خطبة عيد الأضحى ‏لعام 1425هـ - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4439 - عددالزوار : 872988 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3972 - عددالزوار : 404959 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12864 - عددالزوار : 229300 )           »          الدعوة إلى الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 131 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 52 - عددالزوار : 3135 )           »          مفهوم الأخلاق في الإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 47 )           »          موقف العقلانيين مــن سنَّة الرسـول صلى الله عليه وسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 36 )           »          الغفور الرحيم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          الامتحان الإجباري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          واحة الفرقان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 20 - عددالزوار : 3930 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 26-06-2023, 10:28 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,968
الدولة : Egypt
افتراضي خطبة عيد الأضحى ‏لعام 1425هـ

خطبة عيد الأضحى ‏لعام 1425هـ
الشيخ أحمد بن حسن المعلِّم

التكبير تسعًا. ‏

الله أكبر كلما هوت القلوب إلى البيت العتيق، الله أكبر كلما توافدت ‏الوفود إليه من كل فجٍّ عميقٍ، الله أكبر كلما لبَّى الحجيج بشعار التوحيد ‏والتصديق، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد. ‏

الحمد لله الذي جعل العبادات زكاة للنفوس، ومقربة إلى الملك ‏القدُّوس، ومكفِّرة للذنوب الجالبة للشقاء والبؤس. ‏

وقصَّ علينا من قصص أنبيائه وأوليائه ما فيه عبرة للمعتبرين، وقدوة ‏للساكنين، وحافز على التضحية والعطاء الموصِّل إلى رضوان ربِّ العالمين. ‏

والصلاة والسلام على مَنْ ضَحَّى في سبيل ربِّه بقليله وكثيره، وقريبه ‏وحبيبه، فلم يدَّخِر مِنْ دون مرضاة الله زادًا، ولم يؤثر عليه مالًا ولا أولادًا، ‏صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلِّم تسليمًا كثيرًا، وأشهد أن لا إله إلا الله، ‏وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، أما بعد:
فأوصيكم عباد الله بتقوى الله، ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].‏

عباد الله، إننا في يوم عظيم من أيام الله، يوم يقول عنه الرسول صلى الله ‏عليه وسلم: ((أعظم الأيام عند الله تعالى يوم النحر، ثم يوم القر))؛ (أبو داود وغيره من حديث عبد الله بن قرط)، ويوم ‏النحر هو يومكم هذا، وهو يوم الحج الأكبر الذي نوَّه الله به في القرآن ‏في قوله عز ذكره: ﴿ وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [التوبة: 3] ‏سمَّاه يوم الحج الأكبر؛ لأن معظم أعمال الحج تقع فيه من الرمي والنَّحْر ‏والحَلْق والطواف والسعي، كل هذه الأعمال يمكن أن تقع في هذا اليوم؛ ‏لذلك نال هذا الفضل وهذه العظمة عند الله تعالى.‏

فالله أكبر كيف تكون العظمة، كيف يكون الجمال والجلال، كيف تكون ‏الأبَّهة في ذلك المجمع العظيم الذي يحويه مِنى والناس أمواج متلاطمة، وكُتَل ‏بشرية مُتحرِّكة، قد ذابت فيها الفوارق، وتحطَّمَتْ فيها المراكز والمراتب، ‏وامتزجت الألوان، وتداخلت اللُّغات، هدف واحد، ونداء واحد، ولباس واحد، كلهم ‏يهتف بذلك النداء الخالد: ((لبَّيْكَ اللهُمَّ لبَّيْكَ)) فيا لها من مناظر تستفزُّ النفوس، ‏ومشاهد ترفع الرؤوس، وحقائق تنطق وتشهد بعظمة الملك القُدُّوس.‏

إنَّ الحج شاهد واحد من شواهد عظمة هذا الدين، ودليل قاطع على ما ‏يودع الله فيه من عوامل قوة وسيادة المسلمين.‏

إنه مبعث أمل يُبدِّد ظلمات اليأس المُخيِّم على واقِعنا المهين، ‏وشحنة قوية من الطاقة الدافعة للأمة على العمل لاستئناف حياة العِزِّ ‏والتمكين. ‏

