وقفات رمضانية - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         الموسوعة التاريخية ___ متجدد إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 44 - عددالزوار : 3747 )           »          الكبائر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 36 - عددالزوار : 2986 )           »          التحذير من قطيعة الرحم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          مفاتيح الرزق الحلال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          معنى (لا حول ولا قوة إلا بالله) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          حقيقة الزهد في الدنيا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          تأملات في آيات .. (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 3 - عددالزوار : 244 )           »          أمانة العامل .. (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          روح القميص (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          ظاهرة تسلط النساء على الرجال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > ملتقى اخبار الشفاء والحدث والموضوعات المميزة > رمضانيات
التسجيل التعليمـــات التقويم

رمضانيات ملف خاص بشهر رمضان المبارك / كيف نستعد / احكام / مسابقات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 30-03-2024, 11:44 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,299
الدولة : Egypt
افتراضي وقفات رمضانية

وقفات رمضانية (1)

الموسم الرابع

د. عبدالسلام حمود غالب

إن شاء الله تعالى نكون معكم طيلة هذا الشهر المبارك بوقفات رمضانية، تتخلل أحكام الصيام وكذلك الاعتكاف، وزكاة الفطر، وخلاصة الزكاة وأحكام العيد، أسأل الله التوفيق والسداد، وقد اعتمدت على بعض المراجع فيما سيأتي باختصار ويسر وسهولة، والنقل منها بشكل واسع؛ لتعُمَّ الفائدة للجميع، وإذا كان هناك أسئلة أو ملاحظات فتُرسَل على الخاص، شاكرًا تعاونكم، وفَّق الله الجميع لِما يحبه ويرضاه.
حديثنا حول المواضيع التالية:
مفهوم الصيام لغة واصطلاحًا عند الفقهاء.

فضل الصيام.

الحكمة من الصيام.
مفهوم الصيام لغة واصطلاحًا:
يُعرَف الصيام في اللغة بأنه:
الامتناع عن شيء معين، سواء كان فعلًا، أو قولًا، وهي مأخوذة من الفعل صام؛ أي: أمْسَكَ، ويكون بالإمساك عن الكلام مثلًا، أو الطعام، أو الشراب، أو غيره، والصوم والصيام بالمعنى نفسه في اللغة؛ لأن مصدرهما واحد وهو الفعل (صام)، يُقال: رجلان صَوْمٌ، ورجال صَوم، وامرأة صَوم، ويُقال أيضًا: قوم صُوَّام وصُيَّام وصُوَّم وصُيَّم، وهو بهذا لا يُجمع ولا يُثنى، كما يقُال: صامت الريح؛ أي ركدت، وصامت الشمس؛ أي استوت، وصام الفرس؛ أي وقف، وصام النهار؛ إذ اعتدل.
تعريف الصيام اصطلاحًا:
اختلفت تعريفات الفقهاء للصيام، فكان لكل مذهب رأي في ذلك؛ كما يأتي:
الحنفية: عرَّفوه بأنه الامتناع عن ثلاثة مُفْطِرات؛ وهي: الأكل، والشرب، والجِماع، من قِبَلِ شخص معين، في وقت معين لذلك، مع وجود النية.
المالكية: عرفوه بأنه الامتناع عن شهوتَيِ الفَرْجِ والفم، أو أي شيء يقوم مقام أحدهما؛ طاعةً لله تعالى، مع وجود النية قبل وقت الفجر، أو في وقته، بحيث يكون هذا الامتناع شاملًا النهار كاملًا.
الشافعية: عرفوه بأنه امتناع معين، بشخص معين، عن شيء معين، في وقت معين لذلك.
الحنابلة: عرفوه بأنه الامتناع عن أشياء مخصوصة، في أوقات مخصوصة، من شخص مخصوص، مع وجود النية.

وشرح التعريف كما يلي:
أما الشخص المخصوص:
فهو المسلم العاقل، البالغ، غير المسافر والمريض، فيُرخَّص لهم الفِطْرُ، وكذلك غير المرأة الحائض والنُّفَساء، فهو عذر شرعي، لا يصح أن تصوم حتى تطهُر وتقضي أيام فطرها.

أما الزمن المخصوص:
فهو من طلوع الفجر الثاني إلى دخول وقت صلاة المغرب.

أما الامتناع عن الأشياء المخصوصة:
فهي مبطلات الصوم، فيجب الإمساك عنها، وهي المفطرات من أكل وشرب، أو ما يقوم مقامها من إبر مغذيات، أو فيتامينات تصل إلى الجوف، أو خروج المنيِّ بجماع ونحوه، وهناك مكروهات فيُمسك عنها.

أما النية، فمصاحبة للعمل من البداية، وهي من أركان الصيام، وإنما الأعمال بالنيات.
ومن المعاصرين، فقد عرف ابن عثيمين الصيام بأنه: "تعبُّدٌ لله تعالى؛ بالامتناع عن جميع المفطرات، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس"، أضاف كلمة التعبد لله تعالى حتى لا يخلو الفعل منه في العبادات.
فضل الصوم وخصائصه:
ومن هذه الفضائل والخصائص التي اختُصَّ بها شهر رمضان المبارك عن غيره من الشهور ما يلي:
1- شهر رمضان تُفتح فيه أبواب الجنة:
عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((هذا شهر رمضان جاءكم، تُفتح فيه أبواب الجنة، وتُغلق فيه أبواب النار، وتُسلسَلُ فيه الشياطين)).

2- فضل أول ليلة في صيام رمضان:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا كان أول ليلة من شهر رمضان، صُفِّدت الشياطين ومَرَدَةُ الجن، وغُلِّقت أبواب النار فلم يُفتح منها باب، وفُتحت أبواب الجنة فلم يُغلق منها باب، وينادى منادٍ كل ليلة: يا باغِيَ الخير أقْبِلْ، ويا باغي الشر أقْصِرْ، ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة)).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أتاكم شهر رمضان، شهر مبارك، فرض الله عليكم صيامه، تُفتح فيه أبواب الجنة، وتُغلق فيه أبواب الجحيم، وتُغَلُّ فيه مَرَدَةُ الشياطين، وفيه ليلة خير من ألف شهر، مَن حُرِمَ خيرها فقد حُرِم)).

3- الصيام في رمضان تُفتح له أبواب الجنة، وتُغلق أبواب النار، وتُصفَّد الشياطين:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا دخل شهر رمضان فُتحت أبواب الجنة، وغُلقت أبواب جهنم، وسُلْسلت الشياطين)).

4- شهر رمضان وصيامه يكفِّر الذنوب:
عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: ((الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان - مُكَفِّرات ما بينهن إذا اجتُنب الكبائر)).

وعن عمار بن ياسر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صعِد المنبر فقال: ((آمين، آمين، آمين، ثم قال: من أدرك والديه أو أحدهما، فلم يُغفَر له، فأبعده الله، قولوا: آمين، ومن أدرك رمضان فلم يُغفَر له، فأبعده الله، قولوا: آمين، ومن ذُكِرْتُ عنده فلم يصلِّ عليَّ، فأبعده الله، قولوا: آمين)).

وعن أنس رضي الله عنه: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء فصعِد المنبر فقال: آمين، ثم قال: آمين، ثم قال: آمين، قال: أتاني جبريلُ، فقال: من ذُكِرْتُ عنده فلم يصلِّ عليك، فدخل النار فأبعده الله، فقلت: آمين، ومن أدرك أحد والديه فدخل النار فأبعده الله، فقلت: آمين، ومن أدرك رمضان فلم يُغفَر له فأبعده الله، فقلت: آمين)).

5- العمرة في رمضان ثوابها مضاعف:
عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عمرة في رمضان تعدِل حِجَّةً)).

6- ومن فضائل رمضان وخصائصه نزول القرآن الكريم فيه: قال الله تعالى: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [البقرة: 185]؛ قال الإمام ابن كثير رحمه الله: "يمدح تعالى شهر الصيام من بين سائر الشهور بأن اختاره من بينهن لإنزال القرآن العظيم، وكما اختصه بذلك قد ورد الحديث بأنه الشهر الذي كانت الكتب الإلهية تنزل فيه على الأنبياء"، وأخرج الإمام أحمد في مسنده عن واثلة بن الأسقع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أُنزِلت صحف إبراهيم عليه السلام في أول ليلة من رمضان، وأنزلت التوراة لستٍّ مَضَينَ من رمضان، والإنجيل لثلاث عشرة خَلَتْ من رمضان، وأُنزل القرآن لأربع وعشرين خَلَتْ من رمضان)).

7- ومن فضائل رمضان وخصائصه ليلةُ القدر التي هي خير من ألف شهر: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ﴾ [القدر: 1 - 5].

قال الإمام القرطبي رحمه الله: "قوله تعالى: ﴿ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ﴾ [القدر: 3]: بيَّن فضلها وعظمها، وفضيلة الزمان إنما تكون بكثرة ما يقع فيه من الفضائل، وفي تلك الليلة يقسم الخير الكثير الذي لا يوجد مثله في ألف شهر، والله أعلم".

وقال كثير من المفسرين: أي: العمل فيها خير من العمل في ألف شهر، ليس فيها ليلة القدر.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أتاكم شهر رمضان، شهر مبارك، فرض الله عليكم صيامه، تُفتح فيه أبواب الجنة، وتُغلق فيه أبواب الجحيم، وتُغَلُّ فيه مَرَدَةُ الشياطين، وفيه ليلة خير من ألف شهر، مَن حُرِمَ خيرها فقد حُرِم)).

8- من فضائله وخصائصه صلاة التراويح:
ذهب جمهور الفقهاء على سُنِّيَّةِ قيام ليالي رمضان، وقد ذكر النووي أن المراد بقيام رمضان صلاة التراويح؛ يعني أنه يحصل المقصود من القيام بصلاة التراويح؛ عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه))، قوله صلى الله عليه وسلم: (من قام رمضان إيمانًا): أي: تصديقًا بأنه حقٌّ، معتقدًا فضيلته، واحتسابًا يريد به الله وحده، لا رؤية الناس، ولا غير ذلك مما يخالف الإخلاص، غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه، والمعروف عند الفقهاء أن هذا مختص بغفران الصغائر دون الكبائر؛ وقال الإمام النووي رحمه الله: "قوله: (من قام رمضان) هذه الصيغة تقتضي الترغيب والندب، دون الإيجاب، واجتمعت الأمة على أن قيام رمضان ليس بواجب، بل هو مندوب".

9- ومن فضائله وخصائصه الاعتكاف:
عن عائشة رضي الله عنها، زوج النبي صلى الله عليه وسلم: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفَّاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده)).

قال الإمام الصنعاني رحمه الله: "فيه دليل على أن الاعتكاف سُنَّة، واظب عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأزواجه من بعده".

قال أبو داود عن أحمد: "لا أعلم عن أحد من العلماء خلافًا أن الاعتكاف مسنون".

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعتكف في العشر الأوسط من رمضان، فاعتكف عامًا، حتى إذا كان ليلة إحدى وعشرين، وهي الليلة التي يخرج من صبيحتها من اعتكافه، قال: من كان اعتكف معي، فليعتكف العشر الأواخر، وقد أُريت هذه الليلة ثم أُنسيتها، وقد رأيتُني أسجدُ في ماء وطين من صبيحتها، فالتمسوها في العشر الأواخر، والتمسوها في كل وِتْرٍ، فمطرت السماء تلك الليلة، وكان المسجد على عريش، فوقف المسجد، فبصرت عيناي رسول الله صلى الله عليه وسلم على جبهته أثر الماء والطين، من صبح إحدى وعشرين)).

10- أن شهر رمضان شهر الجُودِ ومدارسة القرآن:
عن ابن عباس، قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيُدارسه القرآن، فَلَرسُول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة)).
الحكمة من تشريع الصيام:
فالصيام له حِكَمٌ عظيمة وفوائد جليلة؛ ومنها:
1- أن الصوم وسيلة لتحقيق تقوى الله عز وجل.

2- إشعار الصائم بنعمة الله تعالى عليه.

3- تربية النفس على الإرادة، وقوة التحمُّل.

4- في الصوم قهر للشيطان.

5- الصوم مُوجِب للرحمة والعطف على المساكين.

6- الصوم يطهر البدن من الأخلاط الرديئة، ويكسبه صحةً وقوةً.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 01-04-2024, 04:50 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,299
الدولة : Egypt
افتراضي رد: وقفات رمضانية

وقفات رمضانية (2)

الموسم الرابع


د. عبدالسلام حمود غالب


حديثنا اليوم عن مراحل تشريع الصيام، والحكمة من تنوع العبادات، وأهم الأحداث في رمضان.

محبكم أبو إلياس الأنسي، اليمن، صنعاء.

مراحل تشريع الصيام:
فُرِضَ الصيام في السنة الثانية من الهجرة النبوية؛ قال البهوتي: "فُرِضَ في السنة الثانية من الهجرة، إجماعًا، فصام النبي تسع رمضانات إجماعًا".

وشُرِعَ صيامُ رمضانَ على مرحلتين:
المرحلة الأولى: مرحلة التخيير: أي: تخيير المكلَّف الْمُطِيق للصوم بين أمرين: الصيام؛ وهو الأفضل، والإفطار مع الفِدية؛ وهي إطعام مسكين، فمن زاد على ذلك، فهو خير وأبقى.

وفي هذا جاء قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 183، 184]، فكان من شاء صام، ومن شاء أفطر وفدى.

المرحلة الثانية:
والمرحلة الأخرى: مرحلة الإلزام والتَّحْتِيم: أي الإلزام بالصوم، ونسخ التخيير، الذي رخصت فيه الآية السابقة.

