تأملات في سورة النازعات - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         الاكتفاء بسماع أذكار الصباح والمساء عند قولها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          الفرق بين صلاة التراويح وصلاة القيام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          قراءة القرآن بصوت مرتفع في المسجد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          الفرصة الأخيرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          ترزقوا وتنصروا وتجبروا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          لا سمَرَ إلَّا لِمُصَلٍّ ، أوْ مُسافِرٍ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          على أبواب العشر الأواخر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          رمضان شهر الإقبال على مجالس العلم والعبادة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          التغيير الشامل في رمضان .. هل هو ممكن؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          تاريخ غزوة بدر .. الميلاد الثاني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 24-08-2019, 12:18 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,505
الدولة : Egypt
افتراضي تأملات في سورة النازعات

تأملات في سورة النازعات
رياض محمد المسيميري



(وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً * وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطاً * وَالسَّابِحَاتِ سَبْحاً * فَالسَّابِقَاتِ سَبْقاً * فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً * يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ * تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ * قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ * أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ * يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ * أَئِذَا كُنَّا عِظَاماً نَّخِرَةً * قَالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ * فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ * فَإِذَا هُم بِالسَّاهِرَةِ) [سورة النازعات (1-14)].
شرح الغريب:
(وَالنَّازِعَاتِ): جمع نازعة، وهي الملائكة الموكلة بقبض أرواح الكفار.
(غَرْقًا): أي تُسحب روح الكافر نزعاً شديداً.
(وَالنَّاشِطَاتِ): جمع ناشطة، وهي الملائكة الموكلة بقبض أرواح المؤمنين.
ِ(نَشْطًا): أي تُسحب روح المؤمن سحباً هيناً ليناً.
(وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا) قيل: هي الملائكة تنزل من السماء سباحة في الجو.
وقيل: النجوم تسبح في أفلاكها، وقيل: السفن تمخر الماء جيئة وذهاباً.
(فَالسَّابِقَاتِ سَبْقاً): قيل: الملائكة سبقت إلى الإيمان، وقيل: النجوم. وقيل: الخيل، وكلها محتملة.
(فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً): هي الملائكة تدبر ما أُمرت به من شؤون الكون.
(يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ): أي النفخة الأولى.
(تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ): أي النفخة الثانية.
(قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ): أي خائفة أشد الخوف.
(أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ): أي ذليلة من هول الموقف وشدته.
(يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ): أي يقول المشركون إنكاراً للبعث: أإنا لمبعوثون بعد أن صرنا إلى الحافرة وهي القبور؟!.
وقال آخرون: الحافرة: الحياة أي،: أنردُّ إلى الحياة بعد الموت، وبعد أن كنا عظاماً نخرة أي: بالية؟ (قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ): أي لئن أحيانا الله بعد الموت لسوف نكون في خسارة محققة.
(فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ): أي، فأجابهم الله على استبعادهم للحياة بعد الموت بأن بعث العباد كلهم من القبور لا يتطلب سوى صيحة واحدة، وهي نفخة البعث.
(فَإِذَا هُم بِالسَّاهِرَةِ): أي فإذا جميع الخلق حاضرون على الأرض لا يتخلف منهم أحد فالساهرة هي: أرض المحشر.
هداية الآيات:
يقسم الله - تعالى - وهو أصدق القائلين بملائكته وغير ملائكته من مخلوقاته العظيمة لتأكيد قضية البعث التي أنكرها أكثر البشر لفساد فطرهم، وسذاجة عقولهم حيث عجزت عن استيعاب قضية البعث رغم وفرة الأدلة وكثرة الشواهد الحية التي يرونها في الآفاق، وفي أنفسهم تنطق كُلُّها بعظمة الخالق وفائق قدرته على الصنع والتدبير!.
لقد غفل هؤلاء المشركون قديماً وحديثاً عن كلّ هذه الآيات الباهرة فوقعوا في مأزق الإلحاد والوثنية والكفر البواح.
غفلوا عن هذه السماوات العالية، والكواكب المتلألئة، والجبال الشاهقة، والبحار الهائجة المائجة، والصحاري الواسعة، والأنهار الجارية، والحدائق اليانعة، والغابات الباسقة، والأودية السحيقة، والدواب العجيبة!.
غفلوا عن الأرض القاحلة ينزل عليها الغيث فإذا هي حدائق ذات بهجة.
غفلوا عن النطفة الحقيرة تلج الرحم فإذا هو بشر سوي ينطق ويتكلم ويرى ويسمع!.
