مقومات الداعية الناجح د. علي بن عمر بادحدح - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         شرح كتاب فضائل القرآن من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 10 - عددالزوار : 211 )           »          مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 117 - عددالزوار : 28440 )           »          مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 175 - عددالزوار : 60061 )           »          خطورة الوسوسة.. وعلاجها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          إني مهاجرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          الضوابط الشرعية لعمل المرأة في المجال الطبي.. والآمال المعقودة على ذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 30 - عددالزوار : 842 )           »          صناعة الإعلام وصياغة الرأي العام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          من تستشير في مشكلاتك الزوجية؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 36 )           »          فن إيقاظ الطفل للذهاب إلى المدرسة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى الشباب المسلم

ملتقى الشباب المسلم ملتقى يهتم بقضايا الشباب اليومية ومشاكلهم الحياتية والاجتماعية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 17-08-2019, 11:23 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي مقومات الداعية الناجح د. علي بن عمر بادحدح

مقومات الداعية الناجح (1-5)
د. علي بن عمر بادحدح

الحمد لله جعل الداعي إليه أحسن الناس قولاً، والمجاهد في سبيله من أفضل الناس عملاً، والصلاة والسلام على أعظم من دعا باللسان، وأشجع من جاهد بالسنان، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان، أما بعد:
فإن الدعوة إلى الله سبب الهداية المأمول، وطريق السعادة المأهول، وبها يقع تذكير الغافل، وتحريك الخامل، وهي مفتاح الفهم، ومقدمة العلم، ومدخل العمل، وهي مهمة الأنبياء والمرسلين، وسبيل أتباع النبي الأمين، وشرفها وفضلها معلوم، وخيرها وأثرها ملموس.
لا حاجة لبسط القول أو التدليل على أن الدعوة في عالمنا المعاصر تمر بمرحلة صعبة بل عصيبة؛ لأن هذا الأمر ظاهر للعيان، وتعاني الدعوة مشكلات عديدة.
منها: العداء الخارجي، والتكالب العالمي، الذي يسعى إلى وأد صوتها، ومحاصرة نشاطها، ويهدف إلى تشويه صورتها، وتجريم حملتها، فالدعوة إلى الله يجعلونها عنصرية تتنافى مع الإخاء، وعصبية تتعارض مع التسامح، والدعاة إلى الله يصورونهم على أنهم قساة غلاظ، لا مجال عندهم لرحمة أو رأفة، هذا إضافة إلى العمل الدائب للمواجهة المباشرة للدعوة والدعاة .
ومن جهة أخرى فإن للدعوة معاناة من بعض حملتها أو المنتسبين إليها، فواحد يسيء من جهة جهله، وآخر من جهة سوء فهمه، وثالث من جهة ضيق أفقه، ورابع من جهة شدة أسلوبه وهكذا.
إضافة إلى وجود بعض الخلل، ونقص في العمل في صورة الشاملة الواعية للدعوة، بحيث تواكب العصر بالاستفادة من معطياته، والتأقلم مع مستجداته، وحسن المواجهة لعقباته، وجودة التخطيط والإعداد لمتطلباته، كما تراعى الأصول، وتستلهم التاريخ، وتستنطق التجارب، وتستفيد من الأعلام، بما يجعل جذورها راسخة، وقواعدها واضحة .
ونظراً للظروف الآنفة الذكر يكون من الواجب إعمال الفكر، وتبادل الرأي حول السبل الكفيلة لنجاح الدعوة وتحقيق أهدافها، وحمايتها من كيد الكائدين، من الأعداء وجهل الجاهلين من الأحباء.
ومن هنا كنت كثير التفكير في مثل الموضوع؛ فكتبت حول نجاح الداعية، وقبول دعوته، وتأثير شخصيته، مقالاً نشرته في إحدى الصحف، ثم في مناسبات متعددة، تحدثت عن عناصر نجاح الدعوات، وما زلت أدندن حول هذه المفاهيم والأفكار، وألقي عنها كلمات وأدوِّن فيها ملحوظات .
وهذا الكتاب الذي بين يديك هو صدى وترجمة لتلك الأفكار، وما كان ليرى النور؛ لكثرة الأشغال، وتزاحم الأعمال، ولكنني دُعيت للمشاركة في أحد الملتقيات، وطلب مني إعداد بحث بعنوان: (مقوِّمات الداعية الناجح) فكانت هذه الصفحات، التي كتبتها وأنا في ظروف صعبة، أثناء انشغالي التام بالمراحل النهائية لإعداد رسالة الدكتوراه، وللتوضيح أقول: إن هذا البحث عددت مادته، ورتّبت فصوله، وأتممت صياغته في أقل من شهر، وكنت أود قبل طباعته أن أضيف إليه، وأزيد فيه ما استجد في الذهن من أفكار، وما تجمّع في الموضوع من نصوص، ولكنني تركت ذلك؛ لئلا تتأخر الطباعة، ولعل ذلك يكون في طبعة قادمة بمشيئة الله تعالى .
وحيث قد وصفت لك- أخي القارئ - ظروف البحث ومدة إعداده، إضافة إلى ما هو معلوم من قصور الإنسان؛ لذا فإنني أرجو أن أحظى منك بما تراه من تصويب لخطأ، أو استدراك لنقص، أو فوائد وزوائد تتفضل بإهدائها لي، وهذا مما يسعدني ويثلج صدري، كما ينفعني ويغني فكري ويزيد علمي .
وأخيراً: أرفع أجزل الشكر، وأعطر الثناء، وأعظم الحمد، للمولى جلّت قدرته على توفيقه وامتنانه، ثم أثني بالشكر لكل من ساعدني في الإعداد، ونقل النصوص، وأخص منهم زوجتي وبنات أخي الثلاث، وأشكر (دار الأندلس الخضراء للنشر والتوزيع) على ما قامت به من جهود في تصويب النص، وتصحيح أرقام الحواشي، وحسن الإخراج؛ إذ كان البحث في صورته الأولى المستعجلة مليئاً بالأخطاء والاضطراب، كما أشكر من شرفوني بمطالعة البحث، عسى الله أن يجعلني عند حسن ظنهم، وأن يغفر لي ما لا يعلمون.
اللهم هذا جهد المقلِّ، وبضاعة المقصِّر تقبّلها بفضلك، وتجاوز عن نقصها بعفوك . وما كان في ذلك من إتقان وإحسان ففضل منك وإنعام، وما كان من خلل أو زلل فغفلة أو استزلال شيطان، فأقل - يا رب- عثرتي، واغفر زلّتي يا أرحم الراحمين!
الفصل الأول : دلالة الموضوع وأهميته:
رأيت من المناسب الوقوف على عنوان البحث، ومعرفة معاني مفرداته ودلالاته، قبل الخوض في مضمون الموضوع وتفصيلاته .
عنوان البحث: (مقومات الداعية الناجح)، ومن هنا سنقف أمام مدلولات الكلمات الثلاث.
المبحث الأول : دلالة عنوان الموضوع:
أولاً: المقوّم:
أصل الكلمة الثلاثي هو قَوَمَ، وأحد معانية الانتصاب والعزم[1]، ومن أبرز الاستعمالات اللفظية بهذا الأصل(قيام) والقيام يجئ بمعنى المحافظة والإصلاح، ومنه قوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النساء:34][2]، وقام الأمر: اعتدل، وأقام الشيء: أدامه[3]، وأمر قيم، أي: مستقيم،[4] وقوام الأمر (بالكسر): نظامه وعماده[5]، وقيم الأمر: مقيمه، والقيم: السيد وسائس الأمر[6]، ومقوم الشيء وقوامه بمعنى واحد.
فالمراد بمقومات الداعية الناجح: الأمور التي هي العماد لنجاح الداعية؛ ليقوم بالدعوة، منتصباً لها، عازماً ومحافظاً عليها، مستقيماً معتدلاً في أدائها، قائماً بشؤونها، سائساً لأمورها؛ حتى يكون قيامه بها خير قيام؛ يتحقق به المقصود.
ثانياً: الداعية:
أصل الكلمة الثلاثي (دٍٍَِِعَوَ) والدعوة المرة الواحدة، من الدعاء، والدعاء إلى شيءٍ ما، هُو الترغيب فيه والحث عليه، كما في قوله: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ} [يونس: 25] أي: يرغب في الجنة، ويقال: دعا يدعو فهو داع، والمرة منه دعوة، وفي قوله تعالى: {وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا} [الأحزاب:46]، أي: داعياً إلى توحيد الله؛ فالداعي هو الذي يدعو إلى أمر ما، والجمع دعاة وداعون، والداعي والداعية واحد، والهاء فيه للمبالغة .
فالداعية إذن: هو المؤهل القائم بترغيب الناس في الإسلام، وحثهم على التزامه، بالوسائل المشروعة.
وهذا يوضح أن موضوع الدعوة هو الإسلام كله، عقيدة وشريعة وأخلاقاً ومعاملة، وأن المدعوون هم جميع الناس، كل بحسبه؛ فالكافرون يُدعون إلى الإسلام، والمقصرون يُدعون إلى صدق الالتزام، والعصاة يُدعون إلى ترك الذنوب، والآثام وهكذا.
قال ابن تيمية في تعريف الدعوة: "والدعوة إلى الله: هي الدعوة إلى الإيمان به، وبما جاءت به رسله، وبتصديقهم فيما أخبروا به، وطاعتهم فيما أمروا"[7].
عرَّفها بعض المعاصرين بقوله: "تبليغ الإسلام للناس، وتعليمه إياهم، وتطبيقه في واقع الحياة"[8].
وأوجز الطبري القول وأبلغ في المعنى، حين قال عن الدعوة: "هي دعوة الناس إلى الإسلام بالقول والعمل"[9].
ثالثاً: النجاح:
أصل الكلمة الثلاثي (نجح) وهو أصل يدل على ظفر وصدق وخير،[10] والنُّجح والنجاح: الظفر بالشيء، ونجح المرء: إذا أصاب طلبته، ونجح الأمر: إذا تيسر وسهل، ورجل نجح: منجح الحاجات، ورأي نجيح، أي: صواب[11].
فالمقصود: هو تحقيق غاية الدعوة، والتوفيق لحصول التيسير في الدعوة وقبولها، ومعلوم أن النجاح الأتم في الدعوة هو قبول الحق والعمل به، ورفض الباطل والإقلاع عنه؛ فهو قناعة نظرية، واستجابة عملية، ولكن حصول الإعراض وعدم القبول، ليس دليلاً على عدم نجاح الداعية؛ إذ أن الهداية من عند الله { إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ } [القصص:56].
ونعلم حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم: "يأتي النبي ومعه الرجل، والنبي ومعه الرجلان، والنبي وليس معه أحد"[12]، وهذا قطعاً لا يدل على عدم نجاح هؤلاء الأنبياء، وإنما يدل على عدم وجود القابلية عند المدعوين، وطمس الله لبصائرهم، وطبعه على قلوبهم.
فالنجاح إذن هو القيام بالواجب على الوجه الأكمل، وكثيراً ما تتحقق به النتائج، وقد تتخلف لحكمة عند الله.
وبهذا يتضح مدلول عنوان الموضوع (مقومات الداعية الناجح)، وأن المراد تسليط الضوء على الأسس اللازم توافرها للداعية، في شخصيته وممارساته، ومفاهيمه التي تؤدي إلى حصول الهداية وتحقق أثر الدعوة.
المبحث الثاني : أهمية الموضوع:
مما يتقدم عرفنا أن الموضوع يتعلق بما يقوم بالداعية من صفات ومهارات، يتحقق بها هدف الدعوة وتحصل الاستجابة، ولا شك أن الاستجابة للداعية ثمرة عظيمة؛ لأنه مبلغ عن الله جل جلاله، وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، ومقرر لأحكام الإسلام، ومؤدي ذلك تحقق الاستجابة لله وللرسول، والالتزام بالإسلام؛ ولهذا فإن لهذا النجاح آثار كبيرة محمودة، تجعل للبحث في هذا المجال أهمية كبرى، وإليك بعض ما ينبئ عن ذلك:
1- الأجر الجزيل:
يقول الحق تبارك وتعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت:33]، فهذا ثناء لمن دعا دون ارتباط بالنتيجة؛ فكيف إذا حصلت الاستجابة؟ إن الأجر حينئذ أعظم وأجزل، كما أخبر عليه الصلاة والسلام في قوله: "لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من أن يكون لك حمر النعم"[13].
وهذا في هداية الواحد، فكيف بهداية الجمع من الناس؟ الأجر حينئذ يزداد ويتضاعف، كما أرشد إلى ذلك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل: "من دعا إلى هدى فإن له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً"[14].
2- انتشار الخير:
إن نجاح الداعية وانتشار الدعوة يزيد من انتشار الخير بكثرة ملتزميه والدعاة إليه، والثابتين عليه، وعندما تتزايد هذه الدوائر، ويتكاثر أفرادها، تكون سبباً من أسباب رضوان الله عز وجل وتنَزّل نصره، وحصول التغيير الصالح في الأمة، ضمن السنة الإلهية الماضية: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد:11]، ومن جهة أخرى فكلما أقبل على الخير واستجاب للدعوة نفر من الناس، بما يحققه الله من نجاح للدعاة؛ فإن ذلك يورث عند الآخرين قناعة عميقة، وحماسة قوية للمتابعة، من خلال كسر حاجز التردد أو الرهبة، وخوف التفرد بالالتزام، ومخالفة التيار العام، كما أن انتشار الخير يبرز صورة مشرقة للمسلمين الملتزمين من خلال سلوكياتهم في سائر شئون الحياة، وهذا له أثر مضاعف في مزيد من الإقبال على الالتزام.
3- مغالبة الباطل:
إن كل نجاح للدعوة في فكر وسلوك إنسان هو هزيمة للباطل، الداعي إلى طرق ومناهج الشيطان، وإن كل وجود فاعل للدعوة في ميدان من ميادين الحياة، هو غيظ ونكاية في أعداء الله، فالحرص على نجاح الداعية في غاية الأهمية؛ لحماية الأمة من شرور الباطل، والعمل على تحجيم آثاره، وتقليل أضراره، وتوهين أنصاره .
ومن المعلوم أنه "يجب محاربة المبادئ الهدامة، من اشتراكية، وبعثية، وتعصب للقوميات، وغيرها من المبادئ والمذاهب المخالفة للشريعة، وبذلك يصلح الله المسلمين ما كان فاسداً، ويَردُّ لهم ما كان شارداً، ويعيد لهم مجدهم السالف، وينصرهم على أعدائهم، ويمكن لهم في الأرض"[15]
ومن هنا يلزم "التأكيد على دعاة الإسلام وحملته، للتفرغ لكتابة البحوث والنشرات والمقالات النافعة، والدعوة إلى الإسلام، والرد على أصناف الغزو الثقافي، وكشف عواره، وتبيين زيفه، حيث إن الأعداء جنَّدوا كافة إمكاناتهم وقدراتهم، وأوجدوا المنظمات المختلفة، والوسائل المتنوعة؛ للدس على المسلمين والتلبيس عليهم؛ فلا بد من تفنيد هذه الشبهات وكشفها، وعرض الإسلام عقيدة وتشريعاً، وأحكاماً وأخلاقاً، عرضاً شيقاً"[16]؛ فتوفر أسباب نجاح الداعية يعني غلبة الحق وانتصاره، وهزيمة الباطل واندحاره .
4- الحماية من المفاهيم والأعمال الخاطئة:
إن التقصير في الأخذ بمقومات النجاح وأسباب الفلاح، قد يؤدي إلى الفشل والإخفاق، ويتولد من أثر ذلك بعض المفاهيم والأعمال الخاطئة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
أ*-الحكم العام بفساد الناس، وذلك أن بعض الدعاة - لقلة في فهمه أو ضعف في إيمانه أو تقصير في عمله - يتوالى عليه الفشل، ويلقى الإعراض والنفور من الناس، وبدلاً من أن يصبر، أو ينقد نفسه ويغير أسلوبه، ويعالج خطأه، نراه ينحي باللائمة على الناس، ويحكم عليهم بالفساد والاستعلاء عن الحق، وأنهم أعداء لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، ونحو ذلك مما يحذر منه المصطفى صلى الله عليه وسلم في حديثه الصحيح، الذي قال فيه: "إذا قال الرجل: هلك الناس فهو أهلكهم" [17].
ب- حصول الإحباط واليأس في نفوس بعض الدعاة؛ لتكرار الفشل، وانطوائهم بعد ذلك على أنفسهم، ثم اعتزالهم الناس، وتركهم الأمر المعروف والنهي عن المنكر، وربما كان فشلهم في كثير من الأحوال ناشئاً عن جهلهم بأساليب وأسباب النجاح في الدعوة .

