تفسير البغوى****متجدد إن شاء الله - الصفحة 4 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         شرح كتاب فضائل القرآن من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 10 - عددالزوار : 211 )           »          مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 117 - عددالزوار : 28455 )           »          مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 175 - عددالزوار : 60073 )           »          خطورة الوسوسة.. وعلاجها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          إني مهاجرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          الضوابط الشرعية لعمل المرأة في المجال الطبي.. والآمال المعقودة على ذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 47 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 30 - عددالزوار : 847 )           »          صناعة الإعلام وصياغة الرأي العام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          من تستشير في مشكلاتك الزوجية؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 43 )           »          فن إيقاظ الطفل للذهاب إلى المدرسة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #31  
قديم 17-09-2020, 05:20 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير البغوى****متجدد إن شاء الله

الحلقة (27)
- تفسير البغوى
سورة البقرة
الاية 158 إلى الاية 164
أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي

( إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم ( 158 ) )

قوله تعالى ( إن الصفا والمروة من شعائر الله ) الصفا جمع صفاة وهي الصخرة الصلبة الملساء يقال صفاة وصفا ، مثل حصاة وحصى ونواة ونوى والمروة : الحجر الرخو وجمعها مروات وجمع الكثير مرو مثل تمرة وتمرات وتمر . وإنما عنى بهما الجبلين المعروفين بمكة في طرفي المسعى ولذلك أدخل فيهما الألف واللام وشعائر الله أعلام دينه أصلها من الإشعار وهو الإعلام واحدتها شعيرة وكل ما كان معلما لقربان يتقرب به إلى الله تعالى من صلاة ودعاء وذبيحة فهو شعيرة فالمطاف والموقف والنحر كلها شعائر الله ومثلها المشاعر والمراد بالشعائر هاهنا المناسك التي جعلها الله أعلاما لطاعته فالصفا والمروة [ ص: 173 ] منها حتى يطاف بهما جميعا ( فمن حج البيت أو اعتمر ) فالحج في اللغة القصد والعمرة : الزيارة وفي الحج والعمرة المشروعين قصد وزيارة ( فلا جناح عليه ) أي لا إثم عليه وأصله من جنح أي مال عن القصد ( أن يطوف بهما ) أي يدور بهما وأصله يتطوف أدغمت التاء في الطاء

وسبب نزول هذه الآية أنه كان على الصفا والمروة صنمان أساف ونائلة وكان أساف على الصفا ونائلة على المروة وكان أهل الجاهلية يطوفون بين الصفا والمروة تعظيما للصنمين ويتمسحون بهما فلما جاء الإسلام وكسرت الأصنام كان المسلمون يتحرجون عن السعي بين الصفا والمروة لأجل الصنمين فأذن الله فيه وأخبر أنه من شعائر الله .

واختلف أهل العلم في حكم هذه الآية ووجوب السعي بين الصفا والمروة في الحج والعمرة فذهب جماعة إلى وجوبه وهو قول ابن عمر وجابر وعائشة وبه قال الحسن وإليه ذهب مالك والشافعي وذهب قوم إلى أنه تطوع وهو قول ابن عباس وبه قال ابن سيرين ومجاهد وإليه ذهب سفيان الثوري وأصحاب الرأي . وقال الثوري وأصحاب الرأي على من تركه دم .

واحتج من أوجبه بما أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الكسائي الخطيب أخبرنا عبد العزيز بن أحمد الخلال أخبرنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم أخبرنا الربيع بن سليمان أخبرنا الشافعي أخبرنا عبد الله بن مؤمل العائذي عن عمرو بن عبد الرحمن بن محيصن عن عطاء بن أبي رباح عن صفية بنت شيبة قالت أخبرتني بنت أبي تجراة - اسمها حبيبة إحدى نساء بني عبد الدار - قالت : دخلت مع نسوة [ ص: 174 ] من قريش دار آل أبي حسين ننظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يسعى بين الصفا والمروة فرأيته يسعى وإن مئزره ليدور من شدة السعي حتى لأقول إني لأرى ركبتيه وسمعته يقول اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي .

أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمد السرخسي أخبرنا زاهر بن أحمد أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي أخبرنا أبو مصعب عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال قلت لعائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أرأيت قول الله تعالى ( إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ) فما أرى على أحد شيئا ألا يطوف بهما قالت عائشة : كلا لو كانت كما تقول كانت فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما إنما أنزلت هذه الآية في الأنصار كانوا يهلون لمناة وكانت مناة حذو قديد وكانوا يتحرجون أن يطوفوا بين الصفا والمروة . فلما جاء الإسلام سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأنزل الله تعالى ( إن الصفا والمروة من شعائر الله ) الآية

قال عاصم : قلت لأنس بن مالك أكنتم تكرهون السعي بين الصفا والمروة قال : نعم لأنها كانت من شعائر الجاهلية حتى أنزل الله تعالى ( إن الصفا والمروة من شعائر الله )

أخبرنا أبو الحسن السرخسي أخبرنا زاهر بن أحمد أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي أخبرنا أبو مصعب عن مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج من المسجد وهو يريد الصفا يقول نبدأ بما بدأ الله تعالى به فبدأ بالصفا . وقال كان إذا وقف على الصفا يكبر ثلاثا ويقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير . يصنع ذلك ثلاث مرات ويدعو ويصنع على المروة مثل ذلك . وقال كان إذا نزل من الصفا مشى حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي يسعى حتى يخرج منه . [ ص: 175 ]

قال مجاهد : - رحمه الله - حج موسى عليه السلام على جمل أحمر وعليه عباءتان قطوانيتان ، فطاف البيت ثم صعد الصفا ودعا ثم هبط إلى السعي وهو يلبي فيقول لبيك اللهم لبيك . فقال الله تعالى لبيك عبدي وأنا معك فخر موسى عليه السلام ساجدا .

قوله تعالى ( ومن تطوع خيرا ) قرأ حمزة والكسائي بالياء وتشديد الطاء وجزم العين وكذلك الثانية " فمن تطوع خيرا فهو خير له وأن تصوموا " ( 184 - البقرة ) بمعنى يتطوع ووافق يعقوب في الأولى وقرأ الباقون بالتاء وفتح العين في الماضي وقال مجاهد : معناه فمن تطوع بالطواف بالصفا والمروة . وقال مقاتل والكلبي : فمن تطوع أي زاد في الطواف بعد الواجب . وقيل من تطوع بالحج والعمرة بعد أداء الحجة الواجبة عليه وقال الحسن وغيره أراد سائر الأعمال يعني فعل غير المفترض عليه من زكاة وصلاة وطواف وغيرها من أنواع الطاعات ( فإن الله شاكر ) مجاز لعبده بعمله ( عليم ) بنيته . والشكر من الله تعالى أن يعطي لعبده فوق ما يستحق . يشكر اليسير ويعطي الكثير
( إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون ( 159 ) إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم ( 160 ) )

قوله تعالى ( إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب ) نزلت في علماء اليهود كتموا صفة محمد صلى الله عليه وسلم وآية الرجم وغيرهما من الأحكام التي كانت في التوراة ( أولئك يلعنهم الله ) وأصل اللعن الطرد والبعد ( ويلعنهم اللاعنون ) أي يسألون الله أن يلعنهم ويقولون اللهم العنهم . واختلفوا في هؤلاء اللاعنين قال ابن عباس : جميع الخلائق إلا الجن والإنس . وقال قتادة : هم الملائكة وقال عطاء : الجن والإنس وقال الحسن : جميع عباد الله قال ابن مسعود : ما تلاعن اثنان من المسلمين إلا رجعت تلك اللعنة على اليهود والنصارى الذين كتموا أمر محمد صلى الله عليه وسلم وصفته وقال مجاهد : اللاعنون البهائم تلعن عصاة بني آدم إذا اشتدت السنة وأمسك المطر وقالت هذا من شؤم ذنوب بني آدم ثم استثنى فقال

( إلا الذين تابوا ) من الكفر ( وأصلحوا ) أسلموا وأصلحوا الأعمال فيما بينهم وبين ربهم ( وبينوا ) ما كتموا ( فأولئك أتوب عليهم ) أتجاوز عنهم وأقبل توبتهم ( وأنا التواب ) [ ص: 176 ] الرجاع بقلوب عبادي المنصرفة عني إلي ( الرحيم ) بهم بعد إقبالهم علي
( إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ( 161 ) خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون ( 162 ) وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم ( 163 ) )

( إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة ) أي لعنة الملائكة ( والناس أجمعين ) قال أبو العالية : هذا يوم القيامة يوقف الكافر فيلعنه الله ثم تلعنه الملائكة ثم يلعنه الناس فإن قيل فقد قال ( والناس أجمعين ) والملعون هو من جملة الناس فكيف يلعن نفسه قيل يلعن نفسه في القيامة قال الله تعالى : " ويلعن بعضكم بعضا " ( 25 - العنكبوت ) وقيل إنهم يلعنون الظالمين والكافرين ومن يلعن الظالمين والكافرين وهو منهم فقد لعن نفسه

( خالدين فيها ) مقيمين في اللعنة وقيل في النار ( لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون ) لا يمهلون ولا يؤجلون وقال أبو العالية : لا ينظرون فيعتذروا كقوله تعالى " ولا يؤذن لهم فيعتذرون " ( 36 - المرسلات )

قوله تعالى : ( وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم ) سبب نزول هذه الآية أن كفار قريش قالوا يا محمد صف لنا ربك وانسبه فأنزل الله تعالى هذه الآية وسورة الإخلاص والواحد الذي لا نظير له ولا شريك له .

أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أخبرنا أبو منصور السمعاني أخبرنا أبو جعفر الرياني أخبرنا حميد بن زنجويه أخبرنا بكر بن إبراهيم وأبو عاصم عن عبد الله بن أبي زياد عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد أنها قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن في هاتين الآيتين اسم الله الأعظم ( الله لا إله إلا هو الحي القيوم ) [ ص: 177 ]

قال أبو الضحى لما نزلت هذه الآية قال المشركون إن محمدا يقول إن إلهكم إله واحد فليأتنا بآية إن كان من الصادقين فأنزل الله عز وجل
( إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون ( 164 ) )

( إن في خلق السماوات والأرض ) ذكر السماوات بلفظ الجمع والأرض بلفظ الواحد لأن كل سماء ليست من جنس واحد بل من جنس آخر والأرضون كلها من جنس واحد وهو التراب فالآية في السماوات سمكها وارتفاعها من غير عمد ولا علاقة وما ترى فيها من الشمس والقمر والنجوم والآية في الأرض مدها وبسطها وسعتها وما ترى فيها من الأشجار والأنهار والجبال والبحار والجواهر والنبات

قوله تعالى : ( واختلاف الليل والنهار ) أي تعاقبهما في الذهاب والمجيء يخلف أحدهما صاحبه إذا ذهب أحدهما جاء الآخر خلفه أي بعده نظيره قوله تعالى : " وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة " ( 62 - الفرقان ) قال عطاء : أراد اختلافهما في النور والظلمة والزيادة والنقصان . والليل جمع ليلة والليالي جمع الجمع . والنهار جمعه نهر وقدم الليل على النهار في الذكر لأنه أقدم منه قال الله تعالى ( وآية لهم الليل نسلخ منه النهار ) ( 37 - يس )

( والفلك التي تجري في البحر ) يعني السفن واحده وجمعه سواء فإذا أريد به الجمع يؤنث وفي الواحد يذكر قال الله تعالى في الواحد والتذكير : إذ أبق إلى الفلك المشحون " ( 140 - الصافات ) وقال في الجمع والتأنيث " حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة " ( 22 - يونس )

( والفلك التي تجري في البحر ) الآية في الفلك تسخيرها وجريانها على وجه الماء وهي موقرة لا ترسب تحت الماء ( بما ينفع الناس ) يعني ركوبها والحمل عليها في التجارات والمكاسب وأنواع المطالب ( وما أنزل الله من السماء من ماء ) يعني المطر قيل أراد بالسماء السحاب يخلق الله الماء في السحاب ثم من السحاب ينزل وقيل أراد به السماء المعروفة يخلق الله تعالى الماء في السماء ثم ينزل من السماء إلى السحاب ثم من السحاب ينزل إلى الأرض ( فأحيا به ) أي بالماء ( الأرض بعد موتها ) أي [ ص: 178 ] بعد يبوستها وجدوبتها ( وبث فيها ) أي فرق فيها ( من كل دابة وتصريف الرياح )

قرأ حمزة والكسائي " الريح " بغير ألف وقرأ الباقون بالألف وكل ريح في القرآن ليس فيها ألف ولا لام اختلفوا في جمعها وتوحيدها إلا في الذاريات " الريح العقيم " ( 41 - الذاريات ) اتفقوا على توحيدها وفي الحرف الأول من سورة الروم " الرياح مبشرات " ( 46 - الروم ) اتفقوا على جمعها وقرأ أبو جعفر سائرها على الجمع والقراء مختلفون فيها والريح يذكر ويؤنث وتصريفها أنها تتصرف إلى الجنوب والشمال والقبول والدبور والنكباء .

وقيل تصريفها أنها تارة تكون لينا وتارة تكون عاصفا وتارة تكون حارة وتارة تكون باردة قال ابن عباس : أعظم جنود الله الريح والماء وسميت الريح ريحا لأنها تريح النفوس قال شريح القاضي : ما هبت ريح إلا لشفاء سقيم أو لسقم صحيح والبشارة في ثلاث من الرياح في الصبا والشمال والجنوب أما الدبور فهي الريح العقيم لا بشارة فيها وقيل الرياح ثمانية أربعة للرحمة وأربعة للعذاب . فأما التي للرحمة المبشرات والناشرات والذاريات والمرسلات وأما التي للعذاب فالعقيم والصرصر في البر والعاصف والقاصف في البحر ( والسحاب المسخر ) أي الغيم المذلل سمي سحابا لأنه ينسحب أي يسير في سرعة كأنه يسحب أي يجر ( بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون ) فيعلمون أن لهذه الأشياء خالقا وصانعا قال وهب بن منبه : ثلاثة لا يدرى من أين تجيء الرعد والبرق والسحاب .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #32  
قديم 17-09-2020, 05:22 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير البغوى****متجدد إن شاء الله

الحلقة (28)
- تفسير البغوى
سورة البقرة
الاية 165 إلى الاية 171
أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي

( ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا وأن الله شديد العذاب ( 165 ) )

قوله تعالى ( ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا ) أي أصناما يعبدونها ( يحبونهم كحب الله ) أي يحبون آلهتهم كحب المؤمنين الله وقال الزجاج : يحبون الأصنام كما يحبون الله لأنهم أشركوها مع الله فسووا بين الله وبين أوثانهم في المحبة ( والذين آمنوا أشد حبا لله ) أي أثبت وأدوم على حبه لأنهم لا يختارون على الله ما سواه والمشركون إذا اتخذوا صنما ثم رأوا أحسن منه طرحوا الأول واختاروا الثاني قال قتادة : إن الكافر يعرض عن معبوده في وقت البلاء ويقبل على الله تعالى كما أخبر الله عز وجل عنهم فقال ( فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين ) ( 65 - العنكبوت ) والمؤمن لا يعرض عن الله في السراء [ ص: 179 ] والضراء والشدة والرخاء .

قال سعيد بن جبير : إن الله عز وجل يأمر يوم القيامة من أحرق نفسه في الدنيا على رؤية الأصنام أن يدخلوا جهنم مع أصنامهم فلا يدخلون لعلمهم أن عذاب جهنم على الدوام ثم يقول للمؤمنين وهم بين أيدي الكفار إن كنتم أحبائي فادخلوا جهنم فيقتحمون فيها فينادي مناد من تحت العرش ( والذين آمنوا أشد حبا لله ) وقيل إنما قال ( والذين آمنوا أشد حبا لله ) لأن الله تعالى أحبهم أولا ثم أحبوه ومن شهد له المعبود بالمحبة كانت محبته أتم قال الله تعالى : " يحبهم ويحبونه " ( 54 - المائدة )

قوله تعالى : ( ولو يرى الذين ظلموا ) قرأ نافع وابن عامر ويعقوب ولو ترى بالتاء وقرأ الآخرون بالياء وجواب لو هاهنا محذوف ومثله كثير في القرآن كقوله تعالى " ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به " ( الرعد - 31 ) يعني لكان هذا القرآن فمن قرأ بالتاء معناه ولو ترى يا محمد الذين ظلموا أنفسهم في شدة العذاب لرأيت أمرا عظيما قيل معناه قل يا محمد : أيها الظالم لو ترى الذين ظلموا أو أشركوا في شدة العقاب لرأيت أمرا فظيعا ومن قرأ بالياء معناه ولو يرى الذين ظلموا أنفسهم عند رؤية العذاب أي لو رأوا شدة عذاب الله وعقوبته حين يرون العذاب لعرفوا مضرة الكفر وأن ما اتخذوا من الأصنام لا ينفعهم

قوله تعالى : ( إذ يرون ) قرأ ابن عامر بضم الياء والباقون بفتحها ( العذاب أن القوة لله جميعا وأن الله شديد العذاب ) أي بأن القوة لله جميعا معناه لرأوا وأيقنوا أن القوة لله جميعا

وقرأ أبو جعفر ويعقوب إن القوة وإن الله بكسر الألف على الاستئناف والكلام تام عند قوله ( إذ يرون العذاب ) مع إضمار الجواب
( إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب ( 166 ) وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار ( 167 ) )

( إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب ) هذا في يوم القيامة حين يجمع الله القادة والأتباع فيتبرأ بعضهم من بعض هذا قول أكثر المفسرين وقال السدي : هم الشياطين يتبرءون من الإنس ( وتقطعت بهم ) أي عنهم ( الأسباب ) أي الصلات التي كانت بينهم في الدنيا من القرابات والصداقات وصارت مخالتهم عداوة وقال ابن جريج : الأرحام كما قال الله تعالى : " فلا أنساب بينهم يومئذ " ( 101 - المؤمنون ) وقال السدي : يعني الأعمال التي كانوا [ ص: 180 ] يعملونها في الدنيا كما قال الله تعالى " وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا " ( 23 - الفرقان .

وأصل السبب ما يوصل به إلى الشيء من ذريعة أو قرابة أو مودة ومنه يقال للحبل سبب وللطريق سبب

( وقال الذين اتبعوا ) يعني الأتباع ( لو أن لنا كرة ) أي رجعة إلى الدنيا ( فنتبرأ منهم ) أي من المتبوعين ( كما تبرءوا منا ) اليوم ( كذلك ) أي كما أراهم العذاب كذلك ( يريهم الله ) وقيل كتبرؤ بعضهم من بعض يريهم الله ( أعمالهم حسرات ) ندامات ( عليهم ) جمع حسرة قيل : يريهم الله ما ارتكبوا من السيئات فيتحسرون لم عملوا وقيل : يريهم ما تركوا من الحسنات فيندمون على تضييعها وقال ابن كيسان : إنهم أشركوا بالله الأوثان رجاء أن تقربهم إلى الله عز وجل فلما عذبوا على ما كانوا يرجون ثوابه تحسروا وندموا . قال السدي : ترفع لهم الجنة فينظرون إليها وإلى بيوتهم فيها لو أطاعوا الله فيقال لهم تلك مساكنكم لو أطعتم الله ثم تقسم بين المؤمنين فذلك حين يندمون ويتحسرون ( وما هم بخارجين من النار ) .
( يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين ( 168 ) إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ( 169 ) )

قوله تعالى : ( يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا ) نزلت في ثقيف وخزاعة ، وعامر بن صعصعة وبني مدلج فيما حرموا على أنفسهم من الحرث والأنعام والبحيرة والسائبة والوصيلة ، والحام فالحلال ما أحله الشرع طيبا قيل ما يستطاب ويستلذ والمسلم يستطيب الحلال ويعاف الحرام ، وقيل الطيب الطاهر ( ولا تتبعوا خطوات الشيطان ) قرأ أبو جعفر وابن عامر والكسائي وحفص ويعقوب بضم الطاء والباقون بسكونها وخطوات الشيطان آثاره وزلاته وقيل هي النذر في المعاصي وقال أبو عبيدة : هي المحقرات من الذنوب وقال الزجاج : طرقه ( إنه لكم عدو مبين ) بين العداوة وقيل مظهر العداوة وقد أظهر عداوته بإبائه السجود لآدم وغروره إياه حتى أخرجه من الجنة

( وأبان ) يكون لازما ومتعديا .

ثم ذكر عداوته فقال : ( إنما يأمركم بالسوء ) أي بالإثم وأصل السوء ما يسوء صاحبه وهو مصدر ساء يسوء سوأ ومساءة أي أحزنه وسوأته فساء أي حزنته فحزن ( والفحشاء ) المعاصي وما قبح من القول والفعل وهو مصدر كالسراء والضراء . روى باذان عن ابن [ ص: 181 ] عباس قال : الفحشاء من المعاصي ما يجب فيه الحد والسوء من الذنوب ما لا حد فيه . وقال السدي : هي الزنا وقيل هي البخل ( وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ) تحريم الحرث والأنعام .
( وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون ( 170 ) ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون ( 171 ) )

قوله تعالى : ( وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله ) قيل هذه قصة مستأنفة والهاء والميم في لهم كناية عن غير مذكور . روي عن ابن عباس قال : دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود إلى الإسلام فقال رافع بن خارجة ومالك بن عوف قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أي ما وجدنا عليه آباءنا فهم كانوا خيرا وأعلم منا فأنزل الله تعالى هذه الآية ، وقيل الآية متصلة بما قبلها وهي نازلة في مشركي العرب وكفار قريش والهاء والميم عائدة إلى قوله " ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا " ( 165 - البقرة ( قالوا بل نتبع ما ألفينا ) أي ما وجدنا ( عليه آباءنا ) من عبادة الأصنام وقيل معناه وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله في تحليل ما حرموه على أنفسهم من الحرث والأنعام والبحيرة ، والسائبة والهاء والميم عائدة إلى الناس في قوله تعالى ( يا أيها الناس كلوا ( قالوا بل نتبع ) قرأ الكسائي : بل نتبع بإدغام اللام في النون وكذلك يدغم لام هل وبل في التاء والثاء والزاي والسين والصاد والطاء ، والظاء ووافق حمزة في التاء والثاء والسين ( ما ألفينا ) ما وجدنا ( عليه آباءنا ) من التحريم والتحليل

قال تعالى : ( أولو كان آباؤهم ) أي كيف يتبعون آباءهم وآباؤهم ( لا يعقلون شيئا ) والواو في " أولو " واو العطف ويقال لها واو التعجب دخلت عليها ألف الاستفهام للتوبيخ والمعنى أيتبعون آباءهم وإن كانوا جهالا لا يعقلون شيئا لفظه عام ومعناه الخصوص أي لا يعقلون شيئا من أمور الدين لأنهم كانوا يعقلون أمر الدنيا ( ولا يهتدون ) ثم ضرب الله مثلا فقال جل ذكره

( ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع ) والنعيق والنعق صوت الراعي بالغنم معناه مثلك يا محمد ومثل الكفار في وعظهم ودعائهم إلى الله عز وجل كمثل الراعي الذي ينعق بالغنم وقيل مثل واعظ الكفار وداعيهم معهم كمثل الراعي ينعق بالغنم وهي لا تسمع ( إلا دعاء ) صوتا ( ونداء ) فأضاف المثل إلى الذين كفروا لدلالة الكلام عليه كما في قوله تعالى " واسأل القرية " ( 82 - يوسف ) معناه كما أن البهائم تسمع صوت الراعي ولا تفهم ولا تعقل ما يقال لها كذلك الكافر لا ينتفع [ ص: 182 ] بوعظك إنما يسمع صوتك وقيل معناه ومثل الذين كفروا في قلة عقلهم وفهمهم عن الله وعن رسوله كمثل المنعوق به من البهائم التي لا تفقه من الأمر والنهي إلا الصوت فيكون المعنى للمنعوق به والكلام خارج عن الناعق وهو فاش في كلام العرب يفعلون ذلك ويقبلون الكلام لإيضاح المعنى عندهم يقولون فلان يخافك كخوف الأسد أي كخوفه من الأسد وقال تعالى " ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة " ( 76 - القصص ) وإنما العصبة تنوء بالمفاتيح وقيل معناه مثل الذين كفروا في دعاء الأصنام التي لا تفقه ولا تعقل كمثل الناعق بالغنم فلا ينتفع من نعيقه بشيء غير أنه في غناء من الدعاء والنداء كذلك الكافر ليس له من دعاء الآلهة وعبادتها إلا العناء والبلاء كما قال تعالى " إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم " ( 14 - فاطر ) .

