مختصر الكلام على بلوغ المرام - الصفحة 7 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4417 - عددالزوار : 853350 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3948 - عددالزوار : 388522 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12522 - عددالزوار : 213997 )           »          أطفالنا والمواقف الدموية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 45 )           »          عشر همسات مع بداية العام الهجري الجديد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »          وصية عمر بن الخطاب لجنوده (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 53 )           »          المستقبل للإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 58 )           »          انفروا خفافاً وثقالاً (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 56 )           »          أثر الهجرة في التشريع الإسلامي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          مضار التدخين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > فتاوى وأحكام منوعة

فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #61  
قديم 28-02-2020, 03:25 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مختصر الكلام على بلوغ المرام

مختصر الكلام على بلوغ المرام(52)
الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك




( أبواب: اللِّعَانِ، الْعِدَّةِ وَالإِحْدَادِ، الرِّضَاعِ )


بابُ اللِّعَانِ

1054- عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قالَ: "سَأَلَ فُلانٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله أَرَأَيْتَ أنْ لَوْ وَجَدَ أَحَدُنَا امْرَأَتَهُ عَلى فَاحِشةٍ كَيْفَ يَصْنَعُ؟ إنْ تَكَلّمَ تَكَلّمَ بأَمْرٍ عَظيمٍ وإنْ سَكَتَ سَكَتَ عَلى مِثْلِ ذلِكَ؟ فَلَمْ يُجِبْهُ، فَلَمّا كانَ بَعْدَ ذلِكَ أَتَاه فَقَالَ: إنَّ الذي سَأَلْتُكَ عَنْهُ قَدِ ابْتُلِيتُ بِهِ، فَأَنْزَلَ الله الآياتِ في سُورَةِ النورِ فَتَلاهُنَّ عَلَيْهِ وَوَعَظَهُ وَذَكّرَهُ وأخْبَرْهُ أنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذابِ الآخِرَةِ، قَالَ: لا والذي بَعَثَك بالْحَقِّ مَا كَذَبْتُ عَلَيْهَا، ثمَّ دَعَاهَا فَوَعَظَهَا كَذَلكَ، قَالَتْ: لا وَالّذي بَعَثَكَ بالْحَقِّ إنّهُ لَكَاذِبٌ، فَبَدَأ بالرَّجُلِ فشهد أرْبَعَ شَهَاداتٍ بالله، ثمَّ ثَنّى بالْمَرْأَةِ ثمَّ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا" رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

الأصل في اللعان قول الله تعالى: ï´؟ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلاَّ أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ * وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ * وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ * وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ ï´¾ [النور: 6-9]. وخصت المرأة بالغضب لعظم ذنبها إن كانت كاذبة لما فيه من تلويث الفراش، والتعرض لإلحاق من ليس من الزوج به. والحكمة في مشروعية اللعان دفع الحد عن الزوج والزوجة.

1055- وَعَنْهُ - رضي الله عنه - أنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لِلْمُتَلاعِنَيْنِ: "حِسَابُكُمَا عَلى الله، أَحَدُكُمَا كَاذِبٌ، لا سَبِيلَ لكَ عَلَيْهَا" قَالَ: يَا رَسُولَ الله مَالي؟ فَقَالَ: "إنْ كُنْتَ صَدَقْتَ عَلَيْهَا فَهُوَ بمَا اسْتَحْلَلْتَ مِنْ فَرْجِهَا، وإنْ كُنْتَ كَذَبْتَ عَلَيْهَا فَذاكَ أَبْعَدُ لكَ مِنْهَا" مُتّفقٌ عَلَيُهِ.

الحديث أفاد ما سلف من الفراق بين المتلاعنين، وأن أحدهما كاذب في الأمر نفسه، وأن الزوج لا يرجع بشيء من الصداق لأنه قد وطئها.

1056- وَعَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - أَنَّ النّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "أبصِرُوهَا فإنْ جَاءَتْ بِهِ أَبْيَضَ سَبِطًا فَهُوَ لِزَوْجِهَا، وإنْ جَاءَتْ بِهِ أَكْحَل جَعْدًا فَهُوَ للّذي رَمَاهَا بِهِ" مُتّفَقٌ عَلَيْهِ.

وفي رواية لهما: (فجاء به على النعت المكروه)، والحديث دليل على أن يصح اللعان للمرأة الحامل، وعلى أنه ينتفي الولد باللعان، وفيه دليل على العمل بالقيافة، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: (لولا الأيمان لكان لي ولها شأن)، قال في الإفصاح: واختلفوا هل يصح اللعان لنفي الحمل قبل وضعه، فقال أبو حنيفة وأحمد: إذا نفى حمل امرأته فلا لعان بينهما ولا ينفى عنه، فإذا قذفها بصريح الزنا لاعن للقذف ولم ينف نسب الولد، وسواء ولدته لستة أشهر أو لأقل منها، وقال مالك والشافعي: يلاعن لنفي الحمل، إلا أن مالكًا يشترط في ذلك أن يكون استبرأ بحيضة أو ثلاث حيض على خلاف من مذهبه بين أصحابه، انتهى، قال الشوكاني: وإذا كانت حاملًا، أو كانت قد وضعت أدخل نفي الولد في أيمانه.

1057- وَعَنِ ابنِ عَبّاسٍ - رضي الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عِنْدَ الْخَامِسَةِ عَلى فِيِهِ وَقَالَ: "إنّهَا المُوجِبَةُ"؛ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد والنَّسَائِيُّ، وَرجَالُه ثِقَاتٌ.

الحديث دليل على أنه يشرع من الحاكم المبالغة في منع الحلف خشية أن يكون كاذبًا وقوله: (إنها الموجبة) أي للفرقة ولعذاب الكاذب.

1058- وَعَنْ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ - رضي الله عنه - -في قِصّةِ الْمُتلاعِنَيْنِ- قالَ: "فَلَمّا فَرَغَا مِنْ تَلاعُنِهِمَا قَال: كَذَبْتُ عَلَيْهَا يا رَسُولَ الله إنْ أَمْسَكْتُهَا، فَطَلّقَهَا ثَلاثًا قَبْلَ أنْ يَأمُرَهُ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -" مُتّفَقٌ عَلَيْهِ.

طلاقه إياها تأكيد للتحريم الواقع، قال في الإفصاح: واتفقوا على أن فرقة التلاعن واقعة، ثم اختلفوا بماذا يقع؟ فقال أبو حنيفة وأحمد في أظهر روايتيه: لا يقع إلا بلعانهما وحكم الحاكم، وقال مالك: يقع بلعانهما خاصة وهي رواية عن أحمد أيضًا، وقال الشافعي: يقع بلعان الزوج خاصة، واختلفوا هل فرقة اللعان فسخ أو طلاق؟ فقال أبو حنيفة هي طلاق، وقال مالك والشافعي وأحمد: هي فسخ.

1059- وَعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ - رضي الله عنهما - أنّ رَجُلًا جَاءَ إلى النّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: إنَّ امْرَأَتي لا تَرُدُّ يَدَ لامِسٍ، قالَ: "غَرِّبْهَا" قَالَ: أَخَافُ أَنْ تَتْبَعَهَا نَفْسيِ، قالَ: "فَاسْتَمتعْ بِهَا" رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ والترمذيُّ والبَزَّارُ وَرجالُه ثِقَات، وَأَخْرَجَهُ النّسائيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابنِ عَبّاسٍ بِلَفْظٍ آخر قَالَ: "طَلِقْهَا" قالَ: لا أَصْبِرُ عَنْهَا، قَالَ: "فَأَمْسِكْهَا".

(قوله: لا تردّ يد لامس) أي سهلة ليس فيها نفور وحشمة عن الأجانب، وليس المراد أنها تأتي الفاحشة، وهذا موجود في بعض النساء مع البعد عن الفاحشة، تراها سهلة الأخلاق، لينة الكلام، فإذا طلب منها ذلك تغيرت ونفرت.

1060- وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنّهُ سَمِعَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ -حِينَ نَزَلَتْ آيَةُ الْمُتَلاعِنَيْنِ: "أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَدْخَلَتْ عَلى قَوْمٍ مَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ فَلَيْسَتْ مِن الله في شيءٍ وَلَمْ يُدْخِلْهَا الله جَنّتَهُ، وَأَيُّمَا رَجُلٍ جَحَدَ وَلَدَهُ وَهُوَ يَنْظُرُ إلَيْهِ احْتَجَبَ الله عَنْهُ، وَفَضَحَهُ عَلى رُؤوس(الخلائق) الأوَّلِينَ وَالآخرينَ" أَخْرَجَهْ أبُو دَاودَ والنَّسَائِيُ وابْنُ مَاجَهْ، وصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.

قال في المقنع: من أتت امرأته بولد يمكن كونه منه، وهو أن تأتي به بعد ستة أشهر منذ أمكن اجتماعه بها، أو لأقل من أربع سنين منذ إبانها، وهو ممن يولد لمثله لحقه نسبه وإن لم يكن كونه منه مثل أن تأتي به لأقل من ستة أشهر منذ تزوجها، أو لأكثر من أربع سنين منذ أبانها، أو أقرت بانقضاء عدتها بالقروء، ثم أتت به لأكثر من ستة أشهر بعدها، أو فارقها حاملًا فوضعت ثم أتت بآخر بعد ستة أشهر، أو مع العلم بأنه لم يجتمع بها كالتي يتزوجها بمحضر الحاكم ثم يطلقها في المجلس، أو يتزوجها وبينهما مسافة لا يصل إليها في المدة التي أتت بالولد فيها، أو يكون صبيًا له دون عشر سنين أو مقطوع الذكر والأنثيين لم يلحقه نسبه، انتهى.

1061- وَعَنْ عُمَرَ - رضي الله عنه - قالَ: "مَنْ أَقَرَّ بِوَلَدٍ طَرْفَةَ عيْنٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْفِيَهُ" أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَهُوَ حَسَنٌ مَوْقُوفٌ.

فيه دليل على أنه لا يصح النفي للولد بعد الإقرار به، وهو مجمع عليه.

1062- وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أنَّ رَجُلًا قَالَ: يا رسولَ الله إن امرأتي ولدت غُلامًا أَسْوَدَ؟ قالَ: "هَلْ لَكَ مِنْ إبِلٍ؟" قالَ: نَعَمْ، قال: "فَمَا أَلْوَانُهَا؟" قالَ: حُمْرٌ، قَالَ: "هَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ؟" قالَ: نَعَمْ، قَالَ: "فَأَنّى ذلِكَ؟" قالَ: لَعَلّهُ نَزَعَهُ عِرْقٌ، قَالَ: "فَلَعَلَّ ابْنَكَ هذَا نَزَعَهُ عِرْقٌ" متفق عَلَيْهِ، وفي روايَةِ لِمُسْلمٍ: وَهُوَ يُعَرِّضُ بأَن يَنْفِيَهُ، وقالَ في آخِرهِ: وَلَمْ يُرَخِّصْ لَهُ في الانتفاءِ مِنْهُ.

قال الخطابي: هذا القول من الرجل تعريض بالريبة كأنه يريد نفي الولد، فحكم النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن الولد للفراش، ولم يجعل خلاف الشبه واللون دلالة يجب الحكم بها، وضرب له المثل بما يوجد من اختلاف الألوان في الإبل ولقاحها واحد، وقال القرطبي: لا خلاف أنه لا يجوز نفي الولد باختلاف الألوان المتقاربة كالسمرة والأدمة، ولا في البياض والسواد إذا كان قد أقرّ بالوطء ولم تمض مدة الاستبراء انتهى، يعني إذا لم يوجد قرينة الزنا، لأنه لم يذكر في الحديث أنه معه قرينة، وإنما هو مجرد مخالفة اللون، والله أعلم.

بابُ الْعِدَّةِ وَالإِحْدَادِ

الأصل في وجوب العدة الكتاب والسنة والإجماع، والعدة: اسم لمدة تتربص بها المرأة عند التزويج بعد موت زوجها أو فراقه، والإحداد: ترك الطيب والزينة للمعتدة عن وفاة.

1063- عَنِ الْمِسْوَر بنِ مَخْرَمَة - رضي الله عنه -: "أَنَّ سُبَيْعَةَ الأسْلَمِيّةَ نُفِسَتْ بَعْدَ وَفاةِ زَوْجِهَا بِلَيَالٍ فَجَاءَتْ النّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَاسْتَأَذَنَتْهُ أنْ تَنْكِحَ، فَأَذِنَ لهَا فَنَكَحَتْ" رَوَاهُ الْبُخَاريُّ وَأَصْلَهُ في الصَّحيحَيْنِ، وفي لَفْظٍ: "أنّهَا وَضَعَتْ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بأَربعين لَيْلَةً"، وفي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ قَالَ الزُّهْريُّ: "ولا أَرَى بأسًا أنْ تزَوَّجَ وَهِيَ في دَمِهَا غَير أنّه لا يَقْرَبُها زَوْجُهَا حَتى تَطْهُرَ".

الحديث دليل على أن الحامل المتوفى عنها زوجها تنقضي عدتها بوضع الحمل، وهو قول الجمهور لهذا الحديث، ولعموم قوله تعالى: ï´؟ وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ï´¾ [الطلاق: 4]. قال ابن مسعود: نسخت هذه الآية كل عدة أجل كل حامل مطلقة أو متوفى عنها زوجها أن تضع حملها. قال النووي: قال العلماء تنقضي العدة بوضعه إذا كان فيه صورة خلقة آدمي.

1064- وَعَنْ عَائشَةَ - رضي الله عنها - قالَتْ: "أُمِرَتْ بَريرَةُ أَنْ تَعْتَدَّ بِثَلاثِ حِيَضٍ" رَوَاهُ ابنُ مَاجَهْ وَروَاتُهُ ثِقَاتٌ لكِنّهُ مَعْلُولٌ.

الحديث دليل على أن العدة تعتبر بالمرأة لا بالزوج.

1065- وَعَنِ الشّعْبي عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ - رضي الله عنها - عَنِ النّبي - صلى الله عليه وسلم - -في الْمُطَلّقَةِ ثَلاثًا-: "لَيْسَ لَهَا سُكْنى وَلا نَفَقَةٌ" رَوَاهُ مُسلِمٌ.

الحديث دليل على أن المطلقة البائن غير الحامل ليس لها نفقة ولا سكنى.

1066- وَعَنْ أُمِّ عَطيّةَ - رضي الله عنها - أنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "لا تَحِدُّ امْرَأَةٌ عَلى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاثٍ إلا عَلى زَوْجٍ أرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، وَلا تَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا، إلا ثَوْبَ عَصْبٍ، وَلا تَكْتَحِلُ وَلا تَمَسُّ طِيبًا إلا إذَا طَهُرَتْ نُبْذَةً مِنْ قُسْطٍ أَوْ أَظْفَارٍ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وهذا لفظ مسلم وَلأبي دَاوُدَ مِنَ الزِّيَادَةِ: "وَلا تَخْتَضِبُ" وللنّسائيِّ: "ولا تمْتَشِطُ".

العصب: برود يمانية يجمع غزلها ويشد، ثم يصبغ وينشز، فيبقى موشى لبقاء ما عصب منه أبيض لم يأخذه الصبغ، وفي الحديث تحريم الإحداد على غير الزوج من أب أو غيره، وجوازه ثلاثة أيام لما يغلب على النفس من لوعة الحزن، وفيه وجوب الإحداد على الزوج أربعة أشهر وعشرًا، قال البخاري وقال الزهري: لا أرى أن تقرب الصبية الطيب لأن عليها العدة، قال ابن عبدالبر: أجمع العلماء على أنه لا يجوز للحادة لبس الثياب المعصفرة ولا المصبوغة إلا ما صبغ بسواد، فرخص فيه مالك والشافعي لكونه لا يتخذ للزينة بل هو من لباس الحزن، واختلف في الحرير؛ فذهبت الشافعية في الأصح إلى المنع لها منه مطلقًا مصبوغًا أو غير مصبوغ لأنه أبيح للنساء التزين به، والحادة ممنوعة من التزين، وفي الحديث منعها من الاكتحال، وقال الجمهور يجوز للتداوي.

1067- وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: جَعَلْتُ عَلى عَيْنَيَّ صَبِرًا بَعْدَ أَنْ تَوفِّيَ أَبُو سَلَمَةَ، فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنّهُ يَشِبُّ الْوَجْهَ فَلا تَجْعَلِيهِ إلا بالليْلِ وَانْزعِيهِ بالنّهَارِ، ولا تمْتَشِطِي بالطِّيبِ وَلا بالحِنّاءٍ فإنّهُ خِضَابٌ" قُلْتُ: بِأَي شيءٍ أَمْتَشِط؟ قالَ: "بالسِّدْر" رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ والنَّسَائِيُّ، وإسْنَادُهُ حَسَنٌ.

فيه دليل على تحريم الطيب للحادة إلا ما استثنى حال طهرها من حيضها، قال النووي: القسط والأظفار: نوعان معروفان من البخور، وليسا من مقصود الطيب رخص فيه للمغتسلة من الحيض لإزالة الرائحة الكريهة تتبع به أثر الدم لا للتطيب.

1068- وَعَنْهَا - رضي الله عنها - أَنّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رسُولَ الله إنَّ ابْنَتي مَاتَ عَنْهَا زَوْجُهَا وقَدِ اشْتَكَتْ عَيْنُها أَفَنَكْحَلُها؟ قَالَ: "لا" مُتّفَقٌ عَلَيْهِ.

