السيرة النبوية والشمائل المحمدية **متجددة إن شاء الله - الصفحة 7 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4387 - عددالزوار : 836776 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3919 - عددالزوار : 379342 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 11942 - عددالزوار : 191126 )           »          سحور يوم 19 رمضان.. ساندوتشات فول مخبوزة خفيفة ولذيذة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          واتس اب بلس الذهبي (اخر مشاركة : whatsapp Girl - عددالردود : 2 - عددالزوار : 2666 )           »          الأمثال في القرآن ...فى ايام وليالى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 660 )           »          فقه الصيام - من كتاب المغنى-لابن قدامة المقدسى يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 941 )           »          دروس شَهْر رَمضان (ثلاثون درسا)---- تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 1093 )           »          أسرتي الرمضانية .. كيف أرعاها ؟.....تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 854 )           »          صحتك فى شهر رمضان ...........يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 837 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث > ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم

ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم قسم يختص بالمقاطعة والرد على اى شبهة موجهة الى الاسلام والمسلمين

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #61  
قديم 11-03-2020, 11:25 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: السيرة النبوية والشمائل المحمدية **متجددة إن شاء الله

السيرة النبوية والشمائل المحمدية
الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر

الحلقة(61)



حالة العرب قبل الإسلام (4- 10)




رابعًا: الحالة الاجتماعية:
هيمنت التقاليد والأعراف على حياة العرب، وأصبحت لهم قوانين عرفية فيما يتعلق بالأحساب والأنساب، وعلاقة القبائل ببعضها والأفراد كذلك، ويمكن إجمال الحالة الاجتماعية فيما يأتي:
1- الاعتزاز الذي لا حد له بالأنساب، والأحساب، والتفاخر بهما:
فقد حرصوا على المحافظة على أنسابهم، فلم يصاهروا غيرهم من الأجناس الأخرى، ولما جاء الإسلام قضى على ذلك وبين لهم أن التفاضل إنما هو بالتقوى والعمل الصالح.
2- الاعتزاز بالكلمة، وسلطانها، لا سيما الشعر:
كانت تستهويهم الكلمة الفصيحة، والأسلوب البليغ، وكان شعرهم سجل مفاخرهم، وأحسابهم، وأنسابهم، وديوان معارفهم، وعواطفهم، فلا تعجب إذا كان نجم فيهم الخطباء المصاقع، والشعراء الفطاحل، وكان البيت من الشعر يرفع القبيلة، والبيت يخفضها، ولذلك ما كانوا يفرحون بشيء فرحهم بشاعر ينبغ في القبيلة.

3- المرأة في المجتمع العربي:
كانت المرأة عند كثير من القبائل كسقط المتاع، فقد كانت تورث، وكان الابن الأكبر للزوج من غيرها من حقه أن يتزوجها بعد وفاة أبيه، أو يعضلها عن النكاح، حتى حَرَّم الإسلام ذلك، وكان الابن يتزوج امرأة أبيه(1) فنزل قول الله تعالى: (وَلاَ تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلاً) [النساء: 22].
وكانت العرب تحرم نكاح الأصول كالأمهات، والفروع كالبنات، وفروع الأب كالأخوات، والطبقة الأولى من فروع الجد كالخالات والعمات(2).
وكانوا لا يورثون البنات ولا النساء ولا الصبيان، ولا يورثون إلا من حاز الغنيمة وقاتل على ظهور الخيل، وبقي حرمان النساء والصغار من الميراث عرفا معمولاً به عندهم إلى أن توفي أوس بن ثابت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وترك بنتين كانت بهما دمامة، وابنًا صغيرًا، فجاء ابنا عمه وهما عصبته فأخذا ميراثه كله، فقالت امرأته لهما: تزوجا البنتين، فأبيا ذلك لدمامتهما، فأتت رسول الله فقالت: يا رسول الله توفي أوس وترك ابنًا صغيرًا وابنتين، فجاء ابنا عمه سويد وعرفطة فأخذا ميراثه، فقلت لهما: تزوجا ابنتيه، فأبيا، فقال عليه الصلاة والسلام: «لا تحركا في الميراث شيئًا»(3).، ونزل قوله تعالى: (لِلرِّجَالِ نَصِيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا) [النساء: 7].
وكان العرب يُعيّرون بالبنات؛ لأن البنت لا تخرج في الغزو، ولا تحمي البيضة من المعتدين عليها، ولا تعمل فتأتي بالمال شأن الرجال، وإذا ما سبيت اتخذت للوطء تتداولها الأيدي لذلك، بل ربما أكرهت على احتراف البغاء، ليضم سيدها ما يصير إليها من المال بالبغاء إلى ماله، وقد كانت العرب تبيح ذلك، وقد كان هذا يورث الهم والحزن والخجل للأب عندما تولد له بنت، وقد حدثنا القرآن الكريم عن حالة من تولد له بنت فقال تعالى: (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ - يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ ساءَ مَا يَحْكُمُونَ) [النحل: 58-59].
وكثيرا ما كانوا يختارون دسها في التراب، ووأدها حية، ولا ذنب لها إلا أنها أنثى(4) (1)؛ ولذلك أنكر القرآن الكريم عليهم هذه الفعلة الشنيعة قال تعالى: (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ - بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ) [التكوير: 8-9].
وكان بعض العرب يقتل أولاده من الفقر أو خشية الفقر فجاء الإسلام وحرم ذلك قال تعالى: (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَي ْنِ إِحْسَانًا وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُم مِّنْ إِمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ) [الأنعام: 151].
وقال تعالى: (وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا ) [الإسراء: 31].
وكانت بعض القبائل لا تئد البنات، كما كان فيهم من يستقبحون هذه الفعلة الشنعاء كزيد بن عمرو بن نفيل(5).
وكانت بعض القبائل تحترم المرأة وتأخذ رأيها في الزواج، وكانت المرأة العربية الحرة تأنف أن تفترش لغير زوجها وحليلها، وكانت تتسم بالشجاعة وتتبع المحاربين وتشجعهم، وقد تشارك في القتال إذا دعت الضرورة، وكانت المرأة البدوية العربية تشارك زوجها في رعي الماشية، وسقيها، وتغزل الوبر والصوف وتنسج الثياب، والبرود، والأكسية، مع التصون والتعفف(6)