غفلوا عن ذلك كله فاستبعدوا أن يرجعوا إلى الحياة ثانية بعد أن أصبحوا عظاماً بالية ولحوماً ممزقة!.
ولقد بلغ الإلحاد في هذا الزمان ذروته، رغم ما وصل إليه الإنسان من الاكتشافات الحديثة والاتصالات السريعة بحيث لو أنصف وتأمل لعرف عظمة الخالق وجبروته!.
بيد أنّ شيئاً من ذلك لم يحدث بل لم يزدد إلا صلفاً وغروراً، وأشراً وبطراً!.
ومن قبيح الإلحاد العالمي تلك المساعي الكبيرة، والجهود المتواصلة التي تبذلها الدول والمنظمات والهيئات الدولية لزيادة مساحة الوثنية، ورقعة الإنكار لعقيدة البعث في أنحاء المعمورة!.
وشارك العربُ الحداثيون بالترويج لهذه اللوثة العقلية والنكسة الفكرية وكانوا أصداءً منكرة لفحيح الحداثيين الغربيين المتنكبين لكل خلق سوي، وأدب إنساني!.
لقد كان جواب القرآن لكل تلك الأغلوطات والمغالطات والسخافات والمشاغبات حاسماً ومزلزلاً.
(يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ * تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ) إن جواب القرآن هذه المرة جواب عملي يتمثل في صيحتين متتابعتين تنخلع للأولى قلوب الأحياء، فإذا هم موتى بلا حراك وتنبعث للثانية الأجساد المتمزقة فإذا هم قيام ينظرون!.
في تلك المواقف الأكيدة ترتجف قلوب ملاحدة العالم وفلاسفته ولصوص العقائد ودهاقنة الفكر الخبيث!.
ولقد خشعت منهم الأبصار فذّلت للواحد القهار فما عادت قادرة أن تلتفت أدنى التفاتة من الذل والخوف الذي ملأ الأفئدة وأرعد الأطراف!.
وقد أدرك الجميعُ عاقبةَ العقول المهترئة والأسماع المعرضة عند نداءات الحق، وهتافات الإيمان حين اكتشفوا بعد فوات الأوان، أنّ قضية البعث لم تكن الأبهر أو الأشق في جملة الآيات الباهرات والدلائل المعجزات إذ لم يتطلب حشر الأولين والآخرين في صعيد القيامة المهول سوى: (فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ): فهل يستيقظ النائمون، وينتبه الغافلون؟!
فوائد الآيات:
1- أن الله -تعالى- يقسم بما شاء من مخلوقاته.
2- تعدد وظائف الملائكة فهاهنا ذكر الله الملائكة الموكلة بمساعدة ملك الموت تنزع أرواح الكفار نزعاً.
3- شدة ما يلقاه الكافر عند نزع روحه من ألم وغصص وهو عاجل بشراه بما يسوؤه.
4- سهولة ما يلقاه المؤمن عند خروج روحه تخفيفاً من ربه ورحمة وهو عاجل بشراه بما يسره.
5- إثبات النفختين (الصيحتين) نفخة الصعق، ونفخة البعث.
6- ضعف العباد وقلة حيلتهم، وأنهم محكومون بأمر الله الكوني لا يخرجون عنه قيد أنملة ولا يدفعون عن أنفسهم مثقال ذرة.
7- ذلُّ مقام المشركين وسوء حالهم يوم القيامة حيث ترتجف منهم القلوب وتخشع الأبصار وتنكسر.
وفي هذا إشارة إلى أنّ عذاب المشركين في الآخرة شامل للعذاب الحسي والمعنوي في آن وحد.
8- الإشارة إلى تفاهة حجة المشركين في إنكار البعث وأنّ باعثها سوء الظن بالله ونسبة العجز إليه حيث استبعدوا إحياء العظام البالية!!
9- إقرار المشركين بتأكد خسارتهم فيما لو تحقق بعثهم، (قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ): لقبح أفعالهم وسوء طويتهم.
10- بيان عظمة قدرة الخالق - سبحانه - حين يجمع الخلائق كلهم بزجرة واحدة فلا يتخلف منهم أحد.
(لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً *وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً) مريم95-96.
(هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى * إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى * اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى* وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى * فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى * فَكَذَّبَ وَعَصَى * ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى * فَحَشَرَ فَنَادَى * فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى * فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَى).
شرح الغريب:
(بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى) أي: الواد المطهر " طوى" وهو اسم الوادي.
(فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى): أي هل لك أن تجيب إلى طريق ومسلك تحصل به زكاتك أي طهارتك وهي طريق الإيمان بالرسالة وتصديقها.
(وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى): أي أدلك إلى عبادة ربك فتخشاه وتخضع له فتأتمر بأمره وتنزجر بزجره.
(فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى): هي العصا التي تصير بقدرة الله حية تسعى متى أراد موسى علامة على صدقه وصحة رسالته.
(فَكَذَّبَ وَعَصَى): أي: كذب فرعون بالآية وبالرسالة، وجحد نبوة موسى.
(ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى): انطلق مدبراً بسرعة!
(فَحَشَرَ فَنَادَى * فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى) أي: جمع الناس ونادى بصوت مسموع معلناً إلحاده وإنكاره الربوبية، والإلهية عن الله، وجهر بكل صلف وغرور بأنه هو الرب الأعلى.
(فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى): نكال مصدر: نكل ينكل نكالاً أي نكلّ الله به نكالاً معجلاً في الدنيا حين أغرقه ونكالاً مؤجلاً في الآخرة كما توعده (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ) غافر46.
هداية الآيات:
في هذه الآيات المباركات يقصُّ الله - تعالى -على نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - خبر نبي بني إسرائيل موسى الكليم- عليه السلام - وما جرى له مع طاغية الدنيا، وصنديد الزمان فرعون قبحه الله وأخزاه، الذي كان آية في الطغيان والعناد، والبغي والفساد، وقد استخف قومه فنصّب نفسه إلهاً فأطاعوه، وأذعنوا له فأوردهم النار وبئس الورد المورود.
لقد قدم موسى على فرعون بأدب الداعية المشفق، ومنطق الناصح الأمين أملاً في تخليصه من غروره المتجاوز كلّ حدّ، وهدايته الطريق الوحيد المنجي من عذاب الله وأليم سخطه.
فكم كان موسى رقيقاً في دعوته، لينا في مقالته بيد أنّ الطغاة في كل زمان تأخذهم العزة بالإثم دائماً ويقابلون دعاة الحق بالجحود والتحدي،، والبغي والاستطالة!!.
ومهما كان لدى الداعية من الحجج الظاهرة، والبراهين الواضحة، فإن ثمة حُجبٍ من الشك والارتياب تحول بين الطواغيت والاستجابة، بل حتى لو كانت الحجة عصا صماء تتقلب حية فاغرة الفم والأنياب ما دام الإصرار على الرفض والإعراض راسخاً في هاجس الطاغية وأعماق ضميره البائس!.
إنَّ عرض القرآن الكريم لقصة موسى - عليه السلام - مع فرعون اللئيم في مواضع عدة من الكتاب لتكون درساً بل دروساً لحملة الحق حين يواجهون نماذج متنوعة من الفراعنة ممّن تنكبوا الصراط، وعلا قلوبهم الران، واستولى عليهم الكفر والفجور والإلحاد!.
ولابد أن يدرك كلُّ داعية أنّ استجابة المعاندين غير مضمونة الحصول بل ربما قابلوا دعوته بالسخرية والاستهزاء، والتحدي والمقاومة، وربما البطش والتنكيل فلا تلين له قناة، ولا يتزعزع له مبدأ بل يظل صامداً رابط الجأش، ثابت القدمين حتى الرمق الأخير!.
وليتذكر أنّ مسؤوليته لا تتجاوز التبليغ، وتقديم الحق خالصاً من كل شائبة، وأما ما فوق ذلك من الإيمان والتصديق والقبول، والاقتناع فتلك أمور لا يسأل عنها أحد.
(تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ).
والمقصود أنّ فرعون أصرّ على عناده، وتمادى في طغيانه، وجاهر في إلحاده وأعلن أنه الرب الأعلى، والإله الأوحد: (فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى).
(وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحاً لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ) القصص38.
فكانت العقوبة سريعة، والانتقام شديداً (فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى)، فجمع الله له عذابي الدنيا والآخرة، فكانت الأجساد للغرق والأرواح للحرق، (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ) غافر: 46.
لقد أطبق عليه البحر من كلّ جانب فأسقط في يديه وفي لحظة ضعف جاءت متأخرة جداً أعلن إيمانه (حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) يونس: 90.
إنه درس إلهي عظيم لكل الطغاة بأنّه - تعالى -قاهر الفراعنة، وكاسر الأكاسرة وأنَه - سبحانه - ليس بغافل عمّا يعمل الظالمون وأنّه ليملي للظالم حتى إذا أخذ لم يفلته.
بيد أنَّ جموعاً غفيرة من الطغاة لم يستوعبوا الدرس ولم يفهموه فأصابتهم مطارق السنن الربانية: (فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا) العنكبوت: 40.