قال النووي: فيه دليل على تحريم الاكتحال على الحادة سواء احتاجت إليه أم لا؛ وجاء في حديث أم سلمة في الموطأ وغيره (اجعليه بالليل وامسحيه بالنهار)، ووجه الجمع أنها إذا لم تحتج إليه لا يحل، وإذا احتاجت لم يجز بالنهار ويجوز بالليل مع أن الأولى تركه، فإن فعلت مسحته بالنهار انتهى.

1069- وَعَنْ جَابِر - رضي الله عنه - قَالَ: طُلِّقَتْ خَالَتي فَأَرَادَتْ أَنْ تَجُذَّ نَخْلَها فَزَجَرَهَا رَجُلٌ أَنْ تَخْرُجَ، فَأَتَتِ النّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "بل جُذِّي نَخْلَكِ فَإنّكِ عَسى أَنْ تَصَّدَّقِي أَوْ تَفْعَلي مَعْرُوفًا" رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

الحديث دليل على جواز خروج المعتدة من منزلها في النهار للحاجة، وفيه دليل على استحباب الصدقة من التمر عند جذاذه، واستحباب التعريض والتذكير بفعل الخير والبر.

1070- وَعَنْ فُرَيْعَةَ بِنْتِ مَالِكٍ - رضي الله عنها - أَنَّ زَوْجَهَا خَرَجَ في طَلَبِ أَعْبُدٍ لَهُ فَقَتَلُوهُ. قَالَتْ: فَسَأَلتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أَنْ أَرجعَ إلى أَهْلي فَإنَّ زَوْجِي لَمْ يَتْرُكْ لي مَسْكَنًا يمْلِكُهُ وَلا نَفَقَةً، فَقَال: "نَعَمْ" فَلَمّا كُنْتُ في الحُجْرَةِ نَاداني فَقَالَ: "امْكُثي في بَيْتِكِ حَتى يَبْلُغَ الكِتَابُ أَجَلَهُ" قالَتْ: فَاعْتَدَدْتُ فِيهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، قالَتْ: فَقَضى بِهِ بَعْدَ ذلكَ عُثْمَانُ. أَخَرَجَهُ أحمَدُ والأَرْبَعَةُ، وصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ والذُّهَلِيُّ وابْنُ حِبَّانَ والحَاكِمُ وغَيْرُهُمْ.

الحديث دليل على أن المتوفى عنها تعتد في بيتها الذي مات زوجها وهي ساكنة فيه، ولا تخرج منه إلا لضرورة.

1071- وَعَنْ فاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ - رضي الله عنها - قَالَتْ: "قُلْتُ: يا رسولَ الله إنَّ زَوْجِي طَلّقَني ثَلاثًا وأَخَافُ أَنْ يُقْتَحَمَ عَليَّ؟ فَأَمَرَهَا فَتَحَوَّلَتْ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

الحديث دليل على جواز خروج المعتدة من المنزل إذا خشيت على نفسها، قال في الإفصاح: واختلفوا في المطلقة ثلاثًا هل عليها الإحداد؟ فقال أبو حنيفة: عليها الإحداد، وقال مالك: لا إحداد عليها، وعند الشافعي قولان، وعن أحمد روايتان كالمذهبين، واختلفوا في البائن هل يجوز أن تخرج من بيتها نهارًا لحوائجها؟ فقال أبو حنيفة: لا تخرج إلا لعذر ملجئ، وقال مالك وأحمد: يجوز لها ذلك، وعن الشافعي قولان كالمذهبين انتهى، وقال الشوكاني: ظاهر قوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا تحد امرأة على ميت) أنه لا إحداد على المطلقة؛ فأما الرجعية فإجماع، وأما البائنة فلا إحداد عليها عند الجمهور.

1072- وَعَنْ عَمْرُو بن الْعَاصِ - رضي الله عنه - قالَ: "لا تُلْبِسوا عَلَيْنَا سُنّةَ نَبِينَا عِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ إذا تُوُفِّيَ عَنْهَا سَيِّدُهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ" رَوَاهُ أحْمَد وأَبُودَاوُدَ وابن مَاجَهْ وصَحَّحَهُ الحَاكمُ، وَأَعلَّهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِالانْقِطَاعِ.

قال أحمد: هذا حديث منكر، وقال محمد بن موسى: سألت أبا عبد الله عنه فقال: لا يصح، وقال الميموني: رأيت أبا عبدالله يعجب من حديث عمرو بن العاص هذا، ثم قال: أي سنة للنبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا؟ وقال: أربعة أشهر وعشر، إنما هي عدة الحرة عن النكاح، وإنما هذه أمة خرجت عن الرق إلى الحرية، واستدل بالحديث على أن عدتها أربعة أشهر وعشر، ولأنها حرة فتعتد كالحرائر، وذهب مالك والشافعي وأحمد في رواية إلى أن عدتها حيضة لأنها ليست زوجة ولا مطلقة، فليس إلا استبراء رحمها.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #62  
قديم 28-02-2020, 03:26 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مختصر الكلام على بلوغ المرام

مختصر الكلام على بلوغ المرام(52)
الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك



1073- وَعَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قالتْ: "إنّمَا الأقْرَاءُ الأطْهَارُ" أَخْرَجَهُ مَالِكٌ في قِصَّة بِسَنَدٍ صَحِيحٍ.

القرء: يطلق في اللغة على الحيض والطهر، وقد اختلف أهل العلم في قوله تعالى: ï´؟ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ ï´¾ [البقرة: 228]، فذهب جماعة إلى أنها الأطهار، وهو قول الفقهاء السبعة ومالك والشافعي؛ وذهب جماعة إلى أنها الحيض، وهو قول الخلفاء الأربعة، وابن عباس ومجاهد وأبي حنيفة وأحمد وأكثر أئمة الحديث، وقد قال الله تعالى: ï´؟ وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنْ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ ï´¾ [الطلاق: 4]، قال في الفروع: من ارتفع حيضها ولم تعلم ما رفعه فتعتد للحمل غالب مدته، وقيل: أكثرها، ثم تعتد كآيسة، ومتى علمت ما رفعه كمرض أو رضاع مكثت حتى يعود الحيض فتعتد به أو تصير إلى الإياس فتعتد عدته، وعنه تنتظر زواله، ثم إن حاضت اعتدت به وإلا اعتدت بسنة، ونقل عنه ابن هانئ أنها تعتد سنة، ونقل حنبل إن كانت لا تحيض أو قد ارتفع حيضها، أو صغيرة فعدتها ثلاثة أشهر، واختار شيخنا إذا علمت عدم عوده فكآيسة، وإلا اعتدت سنة انتهى ملخصًا.

1074- وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قالَ: "طَلاقُ الأمَةِ تَطْلِيقتَان وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ" رَوَاهُ الدَّارَقُطْنيُّ وَأَخْرَجَهُ مَرْفُوعًا وَضَعّفَهُ، وأخْرَجَهُ أبُو داوُدَ والتِّرْمِذِيُّ وابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عائِشَةَ - رضي الله عنها -، وصَحَّحَهُ الحَاكِمُ وخَالَفُوهُ، واتَّفَقُوا عَلَى ضَعْفِهِ.

قال في الإفصاح: وأجمعوا على أن عدة الأمة بالأقراء قرآن، واختلفوا في عدة الأمة بالشهور، وقال أيضًا: واختلفوا هل يعتبر الطلاق بالرجال دون النساء، والعدة بالنساء دون الرجال، فقال مالك والشافعي وأحمد: يعتبر الطلاق بالرجال دون النساء والعدة بالنساء دون الرجال. وقال أبو حنيفة: الطلاق معتبر بالنساء، انتهى. قال الزركشي: والأحاديث في هذا الباب ضعيفة، والذي يظهر من الآية الكريمة أن كل زوج يملك الثلاث مطلقًا، انتهى. قال في الإنصاف: وهو قوي في النظر.

1075- وَعَنْ رُوَيْفَع بنِ ثَابِتٍ - رضي الله عنه - عَنِ النّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لا يَحِلُّ لامْرىءٍ يُؤمِنُ بالله والْيَوْم الآخِر أَنْ يَسْقِيَ ماءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ" أَخْرَجَهُ أَبُو داودَ والتِّرْمِذِيُّ، وصَحَّحَهُ ابنُ حِبَّانَ، وحَسَّنَهُ البَزّارُ.

فيه دليل على تحريم وطء الحامل من غير الواطئ، كالأمة المشتراة إذا كانت حاملًا من غيره والمسبية، وإذا لم يكن الحمل متحققًا لم يجز وطؤها حتى يستبرئها بحيضة.

1076- وَعَنْ عُمَرَ - رضي الله عنه - في امْرَأَةٍ المَفْقُودِ - "تَرَبَّصُ أَرْبَعَ سِنِينَ ثُمَّ تَعْتَدُّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا" أَخْرَجَهُ مَالِكٌ وَالشّافِعِيُّ.

1077- وَعَنِ الْمُغِيرةِ بنِ شُعْبَةَ - رضي الله عنه - قال: قالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "امْرَأَةُ المَفْقُود امْرَأَتُهُ حَتى يَأتِيَهَا الْبَيَانُ" أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنيُّ بإسْنادٍ ضَعِيفٍ.

قال في المقنع: امرأة المفقود الذي انقطع خبره لغيبة ظاهرها الهلاك تتربص أربع سنين، ثم تعتمد للوفاة إلى أن قال: وعنه تتربص تسعين عامًا. قال في الاختيارات: والصواب في امرأة المفقود مذهب عمر بن الخطاب وغيره من الصحابة، وهو أنها تتربص أربع سنين ثم تعتد للوفاة، ويجوز لها أن تتزوج بعد ذلك، وهي زوجة الثاني ظاهرًا وباطنًا، ثم إذا قدم زوجها الأول بعد تزوجها خير بين امرأته وبين مهرها، ولا فرق بين ما قبل الدخول وبعده، وهو ظاهر مذهب أحمد، انتهى. وهذا إذا كان له مال ينفق عليها منه، وإلا فلها الفسخ بإذن الحاكم، كما لو غاب ولم يترك لها نفقة وتعذر أخذها من ماله واستدانتها عليه.

1078- وَعَنْ جَابر - رضي الله عنه - قالَ: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يَبِيتنَّ رَجُلٌ عِنْدَ امْرأَةٍ إلا أَنْ يَكُونَ نَاكِحًا أَوْ ذَا مَحْرَمٍ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

المحرم: كل من حرم عليه نكاحها على التأبيد بنسب أو سبب مباح، والحديث دليل على أنها تحرم الخلوة بالأجنبية.

1079- وَعَنِ ابنِ عَبّاسٍ - رضي الله عنهما - عَنِ النَبي - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "لا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بامْرَأَةٍ إلا مَعَ ذي مَحْرَمٍ" أَخْرَجَهُ الْبُخَاريُّ.

الحديث دليل على جواز خلوة الرجل بالمرأة إذا كان معها زوجها أو ذو محرم لها.

1080- وَعَنْ أَبي سَعيدٍ - رضي الله عنه - أَنَّ النّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ في سَبَايَا أَوْطَاسٍ: "لا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتى تَضَعَ، وَلا غَيْرُ ذاتِ حَمْلٍ حَتى تحِيضَ حَيْضَةً" أَخْرَجَهُ أَبو دَاود، وصَحَّحهُ الحَاكِمُ، ولَهُ شَاهِدٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنه - في الدَّارقُطْنِيِّ.

الحديث دليل على أنه يجب على السابي استبراء المسبية إذا أراد وطأها بحيضة ليتحقق براءة رحمها، وبوضع الحمل إن كانت حاملًا، و قيس عليها المشتراة والمتملكة بأي وجه من وجوه التملك، وظاهر قوله: "ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة" عموم البكر والثيب، فالثيب لما ذكر، والبكر أخذًا بالعموم وقياسًا على العدة فإنها تجب على الصغيرة مع العلم ببراءة الرحم، وإلى هذا ذهب الأكثرون، وذهب آخرون إلى أن الاستبراء إنما يكون في حق من لم يعلم براءة رحمها، أما من علم براءة رحمها فلا استبراء عليها، وروى البخاري عن ابن عمر قال: "إذا كانت الأمة عذراء لم يستبرئها إن شاء" اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، والاستبراء أحوط.

1081- وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَنِ النّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَللْعَاهِرِ الحجَرُ" مُتّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَديثِهِ، ومِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي قِصَّةٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عِنْدَ النَّسَائِيِّ، وعَنْ عُثْمَانَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ.

الحديث دليل على ثبوت نسب الولد بالفراش من الأب، واختلف العلماء في معنى الفراش؛ فذهب الجمهور إلى أنه اسم للمرأة، وقد يعبر به عن حالة الافتراش، وذهب أبو حنيفة إلى أنه اسم للزوج، ثم اختلفوا بماذا يثبت؟ فعند الجمهور إنما يثبت للحرة بإمكان الوطء في نكاح صحيح أو فاسد، وثبت الفراش للأمة بالوطء إذا كانت مملوكة للواطئ أو في شبهة ملك، (قوله: وللعاهر الحجر) العاهر الزاني، والمراد أن الولد لصاحب الفراش، وليس للزاني إلا الخيبة والحرمان كما في حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: "اختصم سعد بن أبي وقاص وعبد بن زمعة في غلام، فقال سعد: يا رسول الله هذا أخي يا رسول الله ولد على فراش أبي من وليدته، فنظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرأى شبهًا بينًا بعتبة، فقال: هو لك يا عبد بن زمعة، الولد للفراش وللعاهر الحجر، واحتجبي منه يا سودة فلم ير سودة قط"، قال في الاختيارات: ولا تصير الزوج فراشًا إلا بالدخول، وهو مأخوذ من كلام الإمام أحمد في رواية حرب، وتتبعض الأحكام لقوله: (واحتجبي منه يا سودة) وعليه نصوص أحمد انتهى. وقال الجمهور: الأمر باحتجابها للاحتياط، قال الحافظ: واستدل به على أن القائف إنما يعتمد في الشبه إذا لم يعارضه ما هو أقوى منه، لأن الشارع لم يلتفت هنا إلى الشبه والتفت إليه في قصة زيد بن حارثة، وكذا لم يحكم بالشبه في قصة الملاعنة لأنه عارضه حكم أقوى منه، وهو مشروعية اللعان، قال: واستدل به على أن لوطء الزنا حكم وطء الحلال في حرمة المصاهرة وهو قول الجمهور انتهى، والله أعلم.

باب الرِّضَاعِ

الأصل في التحريم بالرضاع الكتاب والسنة والإجماع. قال الله تعالى: ï´؟ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمْ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنْ الرَّضَاعَةِ ï´¾ [النساء: 23] الآية.

1082- عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قالَتْ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تُحَرِّمُ المصَّةُ وَالمصَّتَانِ" أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.

المصة الواحدة من المصّ، وهو أخذ اليسير من الشيء، والحديث دليل على أن مصّ الصبي للثدي مرة أو مرتين لا يصير به رضيعًا.

1083- وَعَنْهَا - رضي الله عنها - قَالَتْ: قالَ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "انْظُرْنَ مَنْ إخْوَانُكُنَّ، فَإنّمَا الرَّضَاعَةُ مِنَ المجَاعَةِ" مُتّفَقٌ عَلَيْهِ.

الحديث دليل على أنه لا يعتبر من الرضاعة إلا ما سدّ جوع الصبي حيث يكون الرضيع طفلًا يتغذى به، واستدل به على أن التغذي بلبن المرضعة محرِّم، سواء كان شربًا أو وجورًا أو سعوطًا أو حقنة حيث كان يسد جوع الصبي، وهو قول الجمهور.

1084- وَعَنْهَا - رضي الله عنها - قالَتْ: "جَاءَتْ سَهْلَةُ بِنْتُ سُهَيْلٍ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ الله إنَّ سَالِمًا مَوْلى أَبي حُذَيْفَةَ مَعَنا في بَيْتِنَا وَقَدْ بَلَغَ مَا يَبْلُغُ الرِّجَالُ؟ فَقَالَ: "أَرْضعِيهِ تَحْرُمي عَلَيْهِ"" رَوَاهُ مُسْلمٌ.

اختلف السلف في إرضاع الكبير، فذهبت عائشة إلى ثبوت حكم التحريم وإن كان الراضع بالغًا، ويروى عن علي وعروة، وهو قول الليث بن سعد وأبي محمد بن حزم، وذهب الجمهور إلى أنه لا يحرم من الرضاع إلا ما كان في الصغر، وأجابوا عن حديث سالم بأنه خاص بقصة سهلة، قال في الاختيارات: ورضاع الكبير تنتشر به الحرمة بحيث يبيح الدخول والخلوة إذا كان قد تربى في البيت بحيث لا يحتشمون منه للحاجة لقصة سالم مولى أبي حذيفة.

1085- وَعَنْهَا - رضي الله عنها - أَنَّ أَفْلَحَ -أَخَا أَبي الْقُعَيْسِ- جَاءَ يَسْتَأَذِنُ عَلَيْهَا بَعْدَ الحِجَابِ قَالَتْ: فَأَبَيْتُ أَنْ آذَنَ لَهُ، فَلَمَا جَاءَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أَخْبَرْتُهُ بالّذي صَنَعْتُه، فَأَمَرَني أَنْ آذَنَ لَهُ عَليَّ وَقَالَ: "إنّهُ عَمُّكِ" مُتّفَقٌ عَلَيْهِ.

الحديث دليل على ثبوت حكم الرضاع في حق زوج المرضعة وأقاربه كالمرضعة، وذلك لأن سبب اللبن هو ماء الرجل والمرأة معًا، فوجب أن يكون الرضاع منهما، ولهذا قال ابن عباس: اللقاح واحد، وهو قول الجمهور.