الفصل الثاني: عناصر التأثير:
المبحث الأول: الميل العاطفي والمحبة القلبية:
إن المحبة تقود إلى المتابعة للمحبوب، وتقديمه على من سواه، وتلمس موافقة هواه، ولذا قيل في تعريف المحبة: إنها "إيثار المحبوب على جميع المصحوب" وقيل: "موافقة الحبيب في المشهد والمغيب" وقيل: "اتحاد مراد المحب ومراد المحبوب" وقيل: "إيثار مراد المحبوب على مراد المحب" وقيل: "هي بذلك المجهود فيما يرضي الحبيب"[18].
"والحب التام مع القدرة يستلزم حركة البدن بالقول الظاهر والفعل الظاهر، فما يظهر على البدن من الأقوال والأعمال، هو موجب ما في القلب ولازمه"[19].
ولذا فإن صاحب الرسالة يتحبب إلى المدعوين، ويسعى إلى كسب محبتهم له، وميل قلوبهم إليه؛ لأن ذلك أعظم عون على قبولهم منه، واتباعهم له، وبدونه لا يحصل التأثير الإيجابي بالمتابعة، ولو أقيمت الحجج ونصبت الأدلة؛ لأن البغض للداعي يصد عن قبول دعوته، وإن كانت حقاً، { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159]،فالاستجابة والمتابعة أعظم مقتضيات المحبة، وهما في الوقت نفسه أعظم آثارها.
وإذا تمكنت المحبة؛ فإنها تورث تعلقاً عجيباً بالمحبوب، يدفع إلى فعل مقتضاها من الموافقة، وإن كان في ذلك مضرة ظاهرة، أو إعراض عن محبوبات أخرى، هي أكثر أهمية، ويتحمل المحب في ذلك ما يلقي من المعارضة والملامة، وهذا ما يعرف من حال المحبين والعشاق، وهو الذي يفسر ما ملئت به سيرهم من الأخبار والأحوال، وليس هذا في عشق ومحبة الصور المحسوسة من البشر، بل هو واقع في المعاني أيضاً؛ فكثير من الأجواد يعشق الجود أعظم عشق، فلا يصبر عنه مع حاجته إلى ما يجود به، ولا يقبل فيه عذل عاذل، ولا تأخذه فيه لومة لائم، وأما عشاق العلم فأعظم شغفاً به، وعشقاً له من كل عاشق بمعشوقه[20].
وبالجملة: "فأصل كل فعل وحركة في العالم من الحب والإرادة؛ فهو أصل كل فعل ومبدؤه، كما أن البغض والكراهة مانع وصاد لكل ما انعقد بسببه ومادته"[21].
ومما يقوي أثر المحبة من الموافقة والاتباع "حصول اللذة والنعمة، والفرح والسرور، وقرة العين به، على قدر قوة محبته وإرادته والرغبة فيه"[22].
ويلحق بذلك أن المحبة توقد نار الشوق؛ فيبقى القلب بالمحبوب ومطلوبه مشغولاً، والعقل في أمره مفكراً، "والشوق أثر من آثار المحبة، وحكم من أحكامها؛ فإنه سفر القلب إلى المحبوب في كل حال"[23].
وهكذا نجد للمحبة أثرها العظيم في الفكر والسلوك، والمحبة والإرادة أصل كل دين، سواء كان ديناً صالحاً أو ديناً فاسداً؛ فإن الدين هو من الأعمال الباطنة والظاهرة، والمحبة والإرادة أصل ذلك كله[24].
"وإذا كان الحب أصل كل عمل من حق وباطل، وهو أصل الأعمال الدينية وغيرها"[25] علمنا أهمية هذا العنصر.
ومن منا كان الهوى في غير مرضاة الله خطراً عظيماً، بل هو شرك محض، وألوهية باطلة، كما قال تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} [الجاثية: 23].
وبالجملة فعاطفة المحبة من أعظم عناصر التأثير سلباً وإيجاباً، ومن ثم كان الحرص على كسب القلوب، واستجلاب المحبة في طاعة الله معيناً على الاستجابة للخير، والقبول للدعوة، وإذا وجهت المحبة لله وطاعته فذلك غاية عظمى، إذ أن محبة الله "هي المنزلة التي فيها تنافس المتنافسون، وإليها شخص العاملون، وإلى عَلَمها شمر السابقون، وعليها تفانى المحبون، وبروح نسيمها ترّوح العابدون، فهي قوت القلوب، وغذاء الأرواح، وقرة العيون، وهي الحياة التي من حرمها فهو من جملة الأموات، والنور الذي من فقده فهو في بحار الظلمات، والشفاء الذي من عدمه حلت بقلبه جميع الأسقام، واللذة التي من لم يظفر بها فعيشه كله هموم وآلام"[26].
والمقابل على الضد من ذلك "فهو عن الخير صاد، وللعقل مضاد؛ لأنه يُنتج من الأخلاق قبائحها، ويظهر من الأفعال فضائحها، ويجعل ستر المروءة مهتوكاً، ومدخل الشر مسلوكاً"[27].
المبحث الثاني: الإقناع العقلي والحجة العلمية:
الهوى يهوي بصاحبه، والعقل -بإذن الله- يعصمه، والعقلاء يحكمون عقولهم في أهوائهم، وهذا تصرف الرجال، فقد يُحب القلب فعلاً معيناً، وتهوى النفس سلوكاً محدداً؛ فيعترض العقل بالنظر في البواعث، والتأمل في العواقب؛ فيكبح جماح الهوى؛ إذ أنه "لما كان الهوى غالباً، إلى سبيل المهالك مورداً، جعل العقل رقيباً مجاهداً، يلاحظ عثرة غفلته، ويدفع بادرة سطوته، ويدفع خداع حيلته؛ لأن سلطان الهوى قوي، ومدخل مكره خفي"[28].
"وإذا كانت الدولة للعقل سالمهُ الهوى، وكان من خدمه وأتباعه، كما أن الدولة إذا كانت للهوى، صار العقل أسيراً في يديه، محكوماً عليه"[29].
وما مثل الهوى إلا كسبع في عنقه سلسلة؛ فإن استوثق منه ضابطه كفه، وربما لاحت له شهواته الغالبة عليه، فلم تقاومها السلسلة فأفلت، على أن من الناس من يكف هواه بسلسلة، ومنهم من يكفه بخيط"[30].