ولعلَّ ذلك من المنافع التي أودعها فيه ربُّ العالمين، فهل يعي ذلك ‏المسلمون ويستغلونه؟

يقول أحد النصارى المُبشِّرين بالنصرانية في بلاد المسلمين: (سيظل ‏الإسلام صخرةً عاتيةً تتحطَّم عليها سفن التبشير المسيحي ما دام للإسلام هذه ‏الدعائم: القرآن، واجتماع الجمعة الأسبوعي، ومؤتمر الحج السنوي). ‏

عباد الله، إذا كان الحُجَّاج قد فازوا بتلك المنح العظيمة والنِّعَم الجسيمة، ‏وتمتَّعُوا في تلك المشاعر بما يُهيِّج الخواطر، ويُلهِب المشاعر، ويجلب ‏السرور، ويملأ بالسكينة الصدور، إن كانوا قد فازوا بذلك كله؛ فإن الجواد ‏الكريم والبر الرحيم لم يتركنا محرومين من الخيرات، ولم يسد علينا ‏أبواب الأجور والحسنات، ولم يمنعنا من أسباب المسرَّات. ‏

بل قد شرع لنا من ذلك ما نعوض به ما فات، وننافس به الحُجَّاج ‏في تحصيل الحسنات وارتقاء الدرجات، فالتكبير الذي يُدوِّي في أجواء ‏بلاد المسلمين مظهرٌ عظيمٌ من مظاهر عظمة هذا الدين، واجتماع الناس ‏في مصليات العيد مشهدٌ من مشاهد وحدة المؤمنين، والأضاحي التي ‏تُنْحَر وتسيل دماؤها لله وحده رمْزٌ كبيرٌ للبذل والفداء والتضحية في ‏مرضاة ربِّ العالمين، هذه الأضحية وذلك الهدي الذي يذبحه الحُجَّاج في ‏مِنى كلاهما إرْثٌ من إرْثِ إبراهيم خليل الرحمن، إبراهيم الذي أخلص حُبَّه ‏لله حتى سُمِّي بالخليل، وقام بما أمر به من الدقيق والجليل، حتى استحق ‏شهادة التنزيل: ﴿ وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ﴾ [البقرة: 124]، وشهد له مرة ‏أخرى بقوله تعالى: ﴿ وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى ﴾ [النجم: 37]؛ أي: قام بجميع ما ابتلاه الله به، ‏وأمره به من الشرائع وأصول الدين وفروعه. ‏

إبراهيم الذي بذل قلبه للرحمن، وولده للقربان، وبدنه للنيران، وماله ‏للضيفان، ثم جعله الله للناس إمامًا يُقتدى به في تلك الخصال العظيمة، ‏والصفات الكريمة، والتضحيات الجسيمة.
تكبير. ‏

وتأمَّلوا معي عباد الله: كيف ابْتُلي إبراهيم بالتضحية بابنه الغلام الحليم، ‏قرة عينه وثمرة فؤاده ومنتهى آماله، الذي جاء بعد وقت الإمكان، ووهب وقد ‏كاد ييأس منه الأبوان، فما كان منه إلا التسليم والامتثال لأمر الملك العليم. ‏

وخذوا صورة ذلك المشهد العظيم، الذي كمل فيه العبودية لله، وخلا قلب ‏الخليل من كل شيء سوى الله؛ فوقع التسليم المطلق الذي لا تردُّد فيه، واقتدى ‏فيه الولد بأبيه، فلم يمانع الذبح وتنهى حياته بهذا الأسلوب التي تتزلزل منه ‏النفوس فضلًا عن ممارسته حقيقة، فلما ظهر صدق الإيمان وكمال التسليم ‏ونهاية الطاعة والامتثال جاء الفرج؛ بل جاءت الكرامة التي لا ثمن لها، والمنحة ‏التي لا يقدر قدرها، جاء الفداء لإسماعيل من ربِّ العالمين، كبش عظيم من كباش ‏الجنة، يسوقه جبريل فيذبحه إبراهيم ويصبح سنة للمؤمنين إلى يوم الدين، خذوا ‏صورة ذلك كله من أصدق مصدر لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ‏تنزيل من حكيم حميد، قال تعالى حاكيًا قصة إبراهيم وإسماعيل وقصة أصل ‏الأضحية والهدي: ﴿ وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ * رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ * فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ * فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَاإِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ * كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الصافات: 99 - 111].‏