ومنهم من ألقى في قليب بدر!! ومنهم من قتله " وحشي" - رضي الله عنه - في حديقة الموت يوم " اليمامة"، ومنهم من أباده سعد يوم "القادسية"، ومنهم من دمّر عرشه خالد وأبو عبيدة يوم "اليرموك"، ومنهم مرّغ كبريائه في التراب المظفر سيف الدين قطز يوم "عين جالوت". ومنهم ومنهم ومنهم ممّا لا طاقة لنا بعرض عشر معشاره وحسبنا من ذلك قوله - تعالى -: (فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ) سبأ: 19.
فوائد الآيات:
1- مشروعية قصّ القصص، وسرد الأخبار لأخذ العظة والعبرة.
2- إثبات صفة المناداة، والكلام لله - تعالى -.
3- ثبوت تكليم الله - تعالى - لموسى - عليه السلام -.
4- جواز وصف الأودية والبقاع بالقداسة.
5- مشروعية دعوة الطغاة مهما بلغ طغيانهم لإقامة الحجة عليهم وتبليغهم رسالات الله.
6- اتخاذ أسلوب اللين والترغيب في مستهل الدعوة.
7- مشروعية التسلح بكل ما فيه تأكيد على صدق الداعية وصحة رسالته.
8- سرعة انتقام البارئ- تعالى- ممّن عتا وتجبر وإن بدا للناس خلاف ذلك.
9- أهمية أخذ العبرة والعظمة من الأحداث والوقائع.
قوله - تعالى -: (أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا * وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا * وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَا * وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا * مَّتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ).
شرح الغريب:
(رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا): قال ابن كثير - رحمه الله - أي جعلها عالية البناء، بعيدة الفناء، مستوية الأرجاء، مكللة بالكواكب في الليلة الظلماء.
(وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا): قال ابن عباس: أظلمه.
(وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا): جعل نهارها مضيئاً مشرقاً نيراً واضحاً.
(وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا): الدحي هو: إخراج الماء منها والمراعي. قال ابن كثير: الأرض خلقت قبل السماء ولكن إنما دحيت بعد خلق السماء.
(وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا): قررها وأثبتها وأكدّها في أماكنها، قاله ابن كثير
هداية الآيات:
بعد أن بيّن - تعالى -موقف المشركين من البعث، واستخفافهم بقدرة الله - تعالى -بأقيسة فاسدة، وتصورات جامدة حيث عجزت عقولهم عن استيعاب إحياء العظام النخرة، واللحوم المهترئة، وذكر عقب ذلك فصلاً من قصة موسى الكليم - عليه السلام - مع إمام الملاحدة، وقدوة الزنادقة فرعون أشهر منكري البعث، بل منكري الرب تقدست أسماؤه!.
عقّب بذكر جملة من آياته العظام، وآلائه الجسام في صوره استفهام إنكاري، أي يا معشر المنكرين للبعث أأنتم بأجسامكم الهزيلة، وأحجامكم الضئيلة أشد خلقاً على الله من هذه السماء العالية المرتفعة بلا عمد، وهذا الليل بظلامه الدامس وهذا النهار بضوئه الساطع وهذه الأرض ببحارها وأنهارها وبساتينها ومراعيها وهذا الجبال الشاهقة بسفوحها وشموخها؟
والجواب محال أن يكون الإنسان الضعيف العاجز مقارباً أو مماثلاً فضلاً عن أن يكون فاضلاً على تلك المخلوقات الباهرة شدة وإعجازاً.
فإذا كان كذلك فلم الجحود والإنكار؟ وإلى متى العناد والغرور؟
وهذه الآيات ونظيراتها غاية في الأهمية، وزاد ضروري لدعاة الحق في مجادلة الملاحدة، وأمثالهم بأسلوب الحوار العقلاني المتجرد من الهوى والتعصب.
إنّ ثمة أناساً لا ينجع معهم عرض الأدلة من الكتاب والسُنّة لعدم إيمانهم بها أصلاً أو بسبب أنفتهم من سماعها.
لكنهم قد يتيحون الفرصة لمحاورهم حين تكون المناظرة عقلانية فحسب، فلا مانع حينئذ من بعث الحوار على هذا الأساس، ووفق هذا المنطلق فالعقل الصريح لا يصادم النص الصحيح.
