ الله؟ وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.





أمَّا بعد:


فاتقوا الله - تعالى - وأَطْيعوه؛ فإنَّ أهل التقوى مَوْعودون بالأمن التامِّ، والنعيم الدائم الذي لا يحوَّل ولا يزول، ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ * فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ * كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ * يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ * لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [الدخان: 51 - 57].





أيُّها الناس:


إنَّ في الجنة عيونًا كثيرة تتفجَّر لأهلها، فينعمون بها، ويشربون منها: ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ﴾ [الحجر: 45]، وفي آية أخرى: ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ ﴾ [المرسلات: 41].





وللسابقين المقرَّبين من عباد الله - تعالى - جنَّتان: ﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾ [الرَّحمن: 46]، وفي هاتين الجنتين عينان: ﴿ فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ ﴾ [الرَّحمن: 50]، ولهم تفجيرها في أيِّ مكان أرادوا من الجنة؛ في قصورهم، ودورهم، وخارجها: ﴿ إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ الله يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا ﴾ [الإنسان: 5 - 6]؛ أيْ: يفجِّرونها حيث كانوا، ومتى شاؤوا، فتنبع لهم كما أرادوا، ولهم عين السَّلسبيل، سُمِّيت بذلك؛ لسلاسة سيلها، وحِدَّة جريها، وعذوبة شرابها: ﴿ وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلاً * عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً ﴾ [الإنسان: 17 - 18]، وفي آيات أخرى: ﴿ وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا المُقَرَّبُونَ ﴾ [المطَّففين: 27 - 28]، قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: "تسنيم أشرف شراب أهل الجنة، وهو صِرْفٌ للمقربين، ويمزج لأصحاب اليمين".





ولأصحاب اليمين جنَّتان أقل منهما، وليس في الجنة قليل؛ ﴿ وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ ﴾ [الرَّحمن: 62]، وفيهما أيضًا عينان: ﴿ فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ ﴾ [الرَّحمن: 66]؛ أيْ: فوَّارتان بالماء لا تنقطعان.





أيها الإخوة:


مَن رأى نعيم الدُّنيا، وتمنَّى عيونها وأنهارها، ومتَّع ناظِرَيه بِجَريان مائها، وجَمال خضرتها، وبهاء نضرتها؛ فليعلم أن الله - تعالى - قد أعَدَّ لعباده في الجنة ما هو أعظم من ذلك وأكمل وأكثر، خالدين فيها أبدًا، يستحقُّه برحمة الله - تعالى - وفضْلِه وإحسانه مَن حقَّق الإيمان، وأتبعه بالعمل الصالح، وجانَبَ المحرَّمات، وسابق في الخيرات، ونافس في الباقيات الصالحات، وكلما كان العبد أكثر إيمانًا وعملاً كان فوزُه في الجنة أكبر، وملكه أعظم؛ ﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا ﴾ [الإنسان: 20]، ﴿ سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِالله وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ الله يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الفَضْلِ العَظِيمِ ﴾ [الحديد: 21].





وصلُّوا وسلِّموا على نبيكم.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 24-02-2020, 10:18 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,333
الدولة : Egypt
افتراضي رد: جنة الخلد

جنة الخلد (2)

الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل


تربة الجنة وأشجارها


الحمد لله الجواد الكريم، البر الرحيم؛ جعل الجنة دار المتقين، ورغبهم فيها بالحور العين، وكملها بأنواع النعيم ﴿ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ ﴾ [الزخرف: 71] نحمده على وافر نعمه، ونشكره على جزيل مننه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ وعد من آمن وعمل صالحاً بنعيم مقيم، وملك كبير، لا يزول ولا يحول، ﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا ﴾ [الإنسان: 20] وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ بشر أمته بنعيم الجنة فقال «كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَنْ يَأْبَى؟ قَالَ: «مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الجَنَّة وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى» صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.

أما بعد: فأوصي نفسي وإياكم بتقوى الله تعالى في السر والعلن، والمنشط والمكره، وإتباع العلم العمل؛ فإن الدنيا تزول، ولا يبقى للعبد منها إلا ما عمل فيها، وإن تقوى الله تعالى طريق الولاية والفوز والسعادة ﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾[يونس: 62 - 64].