(1) انظر: السيرة النبوية لأبي شهبة (1/87).
(2) دراسة تحليلية لشخصية الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ، ص22، 23، 24.
(3) تفسير القرطبي (5/45).
(4) انظر: دراسة تحليلية لشخصية الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، ص25، 26.
(5) انظر: السيرة النبوية لأبي شهبة (1/92).
(6) نفس المصدر (1/8).
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #62  
قديم 21-03-2020, 10:05 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: السيرة النبوية والشمائل المحمدية **متجددة إن شاء الله

السيرة النبوية والشمائل المحمدية
الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر

الحلقة(62)



حالة العرب قبل الإسلام (5- 10)



تابع : الحالة الاجتماعية:

4- النكاح:

تعارف العرب على أنواع النكاح، لا يعيب بعضهم على بعض إتيانها، وقد ذكرت لنا السيدة عائشة رضي الله عنها فقالت: «إن النكاح في الجاهلية كان على أربعة أنحاء: فنكاح منها نكاح اليوم: يخطب الرجل إلى الرجل وليته أو ابنته، فيصدقها ثم ينكحها، ونكاح آخر: كان الرجل يقول لامرأته إذا طهرت من طمثها(1): أرسلي إلى فلان فاستبضعي(2) منه، ويعتزلها زوجها ولا يمسها أبدا، حتى يتبين حملها من ذلك الرجل الذي تستبضع منه، فإذا تبين حملها أصابها زوجها إذا أحب وإنما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد، فكان هذا النكاح نكاح الاستبضاع، ونكاح آخر: يجتمع الرهط(3) ما دون العشرة، فيدخلون على المرأة كلهم يصيبها فإذا حملت ووضعت، ومرت ليال بعد أن تضع حملها أرسلت إليهم، فلم يستطع رجل منهم أن يمتنع حتى يجتمعوا عندها، تقول لهم: قد عرفتم الذي كان من أمركم، وقد ولدت، فهو ابنك يا فلان، تسمي من أحبت باسمه، فيلحق به ولدها لا يستطيع أن يمتنع به الرجل، والنكاح الرابع: يجتمع الناس الكثير، فيدخلون على المرأة لا تمنع من جاءها وهن البغايا كن ينصبن على أبوابهن رايات تكون علما، فمن أرادهن دخل عليهن، فإذا حملت إحداهن ووضعت حملها جمعوا لها، ودعوا لها القافة(4) ثم ألحقوا ولدها بالذي يرون، فالتاط(5) به ودعي ابنه، لا يمتنع من ذلك، فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم بالحق هدم نكاح الجاهلية إلا نكاح الناس اليوم»(6).

وذكر بعض العلماء أنحاء أخرى لم تذكرها عائشة رضي الله عنها كنكاح الخدن وهو في قوله تعالى: (وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ ) كانوا يقولون: ما استتر فلا بأس به، وما ظهر فهو لوم، وهو إلى الزنا أقرب منه إلى النكاح، وكنكاح المتعة وهو النكاح المعين بوقت، ونكاح البدل: كان الرجل في الجاهلية يقول للرجل: انزل لي على امرأتك، وأنزل لك عن امرأتي وأزيدك(7).

ومن الأنكحة الباطلة نكاح الشغار وهو أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته، ليس بينهما صداق(8).

وكانوا يحلون الجمع بين الأختين في النكاح، وكانوا يبيحون للرجل أن يجمع في عصمته من الزوجات ما شاء دون التقيد بعدد، وكان الذين جمعوا بين أكثر من أربع زوجات أكثر من أن ينالهم العد(9)، وجاء الإسلام ومنهم من له العشرة من النساء والأكثر، والأقل، فقصر ذلك على أربع إن علم أنه يستطيع الإنفاق عليهن، والعدل بينهن، فإن خاف عدم العدل فليكتف بواحدة، وما كانوا في الجاهلية يلتزمون العدل بين الزوجات، وكانوا يسيئون عشرتهن، ويهضمون حقوقهن حتى جاء الإسلام فأنصفهن، وأوصى بالإحسان إليهن في العشرة، وقرر لهن حقوقا ما كن يحلمن بها.





(1) الطمث: الحيض.

(2) استبضعي: الاستبضاع، طلب الجماع حتى تحمل منه.

(3) الرهط: الجماعة دون العشرة.

(4) القافة: جمع القائف، وهو الذي يعرف شبه الولد بالوالد.

(5) التاطه: أستلحقه.

(6) البخاري، كتاب النكاح، باب لا نكاح إلا بولي رقم ( 5127 ).

(7) فتح الباري (9/150).

(8) انظر: السيرة النبوية لأبي شهبة (1/90).

(9) انظر: دراسة تحليلية لشخصية الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ص24، 25.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #63  
قديم 21-03-2020, 10:09 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: السيرة النبوية والشمائل المحمدية **متجددة إن شاء الله

السيرة النبوية والشمائل المحمدية
الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر

الحلقة(63)


حالة العرب قبل الإسلام (6- 10)





تابع : الحالة الاجتماعية:

5- الطلاق:

كانوا يمارسون الطلاق، ولم يكن للطلاق عندهم عدد محدد، فكان الرجل يطلق امرأته ثم يراجعها، ثم يطلقها ثم يراجعها هكذا أبدًا، وبقي هذا الأمر معمولاً به في صدر الإسلام(1) إلى أن أنزل الله تبارك وتعالى قوله: (الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ) [البقرة: 229].

فقيد الإسلام عدد الطلقات، وأعطى للزوج فرصة لتدارك أمره، ومراجعة زوجته مرتين، فإن طلق الثالثة فقد انقطعت عروة النكاح، ولا تحل له إلا بعد زوج آخر، ففي الكتاب الكريم (فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ ) [البقرة: 230].