وقيل معنى الآية ومثل الذين كفروا في دعاء الأوثان كمثل الذي يصيح في جوف الجبال فيسمع صوتا يقال له الصدى لا يفهم منه شيئا فمعنى الآية كمثل الذي ينعق بما لا يسمع منه الناعق إلا دعاء ونداء ( صم ) تقول العرب لمن لا يسمع ولا يعقل كأنه أصم ( بكم ) عن الخير لا يقولونه ( عمي ) عن الهدى لا يبصرونه ( فهم لا يعقلون ) .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #33  
قديم 17-09-2020, 05:25 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير البغوى****متجدد إن شاء الله

الحلقة (29)
- تفسير البغوى
سورة البقرة
الاية 172 إلى الاية 177
أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ( 172 ) إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ( 173 ) )

قَوْلُهُ تَعَالَى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ ) حَلَالَاتِ ( مَا رَزَقْنَاكُمْ )

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ أَخْبَرَنَا فُضَيْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا الطَّيِّبَ وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ : " يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا " ( 51 - الْمُؤْمِنُونَ ) وَقَالَ ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ) ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَهُ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِّيَ بِالْحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ " [ ص: 183 ] ( وَاشْكُرُوا لِلَّهِ ) عَلَى نِعَمِهِ ( إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ) ثُمَّ بَيَّنَ الْمُحَرَّمَاتِ فَقَالَ

( إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ ) قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ الْمَيْتَةَ فِي كُلِّ الْقُرْآنِ بِالتَّشْدِيدِ وَالْبَاقُونَ يُشَدِّدُونَ الْبَعْضَ وَالْمَيْتَةُ كُلُّ مَا لَمْ تُدْرَكْ ذَكَاتُهُ مِمَّا يُذْبَحُ ( والدم ( أراد به الدم الجاري يدل عليه قوله تعالى أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا " ( 145 - الْأَنْعَامِ ) وَاسْتَثْنَى الشَّرْعُ مِنَ الْمَيْتَةِ السَّمَكَ وَالْجَرَادَ وَمِنَ الدَّمِ الْكَبِدَ وَالطِّحَالَ فَأَحَلَّهَا
( وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ ) أَرَادَ بِهِ جَمِيعَ أَجْزَائِهِ فَعَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ بِاللَّحْمِ لِأَنَّهُ مُعْظَمُهُ ( وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ ) أَيْ مَا ذُبِحَ لِلْأَصْنَامِ وَالطَّوَاغِيتِ وَأَصْلُ الْإِهْلَالِ رَفْعُ الصَّوْتِ وَكَانُوا إِذَا ذَبَحُوا لِآلِهَتِهِمْ يَرْفَعُونَ أَصْوَاتَهُمْ بِذِكْرِهَا فَجَرَى ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِمْ حَتَّى قِيلَ لِكُلِّ ذَابِحٍ وَإِنْ لَمْ يَجْهَرْ بِالتَّسْمِيَةِ مُهِلٌّ وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ وَغَيْرُهُ ( وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ ) قَالَ مَا ذُكِرَ عَلَيْهِ اسْمُ غَيْرِ اللَّهِ ( فَمَنِ اضْطُرَّ ) بِكَسْرِ النُّونِ وَأَخَوَاتِهِ قَرَأَ عَاصِمٌ وَحَمْزَةُ ، وَوَافَقَ أَبُو عَمْرٍو إِلَّا فِي اللَّامِ وَالْوَاوِ مِثْلُ " قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ " ( 110 - الْإِسْرَاءِ ) وَيَعْقُوبُ إِلَّا فِي الْوَاوِ وَوَافَقَ ابْنُ عَامِرٍ فِي التَّنْوِينِ ، وَالْبَاقُونَ كُلُّهُمْ بِالضَّمِّ فَمَنْ كَسَرَ قَالَ لِأَنَّ الْجَزْمَ يُحَرَّكُ إِلَى الْكَسْرِ ، وَمَنْ ضَمَّ فَلِضَمَّةِ أَوَّلِ الْفِعْلِ نَقَلَ حَرَكَتَهَا إِلَى مَا قَبْلَهَا وَأَبُو جَعْفَرٍ بِكَسْرِ الطَّاءِ ، وَمَعْنَاهُ فَمَنِ اضْطُرَّ إِلَى أَكْلِ مَيْتَةٍ أَيْ أُحْوِجَ وَأُلْجِئَ إِلَيْهِ ( غَيْرَ ) نُصِبَ عَلَى الْحَالِ ، وَقِيلَ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ وَإِذَا رَأَيْتَ ( غَيْرَ ) يَصْلُحُ فِي مَوْضِعِهَا ( لَا ) فَهِيَ حَالٌ وَإِذَا صَلَحَ فِي مَوْضِعِهَا ( إِلَّا ) فَهِيَ اسْتِثْنَاءٌ ( بَاغٍ وَلَا عَادٍ ) أَصْلُ الْبَغْيِ قَصْدُ الْفَسَادِ ، يُقَالُ بَغَى الْجُرْحُ يَبْغِي بَغْيًا إِذَا تَرَامَى إِلَى الْفَسَادِ وَأَصْلُ الْعُدْوَانِ الظُّلْمُ وَمُجَاوَزَةُ الْحَدِّ ، يُقَالُ عَدَا عَلَيْهِ عَدْوًا وَعُدْوَانًا إِذَا ظَلَمَ وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ ( غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ ) فَقَالَ بَعْضُهُمْ ( غَيْرَ بَاغٍ ) أَيْ خَارِجٍ عَلَى السُّلْطَانِ وَلَا عَادٍ مُعْتَدٍ عَاصٍ بِسَفَرِهِ ، بِأَنْ خَرَجَ لِقَطْعِ الطَّرِيقِ أَوْ لِفَسَادٍ فِي الْأَرْضِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ . وَقَالُوا لَا يَجُوزُ لِلْعَاصِي بِسَفَرِهِ أَنْ يَأْكُلَ الْمَيْتَةَ إِذَا اضْطُرَّ إِلَيْهَا وَلَا أَنْ يَتَرَخَّصَ بِرُخَصِ الْمُسَافِرِ حَتَّى يَتُوبَ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لِأَنَّ إِبَاحَتَهُ لَهُ إِعَانَةٌ لَهُ عَلَى فَسَادِهِ وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ الْبَغْيَ وَالْعُدْوَانَ رَاجِعَانِ [ ص: 184 ] إِلَى الْأَكْلِ وَاخْتَلَفُوا فِي تَفْصِيلِهِ فَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ ( غَيْرَ بَاغٍ ) لَا تَأْكُلُهُ مِنْ غَيْرِ اضْطِرَارٍ ( وَلَا عَادٍ ) أَيْ لَا يَعْدُو لِشِبَعِهِ وَقِيلَ ( غَيْرَ بَاغٍ ) أَيْ غَيْرَ طَالِبِهَا وَهُوَ يَجِدُ غَيْرَهَا ( وَلَا عَادٍ ) أَيْ غَيْرَ مُتَعَدٍّ مَا حُدَّ لَهُ فَمَا يَأْكُلُ حَتَّى يَشْبَعَ وَلَكِنْ يَأْكُلُ مِنْهَا قُوتًا مِقْدَارَ مَا يَمْسِكُ رَمَقَهُ وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ ( غَيْرَ بَاغٍ ) أَيْ مُسْتَحِلٍّ لَهَا ( وَلَا عَادٍ ) أَيْ مُتَزَوِّدٍ مِنْهَا وَقِيلَ ( غَيْرَ بَاغٍ ) أَيْ غَيْرَ مُجَاوِزٍ لِلْقَدْرِ الَّذِي أُحِلَّ لَهُ ( وَلَا عَادٍ ) أَيْ لَا يُقَصِّرُ فِيمَا أُبِيحَ لَهُ فَيَدَعُهُ قَالَ مَسْرُوقٌ : مَنِ اضْطُرَّ إِلَى الْمَيْتَةِ ، وَالدَّمِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ فَلَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ حَتَّى مَاتَ دَخْلَ النَّارَ

وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مِقْدَارِ مَا يَحِلُّ لِلْمُضْطَرِّ أَكْلُهُ مِنَ الْمَيْتَةِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ مِقْدَارُ مَا يَسُدُّ رَمَقَهُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ . وَالْقَوْلُ الْآخَرُ يَجُوزُ أَنْ يَأْكُلَ حَتَّى يَشْبَعَ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ( غَيْرَ بَاغٍ ) مُفَارِقٍ لِلْجَمَاعَةِ ( وَلَا عَادٍ ) مُبْتَدِعٍ مُخَالِفٍ لِلسُّنَّةِ وَلَمْ يُرَخِّصْ لِلْمُبْتَدِعِ فِي تَنَاوُلِ الْمُحَرَّمِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ ( فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ) أَيْ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ فِي أَكْلِهَا ( إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ ) لِمَنْ أَكَلَ فِي حَالِ الِاضْطِرَارِ ( رَحِيمٌ ) حَيْثُ رَخَّصَ لِلْعِبَادِ فِي ذَلِكَ
( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ( 174 ) )

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ ) نَزَلَتْ فِي رُؤَسَاءِ الْيَهُودِ وَعُلَمَائِهِمْ كَانُوا يُصِيبُونَ مِنْ سَفَلَتِهِمُ الْهَدَايَا وَالْمَآكِلَ وَكَانُوا يَرْجُونَ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ الْمَبْعُوثُ مِنْهُمْ فَلَمَّا بُعِثَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرِهِمْ خَافُوا ذَهَابَ مَأْكَلِهِمْ وَزَوَالَ رِيَاسَتِهِمْ فَعَمَدُوا إِلَى صِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَغَيَّرُوهَا ثُمَّ أَخْرَجُوهَا إِلَيْهِمْ فَلَمَّا نَظَرَتِ السَّفَلَةُ إِلَى النَّعْتِ الْمُغَيَّرِ وَجَدُوهُ مُخَالِفًا لِصِفَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَتَّبِعُوهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ ) يَعْنِي صِفَةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنُبُوَّتَهُ ( وَيَشْتَرُونَ بِهِ ) أَيْ بِالْمَكْتُومِ ( ثَمَنًا قَلِيلًا ) أَيْ عِوَضًا يَسِيرًا يَعْنِي الْمَآكِلَ الَّتِي يُصِيبُونَهَا مِنْ سَفَلَتِهِمْ ( أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ ) يَعْنِي إِلَّا مَا يُؤَدِّيهِمْ إِلَى النَّارِ وَهُوَ الرِّشْوَةُ وَالْحَرَامُ وَثَمَنُ الدِّينِ فَلَمَّا كَانَ يُفْضِي ذَلِكَ بِهِمْ إِلَى النَّارِ فَكَأَنَّهُمْ أَكَلُوا النَّارَ وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَصِيرُ نَارًا فِي بُطُونِهِمْ ( وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) أَيْ لَا يُكَلِّمُهُمْ بِالرَّحْمَةِ وَبِمَا يَسُرُّهُمْ إِنَّمَا يُكَلِّمُهُمْ بِالتَّوْبِيخِ . وَقِيلَ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ يَكُونُ عَلَيْهِمْ غَضْبَانَ كَمَا يُقَالُ فُلَانٌ [ ص: 185 ] لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا إِذَا كَانَ عَلَيْهِ غَضْبَانَ ( وَلَا يُزَكِّيهِمْ ) أَيْ لَا يُطَهِّرُهُمْ مِنْ دَنَسِ الذُّنُوبِ ( وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) .

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَطِيبُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلَّالُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ الْمَيْتَتَانِ الْحُوتُ وَالْجَرَادُ وَالدَّمَانِ أَحْسَبُهُ قَالَ الْكَبِدُ وَالطِّحَالُ . . . " ]
( أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ ( 175 ) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ ( 176 ) )

( لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَة ِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ( 177 ) )

( أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ ) قَالَ عَطَاءٌ وَالسُّدِّيُّ : هو ما : اسْتِفْهَامٌ مَعْنَاهُ مَا الَّذِي صَبَّرَهُمْ عَلَى النَّارِ وَأَيُّ شَيْءٍ يُصَبِّرُهُمْ عَلَى النَّارِ حَتَّى تَرَكُوا الْحَقَّ وَاتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ : وَاللَّهِ مَا لَهُمْ عَلَيْهَا مِنْ صَبْرٍ وَلَكِنْ مَا أَجْرَأَهُمْ عَلَى الْعَمَلِ الَّذِي يُقَرِّبُهُمْ إِلَى النَّارِ قَالَ الْكِسَائِيُّ : فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى عَمَلِ أَهْلِ النَّارِ أَيْ مَا أَدْوَمَهُمْ عَلَيْهِ

( ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ ) يَعْنِي ذَلِكَ الْعَذَابَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَأَنْكَرُوهُ وَكَفَرُوا بِهِ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ ذَلِكَ فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَحَلُّهُ نَصْبٌ ، مَعْنَاهُ فِعْلُنَا ذَلِكَ بِهِمْ بِأَنَّ اللَّهَ أَيْ لِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ ذَلِكَ أَيْ فِعْلُهُمُ الَّذِي يَفْعَلُونَ مِنَ الْكُفْرِ ، وَالِاخْتِلَافِ وَالِاجْتِرَاءِ عَلَى اللَّهِ مِنْ أَجْلِ أَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى " إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُم ْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ " ( 7 - الْبَقَرَةِ ( وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ ) فَآمَنُوا بِبَعْضٍ وَكَفَرُوا بِبَعْضٍ ( لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ ) أَيْ فِي خِلَافٍ وَضَلَالٍ بَعِيدٍ

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ) قَرَأَ حَمْزَةُ وَحَفْصٌ : لَيْسَ الْبِرَّ بِنَصْبِ الرَّاءِ وَالْبَاقُونَ بِرَفْعِهَا فَمَنْ رَفَعَهَا جَعَلَ ( الْبِرَّ ) اسْمَ لَيْسَ وَخَبَرُهُ قَوْلُهُ : أَنْ تَوَلَّوْا تَقْدِيرُهُ لَيْسَ الْبِرُّ تَوْلِيَتَكُمْ وُجُوهَكُمْ ، : كَقَوْلِهِ تَعَالَى " مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتُوا " ( 25 - الْجَاثِيَةِ ) وَالْبِرُّ كُلُّ عَمَلِ خَيْرٍ يُفْضِي بِصَاحِبِهِ إِلَى الْجَنَّةِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُخَاطَبِينَ بِهَذِهِ الْآيَةِ فَقَالَ قَوْمٌ عَنَى بِهَا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى ، وَذَلِكَ أَنَّ الْيَهُودَ كَانَتْ تُصَلِّي قِبَلَ الْمَغْرِبِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَالنَّصَارَى قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَزَعَمَ كُلُّ [ ص: 186 ] فَرِيقٍ مِنْهُمْ أَنَّ الْبِرَّ فِي ذَلِكَ فَأَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْبِرَّ غَيْرُ دِينِهِمْ وَعَمَلِهِمْ وَلَكِنَّهُ مَا بَيَّنَهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ قَتَادَةُ وَمُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ . وَقَالَ الْآخَرُونَ الْمُرَادُ بِهَا الْمُؤْمِنُونَ وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ نُزُولِ الْفَرَائِضِ إِذَا أَتَى بِالشَّهَادَتَي ْنِ وَصَلَّى الصَّلَاةَ إِلَى أَيِّ جِهَةٍ كَانَتْ ثُمَّ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ

وَلَمَّا هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَزَلَتِ الْفَرَائِضُ وَحُدِّدَتِ الْحُدُودُ وَصُرِفَتِ الْقِبْلَةُ إِلَى الْكَعْبَةِ أَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ فَقَالَ : ( لَيْسَ الْبِرَّ ) أَيْ كُلُّهُ أَنْ تُصَلُّوا قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَا تَعْمَلُوا عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ ( وَلَكِنَّ الْبِرَّ ) مَا ذُكِرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَعَطَاءٌ وَالضَّحَّاكُ . ( وَلَكِنَّ الْبِرَّ ) قَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ وَلَكِنْ خَفِيفَةَ النُّونِ الْبِرُّ رُفِعَ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِتَشْدِيدِ النُّونِ وَنَصْبِ الْبِرِّ .

قَوْلُهُ تَعَالَى ( مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ ) جَعَلَ مَنْ وَهِيَ اسْمٌ خَبَرًا لِلْبِرِّ وَهُوَ فِعْلٌ وَلَا يُقَالُ الْبِرُّ زِيدَ وَاخْتَلَفُوا فِي وَجْهِهِ ، قِيلَ لَمَّا وَقَعَ مَنْ فِي مَوْضِعِ الْمَصْدَرِ جَعَلَهُ خَبَرًا لِلْبِرِّ كَأَنَّهُ قَالَ وَلَكِنَّ الْبِرَّ الْإِيمَانُ بِاللَّهِ وَالْعَرَبُ تَجْعَلُ الِاسْمَ خَبَرًا لِلْفِعْلِ وَأَنْشَدَ الْفَرَّاءُ :
لَعَمْرُكَ مَا الْفِتْيَانُ أَنْ تَنْبُتَ اللِّحَى وَلَكِنَّمَا الْفِتْيَانُ كُلُّ فَتًى نَدِيِّ


فَجَعَلَ نَبَاتَ اللِّحَى خَبَرًا لِلْفَتَى وَقِيلَ فِيهِ إِضْمَارٌ مَعْنَاهُ وَلَكِنَّ الْبِرَّ بِرُّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ فَاسْتَغْنَى بِذِكْرِ الْأَوَّلِ عَنِ الثَّانِي كَقَوْلِهِمُ الْجُودُ حَاتِمٌ أَيِ الْجُودُ جُودُ حَاتِمٍ وَقِيلَ مَعْنَاهُ وَلَكِنَّ ذَا الْبِرِّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ " ( 163 - آلِ عِمْرَانَ ) أَيْ ذُو دَرَجَاتٍ وَقِيلَ مَعْنَاهُ وَلَكِنَّ الْبَارَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى " وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى " ( 132 - طه ) أَيْ لِلْمُتَّقِي وَالْمُرَادُ مِنَ الْبِرِّ هَاهُنَا الْإِيمَانُ وَالتَّقْوَى

( وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَة ِ ) ( كُلِّهِمْ وَالْكِتَابِ ) يَعْنِي الْكُتُبَ الْمُنَزَّلَةَ ( وَالنَّبِيِّينَ ) أَجْمَعَ ( وَآتَى الْمَالَ ) أَعْطَى الْمَالَ ( عَلَى حُبِّهِ ) اخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الْكِنَايَةِ فَقَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ : إِنَّهَا رَاجِعَةٌ إِلَى الْمَالِ أَيْ أَعْطَى الْمَالَ فِي حَالِ صِحَّتِهِ وَمَحَبَّتِهِ الْمَالَ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ : أَنْ تُؤْتِيَهُ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَأْمُلُ الْغِنَى وَتَخْشَى الْفَقْرَ

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ ثَنَا عُمَارَةُ بْنُ الْقَعْقَاعِ أَنَا أَبُو زُرْعَةَ أَخْبَرَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أَجْرًا ؟ قَالَ أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَخْشَى الْفَقْرَ وَتَأْمُلُ الْغِنَى وَلَا تُمْهِلْ حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ قُلْتَ لِفُلَانٍ [ ص: 187 ] كَذَا وَلِفُلَانٍ كَذَا وَقَدْ كَانَ لِفُلَانٍ .

وَقِيلَ هِيَ عَائِدَةٌ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَيْ عَلَى حُبِّ اللَّهِ تَعَالَى

( ذَوِي الْقُرْبَى ) أَهْلَ الْقَرَابَةِ

أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الضَّبِّيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجِرَاحِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ عَنِ الرَّبَابِ عَنْ عَمِّهَا سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ ، يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : الصَّدَقَةُ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ وَعَلَى ذِي الرَّحِمِ ثِنْتَانِ : صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ " .

قَوْلُهُ تَعَالَى ( وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ) قَالَ مُجَاهِدٌ : يَعْنِي الْمُسَافِرَ الْمُنْقَطِعَ عَنْ أَهْلِهِ يَمُرُّ عَلَيْكَ وَيُقَالُ لِلْمُسَافِرِ ابْنُ السَّبِيلِ لِمُلَازَمَتِهِ الطَّرِيقَ وَقِيلَ هُوَ الضَّيْفُ يَنْزِلُ بِالرَّجُلِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ . . . " ]
( وَالسَّائِلِينَ ) يَعْنِي الطَّالِبِينَ

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِي بُجَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ وَهُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بُجَيْدٍ عَنْ جَدَّتِهِ وَهِيَ أُمُّ بُجَيْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " رُدُّوا السَّائِلَ وَلَوْ بِظِلْفٍ مُحْرَقٍ " وَفِي رِوَايَةٍ قَالَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنْ لَمْ تَجِدِي شَيْئًا إِلَّا ظِلْفًا مُحْرَقًا فَادْفَعِيهِ إِلَيْهِ " قَوْلُهُ تَعَالَى ( وَفِي الرِّقَابِ ) يَعْنِي الْمُكَاتِبِينَ قَالَهُ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ [ ص: 188 ] وَقِيلَ عِتْقُ النَّسَمَةِ وَفَكُّ الرَّقَبَةِ ، وَقِيلَ فِدَاءُ الْأُسَارَى ( وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ ) وَأَعْطَى الزَّكَاةَ ( وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ ) فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَفِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ النَّاسِ ( إِذَا عَاهَدُوا ) يَعْنِي إِذَا وَعَدُوا أَنْجَزُوا وَإِذَا حَلَفُوا وَنَذَرُوا أَوْفَوْا وَإِذَا عَاهَدُوا أَوْفَوْا وَإِذَا قَالُوا صَدَقُوا وَإِذَا ائْتُمِنُوا أَدَّوْا وَاخْتَلَفُوا فِي رَفْعِ قَوْلِهِ وَالْمُوفُونَ ، قِيلَ هُوَ عَطْفٌ عَلَى خَبَرٍ مَعْنَاهُ وَلَكِنَّ ذَا الْبِرِّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ وَقِيلَ تَقْدِيرُهُ وَهُمُ الْمُوفُونَ كَأَنَّهُ عَدَّ أَصْنَافًا ثُمَّ قَالَ هُمْ وَالْمُوفُونَ كَذَا ، وَقِيلَ رَفْعٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَالْخَبَرِ يَعْنِي وَهُمُ الْمُوفُونَ ثُمَّ قَالَ ( وَالصَّابِرِينَ ) وَفِي نَصْبِهَا أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ

قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ : نَصْبُهَا عَلَى تَطَاوُلِ الْكَلَامِ وَمِنْ شَأْنِ الْعَرَبِ أَنْ تُغَيِّرَ الْإِعْرَابِ إِذَا طَالَ الْكَلَامُ وَالنَّسَقُ وَمِثْلُهُ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ " وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ " ( سورةالمائدة - 162 ( وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى ) ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَعْنِي الصَّابِرِينَ ، وَقِيلَ نَصْبُهُ نَسَقًا عَلَى قَوْلِهِ ذَوِي الْقُرْبَى أَيْ وَآتَى الصَّابِرِينَ

وَقَالَ الْخَلِيلُ : نُصِبَ عَلَى الْمَدْحِ وَالْعَرَبُ تَنْصِبُ الْكَلَامَ عَلَى الْمَدْحِ وَالذَّمِّ [ كَأَنَّهُمْ يُرِيدُونَ إِفْرَادَ الْمَمْدُوحِ وَالْمَذْمُومِ فَلَا يُتْبِعُونَهُ أَوَّلَ الْكَلَامِ وَيَنْصِبُونَهُ فَالْمَدْحُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى " وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ " ] ( 162 - النِّسَاءِ ) .

وَالذَّمُّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى " مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا " ( 61 - الْأَحْزَابِ ) .

قَوْلُهُ تَعَالَى ( فِي الْبَأْسَاءِ ) أَيِ الشِّدَّةِ وَالْفَقْرِ ( وَالضَّرَّاءِ ) الْمَرَضِ وَالزَّمَانَةِ ( وَحِينَ الْبَأْسِ ) أَيِ الْقِتَالِ وَالْحَرْبِ

أَخْبَرَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْفَارِسِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو ذَرٍّ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالِحَانِيّ ُ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ حِبَّانَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَغَوِيُّ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ أَخْبَرَنَا زُهَيْرٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : كُنَّا إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ وَلَقِيَ [ ص: 189 ] الْقَوْمُ الْقَوْمَ اتَّقَيْنَا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا يَكُونُ أَحَدٌ أَقْرَبَ إِلَى الْعَدُوِّ مِنْهُ . يَعْنِي إِذَا اشْتَدَّ الْحَرْبُ ( أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ) فِي إِيمَانِهِمْ ( وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ) .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #34  
قديم 17-09-2020, 05:26 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير البغوى****متجدد إن شاء الله

الحلقة (30)
- تفسير البغوى
سورة البقرة
الاية 178 إلى الاية 183
أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ ( 178 ) )

قَوْلُهُ تَعَالَى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ ) قَالَ الشَّعْبِيُّ وَالْكَلْبِيُّ وَقَتَادَةُ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي حَيَّيْنِ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ اقْتَتَلُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ بِقَلِيلٍ وَكَانَتْ بَيْنَهُمَا قَتْلَى وَجِرَاحَاتٍ لَمْ يَأْخُذْهَا بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ حَتَّى جَاءَ الْإِسْلَامُ قَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ : كَانَتْ بَيْنَ بَنِي قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ : كَانَتْ بَيْنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ وَقَالُوا جَمِيعًا كَانَ لِأَحَدِ الْحَيَّيْنِ عَلَى الْآخَرِ طُولٌ فِي الْكَثْرَةِ وَالشَّرَفِ وَكَانُوا يَنْكِحُونَ نِسَاءَهُمْ بِغَيْرِ مُهُورٍ فَأَقْسَمُوا لَنَقْتُلَنَّ بِالْعَبْدِ مِنَّا الْحُرَّ مِنْهُمْ وَبِالْمَرْأَةِ مِنَّا الرَّجُلَ مِنْهُمْ وَبِالرَّجُلِ مِنَّا الرَّجُلَيْنِ مِنْهُمْ وَجَعَلُوا جِرَاحَاتِهِمْ ضِعْفَيْ جِرَاحَاتِ أُولَئِكَ فَرَفَعُوا أَمْرَهُمْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ وَأَمَرَ بِالْمُسَاوَاةِ فَرَضُوا وَأَسْلَمُوا .

قَوْلُهُ ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ ) أَيْ فُرِضَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ ( فِي الْقَتْلَى ) وَالْقِصَاصُ الْمُسَاوَاةُ وَالْمُمَاثَلَة ُ فِي الْجِرَاحَاتِ وَالدِّيَاتِ وَأَصْلُهُ مِنْ قَصَّ الْأَثَرَ إِذَا اتَّبَعَهُ فَالْمَفْعُولُ بِهِ يَتْبَعُ مَا فُعِلَ بِهِ فَيَفْعَلُ مِثْلَهُ

ثُمَّ بَيَّنَ الْمُمَاثَلَةَ فَقَالَ ( الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى ) وَجُمْلَةُ الْحُكْمِ فِيهِ أَنَّهُ إِذَا تَكَافَأَ الدَّمَانِ مِنَ الْأَحْرَارِ الْمُسْلِمِينَ أَوِ الْعَبِيدِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَوِ الْأَحْرَارِ مِنَ الْمُعَاهِدِينَ أَوِ الْعَبِيدِ مِنْهُمْ قُتِلَ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ مِنْهُمُ الذَّكَرُ إِذَا قُتِلَ بِالذَّكَرِ وَبِالْأُنْثَى وَتُقْتَلُ الْأُنْثَى إِذَا قَتَلَتْ بِالْأُنْثَى وَبِالذَّكَرِ وَلَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ وَلَا حُرٌّ بِعَبْدٍ وَلَا وَالِدٌ بِوَلَدٍ وَلَا مُسْلِمٌ بِذِمِّيٍّ وَيُقْتَلُ الذِّمِّيُّ بِالْمُسْلِمِ وَالْعَبْدُ بِالْحُرِّ وَالْوَلَدُ بِالْوَالِدِ هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَطِيبُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلَّالُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ أَنَا الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ " سَأَلْتُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هَلْ عِنْدَكَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْءٌ سِوَى الْقُرْآنِ فَقَالَ لَا [ ص: 190 ] وَالَّذِي خَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ إِلَّا أَنْ يُؤْتِيَ اللَّهُ عَبَدًا فَهْمًا فِي الْقُرْآنِ وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ قُلْتُ وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ قَالَ : الْعَقْلُ وَفِكَاكُ الْأَسِيرِ وَلَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ " . وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا تُقَامُ الْحُدُودُ فِي الْمَسَاجِدِ وَلَا يُقَادُ بِالْوَلَدِ الْوَالِدُ " . وَذَهَبَ الشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ إِلَى أَنَّ الْمُسْلِمَ يُقْتَلُ بِالذِّمِّيِّ وَإِلَى أَنَّ الْحُرَّ يُقْتَلُ بِالْعَبْدِ وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ لِمَنْ لَمْ يُوجِبِ الْقِصَاصَ عَلَى الْمُسْلِمِ بِقَتْلِ الذِّمِّيِّ وَتُقْتَلُ الْجَمَاعَةُ بِالْوَاحِدِ رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخِطَّابِ قَتَلَ سَبْعَةً أَوْ خَمْسَةً بِرَجُلٍ قَتَلُوهُ غِيلَةً ، وَقَالَ لَوْ تَمَالَأَ عَلَيْهِ أَهْلُ صَنْعَاءَ لَقَتَلْتُهُمْ بِهِ جَمِيعًا " وَيَجْرِي الْقِصَاصُ فِي الْأَطْرَافِ كَمَا يَجْرِي فِي النُّفُوسِ إِلَّا فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنَّ الصَّحِيحَ السَّوِيَّ يُقْتَلُ بِالْمَرِيضِ الزَّمِنِ وَفِي الْأَطْرَافِ لَوْ قَطَعَ يَدًا شَلَّاءَ أَوْ نَاقِصَةً بِأُصْبُعٍ لَا تُقْطَعُ بِهَا الصَّحِيحَةُ الْكَامِلَةُ وَذَهَبَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ إِلَى أَنَّ الْقِصَاصَ فِي الْأَطْرَافِ لَا يَجْرِي إِلَّا بَيْنَ حُرَّيْنِ أَوْ حُرَّتَيْنِ وَلَا يَجْرِي بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَلَا بَيْنَ الْعَبِيدِ وَلَا بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ وَعِنْدَ الْآخَرِينَ الطَّرَفُ فِي الْقِصَاصِ مَقِيسٌ عَلَى النَّفْسِ .

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُنِيرٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ بَكْرٍ السَّهْمِيَّ أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ النَّضْرِ أَنَّ الرُّبَيِّعَ عَمَّتَهُ كَسَرَتْ ثَنِيَّةَ جَارِيَةٍ فَطَلَبُوا إِلَيْهَا الْعَفْوَ فَأَبَوْا فَعَرَضُوا الْأَرْشَ ، فَأَبَوْا فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَبَوْا إِلَّا الْقِصَاصَ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقِصَاصِ فَقَالَ أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُكْسَرُ ثَنِيَّةُ الرُّبَيِّعِ لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا تُكْسَرُ ثَنِيَّتُهَا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أَنَسُ كِتَابُ اللَّهِ الْقِصَاصُ فَرَضِيَ الْقَوْمُ فَعَفَوْا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ . [ ص: 191 ]

قَوْلُهُ تَعَالَى ( فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ ) أَيْ تُرِكَ لَهُ وَصُفِحَ عَنْهُ مِنَ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْقِصَاصُ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ وَرَضِيَ بِالدِّيَةِ هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ قَالُوا الْعَفْوُ أَنْ يَقْبَلَ الدِّيَةَ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ ، وَقَوْلُهُ ( مِنْ أَخِيهِ ) أَيْ مِنْ دَمِ أَخِيهِ وَأَرَادَ بِالْأَخِ الْمَقْتُولَ وَالْكِنَايَتَا نِ فِي قَوْلِهِ ( لَهُ ) ( مِنْ أَخِيهِ ) تَرْجِعَانِ إِلَى مَنْ وَهُوَ الْقَاتِلُ وَقَوْلُهُ شَيْءٌ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ بَعْضَ الْأَوْلِيَاءِ إِذَا عَفَا يَسْقُطُ الْقَوَدُ لِأَنَّ شَيْئًا مِنَ الدَّمِ قَدْ بَطَلَ

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ ) أَيْ عَلَى الطَّالِبِ لِلدِّيَةِ أَنْ يَتَّبِعَ بِالْمَعْرُوفِ فَلَا يُطَالِبُ بِأَكْثَرِ مِنْ حَقِّهِ

( وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ) أَيْ عَلَى الْمَطْلُوبِ مِنْهُ أَدَاءُ الدِّيَةِ بِالْإِحْسَانِ مِنْ غَيْرِ مُمَاطَلَةٍ أَمَرَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْإِحْسَانِ فِيمَا لَهُ وَعَلَيْهِ وَمَذْهَبُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ أَنَّ وَلِيَّ الدَّمِ إِذَا عَفَا عَنِ الْقِصَاصِ عَلَى الدِّيَةِ فَلَهُ أَخْذُ الدِّيَةِ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ بِهِ الْقَاتِلُ وَقَالَ قَوْمٌ لَا دِيَةَ لَهُ إِلَّا بِرِضَاءِ الْقَاتِلِ وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَالنَّخَعِيِّ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ وَحُجَّةُ الْمَذْهَبِ الْأَوَّلِ مَا أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَطِيبُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلَّالُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي فُدَيْكٍ عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْكَعْبِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ثُمَّ أَنْتُمْ يَا خُزَاعَةُ قَدْ قَتَلْتُمْ هَذَا الْقَتِيلَ مِنْ هُذَيْلٍ وَأَنَا وَاللَّهِ عَاقِلُهُ فَمَنْ قَتَلَ بَعْدَهُ قَتِيلًا فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ إِنْ أَحَبُّوا قَتَلُوا وَإِنْ أَحَبُّوا أَخَذُوا الْعَقْلَ " .

قَوْلُهُ تَعَالَى ( ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ ) أَيْ ذَلِكَ الَّذِي ذَكَرْتُ مِنَ الْعَفْوِ عَنِ الْقِصَاصِ وَأَخْذِ الدِّيَةِ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ وَذَلِكَ أَنَّ الْقِصَاصَ فِي النَّفْسِ وَالْجِرَاحِ كَانَ حَتْمًا فِي التَّوْرَاةِ عَلَى الْيَهُودِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَخْذُ الدِّيَةِ وَكَانَ فِي شَرْعِ النَّصَارَى الدِّيَةُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمُ الْقِصَاصُ فَخَيَّرَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْأُمَّةَ بَيْنَ الْقِصَاصِ وَبَيْنَ الْعَفْوِ عَنِ الدِّيَةِ تَخْفِيفًا مِنْهُ وَرَحْمَةً

( فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ ) فَقَتَلَ الْجَانِيَ بَعْدَ الْعَفْوِ وَقَبُولِ الدِّيَةِ ( فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) أَنْ يُقْتَلَ قِصَاصًا قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ : يَتَحَتَّمُ قَتْلُهُ حَتَّى لَا يَقْبَلَ الْعَفْوَ وَفِي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقَاتِلَ لَا يَصِيرُ كَافِرًا بِالْقَتْلِ ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَاطَبَهُ بَعْدَ الْقَتْلِ بِخِطَابِ الْإِيمَانِ فَقَالَ ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ ) وَقَالَ فِي آخِرِ الْآيَةِ ( فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ ) وَأَرَادَ بِهِ أُخُوَّةَ الْإِيمَانِ فَلَمْ يَقْطَعِ الْأُخُوَّةَ بَيْنَهُمَا بِالْقَتْلِ
( وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ( 179 ) )

قَوْلُهُ تَعَالَى ( وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ ) أَيْ بَقَاءٌ وَذَلِكَ أَنَّ الْقَاصِدَ لِلْقَتْلِ إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ إِذَا قَتَلَ [ ص: 192 ] يُقْتَلُ يَمْتَنِعُ عَنِ الْقَتْلِ فَيَكُونُ فِيهِ بَقَاؤُهُ وَبَقَاءُ مَنْ هَمَّ بِقَتْلِهِ وَقِيلَ فِي الْمَثَلِ الْقَتْلُ قَلَّلَ الْقَتْلَ وَقِيلَ فِي الْمَثَلِ الْقَتْلُ أَنْفَى لِلْقَتْلِ " وَقِيلَ مَعْنَى الْحَيَاةِ سَلَامَتُهُ مِنْ قِصَاصِ الْآخِرَةِ فَإِنَّهُ إِذَا اقْتُصَّ مِنْهُ حَيَا فِي الْآخِرَةِ وَإِذَا لَمْ يُقْتَصَّ مِنْهُ فِي الدُّنْيَا اقْتُصَّ مِنْهُ فِي الْآخِرَةِ ( يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) أَيْ تَنْتَهُونَ عَنِ الْقَتْلِ مَخَافَةَ الْقَوَدِ
( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِين َ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ( 180 ) )

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ ) أَيْ فُرِضَ عَلَيْكُمْ ( إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ ) أَيْ جَاءَهُ أَسْبَابُ الْمَوْتِ وَآثَارُهُ مِنَ الْعِلَلِ وَالْأَمْرَاضِ ( إِنْ تَرَكَ خَيْرًا ) أَيْ مَالًا نَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى " وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ " ( 272 - الْبَقَرَةِ ( الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِين َ ) كَانَتِ الْوَصِيَّةُ فَرِيضَةً فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِين َ عَلَى مَنْ مَاتَ وَلَهُ مَالٌ ثُمَّ نُسِخَتْ بِآيَةِ الْمِيرَاثِ .

أَخْبَرَنَا الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ التَّاجِرُ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْوَلِيدِ أَخْبَرَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ جَمِيلٍ أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ خَارِجَةَ قَالَ كُنْتُ آخِذًا بِزِمَامِ نَاقَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ وَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ ، فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ وُجُوبَهَا صَارَ مَنْسُوخًا فِي حَقِّ الْأَقَارِبِ الَّذِينَ يَرِثُونَ وَبَقِيَ وُجُوبُهَا فِي حَقِّ الَّذِينَ لَا يَرِثُونَ مِنَ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقَارِبِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَطَاوُسٍ وَقَتَادَةَ وَالْحَسَنِ قَالَ طَاوُسٌ : مَنْ أَوْصَى لِقَوْمٍ سَمَّاهُمْ وَتَرَكَ ذَوِي قَرَابَتِهِ مُحْتَاجِينَ انْتُزِعَتْ مِنْهُمْ وَرُدَّتْ إِلَى ذَوِي قَرَابَتِهِ وَذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ إِلَى أَنَّ الْوُجُوبَ صَارَ مَنْسُوخًا فِي حَقِّ الْكَافَّةِ وَهِيَ حَتْمِيَّةٌ فِي حَقِّ الَّذِينَ لَا يَرِثُونَ [ ص: 193 ]

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ أَخْبَرَنَا طَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَ رَأْسِهِ " .

قَوْلُهُ تَعَالَى ( بِالْمَعْرُوفِ ) يُرِيدُ يُوصِي بِالْمَعْرُوفِ وَلَا يَزِيدُ عَلَى الثُّلُثِ وَلَا يُوصِي لِلْغَنِيِّ وَيَدَعُ الْفَقِيرَ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ : الْوَصِيَّةُ لِلْأَخَلِّ فَالْأَخَلِّ أَيِ الْأَحْوَجِ فَالْأَحْوَجِ

أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ رُحَيْمٍ الشَّيْبَانِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ أَبِي غَرَزَةَ أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى وَأَبُو نُعَيْمٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ جَاءَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُنِي فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أُوصِي بِمَالِي كُلِّهِ قَالَ لَا قُلْتُ فَالشَّطْرِ قَالَ لَا قُلْتُ فَالثُّلُثِ ؟ قَالَ الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ إِنَّكَ أَنْ تَدَعَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ بِأَيْدِيهِمْ .

وَعَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُوصِيَ قَالَتْ كَمْ مَالُكَ قَالَ ثَلَاثَةُ آلَافٍ قَالَتْ كَمْ عِيَالُكَ قَالَ أَرْبَعَةٌ ، قَالَتْ إِنَّمَا قَالَ اللَّهُ ( إِنْ تَرَكَ خَيْرًا ) وَإِنَّ هَذَا شَيْءٌ يَسِيرٌ فَاتْرُكْ لِعِيَالِكَ

وَقَالَ عَلَيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَأَنْ أُوصِيَ بِالْخُمْسِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُوصِيَ بِالرُّبْعِ وَلَأَنْ أُوصِيَ بِالرُّبْعِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُوصِيَ بِالثُّلُثِ فَمَنْ أَوْصَى بِالثُّلُثِ فَلَمْ يَتْرُكْ . وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُوصِي بِالسُّدْسِ أَوِ الْخُمْسِ أَوِ الرُّبْعِ ، وَقَالَ الشَّعْبِيُّ إِنَّمَا كَانُوا يُوصُونَ بِالْخُمْسِ أَوِ الرُّبْعِ .

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( حَقًّا ) نُصِبَ عَلَى الْمَصْدَرِ وَقِيلَ عَلَى الْمَفْعُولِ أَيْ جَعَلَ الْوَصِيَّةَ حَقًّا ( عَلَى الْمُتَّقِينَ ) [ ص: 194 ] الْمُؤْمِنِينَ
( فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ( 181 ) )

قَوْلُهُ تَعَالَى ( فَمَنْ بَدَّلَهُ ) أَيْ غَيَّرَ الْوَصِيَّةَ فِي الْأَوْصِيَاءِ أَوِ الْأَوْلِيَاءِ أَوِ الشُّهُودِ ( بَعْدَمَا سَمِعَهُ ) أَيْ بَعْدَمَا سَمِعَ قَوْلَ الْمُوصِي وَلِذَلِكَ ذَكَرَ الْكِنَايَةَ مَعَ كَوْنِ الْوَصِيَّةِ مُؤَنَّثَةً وَقِيلَ الْكِنَايَةُ رَاجِعَةٌ إِلَى الْإِيصَاءِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : "فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ " ( 275 - الْبَقَرَةِ ) رَدَّ الْكِنَايَةَ إِلَى الْوَعْظِ ( فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ ) وَالْمَيِّتُ بَرِيءٌ مِنْهُ ( إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ ) لِمَا أَوْصَى بِهِ الْمُوصِي ( عَلِيمٌ ) بِتَبْدِيلِ الْمُبَدِّلِ أَوْ سَمِيعٌ لِوَصِيَّتِهِ عَلِيمٌ بِنِيَّتِهِ
( فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ( 182 ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ( 183 ) )

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( فَمَنْ خَافَ ) أَيْ عَلِمَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ " ( 229 - الْبَقَرَةِ ) أَيْ عَلِمْتُمْ ( مِنْ مُوصٍ ) قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ وَيَعْقُوبُ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَتَشْدِيدِ الصَّادِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا " ( 13 - الشُّورَى ) " وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ " ( 8 - الْعَنْكَبُوتِ ) وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِسُكُونِ الْوَاوِ وَتَخْفِيفِ الصَّادِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ " ( 11 - النِّسَاءِ ) " مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ " ( 12 - النِّسَاءِ ( جَنَفًا ) أَيْ جَوْرًا وَعُدُولًا عَنِ الْحَقِّ ، وَالْجَنَفُ الْمَيْلُ ( أَوْ إِثْمًا ) أَيْ ظُلْمًا قَالَ السُّدِّيُّ وَعِكْرِمَةُ وَالرَّبِيعُ : الْجَنَفُ الْخَطَأُ وَالْإِثْمُ الْعَمْدُ ( فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ) وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى الْآيَةِ قَالَ مُجَاهِدٌ : مَعْنَاهَا أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا حَضَرَ مَرِيضًا وَهُوَ يُوصِي فَرَآهُ يَمِيلُ إِمَّا بِتَقْصِيرٍ أَوْ إِسْرَافٍ أَوْ وَضْعِ الْوَصِيَّةِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا فَلَا حَرَجَ عَلَى مَنْ حَضَرَهُ أَنْ يَأْمُرَهُ بِالْعَدْلِ وَيَنْهَاهُ عَنِ الْجَنَفِ فَيَنْظُرُ لِلْمُوصَى وَلِلْوَرَثَةِ وَقَالَ آخَرُونَ إِنَّهُ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ إِذَا أَخْطَأَ الْمَيِّتُ فِي وَصِيَّتِهِ أَوْ جَارَ مُتَعَمِّدًا فَلَا حَرَجَ عَلَى وَلِيِّهِ أَوْ وَصِيِّهِ أَوْ وَالِي أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُصْلِحَ بَعْدَ مَوْتِهِ بَيْنَ وَرَثَتِهِ وَبَيْنَ الْمُوصَى لَهُمْ وَيَرُدَّ الْوَصِيَّةَ إِلَى الْعَدْلِ وَالْحَقِّ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ أَيْ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ ( إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) وَقَالَ طَاوُسٌ : جَنَفَةٌ تَوْلِيجَةٌ وَهُوَ أَنْ يُوصِيَ لِبَنِي بَنِيهِ يُرِيدُ ابْنَهُ وَلِوَلَدِ ابْنَتِهِ وَلِزَوْجِ ابْنَتِهِ يُرِيدُ بِذَلِكَ ابْنَتَهُ

قَالَ الْكَلْبِيُّ : كَانَ الْأَوْلِيَاءُ وَالْأَوْصِيَاء ُ يُمْضُونَ وَصِيَّةَ الْمَيِّتِ بَعْدَ نُزُولِ قَوْلِهِ تَعَالَى " فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ " الْآيَةَ وَإِنِ اسْتَغْرَقَ الْمَالَ كُلَّهُ وَلَمْ يَبْقَ لِلْوَرَثَةِ شَيْءٌ ثُمَّ نَسَخَهَا قَوْلُهُ تَعَالَى : " فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا " الْآيَةَ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ : فَعَجَزَ الْمُوصِي أَنْ يُوصِيَ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِين َ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى وَعَجَزَ الْمُوصِي أَنْ يُصْلِحَ فَانْتَزَعَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ مِنْهُمْ فَفَرَضَ الْفَرَائِضَ

رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إِنَّ الرَّجُلَ لِيَعْمَلُ أَوِ الْمَرْأَةُ بِطَاعَةِ اللَّهِ سِتِّينَ سَنَةً ثُمَّ [ ص: 195 ] يَحْضُرُهُمَا الْمَوْتُ فَيُضَارَّانِ فِي الْوَصِيَّةِ فَتَجِبُ لَهُمَا النَّارُ ، " ثُمَّ قَرَأَ أَبُو هُرَيْرَةَ : ( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ ) إِلَى قَوْلِهِ ( غَيْرَ مُضَارٍّ ) .