وربما لا تكون هناك محبة ولا ميل في النفس ابتداء، ولكن الحجة والبرهان يحصل بها قناعة العقل، التي تزين الفعل أو الرأي للنفس، وتحببه إلى القلب؛ فالقناعة لها تأثيرها الذي لا ينكر في دفع الإنسان لاتخاذ الموافق والآراء، وممارسة الأفعال، أو الامتناع من ذلك، وتلك مزية العقل الراشد، الذي هو من أهم البواعث، "فلا يسمي عاقلاً إلا من عرف الخير فطلبه، والشر فتركه، ومن فعل ما يعلم أنه يضره، فمثل هذا ماله عقل"[31].
والمحبة والعقل إن اتفقا عظم الأثر، وان اختلفا فمالت المحبة لما حكم العقل بفساده؛ فمآل الأمر إلى غلبة أحدهما بقوته، وتمكنه، فقد يقرر العقل ضرر الفعل، لكنه يضعف ويغلبه الهوى بباعث حب اللذة، وقوة الشهوة "وهذا من الجهل الذي هو عمل بخلاف العلم؛ حتى يقدم المرء على فعل ما يعلم أنه يضره، وترك ما يعلم أنه ينفعه؛ لما في نفسه من البغض والمعاداة لأشخاص وأفعال، وهو في هذه الحال ليس عديم العلم والتصديق بالكلية، لكنه لما في نفسه من بغض وحسد، غلب موجب ذلك الموجب، والنتيجة لا توجد عنه وحده، بل عنه وعما في النفس، من حب ما ينفعها وبغض ما يضرها، فإذا حصل لها مرض ففسدت به أحبت ما يضرها، وأبغضت ما ينفعها؛ فتصير النفس كالمريض الذي يتناول ما يضره لشهوة نفسه له، مع علمه أنه يضره"[32].
و"مطلق الهوى يدعو إلى اللذة الحاضرة، من غير فكر في عاقبة، ويحث على الميل للشهوات عاجلاً، وإن كانت سبباً للألم والأذى في العاجل، ومنع اللذات في الآجل"[33].
وهذا يوضح أثر العقل، وقناعته في توجيه الآراء والسلوكيات، مع عدم إهمال أثر القلب وعاطفته؛ إذ قد توافق فيقوى التأثير ويتمكن، أو تخالف فتكون هناك المغالبة ثم الغلبة.
المبحث الثالث: القدوة الحية والنموذج المتحرك:
لا يخفى أبداً أثر القدوة فهي الصورة الحية للفكرة، والتطبيق العلمي للدعوة، والتوضيح الجلي للحجة، ولا شك أنها من أعظم أسباب بذر المحبة في القلوب، ووجود القناعة في العقول، "وكثير من المدعوين ينتفعون بالسيرة، ولا سيما العامة، وأرباب العلوم القاصرة؛ فإنهم ينتفعون من السيرة والأخلاق الفاضلة، والأعمال الصالحة، ما لا ينتفعون من الأقوال التي قد لا يفهمونها"[34].
والعكس صحيح، فلو وجدت المحبة، وأقيمت الحجة، وبذلت الدعوة، كان لتخلف القدوة ووجود ما يعارض مقتضى الدعوة أثره في ضعف التأثير، ونقص المحبة، وزعزعة القناعة، ومعلوم "أن التأسي بالأفعال - بالنسبة لمن يعظّم في الناس- سرٌ مبثوث في طباع البشر، لا يقدرون عن الانفكاك عنه بوجه ولا بحال، ولا سيما عند الاعتياد والتكرار"[35].
ورحم الله ابن القيم حيث أبدع في بيان عكس هذه الحقيقة، عندما قال: "علماء السوء جلسوا على باب الجنة، يدعون إليها الناس بأقوالهم، ويدعونهم إلى النار بأفعالهم؛ فكلما قالت أقوالهم للناس: هلموا، قالت أفعالهم: لا تسمعوا منهم، فلو كان ما دعوا إليه حقاً كانوا أول المستجيبين له؛ فهم في الصورة أدلاء، وفي الحقيقة قطاع الطريق". ولله در هرم بن حيان حيث حذر من العالم الفاسق؛ فكتب إليه عمر -رضي الله عنه- يسأله عن مراده؛ فقال: "يكون إمام يتكلم بالعلم، ويعمل بالفسق، ويشبه على الناس؛ فيضلوا"[36].
وفي كثير من الأحيان تكون القدوة الحسنة مغنية عن كثير من أساليب الترغيب والتشويق، وأسباب تحصيل المحبة، وكذلك تعفي من الاستكثار من الاستدلال، وإقامة الحجة والمناظرة والجدال؛ إذ يتحقق من خلال القدوة الكثير من ذلك بشكل تلقائي، وبصورة أعمق وأثبت، حيث أن القدوة "تساعد على تكوين الحافز في المتربي، دونما توجيه خارجي"[37]
لأن "المثال الحي المرتقي في درجات الكمال، يثير في نفس البصير العاقل قدراً كبيراً من الاستحسان والإعجاب، والتقرير والمحبة، ومع هذه الأمور تتهيج دوافع الغيرة المحمودة، والمنافسة الشريفة"[38].
فيحصل التأثر والاقتداء، وتكون الاستجابة قوية، وهي في الوقت نفسه سهلة وتلقائية، "حتى إذا أحببت الاقتداء به من غير سؤال، أغناك من السؤال في كثير من الأعمال"[39].
ولله در ابن القيم حيث قال: "إن الناس قد أحسنوا القول؛ فمن وافق قوله فعله فذاك الذي أصاب حظه، ومن خالف قوله فعله فذاك إنما يوبِّخ نفسه"[40].
وبهذا تتكامل عناصر التأثير؛ فإذا اجتمع مع محبة الفعل اقتناع العقل بثمرته وفائدته، وأضيف إليهما قدوة يتمثل فيهما الفعل؛ فإن التأثير يكون قد بلغ مبلغه .
ولا بد من التأكيد على أهمية عنصر القدوة، وخطورة انعدامه، حيث "يستطيع الإنسان أن يكون عالماً جهبذاً في الكيمياء، أو العلوم، أو الطب، أو الهندسة، أو غير ذلك من العلوم، التي أمرنا الله بتعلمها لتعمر الدنيا، ولكن هذه العلوم لا تتطلب منا قيداً سلوكياً؛ فقد تكون عالماً في أي فرع من هذه العلوم، وسلوكك تبعاً لهواك، ولكن هذا لا يفسد الحقيقة أنك عالم في علمك؛ لأن النبوغ لا يضع قيداً على الأخلاق، إلا علم الدين؛ فإنك إن كنت من علمائه أو الداعين إليه، أو المتدينين المخلصين، لا بد أن تكون قدوة حسنة لما تدعو إليه، وإلا ما استمع إليك أحد"[41].
ولله در القائل:
لا تنه عن خلق وتأتي مثله***عار عليك إذا فعلت عظيم
وحسب المسلم قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف:3،2].