1086- وَعَنْهَا - رضي الله عنها - قالتْ: "كَانَ فيما أُنْزلَ مِنَ الْقُرْآنِ: عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ ثمَّ نُسِخْنَ بخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ، فُتوُفِّيَ رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وَهُنَّ فِيما يُقْرَأُ مِنَ الْقُرآنِ" رَوَاهُ مُسْلمٌ.

قال في سبل السلام: تريد أن النسخ بخمس رضعات تأخر إنزاله جدًا حتى إنه توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وبعض الناس يقرأ خمس رضعات، ويجعلها قرآنا متلوًّا لكونه لم يبلغه النسخ لقرب عهده، فلما بلغهم بعد ذلك رجعوا عن ذلك، وأجمعوا على أنه لا يتلى، وهذا من نسخ التلاوة دون الحكم، وهو أحد أنواع النسخ، فإنه ثلاثة أقسام: نسخ التلاوة والحكم مثل: عشر رضعات يحرمن، والثاني نسخ التلاوة دون الحكم: كخمس رعضات، وكالشيخُ والشيخة إذا زنيا فارجموهما، والثالث: نسخ الحكم دون التلاوة، وهو كثير انتهى. والحديث دليل على أنه لا يحرم من الرضاع إلا خمس رضعات فصاعدًا، وهو مذهب الشافعي وأحمد. وعنه: أن قليل الرضاع وكثيره يحرم، وهو قول مالك وأبي حنيفة، وزعم الليث أن المسلمين أجمعوا على أن قليل الرضاع وكثيره يحرم في المهد ما يفطر به الصائم، وعن أحمد لا يثبت التحريم إلا بثلاث رضعات، وبه قال أبو ثور وأبو عبيد وداود وابن المنذر لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لا تحرم المصة ولا المصتان).

1087- وَعَنِ ابنِ عَبّاسٍ - رضي الله عنهما - أَنَّ النّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أُريدَ عَلى ابْنَةِ حَمْزَةَ فَقَالَ: "إنّهَا لا تَحِلُّ لي إنّهَا ابنَةُ أَخي مِنَ الرَّضَاعة، ويَحْرُمُ مِنَ الرَّضاعة مَا يَحْرُمُ مِنَ النّسَبِ" مُتّفَقٌ عَلَيهِ.

أحكام الرضاع: هي حرمة التناكح وجواز النظر والخلوة والمسافرة. قال الموفق: تحريم الأم والأخت ثبت بنص الكتاب، وتحريم البنت ثبت بالتنبيه، فإنه إذا حرمت الأخت فالبنت أولى وسائر المحرمات ثبت تحريمهن بالسنة انتهى. قال في مختصر المقنع: فمتى أرضعت امرأة طفلًا صار ولدها في النكاح والنظر والخلوة والمحرمية وولد من نسب لبنها إليه بحمل أو وطئ، ومحارمه محارمها، ومحارمها محارمه دون أبويه وأصولهما وفروعهما، فتباح المرضعة لأبي المرتضع وأخيه من النسب وأمه وأخته من النسب لأبيه وأخيه.

1088- وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يُحَرِّمُ مِنَ الرَّضاع إلا مَا فَتَقَ الأمْعَاءَ وَكَان قَبْلَ الفِطَامِ" رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَصَحّحَهُ هُوَ والحَاكمُ.

الحديث دليل على عدم تحريم رضاع الكبير، وأن القليل الذي لا ينفذ إلى الأمعاء لا يحرم.

1089- وَعَنِ ابنِ عَبّاسٍ - رضي الله عنهما - قالَ: "لا رَضَاعَ إلا في الحَوْلَينِ" رَوَاهُ الدَّارقُطْنيُّ وابنُ عديِّ مَرْفوعًا وَمَوْقوفًا وَرَجّحَا المَوْقوفَ.

فيه دليل على اعتبار الحولين، وأن الرضاع بعدهما لا يعتبر.

1090- وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قالَ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا رَضَاع إلا مَا أَنْشَزَ الْعَظْمَ وأَنْبَتَ اللَّحْمَ" أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ.

الحديث دليل على عدم اعتبار رضاع الكبير، فإن ذلك إنما يكون لمن هو في الحولين.

1091- وَعَنْ عُقْبَةَ بنِ الْحارثِ - رضي الله عنه - أَنّهُ تَزَوَّجَ أُمَّ يَحْيي بِنْتَ أَبي إهَابٍ فَجَاءَت امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: قَدْ أَرْضَعْتُكما فَسَأَلَ النّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "كَيْفَ وَقَدْ قِيلَ؟" فَفَارَقَهَا عُقْبَةُ فَنَكَحَتْ زَوْجًا غَيْرَهُ. أَخْرَجَهُ الْبُخَاريُّ.

الحديث دليل على أن شهادة المرضعة وحدها تقبل، وإليه ذهب ابن عباس وجماعة من السلف وأحمد بن حنبل، قال في الاختيارات: وإذا كانت المرأة معروفة بالصدق، وذكرت أنها أرضعت طفلًا خمس رضعات قبل قولها، وثبت حكم الرضاع على الصحيح انتهى.


1092- وَعَنْ زيادٍ السّهْمِي - رضي الله عنه - قالَ: "نهى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أَنْ تُسْتَرْضَعَ الحَمْقَى" أَخْرَجَهُ أَبُو دَاودَ وَهُوَ مُرْسلٌ وَلَيْسَتْ لزيَادٍ صُحْبَةٌ.

الحمقاء: خفيفة العقل، وفيه أن للرضاع تأثيرًا في الطباع، فيختار من لا حماقة فيها، قال في المغني: كره أبو عبدالله الارتضاع بلبن الفجور والمشركات، ويكره الارتضاع بلبن الحمقاء كيلا يشبهها الولد في الحمق انتهى، والله الموفق.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #63  
قديم 28-02-2020, 03:28 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مختصر الكلام على بلوغ المرام


مختصر الكلام على بلوغ المرام(53)
الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك




(أبواب النَفَقَاتِ، الحَضَانَةِ)


باب النَفَقَاتِ
1093- عَن عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قالَتْ: دَخَلَتْ هِنْد بِنْتُ عُتْبَةَ -امْرَأَةُ أَبي سُفْيَانَ- عَلى رَسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ الله إنّ أَبا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحيحٌ لا يُعْطِيني من النّفَقَةِ مَا يَكْفِيني ويكفي بَنيَّ إلا مَا أَخَذْتُ مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمِهِ، فَهَلْ عَلَيَّ في ذلِكَ مِنْ جُنَاحٍ؟ فَقَالَ: "خُذِي مِنْ مَالِهِ بالمَعْرُوفِ مَا يَكْفِيكِ وَيَكْفِي بَنِيكِ" مُتّفَقٌ عَلَيهِ.

الحديث دليل على وجوب نفقة الزوجة والأولاد على الزوج، وأن الواجب الكفاية من غير تقدير، ويدل عليه قوله تعالى: ï´؟ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ï´¾ [البقرة: 233]، وفيه دليل على جواز مسألة الظفر، قال في الاختيارات: ومن كان له عند إنسان حق ومنعه إياه جاز له الأخذ من ماله بغير إذنه إذا كان سبب الحق ظاهراً لا يحتاج إلى إثبات، وإن كان سبب الحق خفياً لم يجز، وهذه الطريقة المنصوصة عن الإمام أحمد، وهي أعدل الأقوال انتهى.

1094- وَعَنْ طَارقٍ الْمُحَاربيِّ - رضي الله عنه - قالَ: قَدِمْنَا المَدينَةَ فإذَا رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- قَائِمٌ على المنبر يَخْطُبُ الناس وَيَقُولُ: "يَدُ الْمُعْطِي الْعُلْيَا، وَابْدَأَ بمَنْ تَعُولُ: أُمّكَ وَأَبَاكَ، وَأُخْتَكَ وَأَخَاكَ ثمَّ أَدْنَاكَ فَأَدْنَاكَ" روَاهُ النّسَائي وصحَّحَهُ ابن حِبَّانَ والدارقطنيَّ.

فيه دليل على وجوب نفقة الأقارب على الترتيب، وقد قال الله تعالى: ï´؟ وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ï´¾ [الإسراء: 26]، والحقوق متفاوتة، فمع حاجة القريب وعجزه عن التكسب تجب نفقته، ومع عدمها فحقه الإحسان بالبر والإكرام.

1095- وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قالَ: قالَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "لِلْمَمْلُوكِ طَعَامُهُ وَكِسْوَتُهُ، وَلا يُكَلّفُ منَ الْعَمَلِ إلا مَا يُطِيقُ" رَوَاهُ مُسْلمٌ.

الحديث دليل على وجوب نفقة المملوك وكسوته، وأن لا يكلف فوق طاقته وهو إجماع.

1096- وَعَنْ حَكيمِ بنِ مُعَاويَةَ الْقُشَيْريِّ عَنْ أَبِيهِ - رضي الله عنه - قالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ؟ قال: "أَنْ تُطْعِمَهَا إذا طَعِمْتَ وَتَكْسُوَهَا إذا اكْتَسَيْتَ ولا تَضرِب الوجه ولا تُقبِّح" الْحَديثَ، وَتَقَدّمَ في عِشْرَةِ النِّسَاءِ.

فيه دليل على أن العبرة بحال الزوج في النفقة، وقد قال الله تعالى: ï´؟ لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً ï´¾ [الطلاق: 7].

1097- وَعَنْ جَابِر - رضي الله عنه - عَنِ النّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- -في حَديثِ الْحَجِّ بطُولِهِ- قَالَ في ذكْر النِّسَاءِ: "وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رزْقُهُنَّ وكسْوتهُنَّ بالمعروفِ" أَخْرَجَهُ مُسْلمٌ.

قال في الاختيارات: ولا يلزم الزوج تمليك الزوجة النفقة والكسوة، بل ينفق ويكسو بحسب العادة، قال: وإرضاع الطفل واجب على الأم بشرط أن تكون مع الزوج، وهو قول ابن أبي ليلى وغيره من السلف، ولا تستحق أجرة المثل زيادة على نفقتها وكسوتها، وهو اختيار القاضي في المجرد، وقول الحنفية لأن الله تعالى يقول: ï´؟ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ï´¾ [البقرة: 233]، فلم يوجب لهن إلا الكسوة والنفقة بالمعروف، وهو الواجب بالزوجية، فدخلت نفقة الولد في نفقة الأم انتهى.

1098- وَعَنْ عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قالَ: قالَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "كَفَى بالمَرْءٍ إثّماً أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ" رَوَاهُ النّسَائيُّ، وَهُوَ عِنْدَ مُسْلمٍ بِلَفْظٍ: "أَنْ يَحْبِسَ عَمّنْ يمْلِكُ قُوتَهُ".

الحديث دليل على وجوب الإنفاق على أهله وأولاده ورقيقه وبهائمه.

1099- وَعَنْ جابر - رضي الله عنه - يَرْفَعُهُ، في الْحَامِلِ الْمُتَوَفّى عَنْهَا زَوْجُهَا - قَالَ: "لا نَفَقَةَ لَهَا" أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ ورجالُهُ ثِقَاتٌ، لكِنْ قَالَ: الْمَحْفُوظُ وَقْفُهُ، وثَبَتَ نَفْيُ النَّفَقَةِ في حَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ كَمَا تَقَدَّمَ. رواه مسلم.

قال في الاختيارات:
والزوجة المتوفى عنها زوجها لا نفقة لها ولا سكنى إلا إذا كانت حاملاً فروايتان، وإذا لم توجب النفقة في التركة فإنه ينبغي أن تجب لها النفقة في مال الحمل، أو في مال من تجب عليه النفقة إذا قلنا تجب للحمل كما تجب أجرة الرضاع، وقال أبو العباس في موضع آخر: النفقة والسكنى تجب للمتوفى عنها في عدتها بشرط مقامها في بيت الزوج، فإن خرجت فلا جناح عليها إذا كان أصلح لها انتهى.

1100- وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قالَ: قالَ رسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلى، وَيَبْدَأُ أَحَدُكُمْ بمنْ يَعْولُ، تَقُولُ المَرْأَةُ أَطْعِمْني أَوْ طَلِّقْني" رَوَاهُ الدَّارَقُطْنيّ، وَإسْنَادُهُ حَسَنٌ.

الحديث دليل على وجوب الإنفاق أو الطلاق، وتمام الحديث في البخاري: (ويقول العبد: أطعمني واستعملني)، وفي رواية الإسماعيلي: (ويقول خادمك أطعمني وإلا بعني)، ويقول الابن: (إلى من تدعني).

1101- وَعَنْ سَعِيدِ بنِ الْمُسَيّبِ في الرَّجُلِ لا يَجِدُ مَا يُنْفِقُ عَلى أَهْلِهِ قَالَ: "يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا" أَخْرَجَهُ سَعِيدُ بنُ مَنْصُورٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبي الزِّنَادِ قالَ: قُلْتُ لِسَعِيدِ بن المسَيِّبِ: سُنّةٌ؟ فَقَالَ: سُنّةٌ. وهذا مُرْسَلٌ قَويٌّ.

الحديث دليل على ثبوت الفسخ عند إعسار الزوج إذا طلبت المرأة ذلك، وهو قول مالك والشافعي وأحمد، قال في سبل السلام: ومن قال: إنه يجب عليه التطليق، قال: ترافعه الزوجة إلى الحاكم لينفق أو يطلق، وعلى القول بأنه فسخ ترافعه إلى الحاكم ليجبره على الطلاق أو يفسخ عليه أو يأذن لها في الفسخ، فإن فسخ أو أذن في الفسخ فهو فسخ لا طلاق ولا رجعة له، وإن أيسر في العدة فإن طلق كان طلاقاً رجعياً له فيه الرجعة.

1102- وَعَنْ عُمَرَ - رضي الله عنه -: "أَنّهُ كَتَبَ إلى أُمَرَاءِ الأجْنَادِ في رجَالٍ غَابُوا عَنْ نِسَائِهِمْ: أَن يَأخُذُوهُمْ بأَنّ يُنْفِقُوُا أَوْ يُطَلّقُوا، فَإن طَلّقُوا بَعَثُوا بِنَفَقَةِ مَا حَبَسُوا" أَخْرَجَه الشّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بإسْنَادٍ حَسَنٍ.

فيه دليل على أن النفقة لا تسقط بالمطل، وأنه يجب أحد الأمرين: إما الإنفاق، وإما الطلاق.

1103- وَعَنْ أَبي هُرَيْرَة - رضي الله عنه - قَالَ: جَاءَ رجلٌ إلى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله عِنْدِي دينَارٌ؟ قَالَ: "أَنْفِقْه عَلى نَفْسِكَ" قَالَ: عِنْدي آخَرُ؟ قالَ: "أَنْفِقْهُ عَلى وَلَدِك" قَالَ: عِنْدي آخَرُ؟ قَالَ: "أَنْفِقْهُ عَلى أَهْلِكَ" قالَ: عِنْدي آخَرٌ؟ قالَ: "أَنْفِقْهُ عَلى خَادِمِكَ" قَالَ: عِنْدي آخَرُ؟ قالَ: "أَنْتَ أَعْلَمُ" أَخْرَجَهُ الشافعيُّ وأَبُودَاودَ واللفظ له وأخرجه النسائيُّ والحاكم بتقديم الزوجة على الولد.

الحديث دليل على البداءة بنفسه في النفقة ثم بمن ذكر. وفي صحيح مسلم من رواية جابر: تقديم الزوجة على الولد، وفيه الحث على الإنفاق، وأن ما فضل بعد كفايته، وكفاية من تجب عليه نفقته هو أبصر به، فإن شاء تصدق به، وإن شاء ادخره، والله أعلم.

1104- وَعَنْ بَهْز بنِ حَكيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ - رضي الله عنهما - قَالَ: قُلْتُ: يَا رسولَ اللهِ منْ أَبَرُّ؟ قَالَ: "أُمَّكَ" قُلْتُ: ثمَّ مَنْ؟ قالَ: "أُمَّكَ" قلْتُ: ثمَّ مَنْ؟ قَالَ: "أُمَّكَ" قُلْتُ: ثمَّ مَنْ؟ قَالَ: "أَبَاك ثمَّ الأقْرَبَ فَالأقْرَبَ" أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ والترمذيُّ وحسنه.

الحديث دليل على أن الأم أحق من الأب بالبرّ، وقد نبه القرآن على ذلك. قال الله تعالى: ï´؟ وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ï´¾ [لقمان: 14].

بابُ الحَضَانَةِ
الحضانة: حفظ من لا يستقل بأمره وتربيته.
1105- عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرو - رضي الله عنهما - أَنَّ امرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ الله إنّ ابْني هذا كَانَ بَطْني لَهُ وعَاءً وَثَدْيي لَهُ سِقَاء وَحِجْرِي لَهُ حِوَاءً وإنَّ أَبَاهُ طَلّقَني وَأَرَادَ أَنْ يَنْزِعَهُ مِنِّي؟ فَقَالَ لهَا رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "أنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحي" رَوَاهُ أحْمَدُ وَأَبُو دَاود، وصَحَّحَهُ الحَاكِمُ.

الحديث دليل على أن الأم أحق بحضانة ولدها ما لم تنكح وهو إجماع، وفيه دليل على أن الأم إذا نكحت سقط حقها من الحضانة، وهو قول الجمهور.

1106- وَعَنْ أَبي هُرَيْرَة - رضي الله عنه - أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رسُولَ الله إنَّ زَوجي يُريدُ أَنْ يَذْهَبَ بابْني وَقَدْ نَفَعَني وَسَقَاني مِنْ بِئْر أبي عِنَبَةَ؟ فَجَاءَ زَوْجُهَا فَقَالَ النّبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "يَا غُلامُ هذا أَبُوكَ وَهذِهِ أُمُّكَ فَخُذْ بِيَدِ أَيِّهِما شِئتَ" فَأَخَذَ بِيَدِ أُمّهِ فانْطَلَقَتْ بِهِ رَوَاهُ أَحْمَدُ والأرْبَعَةُ، وصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.