وليس بالضرورة أن يكون هذا الأسلوب الحواري وقفاً على الملاحدة، وغير المؤمنين بل هو متاح عند الحاجة حتى في مناظرة أهل البدع والمعاصي ونحوهم من أهل القبلة.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 24-08-2019, 12:19 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,505
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تأملات في سورة النازعات

تأملات في سورة النازعات
رياض محمد المسيميري



فوائد الآيات:
1- مشروعية استخدام الداعية والمجادل للأدلة العقلية في دعوته ومناظرته.
2- بيان عظمة الخالق، وعجيب قدرته حيث خلق هذه المخلوقات العظيمة من العدم، وأحكم صنعها وتدبيرها.
3- عناية البارئ - سبحانه - بجنس الإنسان حيث سخّر له هذه المخلوقات من الليل والنهار، والماء والمرعى والجبال والأنعام.
4- من أساليب الخطاب القرآني: الإجمال في مواضع والتفصيل في أخرى فقد أجمل فائدة الليل والنهار هنا وفصّلها في مثل قوله: (وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) القصص: 73.
ولذا كان حرياً بالإنسان أن يقابل النعم بالشكر والاعتراف.
قوله - تعالى -: (فَإِذَا جَاءتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى*يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ مَا سَعَى* وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَن يَرَى* فَأَمَّا مَن طَغَى* وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا* فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى* وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى* فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى* يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا * فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا*إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَا* إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا* كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا).
شرح الغريب:
(الطَّامَّةُ الْكُبْرَى): يوم القيامة، وسُمّيت طامة لأنها تطُّم على كلّ أمر، أي تفوقه شدة وفظاعة مهما كان فظيعاً وعظيماً.
(مَا سَعَى): أي ما قدّم من عمل سواء كان خيراً أم شراً.
(وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَن يَرَى): أي ظهرت للناظرين فرآها الناس عياناً.
(خَافَ مَقَامَ رَبِّه): أي خاف القيام بين يدي الله - عز وجل - للحساب والجزاء.
(يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ): أي يسألك الناس عن وقت القيامة.
(أَيَّانَ مُرْسَاهَا): أي متى تقوم على وجه التحديد.
(فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا): أي لست قادراً على ذكر موعد الساعة لأنك تجهله
(إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَا): أي منتهى علم الساعة إلى الرب - تعالى -دون غيره لا يعلم بذلك ملك مقرب ولا نبي مرسل.
(كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا): أي إذا قاموا من قبورهم إلى المحشر فسيستقصرون مدة الحياة الدنيا حتى كأنها عندهم ساعة من آخر النهار أو أوله!!.
هداية الآيات:
في هذه الآيات المباركات يُذكّر الله - تعالى -الخلائق بذلك اليوم الرهيب والعصيب الذي سمّاه بالطامة حيث تهون عندها كلّ الطوام الأخرى وتتصاغر فلا أطمّ منها ولا أكبر.
إن التفكر بأحداث ذلك اليوم، وبعض أخباره الثابتة في الكتاب والسُنّة، بتدبر وتأمل عميقين كفيل بإحداث تغير أكيد بإذن الله في أعماق ضمير كلّ راغب في النجاة.
إن مشهد جموع البشر وقد ازدحمت في صعيد واحد وآن واحد، وقد ماج بعضهم في بعض في ازدحام يهون عنده كلُّ ازدحام.. وحرّ شديد، وغمّ لا يطاق، وهم فاق كلّ احتمال وانشغال كل أحد بنفسه حتى الرسل - عليهم السلام -.
إنّ مشهداً كهذا كفيل لمن تأمله وتفكر فيه أن يحسب ألف حساب قبل أن يرتكب ذنباً مهما كان صغيراً!.
إننا لو طالعنا جموع البشر تزدحم حول الكعبة شرفها الله في طواف الوداع أو نظرنا إلى بعض الزحام حول الجمار أيام التشريق لهالنا منظر تلك الجموع، وأصابتنا الرهبة..
مع أنّ هذا الجموع ما هي إلا نقطة في بحر نسبة إلى مجمع القيامة في يوم الخزي والندامة!.
قال الله: (وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا َ)الجاثية: 28.
وقال - تعالى -: (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ) الحاقة: 18.
وقال - تعالى -: (وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا) الكهف: 99.
وفي الصحيح من حديث أبي هريرة: قال: (قال - صلى الله عليه وسلم -: أنا سيد الناس يوم القيامة، وهل تدرون بم ذلك؟ يجمع الله يوم القيامة الأولين والآخرين في صعيد واحد فيُسمعهم الداعي، وينفذهم البصر، وتدنو الشمس فيبلغ الناس من الغمّ والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون.