[1]معجم مقاييس اللغة: (5/43).

[2]لسان العرب: (12/497).

[3]القاموس المحيط: (4/168).

[4]المحكم لابن سيده: (6/366).

[5]لسان العرب: (12/499).

[6]لسان العرب: (12/502).

[7]مجموع فتاوى ابن تيمية (15/157).

[8]المدخل إلى علم الدعوة ص17.

[9]تفسير الطبري (11/53).

[10]معجم مقاييس اللغة (5/390).

[11]لسان العرب (2/612،611)، الصحاح (1/409)، القاموس المحيط (1/251).

[12]أخرجه البخاري كتاب الطب، باب: من كوى أو كوى غيره (10/155)، ومسلم في كتاب الإيمان ،باب: الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة بغير حساب (1/199).

[13]أخرجه البخاري في كتاب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، باب: مناقب علي بن أبي طالب، الفتح (7/70) ومسلم في كتاب فضائل الصحابة، باب: فضائل علي بن أبي طالب (النووي) (15/178).

[14]أخرجه مسلم في كتاب العلم،باب :من سن سنة حسنة أو سيئة (النووي 16/227).


[15]مجموع فتاوى ابن باز(1/392).

[16]مجموع فتاوى ابن باز (1/392).

[17]أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة والآداب، باب : النهي عن قول هلك الناس ، (النووي 16/17).


[18]روضة المحبين (ص:19-21).

[19]مجموع فتاوى ابن تيمية (7/541).

[20]روضة المحبين (ص :69).

[21]جامع الرسائل والمسائل (2/193).

[22]روضة المحبين (ص/156،155).

[23] تهذيب مدارج السالكين (ص:525).

[24]جامع الرسائل والمسائل (2/218).

[25] المصدر السابق (2/235).

[26]تهذيب مدارج السالكين (ص/509).

[27]أدب الدنيا والدين (ص: 33).

[28]أدب الدنيا والدين (ص:35).

[29]روضة المحبين (ص:10).

[30]صيد الخاطر(ص:164).

[31]مجموع فتاوى ابن تيمية (7/24).

[32]مجموع فتاوى ابن تيمية (7/540).

[33]ذم الهوى (ص: 13،12).

[34]مجموع فتاوى ابن باز (3/110).

[35]الموافقات (4/248-249).

[36]نزهة الفضلاء (1/329،328).

[37]القدوة مبادئ ونماذج (ص :11).

[38]القدوة مبادئ ونماذج (ص:8 ).

[39]الموفقات (4/271،270).

[40] الفوائد (ص:192).

[41]الدعوة قواعد وأصول (ص:111).
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 17-08-2019, 11:23 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مقومات الداعية الناجح د. علي بن عمر بادحدح