وفي ذلك نزل قوله تعالى: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [البقرة: 185].

ففي الصحيحين عن سلمة بن الأكوع قال: ((لما نزلت: ﴿ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ﴾ [البقرة: 184]، كان من أراد أن يُفطِر ويفتدي، حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها))؛ [متفق عليه]، وفي رواية لمسلم: ((حتى أُنزِلت هذه الآية: ﴿ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ﴾ [البقرة: 185]))، وقالت عائشة: ((كان عاشوراء يُصام، فلما نزل فرضُ رمضان، كان من شاء صام، ومن شاء أفطر))، وكذلك روى البخاري عن عبدالله بن عمر، وعبدالله بن مسعود مثله.

فأوجب الله الصيام على الصحيح المقيم، ورخَّص في الإفطار للمريض والمسافر.

وهذا هو المنهج الحكيم الذي اتخذه الإسلام في تشريعاته، وهو منهج التدرج في التشريع، الذي يقوم على التيسير لا التعسير.

وهذه المرحلة الإلزامية جاءت أيضًا على رتبتين؛ كان في الأولى تشديد عليهم، وفي الثانية تخفيف ورحمة.

فقد كانوا يأكلون ويشربون ويباشرون نساءهم ما لم يناموا، أو يصلوا العشاء، فإذا ناموا وصلوا العشاء، لم يَجُزْ لهم شيء من ذلك إلى الليلة القابلة.

وقد وقع لرجل من الأنصار أنه كان يعمل طول يومه، فلما حضر وقت الإفطار انطلقت امرأته لتطلب له الطعام، فلما حضرت وجدته قد غلبتْهُ عينُه من الجهد ونام، دون أن يتناول طعامًا، وعندما انتصف النهار في اليوم التالي، غُشِيَ عليه من شدة المشقة.

كما رُوِيَ أن بعض الصحابة - ومنهم عمر وكعب بن مالك - قد أصابوا من نسائهم بعدما ناموا، أو نامت نساؤهم، وشقَّ عليهم ذلك، وشكَوا للنبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله الآية الكريمة التي تمثل المرحلة الثالثة التي استقر عليها أمر الصيام؛ وهي قوله تعالى: ﴿ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 187].

ففرح بها المسلمون فرحًا شديدًا، فقد أباح لهم الرفث - أي الجماع - والطعام والشراب في جميع الليل، إلى تبيُّن الفجر، رحمةً ورخصةً ورِفْقًا، وعفا عما وقع منهم من تجاوزات.

الحكمة من تنويع العبادات:
نوَّع الله عز وجل العبادات لحِكَمٍ عظيمة؛ ومنها:
لئلا تَمَلَّ النفوس، ويصيبَها السَّأَمُ والملل من العمل الواحد، فإذا انتقلت من عبادة إلى أخرى، نشطت للعمل.

نوَّع الله العبادات ليختبر العبد هل يتبع هواه، ويفعل ما يوافق طبعه، أم يفعل ما أمره به ربه، فجعل من الدين ما ينقسم إلى كفٍّ عن المحبوبات كالصيام، فإنه امتناع عن المحبوبات من الطعام، والشراب، والجِماع؛ ابتغاءَ وجه الله عز وجل.

ومن الدين ما هو بذل للمحبوبات كالزكاة، والصدقة، وذلك بذل للمحبوب، وهو المال؛ ابتغاء وجه الله عز وجل.

وربما يَهُون على بعض الناس أن يصلي ألف ركعة، ولا يبذل درهمًا واحدًا، وربما يهون على بعض الناس أن يبذل ألف درهم، ولا يصوم يومًا واحدًا.

فجاءت الشريعة بالتنويع؛ ليُعرَف من يطيع هواه، ومن يطيع مولاه.

فالعبادات أقسام وأنواع:
بعضها بدنيٌّ محضٌ؛ كالصلاة، وبعضها مالي محض كالزكاة، وبعضها مركب منهما كالجهاد والحج، ولكل حكمة، وفي كل منافع؛ ليتبين المؤمن من المنافق، والكريم من البخيل، والشجاع من الجبان.

أهم الأحداث التاريخية الواقعة في رمضان:
إن أهم حدث في رمضان هو نزول القرآن الكريم، ثم وقعت أحداث تاريخية فاصلة كبرى في شهر رمضان، ونكتفي بذكر أشهرها، للاستدلال على أن النصر مرتبط بتطهير النفوس وصفائها، وسموِّها وترفُّعها عن أدران المادة، وأن أيام رمضان مباركة يُنتهَز فيها الخير والنصر والفضل الإلهي، إذا توجَّهت القلوب لربِّ الأرض والسماء؛ قال الله تعالى: ﴿ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ﴾ [الأنفال: 10].

1- معركة بدر الكبرى: وهي يوم الفرقان الذي فرَّق الله فيه بين الحق والباطل، فانتصر فيه الإسلام؛ رمز القيم العليا في التوحيد والتفكير، والحياة السوية، والأخلاق الصحيحة، واندحر الشرك والوثنية؛ رمز الانحدار والتخلف، والتعقيد، وإهدار الكرامة الإنسانية، والمعركة حدثت في يوم الجمعة في السابع عشر من شهر رمضان، من السنة الثانية للهجرة؛ قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [آل عمران: 123]، وقال ابن عباس: "كانت يوم الجمعة السابع عشر من شهر رمضان"، وفيها قُتِلَ فرعون الأمة؛ أبو جهل، أكبر أعداء الإسلام.

2- فتح مكة: وهو الفتح الأكبر؛ لقوله تعالى: ﴿ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا ﴾ [الفتح: 1]، حدث في يوم الجمعة في العشرين أو الحادي والعشرين من رمضان، من السنة الثامنة للهجرة، وقد تم به القضاء على فلول الوثنية، وتمَّ به تحطيم الأصنام حول الكعبة، وفي رمضان من السنة الخامسة كان استعداد المسلمين لغزوة الخندق، التي وقعت في شوال من العام نفسه.
3- وقعت بعض أحداث غزوة تبوك في رمضان سنة 9 هـ، وفي رمضان كانت معركة القادسية، ومعركة البويب، وفتح رودس.

4- انتشر الإسلام في اليمن في السنة العاشرة في رمضان، وأرسل النبي صلى الله عليه وسلم عليَّ بن أبي طالب على رأس سرية إلى اليمن، وحمل معه كتابًا إليهم.

5- هدم خالد بن الوليد لخمسٍ بَقِينَ من رمضان في السنة الثامنة البيتَ الذي كانت تُعبَد فيه العُزَّى في نخلة، وقال للرسول صلى الله عليه وسلم: تلك العزى ولا تُعبَد أبدًا، ووجَّه الرسول صلى الله عليه وسلم السرايا لهدم الأصنام.

6- قدم في السنة التاسعة في رمضان وفد ثقيف من الطائف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدون الإسلام، وهُدِمَ فيها صنم اللات الذي كانت تعبده ثقيف.

7- في صبيحة يوم الجمعة في 25 من رمضان 479 هـ حدثت موقعة الزَّلَّاقة - سهل يقع على مقربة من البرتغال الحالية - أو يوم العروبة والإسلام، وانتصر فيها جيش المرابطين المسلمين في الأندلس بقيادة يوسف بن تاشفين على جيش الفرنجة البالغ ثمانين ألف مقاتل بقيادة ألفونس السادس ملك قشتالة.

8- موقعة عين جالوت (قرية بين بيسان ونابلس): حدثت في صبيحة يوم الجمعة في الخامس عشر من رمضان سنة 658 هـ، الموافق 3 أيلول (سبتمبر) 1260م، بقيادة السلطان قطز سلطان المماليك في مصر، بعد أن صاح بأعلى صوته: وإسلاماه، وانتصر فيها على المغول الذين ولَّوا الأدبار لا يَلْوُون على شيء، وتم فيها توحيد مصر وبلاد الشام، وإنقاذ الإسلام والمسلمين من همجية المغول، كما أن البطل صلاح الدين خاض معارك حاسمة ضد الصليبيين في رمضان.

9 - فتح الأندلس: في رمضان كانت معركة طريف تمهيدًا لفتح الأندلس، وكانت معركة الزلاقة، ثم حدث فتح الأندلس في 28 رمضان سنة 92هـ/ 19 يوليو (تموز) 711 م، بقيادة طارق بن زياد، بعد أن هزم روذريق قائد القوط في موقعة حاسمة تعرف بـ"موقعة البحيرة"، بعد أن استولى على مضيق جبل طارق، وأحرق سفنه، وقال كلمته المشهورة: "البحر من ورائكم، والعدو من أمامكم"، ثم تمَّ بعدها فتح قرطبة وغرناطة وطليطلة العاصمة السياسية للأندلس.

وفي رمضان كانت آخر المعارك مع الصليبيين لتطهير أرضنا وديارنا من أرجاسهم، وفي العاشر من رمضان سنة 1393هـ/ 1973م كانت معركة العبور؛ أي عبور القوات المصرية المسلحة قناة السويس من الضفة الغربية إلى الضفة الشرقية، بعد احتلال اليهود لها مدة نحو سبع سنوات في الخامس من شهر حزيران سنة 1967م، ووصلت في العاشر من شهر رمضان القوات السورية إلى شواطئ بحيرة طبرية، ولقَّن الفلسطينيون العدوَّ الصهيوني في رمضان في معركة الكرامة في نيسان (أبريل) سنة 1968م درسًا لا ينساه مع قلتهم، وتمكُّن العدو في موقع إستراتيجي رائع.

10- في الوقت الحالي رمضان 1445 تجري المعركة في فلسطين فيُسطِّر أبناء غزة أروعَ المعارك والتضحيات في قتال العدو الإسرائيلي الغاصب والمحتل، فنسأل الله لهم النصر والتمكين في هذا الشهر الكريم.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 03-04-2024, 03:47 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,299
الدولة : Egypt
افتراضي رد: وقفات رمضانية

وقفات رمضانية (3) الموسم الرابع

حديثنا اليوم عن أركان الصوم؛ النية وما يتعلق بها، شروط الصوم

د. عبدالسلام حمود غالب

أركان الصيام:
للصيام ركنان:
الأول: النية:
تعريف النية: القصد، وهو اعتقاد القلب فعل شيء وعزمه عليه، من غير تردد، والمراد بها هنا: قصد الصوم، فمتى خطر بقلبه في الليل أن غدًا من رمضان، وأنه صائم فيه، فقد نوى.

هل النية شرط أو ركن؟ اتفق الفقهاء على أن النية مطلوبة في كل أنواع الصيام، فرضًا كان أو تطوعًا، إما على سبيل الشرطية أو الركنية، علمًا بأن الشرط: ما كان خارج ماهية أو حقيقة الشيء، والركن عند الحنفية: ما كان جزءًا من الماهية، ومحل النية: القلب، ولا يشترط التلفظ بها؛ ففي مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية: "وكذلك نية الصيام في رمضان، لا يجب على أحد أن يقول: أنا صائم غدًا، باتفاق الأئمة، بل يكفيه نية قلبه".

قال شيخ الإسلام رحمه الله في (الاختيارات ص 191): "ومن خطر بقلبه أنه صائم غدًا فقد نوى".

وفي الموسوعة الفقهية: "التبييت: وهو شرط في صوم الفرض عند المالكية والشافعية والحنابلة، والتبييت: إيقاع النية في الليل، ما بين غروب الشمس إلى طلوع الفجر، ويجوز أن تُقدَّم من أول الليل، ولا تجوز قبل الليل؛ وذلك لحديث ابن عمر، عن حفصة رضي الله تعالى عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من لم يجمع الصيام قبل الفجر، فلا صيام له))".
حكم النية في الصوم:
لا يصح الصوم بدون نية، وذلك باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة، وحُكِيَ الإجماع على ذلك؛ قال ابن قدامة: "وجملته أنه لا يصح صوم إلا بنية إجماعًا، فرضًا كان أو تطوعًا"؛ [المغني لابن قدامة (3/ 109)]؛ لأن الصوم عبادة محضة، فافتقر إلى النية، كالصلاة وغيرها، ولأن الصوم هو الإمساك لغةً وشرعًا، ولا يتميز الشرعي عن اللغوي إلا بالنية، فوجبت للتمييز.
وقت النية في الصوم:
يجب تبييت النية من الليل قبل طلوع الفجر، وهو مذهب الجمهور: المالكية، والشافعية، والحنابلة، وهو قول طائفة من السلف؛ قال ابن عبدالبر: "ولا يجوز صوم شهر رمضان إلا بأن يُبيِّتَ له الصوم، ما بين غروب الشمس إلى طلوع الفجر، بنيَّةٍ"؛ [الكافي (1/ 335)].

قال الشوكاني: "والحديث فيه دليل على وجوب تبييت النية وإيقاعها في جزء من أجزاء الليل، وقد ذهب إلى ذلك ابن عمر وجابر بن يزيد من الصحابة، ومالك والليث، وابن أبي ذئب"؛ [نيل الأوطار (4/ 232)].
حكم تجديد النية في كل يوم من رمضان:
اختلف أهل العلم في اشتراط تجديد النية في كل يوم من رمضان على قولين:
القول الأول: يشترط تجديد النية لكل يوم من رمضان؛ وهو مذهب الجمهور: الحنفية، والشافعية، والحنابلة؛ لأن كل يوم من رمضان عبادة مستقلة.