الحديث دليل على أن الصبي إذا بلغ سبع سنين يخير بين أبويه، فإن لم يختر أحدهما فالقرعة، وفي بعض ألفاظ الحديث فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (استهما)، فقال الرجل: من يحول بيني وبين ولدي؟ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (اختر أيهما شئت) فاختار أمه فذهبت به. قال ابن القيم: ينبغي ملاحظة ما فيه مصلحة للصبي، فإذا كان أحد الأبوين أصلح للصبي من الآخر قدم عليه من غير قرعة ولا تخيير.

1107- وَعَنْ رَافِع بنِ سِنَانٍ - رضي الله عنه - أَنّهُ أَسْلَمَ وَأَبَتِ امْرَأَتُهُ أَنْ تُسْلِمَ فَأَقْعَدَ النّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- الأمَّ نَاحِيَةً وَالأبَ نَاحِيَةً وَأَقْعَدَ الصَّبيَّ بَيْنَهُمَا فَمَالَ إلى أُمِّهِ فَقَالَ: "اللّهُمَّ اهْدِهِ" فَمَالَ إلى أَبِيهِ فَأَخَذَهُ. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ والنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ الحَاكِمُ.

الحديث في إسناده مقال، قال ابن المنذر: لا يثبته أهل النقل، واستدل به على ثبوت حق الحضانة للأم الكافرة، وذهب الجمهور أنه لا حق لها مع كفرها، لأن الحاضن يكون حريصاً على تربية الطفل على دينه، ولأن الله تعالى قطع الموالاة بين الكافرين والمسلمين، وجعل المؤمنين بعضهم أولى ببعض، وقال: ï´؟ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ï´¾ [النساء: 141].

1108- وَعَنْ الْبَرَاءِ بنِ عَازبٍ - رضي الله عنه - أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَضَى في ابْنَةِ حَمْزَةَ لخالَتِهَا وَقالَ: "الخالَةُ بمَنْزلَةِ الأُمِّ" أَخْرَجَهُ الْبُخَاريُّ. وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ حَديث عَليَّ - رضي الله عنه - فَقَالَ: "وَالجاريَةُ عِنْدَ خَالَتِهَا وإنَّ الخَالَةَ وَالدةٌ".

الحديث دليل على ثبوت الحضانة للخالة وأنها كالأم، وفيه أن حضانة المرأة المزوجة لا تسقط إذا رضي زوجها، وأنها أولى من العصبة.

1109- وَعَنْ أَبي هُرَيْرَة - رضي الله عنه - قَالَ: قالَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا أَتى أَحَدَكُمُ خَادِمُهُ بِطَعَامِهِ، فَإنْ لَمْ يُجْلِسْهُ مَعَهُ فَلْيُنَاولْهُ لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْنِ" مُتّفَقٌ عَلَيْهِ، واللَّفْظُ للْبُخَارِيِّ.

تمام الحديث: (فإنه ولي حره وعلاجه). قال ابن المنذر عن جميع أهل العلم: إن الواجب إطعام الخادم من غالب القوت الذي يأكل منه مثله في تلك البلدة، وكذا الإدام والكسوة، وأن للسيد أن يستأثر بالنفيس من ذلك، وإن كان الأفضل المشاركة.


1110- وَعَنِ ابنِ عُمَر - رضي الله عنهما - عَنِ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ في هِرَّةٍ سَجَنَتْهَا حَتى مَاتَتْ فَدَخَلَتْ النّار فِيهَا: لا هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَسَقَتْهَا إذْ هيَ حَبَسَتْهَا، وَلا هِيَ تَرَكَتْهَا تَأَكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأرْضِ" مُتّفَقٌ عَلَيْهِ.


الحديث دليل على وجوب إطعام بهائمه وسقيها. قال في المقنع: وإن عجز عن الإنفاق عليها أجبر على بيعها أو إجارتها أو ذبحها إن كانت مما يباح أكله انتهى، والله أعلم.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #64  
قديم 28-02-2020, 03:30 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مختصر الكلام على بلوغ المرام


مختصر الكلام على بلوغ المرام(54)
الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك




( باب التَّعْزِيرِ وَحُكْمِ الصَّائِلِ )


1202- عنْ أَبي بُردةَ الأنصاريِّ - رضي الله عنه - أنْهُ سمع رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يقُولُ: «لا يُجْلدُ فوقَ عشرةِ أَسْواطٍ إلا في حدٍّ من حُدُودِ الله» مُتّفَقٌ عليه.

الحديث دليل على أنه لا يزاد في التعزير على عشر جلدات، وقال مالك والشافعي: تجوز الزيادة ولا تبلغ أدنى الحدود، وقال آخرون: يكون التعزير في كل حد دون حد جنسه، قال الحافظ: ظاهر الحديث أن المراد بالحد ما ورد فيه من الشارع عدد من الجلد أو الضرب مخصوص أو عقوبة مخصوصة، وذهب بعضهم إلى أن المراد بالحد في الحديث حق الله، قال: ويحتمل أن يفرق بين مراتب المعاصي، فما ورد فيه تقدير لا يزاد عليه، وما لم يرد فيه تقدير فإن كان كبيرة جازت الزيادة على العشر، وإن كان صغيرة فهو المقصود بمنع الزيادة انتهى ملخصاً. قال في الاختيارات: والتعزير يكون على فعل المحرمات وترك الواجبات، وقد يكون التعزير بتركه المستحب كما يعزر العاطس الذي لم يحمد الله بترك تشميته.

1203- وعن عائشةَ - رضي الله عنها - أنَّ النّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «أَقِيلُوا ذَوِي الهَيْئَاتِ عَثَراتِهِمْ إلا الحُدُودَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وأَبُو داود والنَّسَائِيُّ والبْيَهقيُّ.

الحديث دليل على أن التعزير يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال والأزمان، فيجتهد الوالي في ذلك بما يراه الأصلح.

1204- وعَنْ عليٍّ - رضي الله عنه - قالَ: «ما كُنْتُ لأُقيمَ على أَحَدٍ حَدًّا فيموتَ فأَجدَ في نفسي إلاّ شاربَ الخَمْرِ فإنّهُ لَوْ مَاتَ ودَيْتُهُ» أخرجهُ البُخاري.

هذا من علي - رضي الله عنه - للاحتياط؛ لأنه رآه من باب التعزيرات، فإن من مات بالتعزير، ضمِنه الإمام كما هو قول الجمهور.

1205- وعَنْ سعيدِ بن زيْدٍ - رضي الله عنه - قال: قالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «من قُتِلَ دونَ مالِهِ فَهُوَ شهيدٌ» رواهُ الأرْبَعَةُ وصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.

فيه دليل على جواز الدفاع عن المال، وهو قول الجمهور، وهذا في غير السلطان فلا يجوز دفاعه للآثار الواردة بالأمر بالصبر على جورهم، والله أعلم.

1206- وعَنْ عبد الله بن خَبّابٍ - رضي الله عنهما - قالَ سمعتُ أبي يقولُ: سمعتُ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يقولُ: «تكونُ فِتنٌ فَكُنْ فيها عبدَ الله المقْتُولَ ولا تكنِ القاتل» أخرجهُ ابنُ أبي خيْثمةَ والدَّارَقُطْنِيُّ وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ نَحْوَهُ عَنْ خَالِدِ بْنِ عُرْفُطَةَ.


الحديث دليل على ترك القتال عند ظهور الفتن والتحذير من الدخول فيها، وفيه دليل على أن لا يجب الدفاع عن النفس، وأنها لا تحرم المدافعة، وأن النهي للتنزيه لا للتحريم.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #65  
قديم 28-02-2020, 03:33 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مختصر الكلام على بلوغ المرام

مختصر الكلام على بلوغ المرام(55)
الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك




(أبواب: الجنايات والدِّيَّاتِ)


كتاب الجنايات

الجنايات، جمع جناية: وجمعت لاختلاف أنواعها.

1111- عَنِ ابنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قالَ: قالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يَحِلُّ دَمُ امْرِئ مُسْلمٍ يَشْهَدُ أَنْ لا إلَه إلا الله وَأَني رَسُولُ الله إلاَّ بِإحْدَى ثَلاثٍ: الثَّيِّبِ الزَّاني، وَالنّفْسِ بِالنّفْسِ، والتّاركِ لِدِينِهِ المُفَارقِ للْجَمَاعَةِ" مُتّفَقٌ عَلَيْهِ.

التارك لدينه يعم كل مرتد عن الإسلام بأيّ ردة كانت، فيقتل إن لم يرجع إلى الإسلام، وقوله: (المفارق للجماعة) يتناول كل خارج عن الجماعة ببدعة، أو بغي، أو غيرهما كالخوارج إذا قاتلوا وأفسدوا.

1112- وَعَنْ عائِشَةَ - رضي الله عنهما - عَنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لا يَحِلُّ قَتْلُ مُسْلمٍ إلا بإحْدَى ثَلاثِ خِصَالٍ: "زَانٍ مُحَصَنٍ فَيُرْجَمُ، وَرَجُلٍ يَقْتُلُ مُسْلِماً مُتَعَمِّداً فَيُقْتَلُ، وَرَجُلٍ يَخْرُجُ مِنَ الإسْلامِ فَيُحَاربُ الله وَرَسُولَهُ فَيُقْتَلُ أَوْ يُصْلَبُ أَوْ يُنْفَى مِنَ الأرْضِ" رَوَاهُ أَبُو دَاودَ والنَّسَائِيُّ، وصَحَّحَهُ الحَاكِمُ.

ظاهر الحديث والآية أن الإمام مخير بين هذه العقوبات في كل محارب مسلماً كان أو كافراً.

1113- وَعَنْ عَبْدِ الله بنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَوَّلُ مَا يُقضَى بَيْنَ النّاسِ يَوْمَ الْقِيَامةِ في الدِّماءِ" مُتّفَقٌ عَلَيْهِ.

فيه دليل على عظم شأن دم الإنسان، فإنه لا يقدم في القضاء إلا الأهم، وفي حديث أبي هريرة: ويأتي: (كل قتيل قد حمل رأسه يقول: يا رب سل هذا فيم قتلني؟) الحديث.

1114- وَعَنْ سَمُرَةَ - رضي الله عنه - قالَ: قالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ قَتَلَ عَبْدَهُ قَتَلْنَاهُ، وَمَنْ جَدَع عَبْدَهُ جَدَعْنَاهُ" رَوَاهُ أَحْمَدُ والأَرْبَعَةُ، وحسنه الترمذيُّ وَهُوَ من رواية الحَسَنِ الْبَصْريِّ عَنْ سَمُرَةَ، وَقَدْ اخْتُلِفَ في سَمَاعِهِ مِنْهُ، وَفي روَايةِ لأبي دَاودَ والنّسَائيِّ بِزِيَادَةِ: "وَمَنْ خَصى عَبْدَهُ خَصَيْنَاهُ"، وصَحَّحَ الحَاكِمُ هذِهِ الزِّيَادَةَ.

الحديث دليل على أن السيد يقاد بعبده في النفس والأطراف، وقال أكثر أهل العلم: لا يقتل السيد بعبده لما روى الإمام أحمد بإسناده عن علي - رضي الله عنه - أنه قال: "من السنة أن لا يقتل حرّ بعبد". وعن عمر - رضي الله عنه - قال: "لو لم أسمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: لا يقاد المملوك من مولاه، والولد من والده لاقتدته منك" رواه النسائي، وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن أبابكر وعمر - رضي الله عنهما - قالا: "من قتل عبده جلد مائة، وحرم سهمه مع المسلمين"، قال في الاختيارات: قال أصحابنا: ولا يقتل حر بعبد، ولكن ليس في العبد نصوص صحيحة صريحة كما في الذميّ، بل أجود ما روي: "من قتل عبده قتلناه"، وهذا لأنه إذا قتله ظلماً كان الإمام وليّ دمه، وأيضاً فقد ثبت بالسنة والآثار: "أنه إذا مثل بعبده عتق عليه"، وهو مذهب أحمد ومالك وغيرهما، وقتله أعظم أنواع المثلة فلا يموت إلا حراً، لكن حريته لم تثبت في حال الحياة حتى يرثه عصباته، بل حريته تثبت حكماً، وهو إذا عتق كان ولاؤه للمسلمين، فيكون الإمام هو وليه، فله قتل قاتل عبده، وقد يحتج بهذا من يقول: إن قالت عبد غيره لسيده قتله؛ وإذا دل الحديث على هذا كان هذا القول هو الراجح، وهذا قوي على قول أحمد، فإنه يجوز شهادة العبد كالحر بخلاف الذمي، فلماذا لا يقتل الحر بالعبد؛ وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: (المؤمنون تتكافأ دماؤهم)، ومن قال: لا يقتل حر بعبد يقول: إنه لا يقتل الحر الذمي بالعبد المسلم، والله تعالى يقول: ï´؟ وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ ï´¾ [البقرة: 221]، فالعبد المؤمن خير من الذمي المشرك، فكيف لا يقتل به انتهى.

1115- وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لا يُقَادُ الْوَالدُ بالولد" رَواهُ أَحْمَدُ والتِّرْمِذيُّ وابْنُ مَاجَهْ وصَحَّحَهُ ابنُ الجَارُودِ والبَيْهَقِيُّ، وقال التِّرْمِذِيُّ: إنّهُ مُضْطربٌ.

الحديث دليل على أنه لا يُقتل الوالد بالولد وهو قول الجمهور، وقال مالك: يقاد إذا أضجعه وذبحه، قال في الاختيارات: والسنة إنما جاءت: (لا يُقتل والد بولده) فإلحاق الجد بذلك وأبي الأم بعيد انتهى.

1116- وَعَنْ أَبي جُحَيْفَةَ - رضي الله عنه - قالَ: قُلْتُ لِعَليٍّ: "هَلْ عِنْدَكُمْ شيءٌ مِنَ الْوَحْي غَيْرَ الْقُرْآنِ؟ قَالَ: لا، والّذِي فَلَقَ الحَبّةَ وَبَرَأَ النّسَمَةَ، إلا فَهْماً يُعْطِيهِ اللهُ تَعَالَى رَجُلاً في الْقُرآنِ وَمَا في هَذِهِ الصَّحِيفةِ، قُلْتُ: وَمَا في هذِهِ الصَّحِيفَةِ؟ قَالَ: الْعَقْلُ وَفِكاكُ الأسِير، ولا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكافِرٍ" رَوَاهُ الْبُخاريُّ.

1117- وَأَخْرَجَه أَحْمَدُ وأَبُو دَاوُدَ والنَّسَائِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَليٍ - رضي الله عنه - وَقَالَ فِيهِ: "المؤمِنُونَ تَتَكافأُ دِمَاؤُهُمْ، وَيَسْعَى بِذِمّتِهِمْ أَدْناهُمْ، وَهُمْ يَدٌ عَلى مَنْ سِوَاهُمْ، وَلا يُقْتَلُ مُؤمِنٌ بِكافِرٍ ولا ذُو عَهْدٍ في عَهْدِهِ" وصَحَّحَهُ الحَاكِمُ.

العقل الدية، والحديث دليل على قتل المسلم بالكافر قوداً وهو قول الجمهور، وفيه دليل على تحريم قتل المعاهد والمستأمن، وفيه دليل على أن المسلم إذا أمن حربياً كان أماناً من جميع المسلمين.

1118- وَعَنْ أَنْسٍ بنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -: "أَنَّ جاريةً وُجِدَ رَأسُهَا قَدْ رُضَّ بَيْنَ حَجَرَيْنِ فَسَأَلُوهَا: مَنْ صَنَعَ بِكِ هذَا؟ فُلانٌ فلانٌ؟ حَتى ذَكَرُوا يَهُوديّاً فَأَوْمَأَتْ بَرأسِهَا، فَأُخِذَ الْيَهُودِيُّ فَأَقَرَّ، فَأَمَرَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُرَضَّ رَأسُهُ بَيْنَ حَجَريْنِ" مُتّفَقٌ عَلَيْهِ.

الحديث دليل على ثبوت القصاص بالمثقل كالمحدود، وأنه يقتل الرجل بالمرأة، وأنه يقتل بما قتل به، وهو قول الجمهور.

1119- وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ - رضي الله عنه -: "أَنَّ غُلاماً لأُنَاسٍ فُقَرَاءَ قَطَعَ أُذُنَ غُلامٍ لأُنَاسٍ أَغْنِيَاءَ فَأَتَوْا النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمْ يَجْعَلْ لَهُمْ شَيْئاً" رَوَاهُ أَحْمَدُ والثَّلاثةُ بإسْنَادٍ صَحيحٍ.