مقومات الداعية الناجح (2-5)
د.علي بن عمر بادحدح

(الحلقة الثانية)
الفصل الثالث: مقومات النجاح في تكوين الداعية:
في هذا الفصل أسلط الضوء على المقومات الشخصية اللازمة في تكوين الداعية؛ ليتأهل للنجاح في دعوته؛ فالمقصود هو بيان ما يلزم الداعية أن يتحقق به في ذات نفسه، وأن يوجده ويكمله في سماته وصفاته، كأساس لا بد منه قبل أي مقومات خارجية تتصل بالمدعوين، أو بيئة الدعوة أو موضوعاتها.
وإن هذه المقومات كثيرة ويمكن أن يطول الحديث في سردها وعرضها، وتكون بمثابة استعراض لواجبات وآداب الإسلام، مما يفقدنا معرفة الأولويات، والأهمية الكامنة في بعض المقومات؛ ولذا اجتهدت بعد التأمل والتفكير، أن أسلط الضوء على أربعة مقومات، هي الأكثر أهمية وشمولية، ويندرج تحتها كثير من الصفات الأخرى.
المبحث الأول: التميز الإيماني والتفوق الروحاني:
إن التميز في مجال الإيمان عقيدةً صحيحةً، ومعرفةً جازمةً، وتأثيراً قوياً يعد-بلا نزاع- أهم المقومات، وأولى الأولويات بالنسبة للداعية؛ لكي يكون الداعية عظيم الإيمان بالله، شديد الخوف منه، صادق التوكل عليه، دائم المراقبة له، كثير الإنابة إليه، لسانه رطب بذكر الله، وعقله مفكر في ملكوت الله، وقلبه مستحضر للقاء الله، مجتهد في الطاعات، مسابق إلى الخيرات، صوام بالنهار قوّام بالليل، مع تحري الإخلاص التام، وحسن الظن بالله، وهذا هو عنوان الفلاح، وسمت الصلاح، ومفتاح النجاح؛ إذ هو تحقيق لمعنى العبودية الخالصة لله، وهي التي تجلب التوفيق من الله، فإذا بالداعية مسدد، إن عمل أجاد، وإن حكم أصاب، وإن تكلم أفاد .
وهذا الباب واسع الجوانب متعدد المستلزمات، وحسبي أن أبرز أهم هذه الجوانب:
أولاً: عظمة الإيمان بالله:
أساس كل أمر هو تجريد التوحيد، والبعد عن الشرك، ولا بد أن يكون الداعية صحيح الإيمان، خالص التوحيد، عنده من العلم ما يعرِّفه بالله وربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، وأن تستقر هذه المعرفة في سويداء قلبه، وتملك عليه أقطار نفسه، وتجري مع الدماء في عروقه، وأن ينعكس ذلك على سائر أحواله فتنضبط به أفكاره وآراؤه، وتُحكم به كلماته وألفاظه، وتُقوَّم به أفعاله وأعماله، ويجمع ابن القيم هذا المعنى في عبارة أشمل وأعمق، حيث يقول في بيان المراد أنه (التزام عبوديته من الذل والخضوع والإنابة، وامتثال أمر سيده، واجتناب نهيه، ودوام الافتقار إليه، واللجوء إليه، والاستعانة به، والتوكل عليه، وعياذ العبد به ولياذه به، وألا يتعلق قلبه بغيره محبة وخوفاً ورجاء، وفيه أيضاً أنه عبد من جميع الوجوه: صغيراً وكبيراً، حياً وميتاً، مطيعاً وعاصياً، معافى ومبتلى، بالروح والقلب واللسان والجوارح.
وفيه أيضاً: أن مالي ونفسي ملك لك؛ فإن العبد وما يملك لسيده، وفيه أيضاً: أنك أنت الذي مننت علي بكل ما أنا فيه من نعمة؛ فذلك كله من إنعامك على عبدك، وفيه أيضاً: أني لا أتصرف فيما خولتني من مالي ونفسي إلا بأمرك، كما لا يتصرف العبد إلا بإذن سيده، وإني لا أملك لنفسي ضراً ولا نفعاً، ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً، فإن صح له شهود ذلك، فقد قال: إني عبدك حقيقة)[1].
ولا يتصور للداعية نجاح وتوفيق، أو تميز وقبول دون أن يكون حظه من الإيمان عظيماً (إذ كيف تدعو الناس إلى أحد، و صلاتك به واهية، ومعرفتك به قليلة)[2].
وهذه الغاية العظمى تتصل أكثر شيء بأعمال القلوب، التي تخفى على الناس، ولا يعلمها إلا علام الغيوب، إلا أن آثار ذلك تظهر بوضوح في الأقوال والأفعال؛ فإن (عكوف القلب على الله تعالى، وجمعيته عليه، والخلوة به، والانقطاع عن الاشتغال بالخلق، والاشتغال به وحده سبحانه، بحيث يصير ذكره وحبه، والإقبال عليه في محل هموم القلب وخطراته؛ فيستولي عليه بدلها، ويصير الهم كله به، والخطرات كلها بذكره، والتفكر في تحصيل مراضيه وما يقرب منه؛ فيصير أنسه بالله بدلاً عن أنسه بالخلق؛ فيعده بذلك لأنسه به يوم الوحشة في القبور، حين لا أنيس له، ولا ما يفرح به سواه)[3].
كل ذلك ينعكس على الداعية؛ فتظهر على شخصيته آثار الإيمان الصحيح المتحرك، ومن أبرزها:
1- التحرر من عبودية غير الله:
الإيمان قوة عظمى، يستعلي بها المؤمن على كل قوى الأرض، وكل شهوات الدنيا، ويصبح حراً لا سلطان لأحد عليه إلا لله، فلا يخاف إلا الله، ولا يذل إلا لله، ولا يطلب إلا من الله، ولا يأمل إلا من الله، ولا يتوكل إلا على الله، وللإيمان تأثير كبير في أعظم أمرين يسيطران على حياة البشر، وهما: الخوف على الرزق، والخوف على الحياة .
أما الأول: فلا يخفى كم أذل الحرص أعناق الرجال، وكم شغل الناس حبُّ المال، وكم باع أناس مبادئهم، وخانوا أمتهم، وتنكروا لماضيهم؛ لما ذهب الذَّهب بأبصارهم وسبى قلوبهم، أما المؤمن فحقائق الإيمان تملؤ قلبه؛ فلا يتأثر بشيء من هذا؛ لأن في قلبه قول الحق جل وعلا {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} [الذاريات:22] ولأنه يعلم من بيده الرزق { فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [العنكبوت:17] وأنه لا يملك أحد من البشر من ذلك شيئاً، {إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا} [العنكبوت:17].
وفوق ذلك يعلم حقيقة الرزق في الدنيا، وقيمته المحدودة، ويرتبط بقوله تعالى: {وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى}[طه:131] وقوله: {إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ}[ص:54].
وحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم: "لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة، ما سقى كافراً منها شربة ماء"[4].
ومن هذه المنطلقات الإيمانية قال الشافعي -رحمه الله-:
أنا إن عشت لست أعدم قوتاً....وإذا مت لست أعدم قبراً
همتي همـة الملوك ونفسي.... نفس حر ترى المذلة قهراً
وأما الثاني: فيقين المؤمن أن الموت والحياة بيد الله، وأنه لا ينجي حذر من قدر، وأن الأمة لو اجتمعت على أن يضروه بشيء، لم يضروه إلا بشيء قد كتبه الله عليه، وأن الموت ليس بالإقدام، وأن السلامة ليست بالإحجام، بل كما قال تعالى: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ}[النساء: 78].
ومن هنا يتميز المؤمن عن غيره، فبينما ترتجف القلوب، وتنسكب الدموع، وتعلو التوسلات، وتقدَّم التنازلات، حرصاً على الحياة، نجد المؤمن كالطود الشامخ، يهتف مع خبيب بن عدي قائلاً:
ولست أبالي حين أقتل مسلماً.....على أي جنب كان في الله مصرعي
ويتذكر قول علي بن أبي طالب –رضي الله عنه-:
أي يوميَّ من الموت أفر؟.... يوم لا يقـدر أو يوم قُـدر
يوم لا يقـدر لا أرهبـه.... ومن المقدور لا ينجو الحذر
ويتذكر المؤمن حال أنس بن النضر يوم شمَّ رائحة الجنة في أحُد، فمضى في شوق إلى عناق الموت، ويدرك عمق إيمان عمير بن الحمام، عندما استطال -لأجل أكل تمرات- هذه الحياة، ويقف على سرّ الإيمان العظيم، عندما يهتف الشهيد قائلاً: فزت ورب الكعبة، ولا ينسى خبر سحرة فرعون؛ لما آمنوا وهدَّودا بالموت، هتفوا قائلين: { فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [طه: 72].
2- الخشية من الله:
وهي من أعظم آثار الإيمان، وأبرز أوصاف المؤمنين، {الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ}[الأنبياء:49]، {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ} [الأحزاب: 39].
وقدوتهم في ذلك النبي صلى الله عليه وسلم حيث يقول: "إني لأخشاكم لله وأتقاكم له"[5]، (والخشية أخص من الخوف؛ فهي مقرونة بمعرفة)[6].
وعندما تعمر الخشية والخوف قلب الداعية المؤمن، يتميز عن الغافلين والعابثين؛ لأن الخوف يحول بين صاحبه وبين محارم الله، فقهُ ذلك أنطق إبراهيم بن سفيان بالحكمة فقال: "إذا سكن الخوف القلوب أحرق مواضع الشهوات منها، وطرد الدنيا عنها"[7]. وقال الفضيل بن عياض : "من خاف الله لم يضره أحد، ومن خاف غير الله لم ينفعه أحد"[8]. وهذه الخشية دافعة للطاعة (وما استعان عبد على دينه بمثل الخشية من الله)[9].