القول الثاني: أن ما يشترط فيه التتابع تكفي النية في أوله، فإذا انقطع التتابع لعذرٍ يُبيحه، ثم عاد إلى الصوم؛ فإن عليه أن يجدِّدَ النية؛ وهو مذهب المالكية، وقول زفر من الحنفية، واختاره ابن عثيمين؛ وذلك لأن الصوم المتتابع كالعبادة الواحدة، من حيث ارتباط بعضها ببعض، وعدم جواز التفريق بينها؛ ولذا تكفي النية الواحدة، كما أن النية إذا لم تقع في كل ليلة حقيقةً، فهي واقعة حكمًا؛ لأن الأصل عدم قطع النية.
حكم تبييت النية من الليل في صيام التطوع:
لا يشترط في صيام التطوع تبييت النية من الليل؛ وهو مذهب الجمهور، والدليل: فِعْلُ النبي عندما أصبح ولم يجد أكلًا، فقال: إني صائم.

حكم من علَّق الصوم، فقال مثلًا: إن كان غدًا رمضان، فهو فرضي، أو سأصوم الفرض:
إذا عقد الإنسان النية على أنه إن كان غدًا رمضان فهو فَرْضِي، أو سأصوم الفرض، فتبين أنه رمضان، فصومه صحيح، وهو رواية عن أحمد، وإليه ذهب ابن تيمية.

قال ابن تيمية: "والأظهر صحته - أي الصوم بنية التطوع بعد الزوال - كما نُقِل عن الصحابة"؛ [مجموع الفتاوى (25/ 120)، وابن عثيمين]؛ وذلك لأن هذا التردد مبنيٌّ على التردد في ثبوت الشهر، لا على التردد في النية، وهل يصوم أو لا يصوم، فهو ها هنا قد علق الصوم على ثبوت الشهر، فلو لم يثبت الشهر لم يصُمْ. حكم صوم من نوى قطع صومه في رمضان:
من نوى في يوم من رمضان قطعَ صومه، فإن صومه ينقطع، ولا يصح منه، وعليه القضاء وإمساك بقية اليوم، إن كان ممن لا يُباح لهم الفِطْرُ، فإن كان ممن يُباح لهم الفطر؛ كالمريض والمسافر، فعليه القضاء فقط، وهو مذهب المالكية، والحنابلة، ووجه عند الشافعية، واختاره ابن حزم، وابن عثيمين.

عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنما الأعمال بالنيات)).

أنه ما دام ناويًا للصيام، فهو صائم، وإذا نوى الإفطار أفطر، فالصوم عبارة عن نية، فإذا نوى قطعها انقطعت، كالصلاة إذا نوى قطعها، فإنها تنقطع، ولأن الأصل اعتبار النية في جميع أجزاء العبادة حقيقةً وحكمًا، ولكن لما شقَّ اعتبار النية حقيقةً وحكمًا، اعتبر بقاء حكمها، وهو ألَّا ينوِيَ قطعها، فإذا نواه زالت النية حقيقةً وحكمًا؛ لأن نية الإفطار ضد نية الصوم.

حكم التردُّد في النية:
من تردَّد في نية الصوم الواجب، هل يصوم غدًا أو لا يصوم؟ واستمر هذا التردد إلى الغد، ثم صامه، فصومه غير صحيح، وعليه قضاء هذا اليوم، وهذا مذهب الجمهور؛ من المالكية، والشافعية، والحنابلة، وهو قول بعض الحنفية؛ وذلك لأن هذا مخالف لشرط من شروط صحة الصوم وهو النية، التي هي عَقْدُ القلب على فعل الشيء، والتردد ينافي ذلك، ومتى اختلَّ هذا الشرط فسد الصوم، ووجب القضاء؛ قال النووي: "لو عقب النية بقوله: إن شاء الله، بقلبه أو بلسانه، فإن قصد التبرُّك أو وقوع الصوم وبقاء الحياة إلى تمامه بمشيئة الله تعالى، لم يضره، وإن قصد تعليقه والشك، لم يصحَّ صومه، هذا هو المذهب، وبه قطع المحققون"؛ [المجموع (6/ 298)]؛ قال الحجاوي: "ومن قال: أنا صائم غدًا إن شاء الله، فإن قصد بالمشيئة الشك والتردد في العزم والقصد، فسدت نيته، وإلا لم تفسد؛ إذ قصده أنَّ فِعْلَه للصوم بمشيئة الله وتوفيقه وتيسيره"؛ [الإقناع للحجاوي (1/ 309)].

قال الزيلعي: "وفي جوامع الفقه إذا قال: نويت أن أصوم غدًا إن شاء الله تعالى، صحَّت نيته؛ لأن النية عمل القلب دون اللسان، فلا يعمل فيه الاستثناء، وفي الذخيرة ذكر شمس الأئمة الحلواني أنه لا رواية لهذه المسألة، وفيها قياس واستحسان؛ القياس: ألَّا يصير صائمًا، كالطلاق والعتاق والبيع، وفي الاستحسان: يصير صائمًا؛ لأنه لا يُراد الإبطال، بل هو للاستعانة، وطلبًا للتوفيق"؛ [تبيين الحقائق ((1/ 316].
الركن الثاني: الإمساك عن المفطرات:
من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس؛ قال الله تعالى: ﴿ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 187].

شروط صحة الصيام:
1- الإسلام؛ لأن الصيام عبادة، فلا يصح من كافر خلاف من يقول: إن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة؛ قال ابن حزم: "اتفقوا على أن صيام نهار رمضان على الصحيح، المقيم، العاقل، البالغ الذي يعلم أنه رمضان، وقد بلغه وجوب صيامه، وهو مسلم"؛ [مراتب الإجماع (ص 39)، وانظر المحلى لابن حزم (6/ 160)]، وقال: "فمِنَ الفرض صيام شهر رمضان، الذي بين شعبان، وشوال؛ فهو فرض على كل مسلم، عاقل، بالغ، صحيح، مقيم، حرًّا كان أو عبدًا، ذكرًا أو أنثى، إلا الحائض والنُّفَساء، فلا يصومان أيام حيضهما ألبتة، ولا أيام نِفاسهما، ويقضيان صيام تلك الأيام، وهذا كله فرض متيقن من جميع أهل الإسلام"؛ [المحلى بالآثار (4/ 285)].

2- النية؛ لأن الصيام عبادة، فلا يصح إلا بنية.

3، 4- البلوغ والعقل؛ قال ابن عثيمين: "ويحصل بلوغ الذَّكَرِ بواحد من أمور ثلاثة: أحدها: إنزال المني باحتلام أو غيره، الثاني: نبات شعر العانة؛ وهو الشعر الخشن ينبُت حول القُبُل، الثالث: بلوغ تمام خمس عشرة سنةً، ويحصل بلوغ الأنثى بما يحصل به بلوغ الذَّكَر، وزيادة أمر رابع وهو الحيض"؛ [مجالس شهر رمضان (ص: 28)].

قال النووي: "المجنون لا يلزمه الصوم في الحال بالإجماع"؛ [المجموع (6/ 251)].

5- وبالنسبة للنساء الطهارة من الحيض والنِّفاس.

6- الإمساك عن المفطرات من أكل وشرب وجماع أو ما يقوم مقامها.

وقت الصيام:
وقت الصيام يبدأ من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس.
البلاد التي لا تطلع عليها الشمس إلا لحظات، أو لا تغيب عنها الشمس إلا لحظات، أو لا تغيب عنها الشمس صيفًا، أو لا تطلع فيها الشمس شتاءً، أو البلاد التي يستمر نهارها ستة أشهر، وليلها كذلك، أو أكثر أو أقل ونحو ذلك؛ فالخلاصة كما يلي:
فهذه البلاد يقدَّر وقت الصلاة والصيام فيها بأقرب بلد إليهم يتميز فيه الليل من النهار، فيحددون أوقات الصلوات الخمس، وأول الشهر، ونهايته، وبدء الإمساك في رمضان، ووقت الإفطار، حسب توقيت ذلك البلد في الصيف والشتاء.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 05-04-2024, 04:59 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,299
الدولة : Egypt
افتراضي رد: وقفات رمضانية

وقفات رمضانية (4) انواع الصيام


(الموسم الرابع)

د. عبدالسلام حمود غالب

حديثنا اليوم عن أنواع الصيام، وحال الناس وأقسامهم مع الصيام، ما بين صحيح ومريض ومسافر.

أنواع الصوم:
الصيام الذي شرعه الله عز وجل قسمان:
1- صيام واجب:
وهو ثلاثة أنواع:
1- ما يجب للزمان نفسه؛ وهو صوم شهر رمضان.

2- ما يجب لعلة وسبب؛ وهو صوم الكفَّارات.

3- ما يجب لإيجاب الإنسان ذلك على نفسه؛ وهو صوم النَّذْرِ.

2- صيام مستحَبٌّ:
وهو صيام التطوع؛ وهو نوعان:
1- صيام التطوع المطلق؛ كصيام يوم وإفطار يوم، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر ونحوهما.

2- صيام التطوع المقيَّد؛ كصيام الاثنين من كل أسبوع، وصيام أيام البِيض من كل شهر، وصيام يوم عرفة، ويوم عاشوراء من كل عام، ونحو ذلك.

حكم صوم رمضان:
يجب صوم رمضان على كل مسلم، بالغ، عاقل، مقيم، قادر على الصوم، ذكرًا كان أو أنثى، خالٍ من الموانع كالحيض والنِّفاس، وهذا خاص بالنساء.

قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [البقرة: 183 - 185]، وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بُنِيَ الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان))؛ [متفق عليه].

وعن طلحة بن عبيدالله رضي الله عنه ((أن أعرابيًّا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثائِرَ الرأس، فقال: يا رسول الله، أخبرني ماذا فرض الله عليَّ من الصلاة؟ فقال: الصلوات الخمس إلا أن تطَّوَّع شيئًا، فقال: أخبرني ما فرض الله عليَّ من الصيام؟ فقال: شهر رمضان إلا أن تطَّوَّع شيئًا، فقال: أخبرني بما فرض الله عليَّ من الزكاة، فقال: فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم شرائع الإسلام، قال: والذي أكرمك، لا أتَطَوَّع شيئًا، ولا أنقص مما فرض الله عليَّ شيئًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفلح إن صدق، أو: دخل الجنة إن صدق))؛ [متفق عليه].

حكم من أفطر عمدًا:
فلا شكَّ أن الفِطْرَ في نهار رمضان بغير سبب شرعي كبيرة من الكبائر، وإثم عظيم يحرم الإقدام عليه؛ لأن تعمُّدَ الفطر انتهاك لحرمة هذا الوقت العظيم، ومخالفة لأمر الله تعالى في قوله: ﴿ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ﴾ [البقرة: 187].

قال الإمام الذهبي في الكبائر: وعند المؤمنين مُقرَّر أنَّ مَن تَرَكَ الصلاة والصوم أنه شرٌّ من الزاني ومدمن الخمر، بل يشكُّون في إسلامه، ويظنون به الزَّندقةَ والإلحاد.

فالفطر في رمضان عمدًا من كبائر الذنوب، وعلى من وقع في ذلك أن يتوب إلى الله تعالى بالندم والعزم الصادق على عدم الإفطار مستقبلًا بغير عذر شرعي، ومن كان مستحِلًّا لذلك بالفطر، متعمِّدًا منكرًا له، فقد كفر، فيُستتاب، ومن جَهَرَ بالفطر عزَّره الإمام، وعاقبه العقوبة التي تردعه وأمثاله عن هذا الفعل العظيم؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "إذا أفطر في رمضان مستحِلًّا لذلك، وهو عالم بتحريمه، استحلالًا له، وجب قتله، وإن كان فاسقًا، عُوقِب عن فطره في رمضان، بحسب ما يراه الإمام، وإن كان جاهلًا، عُرِّف بذلك"؛ [انتهى من الفتاوى الكبرى 2/ 473]، وقال ابن حجر الهيتمي رحمه الله: "الكبيرة الأربعون والحادية والأربعون بعد المائة: ترك صوم يوم من أيام رمضان، والإفطار فيه بجِماعٍ أو غيره، بغير عذر من نحو مرض أو سفر"؛ [الزواجر 1/ 323]، وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: "فِطْرُ الْمُكَلَّف في نهار رمضان من كبائر الذنوب، إذا كان بغير عذر شرعي"؛ [انتهى من فتاوى اللجنة الدائمة 10/ 357]، وقال الشيخ ابن باز: "من أفطر يومًا من رمضان بغير عذر شرعي، فقد أتى منكرًا عظيمًا، ومن تاب تاب الله عليه، فعليه التوبة إلى الله بصدق، بأن يندم على ما مضى، ويعزم ألَّا يعود، ويستغفر ربه كثيرًا، ويبادر بقضاء اليوم الذي أفطره"؛ [انتهى]، وقال ابن عثيمين حول من أفطر عمدًا: "الفطر في نهار رمضان بدون عذر من أكبر الكبائر، ويكون به الإنسان فاسقًا، ويجب عليه أن يتوب إلى الله، وأن يقضي ذلك اليوم الذي أفطره"؛ [انتهى من مجموع فتاوى ورسائل العثيمين 19/ 89]، وقال ابن عبدالبر: "وأجمعت الأمة، ونقلت الكافة، فيمن لم يصُمْ رمضان عامدًا وهو مؤمن بفرضه، وإنما تركه أشَرًا وبَطَرًا، تعمَّد ذلك ثم تاب عنه، أن عليه قضاءه"؛ [انتهى من الاستذكار 1/ 77]، وفي فتاوى اللجنة الدائمة (10/143): "من ترك الصوم جحدًا لوجوبه فهو كافر إجماعًا، ومن تركه كسلًا وتهاونًا، فلا يكفُر، لكنه على خطر كبير بتركه ركنًا من أركان الإسلام، مجمعًا على وجوبه، ويستحق العقوبة والتأديب من وليِّ الأمر، بما يردعه وأمثاله، بل ذهب بعض أهل العلم إلى تكفيره، وعليه قضاء ما تركه، مع التوبة إلى الله سبحانه".