الحديث دليل على أنه لا غرامة على الفقير. قال البيهقي: إن كان المراد بالغلام فيه المملوك، فإجماع أهل العلم أن جناية العبد في رقبته فهو يدل والله أعلم أن جنايته كانت خطأ، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما لم يجعل عليه شيئاً لأنه التزم أرش جنايته، فأعطاه من عنده متبرعاً بذلك، وقد حمله الخطابي على أن الجاني كان حراً وكانت الجناية خطأ، وكانت عاقلته فقراء فلم يجعل عليهم شيئاً، إما لفقرهم، وإما لأنهم لا يعقلون الجناية الواقعة من العبد إن كان المجنيّ عليه مملوكاً كما قال البيهقي، وقد يكون الجاني غلاماً حراً غير بالغ، وكانت جنايته عمداً فلم يجعل أرشها على عاقلته، وكان فقيراً فلم يجعل عليه في الحال أو رآه على عاقلته فوجدهم فقراء فلم يجعله عليه لكون جنايته في حكم الخطأ، ولا عليهم لكونهم فقراء والله أعلم انتهى. قال في الفروع: ومن عجزت عاقلته عن الجميع أو لا عاقلة له ففي بيت المال حالاً وقيل: كالعاقلة، وعنه لا تحمله، فإن تعذر سقطت كما نقله عنه الجماعة لأن الدية تلزم العاقلة ابتداء. وقال الشيخ: بل يتحملها وإن سلم فمع وجودهم، وقيل بل في مالهم انتهى. وقال أيضاً: وعمد مميز كمجنون، وعنه أن ذلك في ماله. قال ابن عقيل والحلواني: مغلظة؛ وفي الواضح رواية في ماله بعد عشر، ونقل عنه أبو طالب أنه قال: ما أصاب الصبي من شيء فعلى الأب إلى قدر الثلث، فإذا جاوز الثلث فعلى العاقلة انتهى. قال في الاختيارات: وتؤخذ الدية من الجاني خطأ عند تعذر العاقلة في أصح قولي العلماء، ولا تؤجل على العاقلة إذا رأى الإمام المصلحة فيه، ونص على ذلك الإمام أحمد.

1120- وَعَنْ عَمْرو بْنِ شُعيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّه - رضي الله عنهما - أَنَّ رَجُلاً طَعَنَ رَجُلاً بِقَرْنٍ في رُكْبَتِهِ فَجَاءَ إلى النّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ أَقِدْنِي، فَقَالَ: "حَتى تَبْرَأَ" ثمَّ جَاءَ إلَيْهِ فَقَالَ: أَقِدْنِي فَأَقاده ثمَّ جَاءَ إلَيْهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله عَرِجْتُ، فَقَالَ: "قَدْ نَهَيْتكَ فَعَصَيْتَني فأَبْعَدَكَ الله وَيُطِلُ عَرَجُكَ" ثمَّ نَهَى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أنْ يُقْتَصَّ مِنْ جُرْحٍ حَتى يَبْرَأَ صَاحِبُهُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ والدَّارقُطْنِيُّ وَأُعِل بالإرْسالِ.

الحديث دليل على أنه لا يقتص من الجراحات حتى يحصل البرء من ذلك وتؤمن السراية.

1121- وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قالَ: اقْتَتَلتْ امْرَأَتَانِ مِنْ هُذَيْلٍ فَرَمَتْ إحْداهُمَا الأخْرَى بحَجَرٍ فَقَتَلَتْهَا وَمَا في بَطْنِهَا. فاخْتَصَمُوا إلى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَضى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أنَّ ديَةَ جَنِينِهَا غُرَّةُ عَبْدٌ أَوْ وَليدَةٌ، وَقضى بِدِيَةِ الْمَرْأَةِ عَلى عَاقِلَتِهَا وَوَرَّثهَا وَلَدَهَا وَمَنْ مَعَهُمْ، فَقَالَ حمل بْنُ النّابغةِ الْهُذَليُّ: يَا رسولَ الله كَيفَ يُغْرَمُ مَنْ لا شَرِبَ وَلا أَكَلَ وَلا نَطَقَ ولا اسْتَهَلَّ؟ فَمِثْلُ ذلك يُطَلُّ فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنّمَا هذا مِنْ إخْوَانِ الكُهّانِ" مِنْ أَجْل سَجْعِهِ الذي سَجَعَ. مُتّفَقٌ عَلَيْهِ.

1122- وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ والنَّسَائِيُّ مِنْ حَديثٍ ابْنِ عَبّاسٍ - رضي الله عنهما -: "أَنَّ عُمَرَ سَأَلَ مَنْ شَهِد قَضَاءَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - في الجَنِينِ؟ قالَ: فَقَامَ حَمَلُ بن النّابِغَةِ فَقَالَ: كُنْتُ بَيْنَ امْرَأَتَيْنِ فَضَرَبَتْ إحْداهُمَا الأخْرَى" فَذَكَرَهُ مُخْتَصَراً، وصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ والحَاكِمُ.

الحديث دليل على أن دية الجنين عبد أو أمة، قال في المغني: فإن أراد دفع بدلها ورضي المدفوع إليه جاز، قال: وإذا لم يجد الغرة انتقل إلى خمس من الإبل على قول الخرقي، وعلى قول غيره ينتقل إلى خمسين ديناراً أو ستمائة درهم، (قوله: وقضى بدية المرأة على عاقلتها وورثها ولدها ومن معهم)، وعند الترمذي: (ثم إن المرأة التي قضي عليها بالغرة توفيت، فقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأن ميراثها لبنيها وزوجها، وأن العقل على عصبتها)، قال في الاختيارات: وأبو الرجل وابنه من عاقلته عند الجمهور انتهى. وفي الحديث ذم السجع إذا كان في إبطال حق أو تثبيت باطل.

1123- وَعَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - أَنَّ الرُّبَيِّعَ بِنْتَ النّضر -عَمّتَهُ- كَسَرَتْ ثَنِيّةَ جَاريَةٍ فَطَلَبوا إلَيْهَا الْعَفْوَ فأَبَوْا فَعَرَضوا الأرْشَ فَأَبَوْا، فَأَتَوْا رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَأَبَوْا إلا الْقِصَاصَ، فَأَمَرَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بالْقِصاص، فَقَالَ أَنَسُ بْنُ النّضر: يَا رَسُولَ الله أَتُكْسَرُ ثَنِيّةُ الرُّبَيِّعِ؟ لا، والّذِي بَعَثَكَ بالحَقِّ لا تُكْسَرُ ثَنِيّتُهَا، فَقَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَا أَنَسُ كِتَابُ الله الْقِصَاصُ" فَرَضِي الْقَوْمُ فَعَفَوْا، فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ مِنْ عِبَادِ الله مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلى الله لأَبَرَّهُ" متّفَقٌ عَلَيْهِ، واللَّفْظُ للبُخَارِيِّ.

الحديث دليل على وجوب الاقتصاص في كسر السن، وأما غيره من العظام فقد قام الإجماع على أنه لا قصاص في العظم الذي يخاف منه ذهاب النفس إذا لم تتأتّ فيه المماثلة بأن لا يوقف على قدر الذاهب. قال في الاختيارات: ويجري القصاص في اللطمة والضربة ونحو ذلك، وهو مذهب الخلفاء الراشدين وغيرهم ونص عليه أحمد.

1124- وَعَنْ ابنِ عَبّاسٍ - رضي الله عنهما - قالَ: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ قُتِلَ في عِمِّيِّا أَوْ رِمِّياً بحجَر أَوْ سَوْطٍ أَوْ عَصاً فَعَقْلُهُ عَقْلُ الْخَطأِ، وَمَنْ قُتِلَ عَمْداً فَهُوَ قَوَدٌ، وَمَنْ حَالَ دُونَهُ فَعَلَيْهِلَعْنَةُ الله" أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ والنَّسَائيُّ وابْنُ مَاجَهْ بإسْنَادٍ قَوي.

الحديث دليل على أن من لم يعرف قاتله فإنه تجب فيه الدية وتكون على العاقلة، وفيه أن القاتل عمداً يقاد به إلا أن يرضى الأولياء بالدية، وفيه تحريم إيواء المحدث والذب عنه. وعن أبي شريح الخزاعي قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (من أصيب بدم أو خبل "والخبل الجراح" فهو بالخيار بين إحدى ثلاث: إما أن يقتص، أو يأخذ العقل، أو يعفو، فإن أراد الرابعة فخذوا على يديه، فإن قبل من ذلك شيئاً، ثم عدا بعد ذلك فإن له النار).

1125- وَعَنْ ابنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - عَنِ النّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "إذا أَمْسَكَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ وَقَتَلَهُ الآخَرُ يُقْتَلُ الذي قَتَلَ وَيُحْبَسُ الّذي أَمْسَكَ" رَوَاهُ الدَّارَقُطْني مَوْصُولاً وَمُرْسَلاً وصَحَّحَهُ ابنُ القطَّان وَرجَالُهُ ثَقَاتٌ إلا أنَّ البَيْهَقيَّ رجَّحَ المُرْسَلَ.

الحديث دليل على أنه ليس على الممسك سوى حبسه، وأن القود أو الدية على القاتل، وذهب مالك إلى أنهما يقتلان جميعاً.

1126- وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمن بْنِ البَيْلمَانيِّ - رضي الله عنه - أَنَّ النّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَتَلَ مُسْلماً بمُعَاهِدٍ وَقَالَ: "أَنَا أَوْلى مَنْ وَفَى بِذِمّتِهِ" أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ هكَذَا مُرْسَلاً وَوَصَلَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِذِكْرِ ابْنِ عُمَرَ فِيهِ، وإِسْنَادُ المَوْصُولِ وَاهٍ.

قال البيهقي وهو خطأ، وقال الدارقطني: ابن البيلماني لا تقوم به حجة إذا وصل الحديث، فكيف إذا أرسله، واستدل به الحنفية على جواز قتل المسلم بالكافر، وقال الجمهور: لا يجوز لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (ولا يقتل مؤمن بكافر)، قال في الاختيارات: ولا يقتل مسلم بذمي إلا أن يقتله غيلة لأخذ ماله وهو مذهب مالك.

1127- وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: "قُتِلَ غُلامٌ غِيلَةً فَقَالَ عُمَرُ: لَو اشْتَرَكَ فِيهِ أَهْلُ صَنّعَاءَ لَقَتَلْتُهُمْ بِهِ" أَخْرَجَهُ الْبُخَاري.

فيه دليل على أن تقتل الجماعة بالواحد وهو قول الجمهور. قال في الاختيارات: ولا يصح العفو في قتل الغيلة لتعذر الاحتراز منه كالقتل في المحاربة وولاية القصاص، والعفو ليس عاماً لجميع الورثة بل يختص بالعصبة وهو مذهب مالك ويُخرَّج رواية عن أحمد؛ وإذا اتفق الجماعة على قتل شخص فلأولياء الدم أن يقتلوهم ولهم أن يقتلوا بعضهم، وإن لم يعلم عين القاتل فللأولياء أن يحلفوا على واحد بعينه أنه قتله ويحكم لهم بالدم انتهى. قال الحافظ: واستدل الجمهور بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين) على جواز أخذ الدية في قتل العمد ولو كان غيلة خلافاً للمالكية.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #66  
قديم 28-02-2020, 03:34 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مختصر الكلام على بلوغ المرام

مختصر الكلام على بلوغ المرام(55)
الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك




(أبواب: الجنايات والدِّيَّاتِ)



1128- وَعَنْ أَبي شُريحٍ الْخُزَاعِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "فَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتيلٌ بَعْدَ مَقَالَتي هذِهِ فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ: إمّا أَن يَأخُذُوا الْعَقْلَ أَوْ يَقْتُلُوا" أَخْرَجَهُ أَبُو دَاودَ والنَّسَائيُّ، وَأَصْلُهُ في الصَّحِيحَينِ مِن حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِمَعْنَاهُ.

لا خلاف أن الولي مخير بين الدية، أو القصاص، أو العفو مجاناً. وأما المصالحة على أكثر من الدية ففيه خلاف، والراجح الجواز لقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث عمرو بن شعيب: "وما صولحوا عليه فهو لهم" رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وحسنه، قال في المقنع: وإن كان بعض الأولياء صغيراً أو مجنوناً فليس للبالغ العاقل استيفاء القصاص حتى يصيرا مكلفين في المشهور عنه، وعنه لهم ذلك، وكل من ورث المال ورث القصاص على قدر ميراثه من المال حتى الزوجات وذوو الأرحام انتهى، وعنه أنه يختص بالعصبة، اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية. قال في الإفصاح: واختلفوا في الصغير والمجنون، فقال أبو حنيفة ومالك: لا يؤخر القصاص لأجلهما، وقال الشافعي: يؤخر القصاص حتى يفيق المجنون ويكبر الصغير، وعن أحمد روايتان، قال ابن رشد: والذين لهم القيام بالدم هم العصبة عند مالك، وعند غيره كل من يرث، وذلك أنهم أجمعوا على أن المقتول عمداً إذا كان له بنون بالغون فعفا أحدهم أن القصاص قد بطل ووجبت الدية، واختلفوا في اختلاف البنات مع البنين في العفو وفي القصاص، وكذلك الزوجة والزوج والإخوان، فقال مالك: ليس للبنات ولا للأخوات قول مع البنين والإخوة في القصاص أو ضده، ولا يعتبر قولهن مع الرجال، وكذلك الأمر في الزوجة والزوج. وقال أبو حنيفة والثوري وأحمد والشافعي: كل وارث يعتبر قوله في إسقاط القصاص، وفي إسقاط حظه من الدية وفي الأخذ به انتهى. قلت: والصواب في ذلك أن الأمر راجع إلى اجتهاد الإمام ونظره إلى المصلحة والمفسدة، فإن رأي المصلحة في القصاص فله ذلك، وإن رأى المصلحة في تأخيره وحبس القاتل فله ذلك والله أعلم، وقد قال الله تعالى: ï´؟ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ï´¾ [البقرة: 179].

باب الدِّيَّاتِ

الديات: جمع دية، وهي عامة لما فيه القصاص وما لا قصاص فيه.

1129- عَنْ أَبي بَكْر بْنِ محمّدِ بْنِ عَمْروِ بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ - رضي الله عنهما - أَنَّ النّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَتَبَ إلى أَهْلِ الْيَمَنِ، فَذَكَرَ الْحَديثَ وَفِيهِ: "أَنَّ مَنْ اعْتَبَطَ مُؤمِناً قَتْلاً عَنْ بَيّنَةٍ فإنّهُ قَوَدٌ إلا أَنْ يرْضى أَوّلِياءُ المَقْتُولِ، وَإنَّ في النّفْسِ الدِّيَةَ مَائَةً مِنَ الإبِلِ، وَفي الأنْفِ إذا أُوعِبَ جَدْعُهُ الدِّيَةُ، وَفي اللِّسَانِ الدِّيَةُ، وفَي الشّفَتَيْنِ الدِّيَةُ، وَفي الذّكَرِ الدِّيَةُ، وَفي البَيْضَتَيْنِ الدِّيَةُ، وَفي الصُّلْبِ الدِّيَةُ، وَفِي العَيْنَيْنِ الدِّيَةُ، وَفي الرِّجْلِ الْوَاحِدةِ نِصْفُ الدِّيَةِ، وفي المَأمُومَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَفي الجائِفَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَفي المُنَقِّلَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ منَ الإبـِلِ، وفي كُلِّ إصْبَعٍ مِنْ أَصَابعِ الْيَدِ والرِّجْلِ عَشْرٌ مِنَ الإبـِلِ، وفي السِّنِّ خَمْسٌ مِنَ الإبـِلِ، وفي المُوضِحَةِ خَمْسٌ مِنَ الإبـِلِ، وإنَّ الرَّجُلَ يُقْتَل بالمرْأَةِ، وَعَلى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفُ دينَار" أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ في المَرَاسيلِ، والنَّسَائِيُّ وابْنُ خُزَيْمَةَ وابْنُ الجَارُودِ وابْنُ حِبَّانَ وأَحْمَدُ، وَاخْتَلَفُوا في صِحّتِهِ.

قال ابن عبد البر: هذا كتاب مشهور عند أهل السير، معروف ما فيه عند أهل العلم معرفة تغني شهرتها عن الإسناد لأنه أشبه المتواتر لتلقي الناس إياه بالقبول والمعرفة، (قوله: من اعتبط مؤمناً قتلا) أي من قتل قتيلاً بلا جناية منه ولا جريرة توجب قتله أقيد به إذا كان المقتول مؤمناً؛ إلا أن يرضى أولياء المقتول بالدية، وفي الحديث دليل على أن الإبل هي الأصل في الدية، وأنها على أهل الذهب ألف دينار، وأخرج أبو داود عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: "أن رجلاً من بني عدي قتل فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ديته اثني عشر ألفاً"، ومثله عند الشافعي والترمذي: "وصرّح بأنها اثنا عشر ألف درهم"، وأخرج أبو داود عن عطاء: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى في الدية على أهل الإبل مائة من الإبل، وعلى أهل البقر مائتي بقرة، وعلى أهل الشاءِ ألفي شاه، وعلى أهل الحلل مائتي حلة، وعلى أهل القمح شيئاً لم يحفظه محمد بن إسحاق". وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: "قضى النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا قطعت ثَنْدُوَةَ الأنف بنصف العقل خمسون من الإبل، أو عدلها من الذهب أو الورق" أخرجه البيهقي، وذكر عن الزهري أنه قرأ في كتاب عمرو بن حزم: "وفي الأذن خمسون من الإبل" وروي من حديث معاذ أنه قال: "وفي السمع مائة من الإبل، وفي العقل مائة من الإبل" وقال إسناده ليس بالقوي، وقال زيد بن أسلم: "مضت السنة أن في العقل إذا ذهب الدية"، وعن زيد بن ثابت: "إن في الهاشمة عشراً من الإبل" رواهما البيهقي، وروى عبد الله بن أحمد: "أن عمر بن الخطاب قضى في رجل ضرب فذهب سمعه وبصره وعقله ونكاحه بأربع ديات"، وروى النسائي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (قضى في العين العوراء السادة لمكانها إذا طمست بثلث ديتها، وفي اليد الشلاء إذا قطعت بثلث ديتها، وفي السن السوداء إذا نزعت بثلث ديتها).