والداعية له رتبة عليا من الإيمان (تجعل خشيته لله أسرع إلى فؤاده من أي رهبة تخامر نفسه أمام ذي سلطان)[10].
والخشية أساس مراقبة الله، ترقي بالمؤمن إلى درجة الإحسان، وأن يعبد الله كأنه يراه فإن لم يكن يراه فإنه يراه .
ثانياً: الإخلاص لله:
(الإخلاص لله روح الدين ولباب العبادة، وأساس أي داع إلى الله)[11], وهو (في حقيقته قوة إيمانية، وصراع نفسي، يدفع صاحبه -بعد جذب وشد- إلى أن يتجرد من المصالح الشخصية، وأن يترفع عن الغايات الذاتية، وأن يقصد من عمله وجه الله، لا يبغي من ورائه جزاءً ولا شكوراً)[12]، فالمخلصون (أعمالهم كلها لله، وأقوالهم لله، وعطاؤهم لله، ومنعهم لله، وحبهم لله، وبغضهم لله، فمعاملتهم ظاهراً وباطناً لوجه الله وحده)[13].
والإخلاص للداعية ألزم له من كل أحد، وأهميته تفوق كل أمر، وهو استجابة لأمر الله {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}[البينة:5]، وفي تركه خوف من الحرمان برد الأعمال ومنع التوفيق؛ لأن الله جل وعلا قال في الحديث القدسي: "أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه"[14]. وفيه وقاية من عذاب الآخرة الذي توعد به الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم من عمل بلا إخلاص، عندما ذكر أول ثلاثة تسعّر بهم النار، وهم قارئ وغني ومجاهد، لم يقصدوا بأعمالهم وجه الله[15].
فلا بد والأمر كذلك من تحري الإخلاص، والحذر مما يضاده؛ فإنه (لا يجتمع الإخلاص في القلب، ومحبة المدح والثناء والطمع فيما عند الناس، إلا كما يجتمع الماء والنار والضب والحوت)[16].
(والمفروض أن الداعية العارف بالله قد بلغ من منازل الإيمان، منزلة تجعل رجاءه في الله وحده، يسبق كل رغبة إلى مخلوق)[17].
والإخلاص يجعل للكلمات حيوية مؤثرة، وللدعوة قولاً سريعاً.
ثالثاً: حسن الصلة بالله:
والمقصود بها إقامة الفرائض، والاستكثار من النوافل، والاشتغال بالأذكار، والمداومة على الاستغفار، وكثرة التلاوة القرآنية، والحرص على المناجاة الربانية، وغير ذلك من القربات والطاعات؛ لأن العبادة زاد يتقوى به الداعية؛ فالصلاة صلة بينه وبين مولاه، ولا مناص من تميزه في حرصه عليها، وتبكيره إليها، وخشوعه فيها، وتطويله لها، وشهودها مع الجماعة، وله في ذلك قدوات سالفة؛ فسعيد بن المسيب (ما فاتته الصلاة في الجماعة أربعين سنة)[18]، (والربيع بن خثيم كان يقاد إلى الصلاة وبه الفالج، فلما روجع في ذلك قال: إني أسمع [حي على الصلاة] فإن استطعتم أن تأتوها ولو حبواً)[19].
ولست أدري كيف يكون داعية من يتخلف عن الصلوات في الجماعات، سيما في الفجر والعصر، مع ما ورد في أدائهما خصوصاً من تعظيم الأجر، وما جاء في فواتهما من التحذير من الإثم والوزر، وقد ترخص كثيرون في ذلك؛ فلا يهمهم التبكير، ولا يعنيهم إدراك التكبير، ولست أدري ما يقول هؤلاء إذا سمعوا مقالة إبراهيم بن زيد التيمي: "إذا رأيت الرجل يتهاون في التكبيرة الأولى؛ فاغسل يدك منه"[20].
وبماذا يعلقون إذا علموا أن سعيد بن عبد العزيز التنوخي (كان إذا فاتته صلاة الجماعة بكى)[21].
والحقيقة أن الأمر في هذا يطول، والتفريط فيه من بعض الدعاة كثير وخطير، ونصوص الكتاب والسنة أشهر من أن تذكر.
والذكر عظيم المنزلة فهو (منشور الولاية، الذي من أعطية اتصل، ومن منعه عُزل، وهو قوت قلوب القوم، الذي متى فارقها صارت الأجسام لها قبوراً، وعمارة ديارهم التي إذا تعطلت عنه صارت بوراً، وهو سلاحهم الذي يقاتلون به قطاع الطريق، وماؤهم الذي يطفئون به التهاب الحريق، ودواء أسقامهم الذي متى فارقهم انتكست منه القلوب)[22].
والذكر هو العبادة المطلوبة بلا حد يُنتهي إليه { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا} [الأحزاب:41]، وبلا وقت تختص به { وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى} [طه:130].
وبلا حال تستثني منه {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ}[آل عمران: 91]، والذاكرون هم السابقون، إشارة إلى حديث أبو هريرة : "سبق المفردون، قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: الذاكرون الله كثيراً والذاكرات"[23].
في رياض الجنة يرتعون، إشارة إلى حديث أنس بن مالك: "إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا، قالوا: وما رياض الجنة؟ قال: حلق الذكر"[24].
وبوصية المصطفى صلى الله عليه وسلم يعلمون (إشارة إلى حديث عبد الله بن بشر، أن رجلاً قال: "يا رسول الله! إن شرائع الإسلام قد كثرت علي؛ فأخبرني بشيء أتشبث به؟ قال: "لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله"[25].
وبمباهاة الملائكة يسعدون (إشارة إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم لمن جلسوا يذكرون الله، حيث قال: "ولكنه أتاني جبريل، وأخبرني أنَّ الله عز وجل يباهي بكم الملائكة"[26].
والاستغفار من أعظم الأذكار، وكان المصطفى عليه الصلاة السلام يستغفر في اليوم والليلة سبعين مرة[27]
وأخبر أمته أن (من لزم الاستغفار، جعل الله له من كل ضيق مخرجاً، ومن كل هم فرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب)[28].
ولذا فلا بد للداعية من الأذكار؛ ليحيي الله قلبه، ولا بد له من الاستغفار؛ ليمحو الله ذنبه .
وأعظم الذكر تلاوة القرآن، التي هي من أقوى الصلات بالله، التي يحتاجها الدعاة، ولها أثرها في واقع الدعوة والحياة.
(ومن الصلة بالله إعزاز كتابه، وإدمان تلاوته وتدبر معانيه، وعقد مقارنة مستمرة بين المثل التي يحدو العالم إليها، والواقع الذي ثوى الناس فيه؛ لتكون هذه المقارنة حافزاً على تذكير الناس بالحق، وقيادتهم إلى الله، وتأهيلهم.
وقرب الداعية من كتاب الله، يجب أن يكون متعة لروحه، وسكناً لفؤاده، وشعاعاً لعقله، ووقوداً لحركته ومرقاة لدرجته)[29].
والصلة بالقرآن موجبة للتميز، كما قال ابن مسعود -رضي الله عنه-ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذا الناس نائمون، وبنهاره إذا الناس مفطرون، وبحزنه إذا الناس يفرحون، وببكائه إذا الناس يضحكون، وبصمته إذا الناس يخوضون، وبخشوعه إذا الناس يختالون، وينبغي لحامل القرآن أن يكون باكياً محزوناً، حكيماً حليماً سكيناً، ولا ينبغي لحامل القرآن أن يكون جافياً ولا غافلاً، ولا سخاباً ولا صياحاً، ولا حديداً)[30].
والخلاصة: أن التميز الإيماني من أعظم أسباب نجاح الداعية؛ إذ ليس النجاح بفصاحة اللسان، ولا قوة البرهان، ولا كثرة الأعوان، بل هو مع ذلك وقبل ذلك بتوفيق الله، الذي يخص به أولياءه، ولا شك (أن الدعاة الذين يكرسون أوقاتهم لله؛ لدفع الناس إلى سبيله، لا بد أن يكون شعورهم بالله أعمق، وارتباطهم به أوثق، وشغلهم به أدوم، ورقابتهم له أوضح)[31].
ونحن نريد روحانية إيجابية، لا انعزالية ترتكز على العبادات والأوراد، بعيداً عن التفاعل مع الحياة، وما فيها من هموم ومعاناة، نريد (روحانية إيجابية، تحفزه للتضحية، وتستهدف الشهادة، وتعمق الحاجة إلى رضا الله؛ لتغدو هاجساً يومياً، يلاحق كل مواطن رضاه، في عملية تدقيق ومعاناة، تجعله يعيش مع عقيدته في أفكاره ومشاعره، وفي علاقاته ومطامحه؛ فتتحول في داخل ذاته إلى هم يومي متحرك، يراقب الأشياء من خلاله، ويحدد موفقه منها على أساسه)[32].
وهناك تقصير ظاهر لدى بعض الدعاة والجماعات الإسلامية في العناية بهذا الجانب المهم، وكثيراً ما يكون ذلك بسبب تضخم العناية بالجوانب الفكرية والسياسية وغيرها، ولذا صار يرى بعض من ينتسبون إلى الدعوة وهم مقصرون في معرفتهم وصلتهم بالله.