هذا هو الفداء، هذه هي التضحية، هذا هو الإيمان والتسليم، هذا هو ‏الانقياد لربِّ العالمين، ثم هذه هي النتيجة وتلك هي الثمرة: ﴿ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ ﴾ [الصافات: 108، 109] وليست لإبراهيم وحده بل: ﴿ كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الصافات: 110]، ‏فكل من سلك سبيل إبراهيم في التضحية لهذا الدين، والتسليم لربِّ العالمين ‏سينال أجر المحسنين.
تكبير.

عباد الله، ماذا نستفيد من هذه القصة؟ ماذا نستفيد من هذا المشهد العظيم ‏المؤثر؟ ماذا يُحرِّك فينا هذا السياق الكريم؟ يجب أن يحرك فينا البذل ‏والعطاء والتضحية والفداء في سبيل الله، يجب أن نقتدي بأبي الأنبياء ‏في بذل نفسه للنيران فداءً لدين الله، وفي بذل قلبه للرحمن بحيث لا ‏يزاحم حب الدنيا وحب الأولاد والأموال والزوجات والشهوات - لا يزاحم ‏حب الله في قلوبنا، في بذل ولده للقربان بحيث نجعل أولادنا عبادًا لله ‏صالحين، نحثهم على تقديم مرضاة الله على مرضاة الخَلْق، نرضى ونفرح ‏بصلاحهم وتقواهم، ولو حرمنا منافعهم المادية، نبذلهم حيث يطلب منا ‏البذل لحماية الدين والوطن والمقومات، فلا نبخل أو نشح بهم على ذلك، ‏وفي بذله ماله للضيفان، نقتدي بهم في الجود والكرم، وإطعام الطعام، وبذل ‏المعروف، وإغاثة الملهوف.‏

ثم تقتدي الأمهات بهاجر أم إسماعيل التي ما اعترضت على حكم ‏الله، ولا منعت زوجها ولا ابنها من إنفاذ مراد الله، وإن كان من ذلك ذبح ‏وحيدها، وإعدام وليدها، وتجرُّعها غصة الحزن والأسى طوال حياتها. ‏

ويقتدي الشباب والأولاد بإسماعيل في بذل النفوس والمهجة لله ربِّ ‏العالمين، وفي طاعة الوالدين: تخيَّل أنَّ أباك يأمرك بأمر فيه هلاكك! هل كنت ‏ستطيعه فيه؟ هل ستقتدي بإسماعيل في تقديم رقبته طاعة لربِّه وبَرًّا لأبيه، إننا ‏لا نطالب منك أيها الولد المبارك هذه التضحية التي لا يمكن أن يتكرَّر مثلها؛ ‏ولكننا نطالب طاعتهما فيما تقدر عليه فيما هو في استطاعتك وإمكانك، وإن كان ‏ذلك قد يخالف هواك، وقد يخالف رغباتك، وقد يُكلِّفك تعبًا ومشقةً، وفي كل تلك ‏الأحوال يجب أن تسمع لهما وتطيعهما ولا تتأفَّف ولا تتذمَّر من ذلك: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ [الإسراء: 23، 24].‏

وعلينا جميعًا أيها المؤمنون أن نُضحِّي بحظوظ أنفسنا، نُضحِّي بأهوائنا، ‏نُضحِّي بالضغائن والأحقاد التي تملأ صدرونا؛ حتى يكون عيدنا سعيدًا، ومنهجنا ‏رشيدًا، وأمرنا سديدًا.
تكبير. ‏

الخطبة الثانية
‏التكبير سبعًا. ‏

‏ الله أكبر كلما ظهرت آيات الله في النفس والآفاق، الله أكبر كلما ذلت ‏لعظمة الله النواصي والأعناق، الله أكبر كلما أيقن بقدرة الله أهل الخلاف ‏والوفاق، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد. ‏

