روح القرآن : الدعوة إلى الله - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4418 - عددالزوار : 854445 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3949 - عددالزوار : 389397 )           »          معنى قوله تعالى: {ليبلوكم أيُّكم أحسنُ عملاً} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          تخصيص رمضان بالعبادة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          ذكر الله دواء لضيق الصدر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          بيان فضل صيام الست من شوال وصحة الحديث بذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          صيام الست من شوال قبل صيام الواجب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          صلاة الوتر بالمسجد جماعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          قراءة القرآن بغير حفظ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 37 )           »          الإلحاح في الدعاء وعدم اليأس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 08-01-2006, 02:27 PM
يانورالنور يانورالنور غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Jan 2006
مكان الإقامة: لبنان - جبل عامل - عربصاليم
الجنس :
المشاركات: 24
افتراضي روح القرآن : الدعوة إلى الله

روح القرآن : الدعوة إلى الله

في بيوتٍ أذن الله أن ترفع

على محمد (ص )أنزل القرآن العظيم ، هذا الكتاب الذي ملأ الدنيا دويّاً ، وملأها بركات وملأها علماً ومناهج سلامة واستقامة، ونُظماً سديدة ، ومجتمعات رشيدة ما دام الناس ، يعملون ويسترشدون بكتاب الله العظيم ، القرآن الكريم .

والقرآن الكريم لباب ما يتوخاه الناس من حصاد المعاني ، في رحلة اللغات والأفكار ، والأخلاق والنظم ، في تاريخ البشرية ، وتتويجاً لتاريخ البشرية ، وذلك جدُّ بديهي ، وجدُّ طبيعي لأنه كلام الله جل جلاله .

فأي عالم من المعارف ، وأي كون هو هذا القرآن الكريم الذي وصفه الله تعالى بقوله : { بل هو قرآن مجيد . في لوح محفوظ . سورة البروج آية 21 – 22 } وقوله عز شأنه : { إنه لقرآن كريم . في كتاب مكنون . لا يمسُّه إلا المطهرون . تنزيل من رب العالمين . سورة الواقعة الآيات 77 – 80 } . وإشارة إلى عظمة القرآن ، وعظيم ما فيه ، وسموِّ ما فيه ، وعميق معانيه ، وبليغ مراميه ، يقول سبحانه : { ولقد يسَّرنا القرآن للذكر فهل من مدَّكر } ويكررها لجلاء جواهر الحكمة فيها ، عدة مرات في سورة القمر .

أما ما هي روح القرآن ، وهدف توجهاته وتوجيهاته ، وهدفه الذي يختصر كلام أهل السماوات والأرض ،وتطلعات أهل السماوات والأرض ، وشرف أهل السماوات والأرض ، فهو بين الدفتين ، وبكل وضوح : الدعوة إلى الله ، إلى كلمة { لا إلـه إلا الله } إقراراً بنعمته وإخلاصاً لوحدانيته ، والتقرب إلى كرم وجهه ، والتشرف بمعرفته ، كل ذلك بالطاعة والعبادة والحب ، والجهادين الأكبر والأصغر . بهمة مستفادة من فضله سبحانه ، ومن قرآنه هذا العظيم وهذا الكريم ، يخلع معها العارف ثياب الدنيا ثوباً ثوباً ، ليجد نفسه متوجهاً إلى ربه العظيم بثوب نوراني لا أثر فيه لألوان الثياب وجفاف الثياب ، وما تكشف الثياب من سوءات ، هو {نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم . سورة النور آية 35 } إذن تكامل الإستنارة بنور الله ، يؤدي إلى السعادة المطلقة في الله ، تلك هي روح القرآن .