ومما كان يلحق بالطلاق في التحريم الظهار، وهو أن يقول الزوج لزوجته: أنت علي كظهر أمي، وكان تحريمًا مؤبدًا حتى جاء الإسلام، فوسمه بأنه منكر من القول وزور، وجعل للزوج مخرجًا منه، وذلك بالكفارة(2) قال تعالى: (الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ اللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَرًا مِّنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ.وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ* فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) [المجادلة:2- 4].

6- الحروب، والسطو، والإغارة:

كانت الحروب تقوم بينهم لأتفه الأسباب، فهم لا يبالون بشن الحروب وإزهاق الأرواح في سبيل الدفاع عن المثل الاجتماعية التي تعارفوا عليها وإن كانت لا تستحق التقدير، وقد روى لنا التاريخ سلسلة من أيام العرب في الجاهلية مما يدل على تمكن الروح الحربية من نفوس العرب وغلبتها على التعقل والتفكير، فمن تلك الأيام مثلا يوم البسوس، وقد قامت الحرب فيه بين بكر وتغلب بسبب ناقة للجرمي وهو جار للبسوس بنت منقذ خالة جساس بن مرة، وقد كان كليب سيد تغلب قد حمى لإبله مكانًا خاصًا به فرأى فيه هذه الناقة فرماها فجزع الجرمي وجزعت البسوس، فلما رأى ذلك جساس تحين الفرصة لقتل كليب فقتله فقامت الحروب الطاحنة بين القبيلتين لمدة أربعين سنة(3)

وكذلك يوم داحس والغبراء، وقد كان سببه سباقًا أقيم بين داحس وهو فرس لقيس ابن زهير، والغبراء وهي لحذيفة بن بدر فأوعز هذا إلى رجل ليقف في الوادي فإن رأى داحسا قد سبق يرده وقد فعل ذلك فلطم الفرس حتى أوقعها في الماء فسبقت الغبراء، وحصل بعد ذلك القتل والأخذ بالثأر، وقامت الحرب بين قبيلتي عبس وذبيان

وكذلك الحروب التي قامت بين الأوس والخزرج في الجاهلية وهم أبناء عم، حيث إن الأوس والخزرج أبناء حارثة بن ثعلبة الأزدي، واستمرت الحروب بينهم وكان آخر أيامهم (بُعاث) وذلك أن حلفاء الأوس من اليهود جددوا عهودهم معهم على النصرة، وهكذا كان كثير من حروب الأوس والخزرج يذكيها اليهود حتى يضعفوا القبيلتين فتكون لهم السيادة الدائمة، واستعان كل فريق منهم بحلفائه من القبائل المجاورة فاقتتلوا قتالاً شديدًا كانت نهايته لصالح الأوس(4).

وكانت بعض القبائل تسطو وتغير بغية نهب الأموال وسبي الأحرار وبيعهم، كزيد ابن حارثة فقد كان عربيًّا حرًا، وكسلمان الفارسي فقد كان فارسيًّا حرًّا، وقد قضى الإسلام على ذلك حتى كانت تسير المرأة والرجل من صنعاء إلى حضرموت لا يخافان إلا الله والذئب على أغنامهما(5).



7- العلم والقراءة والكتابة:

لم يكن العرب أهل كتاب وعلم كاليهود والنصارى، بل كان يغلب عليهم الجهل والأمية، والتقليد والجمود على القديم -وإن كان باطلا- وكانت أمة العرب لا تكتب ولا تحسب وهذه هي الصفة التي كانت غالبة عليها، وكان فيهم قليل ممن يكتب ويقرأ ومع أميتهم وعدم اتساع معارفهم فقد كانوا يشتهرون بالذكاء، والفطنة، والألمعية، ولطف المشاعر، وإرهاف الحس، وحسن الاستعداد، والتهيؤ لقبول العلم والمعرفة، والتوجيه الرشيد؛ ولذلك لما جاء الإسلام صاروا علماء، حكماء، فقهاء، وزالت عنهم الأمية، وأصبح العلم والمعرفة من أخص خصائصهم، وكان فيهم من مهر في علم قص الأثر، وهو القيافة، وكان فيهم أطباء كالحارث بن كلدة، وكان طبهم مبنيا على التجارب التي اكتسبوها من الحياة والبيئة(5).







(1) انظر: السيرة النبوية لأبي شهبة (1/88).

(2) انظر: السيرة النبوية لأبي شهبة (1/91).

(3) الكامل في التاريخ لابن الأثير (1/334)

(4) التاريخ الإسلامي، د. عبد العزيز الحميدي (1/55).

(5) انظر: السيرة النبوية لأبي شهبة (1/93).

(6) انظر: السيرة النبوية لأبي شهبة (1/93).





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #64  
قديم 21-03-2020, 10:12 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: السيرة النبوية والشمائل المحمدية **متجددة إن شاء الله

السيرة النبوية والشمائل المحمدية
الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر

الحلقة(64)



حالة العرب قبل الإسلام (7- 10)



خامسًا: الحالة الأخلاقية:


كانت أخلاق العرب قد ساءت وأولعوا بالخمر والقمار، وشاعت فيهم الغارات وقطع الطريق على القوافل، والعصبية والظلم، وسفك الدماء، والأخذ بالثأر، واغتصاب الأموال، وأكل مال اليتامى، والتعامل بالربا، والسرقة والزنا، ومما ينبغي أن يعلم أن الزنا إنما كان في الإماء وأصحاب الرايات من البغايا، ويندر أن يكون في الحرائر، وليس أدل على هذا من أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أخذ البيعة على النساء بعد الفتح: «على أن لا يشركن بالله شيئًا، ولا يسرقن، ولا يزنين» «قالت السيدة هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان: أَوَتزني الحرة؟!!(1).