أيها الناس:
الحديث عن الجنة حديث عذب طيب، تحبه قلوب المؤمنين، وتستروح به أنفس المتقين، ويزيل كروب المهمومين، ويزيد يقين الموقنين، ويشد صبر الصابرين. إنه عدة المؤمنين في ابتلاءات السراء والضراء؛ ففي السراء لا يغتر ولا يبطر؛ لأن وراءه داراً لا يدخلها أهل البطر والغرور، وفي الضراء لا يجزع لعلمه أن الدنيا ليست نهاية المطاف؛ فثمة قبر وبعث وحساب وجزاء.

إنه حديث عن دار لا دار مثلها، وعن نعيم لم تره الأبصار، ولم تسمع به الآذان، ولا يرد في الخيال، فمهما جال العبد بفكره في نعيم يتمناه، ولذة يطلبها، وسعادة ينشدها؛ فإن نعيم الجنة أعظم وأكمل وأكبر مما تخيل ومما تمنى.

والحديث عن الجنة حديث طويل ذو شجون؛ لكثرة ما ورد فيها النصوص. وفي الجنة تربة وأشجار وظلال، فما تربتها؟ وما أشجارها؟ وما طول ظلالها؟ كل ذلك جاء في القرآن والسنة ليشتاق قارئ القرآن والحديث ومستمعهما إلى الجنة فيعمل بما يوصله إليها، ويجتنب ما يباعده عنها.

وتربة الجنة أنواع من الطيب كما جاء في الأحاديث؛ ففي حديث أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه، أَنَّ ابْنَ صَيَّادٍ، سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ تُرْبَةِ الْجَنَّةِ؟ فَقَالَ: «دَرْمَكَةٌ بَيْضَاءُ مِسْكٌ خَالِصٌ» رواه مسلم.

قَالَ الْعُلَمَاءُ: مَعْنَاهُ أَنَّهَا فِي الْبَيَاضِ دَرْمَكَةٌ، وَفِي الطِّيبِ مِسْكٌ وَالدَّرْمَكُ هُوَ الدَّقِيقُ الْحَوَارِيُّ الْخَالِصُ الْبَيَاضُ.

وفي حديث الإسراء قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ثُمَّ أُدْخِلْتُ الجَنَّةَ، فَإِذَا فِيهَا جَنَابِذُ اللُّؤْلُؤِ، وَإِذَا تُرَابُهَا المِسْكُ " متفق عليه.

واشتاق الصحابة رضي الله عنهم يوما إلى حديث الجنة فقالوا: يَا رَسُولَ اللهِ، حَدِّثْنَا عَنِ الْجَنَّةِ، مَا بِنَاؤُهَا؟ قَالَ: " لَبِنَةُ ذَهَبٍ وَلَبِنَةُ فِضَّةٍ، وَمِلَاطُهَا الْمِسْكُ الْأَذْفَرُ، وَحَصْبَاؤُهَا اللُّؤْلُؤُ وَالْيَاقُوتُ، وَتُرَابُهَا الزَّعْفَرَانُ" رواه أحمد وصححه ابن حبان.

وأهل الجنة ينعمون في ظلالها ﴿ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا ﴾ [النساء: 57] ﴿ هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ ﴾ [يس: 56]﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ ﴾ [المرسلات: 41].

وظلال الشيء على مقدار حجمه، وظلال الجنة متسعة لعظم أشجارها وضخامتها، وما سميت الجنة جنة إلا لكثرة أشجارها، واشتداد خضرتها، ومن شجرها السدر والطلح، وثمرها في الجنة أحسن ثمر ﴿ فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ ﴾ أي: لا شوك فيه ﴿ وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ ﴾ [الواقعة: 28 - 29] أي: صفت فيه الثمار الطيبة.

عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: ... أَقْبَلَ أَعْرَابِيٌّ يَوْمًا فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ شَجَرَةً مُؤْذِيَةً وَمَا كُنْتُ أَرَى أَنَّ فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةٌ تُؤْذِي صَاحِبَهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَمَا هِيَ؟ قَالَ: السِّدْرُ فَإِنَّ لَهَا شَوْكًا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ﴿ فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ ﴾ [الواقعة: 28] يَخْضِدُ اللَّهُ شَوْكَهُ فَيُجْعَلُ مَكَانَ كُلِّ شَوْكَةٍ ثَمَرَةٌ، فَإِنَّهَا تُنْبِتُ ثَمَرًا تُفْتَقُ الثَّمَرَةُ مَعَهَا عَنِ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ لَوْنًا مَا مِنْهَا لَوْنٌ يُشْبِهُ الْآخَرَ"رواه الحاكم وصححه.