أقسام المسلمين في رمضان:
المسلمون في رمضان على ثلاثة أقسام:
قسم يجب عليه الصيام، وقسم يجب عليه الفطر، وقسم يجوز له الفطر والصوم.

الذين يجب عليهم الصيام:
وهم: كل مسلم، بالغ، عاقل، صحيح غير مريض، مقيم غير مسافر، والمرأة الطاهرة من الحيض والنِّفاس.

الذين يجب عليهم الفطر وعليهم القضاء:
1- الحائض والنُّفَساء:
عن معاذة قالت: ((سألت عائشة فقلت: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ فقالت: أحروريةٌ أنتِ؟ قلت: لستُ بحَرُورية، ولكني أسأل، قالت: كان يصيبنا ذلك، فنُؤمَر بقضاء الصوم، ولا نُؤمَر بقضاء الصلاة))؛ [أخرجه مسلم].

2- من خَشِيَ الهلاك بصومه، فيجب عليه الفطر لإنقاذ نفسه أو غيره؛ قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴾ [النساء: 29].


الذين يجوز لهم الفطر والصوم هم:
الأول: المريض: وللمريض ثلاث حالات:
1- أن يكون مرضه يسيرًا لا يتأثر بالصوم؛ كالزُّكَام والصداع اليسير، فهذا لا يجوز له أن يُفطِر.

2- أن يزيد مرضه بالصوم، أو يتأخر بُرؤه، ويشُق عليه الصوم لكن لا يضره، فهذا يُستحَبُّ له الفطر، ويُكرَه له الصوم؛ قال الله تعالى: ﴿ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [البقرة: 185].

3- أن يشق عليه الصوم، ويتسبَّب في ضرر قد يُفضي به إلى الهلاك، فهذا يجب عليه الفطر، ويحرم عليه الصوم؛ لِما فيه من تعريض نفسه للهلاك، وهو محرَّم؛ قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴾ [النساء: 29].

الثاني: المسافر: والمسافر له ثلاث حالات:
1- أن يشق عليه الصوم دون الهلاك، أو يُعِيقه عن فعل الخير، فهذا الفطر في حقِّه أولى من الصيام؛ عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فرأى زحامًا ورجلًا قد ظُلِّلَ عليه، فقال: ما هذا؟ فقالوا: صائم، فقال: ليس من البِرِّ الصومُ في السفر))؛ [متفق عليه].

وعن أنس رضي الله عنه قال: ((كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في السفر، فمنا الصائم ومنا الْمُفْطر، قال: فنزلنا منزلًا في يوم حارٍّ، أكثرنا ظِلًّا صاحب الكِساء، ومنا من يتقي الشمس بيده، قال: فسقط الصُوَّام، وقام المفطرون، فضربوا الأبنية وسقوا الركاب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذهب الْمُفْطِرون اليوم بالأجر))؛ [متفق عليه].

2- أن يشق عليه الصوم مشقة شديدة قد تُفضي به إلى الهلاك، فهذا يجب عليه الفطر؛ حفظًا للنفس من الهلاك؛ قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴾ [النساء: 29].

وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنه: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عام الفتح إلى مكة في رمضان، فصام حتى بلغ كُراعَ الغَمِيم، فصام الناس، ثم دعا بقَدحٍ من ماء فرفعه، حتى نظر الناس إليه، ثم شرِب، فقيل له بعد ذلك: إن بعض الناس قد صام، فقال: أولئك العصاة، أولئك العصاة))؛ [أخرجه مسلم].

3- ألَّا يشق عليه الصوم، ولا يعوقه عن فعل الخير، فهذا الصوم في حقه أولى من الفطر؛ قال الله تعالى: ﴿ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 184]، وعن حمزة بن عمرو الأسلمي رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله، أجِد بي قوةً على الصيام في السفر، فهل عليَّ جُناح؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هي رخصة من الله، فمن أخذ بها فحَسَنٌ، ومن أحب أن يصوم، فلا جناح عليه))؛ [متفق عليه].

وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: سأل حمزة بن عمرو الأسلمي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصيام في السفر، فقال: ((إن شئت فصُمْ، وإن شئت فأفْطِرْ))؛ [متفق عليه].

الثالث: الحامل والمرضع:
الحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما، أو على الجنين، أو الرضيع، فيجوز لهما الفطر، وتُطعمان عن كل يوم مسكينًا، ولا قضاء عليهما.

الرابع: المريض الذي لا يُرجى بُرؤه، والشيخ الكبير، والمرأة الكبيرة: فهؤلاء يُفْطِرون، ويُطعمون عن كل يوم مسكينًا، ولا قضاء عليهم؛ قال الله تعالى: ﴿ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 184].

حكم الحائض أو النُّفَساء إذا طهُرت:
إذا طهرت الحائض أو النفساء قبل الفجر، فيجب عليها الصوم كغيرها، ويصح صومها وإن أخَّرت الغسل لما بعد الفجر.

إذا طهرت الحائض أو النفساء أثناء النهار، فلا يلزمها الإمساك بقية اليوم، فلها أن تأكل وتشرب.

حكم تناول حبوب تأخير الحيض لِما بعد رمضان:
الأصل أن المرأة تُخضِع نفسها للفطرة التي فُطِرَتْ عليها مثل الحيض وغيره، فلها عذر في ذلك، فتفطر وتقضي بعد رمضان، ولكن يجوز للحائض أن تستخدم ما يقطع الحيض من أجل رمضان أو الحج إذا لم يضر بها، كما يقول الفقهاء والمجامع الفقهية، وتأخذ - إذا انقطع الدم - حكم الطاهرات في الصيام، والصلاة، والطواف، والجماع، وفي كل ما يجوز للطاهرات.

المستحاضة، وهي التي لا ينقطع عنها الدم لِعِلَّةٍ ومرض؛ كالنزيف، وليس دمَ حيضٍ، ولا في وقته، فلها حكم الطاهرات في كل شيء فتصوم، وتصلي كغيرها.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 06-04-2024, 01:07 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,299
الدولة : Egypt
افتراضي رد: وقفات رمضانية

وقفات رمضانيه (5) الموسم الرابع

د. عبدالسلام حمود غالب

حديثنا اليوم عن وقت فطر المسافر، وأقسام الصيام الواجب والمستحب، وبما يثبت دخول رمضان.
وقت الفطر للمسافر:
وممن يجوز له الفِطْرُ المسافرُ، إذا بدأ المسلم السفر قبل الفجر، فيجوز له الفطر؛ لأنه قد دخل في السفر.

وإن يبدأ السفر بعد الفجر، فإن الفطر يُباح له ذلك اليوم إذا فارق البلد، ولا يُفطِر قبل السفر؛ لأنه لا يجوز له أن يقصر الصلاة حتى يخرج من البلد، فكذلك لا يجوز أن يُفطِرَ حتى يخرج من البلد.

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((لا تعِبْ على من صام ولا على من أفطر، قد صام رسول الله صلى الله عليه وسلم، في السفر وأفطر))؛ [متفق عليه]، وله أن ينوِيَ الصوم وهو مسافر، ثم يبدو له أن يُفطِرَ، فيجوز له الفطر؛ لأنه من رُخَصِ السفر؛ عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ((كنا نسافر مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يَعِبِ الصائم على الْمُفْطِر، ولا الْمُفْطِر على الصائم))؛ [متفق عليه].
أقسام الصيام من حيث الحكم:
الصيام على أربعة أوجه:
1- الصوم الواجب:
وهو ثلاثة أنواع:
صوم شهر رمضان، والصوم الواجب بالنذر، والصوم الواجب في كفَّارة الجماع في نهار رمضان، وفي كفارة قتل الخطأ، وفي كفارة الظهار، وفي كفارة اليمين.
2- الصوم المستحب:
وهو صوم التطوع، وهو أنواع؛ منها: صوم يوم الاثنين، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وصوم يوم عرفة، وصوم يوم عاشوراء، ونحو ذلك.

الصوم المكروه، وهو أنواع؛ منها:
صيام أيام التشريق، وصوم المريض، وصوم المسافر الذي يشق عليه السفر، وصوم الدهر، ونحو ذلك.
الصوم المحرَّم، وهو أنواع؛ منها: صوم الحائض، وصوم النُّفَساء، وصوم يوم عيد الفطر، وصوم يوم عيد الأضحى، وصوم يوم الشكِّ، والوِصال ليوم أو يومين، ونحو ذلك.

أنواع الصيام في الكفَّارات:
1- كفارة الجماع:
في نهار رمضان هي عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يستطع صام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع أطْعَمَ ستين مسكينًا؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هَلَكْتُ، يا رسول الله، قال: وما أهلكك؟ قال: وقعت على امرأتي في رمضان، قال: هل تجد ما تُعتق رقبةً؟ قال: لا، قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا، قال: فهل تجد ما تُطعِم ستين مسكينًا؟ قال: لا، قال: ثم جلس، فأُتِيَ النبي صلى الله عليه وسلم بعَرَقٍ فيه تمر، فقال: تصدق بهذا قال: أفقر منا؟ فما بين لَابَتَيها أهلُ بيت أحوج إليه منا، فضحِك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه، ثم قال: اذهب فأطْعِمْه أهلك))؛ [متفق عليه].

2-كفارة قتل الخطأ:
بأن يقتل مؤمنًا خطأً، فيجب عليه أن يعتق رقبة مؤمنة، فإن لم يستطع صام شهرين متتابعين؛ قال الله تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾ [النساء: 92].
3- كفارة الظِّهار:
كأن يقول الزوج لزوجته: أنت عليَّ كظهر أمي؛ يريد تحريمها، فيجب عليه قبل أن يمَسَّ زوجته عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يستطع صام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع أطعم ستين مسكينًا؛ قال الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [المجادلة: 3، 4].
4- كفَّارة اليمين:
بأن يحلف المسلم على شيء فيَحنَث فيه، فيجب عليه عتق رقبة مؤمنة، أو إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، فإن لم يجد شيئًا من ذلك، فيجب عليه أن يصوم ثلاثة أيام؛ قال الله تعالى: ﴿ لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [المائدة: 89].

5- كفَّارة جزاء الصيد:
بأن يقتل الْمُحْرِم بالحج أو العمرة صيدًا بريًّا، فيجب عليه أن يقوِّمه بدراهم، ويطعم كل مسكين نصف صاع، أو يصوم عن طعام كل مسكين يومًا؛ قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ﴾ [المائدة: 95].

بِمَ يثبُت دخول رمضان:
دخول شهر رمضان يثبت بأحد أمرين:
الأول: رؤية هلال رمضان؛ ودليل ذلك قوله تعالى في آية الصيام: ﴿ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ﴾ [البقرة: 185]، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته))؛ [متفق عليه].

فإذا رأى مسلم عاقل بالغ، عدل موثوق بخبره وأمانته هلالَ رمضان، فقد ثبت دخول الشهر، وتعيَّن على الناس الشروع في صيامه.

الثاني: ويثبت دخول شهر رمضان أيضًا بتمام شعبان ثلاثين يومًا؛ لأن غاية الشهر القمري أن يكون ثلاثين يومًا، ولا يكون أكثر من ذلك؛ وقد روى البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الشهر هكذا وهكذا وهكذا - يعني ثلاثين يومًا - ثم قال: وهكذا وهكذا وهكذا؛ يعني تسعة وعشرين يومًا))؛ أي: أنه إما أن يكون ثلاثين أو تسعة وعشرين.

فإذا كمل شهر شعبان ثلاثين يومًا، فمعنى ذلك أن شهر رمضان قد بدأ بلا خلاف، وأيضًا فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غُمَّ عليكم، فأكملوا عدة شعبان ثلاثين))؛ [متفق عليه].

فإذا تحرَّى الناس الهلال ولم يَرَوه، فعليهم إتمام شعبان ثلاثين يومًا، ولا يجوز - على الصحيح - صيام يوم الثلاثين على أنه من رمضان؛ لعدم ثبوت دخول الشهر، وهذا اليوم - يوم الثلاثين - يُعرَف بيوم الشك؛ والدليل على عدم جواز صيام هذا اليوم قول عمار بن ياسر رضي الله عنه: ((من صام اليوم الذي يُشَكُّ فيه، فقد عصى أبا القاسم))؛ [رواه أبو داود]، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم النهي عن صوم يوم الشك؛ ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يتقدمن أحدكم رمضان بصيام يوم أو يومين، إلا أن يكون رجل كان يصوم صيامًا فليصمه)).

وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدم: ((صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غُمَّ - أي خَفِيَ - عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين))، والحديث واضح الدلالة على أن بدء الصوم مُعلَّق برؤية الهلال، فإذا لم تحصل الرؤية، لزِم الناس أن يكملوا شعبان ثلاثين يومًا.

وخلاصة الأمر في هذه المسألة: أن شهر رمضان إذا ثبت بأحد الطريقين المتقدمين، وجب على الناس الصيام، وإلا لم يَجُزِ الشروع في الصيام؛ لعدم ثبوت دخول رمضان.