وإذا أردنا أن نتوسع أكثر عن نورانية أهل اليقين ، من الذين يرزقهم الله من العرفان درجات ، نذكر الآية التي بعد هذه { نور على نور} مباشرة ، وهي قوله تعالى : { في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلواة وإيتاء الزكواة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب . سورة النور آية 36 – 38 } فقوله تعالى : { في بيوتٍ } إلى قوله { بغير حساب}هو إعراباً خبر بعد خبر ، بعد قوله عز وجل : { نور على نور } ،وقوله { يهدي الله لنوره من يشاء } وكأن القارىء الواعي لا بد أن يسأل ، { نور على نور ؟ } كيف ؟ و{ يهدي الله لنوره من يشاء } من هم الذين يشاء أن يهديهم الله لنوره ؟ من هم ؟ وأين هم ، وكيف ، ومتى ... ؟ فيأتي الجواب الشافي :

{ في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه ... }

فإن قيل هي المساجد ، كان صحيحاً ، وإن قيل هي كذلك بيوت عادية من حجر في أهل حضر ، أو شعر في أهل وبر .. كان ذلك صحيحاً . وإن قيل هي أبدان العابدين التي هي بيوت نفوسهم ، كان ذلك صحيحاً . إنما هذه البيوت لا يرفع شأنها إلا بإذن الله ، ولا يذكر فيها اسمه سبحانه إلا إذا أذن هو تبارك وتعالى بذلك . وقوله عزت عظمته : { يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال .. } أي حالها كذلك ، أي ، لكي يأذن لها أن ترفع ، ينبغي أن يكون من صفاتهم ومن نهجهم ، أن يذكروا اسم الله بالغدوِّ والآصال أي في أوقات تكاد تكون موصولة بذكره وبالتسبيح بحمده، لا تقطعها تجارة بمقايضات وصفقات وأنواع تثمير ، لتجميع المال والإنشغال بتجميعه ، زيادة عن حاجة الأسرة في مسكنها ومآكلها ومشاربها .

أما إذا قيل : واضح تفسير قوله تعالى : لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلواة ولكن ما المقصود بقوله تعالى : وإيتاء الزكواة ؟ وهم ، أي هؤلاء المستنيرون بنور الله ، بعد أن تفرغوا للجهاد بأنواعه وللعبادة آناء الليل والنهار ، فمن أين لهم المال لكي يؤتوا الزكواة ؟ الإجابة ذات وجهين ، قد يتفقان وقد يفترقان . ويفهم ذلك إذا عرفنا أن الزكواة لا تكون فقط بأداء المال ، وإنما قد تكون زكاة علم وزكاة أبدان جهاداً في سبيل الله ، فإذا فتح الله على عبده باب علم وباب مال ، فلا كلام في أن العبد الصالح يؤتي الزكواة من هذين الرزقين ، وإلا فمن العلم والجهادين الأكبر والأصغر . وقد جمع الله كل ذلك بقوله عز وجل في آخر هذه الآيات، حيث قال { ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب } وذلك بعد ذكر صفة مهمة من صفاتهم ، هي كونهم { يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار } .

لا تستغرب ! ...

فبين يديك مصاديق كثيرة لهذه الآيات ، ولما ذكرناه في تفسيرها ، وهذا غير محصور كما قد تظن بالأنبياء والأئمة المعصومين ، وإنما هو مشاع للصالحين من عباد الله في كل زمان ومكان . ولو أنك تفحصت تاريخ أولياء الله وحيواتهم وما قد يصلك عن سلوكهم في الماضي والحاضر والمستقبل ، لبدلت استغرابك بالإعجاب بمدى لطف الله وكرمه وحبه لأوليائه .

ولا تنس روح هذه المطالب ، وأساسها الذي هو في قوله : { في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه .. } وتوقف طويلاً عند {اسمه} فقط وتأمل ، وسافر إذا شئت ـ مقبولاً إن شاء الله ـ في فكر التوحيد والحب ، فإن أخلصت القلب لله ، وتخلصت من خفايا الشرك وتأليه المخلوقين ، فأنت بإذنه تعالى من الواصلين ، ترفل بقلب من نور وعقل من نور وثياب من نور .