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى: إِذَا كَانَ السِّدْرُ الَّذِي فِي الدُّنْيَا، وَهُوَ لَا يُثْمِرُ إِلَّا ثَمَرَةً ضَعِيفَةً، وَهَى النَّبْقُ، وَفِيهِ شَوْكٌ كَثِيرٌ، وَالطَّلْحُ الَّذِي لَا يُرَادُ مِنْهُ إِلَّا الظِّلُّ فِي الدُّنْيَا، يَكُونَانِ فِي الْجَنَّةِ فِي غَايَةِ كَثْرَةِ الثِّمَارِ وَحُسْنِهَا، حَتَّى إِنَّ الثَّمَرَةَ الْوَاحِدَةَ مِنْهَا تَتَفَتَّقُ عَنْ سَبْعِينَ نَوْعًا مِنَ الطُّعُومِ وَالْأَلْوَانِ، الَّتِي لَا يُشْبِهُ بَعْضُهَا بَعْضًا، فَمَا الظَّنُّ بِثِمَارِ الْأَشْجَارِ الَّتِي تَكُونُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةَ الثِّمَارِ، طَيِّبَةَ الرَّائِحَةِ، سَهْلَةَ التَّنَاوُلِ. اهـ.

ودونكم -أيها الإخوة- هذا الحديث العجيب في شجرة واحدة من أشجار الجنة؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ فِي الجَنَّةِ شَجَرَةً، يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ، لاَ يَقْطَعُهَا، وَاقْرَؤوا إِنْ شِئْتُمْ: ﴿ وَظِلٍّ مَمْدُودٍ ﴾ [الواقعة: 30]» رواه الشيخان، وفي حديث آخر لهما «إِنَّ فِي الجَنَّةِ لَشَجَرَةً، يَسِيرُ الرَّاكِبُ الجَوَادَ المُضَمَّرَ السَّرِيعَ مِائَةَ عَامٍ مَا يَقْطَعُهَا».

وَالجَوَادُ الْمُضَمَّرُ هو الَّذِي حبس عنه الطعام لِيَشْتَدَّ جَرْيُهُ.

يا لعظمة الله تعالى، وعظمة ما أعد لأهل الجنة. إن هذه الشجرة الواحدة فيها وبحساب سرعة الخيل في مائة عام تظلل مساحة بحجم الأرض ثلاثة آلاف مرة على الأقل.

وفي حديث آخر تهرم الجذعة من الإبل وهي تسير في أصل شجرة واحدة من أشجار الجنة فلا تحيط به، وهو ما رواه عُتْبَةُ بْنُ عَبْدٍ السُّلَمِيُّ رضي الله عنه، يَقُولُ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَنِ الْحَوْضِ، وَذَكَرَ الْجَنَّةَ، ثُمَّ قَالَ الْأَعْرَابِيُّ: فِيهَا فَاكِهَةٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَفِيهَا شَجَرَةٌ تُدْعَى طُوبَى، فَذَكَرَ شَيْئًا لَا أَدْرِي مَا هُوَ؟ قَالَ: أَيُّ شَجَرِ أَرْضِنَا تُشْبِهُ؟ قَالَ: لَيْسَتْ تُشْبِهُ شَيْئًا مِنْ شَجَرِ أَرْضِكَ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتَيْتَ الشَّامَ؟ فَقَالَ: لَا، قَالَ: تُشْبِهُ شَجَرَةً بِالشَّامِ تُدْعَى الْجَوْزَةُ، تَنْبُتُ عَلَى سَاقٍ وَاحِدٍ، وَيَنْفَرِشُ أَعْلَاهَا، قَالَ: مَا عِظَمُ أَصْلِهَا؟ قَالَ: لَوْ ارْتَحَلَتْ جَذَعَةٌ مِنْ إِبِلِ أَهْلِكَ، مَا أَحَاطَتْ بِأَصْلِهَا حَتَّى تَنْكَسِرَ تَرْقُوَتُهَا هَرَمًا، قَالَ: فِيهَا عِنَبٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَمَا عِظَمُ الْعُنْقُودِ؟ قَالَ: مَسِيرَةُ شَهْرٍ لِلْغُرَابِ الْأَبْقَعِ، وَلَا يَفْتُرُ، قَالَ: فَمَا عِظَمُ الْحَبَّةِ؟ قَالَ: هَلْ ذَبَحَ أَبُوكَ تَيْسًا مِنْ غَنَمِهِ قَطُّ عَظِيمًا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَسَلَخَ إِهَابَهُ فَأَعْطَاهُ أُمَّكَ، قَالَ: اتَّخِذِي لَنَا مِنْهُ دَلْوًا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ الْأَعْرَابِيُّ: فَإِنَّ تِلْكَ الْحَبَّةَ لَتُشْبِعُنِي وَأَهْلَ بَيْتِي؟ قَالَ: نَعَمْ وَعَامَّةَ عَشِيرَتِكَ" رواه أحمد، وفي حديث آخر أن الْحَبَّةُ مِنَ الْعِنَبِ كَأَعْظَمِ دَلْوٍ.