فيقول بعض الناس لبعض: ألا ترون ما أنتم فيه؟ ألا ترون ما قد بلغكم؟ ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم؟ فيقول بعض الناس لبعض: ائتوا آدم فيأتون آدم فيقولون: يا آدم أنت أبو البشر خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأمر الملائكة فسجدوا لك، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ ألا ترى إلى ما قد بلغنا؟ فيقول آدم: إنّ ربي غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله، وإنه نهاني عن الشجرة فعصيته، نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى نوح. فيأتون نوحاً - عليه السلام - فيقولون: يا نوح أنت أول الرسل إلى الأرض، وسمّاك الله (عبداً شكوراً) اشفع لنا إلى ربك ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟
فيقول لهم: إنّ ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله، وإنّه قد كانت لي دعوة دعوت بها على قومي، نفسي نفسي، اذهبوا إلى إبراهيم - صلى الله عليه وسلم -. فيأتون إبراهيم، فيقولون: أنت نبي الله - تعالى -، وخليله من أهل الأرض اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ ألا ترى إلى ما قد بلغنا؟ فيقول إبراهيم: إنّ ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله، وذكر كذباته، نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى موسى. فيأتون موسى - عليه السلام -، فيقولون: يا موسى أنت رسول الله فضّلك الله - تعالى -برسالته، وبتكليمه على الناس، اشفع لنا إلى ربك ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم موسى: إنّ ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله، وإني قد قتلت نفساً لم أؤمر بقتلها نفسي نفسي اذهبوا إلى عيسى.
فيأتون عيسى - عليه السلام - فيقولون: يا عيسى أنت رسول الله، وكلمت الناس في المهد، (وكلمة منه ألقاها إلى مريم وروح منه) فاشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم عيسى - عليه السلام -: إنّ ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، ولم يذكر له ذنباً نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى محمد - صلى الله عليه وسلم -. فيأتوني فيقولون: يا محمد أنت رسول الله وخاتم الأنبياء وغفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا فانطلق فآتي تحت العرش فأقع ساجداً لربي... الحديث).
تأمل أيها القارئ الكريم هذه الآيات العظيمة، وهذا الحديث الشريف، والذي فصّل فيه نبينا - عليه الصلاة والسلام - شيئاً من وقائع المحشر حيث يصيب الناس من الهم والغمّ، والكرب الشديد ما لا يطيقون وما لا يحتملون فينشدون الخلاص من هذا البلاء الجسيم، فينتقلون بين الأنبياء آدم وأولى العزم الخمسة فلا يجرؤ واحد منهم على الشفاعة لما علموه من غضب الجبار جلّ جلاله بحيث يعجزون عن البوح برغبتهم تخليص الخلائق من ذلك الموقف الجلل!.
ومن عجب أنّ كلّ واحد منهم لم يعد قادراً على مجرد الاهتمام بنفسه فيرددون واحد بعد الآخر نفسي نفسي!.
رحماك يا إلهي، آدم، ونوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى - عليهم السلام - أرحم الناس وأرقهم قلوباً لا همّ لهم إلا أنفسهم!.
فما حال من دونهم إذاً؟ ما حال الأب مع أبنائه؟ وما حال الابن مع أبيه؟
وما حال الأم الحنون مع فلذات كبدها؟
وما حال الزوج مع زوجته؟
الجواب: (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) عبس: 37، 34).
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ) الحج(1-2).
إنها وقائع مذهلة حقاً، تجعل الحليم حيراناً، وهي عجيبة أيضاً تصيب المتأمل بالدهشة التامة فأي حدث هذا الذي جعل المرء يفر من أخيه وأمه وأبيه؟!
أي حدث هذا يجعل الإنسان يهرب من أقرب الناس إليه ويجعلهم دبْر أذنيه طلباً لنجاة نفسه؟!
ما الذي أصاب الأم الحنون بل الأم المرضع كيما تذهل عن رضيعها الصغير الذي لا يملك أدنى قدرة لإنقاذ نفسه أو السعي لخلاصها فتتركه بلا حول ولا قوة شحاً بنفسها ونفاسة بنجاتها؟!
إنّ عرض القرآن لهذه المشاهد لهو دعوة مخلصة وجادة لكل من يفهم الخطاب أن يبادر إلى إنقاذ نفسه قبل أن تطم الطامة وتقع الواقعة، ويصبح الخبر معاينة والمستقبل حاضراً، والغائب شاهدا!.
إنها دعوة مخلصة لعامة الناس وخاصتهم بالاستعداد لذلك اللقاء الحاسم، وتلك الساعات العصيبة القاسية.