1130- وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - عن النّبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "دِيَةُ الْخَطَأِ أَخْمَاساً: عِشْرُونَ حِقّةً وَعِشْرون جَذَعَةً وعشرونَ بَنَاتِ مَخَاضٍ وَعِشْرونَ بَنَاتِ لَبُون وعشرونَ بَني لَبُونٍ" أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطَني وأَخْرَجَهُ الأرْبَعَةُ بِلَفْظِ: "وعِشْرُونَ بَنُو مخَاضٍ" بَدَلَ "لَبُونٍ" وإسْنَادُ الأوَّلِ أَقْوَى، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبي شَيْبَةَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مَوْقُوفاً وَهُوَ أَصَحُّ مِنَ المَرْفُوع.

1131- وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ- مِنْ طَريقِ عَمْرو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبيهِ عَنْ جَدِّهِ - رضي الله عنهما - رَفَعَهُ: "الدِّيَةُ ثَلاثُونَ حِقّةً، وَثَلاثُونَ جَذَعَةً، وَأرْبَعُونَ خَلِفَةً في بُطُونـِها أَوْلادُهَا".

الحديث دليل على أن دية الخطأ تؤخذ أخماساً، وأن دية العمد وشبهه تكون أثلاثاً.

1132- وَعَنِ ابنِ عَمْرُو - رضي الله عنهما - عنِ النّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إنّ أَعْتَى النّاسِ عَلى الله ثَلاثةٌ: مَنْ قَتَلَ في حَرَمِ الله، أَوْ قَتَلَ غَيْرَ قَاتِلِهِ، أَوْقتل لِذَحْلِ الْجَاهِلِيّةِ" أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبّانَ في حَديثٍ صَحّحَهُ. وأصله في البخاري من حديث ابن عباس.

الحديث دليل على أن هؤلاء الثلاثة أزيد في العتو من غيرهم، واستدل به على تغليظ الدية على من قتل في الحرم أو الأشهر الحرم أو ذا رحمه، وثبت عن عمر وعثمان - رضي الله عنهما - فيمن قتل في الحرم بدية وثلث تغليظاً. قال الشافعي: إن الصحابة غلظوا في هذه الأحوال.

1133- وَعَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرو بْنِ الْعَاصِ - رضي الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "ألا إنّ دِيَةَ الخَطَاءِ شِبْه الْعَمْدِ مَا كَانَ بِالسّوْطِ وَالْعَصَا مِائةٌ مِنَ الإبِلِ مِنْهَا أَرْبَعْونَ في بُطُونِهَا أَوْلادُهَا" أَخْرَجَهُ أبُو دَاوُدَ والنسائيُّ وابنُ ماجه وصحَّحَهُ ابنُ حِبَّانَ.

الحديث دليل على تغليظ الدية في شبه العمد كدية العمد.

1134- وَعَنِ ابنِ عَبّاسٍ - رضي الله عنهما - عَنِ النّبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "هذِهِ وهذِهِ سواءٌ" يَعْني الخُنْصَرَ والإبْهَامَ، رَوَاهُ الْبُخاري.

1135- وَلأبي دَاوُدَ والتِّرْمِذِيُّ: "دِيَةُ الأصَابعُ سَوَاءٌ، وَالأسْنَانُ سَوَاءٌ، الثّنِيّةُ وَالضِّرْسُ سَوَاءٌ".

1136- وَلابْنِ حِبّانَ: "دِيَةُ أَصابع الْيديْنِ وَالرِّجْلَيْنِ سَوَاءٌ: عَشْرٌ مِنَ الإبِلِ لِكلِّ إصْبَعٍ".

الحديث دليل على أن دية جميع الأصابع وجميع الأسنان سواء، ولو كان بعضها أنفع من بعض، وهو قول الجمهور.

1137- وَعَنْ عَمْرو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ - رضي الله عنهما - رَفَعَهُ، قَالَ: "مَنْ تَطَبّبَ وَلَمْ يَكُنْ بالطِّبِّ مَعْرُوفاً فَأَصَابَ نَفْساً فَمَا دُونَهَا فَهُوَ ضَامِنٌ" أَخْرَجَهُ الدارقُطْني وصَحَّحَهُ الحَاكِمُ، وهُوَ عِنْدَ أَبِي داوُد والنَّسَائِيِّ وغَيْرِهِمَا، إلا أنَّ مَنْ أَرْسَلَهُ أَقْوَى مِمَّن وَصَلَه.

الحديث دليل على تضمين المتطبب ما أتلفه عمداً أو خطأ سواء بالسراية أو بالمباشرة، قال الخطابي: لا أعلم خلافاً في أن المعالج إذا تعدى فتلف المريض كان ضامناً، والمتعاطي علماً أو عملاً لا يعرفه متعد، فإذا تولد من فعله التلف ضمن الدية وسقط عنه القود لأنه لا يستبد بذلك دون إذن المريض، وجناية الطبيب على قول عامة أهل العلم على قالته. وقال ابن رشد: إذا أعنت: أي المتطبب كان عليه الضرب والسجن والدية في ماله. وقيل: على العاقلة. قال في سبل السلام: وأما إعنات الطبيب الحاذق، فإن كان السراية لم يضمن اتفاقاً لأنها سراية فعل مأذون فيه من جهة الشرع ومن جهة المعالج، وهكذا سراية كل مأذون فيه لم يتعد الفاعل في سببه، كسراية الحد وسراية القصاص عند الجمهور، وإن كان الإعنات بالمباشرة فهو مضمون عليه إن كان عمداً، وإن كان خطأ فعلى العاقلة.

1138- وَعَنْهُ - رضي الله عنه - أَنَّ النّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "في الْمَوَاضِحِ خَمْسٌ خَمْسٌ مِنَ الإبِلِ" رَوَاهُ أَحْمَدُ والأرْبَعَةُ، وَزَادَ أَحْمَدُ: "وَالأصَابعُ سَوَاءٌ: كُلهُنَّ عَشْرٌ عَشْرٌ مِنَ الإبِلِ" وصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وابْنُ الجَارُودِ.

الحديث دليل على أن في كل موضحة خمساً من الإبل، وموضحة الوجه والرأس سواء في قول أكثر أهل العلم، وروي عن سعيد بن المسيب أنه قال: "تضعف موضحة الوجه على موضحة الرأس"، وذكره القاضي رواية عن أحمد: "فأما ما دون الموضحة وهي الحارصة والبازلة والباضعة والمتلاحمة والسمحاق"، فقال أكثر الفقهاء: فيها حكومة، وعن أحمد: "في البازلة بعير، وفي الباضعة بعيران، وفي المتلاحمة ثلاثة، وفي السمحاق أربعة" اختارها أبو بكر وهو أقرب.

1139- وَعَنْهُ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "عَقْلُ أَهْلِ الذِّمّةِ نِصْف عَقْلِ المُسْلِمِينَ" رَوَاهُ أحمد والأرْبَعَةُ، وَلَفْظُ أَبي دَاوُدَ: "دِيّةُ الْمُعَاهَدِ نِصْفُ ديَةِ الْحُرِّ".

1140- وللنّسَائيِّ: "عَقلُ الْمَرْأَةِ مِثْلُ عَقْلِ الرَّجُلِ حَتى يَبْلُغَ الثُّلُثَ مِنْ دِيَتِهَا"، وصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ.

الحديث دليل على أن دية الذمي نصف دية المسلم، وفيه دليل على أن أرش جراحات المرأة كأرش جراحات الرجل إلى الثلث، وما زاد عليه فهو على النصف من دية الرجل، وهو قول الجمهور.

1141- وَعَنْهُ - رضي الله عنه - قالَ: قالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "عَقْلُ شِبْهِ الْعَمْد مُغَلّظٌ مِثْلُ عَقْلِ الْعَمْدِ، ولا يُقْتَلُ صاحِبُهُ، وذلِكَ أَنْ يَنْزُوَ الشّيْطانُ فَتَكُونُ دِمَاءٌ بين النّاسِ في غير ضَغِينةٍ وَلا حَمْلِ سلاحٍ" أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْني وَضَعّفَهُ.

الحديث دليل على أنه إذا وقع الجراح من غير قصد إليه ولم يكن بسلاح بل بحجر أو عصاً أو نحوهما فإنه لا قود فيه، وأن ديته مغلظة كالعمد مائة من الإبل، منها أربعون في بطونها أولادها.

1142- وَعَنِ ابنِ عَبّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: "قَتَلَ رجُلٌ رَجُلاً عَلى عَهْدِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَجَعَلَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - دِيَتَهُ اثني عَشَرَ أَلْفاً" رَوَاهُ الأرْبَعَةُ ورجَّحَ النَّسَائيُّ وأَبُو حَاتِمٍ إِرْسَالَهُ.

الحديث دليل على ثبوت الدية من الفضة، وعلى أنها اثنا عشر ألف درهم.

1143- وَعَنْ أَبي رِمْثَةَ - رضي الله عنه - قالَ: أَتَيْتُ النّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَمَعِي ابْني، فَقَالَ: "مَنْ هذَا؟" فَقُلْتُ: ابْني أَشْهَدُ بِهِ، فقَالَ: "أَمَا إنّهُ لا يَجْنِي عَلَيْكَ ولا تَجْني عَلَيْهِ" رَوَاهُ النَّسَائيُّ وأَبُو دَاوُد، وصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وابْنُ الجَارُودِ.

الحديث دليل على أنه لا يطالب أحد بجناية غيره، سواء كان قريباً أو بعيداً. قال الله تعالى: ï´؟ وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ï´¾ [الأنعام: 164]، وأما تحمل العاقلة الدية في جناية الخطأ فهو من باب التعضد والتناصر، وقد قال الله تعالى: ï´؟ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ï´¾ [المائدة: 2].






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #67  
قديم 29-02-2020, 03:14 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مختصر الكلام على بلوغ المرام




مختصر الكلام على بلوغ المرام(56)
الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك




( أبواب: دَعْوَى الدَّمِ والْقَسَامَةِ، وقِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ )



بابُ دَعْوَى الدَّمِ والْقَسَامَةِ
1144- عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبي حَثْمَةَ - رضي الله عنه - عَنْ رجالٍ مِنْ كُبراءِ قَوْمِهِ أَنَّ عَبْدَالله بن سَهْلٍ وَمُحَيِّصَةَ بنَ مَسْعُودٍ خَرَجا إلى خَيْبَرَ مِنْ جَهْدٍ أَصابهمْ فَأُتِيَ مُحَيِّصَةُ فَأُخْبر أَنّ عَبْدَ الله بنَ سَهْلٍ قَدْ قُتِلَ وَطُرحَ في عَيْنٍ، فَأَتى يهُودَ فَقَالَ: أَنْتُمَ والله قَتَلْتُمُوهُ، قالوا: وَالله مَا قَتَلْنَاهُ، فَأَقْبَلَ هُوَ وأَخُوهُ حُوَيِّصَةُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ فَذَهَبَ مُحِيِّصَةُ لِيَتَكَلّم فَقَالَ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "كَبِّرْ كَبِّرْ" يُريدُ السِّنَّ، فَتَكَلّمَ حُوَيِّصَةُ ثمَّ تَكلّمَ مُحَيِّصَةُ، فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إمّا أَنْ يَدُوا صَاحِبَكم وَإمّا أَنْ يَأَذَنُوا بحَربٍ" فَكَتَبَ إلَيْهِمْ في ذِلكَ، فَكَتَبُوا: إنّا والله مَا قَتَلْنَاهُ، فَقَالَ لِحوَيِّصَةَ وَمُحَيِّصَةَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ سَهْلٍ: "أَتَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ؟" قَالُوا: لا، قَالَ: "فَيَحْلِفُ لَكُمْ يَهُودُ؟" قَالُوا: لَيْسُوا مُسْلِمِينَ، فَوَدَاهُ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مِنْ عِنْدَهِ، فَبَعَثَ إليْهِمْ مَائة نَاقَةٍ، قَالَ سَهْلٌ: فَلَقَدْ رَكَضَتْني مِنْهَا ناقَةٌ حَمْرَاءُ. مُتّفَقٌ عَلَيْهِ.

هذا الحديث أصل في ثبوت القسامة وهي الأيمان تقسم على أولياء القتيل إذا ادعوا الدم، فإن نكلوا فعلى المدعى عليهم، ولا تثبت القسامة بمجرد دعوى القتل على المدعى عليهم من دون شبهة وهي اللوث وهو ما يغلب على الظن صحة الدعوى به كالعداوة الظاهرة، (قوله - صلى الله عليه وسلم -: أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم)، ولمسلم: (يقسم خمسون منكم على رجل منهم فيدفع برمته) فيه دليل على ثبوت القود بالقسامة إذا كانت الدعوى على واحد معين، قال الزهري: قال لي عمر بن عبدالعزيز: "إني أريد أن أدع القسامة يأتي رجل من أرض كذا، وآخر من أرض كذا، فيحلفون على ما لا يرون، فقلت: إنك إن تتركها يوشك أن الرجل يقتل عند بابك فيبطل دمه، وإن للناس في القسامة لحياة" أخرجه ابن المنذر. قال القرطبي: الأصل في الدعاوى أن اليمين على المدعى عليه، وحكم القسامة أصل بنفسه لتعذر إقامة البينة على القتل فيها غالباً، قال في الاختيارات: فإذا كان ثم لوث يغلب على الظن أنه قتل من اتُهِمَ بقتله جاز لأولياء القتل أن يحلفوا خمسين يميناً ويستحقوا دمه انتهى.

1145- وَعَنْ رَجُلٍ مِنَ الأنْصَار: "أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أَقَرَّ الْقَسَامَةَ عَلى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ في الجاهِلِيّةِ وَقَضى بها رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ نَاسٍ مِنَ الأنْصَار في قَتِيلٍ ادَّعَوْهُ عَلى الْيَهُودِ" رَوَاهُ مُسْلمٌ.


كأنه أشار إلى ما أخرجه البخاري في قصة الهاشمي في الجاهلية، وفيها: أن أبا طالب قال للقاتل: اختر منا إحدى ثلاث: إن شئت أن تؤدى مائة من الإبل فإنك قتلت صاحبنا، وإن شئت حلف خمسون من قومك إنك لم تقتله، فإن أبيت قتلناك به، فأتى قومه فقالوا: نحلف، فأتته امرأة من بني هاشم كانت تحت رجل منهم قد ولدت له، فقالت: يا أبا طالب أحب أن تجيز ابني هذا برجل من الخمسين، ولا تصبر يميني حيث تصبر الأيمان ففعل، فأتاه رجل منهم فقال: يا أبا طالب أردت خمسين رجلاً أن يحلفوا مكان مائة من الإبل يصيب كل رجل بعيران، هذان بعيران فاقبلهما عني ولا تصبر يميني حيث تصبر الأيمان فقبلهما، وجاء ثمانية وأربعون فحلفوا، قال ابن عباس: فوالذي نفسي بيده ما حال الحول ومن الثمانية والأربعين عين تطرف.

باب قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ
1146- عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قال: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلاحَ فَلَيْسَ مِنّا" مُتّفقٌ عَلَيْهِ.

الحديث دليل على تحريم قتال المسلم والتشديد فيه. وقد قال الله تعالى: ﴿ وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الحجرات: 9، 10].

1147- وَعَنْ أَبي هُرَيْرَة - رضي الله عنه - عَنِ النّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ خَرَجَ عن الطّاعَةِ وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ وَمَاتَ فَمِيْتَتُهُ مِيتَةٌ جاهِلِيّةٌ" أَخْرَجَهُ مُسْلمٌ.

(قوله: من خرج عن الطاعة) أي طاعة الإمام، وفارق الجماعة: أي جماعة المسلمين الذين اتفقوا على إمام انتظم به شملهم، واجتمعت به كلمتهم، (قوله: فميتته ميتة جاهلية) لأن الخارج عن الطاعة كأهل الجاهلية لا إمام له. وقال عليّ - رضي الله عنه - للخوارج: "كونوا حيث شئتم، وبيننا وبينكم أن لا تسفكوا دماً حراماً، ولا تقطعوا سبيلاً، ولا تظلموا أحداً، فإن فعلتم نبذت إليكم بالحرب" أخرجه أحمد وغيره، قال في الاختيارات: وأجمع العلماء على أن كل طائفة ممتنعة عن شريعة متواترة من شرائع الإسلام فإنه يجب قتالها حتى يكون الدين كله لله كالمحاربين انتهى.

1148- وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "تَقْتُلُ عَمّاراً الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ" رَوَاهُ مُسلمٌ.

الحديث دليل على أن الفئة الباغية معاوية ومن في حزبه لأنهم الذين قتلوا عماراً. قال ابن عبد البر: تواترت الأخبار بهذا وهو من أصح الحديث، وقال ابن دحية: لا مطعن في صحته، ولو كان غير صحيح لرده معاوية، وإنما قال معاوية: قتله من جاء به، ولو كان فيه شك لرده وأنكره حتى أجاب عمرو بن العاص على معاوية فقال: فرسول الله - صلى الله عليه وسلم - قتل حمزة. قال في الاختيارات: وعليٌّ أقرب إلى الصواب من معاوية.

1149- وَعنِ ابنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قال: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "هَلْ تَدْري يَا ابْنَ أُمِّ عَبْدِ اللهِ، كَيْفَ حُكْمُ الله فِيمَنْ بَغَى مِنْ هذِهِ الأمّةِ؟" قَالَ: اللهُ ورسُولُهُ أَعْلَمُ، قالَ: "لا يُجْهَزُ عَلى جَرِيحِهَا، ولا يُقْتَلُ أَسيرُهَا، ولا يُطْلبُ هَاربُها، وَلا يُقْسَمُ فَيْئُهَا" رَوَاهُ الْبَزَّارُ والحاكِمْ وَصَحّحَهُ فَوَهِمَ، لأنَّ في إسْنَادِهِ كَوْثَرَ بنَ حَكيمٍ وَهُوَ مَتْرُوكٌ، وَصَحَّ عَنْ عَليَ مِنْ طُرُقٍ نَحْوُهُ مَوْقُوفاً، أَخْرَجَهُ ابْنُ أبي شَيْبَةَ وَالحاكِمُ.