وليس معنى هذا أنهم كانوا كلهم على هذا، لا. لقد كان فيهم كثيرون لا يزنون ولا يشربون الخمر، ولا يسفكون الدماء ولا يظلمون، ويتحرجون من أكل أموال اليتامى، ويتنزهون عن التعامل بالربا(2)وكانت فيهم سمات وخصال من الخير كثيرة أهلتهم لحمل راية الإسلام ومن تلك الخصال والسمات:

1- الذكاء والفطنة:

فقد كانت قلوبهم صافية، لم تدخلها تلك الفلسفات والأساطير والخرافات التي يصعب إزالتها، كما في الشعوب الهندية والرومانية والفارسية، فكأن قلوبهم كانت تعد لحمل أعظم رسالة في الوجود وهي دعوة الإسلام الخالدة؛ ولهذا كانوا أحفظ شعب عرف في ذلك الزمن، وقد وجه الإسلام قريحة الحفظ والذكاء إلى حفظ الدين وحمايته، فكانت قواهم الفكرية، ومواهبهم الفطرية مذخورة فيهم، لم تستهلك في فلسفات خيالية، وجدال بيزنطي عقيم، ومذاهب كلامية معقدة(3).

واتساع لغتهم دليل على قوة حفظهم وذاكرتهم، فإذا كان للعسل ثمانون اسمًا وللثعلب مائتان وللأسد خمسمائة، فإن للجمل ألفًا، وكذا السيف، وللداهية نحو أربعة آلاف اسم، ولا شك أن استيعاب هذه الأسماء يحتاج إلى ذاكرة قوية حاضرة وقَّادة(4).

وقد بلغ بهم الذكاء والفطنة إلى الفهم بالإشارة فضلا عن العبارة، والأمثلة على ذلك كثيرة)5).







(1)المصدر السابق ( 1 / 94 ) .

(2) انظر : السيرة النبوية للندوي ص 12 .

(3) انظر : السيرة النبوية للندوي ص 12 .

(4) بلوغ الأرب ( 1 / 39 ــ 40 ) .
(5) انظر : مدخل لفقه السيرة ص 79 ، 80 .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #65  
قديم 21-03-2020, 10:17 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: السيرة النبوية والشمائل المحمدية **متجددة إن شاء الله


السيرة النبوية والشمائل المحمدية
الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر

الحلقة(65)



حالة العرب قبل الإسلام (8- 10)



تابع : الحالة الأخلاقية:

2- أهل كرم وسخاء:

كان هذا الخُلُق متأصلا في العرب، وكان الواحد منهم لا يكون عنده إلا فرسه، أو ناقته، فيأتيه الضيف، فيسارع إلى ذبحها، أو نحرها له، وكان بعضهم لا يكتفي بإطعام الإنسان بل كان يطعم الوحش، والطير، وكرم حاتم الطائي سارت به الركبان، وضربت به الأمثال (1) .



3- أهل شجاعة ومروءة ونجدة:

كانوا يتمادحون بالموت قتلاً، ويتهاجون بالموت على الفراش قال أحدهم لما بلغه قتل أخيه: إن يقتل فقد قتل أبوه وأخوه وعمه، إنا والله لا نموت حتفًا، ولكن قطعًا بأطراف الرماح، وموتًا تحت ظلال السيوف:

وما مات منا سيد حتف أنفه ... ولا طُلّ منا حيث كان قتيل

تسيل على حد الظباة نفوسنا ... وليست على غير الظباة تسيل

وكان العرب لا يقدمون شيئا على العز وصيانة العرض، وحماية الحريم، واسترخصوا في سبيل ذلك نفوسهم قال عنترة:

بَكَرَت تخوفني الحُتوف كأنني ... أصبحت عن غرض الحتوف بمعزلِ

فأجبتها إن المنية منهل ... لا بد أن أُسْقى بكأس المنهلِ

فأقني حياءك لا أبا لك واعلمي ... أني امرؤ سأموت إن لم أقتل(2)

وقال عنترة:

لا تسقني ماء الحياة بذلة ... بل فاسقني بالعز كأس الحنظل

ماء الحياة بذلة كجهنم ... وجهنم بالعز أطيب منزل(3)

وكان العرب بفطرتهم أصحاب شهامة ومروءة، فكانوا يأبون أن ينتهز القوي الضعيف، أو العاجز، أو المرأة أو الشيخ، وكانوا إذا استنجد بهم أحد أنجدوه ويرون من النذالة التخلي عمن لجأ إليهم.



4- عشقهم للحرية، وإباؤهم للضيم والذل:

كان العربي بفطرته يعشق الحرية، يحيا لها، ويموت من أجلها، فقد نشأ طليقًا لا سلطان لأحد عليه، ويأبى أن يعيش ذليلاً، أو يمس في شرفه وعرضه ولو كلفه ذلك حياته(4)، فقد كانوا يأنفون من الذل ويأبون الضيم والاستصغار والاحتقار، وإليك مثال على ذلك.

جلس عمرو بن هند ملك الحيرة لندمائه وسألهم: هل تعلمون أحدًا من العرب تأنف أمه خدمة أمي؟ قالوا: نعم، أم عمرو بن كلثوم الشاعر الصعلوك.

فدعا الملك عمرو بن كلثوم لزيارته، ودعا أمه لتزور أمه، وقد اتفق الملك مع أمه أن تقول لأم عمرو بن كلثوم بعد الطعام: ناوليني الطبق الذي بجانبك، فلما جاءت قالت لها ذلك، فقالت: لتقم صاحبة الحاجة إلى حاجتها، فأعادت عليها الكرة وألحت، فصاحت ليلى أم عمرو بن كلثوم: وا ذلاه يا لتغلب.. فسمعها ابنها فاشتد به الغضب فرأى سيفا للملك معلقا بالرواق فتناوله وضرب به رأس الملك عمرو بن هند، ونادى في بني تغلب، وانتهبوا ما في الرواق، ونظم قصيدة يخاطب بها الملك قائلا:

بأي مشيئة عمرو بن هند ... نكون لقيلكم(5) فيها قطينا(6)

بأي مشيئة عمرو بن هند ... تطيع بنا الوشاة وتزدرينا(7)

تهددنا وتوعدنا رويدًا ... متى كنا لأمك مقتوينا(8)

إذا ما الملك سام الناس خسفًا ... أبينا أن نقر الذل فينا(9)




(1) انظر : السيرة النبوية لأبي شهبة ( 1 / 95 ) .

(2) ديوان عنترة ص 252 .