قَوْلُهُ تَعَالَى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ ) أَيْ فُرِضَ وَأُوجِبَ وَالصَّوْمُ وَالصِّيَامُ فِي اللُّغَةِ الْإِمْسَاكُ يُقَالُ صَامَ النَّهَارُ إِذَا اعْتَدَلَ وَقَامَ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ لِأَنَّ الشَّمْسَ إِذَا بَلَغَتْ كَبِدَ السَّمَاءِ وَقَفَتْ وَأَمْسَكَتْ عَنِ السَّيْرِ سُوَيْعَةً وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : " فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا " ( 26 - مَرْيَمَ ) أَيْ صَمْتًا لِأَنَّهُ إِمْسَاكٌ عَنِ الْكَلَامِ وَفِي الشَّرِيعَةِ الصَّوْمُ وَهُوَ الْإِمْسَاكُ عَنِ الْأَكْلِ ، وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ مَعَ النِّيَّةِ فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ ( كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ) الْأَنْبِيَاءِ وَالْأُمَمِ وَاخْتَلَفُوا فِي هَذَا التَّشْبِيهِ فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ : كَانَ صَوْمُ مَنْ قَبَلْنَا مِنَ الْعَتَمَةِ إِلَى اللَّيْلَةِ الْقَابِلَةِ كَمَا كَانَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ

وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَرَادَ أَنَّ صِيَامَ رَمَضَانَ كَانَ وَاجِبًا عَلَى النَّصَارَى كَمَا فُرِضَ عَلَيْنَا فَرُبَّمَا كَانَ يَقَعُ فِي الْحَرِّ الشَّدِيدِ وَالْبَرْدِ الشَّدِيدِ وَكَانَ يَشُقُّ عَلَيْهِمْ فِي أَسْفَارِهِمْ وَيَضُرُّهُمْ فِي مَعَايِشِهِمْ فَاجْتَمَعَ رَأْيُ عُلَمَائِهِمْ وَرُؤَسَائِهِمْ عَلَى أَنْ يَجْعَلُوا صِيَامَهُمْ فِي فَصْلٍ مِنَ السَّنَةِ بَيْنَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ فَجَعَلُوهُ فِي الرَّبِيعِ وَزَادُوا فِيهِ عَشَرَةَ أَيَّامٍ كَفَّارَةً لِمَا صَنَعُوا فَصَارَ أَرْبَعِينَ ثُمَّ إِنَّ مَلِكَهُمُ اشْتَكَى فَمَهُ فَجَعَلَ لِلَّهِ عَلَيْهِ إِنْ هُوَ بَرِئَ مِنْ وَجَعِهِ أَنْ يَزِيدَ فِي صَوْمِهِمْ أُسْبُوعًا فَبَرِئَ فَزَادَ فِيهِ أُسْبُوعًا ثُمَّ مَاتَ ذَلِكَ الْمَلِكُ وَوَلِيَهُمْ مَلِكٌ آخَرُ فَقَالَ أَتِمُّوهُ خَمْسِينَ يَوْمًا وَقَالَ مُجَاهِدٌ : أَصَابَهُمْ مَوْتَانِ فَقَالُوا زِيدُوا فِي صِيَامِكُمْ فَزَادُوا عَشْرًا قَبْلُ وَعَشْرًا بَعْدُ قَالَ الشَّعْبِيُّ : لَوْ صُمْتُ السَّنَةَ كُلَّهَا لَأَفْطَرْتُ الْيَوْمَ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ فَيُقَالُ مِنْ شَعْبَانَ وَيُقَالُ مِنْ رَمَضَانَ وَذَلِكَ أَنَّ النَّصَارَى فُرِضَ عَلَيْهِمْ شَهْرُ رَمَضَانَ فَصَامُوا قَبْلَ الثَّلَاثِينَ يَوْمًا وَبَعْدَهَا يَوْمًا ثُمَّ لَمْ يَزَلِ الْقَرْنُ الْآخَرُ يَسْتَنُّ بِسُنَّةِ الْقَرْنِ الَّذِي قَبْلَهُ حَتَّى صَارُوا إِلَى خَمْسِينَ يَوْمًا فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى [ ص: 196 ] ( كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) يَعْنِي بِالصَّوْمِ لِأَنَّ الصَّوْمَ وَصْلَةٌ إِلَى التَّقْوَى لِمَا فِيهِ مِنْ قَهْرِ النَّفْسِ وَكَسْرِ الشَّهَوَاتِ وَقِيلَ لَعَلَّكُمْ تَحْذَرُونَ عَنِ الشَّهَوَاتِ مِنَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ ، وَالْجِمَاعِ

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #35  
قديم 24-09-2020, 05:59 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير البغوى****متجدد إن شاء الله

الحلقة (31)
- تفسير البغوى
سورة البقرة
الاية 184 إلى الاية 186
أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي

( أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ( 184 ) )

( أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ ) قِيلَ كَانَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَاجِبًا وَصَوْمُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ فَصَامُوا كَذَلِكَ مِنَ الرَّبِيعِ إِلَى شَهْرِ رَمَضَانَ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا ثُمَّ نُسِخَ بِصَوْمِ رَمَضَانَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : أَوَّلُ مَا نُسِخَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ أَمْرُ الْقِبْلَةِ وَالصَّوْمِ ، وَيُقَالُ نَزَلَ صَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ قَبْلَ بَدْرٍ بِشَهْرٍ وَأَيَّامٍ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ كَانَتْ غَزْوَةُ بَدْرٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِسَبْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ عَلَى رَأْسِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا مِنَ الْهِجْرَةِ

حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَازِيُّ أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ : " كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ يَوْمًا تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ صَامَهُ وَأَمَرَ النَّاسَ بِصِيَامِهِ فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ كَانَ هُوَ الْفَرِيضَةَ وَتُرِكَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ " .

وَقِيلَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ ( أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ ) شَهْرُ رَمَضَانَ وَهِيَ غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ وَنَصَبَ أَيَّامًا عَلَى الظَّرْفِ أَيْ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ وَقِيلَ عَلَى التَّفْسِيرِ ، وَقِيلَ عَلَى هُوَ خَبَرُ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ ( فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ ) أَيْ فَأَفْطَرَ فَعِدَّةٌ ( مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) أَيْ فَعَلَيْهِ عِدَّةٌ وَالْعَدَدُ وَالْعِدَّةُ وَاحِدٌ ( مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) أَيْ غَيْرِ أَيَّامِ مَرَضِهِ وَسَفَرِهِ وَأُخَرُ فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ لَكِنَّهَا لَا تَنْصَرِفُ فَلِذَلِكَ نُصِبَتْ

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ ) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ وَحُكْمِهَا فَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إِلَى أَنَّ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَسَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ وَغَيْرِهِمَا وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ [ ص: 197 ] مُخَيَّرِينَ بَيْنَ أَنْ يَصُومُوا وَبَيْنَ أَنْ يُفْطِرُوا ، وَيَفْدُوا خَيَّرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى لِئَلَّا يَشُقَّ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ كَانُوا لَمْ يَتَعَوَّدُوا الصَّوْمَ ثُمَّ نَسَخَ التَّخْيِيرَ وَنَزَلَتِ الْعَزِيمَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) وَقَالَ قَتَادَةُ : هِيَ خَاصَّةٌ فِي حَقِّ الشَّيْخِ الْكَبِيرِ الَّذِي يُطِيقُ الصَّوْمَ وَلَكِنْ يَشُقُّ عَلَيْهِ رُخِّصَ لَهُ فِي أَنْ يُفْطِرَ وَيَفْدِيَ ثُمَّ نُسِخَ وَقَالَ الْحَسَنُ : هَذَا فِي الْمَرِيضِ الَّذِي بِهِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْمَرَضِ وَهُوَ مُسْتَطِيعٌ لِلصَّوْمِ خُيِّرَ بَيْنَ أَنْ يَصُومَ وَبَيْنَ أَنْ يُفْطِرَ وَيَفْدِيَ ثُمَّ نُسِخَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ )

وَثَبَتَتِ الرُّخْصَةُ لِلَّذِينِ لَا يُطِيقُونَ وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ الْآيَةَ مُحْكَمَةٌ غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ ، وَمَعْنَاهُ وَعَلَى الَّذِينَ كَانُوا يُطِيقُونَهُ فِي حَالِ الشَّبَابِ فَعَجَزُوا عَنْهُ بَعْدَ الْكِبَرِ فَعَلَيْهِمُ الْفِدْيَةُ بَدَلَ الصَّوْمِ وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ : ( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ ) بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الطَّاءِ وَتَخْفِيفِهَا وَفَتْحِ الْوَاوِ ، وَتَشْدِيدِهَا أَيْ يُكَلَّفُونَ الصَّوْمَ وَتَأْوِيلُهُ عَلَى الشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَالْمَرْأَةِ الْكَبِيرَةِ لَا يَسْتَطِيعَانِ الصَّوْمَ وَالْمَرِيضِ الَّذِي لَا يُرْجَى زَوَالُ مَرَضِهِ فَهُمْ يُكَلَّفُونَ الصَّوْمَ وَلَا يُطِيقُونَهُ فَلَهُمْ أَنْ يُفْطِرُوا وَيُطْعِمُوا مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَجَعَلَ الْآيَةَ مُحْكَمَةً

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ) قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَالشَّامِ مُضَافًا وَكَذَلِكَ فِي الْمَائِدَةِ : " كَفَّارَةٌ طَعَامُ " أَضَافَ الْفِدْيَةَ إِلَى الطَّعَامِ وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا لِاخْتِلَافِ اللَّفْظَيْنِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى " وَحَبَّ الْحَصِيدِ " ( 9 - ق ) وَقَوْلِهِمْ مَسْجِدُ الْجَامِعِ وَرَبِيعُ الْأَوَّلِ وَقَرَأَ الْآخَرُونَ فِدْيَةٌ وَكَفَّارَةٌ مُنَوَّنَةً طَعَامُ ) رُفِعَ وَقَرَأَ مَسَاكِينَ بِالْجَمْعِ هُنَا أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَالشَّامِ وَالْآخَرُونَ عَلَى التَّوْحِيدِ فَمَنْ جَمَعَ نَصَبَ النُّونَ وَمَنْ وَحَّدَ خَفَضَ النُّونَ وَنَوَّنَهَا وَالْفِدْيَةُ : الْجَزَاءُ وَيَجِبُ أَنْ يُطْعِمَ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا مُدًّا مِنَ الطَّعَامِ بِمُدِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ رَطْلٌ وَثُلُثٌ مِنْ غَالِبِ قُوتِ الْبَلَدِ هَذَا قَوْلُ فُقَهَاءِ الْحِجَازِ وَقَالَ بَعْضُ فُقَهَاءِ أَهْلِ الْعِرَاقِ : عَلَيْهِ لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ لِكُلِّ يَوْمٍ يُفْطَرُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ نِصْفُ صَاعٍ مِنَ الْقَمْحِ أَوْ صَاعٌ مِنْ غَيْرِهِ وَقَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ مَا كَانَ الْمُفْطِرُ يَتَقَوَّتُهُ يَوْمَهُ الَّذِي أَفْطَرَهُ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : يُعْطِي كُلَّ مِسْكِينٍ عَشَاءَهُ وَسَحُورَهُ

( فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ ) أَيْ زَادَ عَلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ فَأَطْعَمَ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينَيْنِ فَأَكْثَرَ قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَعَطَاءٌ وَطَاوُسٌ وَقِيلَ مَنْ زَادَ عَلَى الْقَدْرِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ فَأَعْطَى صَاعًا وَعَلَيْهِ مُدٌّ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ

( وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ ) ذَهَبَ إِلَى النَّسْخِ قَالَ مَعْنَاهُ الصَّوْمُ خَيْرٌ لَهُ مِنَ الْفِدْيَةِ ، وَقِيلَ هَذَا فِي الشَّيْخِ الْكَبِيرِ لَوْ تَكَلَّفَ الصَّوْمَ وَإِنْ شَقَّ عَلَيْهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يُفْطِرَ وَيَفْدِيَ ( إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا رُخْصَةَ لِمُؤْمِنٍ مُكَلَّفٍ فِي إِفْطَارِ رَمَضَانَ إِلَّا لِثَلَاثَةٍ : أَحَدُهُمْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ وَالثَّانِي عَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ وَالثَّالِثُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ دُونَ الْقَضَاءِ أَمَّا الَّذِي عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ فَالْحَامِلُ [ ص: 198 ] وَالْمُرْضِعُ إِذَا خَافَتَا عَلَى وَلَدَيْهِمَا فَإِنَّهُمَا تُفْطِرَانِ ، وَتَقْضِيَانِ وَعَلَيْهِمَا مَعَ الْقَضَاءِ الْفِدْيَةُ وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَبِهِ قَالَ مُجَاهِدٌ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَ قَوْمٌ لَا فِدْيَةَ عَلَيْهِمَا وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ وَعَطَاءٌ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ ، وَأَمَّا الَّذِي عَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ فَالْمَرِيضُ وَالْمُسَافِرُ وَالْحَائِضُ ، وَالنُّفَسَاءُ

وَأَمَّا الَّذِي عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ دُونَ الْقَضَاءِ فَالشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَالْمَرِيضُ الَّذِي لَا يُرْجَى زَوَالُ مَرَضِهِ .
( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ( 185 ) )

ثُمَّ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى أَيَّامَ الصِّيَامِ فَقَالَ ( شَهْرُ رَمَضَانَ ) رَفْعُهُ عَلَى مَعْنَى هُوَ شَهْرُ رَمَضَانَ وَقَالَ الْكِسَائِيُّ : كُتِبَ عَلَيْكُمْ شَهْرُ رَمَضَانَ وَسُمِّيَ الشَّهْرُ شَهْرًا لِشُهْرَتِهِ وَأَمَّا رَمَضَانُ فَقَدْ قَالَ مُجَاهِدٌ : هُوَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى يُقَالُ شَهْرُ رَمَضَانَ كَمَا يُقَالُ شَهْرُ اللَّهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ اسْمٌ لِلشَّهْرِ سُمِّيَ بِهِ مِنَ الرَّمْضَاءِ وَهِيَ الْحِجَارَةُ الْمُحْمَاةُ وَهُمْ كَانُوا يَصُومُونَهُ فِي الْحَرِّ الشَّدِيدِ فَكَانَتْ تُرَمَّضُ فِيهِ الْحِجَارَةُ فِي الْحَرَارَةِ

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ) سُمِّيَ الْقُرْآنُ قُرْآنًا لِأَنَّهُ يَجْمَعُ السُّوَرَ وَالْآيَ ، وَالْحُرُوفَ وَجُمِعَ فِيهِ الْقَصَصُ وَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَالْوَعْدُ ، وَالْوَعِيدُ

وَأَصْلُ الْقَرْءِ الْجَمْعُ وَقَدْ يُحْذَفُ الْهَمْزُ مِنْهُ فَيُقَالُ قَرَيْتَ الْمَاءَ فِي الْحَوْضِ إِذَا جَمَعْتَهُ وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ " الْقُرَانَ " بِفَتْحِ الرَّاءِ غَيْرَ مَهْمُوزٍ وَكَذَلِكَ كَانَ يَقْرَأُ الشَّافِعِيُّ وَيَقُولُ لَيْسَ هُوَ مِنَ الْقِرَاءَةِ وَلَكِنَّهُ اسْمٌ لِهَذَا الْكِتَابِ كَالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَرُوِيَ عَنْ مِقْسَمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ ( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ) " إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ " ( 1 - الْقَدْرِ ) وَقَوْلِهِ : " إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ " ( 3 - الدُّخَانِ ) وَقَدْ نَزَلَ فِي سَائِرِ الشُّهُورِ ، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ " ( 106 - الْإِسْرَاءِ ، فَقَالَ أُنْزِلُ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ إِلَى بَيْتِ الْعِزَّةِ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا ثُمَّ نَزَلَ بِهِ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُجُومًا فِي ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى " فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ ( 75 - الْوَاقِعَةِ ) قَالَ دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ : قُلْتُ لِلشَّعْبِيِّ : ( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ) أَمَا كَانَ يَنْزِلُ فِي سَائِرِ الشُّهُورِ؟ قَالَ : بَلَى وَلَكِنْ جَبْرَائِيلُ كَانَ يُعَارِضُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَانَ مَا نَزَلَ إِلَيْهِ فَيُحْكِمُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ مَا يَشَاءُ وَيُنْسِيهِ مَا يَشَاءُ .

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " أُنْزِلَتْ صُحُفُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي ثَلَاثِ لَيَالٍ مَضَيْنَ مِنْ رَمَضَانَ وَيُرْوَى فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ وَأُنْزِلَتْ تَوْرَاةُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي سِتِّ لَيَالٍ مَضَيْنَ مِنْ رَمَضَانَ وَأُنْزِلَ الْإِنْجِيلَ عَلَى عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي ثَلَاثَ عَشْرَةَ لَيْلَةً مَضَتْ مِنْ رَمَضَانَ وَأُنْزِلَ زَبُورُ دَاوُدَ فِي ثَمَانِ عَشْرَةَ مَضَتْ مِنْ رَمَضَانَ وَأُنْزِلَ الْفُرْقَانُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرَّابِعَةِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ [ ص: 199 ] شَهْرِ رَمَضَانَ لِسِتٍّ بَقِينَ بَعْدَهَا .

قَوْلُهُ تَعَالَى ( هُدًى لِلنَّاسِ ) مِنَ الضَّلَالَةِ وَهُدًى فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْقَطْعِ لِأَنَّ الْقُرْآنَ مَعْرِفَةٌ وَهُدًى نَكِرَةٌ ( وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى ) أَيْ دَلَالَاتٍ وَاضِحَاتٍ مِنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ ، وَالْحُدُودِ وَالْأَحْكَامِ ( وَالْفُرْقَانِ ) أَيِ الْفَارِقِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) أَيْ فَمَنْ كَانَ مُقِيمًا فِي الْحَضَرِ فَأَدْرَكَهُ الشَّهْرُ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيمَنْ أَدْرَكَهُ الشَّهْرُ وَهُوَ مُقِيمٌ ثُمَّ سَافَرَ رُوِيَ عَنْ عَلَيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لَا يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ وَبِهِ قَالَ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) أَيِ الشَّهْرَ كُلَّهُ وَذَهَبَ أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ وَالْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ إِذَا أَنْشَأَ السَّفَرَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ جَازَ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ وَمَعْنَى الْآيَةِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ كُلَّهُ فَلْيَصُمْهُ أَيِ الشَّهْرَ كُلَّهُ وَمَنْ لَمْ يَشْهَدْ مِنْكُمُ الشَّهْرَ كُلَّهُ فَلْيَصُمْ مَا شَهِدَ مِنْهُ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ فِي رَمَضَانَ فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ الْكَدِيدَ ثُمَّ أَفْطَرَ وَأَفْطَرَ النَّاسُ مَعَهُ فَكَانُوا يَأْخُذُونَ بِالْأَحْدَثِ فَالْأَحْدَثِ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #36  
قديم 24-09-2020, 06:00 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير البغوى****متجدد إن شاء الله

قَوْلُهُ تَعَالَى ( وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) أَبَاحَ الْفِطْرَ لِعُذْرِ الْمَرَضِ وَالسَّفَرِ وَأَعَادَ هَذَا الْكَلَامَ لِيُعْلَمَ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ ثَابِتٌ فِي النَّاسِخِ ثُبُوتَهُ فِي الْمَنْسُوخِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَرَضِ الَّذِي يُبِيحُ الْفِطْرَ فَذَهَبَ أَهْلُ الظَّاهِرِ إِلَى أَنَّ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْمَرَضِ يُبِيحُ الْفِطْرَ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سِيرِينَ . قَالَ طَرِيفُ بْنُ تَمَّامٍ الْعُطَارِدِيُّ دَخَلْتُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ . فِي رَمَضَانَ وَهُوَ يَأْكُلُ ، فَقَالَ إِنَّهُ وُجِعَتْ أُصْبُعِي هَذِهِ وَقَالَ الْحَسَنُ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ هُوَ الْمَرَضُ الَّذِي تَجُوزُ مَعَهُ الصَّلَاةُ قَاعِدًا وَذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ إِلَى أَنَّهُ مَرَضٌ يُخَافُ مَعَهُ مِنَ الصَّوْمِ زِيَادَةُ عِلَّةٍ غَيْرِ مُحْتَمَلَةٍ وَفِي الْجُمْلَةِ أَنَّهُ إِذَا أَجْهَدَهُ الصَّوْمُ أَفْطَرَ وَإِنْ لَمْ يُجْهِدْهُ فَهُوَ كَالصَّحِيحِ وَأَمَّا السَّفَرُ فَالْفِطْرُ فِيهِ مُبَاحٌ وَالصَّوْمُ جَائِزٌ عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَّا مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ أَنَّهُمْ قَالُوا لَا يَجُوزُ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ وَمَنْ صَامَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ " وَذَلِكَ عِنْدَ الْآخَرِينَ فِي حَقِّ مَنْ [ ص: 200 ] يُجْهِدُهُ الصَّوْمُ فَالْأَوْلَى لَهُ أَنْ يُفْطِرَ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا أَخْبَرَنَا بِهِ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَخْبَرَنَا آدَمُ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَرَأَى زِحَامًا وَرَجُلًا قَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ فَقَالَ مَا هَذَا قَالُوا هَذَا صَائِمٌ ، فَقَالَ لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ " .

وَالدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِ الصَّوْمِ مَا حَدَّثَنَا الْأُسْتَاذُ أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ هَوَازِنَ الْقُشَيْرِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْإِسْفِرَايِي نِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ أَخْبَرَنَا أَبُو أُمَيَّةَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ الْقَوَارِيرِيّ ُ أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ أَخْبَرَنَا الْجَرِيرِيُّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ : " كُنَّا نُسَافِرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَانَ فَمِنَّا الصَّائِمُ وَمِنَّا الْمُفْطِرُ فَلَا يَعِيبُ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ وَلَا الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ " .

وَاخْتَلَفُوا فِي أَفْضَلِ الْأَمْرَيْنِ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ الْفِطْرُ فِي السَّفَرِ أَفْضَلُ مِنَ الصَّوْمِ رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَالشَّعْبِيُّ وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الصَّوْمَ أَفْضَلُ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَأَنَسٍ وَبِهِ قَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ أَفْضَلُ الْأَمْرَيْنِ أَيْسَرُهُمَا عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ( يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمَنْ أَصْبَحَ مُقِيمًا صَائِمًا ثُمَّ سَافَرَ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ ذَلِكَ الْيَوْمَ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ أَمَّا الْمُسَافِرُ إِذَا أَصْبَحَ صَائِمًا فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ بِالِاتِّفَاقِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا أَخْبَرَ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَطِيبُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلَّالُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ فِي رَمَضَانَ فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ كُرَاعَ الْغَمِيمِ فَصَامَ النَّاسُ مَعَهُ فَقِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ النَّاسَ قَدْ شَقَّ عَلَيْهِمُ الصِّيَامُ فَدَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ بَعْدَ الْعَصْرِ فَشَرِبَ وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ فَأَفْطَرَ بَعْضُ النَّاسِ وَصَامَ بَعْضُهُمْ فَبَلَغَهُ أَنَّ نَاسًا صَامُوا فَقَالَ أُولَئِكَ الْعُصَاةُ .

وَاخْتَلَفُوا فِي السَّفَرِ الَّذِي يُبِيحُ الْفِطْرَ فَقَالَ قَوْمٌ مَسِيرَةُ يَوْمٍ وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى مَسِيرَةِ يَوْمَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى مَسِيرَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ [ ص: 201 ]

قَوْلُهُ تَعَالَى ( يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ ) بِإِبَاحَةِ الْفِطْرِ فِي الْمَرَضِ وَالسَّفَرِ ( وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ الْعُسْرَ وَالْيُسْرَ وَنَحْوَهُمَا بِضَمِّ السِّينِ وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالسُّكُونِ وَقَالَ الشَّعْبِيُّ : مَا خُيِّرَ رَجُلٌ بَيْنَ أَمْرَيْنِ فَاخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا إِلَّا كَانَ ذَلِكَ أَحَبَّهُمَا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ( وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ ) قَرَأَ أَبُو بَكْرٍ بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالتَّخْفِيفِ وَهُوَ الِاخْتِيَارُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : " الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ " ( 3 - الْمَائِدَةِ ) وَالْوَاوُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَاوُ النَّسَقِ وَاللَّامُ لَامُ كَيْ ، تَقْدِيرُهُ وَيُرِيدُ لِكَيْ تُكْمِلُوا الْعِدَّةَ أَيْ لِتُكْمِلُوا عِدَّةَ أَيَّامِ الشَّهْرِ بِقَضَاءِ مَا أَفْطَرْتُمْ فِي مَرَضِكُمْ وَسَفَرِكُمْ وَقَالَ عَطَاءٌ : ( وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ ) أَيْ عَدَدَ أَيَّامِ الشَّهْرِ

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَطِيبُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلَّالُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ فَلَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلَالَ وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ " .

أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْحِيرِيُّ أَخْبَرَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا تَقَدَّمُوا الشَّهْرَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلَا يَوْمَيْنِ إِلَّا أَنْ يُوَافِقَ ذَلِكَ صَوْمًا كَانَ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَعُدُّوا ثَلَاثِينَ ثُمَّ أَفْطِرُوا " .

( وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ ) وَلِتُعَظِّمُوا اللَّهَ ( عَلَى مَا هَدَاكُمْ ) أَرْشَدَكُمْ إِلَى مَا رَضِيَ بِهِ مِنْ صَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَخَصَّكُمْ بِهِ دُونَ سَائِرِ أَهْلِ الْمِلَلِ

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : هُوَ تَكْبِيرَاتُ لَيْلَةِ الْفِطْرِ وَرُوِيَ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَعَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ وَعُرْوَةَ وَأَبِي سَلَمَةَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُكَبِّرُونَ لَيْلَةَ الْفِطْرِ يَجْهَرُونَ بِالتَّكْبِيرِ وَشَبَّهَ لَيْلَةَ النَّحْرِ بِهَا إِلَّا مَنْ كَانَ حَاجًّا فَذِكْرُهُ التَّلْبِيَةُ

( وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) اللَّهَ عَلَى نِعَمِهِ وَقَدْ وَرَدَتْ أَخْبَارٌ فِي فَضْلِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَثَوَابِ الصَّائِمِينَ .

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِيِّ الْمَرْوَزِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سِرَاجٍ الطَّحَّانُ أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشِ بْنِ سُلَيْمَانَ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَكِّيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِي سَهْلٍ نَافِعِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إِذَا [ ص: 202 ] دَخَلَ رَمَضَانُ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ " .

أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الضَّبِّيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَرَّاحِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَحْبُوبِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو عِيسَى مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى التِّرْمِذِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ ، وَمَرَدَةُ الْجِنِّ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ وَيُنَادِي مُنَادٍ يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ " .

أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي نَصْرِ بْنِ أَحْمَدَ الْكَوْفَانِيُّ الْهَرَوِيُّ بِهَا أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ التُّجِيبِيُّ الْمِصْرِيُّ بِهَا الْمَعْرُوفُ بِابْنِ النَّحَّاسِ قِيلَ لَهُ أَخْبَرَكُمْ أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْعَنَزِيُّ الْبَصْرِيُّ بِمَكَّةَ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الْأَعْرَابِيِّ أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ الزَّعْفَرَانِي ُّ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنَا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ " .

أَخْبَرَنَا الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ خَلَفُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نِزَارٍ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَسَدٍ الصَّفَّارُ أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ الْعَنَزِيُّ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرِ بْنِ إِيَاسٍ السَّعْدِيُّ أَخْبَرَنَا يُوسُفُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ سَلْمَانَ قَالَ : خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِرِ يَوْمٍ [ ص: 203 ] مِنْ شَعْبَانَ فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ قَدْ أَظَلَّكُمْ شَهْرٌ عَظِيمٌ وَفِي رِوَايَةٍ قَدْ أَطَلَّكُمْ بِالطَّاءِ أَطَلَّ : أَشْرَفَ شَهْرٌ عَظِيمٌ شَهَرٌ مُبَارَكٌ شَهْرٌ فِيهِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ شَهْرٌ جَعَلَ اللَّهُ صِيَامَهُ فَرِيضَةً وَقِيَامَ لَيْلِهِ تَطَوُّعًا مَنْ تَقَرَّبَ فِيهِ بِخَصْلَةٍ مِنْ خِصَالِ الْخَيْرِ كَانَ كَمَنْ أَدَّى فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ وَمَنْ أَدَّى فِيهِ فَرِيضَةً كَمَنْ أَدَّى سَبْعِينَ فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ وَهُوَ شَهْرُ الصَّبْرِ وَالصَّبْرُ ثَوَابُهُ الْجَنَّةُ وَشَهْرُ الْمُوَاسَاةِ أَيِ الْمُسَاهَمَةِ وَشَهْرٌ يُزَادُ فِيهِ الرِّزْقُ وَمَنْ فَطَّرَ فِيهِ صَائِمًا كَانَ لَهُ مَغْفِرَةً لِذُنُوبِهِ وَعِتْقَ رَقَبَتِهِ مِنَ النَّارِ وَكَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَجْرِهِ شَيْءٌ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيْسَ كُلُّنَا نَجِدُ مَا نُفَطِّرُ بِهِ الصَّائِمَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْطِي اللَّهُ هَذَا الثَّوَابَ لِمَنْ فَطَّرَ صَائِمًا عَلَى مَذْقَةِ لَبَنٍ أَوْ تَمْرَةٍ أَوْ شَرْبَةٍ مِنْ مَاءٍ وَمَنْ أَشْبَعَ صَائِمًا سَقَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ حَوْضِي شَرْبَةً لَا يَظْمَأُ بَعْدَهَا حَتَّى يَدْخُلَ الْجَنَّةَ وَمَنْ خَفَّفَ عَنْ مَمْلُوكِهِ فِيهِ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ وَأَعْتَقَهُ مِنَ النَّارِ حَتَّى يَدْخُلَ الْجَنَّةَ وَهُوَ شَهْرٌ أَوَّلُهُ رَحْمَةٌ وَأَوْسَطُهُ مَغْفِرَةٌ وَآخِرُهُ عِتْقٌ مِنَ النَّارِ فَاسْتَكْثِرُوا فِيهِ مِنْ أَرْبَعِ خِصَالٍ خَصْلَتَيْنِ تُرْضُونَ بِهِمَا رَبَّكُمْ وَخَصْلَتَيْنِ لَا غِنَى بِكُمْ عَنْهُمَا أَمَّا الْخَصْلَتَانِ اللَّتَانِ تُرْضُونَ بِهِمَا رَبَّكُمْ فَشَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَتَسْتَغْفِرُو نَهُ وَأَمَّا اللَّتَانِ لَا غِنَى بِكُمْ عَنْهُمَا فَتَسْأَلُونَ اللَّهَ الْجَنَّةَ وَتَعُوذُونَ بِهِ مِنَ النَّارِ " .

أَخْبَرَنَا الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ التَّاجِرُ أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ بُكَيْرٍ الْكُوفِيُّ أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ لَهُ الْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إِلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ يَدَعُ الصَّائِمُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ وَلَخُلُوفُ فِيْهِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ الصَّوْمُ جُنَّةٌ الصَّوْمُ جُنَّةٌ " .

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : فِي الْجَنَّةِ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابٍ مِنْهَا بَابٌ يُسَمَّى الرَّيَّانَ لَا يَدْخُلُهُ إِلَّا الصَّائِمُونَ " . [ ص: 204 ]

أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلَّالُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَقُولُ الصِّيَامُ أَيْ رَبِّ إِنِّي مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ ، وَالشَّرَابَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ وَيَقُولُ الْقُرْآنُ : رَبِّ إِنِّي مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ فَيُشَفَّعَانِ " .
( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُ وا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ( 186 ) )

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ) رَوَى الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ يَهُودُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ : يَا مُحَمَّدُ كَيْفَ يَسْمَعُ رَبُّنَا دُعَاءَنَا وَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ السَّمَاءِ مَسِيرَةَ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ وَإِنَّ غِلَظَ كُلِّ سَمَاءٍ مِثْلُ ذَلِكَ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ : سَأَلَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا أَقَرِيبٌ رَبُّنَا فَنُنَاجِيهِ أَمْ بِعِيدٌ فَنُنَادِيهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى : " وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ " وَفِيهِ إِضْمَارٌ كَأَنَّهُ قَالَ فَقُلْ لَهُمْ إِنِّي قَرِيبٌ مِنْهُمْ بِالْعِلْمِ لَا يَخْفَى عَلَيَّ شَيْءٌ كَمَا قَالَ " وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ " ( 16 - ق ) .

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ : لَمَّا غَزَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ أَوْ قَالَ لَمَّا تَوَجَّهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى خَيْبَرَ أَشْرَفَ النَّاسُ عَلَى وَادٍ فَرَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّكْبِيرِ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبِعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ إِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا إِنَّكُمْ تَدْعُونَ سَمِيعًا قَرِيبًا وَهُوَ مَعَكُمْ " . [ ص: 205 ]

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ) قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ غَيْرُ قَالُونَ وَأَبُو عَمْرٍو بِإِثْبَاتِ الْيَاءِ فِيهِمَا فِي الْوَصْلِ وَالْبَاقُونَ بِحَذْفِهَا وَصْلًا وَوَقْفًا وَكَذَلِكَ اخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي إِثْبَاتِ الْيَاءَاتِ الْمَحْذُوفَةِ مِنَ الْخَطِّ وَحَذْفِهَا فِي التِّلَاوَةِ وَيُثْبِتُ يَعْقُوبُ جَمِيعَهَا وَصْلًا وَوَقْفًا وَاتَّفَقُوا عَلَى إِثْبَاتِ مَا هُوَ مُثْبَتٌ فِي الْخَطِّ وَصْلًا وَوَقْفًا ( فَلْيَسْتَجِيبُ وا ) قِيلَ : الِاسْتِجَابَةُ بِمَعْنَى الْإِجَابَةِ أَيْ فَلْيُجِيبُوا لِي بِالطَّاعَةِ وَالْإِجَابَةُ فِي اللُّغَةِ الطَّاعَةُ وَإِعْطَاءُ مَا سُئِلَ فَالْإِجَابَةُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى الْعَطَاءُ وَمِنَ الْعَبْدِ الطَّاعَةُ ، وَقِيلَ فَلْيَسْتَجِيبُ وا لِي أَيْ لِيَسْتَدْعُوا مِنِّي الْإِجَابَةَ وَحَقِيقَتُهُ فَلْيُطِيعُونِي ( وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) لِكَيْ يَهْتَدُوا فَإِنْ قِيلَ فَمَا وَجْهُ قَوْلِهِ تَعَالَى : ( أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ ) ( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) وَقَدْ يُدْعَى كَثِيرًا فَلَا يُجِيبُ قُلْنَا اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى الْآيَتَيْنِ قِيلَ مَعْنَى الدُّعَاءِ هَاهُنَا الطَّاعَةُ وَمَعْنَى الْإِجَابَةِ الثَّوَابُ وَقِيلَ مَعْنَى الْآيَتَيْنِ خَاصٌّ وَإِنْ كَانَ لَفْظُهُمَا عَامًّا تَقْدِيرُهُمَا : ( أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ ) إِنْ شِئْتُ كَمَا قَالَ : " فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ " ( 41 - الْأَنْعَامِ ) أَوْ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِنْ وَافَقَ الْقَضَاءَ أَوْ أُجِيبُهُ إِنْ كَانَتِ الْإِجَابَةُ خَيْرًا لَهُ أَوْ أُجِيبُهُ إِنْ لَمْ يَسْأَلْ مُحَالًا

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَانِيُّ أَخْبَرَنَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجَوَيْهِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ أَنَّ رَبِيعَةَ بْنَ زَيْدٍ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : يَسْتَجِيبُ اللَّهُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ أَوْ يَسْتَعْجِلْ قَالُوا وَمَا الِاسْتِعْجَالُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : يَقُولُ قَدْ دَعَوْتُكَ يَا رَبِّ قَدْ دَعَوْتُكَ يَا رَبِّ فَلَا أَرَاكَ تَسْتَجِيبُ لِي فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ فَيَدَعُ [ ص: 206 ] الدُّعَاءَ " .

وَقِيلَ هُوَ عَامٌّ وَمَعْنَى قَوْلِهِ ( أُجِيبُ ) أَيْ أَسْمَعُ وَيُقَالُ لَيْسَ فِي الْآيَةِ أَكْثَرُ مِنْ إِجَابَةِ الدَّعْوَةِ فَأَمَّا إِعْطَاءُ الْمُنْيَةِ فَلَيْسَ بِمَذْكُورٍ فِيهَا وَقَدْ يُجِيبُ السَّيِّدُ عَبْدَهُ وَالْوَالِدُ وَلَدَهُ ثُمَّ لَا يُعْطِيهِ سُؤْلَهُ فَالْإِجَابَةُ كَائِنَةٌ لَا مَحَالَةَ عِنْدَ حُصُولِ الدَّعْوَةِ وَقِيلَ مَعْنَى الْآيَةِ أَنَّهُ لَا يُخَيِّبُ دُعَاءَهُ فَإِنْ قَدَّرَ لَهُ مَا سَأَلَ أَعْطَاهُ وَإِنْ لَمْ يُقَدِّرْهُ لَهُ ادَّخَرَ لَهُ الثَّوَابَ فِي الْآخِرَةِ أَوْ كَفَّ عَنْهُ بِهِ سُوءًا وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَانِيُّ أَخْبَرَنَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجَوَيْهِ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا ابْنُ ثَوْبَانَ وَهُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ ثَابِتِ بْنِ ثَوْبَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدَّثَهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَا عَلَى الْأَرْضِ رَجُلٌ مُسْلِمٌ يَدْعُو اللَّهَ تَعَالَى بِدَعْوَةٍ إِلَّا آتَاهُ اللَّهُ إِيَّاهَا أَوْ كَفَّ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ " وَقِيلَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُجِيبُ دُعَاءَ الْمُؤْمِنِ فِي الْوَقْتِ وَيُؤَخِّرُ إِعْطَاءَ مُرَادِهِ لِيَدْعُوَهُ فَيَسْمَعَ صَوْتَهُ وَيُعَجِّلُ إِعْطَاءَ مَنْ لَا يُحِبُّهُ لِأَنَّهُ يَبْغَضُ صَوْتَهُ وَقِيلَ إِنَّ لِلدُّعَاءِ آدَابًا وَشَرَائِطَ وَهِيَ أَسْبَابُ الْإِجَابَةِ فَمَنِ اسْتَكْمَلَهَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْإِجَابَةِ وَمَنْ أَخَلَّ بِهَا فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الِاعْتِدَاءِ فِي الدُّعَاءِ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْإِجَابَةَ
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #37  
قديم 24-09-2020, 06:01 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير البغوى****متجدد إن شاء الله

الحلقة (32)
- تفسير البغوى
سورة البقرة
الاية 187 إلى الاية 190
أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي

( أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ( 187 ) )

قَوْلُهُ تَعَالَى ( أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ ) فَالرَّفَثُ كِنَايَةٌ عَنِ الْجِمَاعِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَيِيٌّ كَرِيمٌ يُكَنِّي كُلَّ مَا ذُكِرَ فِي الْقُرْآنِ مِنَ الْمُبَاشَرَةِ وَالْمُلَامَسَة ِ وَالْإِفْضَاءِ ، وَالدُّخُولِ وَالرَّفَثُ فَإِنَّمَا عَنَى بِهِ الْجِمَاعَ وَقَالَ الزَّجَّاجُ : الرَّفَثُ كَلِمَةٌ جَامِعَةٌ لِكُلِّ مَا يُرِيدُهُ الرِّجَالُ مِنَ النِّسَاءِ قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ كَانَ فِي ابْتِدَاءِ الْأَمْرِ إِذَا أَفْطَرَ الرَّجُلُ حَلَّ لَهُ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ وَالْجِمَاعُ إِلَى أَنْ يُصَلِّيَ الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ أَوْ يَرْقُدَ قَبْلَهَا فَإِذَا صَلَّى الْعِشَاءَ أَوْ رَقَدَ قَبْلَهَا حَرُمَ عَلَيْهِ الطَّعَامُ وَالنِّسَاءُ إِلَى اللَّيْلَةِ الْقَابِلَةِ ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَاقَعَ أَهْلَهُ بَعْدَمَا صَلَّى الْعِشَاءَ فَلَمَّا اغْتَسَلَ أَخَذَ يَبْكِي وَيَلُومُ نَفْسَهُ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَعْتَذِرُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَيْكَ مِنْ نَفْسِي هَذِهِ الْخَاطِئَةِ إِنِّي رَجَعْتُ إِلَى أَهْلِي بَعْدَمَا صَلَّيْتُ الْعِشَاءَ فَوَجَدْتُ رَائِحَةً طَيِّبَةً فَسَوَّلَتْ لِي نَفْسِي فَجَامَعْتُ أَهْلِي فَهَلْ تَجِدُ لِي مِنْ رُخْصَةٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كُنْتَ جَدِيرًا بِذَلِكَ يَا عُمَرُ فَقَامَ رِجَالٌ وَاعْتَرَفُوا بِمِثْلِهِ فَنَزَلَ فِي عُمْرَ وَأَصْحَابِهِ : . [ ص: 207 ]

( أُحِلَّ لَكُمْ ) أَيْ أُبِيحُ لَكُمْ ( لَيْلَةَ الصِّيَامِ ) أَيْ فِي لَيْلَةِ الصِّيَامِ ( الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ ) أَيْ سَكَنٌ لَكُمْ ( وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ ) أَيْ سَكَنٌ لَهُنَّ دَلِيلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : " وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا " ( 189 - الْأَعْرَافِ ) وَقِيلَ لَا يَسْكُنُ شَيْءٌ كَسُكُونِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ إِلَى الْآخَرِ ، وَقِيلَ سُمِّيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الزَّوْجَيْنِ لِبَاسًا لِتَجَرُّدِهِمَ ا عِنْدَ النَّوْمِ وَاجْتِمَاعِهِم َا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ حَتَّى يَصِيرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ كَالثَّوْبِ الَّذِي يَلْبَسُهُ وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ : هُنَّ فِرَاشٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِحَافٌ لَهُنَّ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَغَيْرُهُ يُقَالُ لِلْمَرْأَةِ هِيَ لِبَاسُكَ وَفِرَاشُكَ وَإِزَارُكَ ، وَقِيلَ اللِّبَاسُ اسْمٌ لِمَا يُوَارِي الشَّيْءَ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سِتْرًا لِصَاحِبِهِ عَمَّا لَا يَحِلُّ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ : مَنْ تَزَوَّجَ فَقَدْ أَحْرَزَ ثُلُثَيْ دِينِهِ . . . " ]
( عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ ) أَيْ تَخُونُونَهَا وَتَظْلِمُونَهَ ا بِالْمُجَامَعَة ِ بَعْدَ الْعِشَاءِ قَالَ الْبَرَاءُ : لَمَّا نَزَلَ صَوْمُ رَمَضَانَ كَانُوا لَا يَقْرَبُونَ النِّسَاءَ رَمَضَانَ كُلَّهُ وَكَانَ رِجَالٌ يَخُونُونَ أَنْفُسَهُمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى " عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ . . . "
( فَتَابَ عَلَيْكُمْ ) تَجَاوَزَ عَنْكُمْ ( وَعَفَا عَنْكُمْ ) مَحَا ذُنُوبَكُمْ ( فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ ) جَامِعُوهُنَّ حَلَالًا سُمِّيَتِ الْمُجَامَعَةُ مُبَاشَرَةً لِتَلَاصُقِ بَشْرَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لِصَاحِبِهِ ( وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ) أَيْ فَاطْلُبُوا مَا قَضَى اللَّهُ لَكُمْ وَقِيلَ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ يَعْنِي الْوَلَدَ قَالَهُ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ قَالَ مُجَاهِدٌ : ابْتَغُوا الْوَلَدَ إِنْ لَمْ تَلِدْ هَذِهِ فَهَذِهِ وَقَالَ قَتَادَةُ : وَابْتَغُوا الرُّخْصَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ بِإِبَاحَةِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ وَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ : وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ يَعْنِي لَيْلَةَ الْقَدْرِ

قَوْلُهُ : ( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ ) نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ اسْمُهُ أَبُو صِرْمَةَ بْنُ قَيْسِ بْنِ صِرْمَةَ ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ : أَبُو قَيْسِ بْنُ صِرْمَةَ وَقَالَ الْكَلْبِيُّ : أَبُو قَيْسٍ صِرْمَةُ بْنُ أَنَسِ بْنِ أَبِي صِرْمَةَ وَذَلِكَ أَنَّهُ ظَلَّ نَهَارَهُ يَعْمَلُ فِي أَرْضٍ لَهُ وَهُوَ صَائِمٌ فَلَمَّا أَمْسَى رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ بِتَمْرٍ وَقَالَ لِأَهْلِهِ قَدِّمِي الطَّعَامَ فَأَرَادَتِ الْمَرْأَةُ أَنْ تُطْعِمَهُ شَيْئًا سَخِينًا فَأَخَذَتْ تَعْمَلُ لَهُ سَخِينَةً وَكَانَ فِي الِابْتِدَاءِ مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ وَنَامَ حَرُمَ عَلَيْهِ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ فَلَمَّا فَرَغَتْ مِنْ طَعَامِهِ إِذْ هِيَ بِهِ قَدْ نَامَ وَكَانَ قَدْ أَعْيَا وَكَلَّ ، فَأَيْقَظَتْهُ فَكَرِهَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَبَى أَنْ يَأْكُلَ فَأَصْبَحَ صَائِمًا مَجْهُودًا فَلَمْ يَنْتَصِفِ النَّهَارُ حَتَّى [ ص: 208 ] غُشِيَ عَلَيْهِ فَلَمَّا أَفَاقَ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ يَا أَبَا قَيْسٍ مَا لَكَ أَمْسَيْتَ طَلِيحًا فَذَكَرَ لَهُ مَا لَهُ فَاغْتَمَّ لِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا ) يَعْنِي فِي لَيَالِي الصَّوْمِ ( حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ ) يَعْنِي بَيَاضَ النَّهَارِ مِنْ سَوَادِ اللَّيْلِ سُمِّيَا خَيْطَيْنِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَبْدُو فِي الِابْتِدَاءِ مُمْتَدًّا كَالْخَيْطِ

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَخْبَرَنَا أَبُو غَسَّانَ مُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ ثَنَا أَبُو حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ أُنْزِلَتْ ( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ ) وَلَمْ يَنْزِلْ قَوْلُهُ : ( مِنَ الْفَجْرِ ) فَكَانَ رِجَالٌ إِذَا أَرَادُوا الصَّوْمَ رَبَطَ أَحَدُهُمْ فِي رِجْلِهِ الْخَيْطَ الْأَبْيَضَ وَالْخَيْطَ الْأَسْوَدَ وَلَا يَزَالُ يَأْكُلُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ رُؤْيَتُهُمَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَهُ ( مِنَ الْفَجْرِ ) فَعَلِمُوا إِنَّمَا يَعْنِي بِهِمَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَخْبَرَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا حُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ ( حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ ) عَمَدْتُ إِلَى عِقَالٍ أَسْوَدَ وَإِلَى عِقَالٍ أَبْيَضَ فَجَعَلْتُهُمَا تَحْتَ وِسَادَتِي فَجَعَلَتُ أَنْظُرُ إِلَيْهِمَا وَإِلَى اللَّيْلِ فَلَا يَسْتَبِينُ لِي فَغَدَوْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ ، فَقَالَ إِنَّمَا ذَلِكَ سَوَادُ اللَّيْلِ وَبَيَاضُ النَّهَارِ " .