ولا تستعجل !...

واسأله تعالى وحده ، اسأله لنفسك السكينة ، لنتفاهم بروية ، فإنا قد ذكرنا لك عن هذا العلم ، أنه لشرفه ، ليس كثيراً أن تخاض إليه اللجج ، وتسفك دونه المهج ، كما قال الإمام السجاد عليه السلام .

ولسنا نكتب لك لتترك دنياك ، هكذا بجرة قلم تقفل بها باب ماضيك وحاضرك وتفتح بها باباً لمستقبلك . فإني وإن كنت أحبك في الإنسانية وأحب لك الهداية فإني لن أقدر على هدايتك ما لم يأذن الله ، فإن الشفاعة لله جميعا ، أولا تذكر قوله تبارك وتعالى :

{ إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء } .

هذا القول قاله الله تعالى لمحمد (ص) عبده ورسوله ، وفحواه أن محمداً لا يستطيع أن يهدي من يحب ، لأن الله هو وحده الذي يهدي من يشاء ، فإن اهتدى بمحمد ٍ ( ص) أحد ، فلا يكون ذلك إلا بإذن الله ومشيئة الله وشفاعة الله . فلا تسألنَّ إلا من الله الهداية وكلَّ خير . لأن بيده الخير ، كل خير ، وهو على كل شيء قدير .

ولا تخش من هذه الكتابة وهذا التفسير على الناس ، أن يتركوا قصورهم ويتخلَّوا عن تجاراتهم واختراعاتهم وغزوهم الأسواق .. والأفلاك ، أو حتى عن مقعد في مقهى أو تخصص في جامعة أو بناء ناطحة سحاب .

وإياك والقعود عن الجهاد أو الدعوة إلى الجهاد ، جهاد الفرد وجهاد الأمة ، فإن ههنا دليل الجهادين ، وبغير هذا الدليل وأمثاله، يبقى الجهاد كما هو مطروح في الساحات ، محلياً وعالمياً ، جهاداً تعبدياً للتراب والصخر ، والأرض والعزة والكرامة ، والوطن والإقتصاد... إلى آخر حلقة من حلقات الحياة الدنيا . وصحيح أن كل هذا مطلوب الحفاظ عليه ، إنما ـ إن لم تكن من المتبحِّرين ـ ستصدمك الحقيقة التي نسوقها إليك ، وهي أن كل ذلك الذي ذكرناه ، إذا لم يكن مقروناً بالإيمان بالله ، سيكون عملاً حابطاً ، أي مردوداً على أصحابه ، وسيحاسبون عليه حساباً عسيرا . فأين هم من الله ، من ملك الله وحكم الله وقيومية الله وحق الله ؟ جلَّ وعلا تعالى عما يشركون .

لن يتأثر بهذه الكتابة ، ولن ينتفع بها ، إلا من أراد الله هدايته ونقله من درجات الإيمان إلى درجات اليقين ، ومن أدنى درجات الجنان إلى عليين . فإن هذه الكتابة فقط لأهل الإيمان ، وتحت عنوان قوله تبارك وتعالى : { وذكِّر فإن الذكر تنفع المؤمنين . سورة الذاريات آية 55 } .

أما كيف يصبح ما في رأسك نورانياً ، وقلبك نورانياً ، ودمك نورانياً ، فمعاً فيما وفقنا الله تعالى إلى تأويله في بعض وجوه آيات النور ، التي ذكرنا بعض انعكاساتها ، والآن نعود إلى أصلها ، وهو قوله تبارك وتعالى : { الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكواة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم . سورة النور آية 35 } .