(3) ديوان عنترة ص 82 .

(4) انظر : السيرة النبوية لأبي شهبة ( 1 / 95 ) .

(5) القيل هو : الملك دون الملك الأعظم .

(6) القطين هم : الخدم والمماليك .

(7) تزدرينا : تحتقرنا .

(8) مقتوينا : خدمة الملوك .

(9) انظر : شرح المعلقات للحسين الزوزني ص 196 ، 204 .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #66  
قديم 28-03-2020, 04:20 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: السيرة النبوية والشمائل المحمدية **متجددة إن شاء الله

السيرة النبوية والشمائل المحمدية
الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر

الحلقة(66)



حالة العرب قبل الإسلام (9- 10)



تابع : الحالة الأخلاقية:
5- الوفاء بالعهد وحبهم للصراحة والوضوح والصدق:
كانوا يأنفون من الكذب ويعيبونه، وكانوا أهل وفاء، ولهذا كانت الشهادة باللسان كافية للدخول في الإسلام، ويدل على أنفتهم من الكذب قصة أبي سفيان مع هرقل لما سأله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت الحروب بينهم قائمة قال: «لولا الحياء من أن يأثروا علي كذبًا لكذبت عنه»(1).
أما وفاؤهم: فقد قال النعمان بن المنذر لكسرى في وفاء العرب: «وإن أحدهم يلحظ اللحظة ويومئ الإيماء فهي وَلث وعقدة لا يحلها إلا خروج نفسه، وإن أحدهم يرفع عودًا من الأرض فيكون رهنًا بدينه فلا يُغلق رهنه ولا تخفر ذمته، وإن أحدهم ليبلغه أن رجلاً استجار به، وعسى أن يكون نائيا عن داره، فيصاب، فلا يرضى حتى يفنى تلك القبيلة التي أصابته، أو تفنى قبيلته لما أخفر من جواره، وأنه ليلجأ إليهم المجرم المحدث من غير معرفة ولا قرابة فتكون أنفسهم دون نفسه وأموالهم دون ماله»(2).
والوفاء خلق متأصل بالعرب، فجاء الإسلام ووجهه الوجهة السليمة، فغلظ على من آوى محدثًا مهما كانت منزلته وقرابته، قال صلى الله عليه وسلم: «لعن الله من آوى محدثا»(3).
ومن القصص الدالة على وفائهم:
: «أن الحارث بن عباد قاد قبائل بكر لقتال تغلب وقائدهم المهلهل الذي قتل ولد الحارث، وقال: (بؤ بشسع نعل كليب) في حرب البسوس، فأسر الحارث مهلهلاً وهو لا يعرفه، فقال دلني على مهلهل بن ربيعة وأخلي عنك، فقال له: عليك العهد بذلك إن دللتك عليه، قال: نعم قال: فأنا هو، فجز ناصيته وتركه» وهذا وفاء نادر ورجولة تستحق الإكبار(4). ومن وفائهم: أن النعمان بن المنذر خاف على نفسه من كسرى لما منعه من تزويج ابنته فأودع أسلحته وحرمه إلى هانئ بن مسعود الشيباني، ورحل إلى كسرى فبطش به، ثم أرسل إلى هانئ يطلب منه ودائع النعمان، فأبى، فسير إليه كسرى جيشًا لقتاله فجمع هانئ قومه آل بكر وخطب فيهم فقال: «يا معشر بكر، هالك معذور، خير من ناج فرور، إن الحذر لا ينجي من قدر، وإن الصبر من أسباب الظفر، المنية ولا الدنية، استقبال الموت خير من استدباره، الطعن في ثغر النحور، أكرم منه في الأعجاز والظهور، يا آل بكر قاتلوا فما للمنايا من بد»(6)، واستطاع بنو بكر أن يهزموا الفرس في موقعة ذي قار، بسبب هذا الرجل الذي احتقر حياة الصغار والمهانة، ولم يبال بالموت في سبيل الوفاء بالعهود.
6- الصبر على المكاره وقوة الاحتمال، والرضا باليسير:
كانوا يقومون من الأكل ويقولون: البطنة تذهب الفطنة، ويعيبون الرجل الأكول الجشع، قال شاعرهم:
إذا مدت الأيدي إلى الزاد لم أكن ... بأعجلهم إذا أجشع القوم أعجل(6)
وكانت لهم قدرة عجيبة على تحمل المكاره والصبر في الشدائد، وربما اكتسبوا ذلك من طبيعة بلادهم الصحراوية الجافة، قليلة الزرع والماء، فألفوا اقتحام الجبال الوعرة، والسير في حر الظهيرة، ولم يتأثروا بالحر ولا بالبرد، ولا وعورة الطريق، ولا بعد المسافة، ولا الجوع، ولا الظمأ، ولما دخلوا الإسلام ضربوا أمثلة رائعة في الصبر، والتحمل وكانوا يرضون باليسير، فكان الواحد منهم يسير الأيام مكتفيا بتمرات يقيم بها صلبه، وقطرات من ماء يرطب بها كبده(7).



(1) أخرجه البخاري ( 7 ) ومسلم ( 1773 ) .
(2) بلوغ الأرب ( 1 / 150 ) .
(3) أخرجه مسلم ( 1978 ) والنسائي ( 7 / 232 ) .
(4) انظر : مدخل لفهم السيرة ص 90، 91 .
(5) تاريخ الطبري ( 2 / 207 ).
(6) بلوغ الأرب ( 1 / 377 ) .
(7) انظر : السيرة النبوية لأبي شهبة ( 1 / 96 ، 97 ) .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #67  
قديم 28-03-2020, 04:30 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: السيرة النبوية والشمائل المحمدية **متجددة إن شاء الله

السيرة النبوية والشمائل المحمدية
الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر

الحلقة(67)



حالة العرب قبل الإسلام (10- 10)