كيفية خروج الشهر:
ثم إن الخروج من شهر رمضان يكون أيضًا بأحد الطريقين اللذين تقدم الحديث عنهما، غير أن ثبوت هلال شوال لا يثبت إلا برؤية شاهدين، بخلاف ثبوت هلال رمضان، فإنه يثبت برؤية شاهد واحد، بالشروط المعتبرة في الشهادة، وقد علَّلوا الفرق بينهما بأن الخروج من العبادة يُحتاط فيه أكثر مما يُحتاط في الدخول فيها.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 08-04-2024, 11:36 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,299
الدولة : Egypt
افتراضي رد: وقفات رمضانية

وقفات رمضانية (6)

الموسم الرابع

د. عبدالسلام حمود غالب

حديثنا اليوم عن أحكام متعلقة بالهلال؛ حكم طلب الرؤية، والعدد المعتبر للرؤية، واستخدام الوسائل الحديثة في رؤية الهلال، واختلاف المطالع واتحادها، وحكم استخدام الحساب الفلكي.

أحكام متعلقة برؤية الهلال:
حكم طلب رؤية الهلال:
ترائي الهلال ليلة الثلاثين من شعبان فرضٌ على الكفاية؛ نصَّ على ذلك الحنفية وغيرهم؛ [(فتح القدير) للكمال بن الهمام (2/ 313)، وينظر: (المسالك في شرح موطأ مالك) لابن العربي (4/ 165)، (حاشية البجيرمي على شرح المنهج)ومن الأدلة:
1- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غُبِيَ عليكم، فأكْمِلُوا عِدَّةَ شعبانَ ثلاثين)).

2- عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحفَّظ من شعبان ما لا يتحفظ من غيره، ثم يصوم لرؤية رمضان، فإن غُمَّ عليه، عدَّ ثلاثين يومًا ثم صام)).

3- عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((تراءى الناسُ الهلالَ، فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أني رأيته، فصامه، وأمر الناس بصيامه)).

4- وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ((كنا مع عمرَ بين مكة والمدينة، فتراءينا الهلالَ، وكنت رجلًا حديدَ البصر، فرأيته وليس أحدٌ يزعم أنه رآه غيري قال: فجعلت أقول لعمر: أمَا تراه؟ فجعل لا يراه، قال: يقول عمر: سأراه وأنا مستلقٍ على فراشي)).

قد حرص أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في حياته وبعد وفاته على رؤية هلال رمضان، فكانوا يتراءَونه؛ قال ابن عثيمين: "ترائي الهلال: هلال رمضان، أو هلال شوال، أمر معهود في عهد الصحابة رضي الله عنهم... ولا شكَّ أن هَدْيَ الصحابة رضي الله عنهم أكملُ الهَدْيِ وأتمُّه"؛ [مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (19/ 37)].

فإذا ثبت رؤية الهلال يجب صيام رمضان؛ عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: ((تراءى الناس الهلال، فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أني رأيته، فصامه، وأمر الناس بصيامه)).

ونقل الإجماع على ذلك ابن حزم؛ قال ابن حزم: "وأجمعوا على أن الكافة إذا أخبرت برؤية الهلال، أن الصيام والإفطار بذلك واجبان"؛ [مراتب الإجماع (ص: 40)]، وقال ابن قدامة: "وجملة ذلك أنه يُستحَبُّ للناس ترائي الهلال ليلة الثلاثين من شعبان، وتطلُّبه؛ ليحتاطوا بذلك لصيامهم، ويسلموا من الاختلاف، وقد روى الترمذي، عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أحصوا هلالَ شعبان لرمضان))، فإذا رأوه، وجب عليهم الصيام إجماعًا"؛ [المغني (3/ 106)]، وقال الزركشي: "أي: طلب الناس الهلال، فإن رأوه وجب صيامه، وهذا إجماع"؛ [شرح الزركشي على مختصر الخرقي (2/ 550)].
العدد المعتبر في الرؤية:
يكفي في ثبوت دخول رمضان شهادة عدل واحد، وهو مذهب الشافعية، والحنابلة؛ قال ابن قدامة: "وهو قول عمر، وعلي، وابن عمر، وابن المبارك"؛ [المغني (3/ 164)]، وطائفة من السلف؛ [الفروع لابن مفلح (4/ 416)، وينظر: المغني لابن قدامة (3/ 164)]، وهو اختيار ابن باز؛ قال ابن باز: "والهلال يثبت بشاهد واحد في دخول رمضان، شاهد عدل، عند جمهور أهل العلم"؛ [مجموع فتاوى ابن باز (15/ 61)، وابن عثيمين، الشرح الممتع لابن عثيمين].

عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((تراءى الناس الهلال، فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أني رأيته، فصامه، وأمر الناس بصيامه)).

وكذلك قياسًا على الأذان، فالناس يُفطِرون بأذان الواحد، ويُمسِكون بأذان الواحد؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن بلالًا يؤذِّن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذِّن ابن أم مكتوم)).

من رأى الهلال وحده: من رأى هلال رمضان وحده، ولم يشهد برؤيته، أو شهِد ولم تُقبَل شهادته.

فائدة: من رأى هلال رمضان وحده، وهو في مكان ناءٍ ليس فيه أحد، فإنه يصوم، ويبني على رؤيته؛ [ينظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (25/ 117، 118)، مجموع فتاوى ابن باز (15/ 73)، مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (19/ 74 - 75)]، وقد اختلف أهل العلم في صيامه على قولين:
القول الأول: يصوم بناءً على رؤيته، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة، وهو قول الظاهرية، وعليه أكثر أهل العلم؛ [ينظر: التمهيد لابن عبدالبر (14/ 355)، المجموع للنووي (6/ 280)، الفروع لابن مفلح (4/ 421)]؛ قال ابن عبدالبر: "لم يختلف العلماء فيمن رأى هلال رمضان وحده، فلم تُقبَل شهادته أنه يصوم؛ لأنه متعبد بنفسه لا بغيره، وعلى هذا أكثر العلماء، لا خلاف في ذلك إلا شذوذ لا يُشتغَل به"؛ [التمهيد (14/ 355)]، ودليلهم عموم قوله تعالى: ﴿ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ﴾ [البقرة: 185]، وعموم حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم: ((إذا رأيتم الهلال فصوموا)).

أنه قد أمر بالصيام عند رؤية الهلال، ومن رآه وحده داخل في عموم الأمر بذلك؛ لأن يقين نفسه أبلغُ من الظن الحاصل بالبيِّنة.

القول الثاني: يصوم مع الناس، إذا صاموا، ولا يبني على رؤيته؛ وهذا قول لبعض السلف، ورواية عن أحمد، وقال ابن المنذر: هذا القول عن عطاء، وإسحاق؛ [الإشراف (3/ 114)، المغني لابن قدامة (3/ 163)].

قال ابن تيمية: "والثالث - أي من الأقوال - يصوم مع الناس ويُفطر مع الناس، وهذا أظهر الأقوال"؛ [مجموع الفتاوى (25/ 114)]، قال ابن باز: "وإذا رأى الهلال شخص واحد، ولم تُقبَل شهادته لم يَصُمْ وحده، ولم يُفطِر وحده، في أصح قولي العلماء، بل عليه أن يصوم مع الناس، ويُفطِر مع الناس"؛ [مجموع فتاوى ابن باز (15/ 64)]، ودليل القول الثاني حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الصوم يوم تصومون، والفِطْرُ يوم تُفطرون، والأضحى يوم تضحُّون))؛ لأن الهلال هو ما هلَّ واشتهر بين الناس، لا ما رُئِيَ، وأن المعتبر في الصيام أو الإفطار هو الذي يثبت عند الناس، والشاهد الواحد إذا رأى الهلال ولم يحكم القاضي بشهادته، لا يكون هذا صومًا له، كما لم يكن للناس.

إكمال شعبان ثلاثين يومًا إذا لم تَثْبُتِ الرؤية في التاسع والعشرين:
إذا لم تثبت رؤية هلال رمضان في التاسع والعشرين من شعبان، فإننا نكمل شعبان ثلاثين يومًا، سواء كانت السماء مصحيةً أو مغيمةً؛ وهذا مذهب الجمهور من: الحنفية، والمالكية، والشافعية، ورواية عن أحمد؛ [تحفة الفقهاء للسمرقندي (1/ 345)].

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غُبِيَ عليكم، فأكملوا عدة شعبان ثلاثين)).

حكم صوم يوم الثلاثين من شعبان احتياطًا لرمضان:
يحرُم صوم يوم الثلاثين من شعبان (يوم الشك)؛ خوفًا من أن يكون من رمضان، أو احتياطًا.
اتفاق المطالع واختلافها:
إذا رأى أهلُ بلدٍ الهلالَ، فقد اختلف أهل العلم في وجوب الصيام على بقية أهل البلاد الأخرى بناءً على رؤية هذا البلد، على أقوال؛ أقواها قولان:
القول الأول: إذا رأى أهل بلد الهلال، فإنه يجب الصوم على الجميع مطلقًا؛ وهو مذهب الجمهور: الحنفية، والمالكية، والحنابلة؛ [حاشية ابن عابدين (2/ 393)، وينظر: بدائع الصنائع للكاساني (2/ 83)]، ودليلهم عموم قوله تعالى: ﴿ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ﴾ [البقرة: 185]، أن الخطاب يشمل جميع الأمة، فإذا ثبت دخول الشهر في بلد، وجب على الجميع صومه، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((صوموا لرؤيته))؛ فدلَّ الحديث أن الصوم بمطلق الرؤية لجميع المسلمين، دون تحديد ذلك بمكان معين.
القول الثاني: إذا رأى أهل بلد الهلال، فإنه لا يجب الصوم على الجميع مع اختلاف المطالع، وإنما يجب على من رآه أو كان في حكمهم؛ وهو الصحيح من مذهب الشافعية، وهو قول طائفة من السلف، واختاره الصنعاني، وابن عثيمين، ونقل ابن المنذر هذا القول عن عكرمة، وإسحاق، والقاسم، وسالم؛ [الإشراف (3/ 112)]؛ قال الصنعاني: "في المسألة أقوال ليس على أحدها دليلٌ ناهض، والأقرب لزوم أهل بلد الرؤية وما يتصل بها من الجهات التي على سِمَتِها"؛ [سبل السلام (2/ 151)]؛ قال ابن عثيمين: "وهذا القول هو القول الراجح، وهو الذي تدل عليه الأدلة"؛ [الشرح الممتع]، ودليلهم عموم قوله تعالى: ﴿ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ﴾ [البقرة: 185]، أن الذين لا يوافقون في المطالع من شاهده، لا يُقال: إنهم شاهدوه حقيقةً ولا حكمًا، والله تعالى أوجب الصوم على من شاهده.

1- عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته))، ونلاحظ أن النبي صلى الله عليه وسلم علَّل الأمر في الصوم بالرؤية، ومن يخالف مَن رآه في المطالع، لا يُقال: إنه رآه لا حقيقةً ولا حكمًا.

2- عن كريب ((أن أم الفضل بنت الحارث بعثته إلى معاوية بالشام، قال: فقدِمتُ الشامَ فقضيتُ حاجتها، واستهلَّ عليَّ رمضان وأنا بالشام، فرأيت الهلال ليلة الجمعة، ثم قدمت المدينة في آخر الشهر، فسألني عبدالله بن عباس رضي الله عنهما، ثم ذكر الهلال، فقال: متى رأيتم الهلال؟ فقلت: رأيناه ليلة الجمعة، فقال: أنت رأيته؟ فقلت: نعم، ورآه الناس وصاموا وصام معاوية، فقال: لكنا رأيناه ليلة السبت، فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه، فقلت: أو لا تكتفي - شكَّ يحيى بن يحيى أحد رواة الحديث في: نكتفي أو تكتفي - برؤية معاوية وصيامه؟ فقال: لا، هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم)).

فكما أن المسلمين مختلفون في الإفطار والإمساك اليومي، فلا بد أن يختلفوا كذلك في الإمساك والإفطار الشهري.
حكم الرؤية عبر الوسائل الحديثة:
أولًا: حكم الاعتماد على الأقمار الصناعية في رؤية الهلال:
لا يجوز الاعتماد على الأقمار الصناعية في رؤية الهلال؛ وهذا قول ابن عثيمين؛ وذلك لأن الأقمار الصناعية تكون مرتفعةً عن الأرض التي هي محل ترائي الهلال.
ثانيًا: حكم استعمال المراصد الفلكية لرؤية الهلال:
يجوز استعمال المراصد الفلكية لرؤية الهلال كالدربيل، وهو الْمِنْظار الْمُقَرَّب، ولكنه ليس بواجب، فلو رأى الهلال عبرها مَن يُوثَق به، فإنه يعمل بهذه الرؤية؛ وهو اختيار ابن باز وابن عثيمين، وبه صَدَرَ قرار هيئة كبار العلماء، وهو قرار مجمع الفقه الإسلامي؛ قال ابن باز: "أما الآلات فظاهر الأدلة الشرعية عدم تكليف الناس بالتماس الهلال بها، بل تكفي رؤية العين، ولكن مَن طالَعَ الهلال بها وجزم بأنه رآه بواسطتها بعد غروب الشمس وهو مسلِمٌ عَدْلٌ، فلا أعلم مانعًا من العمل برؤيته الهلال؛ لأنها من رؤية العين لا من الحساب"؛ [مجموع فتاوى ابن باز (15/ 69)]، قال ابن عثيمين: "ولا بأس أن نتوصَّل إلى رؤية الهلال بالمنظار، أو المراصد"؛ [مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (19/ 62)]، وقال ابن عثيمين أيضًا: "وقد كان الناس قديمًا يستعملون ذلك لمَّا كانوا يصعَدون المنائر في ليلة الثلاثين من شعبان، أو ليلة الثلاثين من رمضان، فيتراءونه بواسطة هذا المنظار"؛ [مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (19/ 36)]، وهذا أيضًا من قرارات مجمع الفقه الإسلامي الدولي في دورته الثانية التي عقدت في جدة عام (1985م)، ودورته الثالثة التي عُقِدت في عمان عام (1986م)؛ [موقع مجمع الفقه الإسلامي الدولي]، وذلك بجواز استخدام المراصد.
ضوابط استخدام المنظار والمراصد:
١- الاستعانة بها، لا الاعتماد عليها، وجعلها معيارًا للرؤية، فلا تثبت الرؤية إلا إذا شهِدت لها المراصد.