وأشهر شجرة في الجنة سدرة المنتهى، وجاء وصفها في السنة بما يأخذ الألباب؛ ففي حديث الإسراء والمعراج قال النبي صلى الله عليه وسلم: ثُمَّ انْطَلَقَ بِي جِبْرِيلُ حَتَّى نَأْتِيَ سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى فَغَشِيَهَا أَلْوَانٌ لَا أَدْرِي مَا هِيَ رواه مسلم، وفي رواية للبخاري: وَرُفِعَتْ لِي سِدْرَةُ المُنْتَهَى، فَإِذَا نَبِقُهَا كَأَنَّهُ قِلاَلُ هَجَرَ- يُرِيدُ: أَنَّ ثَمَرَهَا فِي الْكُبْرِ مِثْلُ الْقِلَالِ- وَوَرَقُهَا كَأَنَّهُ آذَانُ الفُيُولِ، فِي أَصْلِهَا أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ نَهْرَانِ بَاطِنَانِ، وَنَهْرَانِ ظَاهِرَانِ. وَفي رواية لِمُسْلِمٍ: يَخْرُجُ مِنْ أَصْلِهَا أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ. . وفي رواية أحمد: "فَلَمَّا غَشِيَهَا مِنْ أَمْرِ اللهِ مَا غَشِيَهَا تَغَيَّرَتْ، فَمَا أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللهِ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَصِفَهَا مِنْ حُسْنِهَا".

فلنتخيل شجرة ينبع من أصلها أربعة أنهار، وقد غشيها من نور الله تعالى ما زادها حسنا على حسنها، وثمارها كالقلال الكبيرة. فما حجم هذه الشجرة؟ وما مساحة ظلها؟ وما مقدار جمالها وحسنها؟

إنها لا توصف، وقد قال من رآها صلى الله عليه وسلم: "فَمَا أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللهِ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَصِفَهَا مِنْ حُسْنِهَا"

إن الله تعالى وصف جنتين من جناته فقال سبحانه ﴿ ذَوَاتَا أَفْنَانٍ ﴾ [الرحمن: 48] أَيْ: أَغْصَانٍ نَضِرَة حَسَنَةٍ، تَحْمِلُ مِنْ كُلِّ ثَمَرَةٍ نَضِيجَةٍ فَائِقَةٍ، قال عَطَاءٌ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: فِي كُلِّ غُصْنٍ فُنُونٌ مِنَ الْفَاكِهَةِ.

ووصف جنتين أخريين بأنهما ﴿ مُدْهَامَّتَانِ ﴾ {الرَّحمن: 64} وَهو وصْفٌ مُشْتَقٌّ مِنَ الدُّهْمَةِ وَهِيَ لَوْنُ السَّوَادِ. وَهو مُبَالَغَةٌ فِي شِدَّةِ خُضْرَةِ أَشْجَارِهِمَا حَتَّى تَكُونَا بِالْتِفَافِ أَشْجَارِهَا وَقُوَّةِ خُضْرَتِهَا كَالسَّوْدَاوَيْنِ؛ لِأَنَّ الشَّجَرَ إِذا كَانَ ريّانَ اشْتَدَّتْ خُضْرَةُ أَوْرَاقِهِ حَتَّى تَقْرُبَ مِنَ السَّوَادِ، وأخبر سبحانه عن احتواء هاتين الجنتين على أشجار الفواكه والنخيل ﴿ فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ ﴾ {الرَّحمن: 68}.

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: "نَخْلُ الْجَنَّةِ جُذُوعُهَا زُمُرُّدٌ أَخْضَرُ، وَكَرَانِيفُهَا –أي كَرَبُهَا- ذَهَبٌ أَحْمَرُ، وَسَعَفُهَا كِسْوَةٌ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ، مِنْهَا مُقَطَّعَاتُهُمْ وَحُلَلُهُمْ، وَثَمَرُهَا أَمْثَالُ الْقِلَالِ أَوِ الدِّلَاءِ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ، وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ، وَأَلْيَنُ مِنَ الزُّبْدِ، وَلَيْسَ لَهَا عَجْمٌ" رواه الحاكم وصححه. وفي حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا فِي الجَنَّةِ شَجَرَةٌ إِلَّا وَسَاقُهَا مِنْ ذَهَبٍ» رواه الترمذي وقال: حسن غريب.

