التوبة الصادقة وقافلة التائبين - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         ولا تبغوا الفساد في الأرض (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          تحرر من القيود (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          فن التعامـل مع الطالبات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 28 - عددالزوار : 781 )           »          العمل السياسي الديـموقراطي سيؤثر في الصرح العقائدي وفي قضية الولاء والبراء وهي قضية م (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          العمل التطوعي.. أسسه ومهاراته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 9 - عددالزوار : 131 )           »          طرائق تنمية الحواس الخمس لدى الطفل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 19 )           »          حقيقة العلاج بالطاقة بين العلم والقرآن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 29 )           »          الله عرفناه.. بالعقل! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          افتراءات وشبهات حول دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 7 - عددالزوار : 94 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 27-09-2020, 03:16 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,578
الدولة : Egypt
افتراضي التوبة الصادقة وقافلة التائبين

التوبة الصادقة وقافلة التائبين


الشيخ فؤاد بن يوسف أبو سعيد






إن الْحَمْد لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾. (آل عمران: 102)
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾. (النساء: 1)
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾. (الأحزاب: 70، 71).

أما بعد؛ فإن أصدق الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ في النار.

أعاذنا الله وإياكم من النار، ومن كل عمل يقرب إلى النار، اللهم آمين.

عباد الله؛ الله خلقنا وخلق هذا الإنسان آدم عليه السلام أبا البشر، وجئنا نحن من سلالة آدم عليه السلام من ماء مهين، وهو يعلم ما نفعل وما نعلن وما نخفي وما نقول، كله الله تعالى يعلمه، ويعلم أننا خطاؤون، ويعلم أننا مذنبون، ونقع في الذنوب والخطايا الكثيرة، إذا نمنا ثم استيقظنا فأوّل ما نفتح أعيننا؛ تفتح على ماذا؟ تفتح على أشياء قد يكون فيها السيئات والخطايا والذنوب، العين تفتح على الشبكات العنكبوتية، أو القنوات الفضائية، ما تمر ساعة أو نصف ساعة وأنت تنظر؛ إلا ويعرض عليك ما يكسبك من الخطايا والذنوب، والخطايا والآثام والسيئات، هذا ما تكتسبه من العين.

وإذا فتحنا الأذن نستمع؛ فنكسب بسببها من الخطايا والذنوب، فلسنا معصومين، نحن بشر فتدخل الموسيقى والغناء، وأصوات النساء الفاجرات، وتدخل فيها الغيبة والنميمة، ويدخل في الأذن ما يدخل مما حرمه الله.

وإذا فتحنا الأفواه، هذا الفمُ إذا فتح؛ انطلق العنان للسان لارتكاب ما يغضب الرحمن سبحانه وتعالى؛ من كذب أو غيبة أو نميمة، استماع وكلام وغيرها.

وإذا خرجنا من بيوتنا، بدأت الجوارح تفعل فعلها؛ بارتكاب المحرمات إلا من رحم الله، وهل نحن معصومون؟ وكم تكدست علينا من ذنوب في آخر النهار، في آخر الأسبوع، في آخر الشهر، في آخر السنة، في آخر العمر، مَن لنا إلا الله أن يغفر هذه الذنوب، ويمحوَ هذه الخطايا، ويعفوَ ويصفحَ عن السيئات؟ ما لنا إلا الله سبحانه وتعالى.

لذلك افتتح سبحانه لنا بابَ التوبة، باب كما ثبت في حديث السنن: "مِنْ قِبَلِ المَغْرِبِ مَسِيرَةُ عَرْضِهِ، أَوْ يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي عَرْضِهِ أَرْبَعِينَ أَوْ سَبْعِينَ عَامًا"، قَالَ سُفْيَانُ: (قِبَلَ الشَّامِ خَلَقَهُ اللَّهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مَفْتُوحًا - يَعْنِي لِلتَّوْبَةِ - لَا يُغْلَقُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْهُ)، (ت) (3535)، فالشام غرب مكة؛ لأن مكة في جهة الشرق، أو الشرق الجنوبي بالنسبة لنا، (عرضه سبعون عاما)، (جة) (4070)، لا يغلق إلا في آخر الزمان.