لن أتكلم عن أنوار الله تعالى ، التي بها نرى حمرة الوردة ، وبياض الياسمين وغير ذلك من الألوان والأشكال ، في الأرض وفي السماء وما بين الأرض والسماء ، حيث أنه ثبت علمياً كما أنه ثابت بالنظر العقلي والنظر الظاهري ، أنه لولا أنوار الله التي بها نرى ، وعلى أساسها نحيا ونتحرك ويعمر هذا الوجود ، لكان الناس عمياناً والكون ظلام دامس . إنما سأتكلم عن نور هو أعجب مما نرى وندرك في ظواهر الأشياء ، هو نور الإنسان الذي يجتبيه الله أو يصطفيه نبياً أو ولياً ، أو صالحاً في الصالحين ، في كل زمان وإلى يوم الدين ، وهذا النور هو في قوله جلَّ شأنه : {الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكواة ... } .

قوله تعالى : الله نور السماوات والأرض ، واضح المعنى ، فلا نور في السماوات والأرض إلا نوره ، وهو إما مادي وإما معنوي ، فأما المادي فكنور الشمس ونور الفجر وأنوار النجوم والأقمار ثم أنواع النور التي علم الإنسان استنباطها من الزيت إلى الطاقات النووية ، وأما المعنوي فدينه سبحانه ، ودينه الإسلام ، أرسل به الأنبياء تترى ، منذ آدم عليه السلام إلى نوح إلى إبراهيم إلى موسى إلى عيسى إلى محمد صلوات الله عليه وعليهم ، وغيرهم من الأنبياء كثير ، ودليلنا التمهيدي على أن المراد بـ {مَثَل نوره} : الاسلام دينه الحنيف ، قوله عزت عظمته :

{ أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين . سورة الزمر آية 22 } .

ويعني أن من لم يشرح الله صدره للإسلام ، فليس على نور من ربه ، يعني هو في ظلام ، ومعلوم أنه كذلك يكنَّى بالظلام عن الضلالة والجهالة والعماية ، والتلبس بالباطل والبعد عن الحق...

ودين الله تعاليمه . يقول رسول الله محمد (ص) في بعض الدعاء . " وبنور وجهك الذي صلح عليه أمر الدنيا والآخرة " . فتعاليمه سبحانه لأهل السماوات وأهل الأرض نور من نوره .

وقبل أن نستبطن بعض رموز آية النور التي نحن بصددها ، من البديهي أن نشرح ظاهر الألفاظ : مشكاة ومصباح ، زجاجة ، كوكب دري ، شجرة ، زيتونة ، أمثال ... فالمشكاة هي الطاق أو المجسم المتعدد الأشكال الذي يوضع فيه المصباح ، والمصباح كل ما يستنار به في الظلام ، قلَّ ضوؤه كمصابيح الزيت أو الغاز ، أو كثر كمصابيح الكهرباء . والزجاجة ، ما شفَّ وصَفَا من القوارير ، وهي لحماية قبس النور من الريح والمطر وهي كذلك لحصر الضوء ونشره في كل الاتجاهات . والكوكب واحد الكواكب التي في السماء ، ودريٌّ لعله يفهم هذا العصر أكثر من العصور السالفة ، حيث عرف أن مادة الكواكب بشكل عام ترابية أو صخرية ، ومع ذلك فهي تتلألأ وتضيء ، بما ينعكس عليها من ضوء الشمس ، فكيف إذا كان أحد الكواكب درِّيـاً أي من الدُّر ، والدُّرُّ واحدته درَّة ، وهي الجوهرة التي تؤخذ من المحار الذي يغاص عليه في البحار، ويقال لها لؤلؤة ، فإذا كان الكوكب درِّياً فسيكون نقيَّ الجوهر من داخله وخارجه . وشجرة ، كل ما اشتجر بأصول وفروع، وكثيراً ما يتداخل فيها الرمز أو المجاز بالحقيقة ، فنقول شجرة الأخلاق ، وهو مصطلح عند علماء الأخلاق يدَّعى معه أن الشجرة التي نهي عنها القوم ــ آدم ، أو آدم النوع ، إنما كانت شجرة مفاسد الأخلاق . ويقال شجرة الأنساب و { ألم ترى كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أُكُلها كل حين بإذن ربها .. } وزيتونة ، يعني خضراء نضرة مثمرة بزيتها يستضاء ، وبثمرها الطيب ينتفع . وأمثال ، واحدها مِثْل ومثَل ، وتستعمل للتشبيه ولتقريب المعاني العميقة إلى الأذهان ، وكثيراً ما يستعمل معها الرمز للدلالة على الحقيقة : { أنزل من السماء ماءً فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبداً رابيا ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزَّبد فيذهب جفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال . سورة الرعد آية 17 } و { مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة . سورة البقرة آية 261 } و { مثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله وتثبيتاً من أنفسهم كمثل جنَّة بربوة أصابها وابل فآتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابل فطلّ . سورة البقرة آية 265 } .