فهل يستجيب حكام المسلمين، فيقيموا شرع الله في البلاد، وينصفوا العباد، ويرفعوا ألوية الجهاد، ويطهروا بقاع المسلمين من الشرك والإلحاد، والزيغ والفساد، ويقيموا حدود الله على الكبير والصغير والذكر والأنثى؟
وهل يستجيب العلماء المسلمون فيصدعوا بكلمة الحق دون تردد أو مساومة، وهل ينزلون إلى الساحة آمرين بالمعروف وناهين عن المنكر؟ متأسين بأسلافهم من صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟
وهل يستجيب دعاة الإسلام فيشمّروا عن ساعد الجدّ ويقوموا بواجبهم تجاه أمتهم نصحاً وإرشاداً وتوجيهاً؟ وهل يتخلون عن خصامهم مع رفقاء دربهم، ليتفرغوا للعدو المشترك المتربص بهم جميعاً؟
وهل يستجيب المبتلون بالمعاصي، فيكفوا عن مبارزة ربهم بتلك الذنوب والموبقات؟
هل يتوقف أكلة الربا عن مصارفهم الربوية، ويطهروا أموالهم من الحرام المبدد لكل بركة وطيب؟!
وهل يتوقف أصحاب القنوات، ومتابعوها عن عرض الفاحشة وترويجها، وتأجيج الشهوات وتفجير الغرائز؟!.
وهل يتوقف الإعلاميون والصحافيون عن العبث بأخلاق الأمة وقيمها، ويوجهون الناس إلى الفضيلة والعفة؟
وهل تبادر المرأة المسلمة إلى التوبة من تبرجها وسفورها وتتخلى عن ركضها خلف الموضة وتقليد الكافرات بحثاً عن السعادة الموهومة؟!
وبالجملة هل يعود الجميع إلى ربهم تائبين نادمين قبل أن تصطك أسنانهم وركبهم، وترتجف قلوبهم وترتعش أطرافهم من الخوف والهلع في عرصات القيامة القادمة عن قريب؟
قال - تعالى -: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) النور: 31).
وبعد هذا الاستطراد المهم في وصف شيء من أحداث القيامة نعود إلى السياق وفيه قوله - تعالى -: (يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ مَا سَعَى) أي يتذكر كل إنسان سعيه وعمله الذي قدمه في دنياه فإن كان سعيه صلاة وصوماً وزكاةً وحجاً وصلة وبراً وإحساناً ودعوة وعلماً وجهاداً وأمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر فيا بشراه ويا سعداه، وإن كان سعيه كفراً وشركاً وفسقاً وبدعة، وإباحية وعهراً وسكراً، وفحشاً وبغياً، وظلماً، وعقوقاً وقطيعة فيا ويلاه ويا تعساه.
فقد برزت الجحيم، وأظهرت لكل ذي عينين، وجيء بجهنم لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها، يا له من مشهد مروع مخيف !.
كيف ودار الأشقياء التي لو ألقى حجر من شفيرها ما بلغ قعرها إلا بعد سبعين خريفاً تجر جراً لإحراق كلّ خوان كفوراً؟!
ولذا قال الله: (فَأَمَّا مَن طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى).
وللطغيان صور كثيرة، وأسباب متعددة، وهو تجاوز الحدّ في العصيان، ولذا سُمّي كلّ متعد وكلّ معبود من دون الله طاغوتاً.
وقد يكون الطغيان في الحكم أو في المال أ، في المعاصي وغير ذلك، ومن أسبابه جحود الخالق، أو الإشراك به أو العجب بالنفس أو الغرور أو كثرة المال.
قال الله عن فرعون صاحب الحكم والمال: (اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى)
وقال عن طغيان المال: (كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى) العلق: 6.
وقال - تعالى - عن طغيان المعاصي: (فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا) الكهف: 80.
فلا غرو أن تكون الجحيم هي المأوى المناسب لكلّ طاغية عنيد أدى به غروره إلى الإشراك بالله أو الكفر أو استمراء الفسوق والفجور عياذاً بالله.
وفي المقابل: (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى).
فحقّ للمعظمين ربهم، الخائفين مقامهم بين يديه الناهين نفوسهم عن الهوى أن يهنأوا بجنة المأوى تكون لهم مأوى.
إنهم أناس عرفوا حقّ ربهم وواجبهم تجاهه فأدوا فرائضه، واجتنبوا محارمه، وهذا في حدّ ذاته كاف في لحاقهم بركاب المتقين.