التوبة؛ لابد أن نتوب، لذلك يا عباد الله! ليس كل من :قال تبت إلى الله قد تاب، التوبة لها شروطها ولها أركانها، ولها صفاتها، فكيف يتوب إنسان وهو مصرٌّ على الذنب؟ كيف يتوب إنسان وهو لم يعترف بذنبه الذي اقترفه؟ كيف يتوب إنسان وهو لم يعزم عزما أكيدا أن يقلع عن ذنبه؟ كيف يتوب إنسان قد أكل مال غيره، أو انتهك عرضه ولم يستسمحه؟

عبد الله! ردّ الحقوقَ إلى أصحابها، هذا من شروط التوبة المقبولة، فالتوبة: الإقلاع عن الذنب، والندم على ارتكاب الذنب، والعزم على عدم العودة إلى الذنب، وردُّ الحقوق إلى أهلها.

لذلك لنا قدوة يا عباد الله قدوة في الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وما من نبي إلا قدّم التوبة إلى الله، من أي شيء؟ من أشياء هذا النبي اعتبرها خطيئة، واعتبرها معصية فتاب منها.

لكن في نظرنا نحن لو فعلناها ليست بسيئة يعاقب عليها، لأنهم فعلوها إما نسيانا أو تأويلا ليس عليها عقاب، لكن من باب: (حسنات الأبرار سيئات المقربين)، لكنهم يتوبون منها إلى الله، وقد أقبل علينا شهر رمضان، شهر التوبة والخيرات والحسنات، التي لو كانت هذه الحسنات والبركات النازلة من عند الله شيء يُرَى؛ نراها بأعيننا؛ لغطت السماء، ولتنحت عن من هم ليسوا أهلا لهذه التوبة، أو لهذه المغفرة والحسنة، والكل يترك هذه الخيرات إلا من يطلبها.
شهر رمضان بيننا وبينه أيام، فتوبوا إلى الله واستغفروه يا عباد الله.

من أوائل التائبين الرجاعين إلى الله جل جلاله؛ آدم وحواء، عليها السلام، عندما أُمرا بعدم الأكل من شجرة، ونهوا عن الأكل من شجرة معينة، فبعد النسيان أكلوا منها نسيانا، فحسبت سيئة في حقهم واعترفوا قائلين: ﴿ قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾. (الأعراف: 23)، فغفر لهم ورحمهم.

كذلك يا عباد الله! نوح عليه السلام، عندما طلب من الله أن ينجيَ ابنه، وابنُه كان مع الكافرين، والكافر لا شفاعة فيه، فماذا قال نوح عليه السلام؟ ﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾. (هود: 47)، كلها توسل وطلب مغفرة، وتوبة بين يدي الله عز وجل.

موسى عليه السلام، عندما سأل الله الرؤية رؤية الله سبحانه وتعالى، عندما سمع الكلام لم يصبر على أن يراه، فطلب من الله؛ كما أسمعتني كلامك يا الله، فأرني أنظر إليك، لكنه ما استطاع أن يصبر على تجلي الله عز وجل للجبل، فقال موسى عليه السلام تائبا: ﴿ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾. (الأعراف: 143).

داود عليه السلام، عندما اختبره الله عز وجل وامتحنه، بمن تسوّر عليه المحراب، فحكم لأحدهما قبل أن يسمع من الآخر، قال سبحانه: ﴿ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ. (ص: 24).

وسليمان عليه السلام؛ أمر بمسابقة للخيل للجهاد في سبيل الله سبحانه وتعالى، فقال: ﴿ رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ ﴾، على تفسير بعض العلماء: يعني قطَّع سوقها، وذبَحَها لأن الذبح للخيل يجوز في شريعة سليمان، قال سبحانه: ﴿ وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ ﴾. (ص: 34)، رجع إلى الله سبحانه وتعالى، إذا كان هذا حال الأنبياء ويطول الكلام عنهم نختمه بحال النبي صلى الله عليه وسلم، كيف هو مع الله، ومع التوبة المستمرة التي لا تنقطع؟

وخاتمهم نبيُّ الله محمد صلى الله عليه وسلم، الذي كان يكثر من التوبة والاستغفار، ويحث الناس عليها، على أن يتوبوا إلى الله ويستغفروه، فقد فقال صلى الله عليه وسلم: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ! تُوبُوا إِلَى اللهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ، فَإِنِّي أَتُوبُ إِلَى اللهِ وَأَسْتَغْفِرُهُ فِي كُلَّ يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ". (حم) (18319)، (م) (2702)، (حب) (929)، الصحيحة (1452)، هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو لم يخطئ، ولم يذنب مثلنا نحن الخطائين، فلابد أن نكون توابين أوابين من الذنوب.