تابع : الحالة الأخلاقية:
7- قوة البدن وعظمة النفس:
واشتهروا بقوة أجسادهم مع عظمة النفس وقوة الروح، وإذا اجتمعت البطولة النفسية إلى البطولة الجسمانية صنعتا العجائب، وهذا ما حدث بعد دخولهم في الإسلام. كما كانوا ينازلون أقرانهم وخصومهم، حتى إذا تمكنوا منهم عفوا عنهم وتركوهم، يأبون أن يجهزوا على الجرحى، وكانوا يرعون حقوق الجيرة، ولا سيما رعاية النساء والمحافظة على العرض قال شاعرهم:
وأغض طرفي إن بدت لي جارتي ... حتى يواري جارتي مأواها
وكانوا إذا استجار أحد الناس بهم أجاروه، وربما ضحوا بالنفس والولد والمال في سبيل ذلك.
كانت هذه الفصائل والأخلاق الحميدة رصيدا ضخما في نفوس العرب، فجاء الإسلام فنماها وقواها، ووجهها وجهة الخير والحق، فلا عجب إذا كانوا انطلقوا من الصحاري كما تنطلق الملائكة الأطهار، فتحوا الأرض، وملئوها إيمانا بعد أن ملئت كفرا، وعدلا بعد أن ملئت جورا، وفضائل بعد أن عمتها الرذائل، وخيرا بعد أن طفحت شرا(1)
هذه بعض أخلاق المجتمع الذي نشأ فيه الإنسان العربي فهو أفضل المجتمعات، لهذا اختير رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واختير له هذا المجتمع العربي، وهذه البيئة النادرة، وهذا الوسط الرفيع مقارنة بالفرس والروم والهنود واليونان، فلم يختر من الفرس على سعة علومهم ومعارفهم ولا من الهنود على عمق فلسفاتهم، ولا من الرومان على تفننهم، ولا من اليونان على عبقرية شاعريتهم وخيالهم، وإنما اختير من هذه البيئة البكر؛ لأن هؤلاء الأقوام وإن كانوا على ما هم عليه وما هم فيه من علوم ومعارف، إلا أنهم لم يصلوا إلى ما وصل إليه العرب من سلامة الفطرة، وحرية الضمير، وسمو الروح(2).



(1) انظر : السيرة النبوية للدكتور محمد أبو شهبة ( 1 / 97 ) .
(2) انظر : السيرة النبوية للصلابي ( 1 / 29 ــ 48 ) .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #68  
قديم 28-03-2020, 04:33 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: السيرة النبوية والشمائل المحمدية **متجددة إن شاء الله


السيرة النبوية والشمائل المحمدية
الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر

الحلقة(68)



إرهاصات النبوة الخاتمة



اقتضت حكمة الله جل جلاله أن الأحداث العامة لا تأتي للناس بغتة ، وإنما لها بين يديها مقدمات تمهد لها ، وبشائر تعلن عن قدومها ، لتتهيأ الأذهان لتلقيها ، ولتستعد القلوب للتجاوب معها .

أرأيت إلى الشمس ؟ أتراها تطلع في أفق من الآفاق دون أن تسبقها أضواء الصباح ، ودون أن تقوم بين يديها أنسام الفجر لتوقظ الأحياء لها ، وتهيئهم لاستقبالها ، وتملأ عيونهم نورا هاديا مترفقا قبل أن يغمرهم ضوئها ، ويغشى أبصارهم شعاعها !؟.

أرأيت إلى الغيث والمطر ؟ أتراه يأتي فجأة دون أن يسبقه غيم يبشر بقدومه ، أو رعد وبرق ينذر بحلوله حتى يأخذ الناس استعدادهم فيطمعوا أو يفزعوا !؟.

ثم أرأيت إلى صنيع الناس وتدبيرهم مع ملوكهم ورؤسائهم ؟ أتراهم يلقون هؤلاء الملوك والرؤساء فجأة وعلى غير انتظار ؟ أم تراهم يتخذون لذلك من الوسائل ما يوقظ الناس ويلفتهم إلى لقائهم قبل أن يطلعوا عليهم ، وتلتقي أعينهم بهم !؟

وما الشمس في جلالها وعظمتها ؟ وما الغيث في إطماعه وإفزاعه ؟ وما الملوك والرؤساء في سلطانهم وهيبتهم ؟

إنهم أرض والنبوة سماء! وإنهم رعية والنبوة راعية ! وإنهم طل والنبوة وابل ! وإنهم جند والنبي قائد ! وإنهم صغار والنبي قيم على هؤلاء الصغار !

ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم آية الآيات في النبوات ... ولها من الآثار في الحياة بقدر ما تفرق في النبوات كلها ... إنها ليست لشعب أو قبيلة أو بلدة ، وإنها ليست لجيل أو جيلين أو ثلاثة أجيال من الناس ... بل هي للإنسانية كلها ، وللأجيال جميعها .. منذ ظهور هذه النبوة إلى أن ينتهي دور الإنسانية على هذه الأرض

لذلك فإن ظهور النبي ، بل خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم ، لا يمكن أن يقع دون أن يقوم بين يدي موكبه من يعلن في الناس نبأه ، ويفسح الطريق لهذا الموكب الجليل المهيب .

من ثم كانت الإرهاصات التي سبقت وصاحبت ميلاده صلى الله عليه وسلم ، والإرهاصات التي صاحبت نشأته وتقدمت نبوته صلى الله عليه وسلم ، وبقدر ما كانت نبوته ورسالته جليلة القدر ، عظيمة المنزلة ، وبقدر مكانته العظيمة عند ربه ، بقدر ما كان الإرهاص له صلى الله عليه وسلم أعمق في التاريخ أثرا ، وأفسح مدى في جوانبه العلمية .

تعريف الإرهاص :

الإرهاص : هو تلك الأمارات والمقدمات والعلامات المخالفة للمألوف والخارقة للعادة ــ التي تسبق بعثة أو ميلاد نبي من الأنبياء ، والتي تشير إلى أن هذا الإنسان هو معدن الخير ومرجى الكمال (1).

المعجزة الفرق بين الإرهاص:

المعجزة : هي أمر خارق للعادة يظهره الله على يد مدعي النبوة-تصديقاً لرسالته وتأييداً لدعوته -مقرون بالتحدي ، سالم من المعارضة (2).