نلاحظ في هذه الأمثلة أن الله سبحانه لكي يقرب إلى الأفهام المعاني المجردة ، والكبيرة ، والعظيمة ، وأحياناً غير المحدودة ، أي المطلقة ، فهو يعرض لها أمثالاً من الملموس والمجسم ، ومن الأشياء التي يتداولها الناس أو يتداولون بها بكثرة في حياتهم اليومية ، ولا شك أن هذا الإسلوب أسرع في إيصال المعاني إلى القلوب والأذهان ، إنما يزداد تعقيداً وحملاً للوجوه ، كلما كانت المعاني أعظم وأقدس ، وكلما كان المخاطبون أفهم وأعلم ، وبالتالي أملك لأدوات التحليل والتعليل ، والاستقراء وسبر الأغوار والإستنتاج . وذلك بما يعلمهم الله ، واتقوا الله ويعلمكم الله ، فـ { وفوق كل ذي علم عليم . سورة يوسف آية 76 } .

ففي الآيات الكريمة التي أوردناها بين يدي قوله تعالى {مثل نوره كمشكواة ... } نجد في الآية الأولى ، المعنى المجرد الذي أراد سبحانه تعليمه للناس ، هو الكلمة الطيبة ، ضرب لها مثلاً بما هو محسوس ومتعارف : شجرة طيبة . وفي الآية الثانية، المعاني المجردة التي أراد ، المذكورة في الآية : الحق والباطل ، والمجردة المستفادة من كلمات النص وما بين الكلمات : هي العقول والأفهام ، وقد تمثل سبحانه لكل ذلك ، بالأنهار والجداول على اختلاف أعماقها وأحجامها من جهة ، ومن جهة أخرى ، على ما تحمل ، أي على مضامينها ونتاجها ، والمحسوس جداً في هذا النص الكريم ، هو الماء الصافي والنمير الشافي أصلاً ، وهذا مثل أولوا الألباب من أهل الحق ، وما تكن صدورهم وما يقولون وما يفعلون ، ثم الزبد ، أي غثاء السيل وما فيه من قش ونفايات، وكذلك ، حتى ما يستخرج من الأنهار من ذهب وغير ذلك مما يوقد عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع ، هو كذلك كالزبد وغثاء السيل لا قيمة له عند الله تبارك وتعالى ولا نفع له في الحقيقة عند أولي الألباب يفتتن به أهل الدنيا ، وهو بمنزلة الباطل يذهب جفاءً .