فيه مسائل:
الأولى: أنه لا يجهز على الجريح من البغاة: أي لا يذفف عليه ويتمم قتله.
الثانية: أنه لا يقتل أسيرهم لأن قتالهم إنما هو لدفعهم عن المحاربة.
الثالثة: أن لا يطلب هاربهم.
الرابعة: أنه لا يقسم فيئهم، وهو قول الجمهور. وقال بعضهم: إلا ما حضر الحرب من السلاح ونحوه، قال في الاختيارات: ومن استحل أذى ن أمره ونهاه بتأويل فكالمبتدع ونحوه يسقط بتوبته حق الله وحق العبد، واحتج أبو العباس لذلك بما أتلفه البغاة لأنه من الجهاد الذي يجب الأجر فيه على الله تعالى.


1150- وَعَنْ عَرْفَجَةَ بنِ شُريحٍ - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَنْ أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُم جمِيعٌ يُريدُ أَنْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ فَاقْتُلُوهُ" أَخْرَجَهُ مُسْلمٌ.

الحديث دليل على أن من خرج على إمام قد اجتمعت عليه كلمة المسلمين فإنه قد استحق القتل لإدخاله الضرر على العباد.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #68  
قديم 29-02-2020, 03:16 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مختصر الكلام على بلوغ المرام


مختصر الكلام على بلوغ المرام(57)
الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك




(باب قِتَالِ الجانِي وَقَتْلِ المُرْتَدِّ)



1151- عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرو - رضي الله عنهما - قالَ: قالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهيدٌ" رَوَاهُ أَبُو دَاودَ والنَّسائيُّ والتِّرمِذِي وصَحَّحَهُ.

الحديث دليل على جواز المقاتلة لمن قصد أخذ مال غيره بغير حق.

1152- وَعَنْ عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَاتَلَ يَعْلى بنُ أُمَيّةَ رَجُلاً فَعَضَّ أحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فانْتَزَعَ يَدَهُ مِنْ فَمِهِ فنَزَعَ ثَنِيّتَهُ، فَاخْتَصَمَا إلى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "أيَعَضُّ أَحَدُكُمْكما يَعَضُّ الْفَحْلُ؟ لا دِيَةَ لَـهُ" مُتّفَقٌ عَلَيْهِ واللفظ لمسلم.

فيه دليل على أن هذه الجناية التي وقعت لأجل الدفع عن الضرر تهدر، ولا دية على الجاني، وإلى هذا ذهب الجمهور وقالوا: لا يلزمه شيء لأنه حكم الصائل، واحتجوا أيضاً بالإجماع على أن من شهر على آخر سلاحاً ليقتله فدفع عن نفسه فقتل الشاهر أنه لا شيء عليه، قال في الاختيارات: قال أبو العباس في جند قاتلوا عرباً نهبوا أموال تجار ليردوه إليهم: فهم مجاهدون في سبيل الله ولا ضمان عليهم بقود ولا دية ولا كفارة، قال في المقنع: وإن اقتتلت طائفتان لعصبية أو طلب رياسة فهما ظالمتان، وتضمن كل واحدة ما أتلفت على الأخرى، قال في الإنصاف: هذا بلا خلاف أعلمه، لكن قال الشيخ تقي الدين: إن جهل قدر ما نهبه كل طائفة من الأخرى تساوتا كمن جهل قدر المحرم من ماله أخرج نصفه، والباقي له، وقال أيضاً: أوجب الأصحاب الضمان على مجموع الطائفة وإن لم يعلم عين المتلف، وقال أيضاً: وإن تقابلا تقاصا، لأن المباشر والمعين سواء عند الجمهور.


فائدة: لو دخل أحد منهما ليصلح بينهما فقتل وجهل قاتله ضمنته الطائفتان معاً.

1153- وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قالَ: قالَ أَبُو القاسمِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ أَنَّ امْرَأً اطّلَعَ عَلَيْكَ بِغَيْر إذْنٍ فَحَذَفْتَهُ بحصَاةٍ فَفَقَأتَ عَيْنَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ جُنَاحٌ" مُتّفَقٌ عَلَيْهِ، وَفي لَفْظٍ لأحمد والنْسَائيِّ: "فَلا ديَةَ لَـهُ وَلا قِصَاصَ"وصحَّحَهُ ابنُ حِبَّانَ.

الحديث دليل على أن من اطلع على عورة غيره فحذفه فأصاب عينه أو غيرها أن ذلك هدر إذا كان بغير إذن ولا تقصير من المنظور إليه، قال الفقهاء: فأما لو رماه بالنشاب أو بحجر يقتله فقتله، فهذا قتيل يتعلق به القصاص أو الدية.

1154- وَعَنِ الْبَرَاءِ بنِ عَازبٍ - رضي الله عنهما - قالَ: "قَضى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أنَّ حفظَ الحوائطِ بالنّهَار عَلى أَهْلِهَا، وَأَنَّ حِفْظَ المَاشَيَةِ باللّيْلِ عَلى أهْلِهَا، وَأنَّ عَلى أَهْلِ المَاشِيَةِ مَا أَصَابتْ مَاشِيَتُهُمْ باللّيْلِ" رَوَاهُ أَحْمَدُ والأرْبَعَةُ إلا التِّرْمِذِيَّ، وصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّان، وفي إسنَادِهِ اخْتِلافٌ.

الحديث دليل على أنه لا يضمن مالك البهيمة ماجنته بالنهار لأنها يعتاد إرسالها في النهار ويضمن ماجنته بالليل، لأنه يعتاد حفظها بالليل. قال الطحاوي: مذهب أبي حنيفة أنه لا ضمان إذا أرسلها مع الحافظ، وأما إذا أرسلها من دون حافظ فإنه يضمن؛ وكذا المالكية يقيدون ذلك بما إذا سرحت الدواب في مسارحها المعتادة للرعي، وأما إذا كانت في أرض مزروعة لا مسرح فيها فإنهم يضمنون ليلاً أو نهاراً.

1155- وَعَنْ مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ - رضي الله عنهما - في رَجُلٍ أَسْلَمَ ثم تَهَوَّدَ-: "لا أَجْلِسُ حَتى يُقْتَلَ، قَضَاءُ الله وَرَسُولِـهِ" فَأُمِرَ بِهِ فَقُتِلَ. مُتّفَقٌ عَلَيْهِ، وفي روَايَةٍ لأبي دَاوُدَ: "وَكَانَ قَدِ اسْتُتِيبَ قَبْلَ ذلكَ".

الحديث دليل على أنه يجب قتل المرتد، وهو إجماع، وإنما وقع الخلاف هل تجب استتابته أولاً، وذهب الجمهور إلى وجوب الاستتابة.

1156- وَعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ - رضي الله عنهما - قالَ: قالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ بَدَّلَ دينهُ فَاقْتُلُوهُ" رَوَاهُ الْبُخَاري.

الحديث دليل على قتل المرتد وهو عام للرجل والمرأة، وهو إجماع في الرجل، وأما المرأة ففيه خلاف، وذهب الجمهور إلى أنها تقتل.


1157- وَعَنْهُ - رضي الله عنهما - أَنَّ أَعَمَى كَانَتْ لَهُ أُم وَلَدٍ تَشْتُمُ النّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَتَقَعُ فِيهِ فَيَنْهَاهَا فَلا تَنْتَهي، فَلَمّا كانَ ذات لَيْلَةٍ أَخَذَ المِعْوَلَ فَجَعَلَهُ في بَطْنِهَا واتّكأَ عَلَيْهَا فَقَتَلَهَا، فَبَلَغَ ذلك النّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "ألا اشْهَدُوا أنَّ دمَهَا هَدَرٌ" رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَرُوَاتُهُ ثِقاتٌ.

الحديث دليل على أنه يقتل من سبّ النبي - صلى الله عليه وسلم - ويهدر دمه، فإن كان مسلماً، كان سبه ردة، وإن كان من أهل العهد فإنه يقتل إلا أن يسلم، والله أعلم.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #69  
قديم 29-02-2020, 03:20 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مختصر الكلام على بلوغ المرام

مختصر الكلام على بلوغ المرام(58)
الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك





(أبواب: حد الزاني والقذف والسرقة)


حَدِّ الزَّانِي

1158- عَنْ أَبي هُريرةَ وزيد بن خالدٍ الجُهَني - رضي الله عنهما - أنَّ رجُلاً من الأعْراب أَتَى رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسولَ اللهِ أَنْشُدكَ الله إلا قضيتَ لي بكتابِ اللهِ، فقالَ الآخرُ -وهُوَ أَفْقهُ منهُ-: نعمْ فاقْض بيْنَنَا بكتابِ اللهِ وأذَنْ لي، فقال: "قُلْ" قال: إن ابني كان عَسِيْفاً على هذا فَزَنى بامرأَتِهِ وإني أُخْبرتُ أنَّ على ابني الرَّجمَ فافتديتُ منه بمائةِ شاةٍ ووليدةٍ، فَسَأَلْتُ أهْل العِلم فأخبروني أَنَّما على ابني: جَلْدُ مائةٍ وتغريبُ عامٍ وأن على امرأة هذا الرَّجمَ، فقال رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "والذي نفسي بيده لأقضِينَّ بينكُما بكتابِ اللهِ: الوليدةُ والغنمُ ردٌّ عليك، وعلى ابنك جلد مائةٍ وتغريبُ عامٍ، واغدُ يا أُنيسُ إلى امْرأَةِ هذا فإن اعترفتْ فارْجُمْها" مُتّفقٌ عليه وهذا اللفظ لمسلم.

الحديث دليل على أن حد الزاني غير المحصن مائة جلدة وتغريب عام، وأن حد المحصن الرجم، وعلى أنه يكفي في الاعتراف بالزنا مرة واحدة كغيره من سائر الأحكام، وهو قول الجمهور.

1159- وعنْ عُبادة بن الصَّامت - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "خُذُوا عنِّي، خُذُوا عنِّي، فقد جَعَل اللهُ لَهُنَّ سبـِيلا: البِكْرُ بالبـِكْرِ جلْدُ مائة ونفيُ سنَةٍ، والثّيِّبُ بالثّيِّبِ جلدُ مائةٍ والرَّجمُ" رواهُ مُسْلمٌ.

فيه إشارة إلى قوله تعالى: ï´؟ وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً ï´¾ [النساء: 15]، (قوله: البكر بالبكر) خرج مخرج الغالب لا أنه يراد به مفهومه، فإنه يجب على البكر الجلد والنفي إذا زنى ببكر أو ثيب كما في قصة العسيف، والبكر هو الحر البالغ العاقل الذي لم يجامع في نكاح صحيح، (قوله: والثيب بالثيب جلد مائة والرجم) استدل به على أن يجمع للثيب في الحد بين الجلد والرجم، وذهب الجمهور إلى أنه لا يجمع بينهما، فقالوا: وحديث عبادة منسوخ بقصة ماعز والغامدية واليهوديين فإنه - صلى الله عليه وسلم - رجمهم، ولم يرو أنه جلدهم، فدلت السنة على أن الجلد ثابت على البكر، ساقط عن الثيب.

1160- وعنْ أَبي هريرة - رضي الله عنه - قال: أتى رجلٌ من المُسلمين رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وهُو في المسجدِ فناداهُ فقال: يا رسولَ اللهِ إني زنيتُ، فأعرْضَ عنْهُ، فتنحَّى تِلْقَاء وَجْهِهِ فقال: يا رسولَ اللهِ إني زنيتُ فأعْرضَ عنهُ حتى ثَنَّى ذلك عليه أربع مرَّاتٍ، فلما شهد على نفسه أربع شهاداتٍ دعاهُ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فقال: "أَبكَ جُنونٌ؟" قال: لا، قال: "فهل أَحْصَنْتَ؟" قال: نعم، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اذهَبُوا به فارجُمُوهُ" متفقٌ عليه.

استدل به على أنه يشترط تكرار الإقرار بالزنا أربع مرات، قال الحافظ: وتأوّل الجمهور ذلك إنه لزيادة الاستثبات انتهى. وفيه دليل على أنه يجب الاستفصال على الإمام عن الأمور التي يجب معها الحد، وأنه يندب تلقين ما يسقط الحد لمن لم يشتهر بانتهاك المحرّمات.

1161- وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: لَمّا أتى ماعِزُ بن مالك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قالَ لـهُ: "لعلَّكَ قبّلتَ أو غمزْتَ أو نَظَرْتَ" قال: لا يا رسولَ اللهِ. رواه البخاريُّ.

الحديث دليل على التثبت وأنه لا بد من التصريح في الزنا بلفظ لا يحتمل غير ذلك.

1162- وعن عُمرَ بنِ الخطاب - رضي الله عنه - أنّهُ خطَب فقال: "إن الله بعثَ محمداً بالحقِّ وأَنزل عليه الكتابَ، فكان فيما أَنزلَ الله عليه آيةُ الرَّجم قرأناها ووعيناها وعقلْنَاها، فرَجَمَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ورَجَمْنا بعدهُ، فأخشى إن طال بالنّاس زمانٌ أن يقول قائلٌ: ما نجد الرَّجمَ في كتاب الله فَيَضِلُّوا بتركِ فريضةٍ أَنزلها اللّهُ، وإن الرَّجم حقٌّ في كتاب الله على من زَنَى إذا أَحْصَنَ من الرِّجال والنساء إذا قامت البيّنةُ أو كان الحبَلُ أوْ الاعترافُ" متّفقٌ عليه.

فيه دليل على أن المرأة الخالية إذا وجدت حبلى، ولم تذكر شبهة أن الحدّ يجب عليها.

1163- وعن أبي هُريرةَ - رضي الله عنه - قال: سمعتُ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يقولُ: "إذا زنت أَمَةُ أحدكم فتبين زناها فليَجْلِدها الحدَّ ولا يُثَرِّب عليها، ثم إن زَنَت فليَجْلِدها الحد ولا يُثرِّبْ عليها، ثمَّ إن زنتِ الثّالثَة فتبيَّنَ زنَاها فَلْيَبِعْها ولوْ بحبْلٍ من شَعَرِ" متفقٌ عليه وهذا لفظ مسلم.

الحديث دليل على أن ولاية جلد الأمة إلى سيدها، وحدها خمسون جلدة، (قوله: ولا يثرب عليها) التثريب: التعنيف، قال ابن بطال: يؤخذ منه أن كل من أقيم عليه الحد لا يُعزر بالتعنيف واللوم، وإنما يليق ذلك بمن صدر منه قبل أن يرفع إلى الإمام، وقال أيضاً: حمل الفقهاء الأمر بالبيع على الحض عن مباعدة من تكرر منه الزنا لئلا يظن بالسيد الرضا بذلك فيكون ديوثاً.

1164- وعن علي - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أقِيمُوا الحُدودَ عَلى ما ملكتْ أيمانُكُمْ" رواه أبو داود وهُو في مسلمٍ موقوفٌ.

الحديث دليل على إقامة الملاك الحد على المماليك: ذكورهم وإناثهم.

1165- وعنْ عِمْرانَ بن حُصَينٍ - رضي الله عنهما - أنَّ امرأَةً منْ جُهينةَ أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - وهي حُبْلى من الزنا فقالت: يا نبيَّ اللهِ أصبْتُ حداً فأَقمْه عليَّ، فدعا رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وليَّها فقال: "أحْسِنْ إليها فإذا وَضعتْ فأتني بها" فَفَعَلَ فأَمر بها فَشُكَّتْ عَليْها ثِيابُها ثمَّ أَمر بها فرُجمت ثمَّ صلَّى عليها، فقال عُمَرُ: أتُصَلِّي عليها يا نبيَّ الله وقدْ زَنَتْ؟ فقال: "لقَدْ تابتْ توْبةً لَوْ قُسمتْ بين سبعين منْ أهل المدينة لوسِعَتْهُمْ، وهَلْ وجدْت أفضلَ مِنْ أنْ جادت بنفسِها للهِ تعالى" رواهُ مسلمٌ.

اتفق العلماء على أن المرأة ترجم قاعدة، وفي الحديث دليل على مشروعية الصلاة على المرجوم، وأن التوبة لا تسقط الحد إلا المحارب قبل القدرة عليه.

1166- وعنْ جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قالَ: رجمَ النبّيُّ - صلى الله عليه وسلم - رجُلاً مِنْ أسْلَمَ ورجُلاً من اليهودِ وامرأةً. رواهُ مسلمٌ. وقصَّةُ رجْم اليهوديّين في الصحيحين من حديث ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما-.

فيه دليل على إقامة الحد على الكافر إذا زنى، وهو قول الجمهور.

1167- وعنْ سعيد بن سعد بن عُبادة - رضي الله عنهما - قال كانَ بين أبياتنا رُوَيْجلٌ ضعيفٌ فَخَبُثَ بأمةٍ من إمائهمْ فذَكر ذلك سعدٌ لرسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "اضرِبُوهُ حدَّهُ" فقالوا: يا رسولَ اللهِ إنّهُ أضعفُ من ذلك، فقالَ: "خُذوا عِثْكالاً فيه مائة شِمْرَاخ ثمَّ اضْرِبُوه به ضربةً واحدةً". ففعلوا. رواهُ أَحْمَدُ والنَّسَائِيُّ، وابْنُ مَاجَهْ، وإسنادهُ حسنٌ، لكن اختُلِف في وصْله وإرساله.