ومن خلال هذا التعريف للمعجزة يتضح أن الإرهاص والمعجزة يشتركان في خرق العادة ، لكن الإرهاص زمنه قبل النبوة ، فهو إما سابق لميلاد النبي أو مصاحب لميلاده ونشأته ولا يقترن به تحدي ، بل يكون توطئة للنبوة وتأسيسا للرسالة ، بخلاف المعجزة ، فإنها تكون في زمن النبوة ومقرونة بالتحدي .






(1)- انظر : التعريفات للجرجاني ص16 ، والتوقيف على مهمات التعاريف للمناوي ص51 .

(2)- الإتقان للسيوطي ( 2 / 311 ) .






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #69  
قديم 28-03-2020, 04:37 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: السيرة النبوية والشمائل المحمدية **متجددة إن شاء الله

السيرة النبوية والشمائل المحمدية
الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر

الحلقة(69)

المنهج الأمثل في دراسة الإرهاصات1
عرفنا أن الإرهاص : أمر خارق للعادة يظهر للنبي قبل بعثته ، وللعلماء في خوارق العادات مواقف شتى ورؤى متعددة .
ففريق : شط به خياله وجنحت به عاطفته ، فأثبت من الخوارق ما لم يقم له سند من نقل أو يعضده تأييد من عقل .
وفريق آخر : تبلد عقله وجف إحساسه ، فأنكر أو أوّل ما أثبته النص الصريح ، وشهد له النقل الصحيح .
وكلا الطرفين مخطئ في موقفه ، جانح إلى غير الصواب في رأيه ، فإذا كان وزر المتزيدين في الروايات أنهم تزيدوا وأغرقوا ، وقبلوا كل تافه وغثاء ، فوزر المنكرين والمتأولين أنهم أجحفوا وتنقصوا وظلموا ، وردوا ظاهر القرآن وصحيح الرواية لغير ضرورة ملجئة .
والمذهب الصحيح في تقبل الإرهاصات والمعجزات أن تثبت بها الرواية ثبوتا لا يحتمل الطعن والتجريح .
وليس من الإنصاف أن نثبت ما لم يثبت لأننا بذلك ندخل في الدين ما ليس منه ، كما أنه من الإجحاف والاعتساف أن ننكر أو نأول ما ثبت لأننا بذلك نخرج من الدين ما هو منه .
يقول الأستاذ محمد الصادق عرجون : " ليس من رأينا ولا في مذهبنا أن ننكر الإرهاصات المعجزة جمودا مع الجامدين المتعالين الذين يريدون أن يخضعوا جلال الألوهية وعظم سلطانها لسلطان عقولهم في حدود ما يعرفون من سنن الحياة ، هذا غرور بليد لأن ما عرف من سنن الحياة تافه قليل إلى جانب ما لم يعرف .
وحتى الذي عرف من سنن الحياة لا ينكر هذا الضرب من الخلق والتكوين الذي يراه من يقيسه إلى سنن الحياة العامة المألوفة المتكررة معجزا خارقا لقوانينها ، وهو في نظامه وتكوينه وأسبابه خاضع لسنن خاصة تعرفها الحياة في أوقات ومناسبات خاصة ، فهو في حقيقة أمره من سنن الله القائمة على أسباب ومناسبات مطردة في بابها وطرائقها .
وإنما مذهبنا في تقبل هذه الإرهاصات يقوم على دعائم ثلاث :
أولها : أن وقوع حوادث كونية تخفى على العقول أسبابها وعواملها المنشئة ــ وهو ما نسميه بالأعاجيب ويسمى في مشهور عرف العلماء بالإرهاصات إن وقع قبل النبوة ، وبالمعجزات والآيات إن وقع في زمن النبوة ــ أمر قامت على جوازه ووقوعه الدلائل من النصوص القطعية في الكتب السماوية ، والنقول التاريخية التي بلغت في جملتها مبلغ التواتر القاطع ، ومن البراهين العقلية التي تقرر هذه السنن الخاصة وقيومية الخالق عز شانه وإطلاق قدرته من قيود القوانين والعادات المعلومة في حدود مدارك العقول الإنسانية ، إلى سنن كونية وقوانين للوجود فوق آفاق تلك العقول، تحدث على وفقها تلك الأحداث الكونية والأعاجيب الإعجازية إذا تطلبتها أسبابها وحانت مناســباتها ، والله فعال لما يـريد لا يسأل عما يفعل .
ثانيها : أن القرآن الكريم - وهو أثبت وأصدق نص تاريخي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه - قص علينا في قصص الأنبياء بعض آياتهم المعجزة من الأحداث الكونية التي وقعت على أيديهم مما جرى مجرى التشريف والتكريم ، ومما تحدوا به أقوامهم ، مما لا يمكن أن يدخل تحت سنة من سنن الحياة المعروفة للعقول ، والمعهودة في حياة الناس ومألوفهم ، وقد سمى القرآن بعض تلك الآيات الكونية المتحدية براهين ، فانقلاب عصى موسى حية تسعى ، وإخراج يده بيضاء من غير سوء ، وانفلاق البحر له ولقومه ، ونتق الجبل فوقهم كالظلة ، وإحياء عيسى للموتى ، وإبراؤه للأكمه والأبرص ، وإنباؤه قومه بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم ، وخلقه من غير أب ، وإيتاء أمه مريم عليه السلام رزقا دون حركة آلية أو تسبب مما بعث كافلها زكريا عليه السلام على التعجب ، ونقل عرش بلقيس من المسافة البعيدة في أسرع من لمح البصر ، وما وقع لأصحاب الكهف ، وعدم إحراق النار إبراهيم عليه السلام ، وسائر آيات الأنبياء في قصصهم التي لا تحتمل تمحلا ولا تأويلا ، كل ذلك من الأعاجيب المعجزة والخوارق التي وقعت فعلا وشهدها الوجود ، واستفاضت بها روايات التاريخ بنقل الأجيال عن الأجيال منذ كانت النبوة لبني الإنسان إلى يوم الناس هذا استفاضة تدفع بمنكريها إلى محابس الممرورين وذوي العته العقلي ونقص التكوين الإدراكي .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #70  
قديم 15-04-2020, 05:46 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: السيرة النبوية والشمائل المحمدية **متجددة إن شاء الله