وفي المثل الثالث الآية الكريمة تتعرض لمعنى البركة والخير الكثير المعنوي والمادي وفي الدارين الدنيا والآخرة ، مثَّل لذلك بالسنبلة والقمح الذي فيها وهو في مفهوم الناس وفي الحقيقة رمز خير وبركات . وكذلك في المثل الرابع عن الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله وتثبيتاً من أنفسهم وهما معنيان تجريديان ، فيهما من الجمال المعنوي الخيِّر الشيء الكثير ، ولم يترك سبحانه في هذه الآية قضية النسبية ، إذ ليس كل الصالحين يتقربون إلى الله تعالى بنفس المقدار من الحب والولاء والبذل ابتغاء مرضاته وإخلاص أنفسهم له سبحانه وتثبيتها على صراطه . فجاء المثل الرائع المعجز ببلاغته ، التي هي من السهل الممتنع ، قوله تعالى : { كمثل جنة بربوة أصابها وابل فآتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابل فطلّ .. } وجعل الجنة في هذا المثل وهو ما نسميه نحن في العادة الروضة أو الحديقة أو البستان ، جعلها في ربوة ، أي في مرتفع من الأرض لا صعباً كالجبل ولا منخفضاً ، دلالة على مكانة المنفق ابتغاء مرضاته عنده سبحانه ، والوابل المطر الغزير الذي يتضاعف منه نتاج الأرض ، وهذا لمن يسخون ويكرمون ببذلهم حباً بالله وتقرباً إليه ، وقوله : فإن لم يصبها وابل فطلّ ، كناية عن الإنفاق قد يكون قليلاً أو إخلاص العبد لربه ، قد لا يكون كاملاً ، فيعطيه الله سبحانه ما يتناسب مع نيته وقدرته ، من حيث كثرة ماله أو قلته ...

هكذا نكون قد قدَّمنا لفهم قوله عز وجل ، { مثل نوره كمشكواة ... } ما يساعدنا على الكشف عن وجه من وجوه تأويلها ، وهي الآية التي ما زال يتصدى لتفسيرها وتأويلها أهل الفضل من العلماء ممن تفضل عليهم الله سبحانه بألوان من أنواره، سواء كانوا من الصوفيين أو العرفانيين أو عامة أولياء الله الصالحين ، وبنور وجهه الكريم أهتدي وبه أستعين ، وعليه أتوكل ، وهو وحده ربي وحسبي وحبي .
او الموضوع الذي يليه في المنتدى

الموضوع رائع التتمة في موقع العقل الاسلامي www.islamicbrain.com
كتبه--مفتاح المعرفة الجزء الاول --روح القرآن الدعوة الى الله --بين المشكاة والمصباح والزيتونة
__________________
سماحة العلامة الشيخ عبد الكريم آل شمس الدين

لبنان - جبل عامل - عربصاليم

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 08-01-2006, 04:56 PM
الصورة الرمزية فتاة الاسلام
فتاة الاسلام فتاة الاسلام غير متصل
مشرفة ملتقى الفوتوشوب والرسم
 
تاريخ التسجيل: Dec 2005
مكان الإقامة: ** في دنيـــا الله الواسعة **
الجنس :
المشاركات: 7,124
افتراضي

جزاك الله خيراا ووفقك لعمل الخير
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 08-01-2006, 05:06 PM
اسيرالأحزان اسيرالأحزان غير متصل
عضو نشيط
 
تاريخ التسجيل: Jan 2006
مكان الإقامة: الــــيــمـــن
الجنس :
المشاركات: 110
الدولة : Yemen
افتراضي

مشكوووووووووووووووووووووووووور
اخي الكريم
__________________
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 09-01-2006, 05:25 PM
الصورة الرمزية سها
سها سها غير متصل
مشرفة سابقة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2005
مكان الإقامة: المغرب
الجنس :
المشاركات: 2,804
الدولة : Morocco
افتراضي

*اللهم ارزقنا قلبا سليما بعزتك وجلالك يارب العالمين*
بارك الله فيك اخي الكريم
رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
...موقف المرأة من الدعوة إلى الله ... مسلمه اون لاين الملتقى الاسلامي العام 11 06-11-2009 10:27 PM
أصول الدعوة إلى الله إبن الإسلام الملتقى الاسلامي العام 4 18-01-2007 01:37 AM
#.... حكم الدعوة إلى الله وفضلها....# مسلمه اون لاين الملتقى الاسلامي العام 16 06-04-2006 04:03 PM


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 80.64 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 77.33 كيلو بايت... تم توفير 3.31 كيلو بايت...بمعدل (4.11%)]