وأما من ادعى أنه ليس عنده ذنب، وهو خال من الخطايا!! فهذا يتوب إلى الله ليرفعه درجات، يتوب إلى الله من تقصيره في حق الله عز وجل، فمن منَّا يؤدي حقَّ اللهِ كاملا؟ إن ادعى عدم الذنوب والمعاصي.
شهر الصيام، والتوبة فيه أوكد؛ ﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. (النور: 31).

والمذنبون من هم أفضل المذنبين؟ هناك بعض الناس المذنبين وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم أنهم خير المذنبين، فـمن هم خير المذنبين؟ فنحن من خيرهم أم لسنا منهم؟ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ". (ت) (2499)، (جة) (4251)، انظر صحيح الجامع (4515)، وصحيح الترغيب (3139)، الذي يخطئ، فنسأل الله أن نكون من خير الخطائين، لا ندعي العصمة يا عباد الله، فكل ابن آدم خطاء، وهكذا خلقنا الله عز وجل، حتى يظهر اسمه التواب الغفور الرحمن الرحيم، يرحم ضعفنا، ويرحم وقوعنا في المعاصي والذنوب ويقبلنا سبحانه.

لأن المؤمن غير معصوم، فالمسلمون ليسوا بأنبياء، وليسوا برسل، وليسوا بملائكة، فيخطئون ويقبلهم الرحمن إذا رجعوا إليه، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله تعالى عنه - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
"إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَذْنَبَ كَانَتْ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فِي قَلْبِهِ"، - نكتة بمجرد أن يذنب الذنب تكون نكتة سوداء، أي نقطة يظهر سوادها في القلب - "فَإِنْ تَابَ وَنَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ، صُقِلَ قَلْبُهُ"، - يعني هذه النقطة تمسح، ويصبح قلبا صقيلا نظيفا - "فَإِنْ زَادَ، زَادَتْ"، - جاءت نكتة أخرى فيصبح القلب أسودَ من كثرة الذنوب والخطايا، قال:- "فَذَلِكَ الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ: ﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾". (ت) (3334) (جة) (4244) واللفظ له، ﴿ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ من المعاصي والذنوب، ولا يستغفر منها، فأصبح القلب أسود، كما جاء ذلك واضحا في رواية أخرى في صحيح مسلم (144):
"أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ، مُجَخِّيًا؛ لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا، وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا، إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ"، أي كالإبريق الذي ليس فيه ماء إذا قلب على رأسه، فلم يبقى منه فيه شيء، مربادَّ؛ اللون الأسود يميل إلى البياض من كثرة الأملاح التي كانت في المياه، مربادَّا ليس أسود من شدة سوداه وقلة الرطوبة فيه أصبح هذا القلب كالكوز مجخيا، مائلا مكفيا على رأسه، لا يبقى منه فيه ماء كالكوز مجخيا، لذلك هذه القلوب المسودة من الخطايا والذنوب والعياذ بالله هي التي عليها تكدس الرّان، نسأل الله السلامة.

لكن؛ فلننظر إلى رحمة وإمهال الله سبحانه للمذنبين الخطائين، وعدله وغفرانه، يمهل العصاة، النكتة والسواد في القلب نتيجة الذنب حصلت لكنَّ محوَها سهلٌ جدا، وذلك بالتوبة والاستغفار، والأعمال الصالحات وما شابه ذلك، فإن لم يفعل تتراكم عليه النكات فيصبح القلب أسود مربادا، ومثال لذلك ما ورد في شارب الخمر، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ -رضي الله تعالى عنهما-، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"مَنْ شَرِبَ الخَمْرَ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا"، - يعني لابد أن يصلي؛ كما قال النووي رحمه الله؛ أداء العبادة شيء، وقبولها شيء آخر، لا يأتي إنسان ويقول: ما دام لا تقبل مني صلاة أربعين يوما وهو شارب خمر، إذن لا أصلي أربعين يوما، يكتب الذنب ذنبين، ويصبح الذنب مضاعفا، ذنب الترك، وذنب الشرب والعياذ بالله، ولذلك لابد لشارب الخمر أن يصلي وحتى ولو لم تقبل صلاته - "فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ عَادَ لَمْ يَقْبَلِ اللَّهُ لَهُ صَلَاةً أَرْبَعِينَ صَبَاحًا، فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ عَادَ لَمْ يَقْبَلِ اللَّهُ لَهُ صَلَاةً أَرْبَعِينَ صَبَاحًا، فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ عَادَ الرَّابِعَةَ لَمْ يَقْبَلِ اللَّهُ لَهُ صَلَاةً أَرْبَعِينَ صَبَاحًا، فَإِنْ تَابَ لَمْ يَتُبِ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَسَقَاهُ مِنْ نَهْرِ الخَبَالِ"، - فيسأل عبد الله بن عمر -، قِيلَ: (يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ: وَمَا نَهْرُ الخَبَالِ؟) قَالَ: (نَهْرٌ مِنْ صَدِيدِ أَهْلِ النَّارِ)، (ت) (1862)، يعني ما يخرج من قروحهم من قيح ودم صديد وما شابه ذلك.