فمن أحب نخيل الدنيا وأشجارها وخضرتها وظلها وثمرها، فغرسها في بيته، أو بستانه، أو مزرعته، وتمتع بجمالها، وتفيأ ظلالها، وتلذذ بثمرها، فعليه أن يتذكر الجنة وأشجارها وظلالها وثمرها، وأنواع النعيم فيها، فيعمل لها، ويجد في طلبها بالإيمان والعمل الصالح.

نسأل الله تعالى أن ينعمنا بأشجار الجنة، اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، لنا ولوالدينا وأهلنا وذرياتنا ومن أحببنا من عبادك المؤمنين.

وأقول قولي هذا وأستغفر الله....

الخطبة الثانية
الحمد لله حمداً طيباً كثيرًا مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

أما بعد:
فاتقوا الله تعالى وأطيعوه؛ فإن جزاء التقوى رضوان من الله تعالى وجنات فيها نعيم مقيم ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ {آل عمران: 133}.

أيها المسلمون:
قد يشتهي بعض أهل الجنة أن يباشر الزرع بنفسه، ولو كان كل ما يشتهي أمامه، كما جاء في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَوْمًا يُحَدِّثُ، وَعِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ البَادِيَةِ: "أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ اسْتَأْذَنَ رَبَّهُ فِي الزَّرْعِ، فَقَالَ لَهُ: أَلَسْتَ فِيمَا شِئْتَ؟ قَالَ: بَلَى، وَلَكِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَزْرَعَ، قَالَ: فَبَذَرَ، فَبَادَرَ الطَّرْفَ نَبَاتُهُ وَاسْتِوَاؤُهُ وَاسْتِحْصَادُهُ، فَكَانَ أَمْثَالَ الجِبَالِ، فَيَقُولُ اللَّهُ: دُونَكَ يَا ابْنَ آدَمَ، فَإِنَّهُ لاَ يُشْبِعُكَ شَيْءٌ... رواه البخاري.

وإذا أراد المؤمن أن يغرس أشجاره في الجنة وهو لا يزال في حياته الدنيا فعليه بالذكر؛ فإن الأحاديث دلت على أن الذكر هو غراس الجنة؛ فعن ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "لَقِيتُ إِبْرَاهِيمَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَقْرِئْ أُمَّتَكَ مِنِّي السَّلَامَ وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ الجَنَّةَ طَيِّبَةُ التُّرْبَةِ عَذْبَةُ المَاءِ، وَأَنَّهَا قِيعَانٌ، وَأَنَّ غِرَاسَهَا سُبْحَانَ اللَّهِ وَالحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ" رواه الترمذي وحسنه.

إنها وصية أبينا الخليل عليه السلام الناصح لنا، نقلها إلينا نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، وهو المشفق علينا، يخبرنا فيها بطيب تربة الجنة، وعذوبة مائها، ويعلمنا أن الذكر هو غراسها.

ومرَّ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ يَغْرِسُ غَرْسًا، فَقَالَ: «يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، مَا الَّذِي تَغْرِسُ؟» قُلْتُ: غِرَاسًا لِي، قَالَ: «أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى غِرَاسٍ خَيْرٍ لَكَ مِنْ هَذَا؟» قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: " قُلْ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، يُغْرَسْ لَكَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ شَجَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ" رواه ابن ماجه.

وعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ العَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ، غُرِسَتْ لَهُ نَخْلَةٌ فِي الجَنَّةِ " رواه الترمذي وقال: حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ.

ذلكم -عباد الله- شيء من الحديث عن تربة الجنة وشجرها، لعل قلوبنا تلين من قسوتها، وتتنبه من غفلتها، وتشتاق إلى جنة ربها، فتجد في العمل لها، وما يقرب منها، وتباعد عما يكون سببا في الحرمان من الجنة وبساتينها وأشجارها وخضرتها وأنواع النعيم فيها. ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ * وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾ [المرسلات: 41 - 44].

وصلوا وسلموا على نبيكم...


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 85.56 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 83.22 كيلو بايت... تم توفير 2.34 كيلو بايت...بمعدل (2.74%)]