كما أنهم أناس لا يتطرق الطغيان إلى أفعالهم وأقوالهم، كما لا رغبة لديهم ولا دافع عندهم إلى ممارسة شيء من البغي والظلم أو الشعور بالكبر والتعالي، فاستحقوا الفوز بجنات الله ونعيمه المقيم، يوم فازوا في صراعهم مع أنفسهم، وحظوظها العاجلة.
ثم اختمت السورة بتسجيل ضرب من طغيان المشركين المكذبين الذين ما برحوا يسألون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سؤال تعنت واستكبار عن الساعة ولحظة قيامها إذ الأحرى هو الاستعداد لها لا السؤال عن وقتها فذلك أمر لا يفيد السائل أو المسؤول.
ففي الحديث الصحيح عن أنس بن مالك بينما أنا والنبي - صلى الله عليه وسلم - خارجان من المسجد، فلقينا رجل عند سدة المسجد، فقال: يا رسول الله، متى الساعة؟ قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (ما أعددت لها). فكأن الرجل استكان، ثم قال: يا رسول الله، ما أعددت لها كبير صيام ولا صلاة ولا صدقة، ولكني أحب الله ورسوله، قال: (أنت مع من أحببت) صحيح البخاري الرقم: 7153).
فتأمل كيف أرشد النبي - صلى الله عليه وسلم - السائل إلى ما ينفعه وهو الإعداد للساعة لا معرفته لحظة وقوعها.
وقد استأثر الله - تعالى - بعلم الساعة وحجبه عن الخلق كلهم وأرشد نبيه إلى مصارحة الناس بهذه الحقيقة الأبدية: (يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا) (الأحزاب: 63).
(فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا) يعني كما تقدم لست على ذكر وعلم بحقيقة وقتها وساعة حدوثها بل: (إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَا) أي العلم بها وقفٌ على خالقها ومدبرها- عز وجل - أما أنت يا محمد فإنّ وظيفتك هو إنذار الناس عما يكون في عرصاتها، وما يتمخض عنها من انقسام الناس إلى فريق في الجنّة وفريق في السعير.
ثم كانت الآية الأخيرة في السورة: (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا) وهي جملة غاية في البلاغة والفصاحة، وغاية في تصوير قصر الدنيا وسرعة انقضائها وزوالها.
فإنّ الناس وهم في عرصات القيامة ينظرون إليها رأي العين، يتذكرون دنياهم الفاسدة، وأعمارهم الفانية، وقد مرت سريعاً كأنها عشية أو ضحاها.
إنه لموقف مثير حقاً أن تبدو الدنيا كلها بحقبها الزمنية الوافرة، وقرونها المتتابعة وأعوامها العديدة المتكاثرة أشبه بساعة من نهار!.
فهل يسوغ لعاقل والأمر ما ذكر أن يفرط في حياة لا تنقضي، وسعادة لا تقف عند حد من أجل ساعة مشوبة بالأكدار والآلام والمرارات؟!
فوائد الآيات:
1- عظم شأن القيامة، وشدة أهوالها، حيث سمّاها خالقها بالطامة الكبرى التي تطم كلّ داهية وتصغر أمامها كل مصيبة وكارثة!.
2- أنّ كل إنسان لا بد أن يتذكر سابق سعيه وعمله في دنياه، فإن كان حسناً فرح وسعد بسعيه وإن كان غير ذلك تعس وخسر. س
3- الإشارة والتنويه الجاد بما أعدّه الله - تعالى - للطاغين من العذاب الموجع المحرق في نار جهنم عياذاً بالله.
4- بيان عاقبة الطغيان، وتقديم هوى النفس على طاعة الرب - تعالى -، متمثلة في صلي الحميم، ومعالجة العذاب الأليم.
5- أهمية الخوف من الله وأنها سبب السعادة ونيل أعلى الدرجات في جنات النعيم.
6- فضل كف النفس عن الهوى وأنه سبب أيضاً للفوز بسعادة الدارين.
7- تعنت المشركين وعنادهم، وكثرة سؤالاتهم على سبيل المشاقة والاستهزاء حيث يسألون عن الساعة دون إيمان بها أو عمل لها.
8- أنّ علم الساعة محجوب حتى عن نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - أحب الخلق إلى الله، وأنّ علمها مما اختص الله - تعالى - به وحده.
9- أنّ وظيفة الرسل، ومنهم محمد - صلى الله عليه وسلم - هو إنذار الناس وتبليغهم رسالات الله.
10- حقارة الدنيا، وسرعة انقضاءها، وقصر زمانها نسبة إلى دار الإقامة والبقاء
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 93.18 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 90.84 كيلو بايت... تم توفير 2.34 كيلو بايت...بمعدل (2.51%)]