الحديث دليل على أن من كان ضعيفاً لمرض ونحوه ولا يطيق إقامة الحد عليه بالمعتاد أقيم عليه بما يحتمله مجموعاً دفعة واحدة، وهو قول الجمهور.

1168- وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنَّ النّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "منْ وجدتُموهُ يعْمَلُ عملَ قوْم لوطٍ فاقْتُلوا الفاعل والمفعولَ بهِ، ومَن وجدتمُوهُ وقَعَ على بهيمةٍ فاقْتُلوه واقْتُلُوا البهيمَةَ" رواهُ أحْمَدُ والأرْبعةُ ورجاله مُوَثّقون إلا أن فيه اختلافاً.

(قوله: من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به). وأخرج البيهقي من حديث سعيد بن جبير ومجاهد عن ابن عباس في البكر يوجد على اللوطية، قال: يرجم، وأخرج عنه أنه قال: "ينظر أعلى بناء في القرية فيرمى به منكساً ثم يتبع الحجارة"، وقال الحافظ المنذري: حرق اللوطية بالنار أربعة من الخلفاء: أبو بكر الصديق، وعلي بن أبي طالب، وعبدالله بن الزبير وهشام بن عبدالملك، قال الشوكاني: وذهب عمر وعثمان إلى أنه يلقى عليه حائط؛ وقد حكى صاحب الشفاء إجماع الصحابة على القتل، قال الشوكاني: فهذا اتفاق منهم على قتله وإن اختلفوا في كيفيته، وهذا موافق لحكمه - صلى الله عليه وسلم - فيمن وطئ ذات محرم، لأن الوطء في الموضعين لا يباح بحال انتهى، (قوله: ومن وجدتموه وقع على بهيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة) استدل به على أن حدّ من يأتي البهيمة القتل، وقال الشافعي: إن صح الحديث قلت به، وفي قول له: إنه يجب عليه حد الزنا، وذهب أحمد وغيره إلى أنه يعزر فقط، واستدل به على وجوب قتل البهيمة مأكولة كانت أو لا، وقيل لابن عباس: ما شأن البهيمة؟ قال: ما سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك شيئاً، ولكن أرى أنه كره أن يؤكل من لحمها، أو ينتفع بها بعد ذلك العمل.


1169- وعن ابنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: "أنَّ النّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ضرَب وغرَّبَ، وأنّ أبا بكْر ضربَ وغرَّبَ وأنَّ عمرَ ضَرَبَ وغَرَّبَ" رواه الترمذي ورجالهُ ثقاتٌ إلا أنّهُ اختلف في وقْفِهِ ورفعه.

الحديث دليل على ثبوت التغريب وأنه لم ينسخ.

1170- عن ابن عبّاس - رضي الله عنهما - قال: "لَعن رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - المُخَنَّثين من الرِّجال والمُترجِّلات من النساء" وقال: "أخرِجُوهُم منْ بُيُوتِكم" رواه البخاري.

المخنث هو المتشبه بالنساء في حركاته وكلامه، وغير ذلك من الأمور المختصة بالنساء، والمراد من تخلق بذلك لا من كان ذلك من خلقته وجبلته، والمرتجلات: هنّ المتشبهات بالرجال.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #70  
قديم 29-02-2020, 03:20 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مختصر الكلام على بلوغ المرام

مختصر الكلام على بلوغ المرام(58)
الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك





(أبواب: حد الزاني والقذف والسرقة)



1171- وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "ادفَعُوا الحدودَ ما وجَدْتُم لها مدفَعاً" أخرجهُ ابنُ ماجه وإسناده ضعيف.

1172- وأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ والحاكم مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - بلفظ: "ادْرَأوا الحُدُودَ عَنِ المُسْلِمِينَ مَا اسْتَطَعْتُمْ" وهو ضعيفٌ أيضاً.

1173- ورواهُ البيهقيُّ عنْ عليّ منْ قَوْلِهِ بلفظ: "ادرءُوا الحدودَ بالشبهاتِ".

فيه دليل على أنه يدفع الحد بالشبهة التي يجوز وقوعها كدعوى الإكراه، أو أنها أتيت وهي نائمة، ونحو ذلك.

1174- عن ابن عمرَ - رضي الله عنهما - قال: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "اجتَنِبُوا هذه القاذورَاتِ التي نهى الله تعالى عنْها فمن ألمَّ بشيءٍ منها فلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرٍ الله تعالى وليْتُب إلى الله تعالى، فإنهُ من يُبدِ لنَا صَفْحَتهُ نُقمْ عليه كتاب الله تعالى" رَوَاهُ الحَاكِمُ، وهُوَ في المُوَطَّإِ مِنْ مَرَاسِيلِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ.

فيه دليل على أنه يجب على من ألمّ بمعصية أن يستتر ولا يفضح نفسه، وأن يبادر إلى التوبة، وقد أخرج أبو داود مرفوعاً: (تعافوا الحدود فيما بينكم، فما بلغني من حد فقد وجب). وفي الحديث الآخر: (إذا بلغت الحدود السلطان فلعن الله الشافع والمشفع) والله أعلم.

حَدِّ الْقَذْفِ

1175- وعَنْ عائشَةَ - رضي الله عنها - قالت: "لَمّا نَزَلَ عُذْري قَامَ رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - على المِنْبر فذكَرَ ذلكَ وتلا القُرآنِ، فَلمّا نزل، أَمرَ برجُلينِ وامرأةٍ فَضُرِبُوا الحدَّ" أخرجَه أَحْمَدُ والأرْبَعَةُ وأشَار إليْهِ البُخاريُّ.

فيه ثبوت حد القذف، قال الله تعالى: ï´؟ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ * إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ï´¾ [النور: 4، 5].

1176- وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: أَوَّلُ لِعان كان في الإسلام أَنَّ شَريكَ بن سَحْماءَ قَذَفَهُ هلالُ بنُ أُمَيّةَ بامرأَتِهِ، فقال لـهُ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "البيّنةَ وإلا فَحَدٌّ في ظَهْرِكَ" الحديث أخْرجهُ أَبو يعْلى ورجالُهُ ثقاتٌ، وفي البخاريِّ نحوُهُ من حديث ابنِ عَبّاسٍ.

الحديث دليل على أن الزوج إذا عجز عن البينة وجب عليه الحد إلا أن يلاعنها.

1177- وعنْ عبدالله بن عامر بن ربيعة - رضي الله عنه - قالَ: "لَقَدْ أدركْتُ أَبا بكْرٍ وعُمَرَ وعثمانَ - رضي الله عنهم - ومنْ بَعْدَهُمْ فلمْ أَرَهُمْ يضربون الممْلوكَ في القذف إلا أَربعين" رواهُ مالكٌ والثّوْريُّ في جامعِهِ.

فيه دليل على أن حد المملوك في القذف ذكراً كان أو أنثى أربعون جلدة، وهو قول الجمهور.

1178- وعَنْ أبي هُريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "من قذفَ مَمْلُوكهُ يقامُ عليْهِ الحدُّ يومَ القيامةِ إلا أَن يكونَ كما قال" مُتّفقٌ عليهِ.

الحديث دليل على أنه لا يحد المالك في الدنيا إذا قذف مملوكه، وأما إذا قذفه غير مالكه، فقال عامة العلماء قديماً وحديثاً: إنه لا يحد، إلا ما روي عن داود أنه أوجب الحد على قاذف العبيد، واختاره أبي عقيل في عمد الأدلة، وذكر أنه أشبه بالمذهب لعدالته، فهو أحسن حالاً من الفاسق بغير الزنا، والله أعلم.

حَدِّ السَّرِقَةِ

1179- عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تُقْطعُ يدُ سارقٍ إلا في رُبعِ دينار فصاعداً" مُتّفقٌ عليه، واللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ، ولفظُ البخاريِّ: "تقطع يَدُ السارِقِ في ربُع دينار فصاعِداً" وفي رواية لأحمد "اقطعوا في رُبُع دينار ولا تقطعوا فيما هو أدنى من ذلك".

إيجاب حد السرقة ثابت بالقرآن، قال الله تعالى: ï´؟ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ï´¾ [المائدة: 38]، واختلف العلماء في اشتراط النصاب، فذهب الجمهور إلى اشتراطه كما في الأحاديث الصحيحة، واختلفوا في قدر النصاب، فذهب فقهاء الحجاز والشافعي وغيرهم إلى أنه ربع دينار من الذهب، وثلاثة دراهم من الفضة.

1180- وعَن ابنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - "أَنَّ النّبي - صلى الله عليه وسلم - قَطَعَ في مِجَنٍّ ثَمَنُهُ ثلاثةُ دراهمَ" متّفقٌ عليه.

المجن: الترس، قال ابن دقيق العيد: المعتبر القيمة وما ورد في بعض الروايات من ذكر الثمن، فكأنه لتساويهما عند الناس في ذلك الوقت أو في عرف الراوي أو باعتبار الغلبة، وإلا فلو اختلفت القيمة والثمن الذي اشتراه به مالكه لم يعتبر إلا القيمة.

1181- وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لعن اللهُ السارق يسرِقُ البيضة فتُقطعُ يدُهُ، ويسرقُ الحبلَ فتقْطعُ يدُهُ" متفقٌ عليه أيضاً.

فيه إخبار بتحقير شأن السارق وخسارة ما ربحه من السرقة، وهو أنه إذا تعاطى هذه الأشياء الحقيرة، وصار ذلك خلقاً له جرّأه على سرقة ما هو أكثر من ذلك، مما يبلغ نصاب السرقة فتقطع يده.

1182- وعنْ عائشة - رضي الله عنها - أَنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أَتشْفَعُ في حدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ" ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَ فَقَالَ: "أَيُّها النَّاسُ إِنَّما أَهلَكَ الَّذِينَ من قَبْلِكُمْ أَنَّهُمْ كانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الحَدَّ" متّفقٌ عليه، واللَّفْظُ لِمُسْلِمَ، ولهُ مِنْ وجْهٍ آخَرَ عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: "كَانَتِ امرأَةٌ تَسْتَعِيرُ المتَاعَ وتَجْحَدُهُ فَأَمَرَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِقَطْعِ يَدِهَا".

الحديث دليل على تحريم الشفاعة في الحدود إذا بلغت السلطان. وأخرج أبو داود والحاكم وصححه من حديث ابن عمر قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (من حالت شفاعته دون حدّ من حدود الله فقد ضاد الله في أمره)، (قولها: كانت امرأة تستعير المتاع وتجحده فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقطع يدها) استدل به على ثبوت القطع في جحد العارية. وقال الجمهور: لا يجب القطع في جحد العارية لأن حديث المخزومية قد ورد بلفظ أنها سرقت.

1183- وعنْ جابر - رضي الله عنه - عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَيْسَ عَلَى خَائِنٍ وَلا مُخْتَلِسٍ ولا مُنْتَهبٍ قَطْعٌ" رواهُ أَحمَدُ والأرْبَعَةُ، وصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وابْنُ حِبَّانَ.

الحديث دليل على أن لا قطع في المذكورات، وقد اختلف العلماء في اعتبار الحرز، والجمهور على اشتراطه في وجوب القطع.

1184- وعن رافع بن خَدِيجٍ - رضي الله عنه - قال: سمعت رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يقولُ: "لا قَطْعَ في ثَمرٍ ولا كَثَرٍ" رواهُ المَذْكُورُونَ، وصَحَّحَهُ أَيْضَاً التِّرْمِذِيُّ وابْنُ حِبَّانَ.

الكثر: جمار النخل، والثمر: اسم جامع للرطب واليابس، والمراد به ما كان في الشجر قبل أن يجذ ويحرز، وفيه دليل أنه لا قطع في ذلك.

1185- وعن أبي أُميّةَ المَخْزوميِّ - رضي الله عنه - قالَ: أُتي رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بِلِصٍّ قد اعترف اعترافاً ولم يوجدْ مَعَهُ مَتَاعٌ فقالَ لهُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما إخَالُكَ سرقت" قال: بلى، فأعاد عليه مرَّتين أو ثلاثاً، فأمر به فقطع وجيءَ بهِ فقالَ: "استغفِرِ الله وتُب إليه" فقال: أستغفر الله وأتوبُ إليه، فقال: "اللهُمَّ تُب عَلَيه" ثلاثاً. أخرجه أبو داود، واللَّفْظُ لَهُ، وأحْمَدُ والنَّسَائِيُّ، ورِجَالُهُ ثِقاتٌ، وَأَخْرَجَهُ الحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، فَسَاقَهُ بِمَعْنَاهُ، وَقَالَ فِيهِ: "اذْهَبُوا بِهِ فَاقْطَعُوهُ ثُمَّ احْسِمُوهُ" وَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ أَيْضاً، وقَالَ لا بَأْسَ بِإِسْنَادِهِ.

فيه دليل على أنه ينبغي تلقين السارق الإنكار، وإقامة الحد عليه بالإقرار، وأمره بالتوبة والاستغفار والدعاء له، وأن يكوى محل القطع.

1186- وعن عبدالرحمن بن عوف - رضي الله عنه - أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يُغَرَّمُ السّارقُ إذا أُقِيمَ عليه الحدُّ" رواهُ النسائي وبيَّن أنّهُ مُنقطعٌ، وقَالَ أَبُو حَاتِم: هُوَ مُنْكَرٌ.

استدل به على أن السارق لا يغرم إذا قطع، والصحيح أنه يغرم ما أتلفه من غير زيادة لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (على اليد ما أخذت حتى تؤديه).

1187- وعَنْ عبْدالله بنِ عَمْرِو بنِ العاصِ - رضي الله عنهما - عن رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - أَنّهُ سُئِل عن الثَمَرِ المعلَّق فقال: "مِنْ أَصاب بِفيهِ مِنْ ذي حاجةٍ غيرَ متخذٍ خُبْنةً فلا شيءَ عليه، ومنْ خرَجَ بشيءٍ منهُ فعليه الغرامةُ والعُقوبةُ، ومنْ خرَجَ بشيءٍ مِنْهُ بعْدَ أَنْ يُؤْويهِ الجَرِينُ فبَلَغَ ثَمنَ المِجَنِّ فَعَلَيهِ القَطْعُ" أَخرجه أبُودَاوُدَ والنَّسَائيُّ وصَحَّحَهُ الحَاكِمُ، وعن ابن ماجه في الشاة الحربية كلها، ومثلها معه، والفكاك، وما كان من المراح ففيه القطع.

الحديث دليل على جواز أخذ المحتاج من الثمر لسدّ فاقته، وأنه يحرم عليه الخروج بشيء منه، فإن خرج بشيء منه فعليه الغرامة والعقوبة، وأخرج البيهقي تفسيرها بأنها غرامة مثليه، وجلدات نكالاً. وقال الشافعي في أحد قوليه: لا تضاعف الغرامة على أحد في شيء إنما العقوبة في الأبدان لا في الأموال، وقال: هذا منسوخ بقضاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أهل الماشية ما أصابت ماشيتهم بالليل، وفي الحديث: اشتراط الحرز في وجوب القطع قال في المغني: هذا دعوة للنسخ بالاحتمال من غير دليل.

1188- وعَنْ صَفْوان بن أُميّةَ - رضي الله عنه - أَنَّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ لـهُ لَمّا أَمَرَ بقطْع الذي سرق رداءَهُ فَشَفَعَ فيه: "هلاَّ كان ذلك قَبْلَ أَنْ تأتِيَنِي به" أَخرجهُ أَحْمَدُ والأَرْبَعَةُ، وصَحَّحَهُ ابنُ الجَارُودِ والحَاكِمُ.

الحديث له قصة وهي ما أخرج البيهقي عن عطاء بن أبي رباح، قال: "بينما صفوان بن أمية مضطجع بالبطحاء إذ جاء إنسان فأخذ برده من تحت رأسه فأتى به النبي - صلى الله عليه وسلم - فأمر بقطعه" الحديث. وفي لفظ: "أنه كان في المسجد الحرام"، وفيه دليل على أنها تقطع يد السارق فيما كان مالكه حافظاً له وإن لم يكن مغلقاً عليه في مكان، قال الشافعي: رداء صفوان كان محرزاً باضطجاعه عليه، وفي الحديث دليل على أن الحرز يختلف باختلاف الأموال والأحوال، واتفقوا على أنه لا يقطع من سرق من الغنيمة والخمس وإن لم يكن من أهلها، لأنه قد يشارك فيها بالرضخ أو من الخمس.

1189- وعَنْ جابر - رضي الله عنه - قالَ: جيءَ بسارقٍ إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فقال: "اقتُلُوهُ" فَقَالوا: يا رسول الله إنما سَرق؟ قال: "اقطعُوهُ" فقُطع، ثمَّ جيءَ بهِ الثّانية فقال: "اقتُلوهُ" فذكرَ مِثْلَهُ: ثم جيء به الثالثةَ فذكر مِثْلَهُ، ثم جيء به الرابعةَ كذلك، ثمَّ جيءَ بهِ الخامسةَ فقالَ: "اقتلوهُ" أَخرجهُ أَبو داودَ والنَّسَائيُّ واسْتَنْكَرَهُ، وأَخْرَجَ مِنْ حَدِيثِ الحَارِثِ بْنِ حَاطِبٍ نَحْوَهُ، وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ أَنَّ القَتْلَ في الخَامِسَةِ مَنْسُوخٌ.


الحديث دليل على قطع قوائم السارق الأربع في الأربع المرات. قال في الفروع: وقد قال أبو مصعب صاحب مالك: إنه يقتل السارق في الخامسة، وقياس قول شيخنا أنه كالشارب في الرابعة فإنه يقتل عنده إذا لم ينته بدونه انتهى، والله أعلم.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 243.63 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 237.56 كيلو بايت... تم توفير 6.07 كيلو بايت...بمعدل (2.49%)]