لذلك يا عبد الله! إذا أذنبت ذنبا؛ متى يكتب عليك هذا الذنب؟ أذنبته في وقت الظهر أو في الساعة السابعة صباحا، أو أذنبته مساء متى يكتب؟ يكتب بعد ست ساعات، بعد مضي ربع يوم كامل، بعد مضي نصف نهار، أو نصف ليلة، ثم بعدها يسجل عليك ذنب واحد، وأنت تستطيع أن تتوب خلال هذه الفترة، وأن تستغفر، ثم بعدها يستحق هذا الإنسان أن تكتب عليه هذه السيئة، ولنستدل على كلامنا هذا بما ورد عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله -تعالى- عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:
"إِنَّ صَاحِبَ الشِّمَالِ" - الملَك الذي على الشمال.- "لِيَرْفَعُ الْقَلَمَ سِتَّ سَاعَاتٍ" - ما كتب السيئة، ست ساعات، هذا أذنب لكن الملك يتوقف. - "عَنِ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ الْمُخْطِئِ أَوْ الْمُسِيءِ، فَإِنْ نَدِمَ وَاسْتَغْفَرَ اللهَ مِنْهَا، أَلْقَاهَا"، -ألغاها وكأنك لم تفعلها؛ لأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له.- "وَإِلَّا كُتِبَتْ وَاحِدَةً". (طب) (7765)، مسند الشاميين (526)، انظر صَحِيح الْجَامِع (2097)، الصَّحِيحَة (1209).

هذا هو المؤمن غير معصوم: عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله - تعالى - عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:
"مَا مِنْ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ إِلَّا وَلَهُ ذَنْبٌ يَعْتادُهُ الْفَيْنَةَ بَعْدَ الْفَيْنَةِ"، -أَيْ: حينا بعد حين، يأتي لهذا الذنب.-
"أَوْ ذَنْبٌ هُوَ مُقِيمٌ عَلَيْهِ"، -بعضُ المؤمنين ما عنده فينة بين الذنب والذنب، الذنب عنده مقيم عليه.-
"لَا يُفَارِقُهُ حَتَّى يُفَارِقَ الدُّنْيَا، إِنَّ الْمُؤْمِنَ خُلِقَ مُفَتَّنًا" -[أَيْ: مُمتَحَنًا يمتحنُهُ اللهُ سبحانه وتعالى كل يوم، كل ساعة يكون الامتحان من الله سبحانه وتعالى، مرة بعد مرة، فالمفتن يعني الممتحن بالبلاء والذنوب مرة بعد أخرى، والمُفَتَّن: المُمْتَحَن، الذي فُتِنَ كثيرا. بتصرف من فيض القدير ( 5/ 627)].- "تَوَّابًا، نَسِيًّا"، - هذا هو الإنسان يا عباد الله ينسى.- "إِذَا ذُكِّرَ ذَكَرَ"، (طب) (11810)، انظر صَحِيح الْجَامِع (5735)، الصَّحِيحَة (2276) [أَيْ: يتوب، ثم ينسى فيعود، ثم يتذكر فيتوب. فيض القدير (5/ 627)]، هذا هو المؤمن أنا وأنتم إن شاء الله سبحانه وتعالى، أن نكون من التوابين.

إذا أردنا أن نتوب إلى الله فعلينا أن نتوب التوبة الصادقة، وتحتاج التوبة الصادقة إلى إيمان حقيقي بالله، صادقٍ عند التوبة وإلى عمل صالح: ﴿ فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ ﴾. (القصص: 67)، وقال سبحانه: ﴿ وَإِنِّي لَغَفَّارٌ - غفار صيغة مبالغة، كثير الغفران لمن؟ - ﴿ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ﴾. (طه: 82)، "وأتبع السيئة الحسنة تمحها"، لابد من حسنات تدلل على صدق التوبة.