الحمد لله الذي يُخوِّف عباده بالآيات، وينذر العصاة بأبلغ العقوبات، ويعظ ‏أولياءه ليتداركوا أمورهم قبل الفوات، أحمده وهو بالحمد جدير، وأشكره ‏وشكره من أسباب حسن العاقبة والمصير. ‏

والصلاة والسلام على أشد الناس خشية لربِّه، وأكثرهم خوفًا من ذنبه، ‏نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك ‏له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ‏تسليمًا كثيرًا، أما بعد:
عباد الله، فأوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]. ‏

عباد الله، لقد حدث خلال الأسابيع القليلة الماضية حَدَثٌ عظيمٌ، وظهرت آيةٌ ‏من آيات الله الحكيم العليم، ذلك هو الزلزال الذي ضرب جنوب شرق أسيا ‏وما نتج عنه من طوفان كبير لم يشهد له العالم مثيلًا منذ قرون، وما ‏ترتب عليه من مآسٍ وكوارثٍ مُروِّعة، لا تزال الدنيا بأسرها تتفاعل ‏معها وتتأثَّر بها، وقد أثارت هذه الحوادث الكثير من التساؤلات؛ بل ‏وسرت بعدها العديد من الشائعات؛ لذا وجب أن نلقي الضوء على شيء ‏من ذلك في وقفات تأمُّل واعتبار: ‏
الوقفة الأولى: أن نعتقد أن ذلك بقدرة الله ومشيئته، فلا يكون في الكون ‏شيء بغير إذنه، قال تعالى: ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴾ [الحديد: 22]. ‏

الوقفة الثانية: إن ذلك إنذار من الله وتخويف للناس ليرجعوا عن غيِّهم، ‏وإشعار لهم بأن ظلمهم وانحرافهم قد بلغ حدًّا كبيرًا، ومدًى بعيدًا يؤذن بعقوبة ‏شاملة وهلاك كبير إن لم يتَّعِظوا ويتوبوا إلى الله، قال تعالى: ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ * وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ﴾ [الشورى: 30، 31] وقال تعالى: ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [الروم: 41] والواجب عند ذلك ‏هو التوبة والرجوع إلى الله والتضرُّع والتذلُّل بين يديه، قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ ﴾ [الأنعام: 42]، فإن تابوا ‏وتضرَّعُوا كان لهم الفلاح في الدنيا والآخرة، وإلا فالعقوبة الماحقة والهلاك ‏المبين ﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام:44- 45]. ‏

الوقفة الثالثة: إن العقوبة التي أهلك الله بها الأُمَم الكافرة المكذِّبة ما هي ‏إلا من جنس هذه الظواهر التي تُسمَّى الظواهر الطبيعية، وهي في حقيقتها آيات ‏من آيات الله، أليس هلاك قوم نوح بالطوفان، وعاد بالريح والإعصار، وثمود ‏بالرجفة والزلزلة، وأرسل على قوم فرعون: ﴿ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ ﴾ [الأعراف: 133]؛ إذن لا ينبغي أن نُفسِّر هذه الأحداث تفسيرًا ماديًّا يبعدنا عن ‏الإيمان بالله، والخوف منه، والتضرُّع بين يديه. ‏

الوقفة الرابعة: إن كثرة الزلازل من علامات الساعة، كما قال النبي صلى ‏الله عليه وسلم، وكذلك كثرة الفتن والقتل، وهذا يقتضي مِنَّا أن نُعِدَّ للقاء الله، ‏ونعمل ما يُنْجينا وما يسعدنا إذا قامت الساعة؛ ولكن ليس بالضرورة أن تقوم ‏الساعة بعد أيام أو بعد شهور، ولا بعد أعوام قليلة، إنَّ عِلْمَها عند الله لا يجليها ‏لوقتها إلا هو، وما انتشرت من إشاعات بأن القيامة سوف تقوم خلال كذا وكذا، ‏فذلك كله من الكذب على الله، فلا يجوز تصديقه ولا إشاعته؛ وإنما يجب أن نعمل ‏للساعة الأعمال الصالحة التي تُنْجينا يوم القيامة. ‏