٢- عدم التكلف في استخدامها.

٣- تحقق الرؤية البصرية من خلالها.

٤- أن تكون بأيدي إسلامية عدلة.

٥- أن تعطي الصورة للموقع نفسه؛ إذ لو لم تكن كذلك، فقد تُعطَى صورة لموقع سابق، ودليل الجواز عموم ما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((فإذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا))، وأن هذه الرؤية تحصل باستعمال المراصد الفلكية.
ثالثًا: حكم استخدام الحساب الفلكي:
القول الأول:
لا يجوز العمل بالحساب الفلكي، ولا الاعتماد عليه، في إثبات دخول رمضان تعليق إثبات الشهر القمري بالرؤية يتفق مع مقاصد الشريعة السمحة؛ لأن رؤية الهلال أمرها عامٌّ يَتَيَسَّرُ لأكثر الناس من العامة والخاصة، في الصحاري والبنيان، بخلاف ما لو عُلِّق الحكم بالحساب، فإنه يحصُل به الحرج، ويتنافى مع مقاصد الشريعة؛ لأن أغلب الأمة لا يعرف الحساب، ودعوى زوال وصف الأُمِيَّة بعلم النجوم عن الأمة غير مُسلَّمة، ولو سلِمت، فذلك لا يُغيِّرُ حُكْمُ الله؛ لأن التشريع عام للأمة في جميع الأزمنة؛ [مجموع فتاوى ابن باز (15/ 112)].

1- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غُبِيَ عليكم، فأكملوا عدة شعبان ثلاثين)).

2- عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ رمضان فقال: ((لا تصوموا حتى تَرَوا الهلال، ولا تُفْطِروا حتى تَرَوه، فإن غُمَّ عليكم، فاقدُروا له)).

ونلاحظ من الأحاديث السابقة:
1- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جَعَلَ الْحُكْمَ بالهلال مُعلَّقًا على الرؤية وحدها؛ فهي الأمر الطبيعي الظاهر الذي يستطيعه عامة الناس، فلا يحصل لَبْسٌ على أحد في أمر دينه؛ كما جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنا أُمَّةٌ أُمِيَّة لا نكتب، ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا))؛ يعني: مرةً يكون تسعةً وعشرين، ومرةً يكون ثلاثين.

2- أن النبي صلى الله عليه وسلم أمَرَ المسلمين إذا كان هناك غَيمٌ ليلة الثلاثين أن يُكملوا العدة، ولم يأمر بالرجوع إلى علماء الفلك، وقد جرى العمل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد الصحابة رضي الله عنهم على ذلك، ولم يرجعوا إلى علماء النجوم في التوقيت، ولو كان قولهم هو الأصل وحده، أو أصلًا آخر مع الرؤية في إثبات الشهر، لبيَّن ذلك، فلما لم يُنقَل ذلك، بل نُقِل ما يخالفه، دلَّ على أنه لا اعتبار شرعًا لما سوى الرؤية، أو إكمال العدة ثلاثين في إثبات الشهر، وأن هذا شرع مستمر إلى يوم القيامة.

3- الرؤية في الحديث متعدية إلى مفعول واحد، فكانت بصريةً لا علميةً.

4- كما أن الصحابة فهِموا أنها رؤية بالعين، وهم أعلم باللغة ومقاصد الشريعة من غيرهم.

ونقل الإجماع على ذلك الجصَّاص، وابن رشد، والقرطبي، وابن تيمية؛ قال الجصاص: "فالقائل باعتبار منازل القمر وحساب المنجِّمين خارج عن حكم الشريعة، وليس هذا القول مما يَسُوغ الاجتهاد فيه؛ لدلالة الكتاب ونص السنة، وإجماع الفقهاء بخلافه"؛ [أحكام القرآن (1/ 250)]، وقال ابن تيمية: "نعلم بالاضطرار من دين الإسلام أن العمل في رؤية هلال الصوم أو الحج، أو العِدَّة أو الإيلاء، أو غير ذلك من الأحكام المعلقة بالهلال بخبر الحاسب، أنه يُرى أو لا يُرى، لا يجوز، والنصوص المستفيضة عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك كثيرة، وقد أجمع المسلمون عليه"؛ [مجموع الفتاوى (25/ 132)]، وقال أيضًا: "ولا يُعرَف فيه خلاف قديم أصلًا، ولا خلاف حديث، إلا أن بعض المتأخرين من المتفقهة الحادثين بعد المائة الثالثة، زعم أنه إذا غُمَّ الهلال جاز للحاسب أن يعمل في حق نفسه بالحساب، فإن كان الحساب دلَّ على الرؤية صام، وإلا فلا، وهذا القول - وإن كان مقيدًا بالإغمام ومختصًّا بالحاسب - فهو شاذ مسبوق بالإجماع على خلافه، فأما اتباع ذلك في الصَّحْوِ، أو تعليق عموم الحكم العام به، فما قاله مسلم"؛ [مجموع الفتاوى (25/ 132، 133)].

قال القرطبي: "وهذا لا نعلم أحدًا قال به - أي: الأخذ بالحساب وتقدير المنازل - إلا بعض أصحاب الشافعي، أنه يعتبر في ذلك بقول المنجمين، والإجماع حجة عليهم"؛ [تفسير القرطبي (2/ 293)]، وقال ابن باز: "ومن خالف في ذلك من المعاصرين، فمسبوق بإجماع من قبله، وقوله مردود؛ لأنه لا كلام لأحد مع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا مع إجماع السلف"؛ [مجموع فتاوى ابن باز (15/ 109)].
ما نُقِل عن المذاهب الأربعة في حكم في الاعتماد على الحساب الفلكي:
من أقوال المذهب الشافعي في الاعتماد على الحساب الفلكي:
في كتاب (أسنى المطالب شرح روض الطالب) للشيخ زكريا الأنصاري المتوفى سنة 925 ه، في مذهب الإمام الشافعي (ج1/ 410، المكتبة الإسلامية) ما نصه: "ولا عبرة بالمنجِّم - أي بقوله - فلا يجب به الصوم ولا يجوز، والمراد بآية: ﴿ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ﴾ [النحل: 16] الاهتداء في أدلة القِبلة وفي السفر".

من أقوال المذهب الحنفي في الاعتماد على الحساب الفلكي:
قال الفقيه الحنفي ابن عابدين المتوفى سنة 1252 ه في (حاشيته على الدر المختار)، وهي من أشهر كتب السادة الحنفية (ج3/ 354، دار الكتب العلمية، كتاب الصوم): "لا عبرة بقول المؤقِّتين أي في وجوب الصوم على الناس، بل في المعراج لا يعتبر قولهم بالإجماع، ولا يجوز للمنجم أن يعمل بحساب نفسه".

من أقوال المذهب المالكي في الاعتماد على الحساب الفلكي:
في (الدر الثمين والمورد المعين) للشيخ أبي عبدالله محمد بن أحمد ميارة المالكي المتوفى سنة 1072 ه (دار الفكر، ص327) قال ما نصه: "فرع: قال الشهاب القرافي (المتوفى سنة 684 ه) عن سند (المتوفى سنة 541 ه): ولو كان إمام يرى الحساب، فأثبت به الهلال، لم يُتَّبع لإجماع السلف على خلافه".

وفي كتاب (الشرح الكبير) للشيخ أحمد الدردير المالكي الأزهري، المتوفى سنة 1201ه (ج1/ 462) في مذهب مالك ما نصه: "ولا يثبت رمضان بمنجِّم؛ أي: بقوله في حق غيره، ولا في حق نفسه".

من أقوال المذهب الحنبلي في الاعتماد على الحساب الفلكي:
قال البهوتي الحنبلي المتوفى سنة 1051ه في (كشاف القناع ج2/ 302، دار الفكر) ما نصه: "وإن نواه - أي صوم يوم الثلاثين من شعبان - بلا مستند شرعي من رؤية هلاله، أو إكمال شعبان، أو حيلولة غيم، أو قتر، ونحوه، كأن صامه لحساب ونجوم، ولو كثرت إصابتهما، أو مع صحوٍ، فبان منه، لم يُجزئه صومه؛ لعدم استناده لِما يُعوَّل عليه شرعًا".

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 08-04-2024, 11:38 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,299
الدولة : Egypt
افتراضي رد: وقفات رمضانية

وقفات رمضانية (7) الموسم الرابع

د. عبدالسلام حمود غالب

حديثنا اليوم عن الأحكام التالية:
صوم المجنون، وصوم الصبي، وصوم المغمى عليه، وصوم السكران، وصوم الصغير، وصوم النائم طوال اليوم، وصوم قاطع الصلاة، وصوم المريض والمسافر.

ملاحظة: يمكن النقل والنشر للموضوعات مع الإشارة للناقل، وبالتوفيق للجميع.
وصومًا مقبولًا وذنبًا مغفورًا.

- حكم صوم المجنون:
المجنون ليس من المكلفين، فلا تجب عليه عبادة.

وإذا جُنَّ المسلم جميع النهار في رمضان من قبل الفجر أو بعد الفجر إلى غروب الشمس، فلا يصح صومه، ولا يلزمه القضاء؛ لأنه ليس أهلًا للعبادة وغير مكلف.

- حكم صوم المغمى عليه:
مذهب الإمامين الشافعي وأحمد أن من أصيب بإغماء في رمضان لا يخلو من حالين:
الأولى: أن يستوعب الإغماء جميع النهار، بمعنى أنه يغمى عليه قبل الفجر ولا يفيق إلا بعد غروب الشمس، فهذا لا يصح صومه، وعليه قضاء هذا اليوم بعد رمضان.

والدليل على عدم صحة صومه أن الصوم إمساك عن المفطرات مع النية؛ لقول الله تعالى في الحديث القدسي عن الصائم: ((يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي))؛ رواه البخاري (1894)، ومسلم (1151).

فأضاف الترك إلى الصائم، والمغمى عليه لا يُضاف إليه الترك.

وأما الدليل على وجوب القضاء عليه فقول الله تعالى: ﴿وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة: 185].

الثانية: أن يفيق جزءًا من النهار- ولو لحظة- فهذا يصح صيامه، سواء أفاق من أول النهار أو آخره أو وسطه.

قال النووي رحمه الله وهو يذكر اختلاف العلماء في هذه المسألة:
وأصحُّ الأقوال: يشترط الإفاقة في جزءٍ منه؛ ا هـ.
أي: يشترط لصحة صوم المغمى عليه أن يفيق جزءًا من النهار.

والدليل على صحة صومه إذا أفاق جزءًا من النهار أنه قد وجد منه الإمساك عن المفطرات في الجملة؛ انظر: "حاشية ابن قاسم على الروض المربع "(3/381).

والخلاصة:
أن الرجل إذا أغمي عليه جميع النهار-أي من طلوع الفجر إلى غروب الشمس- لم يصح صومه، وعليه القضاء.

وإذا أفاق في أي جزء من النهار صحَّ صومه. وهذا هو مذهب الشافعي وأحمد واختاره الشيخ ابن عثيمين رحمه الله؛ انظر: المجموع (6/346)، والمغني (4/344)، الشرح الممتع (6/365).

صيام السكران:
يحرم تناول المسكر في رمضان وغيره، وهو في رمضان أشد حرمة.

ويصح الصوم إذا نواه من الليل، وأفاق جزءًا من النهار، فإذا لم يفق النهار كله لم يصحَّ صومُه ولزمه القضاء.

قال زكريا الأنصاري في "شرح منهج الطلاب مع حاشية البجيرمي" (2/ 76): (وشرطه إسلام وعقل ونقاء) عن نحو حيض (كل اليوم)، فلا يصح صوم من اتَّصف بضد شيء منها في بعضه؛ كالصلاة.

(ولا يضر نومه)؛ أي: نوم كل اليوم، (و) لا (إغماء، أو سكر بعضه) بخلاف إغماء، أو سكر كله؛ لأن الإغماء والسكر يخرجان الشخص عن أهلية الخطاب، بخلاف النوم؛ إذ يجب قضاء الصلاة الفائتة به، دون الفائتة بالإغماء والسكر في الجملة.

وذكْر السكر من زيادتي، فمن شرب مسكرًا ليلًا، وصحا في بعض النهار صحَّ صومه"؛ انتهى.

وقال سليمان الجمل في حاشيته على "شرح المنهج"(2/ 334): "والحاصل: أن كلًّا من الإغماء والسكر بتعدٍّ أو دونه، إن استغرق النهار، وجب القضاء، وإلا بأن لم يستغرق، وقد نوى ليلًا، أجزأه"؛ انتهى.

- حكم صوم النائم:
إذا تسحَّر المسلم ثم نام ولم يستيقظ إلا بعد غروب الشمس:
فإن كان معذورًا بمرض أو إرهاق،فصومه صحيح، ولا قضاء عليه.

وإن كان غير معذور فصومه صحيح، لكنه آثم بالنوم عن الصلوات المفروضة، وتعطيل وقت الطاعة والعمل، والإسراف في النوم؛ فعليه التوبة والاستغفار، وقضاء ما فاته من الصلوات.