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنْ بِلَالًا يُنَادِي بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ " قَالَ كَانَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ رَجُلًا أَعْمَى لَا يُنَادِي حَتَّى يُقَالَ لَهُ أَصْبَحْتَ أَصْبَحْتَ وَاعْلَمْ أَنَّ الْفَجْرَ فَجْرَانِ كَاذِبٌ وَصَادِقٌ فَالْكَاذِبُ يَطْلُعُ أَوَّلًا مُسْتَطِيلًا كَذَنَبِ السِّرْحَانِ يَصْعَدُ إِلَى السَّمَاءِ فَبِطُلُوعِهِ لَا يَخْرُجُ اللَّيْلُ وَلَا يَحْرُمُ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ عَلَى الصَّائِمِ ثُمَّ يَغِيبُ فَيَطْلُعُ بَعْدَهُ الْفَجْرُ الصَّادِقُ مُسْتَطِيرًا يَنْتَشِرُ سَرِيعًا فِي الْأُفُقِ فَبِطُلُوعِهِ يَدْخُلُ النَّهَارُ وَيَحْرُمُ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ عَلَى الصَّائِمِ [ ص: 209 ]

أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الضَّبِّيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجِرَاحِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ أَخْبَرَنَا هَنَّادٌ وَيُوسُفُ بْنُ عِيسَى قَالَا أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ عَنْ أَبِي هِلَالٍ عَنْ سَوَادَةَ بْنِ حَنْظَلَةَ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا يَمْنَعُكُمْ مِنْ سُحُورِكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ وَلَا الْفَجْرُ الْمُسْتَطِيلُ وَلَكِنِ الْفَجْرُ الْمُسْتَطِيرُ فِي الْأُفُقِ " .

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ) فَالصَّائِمُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ الصَّادِقِ وَيَمْتَدُّ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ فَإِذَا غَرَبَتْ حَصَلَ الْفِطْرُ

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَخْبَرَنَا الْحُمَيْدِيُّ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ قَالَ : سَمِعَتْ أَبِي يَقُولُ سَمِعْتُ عَاصِمَ بْنَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَاهُنَا وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَاهُنَا وَغَرَبَتِ الشَّمْسُ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ " .

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ) [ وَقَدْ نَوَيْتُمْ الِاعْتِكَافَ فِي الْمَسَاجِدِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ عَنْ مُبَاشَرَتِهِنّ َ فِي الْمَسَاجِدِ لِأَنَّ ذَلِكَ مَمْنُوعٌ مِنْهُ فِي غَيْرِ الِاعْتِكَافِ وَالْعُكُوفُ هُوَ الْإِقَامَةُ عَلَى الشَّيْءِ وَالِاعْتِكَافُ فِي الشَّرْعِ هُوَ الْإِقَامَةُ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى عِبَادَةِ اللَّهِ وَهُوَ سُنَّةٌ وَلَا يَجُوزُ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ وَيَجُوزُ فِي جَمِيعِ الْمَسَاجِدِ

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ " وَالْآيَةُ نَزَلَتْ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا يَعْتَكِفُونَ فِي الْمَسْجِدِ فَإِذَا عَرَضَتْ لِلرَّجُلِ مِنْهُمُ الْحَاجَةُ إِلَى أَهْلِهِ خَرَجَ إِلَيْهَا فَجَامَعَهَا ثُمَّ اغْتَسَلَ فَرَجَعَ إِلَى الْمَسْجِدِ فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ لَيْلًا وَنَهَارًا حَتَّى يَفْرَغُوا مِنَ اعْتِكَافِهِمْ فَالْجِمَاعُ حَرَامٌ فِي حَالِ الِاعْتِكَافِ وَيَفْسُدُ [ ص: 210 ] بِهِ الِاعْتِكَافُ أَمَّا مَا دُونَ الْجِمَاعِ مِنَ الْمُبَاشَرَاتِ كَالْقُبْلَةِ وَاللَّمْسِ بِالشَّهْوَةِ فَمَكْرُوهٌ وَلَا يَفْسُدُ بِهِ الِاعْتِكَافُ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَهُوَ أَظْهَرُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ كَمَا لَا يَبْطُلُ بِهِ الْحَجُّ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ يَبْطُلُ بِهَا اعْتِكَافُهُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَقِيلَ إِنْ أَنْزَلَ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ فَلَا كَالصَّوْمِ ، وَأَمَّا اللَّمْسُ الَّذِي لَا يُقْصَدُ بِهِ التَّلَذُّذُ فَلَا يَفْسُدُ بِهِ الِاعْتِكَافُ لِمَا أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اعْتَكَفَ أَدْنَى إِلَيَّ رَأْسَهُ فَأُرَجِّلُهُ وَكَانَ لَا يَدْخُلُ الْبَيْتَ إِلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ " .
يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #38  
قديم 24-09-2020, 06:01 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير البغوى****متجدد إن شاء الله

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ) يَعْنِي تِلْكَ الْأَحْكَامَ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي الصِّيَامِ وَالِاعْتِكَافِ حُدُودُ اللَّهِ أَيْ مَا مَنَعَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَ السُّدِّيُّ : شُرُوطُ اللَّهِ وَقَالَ شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ : فَرَائِضُ اللَّهِ وَأَصْلُ الْحَدِّ فِي اللُّغَةِ الْمَنْعُ وَمِنْهُ يُقَالُ لِلْبَوَّابِ حَدَّادٌ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ النَّاسَ مِنَ الدُّخُولِ وَحُدُودُ اللَّهِ مَا مَنَعَ النَّاسَ مِنْ مُخَالَفَتِهَا ( فَلَا تَقْرَبُوهَا ) فَلَا تَأْتُوهَا ( كَذَلِكَ ) هَكَذَا ( يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ) لِكَيْ يَتَّقُوهَا فَيَنْجُوا مِنَ الْعَذَابِ
( وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ( 188 ) )

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ) قِيلَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ عَايِشٍ الْكِنْدِيِّ ادَّعَى عَلَيْهِ رَبِيعَةُ بْنُ عَبْدَانَ الْحَضْرَمِيُّ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْضًا أَنَّهُ غَلَبَنِي عَلَيْهَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْحَضْرَمِيِّ : أَلَكَ بَيِّنَةٌ ) قَالَ لَا قَالَ ( فَلَكَ يَمِينُهُ ) فَانْطَلَقَ لِيَحْلِفَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَا إِنْ حَلَفَ عَلَى مَالِهِ لِيَأْكُلَهُ ظُلْمًا لَيَلْقَيَنَّ اللَّهَ وَهُوَ عَنْهُ مُعْرِضٌ ) فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ ( وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ) أَيْ لَا يَأْكُلُ بَعْضُكُمْ مَالَ بَعْضٍ بِالْبَاطِلِ أَيْ مِنْ غَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي أَبَاحَهُ اللَّهُ وَأَصْلُ الْبَاطِلِ الشَّيْءُ الذَّاهِبُ وَالْأَكْلُ بِالْبَاطِلِ أَنْوَاعٌ قَدْ يَكُونُ بِطَرِيقِ الْغَصْبِ وَالنَّهْبِ وَقَدْ يَكُونُ بِطَرِيقِ اللَّهْوِ كَالْقِمَارِ وَأُجْرَةِ الْمُغَنِّي ، وَنَحْوِهِمَا وَقَدْ يَكُونُ بِطَرِيقِ الرِّشْوَةِ وَالْخِيَانَةِ ( وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ ) أَيْ تُلْقُوا أُمُورَ تِلْكَ الْأَمْوَالِ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ أَرْبَابِهَا إِلَى الْحُكَّامِ وَأَصْلُ الْإِدْلَاءِ إِرْسَالُ الدَّلْوِ وَإِلْقَاؤُهُ فِي الْبِئْرِ يُقَالُ أَدْلَى دَلْوَهُ إِذَا أَرْسَلَهُ وَدَلَاهُ يَدْلُوهُ إِذَا أَخْرَجَهُ ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : هَذَا فِي الرَّجُلِ يَكُونُ عَلَيْهِ مَالٌ وَلَيْسَ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَيَجْحَدُ الْمَالَ وَيُخَاصِمُ فِيهِ إِلَى الْحَاكِمِ وَهُوَ يَعْرِفُ أَنَّ الْحَقَّ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ أَثِمَ بِمَنْعِهِ قَالَ مُجَاهِدٌ فِي هَذِهِ الْآيَةِ لَا [ ص: 211 ] تُخَاصِمْ وَأَنْتَ ظَالِمٌ قَالَ الْكَلْبِيُّ : هُوَ أَنْ يُقِيمَ شَهَادَةَ الزُّورِ وَقَوْلُهُ ( وَتُدْلُوا ) فِي مَحَلِّ الْجَزْمِ بِتَكْرِيرِ حَرْفِ النَّهْيِ مَعْنَاهُ وَلَا تُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ وَلَا تَأْكُلُوا بِالْبَاطِلِ وَتَنْسِبُونَهُ إِلَى الْحُكَّامِ قَالَ قَتَادَةُ : لَا تُدْلِ بِمَالِ أَخِيكَ إِلَى الْحَاكِمِ وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّكَ ظَالِمٌ فَإِنَّ قَضَاءَهُ لَا يُحِلُّ حَرَامًا وَكَانَ شُرَيْحٌ الْقَاضِي يَقُولُ إِنِّي لَأَقْضِي لَكَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ ظَالِمًا وَلَكِنْ لَا يَسَعُنِي إِلَّا أَنْ أَقْضِيَ بِمَا يَحْضُرُنِي مِنَ الْبَيِّنَةِ وَإِنَّ قَضَائِي لَا يُحِلُّ لَكَ حَرَامًا

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَطِيبُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلَّالُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ مِنْهُ فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ فَلَا يَأْخُذَنَّهُ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ " .

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا ) طَائِفَةً ( مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ ) بِالظُّلْمِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : بِالْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ يَقْطَعُ بِهَا مَالَ أَخِيهِ ( وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) أَنَّكُمْ مُبْطِلُونَ
( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ( 189 ) )

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ ) نَزَلَتْ فِي مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَثَعْلَبَةَ بْنِ غَنْمٍ الْأَنْصَارِيَّ يْنِ قَالَا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا بَالُ الْهِلَالِ يَبْدُو دَقِيقًا ثُمَّ يَزِيدُ حَتَّى يَمْتَلِئَ نُورًا ثُمَّ يَعُودُ دَقِيقًا كَمَا بَدَأَ وَلَا يَكُونُ عَلَى حَالَةٍ وَاحِدَةٍ ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ ) وَهِيَ جَمْعُ هِلَالٍ مِثْلُ رِدَاءٍ وَأَرْدِيَةٍ سُمِّيَ هِلَالًا لِأَنَّ النَّاسَ يَرْفَعُونَ أَصْوَاتَهُمْ بِالذِّكْرِ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ مِنْ قَوْلِهِمُ اسْتَهَلَّ الصَّبِيُّ إِذَا صَرَخَ حِينَ يُولَدُ وَأَهَلَّ الْقَوْمُ بِالْحَجِّ إِذَا رَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّلْبِيَةِ ( قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ) جَمْعُ مِيقَاتٍ أَيْ فَعَلْنَا ذَلِكَ لِيَعْلَمَ النَّاسُ أَوْقَاتَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَالصَّوْمِ ، وَالْإِفْطَارِ وَآجَالَ الدُّيُونِ وَعَدَدَ النِّسَاءِ ، وَغَيْرَهَا فَلِذَلِكَ خَالَفَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّمْسِ الَّتِي هِيَ دَائِمَةٌ عَلَى حَالَةٍ وَاحِدَةٍ ( وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا ) [ ص: 212 ]

قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ كَانَ النَّاسُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَفِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ إِذَا أَحْرَمَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ بِالْحَجِّ أَوِ الْعُمْرَةِ لَمْ يَدْخُلْ حَائِطًا وَلَا بَيْتًا وَلَا دَارًا مِنْ بَابِهِ فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْمَدَرِ نَقَبَ نَقْبًا فِي ظَهْرِ بَيْتِهِ لِيَدْخُلَ مِنْهُ وَيَخْرُجَ أَوْ يَتَّخِذَ سُلَّمًا فَيَصْعَدَ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْوَبَرِ خَرَجَ مِنْ خَلْفِ الْخَيْمَةِ وَالْفُسْطَاطِ وَلَا يَدْخُلُ وَلَا يَخْرُجُ مِنَ الْبَابِ حَتَّى يَحِلَّ مِنْ إِحْرَامِهِ وَيَرَوْنَ ذَلِكَ بِرًّا إِلَّا أَنْ يَكُونَ مِنَ الْحُمْسِ وَهُمْ قُرَيْشٌ وَكِنَانَةُ ، [ وَخُزَاعَةُ وَثَقِيفٌ وَخَثْعَمٌ ، وَبَنُو عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ وَبَنُو مُضَرَ بْنِ مُعَاوِيَةَ سُمُّوا حُمْسًا لِتَشَدُّدِهِمْ فِي دِينِهِمْ وَالْحَمَاسَةُ الشِّدَّةُ وَالصَّلَابَةُ ] فَدَخْلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ بَيْتًا لِبَعْضِ الْأَنْصَارِ ، فَدَخْلَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ رِفَاعَةُ بْنُ التَّابُوتِ عَلَى أَثَرِهِ مِنَ الْبَابِ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَأَنْكَرُوا عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَ دَخَلْتَ مِنَ الْبَابِ وَأَنْتَ مُحْرِمٌ قَالَ رَأَيْتُكَ دَخَلْتَ فَدَخَلْتُ عَلَى أَثَرِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي أَحْمَسُ فَقَالَ الرَّجُلُ إِنْ كُنْتَ أَحْمَسِيًّا فَإِنِّي أَحْمَسِيٌّ رَضِيتُ بِهَدْيِكَ وَسَمْتِكَ ، وَدِينِكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ ، وَقَالَ الزُّهْرِيُّ : كَانَ نَاسٌ مَنَ الْأَنْصَارِ إِذَا أَهَّلُوا بِالْعُمْرَةِ لَمْ يَحُلْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ السَّمَاءِ شَيْءٌ وَكَانَ الرَّجُلُ يَخْرُجُ مُهِلًّا بِالْعُمْرَةِ فَتَبْدُو لَهُ الْحَاجَةُ بَعْدَمَا يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ فَيَرْجِعُ وَلَا يَدْخُلُ مِنْ بَابِ الْحُجْرَةِ مِنْ أَجْلِ سَقْفِ الْبَيْتِ أَنْ يَحُولَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّمَاءِ فَيَفْتَحُ الْجِدَارَ مِنْ وَرَائِهِ ثُمَّ يَقُولُ فِي حُجْرَتِهِ فَيَأْمُرُ بِحَاجَتِهِ حَتَّى بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهَلَّ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ بِالْعُمْرَةِ فَدَخَلَ حُجْرَةً فَدَخْلَ رَجُلٌ عَلَى أَثَرِهِ مِنَ الْأَنْصَارِ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَ فَعَلْتَ ذَلِكَ قَالَ لِأَنِّي رَأَيْتُكَ دَخَلْتَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي أَحْمَسُ فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ وَأَنَا أَحْمَسُ يَقُولُ وَأَنَا عَلَى دِينِكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ( وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا )

قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ الْغُيُوبَ ، وَالْجُيُوبَ ، وَالْعُيُونَ وَشُيُوخًا بِكَسْرِ أَوَائِلِهِنَّ لِمَكَانِ الْيَاءِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالضَّمِّ عَلَى الْأَصْلِ وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ " جِيُوبِهِنَّ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَقَرَأَ أَبُو بَكْرٍ وَحَمْزَةُ " الْغِيُوبَ بِكَسْرِ الْعَيْنِ ( وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى ) أَيِ الْبِرُّ بِرُّ مَنِ اتَّقَى

( وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا ) فِي حَالِ الْإِحْرَامِ ( وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) .( وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُم ْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ( 190 ) )

( وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) أَيْ فِي طَاعَةِ اللَّهِ ( الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُم ْ ) كَانَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى [ ص: 213 ] رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْكَفِّ عَنْ قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمَّا هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ أَمَرَهُ بِقِتَالِ مَنْ قَاتَلَهُ مِنْهُمْ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ : هَذِهِ أَوَّلُ آيَةٍ نَزَلَتْ فِي الْقِتَالِ ثُمَّ أَمَرَهُ بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً قَاتَلُوا أَوْ لَمْ يُقَاتِلُوا بِقَوْلِهِ ( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ ) فَصَارَتْ هَذِهِ الْآيَةُ مَنْسُوخَةً بِهَا وَقِيلَ نُسِخَ بِقَوْلِهِ ( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ ) قَرِيبٌ مِنْ سَبْعِينَ آيَةً وَقَوْلُهُ ( وَلَا تَعْتَدُوا ) أَيْ لَا تَبْدَءُوهُمْ بِالْقِتَالِ ، وَقِيلَ هَذِهِ الْآيَةُ مُحْكَمَةٌ غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ أُمِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقِتَالِ الْمُقَاتِلِينَ وَمَعْنَى قَوْلِهِ : ( وَلَا تَعْتَدُوا ) أَيْ لَا تَقْتُلُوا النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ وَالشَّيْخَ الْكَبِيرَ ، وَالرُّهْبَانَ وَلَا مَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ هَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ :

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ سَهْلٍ الْقُهُسْتَانِي ُّ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي تُرَابٍ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الطَّرَسُوسِيُّ أَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ أَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا بَعَثَ جَيْشًا قَالَ اغْزُوا بِسْمِ اللَّهِ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ لَا تَغْلُوا وَلَا تَقْتُلُوا امْرَأَةً وَلَا وَلِيدًا وَلَا شَيْخًا كَبِيرًا وَقَالَ الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مَعَ أَصْحَابِهِ لِلْعُمْرَةِ وَكَانُوا أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَ ةٍ فَسَارُوا حَتَّى نَزَلُوا الْحُدَيْبِيَةَ فَصَدَّهُمُ الْمُشْرِكُونَ عَنِ الْبَيْتِ الْحَرَامِ فَصَالَحَهُمْ عَلَى أَنْ يَرْجِعَ عَامَهُ ذَلِكَ عَلَى أَنْ يُخَلُّوا لَهُ مَكَّةَ عَامَ قَابِلٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَيَطُوفَ بِالْبَيْتِ فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الْقَابِلُ تَجَهَّزَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ لِعُمْرَةِ الْقَضَاءِ وَخَافُوا أَنْ لَا تَفِيَ قُرَيْشٌ بِمَا قَالُوا وَأَنْ يَصُدُّوهُمْ عَنِ الْبَيْتِ الْحَرَامِ وَكَرِهَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِتَالَهُمْ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ وَفِي الْحَرَمِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ( وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) يَعْنِي مُحْرِمِينَ ( الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُم ْ ) يَعْنِي قُرَيْشًا ( وَلَا تَعْتَدُوا ) فَتَبْدَءُوا بِالْقِتَالِ فِي الْحَرَمِ مُحْرِمِينَ ( إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #39  
قديم 24-09-2020, 06:02 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير البغوى****متجدد إن شاء الله

الحلقة (33)
- تفسير البغوى
سورة البقرة
الاية 191 إلى الاية 196
أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي

( وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ ( 191 ) فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ( 192 ) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ ( 193 ) )

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ ) قِيلَ نُسِخَتِ الْآيَةُ الْأُولَى بِهَذِهِ الْآيَةِ وَأَصْلُ الثَّقَافَةِ الْحِذْقُ وَالْبَصَرُ بِالْأُمُورِ ، وَمَعْنَاهُ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ بَصُرْتُمْ مُقَاتَلَتَهُمْ وَتَمَكَّنْتُمْ مِنْ قَتْلِهِمْ ( وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ ) وَذَلِكَ أَنَّهُمْ أَخْرَجُوا الْمُسْلِمِينَ مِنْ مَكَّةَ فَقَالَ أَخْرِجُوهُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ كَمَا أَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ [ ص: 214 ] ( وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ ) يَعْنِي شِرْكُهُمْ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَشَدُّ وَأَعْظَمُ مِنْ قَتْلِكُمْ إِيَّاهُمْ فِي الْحَرَمِ وَالْإِحْرَامِ ( وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ ) قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ : ( وَلَا تَقْتُلُوهُمْ حَتَّى يَقْتُلُوكُمْ فَإِنْ قَتَلُوكُمْ ) بِغَيْرِ أَلِفٍ فِيهِنَّ مِنَ الْقَتْلِ عَلَى مَعْنَى وَلَا تَقْتُلُوا بَعْضَهُمْ تَقُولُ الْعَرَبُ قَتَلْنَا بَنِي فُلَانٍ وَإِنَّمَا قَتَلُوا بَعْضَهُمْ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْأَلِفِ مِنَ الْقِتَالِ وَكَانَ هَذَا فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ كَانَ لَا يَحِلُّ بِدَايَتُهُمْ بِالْقِتَالِ فِي الْبَلَدِ الْحَرَامِ ثُمَّ صَارَ مَنْسُوخًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى ( وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ ) هَذَا قَوْلُ قَتَادَةَ وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ قَوْلُهُ ( وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ ) أَيْ حَيْثُ أَدْرَكْتُمُوهُ مْ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ صَارَتْ هَذِهِ الْآيَةُ مَنْسُوخَةً بِقَوْلِهِ تَعَالَى ( وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ) ثُمَّ نَسَخَتْهَا آيَةُ السَّيْفِ فِي ( بَرَاءَةٌ ) فَهِيَ نَاسِخَةٌ مَنْسُوخَةٌ وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَجَمَاعَةٌ هَذِهِ الْآيَةُ مُحْكَمَةٌ وَلَا يَجُوزُ الِابْتِدَاءُ بِالْقِتَالِ فِي الْحَرَمِ

( كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ )

( فَإِنِ انْتَهَوْا ) عَنِ الْقِتَالِ وَالْكُفْرِ ( فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) أَيْ غَفُورٌ لِمَا سَلَفَ رَحِيمٌ بِالْعِبَادِ

( وَقَاتِلُوهُمْ ) يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ ( حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ ) أَيْ شِرْكٌ يَعْنِي قَاتِلُوهُمْ حَتَّى يُسْلِمُوا فَلَا يُقْبَلُ مِنَ الْوَثَنِيِّ إِلَّا الْإِسْلَامُ فَإِنْ أَبَى قُتِلَ (

قَالَ نَافِعٌ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عُمَرَ فِي فِتْنَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ فَقَالَ مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَخْرُجَ ؟ قَالَ يَمْنَعُنِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ حَرَّمَ دَمَ أَخِي ، قَالَ أَلَا تَسْمَعُ مَا ذَكَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ " وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا " ( 9 - الْحُجُرَاتِ ) قَالَ يَا ابْنَ أَخِي لَأَنْ أُعَيَّرَ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَلَا أُقَاتِلَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُعَيَّرَ بِالْآيَةِ الَّتِي يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهَا " وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا " ( 93 - النِّسَاءِ ) قَالَ أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ ( وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ ) قَالَ قَدْ فَعَلْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ كَانَ الْإِسْلَامُ قَلِيلًا وَكَانَ الرَّجُلُ يُفْتَنُ فِي دِينِهِ إِمَّا يَقْتُلُونَهُ أَوْ يُعَذِّبُونَهُ حَتَّى كَثُرَ الْإِسْلَامُ فَلَمْ تَكُنْ فِتْنَةٌ وَكَانَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ وَأَنْتُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تُقَاتِلُوا حَتَّى تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِغَيْرِ اللَّهِ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ قَالَ رَجُلٌ لِابْنِ عُمَرَ : كَيْفَ تَرَى فِي قِتَالِ الْفِتْنَةِ فَقَالَ هَلْ تَدْرِي مَا الْفِتْنَةُ كَانَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَاتِلُ الْمُشْرِكِينَ وَكَانَ الدُّخُولُ عَلَيْهِمْ فِتْنَةً وَلَيْسَ بِقِتَالِكُمْ عَلَى الْمُلْكِ ( فَإِنِ انْتَهَوْا ) عَنِ الْكُفْرِ وَأَسْلَمُوا ( فَلَا عُدْوَانَ ) فَلَا سَبِيلَ ( إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ ) قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ . يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى " أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ " ( 28 - الْقَصَصِ ) وَقَالَ أَهْلُ الْمَعَانِي الْعُدْوَانُ الظُّلْمُ أَيْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَلَا نَهْبَ وَلَا أَسْرَ وَلَا قَتْلَ ( إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ ) الَّذِينَ بَقُوا عَلَى الشِّرْكِ وَمَا يُفْعَلُ بِأَهْلِ الشِّرْكِ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لَا يَكُونُ ظُلْمًا وَسَمَّاهُ عُدْوَانًا عَلَى طَرِيقِ الْمُجَازَاةِ ، وَالْمُقَابَلَة ِ كَمَا قَالَ ( فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ ) وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى " وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا " ( 40 - الشُّورَى ، وَسُمِّيَ الْكَافِرُ [ ص: 215 ] ظَالِمًا لِأَنَّهُ يَضَعُ الْعِبَادَةَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا
( الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ( 194 ) )

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ ) نَزَلَتْ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مُعْتَمِرًا فِي ذِي الْقِعْدَةِ فَصَدَّهُ الْمُشْرِكُونَ عَنِ الْبَيْتِ بِالْحُدَيْبِيَ ةِ فَصَالَحَ أَهْلَ مَكَّةَ عَلَى أَنْ يَنْصَرِفَ عَامَهُ ذَلِكَ وَيَرْجِعَ الْعَامَ الْقَابِلَ فَيَقْضِيَ عُمْرَتَهُ فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَهُ ذَلِكَ وَرَجَعَ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ فِي ذِي الْقِعْدَةِ وَقَضَى عُمْرَتَهُ سَنَةَ سَبْعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ فَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى ( الشَّهْرُ الْحَرَامُ ) يَعْنِي ذَا الْقِعْدَةِ الَّذِي دَخَلْتُمْ فِيهِ مَكَّةَ وَقَضَيْتُمْ فِيهِ عُمْرَتَكُمْ سَنَةَ سَبْعٍ ( بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ ) يَعْنِي ذَا الْقِعْدَةِ الَّذِي صُدِدْتُمْ فِيهِ عَنِ الْبَيْتِ سَنَةَ سِتٍّ ( وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ ) جَمْعُ حُرْمَةٍ وَإِنَّمَا جَمَعَهَا لِأَنَّهُ أَرَادَ حُرْمَةَ الشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْبَلَدِ الْحَرَامِ وَحُرْمَةَ الْإِحْرَامِ وَالْقِصَاصُ الْمُسَاوَاةُ ، وَالْمُمَاثَلَة ُ وَهُوَ أَنْ يُفْعَلَ بِالْفَاعِلِ مِثْلُ مَا فَعَلَ وَقِيلَ هَذَا فِي أَمْرِ الْقِتَالِ مَعْنَاهُ إِنْ بَدَءُوكُمْ بِالْقِتَالِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ فَقَاتِلُوهُمْ فِيهِ فَإِنَّهُ قِصَاصٌ بِمَا فَعَلُوا فِيهِ ( فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ ) وَقَاتِلُوهُمْ ( بِمِثْلِ مَا اعْتُدِيَ عَلَيْكُمْ ) سُمِّيَ الْجَزَاءُ بِاسْمِ الِابْتِدَاءِ عَلَى ازْدِوَاجِ الْكَلَامِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى " وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا " ( 40 - الشُّورَى ( وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ) .
( وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ( 195 ) )

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) أَرَادَ بِهِ الْجِهَادَ وَكُلَّ خَيْرٍ هُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكِنَّ إِطْلَاقَهُ يَنْصَرِفُ إِلَى الْجِهَادِ ( وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) قِيلَ الْبَاءُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ( بِأَيْدِيكُمْ ) زَائِدَةٌ يُرِيدُ وَلَا تُلْقُوا أَيْدِيَكُمْ أَيْ أَنْفُسَكُمْ ( إِلَى التَّهْلُكَةِ ) عَبَّرَ عَنِ النَّفْسِ بِالْأَيْدِي كَقَوْلِهِ تَعَالَى " بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ " ( 30 - الشُّورَى ) أَيْ بِمَا كَسَبْتُمْ وَقِيلَ الْبَاءُ فِي مَوْضِعِهَا وَفِيهِ حَذْفٌ ، أَيْ لَا تُلْقُوا أَنْفُسَكُمْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ أَيِ الْهَلَاكِ وَقِيلَ التَّهْلُكَةُ كُلُّ شَيْءٍ يَصِيرُ عَاقِبَتُهُ إِلَى الْهَلَاكِ أَيْ وَلَا تَأْخُذُوا فِي ذَلِكَ وَقِيلَ التَّهْلُكَةُ مَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ وَالْهَلَاكُ مَا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ وَالْعَرَبُ لَا تَقُولُ لِلْإِنْسَانِ أَلْقَى بِيَدِهِ إِلَّا فِي الشِّرْكِ وَاخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ هَذَا فِي الْبُخْلِ وَتَرَكِ الْإِنْفَاقِ يَقُولُ ( وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) بِتَرْكِ الْإِنْفَاقِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَهُوَ قَوْلُ حُذَيْفَةَ وَالْحَسَنِ وَقَتَادَةَ وَعِكْرِمَةَ وَعَطَاءٍ . وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنْفِقْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ إِلَّا سَهْمٌ أَوْ مِشْقَصٌ وَلَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ إِنِّي لَا أَجِدُ شَيْئًا وَقَالَ السُّدِّيُّ بِهَا أَنْفِقْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَوْ عِقَالًا ( وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) وَلَا تَقُلْ لَيْسَ عِنْدِي شَيْءٌ ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَمُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ : لَمَّا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْإِنْفَاقِ قَالَ رَجُلٌ أُمِرْنَا بِالنَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَوْ أَنْفَقْنَا أَمْوَالَنَا بَقِينَا فُقَرَاءَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ وَقَالَ مُجَاهِدٌ فِيهَا لَا يَمْنَعَنَّكُمْ مِنْ نَفَقَةٍ فِي حَقٍّ خِيفَةُ الْعَيْلَةِ

أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ [ ص: 216 ] بْنِ دُحَيْمٍ الشَّيْبَانِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ أَبِي غَرَزَةَ أَخْبَرَنَا أَبُو غَسَّانَ أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْوَاسِطِيُّ أَخْبَرَنَا وَاصِلٌ مَوْلَى أَبِي عُيَيْنَةَ عَنْ بَشَّارِ بْنِ أَبِي سَيْفٍ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عِيَاضِ بْنِ غُضَيْفٍ قَالَ أَتَيْنَا أَبَا عُبَيْدَةَ نَعُودُهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : مَنْ أَنْفَقَ نَفَقَةً فَاضِلَةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبِسَبْعِمِائَ ةٍ وَمَنْ أَنْفَقَ نَفَقَةً عَلَى أَهْلِهِ فَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا "

وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ : كَانَ رِجَالٌ يَخْرُجُونَ فِي الْبُعُوثِ بِغَيْرِ نَفَقَةٍ فَإِمَّا أَنْ يَقْطَعَ بِهِمْ وَإِمَّا أَنْ كَانُوا عِيَالًا فَأَمَرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِالْإِنْفَاقِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ شَيْءٌ يُنْفِقُهُ فَلَا يَخْرُجُ بِغَيْرِ نَفَقَةٍ وَلَا قُوتٍ فَيُلْقِي بِيَدِهِ إِلَى التَّهْلُكَةِ فَالتَّهْلُكَةُ أَنْ يَهْلِكَ مِنَ الْجُوعِ وَالْعَطَشِ أَوْ بِالْمَشْيِ ، وَقِيلَ أُنْزِلَتِ الْآيَةُ فِي تَرْكِ الْجِهَادِ قَالَ أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ : نَزَلَتْ فِينَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا أَعَزَّ دِينَهُ وَنَصَرَ رَسُولَهُ قُلْنَا فِيمَا بَيْنَنَا إِنَّا قَدْ تَرَكْنَا أَهْلَنَا وَأَمْوَالَنَا حَتَّى فَشَا الْإِسْلَامُ وَنَصَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ فَلَوْ رَجَعْنَا إِلَى أَهْلِينَا وَأَمْوَالِنَا فَأَقَمْنَا فِيهَا فَأَصْلَحْنَا مَا ضَاعَ مِنْهَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ( وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) فَالتَّهْلُكَةُ الْإِقَامَةُ فِي الْأَهْلِ وَالْمَالِ وَتَرْكُ الْجِهَادِ فَمَا زَالَ أَبُو أَيُّوبَ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى كَانَ آخِرُ غَزْوَةٍ غَزَاهَا بِقُسْطَنْطِينِ يَّةَ فِي زَمَنِ مُعَاوِيَةَ فَتُوُفِّيَ هُنَاكَ وَدُفِنَ فِي أَصْلِ سُورِ الْقُسْطَنْطِين ِيَّةِ وَهُمْ يَسْتَسْقُونَ بِهِ

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ وَلَمْ يُحَدِّثْ نَفْسَهُ بِالْغَزْوِ مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنَ النِّفَاقِ " . [ ص: 217 ]

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ وَعَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ : الْإِلْقَاءُ إِلَى التَّهْلُكَةِ هُوَ الْقُنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ أَبُو قِلَابَةَ : هُوَ الرَّجُلُ يُصِيبُ الذَّنْبَ فَيَقُولُ قَدْ هَلَكْتُ لَيْسَ لِي تَوْبَةٌ فَيَيْأَسُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ وَيَنْهَمِكُ فِي الْمَعَاصِي فَنَهَاهُمُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : " إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ " ( 87 - يُوسُفَ )

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( وَأَحْسِنُوا ) [ أَيْ أَحْسِنُوا أَعْمَالَكُمْ وَأَخْلَاقَكُمْ وَتَفَضَّلُوا عَلَى الْفُقَرَاءِ ( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) ] .
( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ( 196 ) )

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ) قَرَأَ عَلْقَمَةُ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ ( وَأَقِيمُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ) وَاخْتَلَفُوا فِي إِتْمَامِهِمَا فَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ أَنْ يُتِمَّهُمَا بِمَنَاسِكِهِمَ ا وَحُدُودِهِمَا ، وَسُنَنِهِمَا وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَلْقَمَةَ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَمُجَاهِدٍ وأَرْكَانُ الْحَجِّ خَمْسَةٌ . . الْإِحْرَامُ وَالْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ وَطَوَافُ الزِّيَارَةِ وَالسَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَحَلْقُ الرَّأْسِ أَوِ التَّقْصِيرُ وَلِلْحَجِّ تَحَلُّلَانِ وَأَسْبَابُ التَّحَلُّلِ ثَلَاثَةٌ رَمْيُ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ وَطَوَافُ الزِّيَارَةِ ، وَالْحَلْقُ فَإِذَا وُجِدَ شَيْئَانِ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ حَصَلَ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ وَبِالثَّلَاثِ حَصَلَ التَّحَلُّلُ الثَّانِي وَبَعْدَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ يَسْتَبِيحُ جَمِيعَ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ إِلَّا النِّسَاءَ وَبَعْدَ الثَّانِي يَسْتَبِيحُ الْكُلَّ وَأَرْكَانُ الْعُمْرَةِ أَرْبَعَةٌ الْإِحْرَامُ وَالطَّوَافُ بِالْبَيْتِ وَالسَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ، وَالْحَلْقُ وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَطَاوُسٌ : تَمَامُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَنْ تُحْرِمَ بِهِمَا مُفْرَدَيْنِ مُسْتَأْنَفَيْن ِ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِكَ وَسُئِلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ) قَالَ أَنْ تُحْرِمَ بِهِمَا مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِكَ وَمِثْلُهُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، وَقَالَ قَتَادَةُ : تَمَامُ الْعُمْرَةِ أَنْ تُعْمَلَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ [ فَإِنْ كَانَتْ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ] ثُمَّ أَقَامَ حَتَّى حَجَّ فَهِيَ مُتْعَةٌ وَعَلَيْهِ فِيهَا الْهَدْيُ إِنْ وَجَدَهُ أَوِ الصِّيَامُ إِنْ لَمْ يَجِدِ الْهَدْيَ وَتَمَامُ الْحَجِّ أَنْ يُؤْتَى بِمَنَاسِكِهِ كُلِّهَا حَتَّى لَا يَلْزَمَ عَامِلَهُ دَمٌ بِسَبَبِ قِرَانٍ وَلَا مُتْعَةٍ وَقَالَ الضَّحَّاكُ : إِتْمَامُهَا أَنْ تَكُونَ النَّفَقَةُ حَلَالًا وَيَنْتَهِيَ عَمَّا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ : إِتْمَامُهَا أَنْ تَخْرُجَ مِنْ أَهْلِكَ لَهُمَا وَلَا تَخْرُجَ لِتِجَارَةٍ وَلَا لِحَاجَةٍ

قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : الْوَفْدُ كَثِيرٌ وَالْحَاجُّ قَلِيلٌ وَاتَّفَقَتِ الْأُمَّةُ عَلَى وُجُوبِ الْحَجِّ عَلَى مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَاخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ الْعُمْرَةِ فَذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى وُجُوبِهَا وَهُوَ قَوْلُ عُمْرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ ، وَرَوَى عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ وَاللَّهِ إِنَّ الْعُمْرَةَ لَقَرِينَةُ الْحَجِّ فِي كِتَابِ اللَّهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : " وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ " وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَطَاوُسٌ وَقَتَادَةُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ فِي أَصَحِّ قَوْلَيْهِ وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ وَهُوَ قَوْلُ جَابِرٍ وَبِهِ قَالَ ( الشَّافِعِيُّ ) وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ وَأَهْلُ الْعِرَاقِ ، وَتَأَوَّلُوا قَوْلَهُ تَعَالَى ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ) عَلَى مَعْنَى أَتِمُّوهُمَا إِذَا دَخَلْتُمْ فِيهِمَا أَمَّا ابْتِدَاءُ الشُّرُوعِ فِيهَا [ ص: 218 ] فَتَطَوُّعٌ وَاحْتَجَّ مَنْ لَمْ يُوجِبْهُمَا بِمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْعُمْرَةِ أَوَاجِبَةٌ هِيَ فَقَالَ : ( لَا وَأَنْ تَعْتَمِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ ) وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ وَمَعْنَى قَوْلِهِ ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ) أَيِ ابْتَدِئُوهُمَا فَإِذَا دَخَلْتُمْ فِيهِمَا فَأَتِمُّوهُمَا فَهُوَ أَمْرٌ بِالِابْتِدَاءِ وَالْإِتْمَامِ أَيْ أَقِيمُوهُمَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ " ( 187 - الْبَقَرَةِ ) أَيِ ابْتَدِئُوهُ وَأَتِمُّوهُ

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَانِيُّ أَخْبَرَنَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجَوَيْهِ أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَخْبَرَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ شَقِيقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ وَالذَّهَبِ ، وَالْفِضَّةِ وَلَيْسَ لِلْحَجِّ الْمَبْرُورِ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةَ " وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ : لَيْسَ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ أَحَدٌ إِلَّا وَعَلَيْهِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ وَاجِبَتَانِ إِنِ اسْتَطَاعَ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلًا كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ) زَادَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ خَيْرٌ وَتَطَوُّعٌ وَاتَّفَقَتِ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَدَاءُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ

الْإِفْرَادِ وَالتَّمَتُّعِ ، وَالْقِرَانِ فَصُورَةُ الْإِفْرَادِ أَنْ يُفْرِدَ الْحَجَّ ثُمَّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ يَعْتَمِرُ وَصُورَةُ التَّمَتُّعِ أَنْ يَعْتَمِرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ أَعْمَالِ الْعُمْرَةِ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ فَيَحُجُّ فِي هَذَا الْعَامِ وَصُورَةُ الْقِرَانِ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ مَعًا أَوْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ يُدْخِلُ عَلَيْهَا الْحَجَّ قَبْلَ أَنْ يَفْتَتِحَ الطَّوَافَ فَيَصِيرُ قَارِنًا وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَفْضَلِ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ الْإِفْرَادَ أَفْضَلُ ثُمَّ التَّمَتُّعَ ثُمَّ الْقِرَانَ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ لِمَا أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ : خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ وَأَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَجِّ فَأَمَّا مَنْ أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ [ ص: 219 ] فَحَلَّ وَأَمَّا مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ أَوْ جَمَعَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَلَمْ يَحِلُّوا حَتَّى كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ .

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَطِيبُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلَّالُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنَا مُسْلِمٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنْ حَجَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا نَنْوِي إِلَّا الْحَجَّ وَلَا نَعْرِفُ غَيْرَهُ وَلَا نَعْرِفُ الْعُمْرَةَ ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْرَدَ الْحَجَّ وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الْقِرَانَ أَفْضَلُ وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ وَاحْتَجُّوا بِمَا أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ مُلَاسٍ النُّمَيْرِيُّ أَخْبَرَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيُّ أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ قَالَ قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَبَّيْكَ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ .
يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #40  
قديم 24-09-2020, 06:03 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير البغوى****متجدد إن شاء الله

وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ التَّمَتُّعَ أَفْضَلُ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ وَاحْتَجُّوا بِمَا أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَسَاقَ مَعَهُ الْهَدْيَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَبَدَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ فَتَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَكَانَ مِنَ النَّاسِ مَنْ أَهْدَى فَسَاقَ الْهَدْيَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُهْدِ فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ قَالَ لِلنَّاسِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ أَهْدَى فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ مِنْ شَيْءٍ حُرِمَ مِنْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَجَّهُ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَهْدَى فَلْيَطُفْ بِالْبَيْتِ وَيَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَلْيُقَصِّرْ ، وَلِيَتَحَلَّلْ ثُمَّ لِيُهِلَّ بِالْحَجِّ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا فَلْيَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ فَطَافَ حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ وَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ أَوَّلَ شَيْءٍ ثُمَّ خَبَّ ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ وَمَشَى أَرْبَعًا فَرَكَعَ حِينَ قَضَى طَوَافَهُ بِالْبَيْتِ عِنْدَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ فَانْصَرَفَ فَأَتَى الصَّفَا فَطَافَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعَةَ أَطْوَافٍ ثُمَّ لَمْ يَتَحَلَّلْ مِنْ شَيْءٍ حُرِمَ مِنْهُ حَتَّى قَضَى حَجَّهُ وَنَحَرَ هَدْيَهُ [ ص: 220 ] يَوْمَ النَّحْرِ وَأَفَاضَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ ثُمَّ حَلَّ مِنْ كُلِّ شَيْءِ حُرِمَ مِنْهُ وَفَعَلَ مِثْلَ مَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَهْدَى وَسَاقَ الْهَدْيَ مِنَ النَّاسِ .

وَعَنْ عُرْوَةَ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَخْبَرَتْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَمَتُّعِهِ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَتَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَهُ بِمِثْلِ الَّذِي أَخْبَرَنِي سَالِمٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

قَالَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَدِ اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ فِي إِحْرَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا ذَكَرْنَا وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ اخْتِلَافِ الْأَحَادِيثِ كَلَامًا مُوجَزًا أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مِنْهُمُ الْمُفْرِدُ وَالْقَارِنُ ، وَالْمُتَمَتِّع ُ وَكُلٌّ كَانَ يَأْخُذُ مِنْهُ أَمْرَ نُسُكِهِ وَيَصْدُرُ عَنْ تَعْلِيمِهِ فَأُضِيفَ الْكُلُّ إِلَيْهِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ أَمَرَ بِهَا وَأَذِنَ فِيهَا وَيَجُوزُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ إِضَافَةُ ( الشَّيْءِ ) إِلَى الْآمِرِ بِهِ كَمَا يَجُوزُ إِضَافَتُهُ إِلَى الْفَاعِلِ لَهُ كَمَا يُقَالُ بَنَى فُلَانٌ دَارًا وَأُرِيدَ أَنَّهُ أَمَرَ بِبِنَائِهَا وَكَمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَمَ مَاعِزًا وَإِنَّمَا أَمَرَ بِرَجْمِهِ وَاخْتَارَ الشَّافِعِيُّ الْإِفْرَادَ لِرِوَايَةِ جَابِرٍ وَعَائِشَةَ وَابْنِ عُمَرَ ، وَقَدَّمَهَا عَلَى رِوَايَةِ غَيْرِهِمْ لِتَقَدُّمِ صُحْبَةِ جَابِرٍ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَسَّنَ سِيَاقَهُ لِابْتِدَاءِ قِصَّةِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَآخِرِهَا وَلِفَضْلِ حِفْظِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَقُرْبِ ابْنِ عُمَرَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

وَمَالَ الشَّافِعِيُّ فِي اخْتِلَافِ الْأَحَادِيثِ إِلَى التَّمَتُّعِ ، وَقَالَ لَيْسَ شَيْءٌ مِنَ الِاخْتِلَافِ أَيْسَرَ مِنْ هَذَا وَإِنْ كَانَ الْغَلَطُ فِيهِ قَبِيحًا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ مُبَاحٌ لِأَنَّ الْكِتَابَ ثُمَّ السُّنَّةَ ثُمَّ مَا لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا عَلَى أَنَّ التَّمَتُّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ وَإِفْرَادَ الْحَجِّ وَالْقِرَانَ وَاسِعٌ كُلُّهُ ، وَقَالَ مَنْ قَالَ إِنَّهُ أَفْرَدَ الْحَجَّ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ قَالَهُ عَلَى مَا لَا يَعْرِفُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ الَّذِينَ أَدْرَكَ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ أَحَدًا لَا يَكُونُ مُقِيمًا عَلَى الْحَجِّ إِلَّا وَقَدِ ابْتَدَأَ إِحْرَامَهُ بِالْحَجِّ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مُتَمَتِّعًا أَنَّ الرِّوَايَةَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ مُتَعَارِضَةٌ وَقَدْ رُوِّينَا عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالَ تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي [ حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ] فِي تَمَتُّعِهِ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَتَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَهُ بِمِثْلِ الَّذِي أَخْبَرَنِي سَالِمٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " هَذِهِ عُمْرَةٌ اسْتَمْتَعْنَا بِهَا " .

وَقَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فِي الْمُتْعَةِ صَنَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَنَعْنَاهَا مَعَهُ

قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ وَمَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ قَالَ خَرَجْنَا لَا نَنْوِي إِلَّا الْحَجَّ لَا يُنَافِي التَّمَتُّعَ لِأَنَّ [ ص: 221 ] خُرُوجَهُمْ كَانَ لِقَصْدِ الْحَجِّ ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ قَدَّمَ الْعُمْرَةَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ إِلَى أَنْ أَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَجْعَلَهُ مُتْعَةً قَوْلُهُ تَعَالَى : ( فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ ) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الإحْصَارِ الَّذِي يُبِيحُ لِلْمُحْرِمِ التَّحَلُّلَ مِنْ إِحْرَامِهِ فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ كُلَّ مَانِعٍ يَمْنَعُهُ عَنِ الْوُصُولِ إِلَى الْبَيْتِ الْحَرَامِ وَالْمَعْنَى فِي إِحْرَامِهِ مِنْ عَدُوٍّ أَوْ مَرَضٍ أَوْ جُرْحٍ أَوْ ذَهَابِ نَفَقَةٍ أَوْ ضَلَالِ رَاحِلَةٍ يُبِيحُ لَهُ التَّحَلُّلَ وَبِهِ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَهُوَ قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَالْحَسَنِ وَمُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ وَقَتَادَةَ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَهْلُ الْعِرَاقِ وَقَالُوا لِأَنَّ الْإِحْصَارَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ هُوَ حَبْسُ الْعِلَّةِ أَوِ الْمَرَضِ وَقَالَ الْكِسَائِيُّ وَأَبُو عُبَيْدَةَ مَا كَانَ مِنْ مَرَضٍ أَوْ ذَهَابِ نَفَقَةٍ يُقَالُ مِنْهُ أُحْصِرَ فَهُوَ مُحْصَرٌ وَمَا كَانَ مِنْ حَبْسِ عَدُوٍّ أَوْ سَجْنٍ يُقَالُ مِنْهُ حَصَرَ فَهُوَ مَحْصُورٌ وَإِنَّمَا جَعَلَ هَاهُنَا حَبْسَ الْعَدُوِّ إِحْصَارًا قِيَاسًا عَلَى الْمَرَضِ إِذْ كَانَ فِي مَعْنَاهُ وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ كُسِرَ أَوْ عَرِجَ فَقَدْ حَلَّ وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ " .

قَالَ عِكْرِمَةُ : فَسَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ وَأَبَا هُرَيْرَةَ فَقَالَا : صِدْقٌ وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يُبَاحُ لَهُ التَّحَلُّلُ إِلَّا بِحَبْسِ الْعَدُوِّ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَالَ لَا حَصْرَ إِلَّا حَصْرُ الْعَدُوِّ وَرُوِيَ مَعْنَاهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَقَالُوا الْحَصْرُ وَالْإِحْصَارُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ

وَقَالَ ثَعْلَبٌ : تَقُولُ الْعَرَبُ حَصَرْتُ الرَّجُلَ عَنْ حَاجَتِهِ فَهُوَ مَحْصُورٌ وَأَحْصَرَهُ الْعَدُوُّ إِذَا مَنَعَهُ عَنِ السَّيْرِ فَهُوَ مُحْصَرٌ وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ نُزُولَ هَذِهِ الْآيَةِ فِي قِصَّةِ الْحُدَيْبِيَةِ وَكَانَ ذَلِكَ حَبْسًا مِنْ جِهَةِ الْعَدُوِّ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سِيَاقِ الْآيَةِ ( فَإِذَا أَمِنْتُمْ ) وَالْأَمْنُ يَكُونُ مِنَ الْخَوْفِ وَضَعَّفُوا حَدِيثَ الْحَجَّاجِ بْنِ عَمْرٍو بِمَا ثَبَتَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ لَا حَصْرَ إِلَّا حَصْرُ الْعَدُوِّ وَتَأَوَّلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا يَحِلُّ بِالْكَسْرِ وَالْعَرَجِ إِذَا كَانَ قَدْ شَرَطَ ذَلِكَ فِي عَقْدِ الْإِحْرَامِ كَمَا رُوِيَ أَنَّ ضُبَاعَةَ بِنْتَ الزُّبَيْرِ كَانَتْ وَجِعَةً فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : حُجِّي وَاشْتَرِطِي وَقُولِي اللَّهُمَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي " .

ثُمَّ الْمُحْصَرُ يَتَحَلَّلُ بِذَبْحِ الْهَدْيِ وَحَلْقِ الرَّأْسِ وَالْهَدْيُ شَاةٌ وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى ( فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) [ ص: 222 ] وَمَحِلُّ ذَبْحِهِ حَيْثُ أُحْصِرَ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَبَحَ الْهَدْيَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ بِهَا وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الْمُحْصَرَ يُقِيمُ عَلَى إِحْرَامِهِ وَيَبْعَثُ بِهَدْيِهِ إِلَى الْحَرَمِ وَيُوَاعِدُ مَنْ يَذْبَحُهُ هُنَاكَ ثُمَّ يَحِلُّ وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْعِرَاقِ .

وَاخْتَلَفَ الْقَوْلُ فِي الْمُحْصَرِ إِذَا لَمْ يَجِدْ هَدْيًا فَفِي قَوْلٍ لَا بَدَلَ لَهُ فَيَتَحَلَّلُ وَالْهَدْيُ فِي ذِمَّتِهِ إِلَى أَنْ يَجِدَ وَالْقَوْلُ الثَّانِي لَهُ بَدَلٌ فَعَلَى هَذَا اخْتَلَفَ الْقَوْلُ فِيهِ فَفِي قَوْلٍ عَلَيْهِ صَوْمُ التَّمَتُّعِ وَفِي قَوْلٍ تُقَوَّمُ الشَّاةُ بِدَرَاهِمَ وَيَجْعَلُ الدَّرَاهِمَ طَعَامًا فَيَتَصَدَّقُ بِهِ فَإِنْ عَجَزَ عَنِ الْإِطْعَامِ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ مِنَ الطَّعَامِ يَوْمًا كَمَا فِي فِدْيَةِ الطِّيبِ ، وَاللُّبْسِ فَإِنَّ الْمُحْرِمَ إِذَا احْتَاجَ إِلَى سَتْرِ رَأْسِهِ لِحَرٍّ أَوْ بَرْدٍ أَوْ إِلَى لُبْسِ قَمِيصٍ أَوْ مَرَضٍ فَاحْتَاجَ إِلَى مُدَاوَاتِهِ بِدَوَاءٍ فِيهِ طِيبٌ فَعَلَ وَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ وَفِدْيَتُهُ عَلَى التَّرْتِيبِ وَالتَّعْدِيلِ فَعَلَيْهِ ذَبْحُ شَاةٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ يُقَوِّمُ الشَّاةَ بِدَرَاهِمَ وَالدَّرَاهِمُ يَشْتَرِي بِهَا طَعَامًا فَيَتَصَدَّقُ بِهِ فَإِنْ عَجَزَ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا ثُمَّ الْمُحْصَرُ إِنْ كَانَ إِحْرَامُهُ بِغَرَضٍ قَدِ اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ فَذَلِكَ الْغَرَضُ فِي ذِمَّتِهِ وَإِنْ كَانَ بِحَجِّ تَطَوُّعٍ فَهَلْ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ اخْتَلَفُوا فِيهِ فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ

قَوْلُهُ تَعَالَى ( فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) [ أَيْ فَعَلَيْهِ مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْهَدْيِ ] وَمَحَلُّهُ رَفْعٌ ، وَقِيلَ مَا فِي مَحَلِّ النَّصْبِ أَيْ فَاهْدِي مَا اسْتَيْسَرَ وَالْهَدْيُ جَمْعُ هَدِيَّةٍ وَهِيَ اسْمٌ لِكُلِّ مَا يُهْدَى إِلَى بَيْتِ اللَّهِ تَقَرُّبًا إِلَيْهِ وَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ شَاةٌ قَالَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إِلَى الْيُسْرِ ، وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ : أَعْلَاهُ بَدَنَةٌ وَأَوْسَطُهُ بَقَرَةٌ وَأَدْنَاهُ شَاةٌ

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ) اخْتَلَفُوا فِي الْمَحِلِّ الَّذِي يَحِلُّ الْمُحْصَرُ بِبُلُوغِ هَدْيِهِ إِلَيْهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ ذَبْحُهُ بِالْمَوْضِعِ الَّذِي أُحْصِرَ فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْحِلِّ أَوْ فِي الْحَرَمِ وَمَعْنَى مَحِلِّهِ حَيْثُ يَحِلُّ ذَبْحُهُ فِيهِ ، وَأَكْلُهُ

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ فِي قِصَّةِ الْحُدَيْبِيَةِ قَالَ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قَضِيَّةِ الْكِتَابِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ : قُومُوا فَانْحَرُوا ثُمَّ احْلِقُوا فَوَاللَّهِ مَا قَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ حَتَّى قَالَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَذَكَرَ لَهَا مَا لَقِيَ مِنَ النَّاسِ فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَتُحِبُّ ذَلِكَ ، فَاخْرُجْ ثُمَّ لَا تُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ بِكَلِمَةٍ حَتَّى تَنْحَرَ بَدَنَكَ وَتَدْعُوَ حَالِقَكَ فَيَحْلِقَكَ فَخَرَجَ وَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ نَحَرَ بَدَنَهُ وَدَعَا حَالِقَهُ فَحَلَقَهُ فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَامُوا فَنَحَرُوا وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ [ ص: 223 ] يَحْلِقُ بَعْضًا حَتَّى كَادَ بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا غَمًّا " وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَحِلُّ هَدْيِ الْمُحْصَرِ الْحَرَمُ فَإِنْ كَانَ حَاجًّا فَمَحِلُّهُ يَوْمُ النَّحْرِ وَإِنْ كَانَ مُعْتَمِرًا فَمَحِلُّهُ يَوْمَ يَبْلُغُ هَدْيُهُ الْحَرَمَ قَوْلُهُ تَعَالَى ( فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ ) مَعْنَاهُ لَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ فِي حَالِ الْإِحْرَامِ إِلَّا أَنْ تَضْطَرُّوا إِلَى حَلْقِهِ لِمَرَضٍ أَوْ لِأَذًى فِي الرَّأْسِ مِنْ هَوَامٍّ أَوْ صُدَاعٍ ( فَفِدْيَةٌ ) فِيهِ إِضْمَارٌ ، أَيْ فَحَلَقَ فَعَلَيْهِ فِدْيَةٌ نَزَلَتْ فِي كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ .

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحَيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ خَلَفٍ أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ وَرْقَاءَ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَآهُ وَقَمْلُهُ يَسْقُطُ عَلَى وَجْهِهِ فَقَالَ أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّكَ قَالَ : نَعَمْ فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَحْلِقَ وَهُوَ بِالْحُدَيْبِيَ ةِ وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُمْ أَنَّهُمْ يُحِلُّونَ بِهَا وَهُمْ عَلَى طَمَعٍ أَنْ يَدْخُلُوا مَكَّةَ فَأَنْزِلَ اللَّهُ الْفِدْيَةَ فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُطْعِمَ فَرَقًا بَيْنَ سِتَّةِ مَسَاكِينَ أَوَيُهْدِيَ شَاةً أَوْ يَصُومَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ .

قَوْلُهُ تَعَالَى ( فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ ) أَيْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ( أَوْ صَدَقَةٍ ) أَيْ ثَلَاثَةِ آصُعٍ عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ ( أَوْ نُسُكٍ ) وَاحِدَتُهَا نَسِيكَةٌ أَيْ ذَبِيحَةٌ أَعْلَاهَا بَدَنَةٌ وَأَوْسَطُهَا بَقَرَةٌ وَأَدْنَاهَا شَاةٌ أَيَّتَهَا شَاءَ ذَبْحَ فَهَذِهِ الْفِدْيَةُ عَلَى التَّخْيِيرِ وَالتَّقْدِيرِ وَيَتَخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَذْبَحَ أَوْ يَصُومَ أَوْ يَتَصَدَّقَ وَكُلُّ هَدْيٍ أَوْ طَعَامٍ يَلْزَمُ الْمُحْرِمَ يَكُونُ بِمَكَّةَ وَيَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ إِلَّا هَدْيًا يَلْزَمُ الْمُحْصَرَ فَإِنَّهُ يَذْبَحُهُ حَيْثُ أُحْصِرَ وَأَمَّا الصَّوْمُ فَلَهُ أَنْ يَصُومَ حَيْثُ شَاءَ قَوْلُهُ تَعَالَى : ( فَإِذَا أَمِنْتُمْ ) أَيْ مِنْ خَوْفِكُمْ وَبَرِئْتُمْ مِنْ مَرَضِكُمْ ( فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) اخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الْمُتْعَةِ فَذَهَبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ إِلَى أَنَّ مَعْنَاهُ فَمَنْ أُحْصِرَ حَتَّى فَاتَهُ الْحَجُّ وَلَمْ يَتَحَلَّلْ فَقَدِمَ مَكَّةَ يَخْرُجُ مِنْ إِحْرَامِهِ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ وَاسْتَمْتَعَ بِإِحْلَالِهِ ذَلِكَ بِتِلْكَ الْعُمْرَةِ إِلَى السَّنَةِ الْمُسْتَقْبِلَ ةِ ثُمَّ حَجَّ فَيَكُونُ مُتَمَتِّعًا بِذَلِكَ الْإِحْلَالِ إِلَى إِحْرَامِهِ الثَّانِي فِي الْعَامِ الْقَابِلِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَعْنَاهُ : ( فَإِذَا أَمِنْتُمْ ) وَقَدْ حَلَلْتُمْ مِنْ إِحْرَامِكُمْ بَعْدَ الْإِحْصَارِ وَلَمْ تَقْضُوا عُمْرَةً وَأَخَّرْتُمُ الْعُمْرَةَ إِلَى السَّنَةِ الْقَابِلَةِ فَاعْتَمَرْتُمْ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ حَلَلْتُمْ فَاسْتَمْتَعْتُ مْ بِإِحْلَالِكُمْ إِلَى الْحَجِّ ثُمَّ أَحْرَمْتُمْ بِالْحَجِّ فَعَلَيْكُمْ مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَهُوَ قَوْلُ عَلْقَمَةَ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٌ وَجَمَاعَةٌ هُوَ الرَّجُلُ يَقْدَمُ مُعْتَمِرًا مِنْ أُفُقٍ مِنَ الْآفَاقِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَقَضَى عُمْرَتَهُ وَأَقَامَ حَلَالًا بِمَكَّةَ حَتَّى أَنْشَأَ مِنْهَا الْحَجَّ فَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ فَيَكُونُ مُسْتَمْتِعًا بِالْإِحْلَالِ مِنَ الْعُمْرَةِ إِلَى إِحْرَامِهِ بِالْحَجِّ فَمَعْنَى التَّمَتُّعِ هُوَ الِاسْتِمْتَاعُ بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنَ الْعُمْرَةِ بِمَا كَانَ مَحْظُورًا عَلَيْهِ فِي الْإِحْرَامِ إِلَى إِحْرَامِهِ بِالْحَجِّ [ ص: 224 ]

وَلِوُجُوبِ دَمِ التَّمَتُّعِ أَرْبَعُ شَرَائِطَ أَحَدُهَا : أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَالثَّانِي : أَنْ يَحُجَّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الْعُمْرَةِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ وَالثَّالِثُ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ فِي مَكَّةَ وَلَا يَعُودُ إِلَى الْمِيقَاتِ لِإِحْرَامِهِ الرَّابِعُ : أَنْ لَا يَكُونَ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَتَى وُجِدَتْ هَذِهِ الشَّرَائِطُ فَعَلَيْهِ مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَهُوَ دَمُ شَاةٍ يَذْبَحُهُ يَوْمَ النَّحْرِ فَلَوْ ذَبَحَهَا قَبْلَهُ بَعْدَمَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ يَجُوزُ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ كَدِمَاءِ الْجِنَايَاتِ وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ كَدَمِ الْأُضْحِيَةِ

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ ) أَيْ صُومُوا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ يَصُومُ يَوْمًا قَبْلَ التَّرْوِيَةِ وَيَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَيَوْمَ عَرَفَةَ وَلَوْ صَامَ قَبْلَهُ بَعْدَمَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ يَجُوزُ وَلَا يَجُوزُ يَوْمَ النَّحْرِ وَلَا أَيَّامَ التَّشْرِيقِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى جَوَازِ صَوْمِ الثَّلَاثِ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ .

يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِي ِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ .

قَوْلُهُ تَعَالَى ( وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ ) أَيْ صُومُوا سَبْعَةَ أَيَّامٍ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَى أَهْلِيكُمْ وَبَلَدِكُمْ فَلَوْ صَامَ السَّبْعَةَ قَبْلَ الرُّجُوعِ إِلَى أَهْلِهِ لَا يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَقِيلَ يَجُوزُ أَنْ يَصُومَهَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ وَهُوَ الْمُرَادُ مِنَ الرُّجُوعِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ

قَوْلُهُ تَعَالَى ( تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ) ذَكَرَهَا عَلَى وَجْهِ التَّأْكِيدِ وَهَذَا لِأَنَّ الْعَرَبَ مَا كَانُوا يَهْتَدُونَ إِلَى الْحِسَابِ فَكَانُوا يَحْتَاجُونَ إِلَى فَضْلِ شَرْحٍ وَزِيَادَةِ بَيَانٍ ، وَقِيلَ فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ يَعْنِي فَصِيَامُ عَشَرَةِ أَيَّامٍ ثَلَاثَةٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ فَهِيَ عَشْرَةٌ كَامِلَةٌ وَقِيلَ كَامِلَةٌ فِي الثَّوَابِ وَالْأَجْرِ ، وَقِيلَ كَامِلَةٌ فِيمَا أُرِيدَ بِهِ مِنْ إِقَامَةِ الصَّوْمِ بَدَلَ الْهَدْيِ وَقِيلَ كَامِلَةٌ بِشُرُوطِهَا وَحُدُودِهَا ، وَقِيلَ لَفْظُهُ خَبَرٌ وَمَعْنَاهُ أَمْرٌ أَيْ فَأَكْمِلُوهَا وَلَا تَنْقُصُوهَا ( ذَلِكَ ) أَيْ هَذَا الْحُكْمُ ( لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ) وَاخْتَلَفُوا فِي حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُمْ أَهْلُ مَكَّةَ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَقِيلَ هُمْ أَهْلُ الْحَرَمِ وَبِهِ قَالَ طَاوُسٌ مِنَ التَّابِعِينَ وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ : أَهْلُ عَرَفَةَ وَالرَّجِيعِ وَضَجْنَانَ ، وَنَخْلَتَانِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ كُلُّ مَنْ كَانَ وَطَنُهُ مِنْ مَكَّةَ عَلَى أَقَلِّ مِنْ مَسَافَةِ الْقَصْرِ فَهُوَ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَقَالَ عِكْرِمَةُ : هُمْ مِنْ دُونِ الْمِيقَاتِ وَقِيلَ هُمْ أَهْلُ الْمِيقَاتِ فَمَا دُونَهُ وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ وَدَمُ الْقِرَانِ كَدَمِ التَّمَتُّعِ وَالْمَكِّيُّ إِذَا قَرَنَ أَوْ تَمَتَّعَ فَلَا هَدْيَ عَلَيْهِ قَالَ عِكْرِمَةُ : سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ مُتْعَةِ الْحَجِّ فَقَالَ أَهَلَّ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ ، وَأَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَأَهْلَلْنَا فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : " اجْعَلُوا إِهْلَالَكُمْ بِالْحَجِّ عُمْرَةً إِلَّا مَنْ قَلَّدَ الْهَدْيَ " . فَطُفْنَا بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَأَتَيْنَا النِّسَاءَ وَلَبِسْنَا الثِّيَابَ ثُمَّ أَمَرَنَا عَشِيَّةَ التَّرْوِيَةِ أَنْ نُهِلَّ بِالْحَجِّ فَإِذَا فَرَغْنَا فَقَدْ تَمَّ حَجُّنَا وَعَلَيْنَا الْهَدْيُ فَجَمَعُوا نُسُكَيْنِ فِي عَامٍ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَإِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَهُ فِي كِتَابِهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ وَأَبَاحَهُ لِلنَّاسِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ مَكَّةَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : ( ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ) . [ ص: 225 ]

وَمَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ وَفَوَاتُهُ يَكُونُ بِفَوَاتِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ يَوْمَ النَّحْرِ فَإِنَّهُ يَتَحَلَّلُ بِعَمَلِ الْعُمْرَةِ وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ مِنْ قَابَلٍ وَالْفِدْيَةُ وَهِيَ عَلَى التَّرْتِيبِ وَالتَّقْدِيرِ كَفِدْيَةِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ هَنَّادَ بْنَ الْأَسْوَدِ جَاءَ يَوْمَ النَّحْرِ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَنْحَرُ هَدْيَهُ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَخْطَأْنَا الْعَدَدَ كُنَّا نَظُنُّ أَنَّ هَذَا الْيَوْمَ يَوْمُ عَرَفَةَ فَقَالَ لَهُ عُمْرُ : اذْهَبْ إِلَى مَكَّةَ فَطُفْ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ بِالْبَيْتِ وَاسْعَوْا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَانْحَرُوا هَدْيًا إِنْ كَانَ مَعَكُمْ ثُمَّ احْلِقُوا أَوْ قَصِّرُوا ثُمَّ ارْجِعُوا فَإِذَا كَانَ عَامٌ قَابِلٌ فَحُجُّوا وَاهْدُوا فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ .

( وَاتَّقُوا اللَّهَ ) فِي أَدَاءِ الْأَوَامِرِ ( وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) عَلَى ارْتِكَابِ الْمَنَاهِي .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 365.65 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 359.55 كيلو بايت... تم توفير 6.10 كيلو بايت...بمعدل (1.67%)]