الوقفة الخامسة: إن واجب العالم كله تجاه ما جرى، وواجب المسلمين ‏بوجه خاص أن يقفوا بجانب أولئك المتضررين، ويمدوهم بالدعم المعنوي ‏والمادي، أما الدعم المعنوي فمواساتهم وتعزيتهم من جهة، وتذكيرهم بالله ‏ودعوتهم إليه من جهة أخرى، وأمَّا الدعم المادي فمساعدتهم بالمساعدات ‏النقدية والعينية والطبية وغيرها. ‏

ولقد كان لليمن موقفه المشرف في الجانبين، فإن إنقاذ أولئك أو كثير ‏منهم من طوفان الجهل وزلزلة الشرك والوثنية وإخراجهم من الظُّلُمات إلى النور ‏كان على يد آبائنا وأجدادنا اليمنيين، فاتحين ودُعاةً عاملين وتُجَّارًا أمناء ‏موفَّقين. ‏

وفي الجانب المادي قام أبناء اليمن اليوم على ضعف إمكانيَّاتهم وضيق ‏حالهم بما لم يفعله إلا قليل من الشعوب، ولا غرابة فإنهم أحفاد من قال الله ‏فيهم: ﴿ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ﴾ [الحشر: 9].‏

ولقد كان للانسجام بين موقف القيادة والشعب والتوافق والأُلْفة بينهما ‏أثره الواضح في دعم الموقف الرسمي، وتحريك الجهد الشعبي، وهذا من نعمة ‏الله على هذه البلاد؛ حيث لا تضارُب ولا مصادمة بين الموقفين، وهذا يدعونا إلى ‏المزيد من رصِّ الصفوف، وتوحيد الكلمة، والحفاظ على الوحدة الوطنية، ‏وصيانتها من كل ما يُعكِّر الصفو ويُقلِق البال. ‏

ومما يحقق ذلك أن تنظر القيادة إلى الشعب وإلى الطبقة الفقيرة ومحدودة ‏الدخل منه على وجه الخصوص نظرة شفقة وحنان، وأن تخدم مصلحته وتُراعي ‏ظروفه، وتقدم ذلك على كل اعتبار، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ((اللهُمَّ ‏مَنْ وَلِيَ من أَمْرِ أُمَّتِي شيئًا فَشَقَّ عليهم فَاشْقُقْ عليه، وَمَنْ وَلِيَ من أَمْرِ أُمَّتِي ‏شيئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ))؛ [مسلم 1828] فيجب على الدولة أن تعمل بكل جد على إزالة ‏آثار الجرعة الجديدة المتمثلة في رفع الدعم عن المشتقات النفطية بكل السُّبُل، ‏ولو غضبت بعض المنظمات والجهات المانحة فإن رزقها ورزق شعبها عند الله ‏وليس عند أحد سواه. ‏

كما أن واجبها استكمال ما تَمَّ إنجازه من استتباب الأمن والاستقرار، ‏وذلك بالعمل على ربط الأمة بربِّها، وإحياء ضميرها، وإشاعة التقوى الحاجزة عن ‏ظلم الناس وترويعهم، ثم العمل على سيادة القانون الشرعي الذي يخوف ويزجر ‏من لا يخاف الله "وإن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن". ‏

ومن الأمور الخاصة بنا في حضرموت يجب على السلطة المحلية ‏بأجهزتها المختلفة البتُّ في القضايا الجنائية والأمنية المعلقة، وعلى رأسها ‏قضية الطفل اليزيدي والشاب عويض، وإلا فإن هذه السلطة سوف تفقد ‏مصداقيتها أمام هؤلاء الناس، وتُجرِّئ مَنْ لا يخاف الله على مزيد من الجرائم.

‏نسأل الله أن يُجنِّبَنا ويُجنِّب بلادنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يُوفِّق ‏قيادتنا للعمل لما يرضيه، ويلهمها رشدها، ويُجنِّبَها كيد الكائدين ومؤامرات ‏الأعداء الحاقدين، وأن يعيد هذا العيد علينا وعلى سائر المسلمين بالخير واليمن ‏والبركات.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 61.71 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 60.00 كيلو بايت... تم توفير 1.71 كيلو بايت...بمعدل (2.77%)]