- حكم من يصوم دون أن يصلي:
الصلاة ركن من أركان الإسلام، وإذا أنكرها أو جحدها، فقد يخرج من دائرة الإسلام، وإذا كان متهاونًا أو متكاسلًا أو يصلي يومًا ويومًا أو صلاة دون صلاة، فلا يخرج من دائرة الإسلام؛ ولكن قد يعزر لذلك ويؤمر بها.

وصيامه صحيح؛ لأن الصيام عبادة مستقلة، وهو ركن مستقل من أركان الإسلام.

- حكم صوم الصبي:
العبادات لا تجب إلا على البالغ العاقل، لكن ينبغي لوليِّ أمر الصغير أن يأمره بالصيام، ويرغِّبه فيه، ليعتاد عليه من الصغر ما دام مستطيعًا له.

عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالتْ: أرْسَل النبيُّ صلى الله عليه وسلم غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إلى قُرَى الأنْصار: «مَنْ أصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَمَنْ أصْبَحَ صَائِمًا فَليَصُمْ». قالتْ: فَكُنَّا نَصُومُهُ بَعْدُ، وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا، وَنَجْعَلُ لَهُمُ اللُّعْبَةَ مِنَ العِهْنِ، فَإِذَا بَكَى أحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أعْطَيْنَاهُ ذَاكَ حَتَّى يَكُونَ عِنْدَ الإفْطَار؛ متفق عليه.

وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «رُفِعَ القَلَمُ عَنْ ثلاثةٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّبيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنِ المَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ»؛ أخرجه أبو داود والترمذي.

- حكم صوم رمضان بنية واحدة:
صوم رمضان عبادة واحدة مستقلة مركبة من أجزاء، وهي الأيام، كالصلاة عبادة مستقلة مركبة من أركان، وهي القيام والركوع والسجود وغيرها، فيجوز صوم رمضان بنية واحدة في أول الشهر، وكذا كل صيام متتابع كصوم كفَّارة الجِماع في نهار رمضان، وكفارة الظِّهار والقتل الخطأ ونحوها، ما لم يقطعه بسفر أو مرض، أو يصيب المرأة حيض أو نفاس، فيلزم حينئذٍ استئناف النية.

والأولى عند البعض تجديد النية يوميًّا، وقد ذكرنا الأقوال في بحث سابق حول أركان الصيام، فليُراجع.

يجب تعيين نية الصوم من واجب أو تطوُّع، فينوي ما يصوم له من أداء رمضان أو قضائه أو نذر أو كفارة أو تطوع.

عَنْ عُمَرَ بن الخَطَّابِ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إنَّمَا الأعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلى دُنْيَا يُصِيبُهَا أوْ إلى امْرَأةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إلى مَا هَاجَرَ إلَيْهِ»؛ متفق عليه.

- حكم من صام في بلد ثم سافر:
إذا صام المسلم في بلد ثم سافر إلى بلد آخر، فحكمه في الصيام والإفطار حكم البلد الذي انتقل إليه، فيفطر معهم إذا أفطروا.

وإن أفطر معهم لأقل من تسعة وعشرين يومًا قضى يومًا بعد العيد، ولو صام معهم أكثر من ثلاثين يومًا فلا يفطر إلا معهم.

- حكم من صام أو أفطر خطأ:
إذا أذَّن المؤذن قبل الوقت، ثم أفطر بعض المسلمين بأذانه، فعليهم قضاء ذلك اليوم، وهكذا لو تأخَّر المؤذن فلم يؤذن إلا بعد وقت طويل من طلوع الفجر، فأمسكوا بأذانه، فعليهم قضاء ذلك اليوم؛ لأن الله عز وجل حدَّ حدودًا، وجعل لكل عبادة بداية ونهاية، وأوجب على المسلم أن يصوم يومًا كاملًا من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وحق الله يجب ضمانه.

وهذا الخطأ يُسقط الإثم، ولكنه لا يُسقط الحق، فالحق ثابت، ودَيْن الله أحقُّ أن يُقضى.

إذا صام المسلمون وحال دون الشمس غيم أو قتر فأفطروا ثم طلعت الشمس، أمسكوا إلى الغروب، وصومهم صحيح، ولا قضاء عليهم.

عَنْ أسْمَاءَ بِنْتِ أبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَتْ: «أفْطَرْنَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ غَيْمٍ، ثُمَّ طَلَعَتِ الشَّمْسُ»؛ أخرجه البخاري.

- حكم الصيام في السفر:
لكل مسلم في الصلاة والصيام حكم المكان الذي هو فيه، فالصائم يمسك ويفطر في المكان الذي هو فيه، سواء كان على سطح الأرض، أو كان على سفينة في البحر، أو كان على طائرة في الجو.

- والمسافر في رمضان له ثلاث حالات:
1- إن كان الصيام والفطر بالنسبة له سواء فالصيام أولى.

2- وإن كان يشق عليه الصيام في السفر فالفطر أولى.

3- وإن كان يشق عليه الصيام في السفر مشقة شديدة فالفطر في حقه واجب، ويقضي فيما بعد.

عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: «كُنَّا نُسَافِرُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمْ يَعِبِ الصَّائِمُ عَلَى المُفْطِرِ، وَلا المُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ»؛ متفق عليه.

- حكم صيام الكبير والعاجز:
وقال ابن قدامة في "المغني" (4/396): "الشَّيْخُ الْكَبِير وَالْعَجُوز إذَا كَانَ يُجْهِدُهُمَا الصَّوْمُ، وَيَشُقُّ عَلَيْهِمَا مَشَقَّةً شَدِيدَةً، فَلَهُمَا أَنْ يُفْطِرَا وَيُطْعِمَا لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا، فَإِنْ كَانَ عَاجِزًا عَنِ الإِطْعَامِ أَيْضًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلا وُسْعَهَا، وَالْمَرِيضُ الَّذِي لا يُرْجَى بُرْؤُهُ يُفْطِرُ، وَيُطْعِمُ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا؛ لأَنَّهُ فِي مَعْنَى الشَّيْخِ"؛ ا هـ باختصار.

وفي الموسوعة الفقهية (5/117): "اتَّفَقَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ يُصَارُ إلى الْفِدْيَةِ فِي الصِّيَامِ عِنْدَ الْيَأْسِ مِنْ إمْكَانِ قَضَاءِ الأَيَّامِ الَّتِي أَفْطَرَهَا لِشَيْخُوخَةٍ لا يَقْدِرُ مَعَهَا عَلَى الصِّيَامِ، أَوْ مَرَضٍ لا يُرْجَى بُرْؤُهُ؛لقوله تعالى: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ [البقرة: 184]، وَالْمُرَادُ مَنْ يَشُقُّ عَلَيْهِمْ الصِّيَامُ"؛ ا هـ.

وقال الشيخ ابن عثيمين في فتاوى الصيام (ص111): "لا بد أن نعرف أن المريض ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: مريض يُرجى برؤه مثل ذوي الأمراض الطارئة التي يرجى أن يشفى منها، فهذا حكمه كما قال الله تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة: 184]، ليس عليه إلا أن ينتظر البرء ثم يصوم، فإذا قدر أنه استمر به المرض في هذه الحال، ومات قبل أن يشفى فإنه ليس عليه شيء؛ لأن الله إنما أوجب عليه القضاء في أيام أُخَر وقد مات قبل إدراكها، فهو كالذي يموت في شعبان قبل أن يدخل رمضان لا يقضى عنه.

القسم الثاني: أن يكون المرض ملازمًا للإنسان مثل مرض السرطان- والعياذ بالله- ومرض الكلى، ومرض السكر وما أشبهها من الأمراض الملازمة التي لا يُرجى انفكاك المريض منها، فهذه يفطر صاحبها في رمضان، ويلزمه أن يطعم عن كل يوم مسكينًا؛ كالكبير والكبيرة اللذين لا يطيقان الصيام يفطران ويطعمان عن كل يوم مسكينًا، ودليل ذلك من القرآن قوله تعالى: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ [البقرة: 184]؛ ا هـ.

من أفطر لكبر سِنٍّ أو مرض لا يرجى برؤه، مقيمًا كان أو مسافرًا، أطعم عن كل يوم مسكينًا، ويكفيه ذلك عن الصيام.

من أصابه الخرف والتخليط فلا صيام عليه ولا كفَّارة؛ لأنه مرفوع عنه القلم، ويسقط عنه التكليف.

قال الله تعالى: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة: 184].

- صفة الإطعام:
إذا لم يستطع المسلم الصيام لكبر أو مرض لا يرجى برؤه أطعم عن كل يوم مسكينًا، وله في الإطعام طريقان:

الأول: أن يصنع طعامًا حسب طعام أوسط الناس في بلده، ويطعمه ثلاثين فقيرًا عن كامل شهر رمضان.

الثاني: أن يعطي الفقراء ستة أصواع من أرز أو بُرٍّ أو نحوهما من طعام بلده، ويقسمها على الثلاثين، ومعها اللحم الذي يكفيها أو غيره، حسب عادة بلده، ويخرجها عن كامل شهر رمضان.

والبعض يضيف قولًا ثالثًا الآن: حيث يقدر الإطعام بمبلغ مالي يُعطى للفقير عن كل يوم، فتكون قيمة وجبة متوسطة القيمة ويقدرها البعض في اليمن بنحو ألف ريال عن اليوم وقد تزيد.

وقت الإطعام:
اختلف العلماء في حكم تعجيل فدية الشيخ الفاني العاجز عن الصوم من أول الشهر أو وسطه، وإخراجها عمَّا تبقى من الشهر كله، وذلك على قولين:
القول الأول: جواز التعجيل مطلقًا في أول الشهر الفضيل، وليس قبله، وهو مذهب الحنفية، يقول ابن عابدين رحمه الله: "للشيخ الفاني العاجز عن الصوم الفطر، ويفدي وجوبًا، ولو في أول الشهر؛ أي: يخير بين دفعها في أوله وآخره"؛ انتهى من "الدر المختار وحاشية ابن عابدين " (2/ 427).

القول الثاني: لا يجوز تعجيل فدية يومين فأكثر، ويجوز تعجيل فدية يوم واحد فقط، وهو مذهب الشافعية.

يقول الخطيب الشربيني رحمه الله: "وليس لهم، ولا للحامل، ولا للمرضع: تعجيل فدية يومين فأكثر، كما لا يجوز تعجيل الزكاة لعامين، بخلاف ما لو عجل مَن ذُكر فديةَ يوم فيه، أو في ليلته؛ فإنه جائز"؛ انتهى من "مغني المحتاج" (2/ 176)، وينظر: "أسنى المطالب" (1/ 430).

وأقرب القولين في ذلك: هو القول الأول الذي يجيز إخراج الفدية من أول شهر رمضان، فالفدية بدل مخفَّف يجب على الكبير والمريض المزمن، والمناسب في البدل هو التخفيف والتيسير، وليس التقييد والتشديد.

يقول الشيخ ابن باز رحمه الله: "وهذه الكفَّارة يجوز دفعها لواحد أو أكثر، في أول الشهر، أو وسطه، أو آخره"؛ انتهى من "مجموع فتاوى ابن باز" (15/203).

وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: "يجوز دفع الصدقة عن الأيام من رمضان أو عن الأيام كلها لمن لا يستطيع الصيام لزمانة أو هرم، فإنه يجوز أن يدفع كفَّارة الأيام مقدمًا في أول الشهر، ويجوز أن يؤخِّرها في آخر الشهر، ويجوز في وسط الشهر، كما أنه يجوز أن يدفعها جملةً واحدةً، ويجوز أن يدفعها متفرقة"؛ انتهى.

ثانيًا: اختلف الفقهاء في آخر وقت تدفع فيه فدية الهرم الكبير العاجز عن الصيام، وذلك على قولين:
القول الأول: الوقت على التراخي، ولا يُحدُّ بآخر شهر رمضان، ولا حرج أن يخرج الفدية الواجبة عليه بعد شهر رمضان الفضيل؛ وذلك لقول الله عز وجل: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ [البقرة: 184]. ولم يذكر وقتًا محددًا، فثبتت الفدية في الذمة واجبًا متراخيًا على السعة. لو أدَّاه فيما يتطاول من السنين بعد ذلك فلا حرج عليه، وهو ما نصَّ عليه فقهاء الحنفية والشافعية.

يقول الإمام الكاساني رحمه الله: "الكفَّارات كلها واجبة على التراخي، هو الصحيح من مذهب أصحابنا في الأمر المطلق عن الوقت، حتى لا يأثم بالتأخير عن أول أوقات الإمكان، ويكون مؤديًا لا قاضيًا.

ومعنى: (الوجوب على التراخي): هو أن يجب في جزء من عمره غير معين، وإنما يتعين بتعيينه فعلًا، أو في آخر عمره؛ بأن أخَّره إلى وقت يغلب على ظنه أنه لو لم يؤدِّ فيه لفات. فإذا أدى، فقد أدى الواجب، وإن لم يؤدِّ حتى مات، أثم لتضيُّق الوجوب عليه في آخر العمر"؛ انتهى من "بدائع الصنائع" (5/ 96).

وقد ذكر أنواعًا من الفدية في أمثلة هذه القاعدة.

ويقول العلامة زكريا الأنصاري رحمه الله: "لا شيء على الهرم لتأخير الفدية، إن أخَّر الفدية عن السنة الأولى"؛ انتهى من "أسنى المطالب" (1/ 430).

ويقول الخطيب الشربيني رحمه الله: "لا شيء على الهرم، ولا الزمن، ولا مَن اشتدت مشقة الصوم عليه لتأخير الفدية إذا أخروها عن السنة الأولى"؛ انتهى من "مغني المحتاج" (2/ 176).