والتوبة الصادقة تحتاج إلى إصلاح، لا إلى إفساد، قال سبحانه: ﴿ وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيم. (الأنعام: 54).

والتوبة الصادقة هي التوبة النصوح، التي قال الله سبحانه فيها مناديا المؤمنين، فقال سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾. (التحريم: 8).

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم.

الخطبة الآخرة
الحمد لله حمد الشاكرين الصابرين، ولا عدوان إلا على الظالمين، اللهم صل وسلم وبارك وأنعم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

أما بعد:
من هم الذي لا تقبل منهم توبتهم والعياذ بالله ولو تابوا؟ الذين لا تقبل توبتهم هم الذين قال الله سبحانه وتعالى فيهم بعد أن بين من تقبل توبته فقال: ﴿ إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ﴾. (النساء: 17، 18).

فالذي يموت كافرا، مات مشركا، لا يقبل منه عمل، الكافر لا تقبل توبته إذا مات على كفره، والمشرك لا تقبل توبته إذا مات على شركه، المنافق لا تقبل توبته إذا مات على نفاقه.

والذي يتوب كذلك عند الاحتضار، لا تقبل توبته، يرى الملائكة عند نزع الروح، وتقع غرغرة الروح في الحلقوم، ويرى الموت ويعاينه، هذا لا تقبل توبته، ولا تمضي وصيته، أما الإنسان المريض وهو بكامل عقله وليس عنده علامات الاحتضار تقبل توبته، كما نعلم من الحديث الوارد عَنْ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ العَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ". (ت) 3537)، (جة) (4253)، يعني الروح تبدأ بالخروج، عند علامات الموت، وعند معاينته لا تقبل التوبة، وقبل ذلك جعل الله للتوبة بابا لا يغلق يا عباد الله.

وكذلك هناك باب مفتوح لقبول التوبة، فلا ييأس أحد من التوبة قبل إغلاقه، من أي ذنب كان صغيرا كان أم كبيرا، ولا يوجد ذنبٌ أكبر من الشرك أو الكفر بالله سبحانه وتعالى، فمن تاب من الشرك والكفر قبل الغرغرة وقبل إغلاق باب التوبة تاب الله عليه.

وهذا يُبْقِي لك الأمل مفتوحا؛ إلا في حالة واحدة، وأنت في حالتك الصحية التامة والكاملة، وإذا بالشمس تطلع من مغربها، فبدأت تتوب الآن لا تنفعك التوبة، نفترض أن أناسا الآن مقصرون، وعندهم ذنوب والآن اقترب منهم رمضان، وإذا بهم في الصباح، ننتظر الشمس من الشرق وإذا بها تطلع علينا من الغرب، فهنا لا تقبل توبة عبد، ﴿ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ. (الأنعام: 158).

فإذا أغلق فلا تقبل توبة حينئذ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ - رضي الله تعالى عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ مِنْ قِبَلِ مَغْرِبِ الشَّمْسِ بَابًا مَفْتُوحًا، عَرْضُهُ سَبْعُونَ سَنَةً، فَلَا يَزَالُ ذَلِكَ الْبَابُ مَفْتُوحًا لِلتَّوْبَةِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ نَحْوِهِ، فَإِذَا طَلَعَتْ مِنْ نَحْوِهِ، لَمْ يَنْفَعْ نَفْسًا إِيمَانُهَا، لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ، أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا". (جة) (4070).

والأمل في عفو الله موجود، والرجاء معقود والأمة بخير والحمد لله، وإن كانت فيها الأخطاء والذنوب فهناك علام الغيوب سبحانه وتعالى يعفو ويصفح ويتوب.

نسأل الله أن يغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وأن يثبت أقدامنا وينصرنا على القوم الكافرين.

اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين.

اللهم وحِّد صفوفَنا، اللهم ألف بين قلوبنا، وأزل الغلَّ والحقد والحسدَ والبغضاء من صدورنا، وانصرنا على عدوك وعدونا، برحمتك يا أرحم الراحمين.

﴿ .. وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾. (العنكبوت:45).



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 75.52 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 73.59 كيلو بايت... تم توفير 1.93 كيلو بايت...بمعدل (2.56%)]