[1]الفوائد (ص:35،34).

[2]مع الله (ص: 188) .

[3]زاد المعاد (2/87).

[4]أخرجه الترمذي كتاب الزهد، باب ما جاء في هوان الدنيا على الله ، حديث رقم (2320).

[5]أخرجه البخاري في كتاب النكاح ، كتاب الترغيب للنكاح (الفتح :9/104).

[6]تهذيب مدارج السالكين (ص:269).

[7] تهذيب مدارج السالكين (ص:270).

[8] نزهة الفضلاء (2/661).

[9]نزهة الفضلاء (1/513).

[10]مع الله (ص:190).

[11]مع الله (ص:201).

[12]صفات الداعية النفسية (ص:12).

[13]تهذيب مدارج السالكين (ص: 68).

[14]أخرجه مسلم ، كتاب الزهد ، باب الرياء (النووي)(18/115).

[15]أخرجه مسلم، كتاب الإمارة، باب من قاتل للرياء والسمعة واستحق النار (عبد الباقي)(3/1514،1513).

[16]الفوائد (ص:195).

[17]مع الله (ص:190).

[18]نزهة الفضلاء (1/370).

[19]نزهة الفضلاء (1/381).

[20]نزهة الفضلاء (1/468).

[21]نزهة الفضلاء (2/611).

[22]تهذيب مدارج السالكين (ص:463).

[23]أخرجه مسلم، في كتاب الذكر والدعاء ، باب الحث على ذكر الله تعالى (النووي)(17/4).

[24]أخرجه الترمذي ، وقال حديث حسن غريب . (انظر الترغيب والترهيب 2/ 408،407).

[25]رواه الترمذي وقال حديث حسن غريب (انظر الترغيب والترهيب 2/394).

[26]أخرجه مسلم، في كتاب الذكر، باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن والذكر (النووي)(17/23).

[27]أخرجه البخاري في كتاب الدعوات ، باب استغفار النبي صلى الله عليه وسلم في اليوم والليلة (الفتح11/101).

[28]أخرجه أبو دواد في كتاب الصلاة ، باب الاستغفار (1518)(2/178).

[29]مع الله (ص:191).

[30] الفوائد (ص:192) .

[31]مع الله (ص:190).

[32]الحركة الإسلامية هموم وقضايا (ص: 14) .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 99.58 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 97.19 كيلو بايت... تم توفير 2.39 كيلو بايت...بمعدل (2.40%)]