ويقول الشهاب الرملي رحمه الله: "يتخير في إخراجها بين تأخيرها، وبين إخراج فدية كل يوم فيه، أو بعد فراغه"؛ انتهى من "فتاوى الرملي" (2/ 74).

ويقول الزركشي رحمه الله: "الفدية، حيث وجبت: فهي على التراخي"؛ انتهى من "المنثور في القواعد الفقهية" (3/ 22).

القول الثاني: أن الفدية واجب فوري، لا يجوز تأخيره. وهو مذهب الحنابلة.

يقول ابن مفلح رحمه الله: "ظاهر كلامهم إخراج: الإطعام على الفور، لوجوبه، وهذا أقيس"؛ انتهى من "الفروع" (4/448).

والأظهر في ذلك، إن شاء الله: هو القول الأول؛ لما تدل عليه ظاهر الآية الكريمة، والتحديد بوقت لا بد له من دليل، ولا دليل هنا على التقييد.

وبهذا يظهر أن مذهب الحنفية في هذا الباب هو الأقرب في كلتا المسألتين، وهو التوسُّع في دفع الفدية، سواء أول الشهر، أو آخره، أو بعده.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 09-04-2024, 02:23 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,299
الدولة : Egypt
افتراضي رد: وقفات رمضانية

وقفات رمضانية (8)

رمضان (1445) الموسم الرابع

د. عبدالسلام حمود غالب
حديثنا اليوم عن سنن الصوم وما يتعلق بالإفطار والسحور وبقية السنن من الطاعات والقربات.

سنن الصوم كثيرة، منها:
1- يسن إذا شتمه أحد أو قاتله أن يقابل إساءته بالإحسان، ويقول: "إني صائم"؛ لما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «الصيام جُنَّة فلا يرفث ولا يجهل وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل: إني صائم مرتين، والذي نفسي بيده لخلوفُ فم الصائم أطيبُ عند الله تعالى من ريح المسك، يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي، الصيام لي وأنا أجزي به، والحسنة بعشر أمثالها»؛ البخاري برقم (1894)، ومسلم (1151).

2- يسن للصائم السحور؛ لما ثبت في الصحيحين من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تسحَّروا فإن في السحور بركة»؛ رواه البخاري برقم (1923)، ومسلم برقم (1095).

3- يسن تأخير السحور؛ لما رواه البخاري عن أنس عن زيد بن ثابت رضي الله عنهم قال: «تسحرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم قام إلى الصلاة قلت: كم كان بين الأذان والسحور؟ قال: قدر خمسين آية»؛ رواه البخاري (1921).

فضل أكل السحور:
عَنْ أنَس بن مَالِكٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «تَسَحَّرُوا، فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً»؛ متفق عليه.

وَعَنْ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «فَصْلُ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أهْلِ الكِتَابِ، أكْلَةُ السَّحَرِ»؛ أخرجه مسلم.

أفضل السحور:
يسن للمسلم إذا أراد الصيام أن يتسحَّر بما تيسَّر من طعام حلال من تمر ونحوه، قال الله تعالى: ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ﴾ [البقرة: 187].

وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «نِعْمَ سَحُورُ المُؤْمِنِ التَّمْرُ»؛ أخرجه أبو داود.

وقت السحور:
يُسَنُّ تأخير السحور إلى ما قبل أذان الفجر الثاني بمقدار خمسين آية = خمس دقائق تقريبًا.

1- عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: «تَسَحَّرْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ قَامَ إلى الصَّلاةِ، قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَ الأذَانِ وَالسَّحُورِ؟ قال: قَدْرُ خَمْسِينَ آيَةً»؛ متفق عليه.

2- وَعَنْ ابنِ عُمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إنَّ بِلالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أمِّ مَكْتُومٍ»، ثُمَّ قال: وَكَانَ رَجُلًا أعْمَى، لا يُنَادِي حَتَّى يُقال لَهُ: أصْبَحْتَ أصْبَحْتَ؛ متفق عليه.

بركة السحور:
في السحور بركات حسية ومعنوية وشرعية منها:
1- امتثال أمر الله ورسوله، وهذه أعظم البركات.

2- أن الأكل جعله الله سببًا يقوي الصائم على طاعة الله وعبادته.

3- أن السحور يعطي الصائم قوة لا يملُّ معها من العبادة.

4- أن السحور يكون سببًا للقيام من النوم في وقت السحر، الذي هو وقت الدعاء والاستغفار، ووقت نزول الرب عز وجل إلى السماء الدنيا.

5- أن السحور يكون سببًا لصلاة الفجر مع الجماعة في وقتها الفاضل.

6- في أكل السحور مخالفة أهل الكتاب، وهي مطلوبة شرعًا.

7- أن المسلم إذا قام للسحور يحصل منه للمسلمين خير ينتفع به غيره من طعام، أو مال، أو علم، أو قضاء حاجة.

عَنِ العِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: دَعَانِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى السَّحُورِ فِي رَمَضَانَ، فَقَالَ: «هَلُمَّ إلى الغَدَاءِ المُبَارَكِ»؛ أخرجه أحمد وأبو داود.

4- يسن تعجيل الفطر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يزال الناس بخير ما عجَّلوا الفطر»؛ رواه البخاري برقم (1957)، ومسلم برقم (1098).

5- يسن أن يفطر على رطب، فإن لم يجد فعلى تمر، فإن لم يجد فعلى ماء؛ لحديث أنس رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر على رطبات قبل أن يصلي، فإن لم يكن فعلى تمرات، فإن لم تكن حَسا حسوات من ماء"؛ رواه أبو داود برقم (2356)، والترمذي (696)، وحسنه في "الإرواء" (4 / 45).

حكمة الفطر على التمر أو الماء:
1- إعطاء الطبيعة الشيء الحلو مع خلو المعدة أدعى إلى قبوله وانتفاع الجسم به، والصائم يفقد كمية من السكر المخزون في جسمه أثناء الصيام، وأكل الرطب أو التمر يعيد إليه بإذن الله ما فقده من السكر والنشاط.

وهبوط نسبة السكر عند الإنسان عن حدِّها المعتاد يسبب ما يشعر به الصائم من ضعف وكسل وروغان البصر، والفطر على التمر يعيد إليه بسرعة ما فقده من السكر.

2- وأما الماء فالكبد يحصل لها بالصوم نوع يُبس، فإذا رُطِّبت بالماء كمل انتفاعها بالغذاء بعده.

6- يسن إذا أفطر أن يقول ما ورد، والذي ورد هو التسمية، والدعاء، كما ورد: «اللهمَّ لك صمت، وعلى رزقك أفطرت، اللهم تقبل مني إنك أنت السميع العليم»، وهو ضعيف كما قال ابن القيم "زاد المعاد" (2 / 51)، وورد أيضًا: «ذهب الظمأ، وابتلَّت العروق، وثبَت الأجر إن شاء الله»؛ رواه أبو داود (2357)، والبيهقي (4 / 239)، وحسنه في "الإرواء" (4 / 39).

قال النووي رحمه الله: "يُسْتَحَبُّ لِلصَّائِمِ أَنْ يَدْعُوَ فِي حَالِ صَوْمِهِ بِمُهِمَّاتِ الْآخِرَةِ وَالدُّنْيَا لَهُ وَلِمَنْ يُحِبُّ وَلِلْمُسْلِمِينَ"؛ انتهى من "المجموع" (6/ 375).

وقد وردت أحاديث في فضل دعوة الصائم منها:
عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «ثلاث دعوات لا تُرَدُّ: دعوة الوالد، ودعوة الصائم، ودعوة المسافر»؛ رواه البيهقي (3/ 345)، وصححه الألباني في "الصحيحة" (1797).

عن أبي أمامة رضي الله عنه مرفوعًا: «لله عند كل فطر عتقاء»؛ رواه أحمد (21698)، وصححه الألباني في "صحيح الترغيب" (1/ 491).

عن أبي سعيد الخُدْري مرفوعًا: «إن لله تبارك وتعالى عتقاء في كل يوم وليلة - يعني في رمضان - وإن لكل مسلم في كل يوم وليلة دعوة مستجابة»؛ رواه البزار، وصححه الألباني في "صحيح الترغيب" (1 / 491).

ما يقوله الصائم عند الإفطار:
1- يسن للصائم عند الإفطار أن يسمي، وإذا نسي ثم ذكر قال: "بسم الله أوَّله وآخره".

عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قالَ: كُنْتُ غُلامًا فِي حَجْرِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ، فَقَالَ لِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «يَا غُلامُ، سَمِّ اللهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ»، فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِي بَعْدُ؛ متفق عليه.

2- إذا أفطر وشرب الماء قَالَ: «ذهَبَ الظَّمَأُ، وَابْتَلَّتِ العُرُوقُ، وَثبَتَ الأَجْرُ إِنْ شَاءَ اللهُ»؛ أخرجه أبو داود.

3- أن يحمد الله عند الانتهاء:
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ لَيَرْضَى عَنِ العَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا، أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا»؛ أخرجه مسلم.

ما يقوله الصائم إذا أفطر عند أحد:
عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم جَاءَ إلى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، فَجَاءَ بخُبْزٍ وَزَيْتٍ فَأَكَلَ، ثمَّ قَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَفْطَرَ عِنْدَكُمُ الصَّائِمُونَ، وَأَكَلَ طَعَامَكُمُ الأَبْرَارُ، وَصَلَّتْ عَلَيْكُمُ المَلاَئِكَةُ»؛ أخرجه أبو داود وابن ماجه.

6- الجود بالخير في رمضان:
يُسنَّ للمسلم الإكثار من الصَّدَقة والإطعام، وقراءة القرآن ومدارسته، والجود بأنواع الخير، ويتأكَّد ذلك في رمضان؛ لما فيه من شرف الزمان.

عَنِ ابْن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أجْوَدَ النَّاسِ بِالخَيْرِ، وَكَانَ أجْوَد مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ، حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلام يَلْقَاهُ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي رَمَضَانَ حَتَّى يَنْسَلِخَ، يَعْرِضُ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم القُرْآنَ، فَإِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلام، كَانَ أجْوَدَ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ؛ متفق عليه.

7- إطعام وإفطار الصائمين:
الإطعام مستحبٌّ في كل وقت، ويتأكد في رمضان؛ لما فيه من تفريغ قلوب الصائمين والقائمين للعبادة، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثلُ أَجْرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا»؛ أخرجه الترمذي وابن ماجه.

8- صلاة التراويح وقيام ليالي رمضان:
صلاة التراويح في ليالي شهر رمضان بعد صلاة العشاء الآخرة إحدى عشرة ركعة، أو ثلاث عشرة ركعة، مع الوتر.

ومن صلى مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»؛ متفق عليه، وهناك قول أنها عشرون ركعةً.

9- الاجتهاد في العبادة في العشر الأواخر:
يُسَنُّ للمسلم أن يجتهد في العشر الأواخر من رمضان، ويحيي الليل بأنواع العبادة.

1- عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ العَشْرُ، أحْيَا اللَّيْلَ، وَأيْقَظَ أهْلَهُ، وَجَدَّ وَشَدَّ المِئْزَرَ"؛ متفق عليه.

2- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَجْتَهِدُ فِي العَشْرِ الأوَاخِرِ، مَا لا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ"؛ أخرجه مسلم.

10-العمرة في رمضان:
تُسَنُّ العمرة في رمضان، وهي فيه تعدل حجة، عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم لامْرَأةٍ مِنَ الأنْصَارِ: «مَا مَنَعَكِ أنْ تَحُجِّي مَعَنَا؟»، قَالَتْ: لَمْ يَكُنْ لَنَا إِلا نَاضِحَانِ، فَحَجَّ أبُو وَلَدِهَا وَابْنُهَا عَلَى نَاضِحٍ، وَتَرَكَ لَنَا نَاضِحًا نَنْضِحُ عَلَيْهِ، قال: «فَإِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فَاعْتَمِرِي، فَإِنَّ عُمْرَةً فِيهِ تَعْدِلُ حَجَّةً»؛ متفق عليه.

11-الاعتكاف في رمضان:
يُسنُّ للصائم الاعتكاف في رمضان، لا سيما في العشر الأواخر؛ لأنه أقرب إلى صيانة النفس عن المنهيات، وإتيانها بالمأمورات، ورجاء أن يصادف ليلة القدر، عَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَعْتَكِفُ العَشْرَ الأواخر مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللهُ، ثُمَّ اعْتَكَفَ أزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ؛ متفق عليه.

12-إحياء ليلة القدر:
يُسنُّ للمسلم إحياء ليلة القدر بالصلاة والذكر والدعاء وتلاوة القرآن وبذل المعروف، وهي ليلة عظيمة القدر، حيث يفرق فيها كل أمر حكيم.

وليلة القدر خير من ألف شهر، وذلك يساوي ثلاثة وثمانين عامًا وأربعة أشهر، وهي في العشر الأواخر، وترجى ليلة سبع وعشرين من رمضان.

1- قال الله تعالى: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ﴾ [القدر: 1 - 5].

2- وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»؛ متفق عليه.

3- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ الله، أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أَيُّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ القَدْرِ مَا أَقُولُ فِيهَا؟ قَالَ: «قُولِي اللهمَّ إِنَّكَ عُفُوٌّ كَرِيمٌ تُحِبُّ العَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي»؛ أخرجه الترمذي وابن ماجه.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 191.91 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 186.97 كيلو بايت... تم توفير 4.94 كيلو بايت...بمعدل (2.57%)]