السيرة النبوية والشمائل المحمدية
الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر

الحلقة(70)

المنهج الأمثل في دراسة الإرهاصات2



ثالثها : إذا ثبت وقوع الأعاجيب ــ المعجزة والحوادث الكونية الخارقة ــ لمعروف العقول في سنن الحياة العامة ، فالنظر فيما يروى منها جملة في سيرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قبل نبوته أو في زمنها يجري على سنن تلك الآيات وقوانينها ، ويبقى على الباحث النظر في إثبات أفراد تلك الحوادث والجزئيات التي سجلتها السيرة النبوية ، فما ثبت منها بطريق صحيح السند ، صادق الرواية ، وجب قبوله والإذعان بوقوعه ، لأن رده أو التشكك فيه بعد ثبوته بهذه الطريقة التي لا طريق للإثبات التاريخي فوقها رد لبرهان العقل القاطع ، ورد لنص القرآن في إثبات الآيات المعجزة ، ولا فرق بين آية وآية ، ورد البرهان العقلي والنص القرآني إلحاد في دين الله ، أو جهل بسنن الحياة ، أو تشكيك في قدرة الله .

وما لم يثبت منها هذا الثبوت فنحن في حل من إنكار وقوعه أو التوقف في الحكم عليه إثباتا أو نفيا ، والتوقف أسلم وأحكم ــ كما يقول علماؤنا ــ لأنه محتمل الثبوت ، وقد قامت الدلائل في العلم التجريبي ، وفي وسائل البحث التاريخي على أن كثيرا مما كان ينكر من الحقائق العلمية والحوادث التاريخية أصبح ثابتا مقررا في بدائه العقول ، وكثيرا ما كان يزعم حقائق علمية ومقررات تاريخية صار في مهب الأساطير والخرافات ، فالتسرع في الإنكار خطل في الرأي ، والتسرع في التصديق قبل الإثبات غميزة في العقل(1) .

وعلى هذا الهدي نسير في هذه الدراسة إن شاء الله تعالى ، فنعرض لما يروى في السيرة العطرة من هذه الأعاجيب الكونية المعجزة ، نحاكمه إلى صحة السند وصدق الرواية ، فإذا ثبت لهذه المحاكمة وفاز فيها بعنوان الوجود الواقعي سجلناه مؤمنين مذعنين ، وإذا لم يثبت وطاحت به الرواية أو خانه السند الصحيح طرحناه حيث ينتهي غير آسفين .

المرتبة الأولى في الإثبات : وأعلى ذلك عندنا وأرفعه في منازل القبول والصدق القاطع ما يذكره القرآن الكريم في صراحة ظاهرة ، أو يشير إليه إشارة لماحة ، وبين المرتبتين من الفرق ما بين الأسلوبين في التعبير ، فلا يجوز التلبث في قبول المرتبة الأولى والإيمان بها ، ولا يقبل أن يمشي التأويل إلى ساحتها ، تشبثا من المتأولين بمعروف العقول ، وقضايا العلم ، وقوانين المنطق ، ومألوف سنن الحياة ، لأن معروف العقول ،وقضايا العلم ، وقوانين المنطق ، ومألوف سنن الحياة مخلوقة لله تعالى فهي محكومة بواسع قدرته ، ومطلق سلطانه في تصريف خلقه ، فلا يسوغ في معروف العقول السليمة ، وقضايا العلم الصحيح ، وقوانين المنطق المستقيم أن تجعل حاكمة عل خالقها ، وإلا كانت الألوهية ضربا من الوثنية التي يصطنعها الناس بعقولهم وعواطفهم وأخيلتهم .

والمسألة هنا ليست مسألة عقل يحكم أو منطق يقيس ويبرم ثم ينتهي كل شيء ، وإنما هي مسألة عقل يبحث في أصل الإيجاد والإبداع ، فإذا استقام له أن يقيم هذا الأصل على دعائم ثابتة جاءت الحوادث الجزئية بطبيعتها خاضعة لناموس الإيجاد والإبداع العام فقط دون أي ناموس آخر يحكمها في وجودها الجزئي .

أما المرتبة الثانية : وهي الأعاجيب التي يشير إليها القرآن ولا يذكرها صراحة فإن تأيدت بروايات صحيحة السند من السنة النبوية كان حظها في الإيمان بها وقبولها مثل حظ سابقتها ، لكن لا على أنها هي التفسير للنص القرآني قطعا كما في المرتبة السابقة ، بل على أنها وجه لتخريج النص وفهمه مع قيام صحة غيره من الوجوه المحتملة إذا استقام لها الدليل ، وإن لم نجد لها عضدا قويا من الرواية الصحيحة قبلنا ما يذكر فيها من تأويل قويم على أنه معنى راجح في الدلالة على استنباط ما تشير إليه من حادث كوني معجز دون أن ينفي صحة أن يكون هذا الحادث الكوني المشار إليه معنى من معاني النص المحتملة .

ودون ذلك مراتب : أعلاها ما يروى في المصادر المعتبرة عند ذوي العلم بسند صحيح وطرق متعددة ، وأدناها ما ينفرد بروايته مصدر ضعيف أو راو لا يتحرز .

أما الآثار والأحاديث والموضوعات والأباطيل التي ينص الأئمة على وضعها واختلاقها فلا تصلح أن تكون في مراتب الاعتداد والحسبان (2).

والأمثلة على ما ذكرناه من المراتب كثيرة في السيرة النبوية ، ولا تعوز الباحث ، فهو يجدها أنى طلبها ، وسوف نقف ــ بإذن الله تعالى ــ على أمثلة لها في هذه الدراسة المباركة .





(1) ــ محمد رسول الله ( 1 / 105 ــ 108 ) باختصار وتصرف .

(2) ــ محمد رسول الله ( 1 / 109 ــ 111 ).






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 185.43 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 179.37 كيلو بايت... تم توفير 6.06 كيلو بايت...بمعدل (3.27%)]